رواية انت ادماني الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم سارة محمد
رواية انت ادماني الجزء الثالث والعشرون
رواية انت ادماني البارت الثالث والعشرون
رواية انت ادماني الحلقة الثالثة والعشرون
الفصل الثالث و العشرون (الجزء الأول)
تهدل كتفي “إلهام” ما إن سمِعت جملته التي بددت كل الأمل الذي كان يسري بخلدها بينما هتفت هي بخفوت و هي تنظر له :
– عشان خاطري يابني .. صدقني مش هتعبها أنا بس عايزة أشوفها دقيقتين ..
لم يبدو عليه التأثر ، بل قال و لم تهتز عضلة فكه :
– تحبي أوصلك للبوابة ؟
أبتلعت إهانته الصريحة لتنكس رأسها و هي تبتعد بخطوات واهنة متجهة نحو الخارج ، و قد خرجت من القصر بأكمله بمقلتىّ أغرورقتا بالدموع ..
• • • •
و بعد شهرين ، كان يجلس محدقاً بالسماء بلونها الخلاب و النجوم التي تزين فراغها ، أطلق تنهيدة واهنة ، فـ منذ أن قام بطرد والدة حور بطريقة غير مباشرة و الألم يأكله أكلاً ، بينما هو يرتدي قناع الجمود في معاملته لـ “توليب” و التي بدت غير عابئة بمعاملته أو هذا .. خارجياً فقط ..
أخرج لُفافة تبغ بنية اللون و هو ينفثها بذلك الجو البارد .. فقد شارف موسم الشتاء على القدوم ، لمحها من بعيد .. توحشت عيناه و هو ينهض و هو يرى خصلاتها منسدلة على ظهرها الهواء يتطايرهما ، ظل مكانه و هو يراها تقترب مطالعة ملامحه و التي زال عنها البرود ليحل محله غضب مخيف ، و ما إن إقتربت منه حتى غرز أصابعه في ذراعيها و هو يهزها بعنف قائلاً :
– أنتِ أزاي تخرجي كدة !!
أبعدت رأسها و هي واضعة يدها على صدره ، تأوهت بألم و هي تعلم أن مكان قبضته على ذراعيها سيترك كدمة زرقاء في الغد ، نظرت حولها و هي تقول بهدوء :
– مافيش حد هنا .. غيرك
أزدادت عيناه سوداوية و هو يقترب من وجهها بشدة ولم يرخى قبضته ليهمس أمام شفتيها بجنون :
– و لو حد من الحراس دخل و شافك دلوقتي ؟ أنتِ عارفة ممكن أعمل في أيه لو شاف شعرك ؟ هشيل عينه يا توليب.. هشيلها !!
زاغت نظراتها و هو يُحدق بشفتيها المرتجفة من البرودة التي عصفت بها و إزدادت مع كفيه الباردة .. شعرت أنه مُحق ربما لتتلعثم و هي تقول و مازال قربه يشكّل خطراً :
– طب .. طب أبعد عشان أروح ألبس الحجا ..
قاطعها و هو ينهال من شهد شفتيها بشوقٍ ، بينما “توليب” كانت تحت تأثيره الذي لا يُقاوم .. و هي قد حصلت على قبلتها الأولى ،سار تيار كهربي بعمودها الفقري ، و لكنها ظلت واقفة كتمثال الشمع عكس ما بداخلها تتلقى قبلاته المجنونة و التي لم تكُن بشفتيها فقط ، بل أنتقلت لكامل وجهها بقبلاتٍ متقطعة ..
خانتها قدميها حتى أنها كادت أن ستقط لولا ذراع قوية أمسكت بخصرها و الذراع الأخر أمسك به عنقها من الخلف لتزداد قبلاته .. لطفاً ، و لأول مرة يجتاحها ذلك الدفئ منذ الشهرين الذين مروا ، شهرين كانا تعامله به معها أكثر من جاف ، يفتقر إلى أيّ حنو ..
ماجد .. ماجد وذكرياتهما معاً جعلاها تضربه على صدره بأقوى ما عندها و هي تُحاول التملُص من بين يداه .. بينما هو دُهش من هجومها المفاجئ فـ هي و قبل ثانية كانت مستسلمة تماماً بين يداه .. و لكنه أبتعد بصدرٍ لاهث و هو يُحدق بمقلتيها اللتان إلتمعا بدموعٍ و هي تمسح بكف يداها فمها بعنف و عيناها تطلقان شراراً مختلط بدموعٍ و هي لا تصدق أنها للتو كادت أن تخُن ..ماجد !!!!
طالعة برودة عيناه و التي كانتا أكثر برودة من الجو ، كتفت ذراعيها حول كتفيها بشفاه مرتجفة ..
أبتعدت عدة خطوات و هي ترى الجمود الذي عاد يُغلف عيناه ، أشاحت بأنظارها عنه و برودة عيناه تعصفها عصفاً ..
كادت أن تذهب عائدة للقصر لولا جملته التي سمرتها بمكانها و جعلت الدماء تهرب من جسدها بأكمله :
– أفتكرتيه
لم يكُن سؤال .. بل كان إقرار بواقعٍ مؤلم على قلبه ، عندما كان جوابها الصمت .. في خطوات قليلة أقترب منها و هو يعاود إمساكها من ذراعيها و لكن بقسوة أكبر و قدميها أرتفعتا عن الأرض :
– أنا هوريكي يا توليب !!!
أنتفض قلبها بقسوة و هي تراه كذئب وُضِع أمامه فريسته ، رفعها عند كتفيه و هو يحفُر الأرض بخطواته متجهاً نحو القصر .. لا بل نحو غرفتهما !!
• • • •
صرخت “توليب” عالياً و هي تشعر بإنقباض غير طبيعي بفؤادها .. يزداد و هي تشعر بتشنج جسده و أنفاسه اللاهثة ..
ألقاها بقسوة على فراشه و هو يرميها بنظرات مظلمة كظلام الليل .. فك أزرار قميصه و عيناه تزداد برودة جعلت “توليب” تزحف نحو مسند الفراش و هي تقول برجاء باكٍ :
– لاء يارعد عشان خاطري .. رعد أنا أسفة والله مش هعمل كدة تاني ..
كان يمُر أمام أعينها تلك الذكري .. الذكرى التي كانت أشبه بتلك ، بدى كمن لا يسمعها و هو يردد بكلمة واحدة (هندمك يا توليب) ، و قلبها كل مرةٍ ينتفض أكثر ، همت بالفرار و لكن يداه القوية كانت تُكبلناها ، رفع يداها فوق رأسها حتى أصبح يعتليها ، بينما شعرت هي بتميل رسغيها و كأن الدماء هربت منها ، تلوت بين يداه باكية و شهقاتها تعلو أكثر و هي تراه يضع يداها وراء ظهرها و مازال قابض عليهما و لكن بإحدى يداه .. و اليد الأخرى تمزق ملابسها الخفيفة بوحشية ، برغم سماعه لطرقات باب غرفتهما الموصد و صراخ “حلا” به أن يفتح ولكنه لم يعايرها أدنى أهتمام بينما هي تبكي بحدة و صرخاتها .. هزت الجدران ……
• • • •
كانت “حلا” جالسة بغرفتها لتنتفض ما إن سمعت صرخات “توليب” ، هرولت و هي متجهة نحو غرفتهما بقلبٍ وقع في قدميها ، أدارت مقبض الباب لتجده موصد ، شتمت و هي تظن أن”توليب” أصابها مكروه و لكن ثلجت أطرافها عندما سمِعت “رعد” يتمتم وسط صراخها بكلماتٍ لم تسمعها ، شعرت بلكمة في قلبها من ذلك الصراخ الذي يمزق القلوب ، تذكرت تماماً بكائها بنفس الحدة قبل سنتان .. فقط سنتان .. ترددت الذكرى أمام أعينها بقسوة لتبدأ بضرب الباب بقوة و هي تبكي قائلة :
– رعد أفتح الباب .. رعد أبوس أيدك متعملهاش حاجة .. رعـــد !!!!
صرخت عندما نطقت و قد شحب وجهها و هي ترى تلك الصرخة التي أنبعثت من “توليب” تليها … هدوءٍ تـام !!!
كادت أن تقع أرضاً لولاً أنها أتكأت على الجدار الذي كان مُرحب بها .. بينما سقط كفيها من على مقبض الباب .. و قد أزرقت شفتيها برعبٍ !!
• • • •
إسودت مقلتيهّ بغضب و هو يبتلع ذلك الدواء بجوفه .. و قد شعر بقبضة تعتصر قلبه .. و برغم من تبشير الطبيب له أنه سيخرج غداً ، إلا أن كانت جملة والدته تترد في أذنه التي قالتها قبل شهران ، و من وقتها و هو عزِم على الشفاء فقط من أجل أن يكسر أنف ذلك أل “رعد” من إذلال والدته بتلك الطريقة .. أغمض عيناه و هو يتذكر تلك العنيدة القزمة بخصلاتها الهوجاء ، و عيناها تلك ، بشرتها الناعمة كلأطفال .. طول لسانها الذي أراد قطعه ، و الإرتجاف الذي عاشته بين يداها لسببٍ مجهول لم يفهمه ، تذكر شقيقتة الغير شقيقة أيضاً ، عند تذكرها أغمض عيناه بإشتياق .. فهي لم تأتي منذ أن عرفت أن والدتها هي نفس والدته ، أشتاق لها حد الجحيم ، و قد عزم أن أول ما سيفعله عند خروجه من تلك المشفى التي تطبق على أنفاسه أنه سيذهب ليراها مع والدته ..
• • • •
و بـ أوروبا .. حيثما تكمنُ البرودة ، و عند ذلك البطل ذو الوجه الحجري ، واقف أمام طاولة الزينة الموضوع عليها الكثير من العطور .. ولكن يبقى عطرٍ واحدٍ يُفضله .. أخذه لينثره بغزارة على ملابسه والتي كانت عبارة عن بنطال من اللون الأسود و قميص نفس اللون ، تاركاً أول زرين مفتوحين مما أظهر عضلات صدره بكرمٍ .. بل القميص ذو اللون الخلاب يكاد ينفجر من عضلاته .. شمّر إكمام ساعديه و هو يطالع نفسه بغرورٍ .. مشّط خصلاته الفحمية والتي يوجد بها بعض الخصلات بندقية اللون وارث إياها من والده ، و بهيبة كان يقف أمام تلك الفتاة القابعة بفراشه ، أخرج من جيب بنطاله رزمة نقود ، وضعها على الكومود بجانبها و معه حبة من حبوب منع الحمل ، بهدوء شديد أنحنى بجزعه وهو يفيقها و كأنها حبيبته بينما ملامح وجهه باردة ..
أفاقت الفتاة بجسدها العاري و هي تطالع وجهه بوسامته الصارخة و حدقتيه الخظراوتان .. والتي تذيب عشقاً من نظرته فقط ، تماطأت و هي تراه يعتدل بوقفته يراقبها بملامح خالية من الحياة ، بينما هي تبادله بنظرات دافئة ، دائماً ما كان لطيف معها .. أو مع أي فتاة .. لم يكُن يوماً سادياً بأي طريقة من الطرق ، ولكن أسوأ ما فيه .. غضبه .. ستشعر حقاً بقسوة عندما تغضبه ، و رُغم أنه الكثير من المرات إن لم يكُن دائماً يصُب غضبه عليها .. إلا أنها بنظرةٍ من عيناه .. عيناه الباردة .. لا يوجد بها ذرة من الرحمة ولكنها تبقى دائماً .. أكثر عينان شاهدتها جمالاً ..
أعتدلت قليلاً مابين الجلوس والرقود ، و هي تلُف جسدها بالغطاء السميك قائلة بمياعة مقصودة باللكنة المصرية الأصيلة :
– يا سلام لو أصحى كل يوم على الجمال دة !!!
لو يبدو عليه التأثر من كلماتها المنتقاة ، و لكنه إسودت عيناه غضباً عندما قالت و بنفس النبرة :
– رايح فين ؟!
ألتوى ثغره .. أبتسامة أقل ما يُقال عنها .. قاسية .. كذلك البرود الذي يخرج من عيناه ..
أقترب من الفراش لينحنى بجزعه لها مجدداً و عيناه تحدقان بها كالصقر ، و من ثم باغتها و هو يجذبها من خصلاته حتى كادت أن تقع من الفراش و هي تصرخ ببكاءٍ من تلك القبضة الفولاذية التي تكاد تقتلع خصلاتها البنية من جذورها .. إزداد نحيبها عندما سمعته يقول بنبرة هادئة .. خطيرة :
– متديش نفسك أكبر من حجمك .. عشان مسودش ليلتك فاهمة ؟! أنتِ هنا لغرض معين وخلص .. خُدي الفلوس والبرشام .. و ماشوفش وشك غير لما أنا أبقى عايز .. فـاهمة !!
صرخ بأخرج جملته .. و قد علمت أن الوحش الكاسر أنطلق ، أبعد يداه وفضهما و كأنها تدنسه .. أخذ مفاتيح سيارته ليخرج تاركها تبكي و هي لا تشعر بفروة رأسها …
• • • •
فتحت مقلتيها الجامدتين ، جسدها العاري تماما تحت غطاء ثقيل ، برودة جسدها وقلبها معاً لا يُحتملا .. مرت أمام أنفها رائحة دُخان نابعة من لُفافة التبغ الذي يمسك بها ، و هي تشتم عطره و الذي لم يكُن من جسده .. بل من جسدها هي !! ظلت جامدة هكذا كالأموات ، عيناها تُحدق في سقف الغرفة تحديقاً جامداً ..
لم تذرف دمعة واحدة .. هي من الأساس لا تعشر بـ من حولها ، كل ما يطوف بخلدها الأن أبيها .. أحن أب عرفته .. تذكرت عندما كانت صغيرة .. كان يُمشط خصلاتها و هي تتذمر ببكاء من شعرها الغجري عكس خصلات صديقاتها الناعمة ، حينها همس أبيها بأذنها قائلاً : ( أنِت مُختلفة عنهم كلهم .. )
رُغم أنها لم تكُن تعي كلماته .. فـ أستمرت بالبكاء وكأنه لم يقُل شئ ..
و عندما ذهبت له إحدى الأيام تبكي بشدة بسبب صديقتها التي قذفت بكلامها بوجهها ناعتة إياها باليتيمة ” لقد قالت لي أنني يتيمة يا أبي .. أين أمي ؟ أنا أريدها بشده أرجوك أبي ..!! ” حينها مسد والدها على خصلاتها و هو يواسيها بعينان ألتمعوا بحزن و هو يقول ” لا تسمحي لأحد أن يجعلكِ تبكين يا طفلتي .. لا تجعليهم أن يشعروكِ بضعفك أمام نفسك و أن يُقللوا من شأنك و أحترامك لذاتك أبداً ، أبنتي توليب لا يبكيها شئ .. ”
كفى .. حقاً كفى .. أنا مثلت القوة أمام نفسي كثيراً و لكن إلى متى ؟ خارت قواي يا أبي .. هو السبب .. هو من جعلني أصل لتلك الحالة ، جعلني أشعر بالضعف و الخذى أمام نفسي .. أنا لستُ بتلك القوة التي يمكنني بها أن أتحمل ذلك الأسى و ذلك الجبروت ، أريدك أبي .. أرجوك .. أريد أنا أبكي بأحضانك و تواسيني و أنت تُمشط خصلاتي بيداك كعادتك .. أرجوك أبي أشعر بروحي تنتفض من جسدي ..
شهقت “توليب” كم يغرق .. شهقت دون بكاء و دون حركة ، بينما ذلك يجلس على الكرسي الموجود بزاوية الغرفة ، ينفث دخانه من فمه و هو يراقب كل تفصيلة تنتج عنها ، و عندما شهقت بذلك الألم .. و لجزء من الثانية .. هالة من الندم بعيناه .. فقط جزء من الثانية ..
ظلت باسطة يداها بجانبها تحت الغطاء ، وجسدها العاري المكدوم تكاد لا تشعُر به ، لم تهتز و هي تراه يقف مقترباً منها بخكوات هادئة .. للغاية
أقترب من وجهها لينحنى بجزعه هامساً بأذنها بنبرة لا حياة فيها .. ولكنها تشبه فحيح الأفعى بل تنافسها :
– مش ندمان .. دة حقي !!!!
رجفة .. رجفة سارت بجسدها حاولت ألا تشعره بها و هي تقبض على الملاءة تحتها بشدة مغمصة عيناها .. أستنفزت أكبر قدر من طاقتها لكي لا يشعُر بـ .. ببكاءٍ يصدر من فؤادها .. و بدقيقة كان يصفع الباب خلفه بقوة لم تؤثر بها ، واحد .. إثنان .. ثلاثة …. أنفجرت بالبكاء و هي تضرب الفراش بقبضتيها عدة مرات و كل مرةٍ كان يزداد بكائها أكثر .. شعرت بإرتخاء غريب يسرى بأوصالها ، إرتخاء شعرت كما لو أنها .. شُلت !!
أخذت تصرخ و هي تُدفن صراخها بالوسادة :
– بــااباااا .. بـــابــا تعالى خُدني من هنا بقى ..
#الفصل_٢٣ج٢
الفصل الثالث والعشرون (الجزء الثاني)
جرجر حقيبته بكفه والأخر موضوع في جيب بنطالة بعنجهية ، أظلمت عيناه بتوعد ليكمل سيره بغرورٍ نحو سيارته السوداء المنتظراه و بجانبها يقف شخصين ذوى بنية قوية والجمود يعتلى ملامحهم ، و لكن فور ما رأوه أحنوا رأسهم بإحترام و هم يأخذوا الحقيبة من يده ،
أستقل سيارته في المقعد الخلفي تاركاً مُهمة السواقة للسائق ، محملقاً في الطرقات بخضرواتيه القاتمة ..
• • • •
ترجل من السيارة بذلك الحي الراقي و الذي لن يُقطن به سوى من الطبقات المخملية ، رمى البناية شاهقة الأرتفاع التي يقطن بها بنظراتٍ خالية ظلت مظلمة …
سار عدة خطوات نحوها لينتفض البواب الجالس بجانب البناية مهللاً بسرورٍ :
– حمدلله ع السلامة يا “زين” باشا العُمارة نورت والله …
أبتسم له بتكلف و هو يتسائل عن الأمور التي جرت بغيابه .. أنهى حديثه ليقف أمام المصعد منتظر وصوله .. وصل المصعد بعد لحاظ ليستقله ضاغطاً على رقم الطابق الذي يقطن به .. و إحدى قدميه تحفر بالأرضية بوتيرة ثابته تدل على نفاذ صبره ، ويده لم تنازل ويخرجها من جيبته ، ظل جامداً هكذا ما إن وصل المصعد إلى طابقه ، و بحركة سريعة كان يُفتح له المصعد ليخرج بأنفٍ كاد أن يصل للسماء ، و هو يخرج مفاتيح شقته ، دسها بالباب و هو يفتحه …
كانت شقة راقية ، حيثُ الأثاث من أفخم الأنواع مُرتب وكأنها لم يغادرها منذ سنة !! ، ذلك الشبّاك الضخم و أطاره باللون البني ، بل كانت شقته أجمعها يطغى عليها لون الشوكولا الذائبة ، شاشة كبيرة الحجم تتوسط الحائط تقابل أريكتان من اللون الجمّلي بينهما منضدة صغيرة بُنية اللون ، أما السقف فكان مُزخرف ببراعه وأنوار بيضاوية الشكل محفورة في السقف باللون الأزرق كالمجرة تعطيه مظهراً يسلب الأنفاس ، إلتفت عند سماعه صوت البواب ليأخذ منه حقيبته و هو يغلق الباب بعدما ذهب بهدوء ، ترك الحقيبة وهو يفك أزرار قميصه الأسود كالمعتاد ليبقى عاري الصدر بعضلاته الصلبة كالفولاذ ، أخرج سيجار و هو يشعلها منفثاً دخانها الكثيف مغمض عيناه ، دافناً يداه بجيبه ، سار ببطئ لغرفته بعينان متحجرتان ، دلف لها ليطالعها بغموض مضيقاً عيناه ..
كانت غُرفته من اللون الرصاصي المختلط بالأسود ، فراشة وثير تعلوه أغطية من نفس اللون بينما مسنده من اللون السُكري ، مُلحق بها مرحاض لا يقل رُقي عن باقية الشقة ، و شرفة واسعة بها أرجوحة صغيرة بعض الشئ و شِبّاك كبير .. ولج للشرفة والسيجار بفمه مزيحاً الستائر ذات الأقمشة الراقبة باللون الرصاصٍ أيضاً ، أسند كفه على مسندها و هو يطالع المنظر أمامه ، كان آخذ للأنفاس بأضواء السيارات التي تمشي بسُرعةٍ وكأن سائقها لديه خلل بعقله ، الطرقات تأتي وتذهب أمامه و بعيداً بعد الشئ وادٍ عالٍ ، نثر المتبقى من سيجارته بالهواء و أصابعه تطرُق على مسند الشرفة بثبوت ، و أخيراً هتف بنبرة لا حياة بها :
– جايلك .. قريب أوي ….
• • • •
كانت “حلا” جالسة تحدق بالفراغ بعينان شاردتان ، منزوية برُكن بعيد بغرفتها و هي تفكر فيما حدث .. لازالت صرخات “توليب” ترن بأذنها رناً !! لازال صوت بكائها ينخر بعظامها ….
ذلك الصوت الذي ذكرها بذكرياتٍ تحاول نساينها .. عندما كانت تصرخ هكذا من سنتان .. أقشعر بدنها و هي تتذكر تلك اللمسات القذرة التي كانت تجول على جسدها .. شددت على أحتضانها لقدميها و هي تدفن رأسها بركبتيها .. أنسدلت خصلاتها الكستنائية على منكبيها واصلة للأرض بطولها الجذاب راسمة لوحة بارعة في الجمال ، تأوهت بألم سامحة لدموعها بالأنسياب ، علت شهقاتها تدريجياً و هي تتيقن أن “توليب” الأن في حالةٍ يرثى لها .. هي الوحيدة التي تعلم بإحساسها الأن ، سمعت الباب يُطرق بخفوت ولكنها ظلت كما هي .. ثابته تنطلق منها بعض الشهقات الخافته ..
دلف “رعد” للغرفة بملامح حاول أن تكُن .. جامدة .. طالعها بشفقة فـ هي صغيرة .. صغيرة للغاية على ما سمعته من صرخات “توليب” .. و هو يعلم أن كل تفصيلة من تلك عاشتها هي بقسوة .. جلس نصف جلسة على الأرضية قبالتها .. رفع يده السمراء بعروقها القوية و هو يمسح على خصلاتها قائلاً بنبرة رغماً عنه خرجت .. حانية :
– حلا …
رفعت “حلا” وجهها .. لم ترى “رعد” .. بل رأت عجوزٍ احمق ملامح وسيمة يطالعها بنظرات جعلتها تشعر كما لو أنها عارية أمامه ، أنتفضت بحدة و هي تنفض يده كما لو أنها وباءٍ ، نهض و هي ترتد للخلف بينما أخذ صدرها يعلو و يهبط ..
رمقها “رعد” بغرابة و هو ينهض مقترباً منها مشيراً بيداه أن تطمئن .. و لكنه تفاجأ بصراخها في وجهه و هي تقول بجنون :
– أبعد عني .. أنت عايز أيه أبعد ..
لم تكُن توجه حديثها ذلك لـ “رعد” بل كان لذلك العجوز ..
نظر لها “رعد” بصدمة قائلاً :
– حلا أنا رعد ..
أرتجف جسدها ببرودة و هي تنظر له بحقدٍ تغلغل داخلها :
– أبعد عني يا حيوان .. سيبني في حالي بقى بطّل تظهرلي .. مش هندم .. مش هندم أني قتلتك و لو أتعاد بيا الزمن هعملها تاني …. حتى لو كان مش بقصدي وقتها ..
تحجرت مقلتيّ “رعد” رامياً إياها بكلماتٍ خرجت قاسية :
– مين دة اللي قتلتيه يا حلا !!!
زاغت أنظارها حتى كادت أن تسقط لولا أتكائها على الحائط و قد أتضحت لها صورة “رعد” ، أنفجرت به قائلة بغلٍ :
– أنت كمان زيه .. نفس الوساخة يا رعد .. عشان كدة أنا شوفته فيك ، أطلع برا .. أطلعوا برا حياتي كلكم مش عايزة حد في حياتي .. بــرا !!
لم يتحرك “رعد” مثبتاً أنظاره عليها .. أشتعل صدره من تلك الصفة التي نعتته بها لتوها مع شخصٍ لم يعلم من هو .. حاول إمساك أعصابه قليلاً حتى لا يصفعها الأن .. حالتها من الأساس لا تسمح .. ناهيك عن ذلك الثقل الذي يثلج صدره .. رماها بنظرات غامضة ليلتفت دالفاً خارج الغرفة صافعاً الباب وراءه .. تاركها تتهاوى على الأرضية ببكاءٍ حادٍ ..
• • • •
أنهى “قُصي” أجراءات خروجه من المشفى و أمه تكاد تقفز فرحاً لأنها سترى فلذة كبدها و سعيدة أيضاً ان أبنها تعدى تلك المرحلة التي كادت أن تودي بحياته ، خرجواً مستقلون سيارة “قُصي” و هو يتجه صوب قصر “رعد البناوي”
• • • •
كان “رعد” يقف أمام باب غرفتها و هو لم يتجرأ على الدخول ، كان من السهل أن يلوى مقبض الباب ويدلف .. و لكن لا يريد أن يراها بتلك الحالة حتى .. عندما سيراها متيقن أنه لم يتحمل وسيدفنها بأعمق أعماقه .. و هو لا يريد .. سوى هذا !!
كلمات “حلا” شعرته بحقارته دنائته حقاً .. ماذا لو حدث لها شئ !! ، هجم على الباب و هو يفتحه بعينان متسعتان .. رمى الغرفة بنظرات متلهفة و كن لم يجدها .. هوى قلبه أرضاً من أن تكون ذهبت !!
تبدد ما كان بمخيلته و هو يراها تخرج من المرحاض بجمود و منشفة وردية تحيط جسدها الأسمر الذي تلون بكدمات زرقاء بدت .. عميقة ، أنقبض ما بين حاجبيه و هو يطالع كدمات جسدها الزرقاء .. أغمض عيناه بألم و هو يشيح بعيناه بعيداً مقطباً حاجبيه ، و على عكس ما توقع .. لم تخاف .. لم تنكمش .. ولم تصرخ به أن يخرج .. بل كانت كاللوح الثلج .. لم تنظر له حتى .. سارت بخطواتٍ ثابته كعقارب الساعة و هي تنتقي شيئاً من الخزانة لترتديه ..
أخرجت ملابسها و هي تضعها على الفراش ، أزاحت المنشفة عن جسدها لتبقى عارية تماماً أمامه ..
تجمدت تعابيره بل جسده بأكملها لذلك المنظر .. برغم أنه لم ينظر لها و لكن كان واضح أنها عارية أمامه ، و قد ظهرت كدماتها أكثر على جسدها ، تمنى “رعد” لو يقتل حاله الأن عما سبب لها من ألم ..
أرتدت “توليب” ملابسها ببرود لتجده رامياً بنظراته بعيداً عنها ، وجدته يقترب ناحية الكومود و هو يخرج (مرهم) للجروح والكدمات واضعاً إياه على الكومود قائلاً بنبرة رغماً عنه خرجت متألمة :
– حطيه ع الكدمات …
و بهدوء شديد خرج من الغرفة صافعاً الباب خلفه بالطبع .. أبتسمت “تزليب” ساخرة و هي تحدق بالمرهم ، لم تقترب منه و هي تعاود الجلوس على الفراش بجسدٍ أرهقته البرودة و الألم ..
• • • •
خرج من الغرفة و هو يشعر بلهيب بصدره يحرقه حرقاً ، حفر يداه بخصلاته و هو يطيح بالمنضدة بقدميه بقسوة ..
سمع رنين هاتفه ليمسك به قائلاً بغضب :
– عايز أيه يا زفت ؟!!!
أبتلع الأخير ريقه من نبرة سيده القاسية ليقول و قد خرجت منه الكلمات بصعوبة :
– في .. في واحد والست اللي جات قبل كدة عايزين يقابلوك ..
تنهد بحرقة ليقول :
– خليهم يدخلوا …
• • • •
دلف “قُصي” و “إلهام” التي أنفرجت عيناها بشوقٍ ، فتحت لهما الخادمة بترحاب .. دلف “قُصي” للقصر بينما أمامه “رعد” الذي وقف بإنتصاب كعادته عيناه برغم جمودها إلا وأن الألم شكّل حيز أكبر من الجمود ، طالعه “قُصي” بجمودٍ و هو يقول :
– فين توليب ؟!!
أشار لهما عن غرفتها ليركض “قُصي” نحو الغرفة بشعورٍ يمزق أحشاءه و هو يشعر أن شئ سئ .. سئ جداً قد حدث
.. لم يختلف أحساس والدته بل كان أشد وهم يخطوا نحو غرفتها .. طرق “قُصي” الغرفة قبل أن يدلف .. أنقبض ما بين حاجبيه و هو يطالع حالتها .. ملامحها ذُبلت تماماً و عيناها السوداء كالليل أنطفت تماماً .. تلك اللمعة الجذابة التي كانت بعيناها ذهبت إدراج الرياح .. خصلاتها مشعثة و هي تسند رأسها على مسند الفراش ورائها ..
بينما ضربت “ألهام” على صدرها و هي تشهق بفزع :
– بنتي …!!!
ركضت لها و “توليب” تنظر لها بغرابة ، لم تمنع “الهام” نفسها من أحتضانها و هي تربت على ظهرها قائلة بنبرة أوشكت على البكاء :
– مالك يابنتي .. مالك أيه اللي حصلك ؟!!
لم ترد “توليب” عليها و هي تدفن رأسها بصدره الحاني .. و أكثر شئ كانت بحاجته الأن فقط أن تدفن رأسها بصدرٍ رحب كهذا …
لم ترُد “ألهام” أن تتضغط عليها و هي تحتضنها مربتة على ظهرها ، بينما أقترب “قُصي” بخطوات كانت أشبه بالأرتجاف .. و ما أصعب أن يرى شقيقته بتلك الحالة و يداه مكبلة هكذا .. جلس على طرف الفراش و هو يطالعها بحنان .. نظرت له “توليب” وقد عادت ذكريات تداهمها مجدداً عن ذلك الشخص ، أمسكت برأسها ألا يكفيها ذلك الصداع لتتذكر أشياء أخرى ؟!! شعرت بالدفئ بعيناه لتتركها “ألهام” و هي تبكي على ما وصلت إليها أبنتها .. وعلى ذلك العناق الذي كان بمثابة القشة التي أنقذتها من الغرق ، تمعنت بملامح أبنتها بإشتياق عارم و هي تقبل جبهتها بإشتياق ، مغمغمة عن مدى أشتياقها لها ، فـ هي منذ أن ولدتها و هي لم تراها سوى مرة واحدة بالمشفى .. لم تراها تكبر أمامها .. و ما أصعب ذلك الأحساس ، نظر لها “قُصي” بحنانٍ ليحاوط وجهها بكفيه قائلاً :
– توليب .. أنتِ مش مرتاحة هنا ؟ عايزة تمشي ؟
و سريعاً ما كانت تومئ برأسها بأقوى ما لديها و قد أغرورقت عيناها بالدموع .. و أخيراً ستخرج من ذلك القصر ، و برغم أنها لا تعرفهما و لكن شئٍ ما بقلبها يقول لها أنها تعرفهما .. جيداً
لم يكُن “قُصي” أو “ألهام” يعلمان أنها فاقدة الذاكرة ..
رأت “توليب” مقلتىّ “قُصي” تتسع بشدة و هو مصوب عيناه على كتفيها .. و سارعان ما ألتمس كدمة كانت بزاوية كتفها .. أشتعلت ملامحه و هو يقبض على ذراعها صارخاً بها :
– عمَّلك أيــه ؟!! ردي !!
أنفجرت بالبكاء و هي تصرخ به :
– ملكوش دعوة بيا أنت مين عشان تدخل في حياتي أطلعوا برا كلكم ..
أشتدت قبضيته على ذراعيها غير عابئاً بتألمها و هي يجأر بها و “إلهام” ترجوه أن يتركها :
– أنا أخـوكـي و من حقي أتدخل في حياتك …
أعتلت ملامحها صدمة و هي جاحظة العينان ، أخيها ؟!!! أعتصرت ذهنها و هي تغمغم بنبرة سمعها “قُصي” :
– أنا .. أنا مش فاكرة .. حاجة .. أبعدوا عني .. أنا .. أنا فاقدة الذاكرة !!
صُدم “قُصي” مما قالته بينما زاغت أنظار “إلهام” و هي تشهق ببكاء ، جذبتها لأحضانها شاتمة “رعد” ..
لم يتحمل “قُصي” ما نُزل عليه من صدمات لينتفض خارجاً من الغرفة وهو يجأر بصوتٍ أخترق الجدران و عروق عنقه برزت :
– رعـــد .. أطلع يا *** !!!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية انت ادماني)