رواية انت ادماني الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم سارة محمد
رواية انت ادماني الجزء الثالث والثلاثون
رواية انت ادماني البارت الثالث والثلاثون
رواية انت ادماني الحلقة الثالثة والثلاثون
لا أستطيع منع وقوعي المُستمر بك.💙 “مقتبس”
طوق خصرها بقوة مقرباً إياها من صدره ، أسند جبينه على رأسها مشدداً على معانقتها ، كان ظهرها مقابلاً لصدره آخذين بذلك الجمال البديع الذي أمامهم ، يستطيعون مشاهدة أنوار المدينة و السيارات التي تركض كما لو أنها تسابق الرياح ، رغم علو الوادي الجالسين به إلا أن روعتها تُبدد أي خوف بقلبك ، و رغم برودة الطقس و الهواء الذي يضربهما إلا أن أحتضانه لها أشعرها بدفءٍ ليس له مثيل ، غمس “زين” وجهه بخصلاتها يستنشق عبقها الفاتن ، لو كان بـ يده لكان ظل هكذا دون تحرك ، لكان أمضى حياته بقربها هكذا و هي تتوسد صدره ، و لن يمل ..
سارت قشعريرة بجسدها و أنفاسه تضرب عنقها من الخلف ، تكورت أكثر على نفسها و هي تدفن ظهرها بصدره اكثر قابضة على ذراعيه الملتفتين حول خصرها ..
راقبت ظهور قرص الشمس المتوهج و هو يسطع بخجلٍ ، أشرق وجهها بأبتسامة جميلة و هي تمد سبابتها مشيرة على قرص الشمس قائلة بطفولية فَرِحة :
– زين بُص الشمس بتطلع ..
لم يبدو أنه سمعها ، كان يدفن وجهها بخصلاتها مسحوراً برائحتها المميزة الممزوجة برائحة طفولية بريئة ، قطبت “حلا” حاجبيها بغرابة و هي تغمغم بتساؤل :
– زيـــ ..
بتر غمغمتها و هو يشدد على أحتضانها هامساً بـ ولهان :
– ششش …
دفنها بصدره أكثر حتى بدت ضئيلة جداً مقارنةٍ بجسده الضخم ،الضخم جداً حقيقةً ~
صمتت مطالعة المنظر امامها بإبتسامة حالمة ..
• • • •
لم يبقى لي شخصٍ معي .. حتى هو ذهب و لن يعود ، هي تعلم أنه لن يُضحي بشئٍ و لو صغير لأجلها ، من الممكن أنه يحبها و لكنه أناني لا يعبء سوى لنفسه ، أنسابت الدموع الحارة على وجنتيها ، تشبثت بـ وسادتها بقوة كأنها طوق نجاتها ، أخذت تأن بألمٍ كما لو أن أحد ممسك بسكين و يُمزق قلبها بلا رحمة ، كما لو أن أحدٍ ممسكاً بعنقها ، هدير أنفاسها يكاد يصم أذنها ، لم تنام منذ البارحة حتى أنتفخت عيناها من كثرة البكاء و بدا الإرهاق مهلكاً لملامح وجهها ، الكزن يزحف على ملامحها ببطءٍ قاصداً إيذاءها ..
صدح رنين الهاتف لتلتقطه “توليب” ، حدقت بـ رقمه المتلألئ على شاشة الهاتف ، أعتدلت بجلستها سريعاً كما لو أنها تسابق الريح ، ضغطت على زر الإجابة و هي تضعه على أذنها ، ساد الصمت لثوانٍ قطعه هو بصوته الأجش :
– حبيبتي ..!!!!
أنفجرت بالبكاء واضعه الهاتف على وضع الصامت ، لم تستطع تمالك دموعها و هي تسمع صوته ، منذ البارحة فقط لم تراه إذاً لما تشعر أنها سنة ؟!!
سمعته يقول مجدداً بصوتٍ حاني دافئ أشتاقت له :
– أنتِ كويسة ؟!!!
يا لهُ من سؤالٍ أحمق ، ظلت واضعة الهاتف على وضع الصامت عندما قالت بصوتٍ خافت :
– وحشتني جداً ..
ليته سمِع نبرتها ، أجزم أنه كان سيسابق الريح ليصل لها ثم يعتصرها بعناقٍ يقطع أنفاسها ..
كفكفت دموعها بيأسٍ ألغت وضع الصامت ، سمعت هدير أنفاسه العالية ، ليس غضباً ، بل أشتياقاً جحيمي ..
ظلوا هكذا هي صامته لم يستطيع حتى سماع صوتها ، بينما هو يشعر بأنه جالسٍ على جمرٍ مشتعل !! ، أغلقت “توليب” الخط لتجهش بالبكاء مجدداً ، بكت و كأنها لم تبكي من قبل ، سيظل يُعذبها ، لن يكف عن جلدِ قلبها بعشقه ..
• • • •
لم يستطيع التحمل ، أرتدى ما وقعت عيناه عليه ثم ألتقط مفاتيح سيارته ، سرعة السيارة تتجاوز المائتان ، ملامحه مبهمة ضاغطاً بقوة على مقود السيارة حتى أبيضت مفاصله
| | | |
قفز من النافذة الملحقة بغرفة “قُصي” ، و بحذرٍ شديد فتح النافذة ، كانت مغمضة العينان و أستطاع أن يستنبط تكورها على نفسها تحت الغطاء ، خصلاتها منثورة على الوسادة ، رقت ملامحه أشتياقاً و هو يقترب منها ببطءٍ ، جلس بجانبها على الفراش بحذرٍ ، أمتد كفه ليمسد على خصلاتها بشوقٍ و بريقٍ ألتمع بعينةه بعدما كانت منطفئة ، أنزوى ثغره بإبتسامة عاشقٍ ، أقترب بثغره ليطبع قبلة رقيقة على جبينها ، نزل ببصره و هو مازال على حاله ، أخذت يداه الخشِنة تمسح على وجنتها الناعمة ، طفلته ، دائماً ما تنام مطبقة بكفيها واضعة إياهما تحت وجهها ، نظر لعيناها المنتفخة و الدموع العالقة بأهدابها و شفتيها الحمراء ، قرَّب ثغره أكثر ليمسح دموعها بشفتيه ، نزِل أكثر ليطبع قبلة على شفتيها المنفرجتان قليلاً ، طالت القبلة ليبتعد سريعاً عندما شعر بتململها ..
ظل بجانبها ما يقارب الساعتين حتى زقزقت العصافير ، فقط يتفحصها بلا ملل ، نهض سريعاً ليذهب كما أتى عبر النافذة ..
• • • •
ثقلت رأسها على كتفه ليعلم أنها غفت ، حملها ناهضاً ليضعها بالأريكة الخلفية بالسيارة ثم أستقل هو مكانه .. ، صعدا لشقتهما حاملها بحذرٍ ، أوقفها محاوطاً خصرها بذراعه المفتول بينما الأخر أدخل المفتاح بالباب ليدفعه بقدمه ثم عاود حملها ، وضعها على الفراش برفقٍ ثم بسط عليها الغطاء الثقيل ، ظل سانداً بكفيه على الفراش و هو يطالعها بدقةٍ ، أنفاسُها الدافئة المنبعثة منها تدلف لرئتيه حتى أصبح يتنفسها ، أزاح خصلةٍ كانت متهدلة على عيناها ، عيناه مظلمة و بها بريقٍ بـ أنٍ واحد ، مقلتيه غامضة يصعب تفسيرها ، نزِل بناظريه لشفتيها المكتنزتين بإغراءٍ ، أُظلِمت عيناه أكثر ليبتلع شفتيها في قبلةٍ تجمع بين الرفق والقوة ، تململت “حلا” بإنزعاجٍ لتجحظ عيناها بصدمة عندما وجدت “زين” يعتليها مطبقاً بشفتيه الغليظة على شفتيها ، حاولت إبعاده لكن لم تجدي محاولاتها نفعاً حتى بدأ يتمادى أكثر ..
• • • •
رائحته ، لن تخطأ بعطره ، رائحته منثورة بالغرفة ، وضعت يدها على قلبها بذعرٍ ، و لكنها هدأت قليلاً مقنعة حالها بأن هذا مجرد خرافات و أنها فقط تتخيل ، رأت والدتها تدلف قائلة بـ بهجةٍ و هي تفتح ستائر الغرفة :
– يلا قومي يا توليب عشان تفطري ..
خيَّم اليأس على محياها و هي تقول :
– ملوش لزوم ياماما ، انا هنام ..
رق قلب “ألهام” مقتربة منها و هي تقول بحنان أموي :
– يآآآه ، ماما طالعة منك حلوة أوي يا بنتي ..
أبتسمت “توليب” رُغم حزن عيناها لتعاود “ألهام” قائلة بحزن :
– عارفة يا بنتي ، أنا كنت بحب أبوكي أوي ، كنت بعشق التراب اللي بيمشي عليه ، بس كسرني أوي يا توليب لما أتجوز عليا و خدك مني ، خد ضنايا من حُضني أول مـ أتولدتي ملحقتش حتى أشوفك ، خدك مني و رماني في الشارع ، لحد مـ لقيت راجل محترم حبني و أتجوزني ، و خلِفت قُصي ، كان بيحبني أوي يا توليب عُمره مـ جرحني بكلمة ، أنا كمان مع الوقت بقيت بحبه ، بس أوعي يا بنتي تفتكري أن أنا محاولتش أرجعك لحُضني ، لما روحت اشوفك بعد سنتين أبوكي هو و العقربة اللي كان متجوزها خلوا الحراس يرموني برا ، لحد مـ مات أبو مازن .. كتب نص ورثه بأسمي و النص التاني لـ قُصي ، و لما قُصي كبر هو كمان كان بيدور عليكي .. لحد مـ ضنايا أدمن لما أتلم على شوية عيال مش كويسة وياما حذرته منهم بس هو مكنش بيبعد عنهم خالص ، لحد مـ دخلته المستشفى عندك .. و شوفنك أخيراً ..
أرتمت “توليب” بأحضانها مجهشة بالبكاء ، تحاول أستيعاب ما قيل لها ، تحاول أستيعاب أنها أصبحت بلا “رعد” ، تحاول أستيعاب أن طوال تلك المدة أبعدها أبيها عن أحضان والدتها ، تحاول أستيعاب أن كل شئ أنطفئ حولها ..
• • • •
ترجل “رعد” من سيارته بهيبته المعهودة ، وزع نظراته على العيادة التي لا يدخلها إلا الأثرياء ، تمختر بمشيته و خطواته المتزنة ، قبل ثلاثة سنوات كان هنا ، عندما لاحظ ميوله العدوانية وعنفوانه .. كان يرتجف ويرتعب داخله عندما علِم أنه مصاب بمرضٍ نفسي ، عِندها قاد سيارته بأيادي ترتجف ، إلا أنه لم يكُن يملك الأرادة الكافية للدلوف إلى المبنى الملحق بالعيادة حتى ليرتد عن قراره عائداً من حيث أتى ، إلا أن الواقف الأن بدى كـ شخصٍ مختلف كلياً ، متزن و ملامحه صلبة تحيطه هاله من القوة والجبروت ، لا يوجد بـ باله سوى هي ، سيستعيدها ، لو كلفه هذا حياته سيستعيدها ، صعد درجة من السلم عازماً على تعدى أي عقبة بحياتهما ، صعد المصعد و ما لبث إلا ثوانٍ حتى وصل المصعد إلا الطابق المنشود ..
• • • •
نفث دخان تبغه محدقاً بالفراغ بنظراتٍ شاردة ، حائرة و كأنه تائهاً بين أزقة حياته ، ألتفت بوجهه لينظر لها ، رؤيته لها تعيده لمكانه مجدداً .. بأحضانها ..!!
و كأنها شعاع الضوء حين قرر هذا العالم الأنطفاء ، تاه بين قسمات وجهها الطفولي ..
بسَطَ ذراعها ثم وضع رأسه داخل صدرها ، ضمته “حلا” بحركةٍ تلقائية ثم أخذت تمسد على خصلاته ، أغمض الأخير عيناه بإسترخاءٍ تام ، و لكنه غمغم بخفوتٍ :
– مش كُنا متفقين أننا هنسافر ؟
أنتفضت “حلا” بحماسٍ مبددة أي بوادر النعاس قائلة :
– بجد ؟ هنروح فين ؟!
ألتوى ثغره بإبتسامة هادئة ليمسد على خصلاتها قائلاً :
– أنتِ عايزة تسافري فين ؟
وضعت أصبعها على شفتيها مغمغمة بتفكيرٍ ، شخصت عيناها و هي تقول بخفوتٍ مضطرب :
– أنا دايماً كان نفسي أسافر .. باريس ..
أومأ بحنوٍ لتنقض عليه الأخيرة معانقة إياه و هي تعتليه قائلة بغبطة :
– أنا بحبك أوي يا زين ..!!!!
جحظت عيناه بقوة ليقبض على خصرها مُبعدها عن أحضانه قائلاً بصدمةٍ :
– أنتِ قولتي أيه ؟!!!!
– مقولتش حاجة هو انا فتحت بؤي !! .. غنغمت بتلعثمٍ مُنكسة رأسها ، أمتدت أنامل “زين” الخشِنة ليضعها على ذقنها رافعاً إياه و هو يقول بصرامةٍ :
– قولتي أيه يا حلا !!
عضت على شفتيها حتى كادت تنزف دماً ، أستفزته حركتها لاسيما بعدما تخضبت شفتيها حُمرةٍ طبيعية ليقلب الأدوار و يصبح هو من يعتليها وسط شهقتها ، كبلّ يدها وراء ظهرها بذراعه المفتولين و هو يقول بلوعةٍ محملقاً بشفتيها :
– لو عملتي الحركة اللي عملتيها من شوية دي صدقيني وقتها أنا مش ضامن نفسي ..!!
تخضبت وجنتيها إحمراراً لتتلوى بين ذراعيه و هي تحاول الفكاك منه إلا أنه ثبتها جيداً و هو يردف بحدة :
– و عايز اسمع كنتي بتقولي أيه من شوية مش هسيبك غير لما تقوليها تاني و انا عندي أستعداد نفضل كدة لبكرة الصبح معنديش مانع ..
زمت شفتيها بيأسٍ لتتنهد بحرارة ، أخذت نفساً عميقاً ثم راحت تقول له بعشقٍ لمِع بمقلتيها :
– بحبك يا زين .. ممكن تسيبني بقا ؟
– أسيبك ؟ و الله مـ هتفلتي من إيدي النهاردة !! .. قال بنبرةٍ خبيثة كالمعتاد ثم أنقض كالذئب الجائع الذي أخذ يلتهم فريسته بنهمٍ ..
• • • •
ها قد مرَّ أكثر من خمسة أشهر ، خمسة أشهر من اللوعة وحُرقة الأشتياق ، خمسة أشهر من الألم الذي يهشم القلب ، و خمسة أشهر من الأبتعاد المميت ..
خمسة أشهر و لم يأتِ ، خمسة أشهر كاملين لم تراه ، فقط لو تراه دقيقة ، .. فقط ستون ثانية ستعبر بها له عن مدى أشتياقها له ، ستحتضنه ، أو ربما سـ تتوه بين عروق مقلتيه المظلمة ، ستملس على وجهه وتطالعه بعشقٍ يكاد يقفز من بين مقلتيها ، أو ستمسد على ذقنه الكثيفة ، ستفعل الكثير و الكثير ، كل يومٍ تشعر به بجانبها ، تشتم عبق عطره بغرفتها ، كل يومٍ تحلُم به يمسد على خصلاتها هامساً بأذنها بصوته الدافئ ” لن أتركك صغيرتي ” ..!!!
ربما ذلك الشئ الوحيد الذي يجعلها تشعر بوجوده ، تتعلق بأحبال لا تعلم أهي متينة أم واهية .. أسترفعها إلى سابع سماءٍ أم ستسقط بها إلى سابع أرض !!
شيءٍ بداخلها يقول لها لا تيأسي .. سيأتي .. و سيتعالج ، و ستعيشا حياة هنيئة ، إلا أنها سئمت .. سئمت حياتها و سئمت حالها ، لم يحاول حتى الأتصال بها ، و هي بالطبع لن تفعل ..
نهضت من على الفراش الذي أصبح رفيق دربها ، وقفت أمام المرآة تطالع حالها بتهكمٍ ، نقِص وزنها قليلاً ، و الهاللت السوداء تمكنت من عيناها فأصبحت تزحف على مقلتيها زحفاً ، حياتها التي تلونت بالأسود ، باله من لونٍ قاتم رُغم فخامته ..
حتى والدتها التي أصبحت مقهورةٍ على حال أبنتها البائس ، و “قُصي ” الذي أقسم أن يُلقي “رعد” درساً لم ينساه ، حتى أنه حاول الذهب له عندما صرخ بوجوههم :
– سيبوني إروح لـ الو** دة يا أما يرجعها يا أما يطلقها ميعلقهاش كدة لا طايلة سما و لا أرض !!!
عِندها صرخت ، بكت ، و ترجته ، ترجته ألا يقطع الشئ الوحيد الذي يقرُنها به ، يكفي أن أسمها مقرون بأسمه ..
• • • •
أستنشق عبق الهواء النظيف ، يشعر كما لو أنه وُلِد من جديد ، شعوراً بالحرية يحعلك تريد لو تحلق بالسماء ، أنتهت فترة العلاج ، أنتهت بكل مصاعبها و مآسيها ، و حان الوقت للعودة لطفلته ، دائماً ما كان يذهب لها فجراً ، يتسلل كاللص لغرفة “قُصي” ثم يُغدقها بالقبلات المشتاقة حارصاً على أن لا يفعل أكثر ..
أستقل سيارته واضعاً الهاتف على أذنه و هو يقول بجدية :
– جهزلي اليخت اللي بأسم توليب .. أيوة بالليل ، تمام متتأخرش ..
صغط على مكابح السيارة بقوة مطلقة دخانٍ حلَق بالهواء ..
بعد القليل وصلَ إلى قصره ، أدار المفتاح بالباب ثم دلف ، وجد الظلام يتغلغل بالمكان لا يوجد شعاع نور واحد ، قطب حاجبيه بإستغرابٍ إلا أنه جفِل عندما أنفتح النور فجاةً و تعالت معها صراخٍ مرحاً ، وجد القصر بأكمله ممتلئ بالبالونات المنثورة على الأرضية و المرتفعة إلى السقف العالٍ ، مع وجود “حلا” و “زين” و “جاسر” و “سمر” ، كانوا يبتسمون ملء فمهم و أخذوا يمطرون عليه بوابل من الكلمات المهلله و التي كُمن فيها تشجيعاً نفسياً نابع من قلوبهم ، لم يستطيع “رعد” أخفاء الدهشة من على محياه ، زُين ثغره بأبتسامةٍ جميلة و هو حقاً عاجز عن شكرهم ، صافح “حلا” بحرارة قائلاً
– أخيراً رجعتوا من باريس .. وحشتيني و الله ..
حتى هم بأحتضانها لولا وقوف “زين” بصدره الصلب أمامه قائلاً بلهجة تحذيرية مرِحة :
– و بـعـديـن ؟!!
قهقه الجميع بقوة ليترك “حلا” رافعاً ذراعيه بالهواء و هو يقول بإبتسامة :
– أحنا أسفين يا عم ..
صافح “زين” بقوة الذي بادله الأبتسامة ، صافح “سمر” أيضاً حتى جاء إلى “جاسر” ، دوناً عن مصافحته عانقه بقوة هامساً بأذنه :
– دايماً كنت أخويا الكبير اللي بينصحني ، أنا اسف يا صاحبي على إيدي اللي أتمدت عليك ..
ضرب “جاسر”على ظهره العريض و هو يقول بأبتسامة بعدما أبتعدا عن بعض :
– بس أنت إيدك طرشة أوي يا صاحبي ، بتعتذر على أيه ياض مـ أحنا ياما كنا بنضرب بعض ..
بادله أبتسامة أخيرة ليبتعد عنه واقفاً بالمنتصف ، حملت عيناه أمتنانً كبيراً و هو يقول :
– متشكر ليكوا كلكوا على اللي عملتوه معايا ، بس أنا لسة عندي طلب ..
ردوا جميعاً بصوتٍ واحد بنفاذ صبر :
– أيـــه ؟!!
ضحك بقوة و هو يقول :
– حقي بقا أطلب اللي أنا عايزه .. اسمعوا ..
• • • •
نظرت للثوب الموضوع على الفراش أمامها ، منذ أن أُرسِل و هي تقف محدقة به ، لا تريد أزاحة عيناها عنه ، كم رقيق ، و كم بديع ، و كم يليق بها ..
منذ أتصال “حلا” بها و إخبارها بوجوب الذهاب للحفلة التي أقاموها خصيصاً لعودتهم من فرنسا ، أخبرتها بأن الحفلة “على الضيق” و طمئنتها بعدم وجود “رعد”.. ليته كان موجوداً .. ليتها فقط تلقي نظرة عليه ..
إلا أنها شعرت بإحساسٍ غريب عندما أرسلت لها “حلا” الثوب ، يبدو و كأن “رعد” من أنتقاه ، تعلم أنه لديه ذوقٍ عالٍ جـداً ، بلون الفستان الأبيض الناصع ، يصل للأرض عدا ذيله الطويل ، ضيق جداً عِند الصدر و صولاً بالخصر ، و أكمامه الملتفة من عِند الكتفين بقطعة من الجُبير الذي أطغى عليه نعومةٍ و رقة ، زُين بقطعٍ من اللؤلؤ الخالص ، بدا كـ ثوب العروس مما أدهشها قليلاً ، بعد قليل أرتدته ، كان و كأنه فُصِل خصيصاً لها ، كانت فرحتها به لا توصف ، ذكرتها بفرحتها بالفستان الذي جلبه “رعد” لها يوم الحفلة ..أو لنقل يوم هروبها منه ، سقطت دمعةٍ ألهبت وجنتيها و تتوالى دموعها على تلك الذكرى ، مسحتهما بعنفٍ لتبدأ بوضع مساحيق التجميل ، لم تُبذر بهما فقط أكتفت بوضع أحمر شفاه باللون الكاشمير الهادئ مع ظلال لأعينها القاتمة ، لم تضع الكثير فقط لأنه لا يُحب ذلك ..
وضعت حجاب على رأسها بنفس لون الثوب و بلفةٍ لاقت كثيراً بوجهها حيث بدى به مستدير كالقمر في ليلة أكتماله ، بدت كالحوريات .. لم تتوقع ستظهر بتلك الرقة و الجمال ..
دلفت والدتها التي وقفت فاغرة فمها بصدمةٍ ، أدمعت عيناها لتذهب معانقة إياها و هي تقول بحنو :
– ماشاء الله تبارك الله ، زي القمر يابنتي دة أنا أخاف أحسدك ..
أبتسمت “توليب” بذبولٍ لتبادلها عناقها ، قطع لحظة أندماجهما صفير “قُصي” و هو يقول بدهشة :
– يخربيت جمال أمك دة أنتِ لو مكنتش أختي كنت أتجوزتك !!!
أنفجرت “توليب” بالضحك شاركتها معها والدتها التي أخذت تقرأ أياتٍ قرأنية لتحميها من الحسد ، شعرت “توليب” و كأنها تزُف لعريسها لتقول بتهكمٍ :
– أنتوا محسسني أني رايحة أتجوز ..
• • • •
أستقلت السيارة التي أتت لتقلها للحفلة ، التي و للتو علِمت أنها ستكُن على يختٍ بالأسكندرية ، و يبدو أن الطريق سيبدو طويلاً ..
أستندت “توليب” على النافذة مطالعة وجوه الناس أمامها ، أو هذا ما يعتقده المرء ، إلا أنها لم تكُن ترى سوى وجهٍ واحد ، عندما يغضب ، عندما يبتسم و عندما يقهقه عائداً برأسه للخلف لتظهر تفاحة أدم خاصته ، عندما تُظلِم عيناه إذ رأها تزم شفتيها و تحذيره لها بأن تفعلها مجدداً و ألا فلتحصد نتائج فعلتها ، عندما ينفث دخان سيجارته ، و عندما ينظر لها بخبثٍ و كم تحب تلك الشياطين التي تتقافز من مقلتيه ، عندما يُغمز لها بمكرٍ ، بحة صوته الرجولية هي متيَّمة بها ، عندما يحاصر خصرها قاصداً مضايقتها ، عندما يجذب رأسها لصدره ، و عندما يشتم خصلاتها دافناً أنفه بهما ، عندما يطبع قبلة حانية على جبينها و على كل أنشٍ بوجهها ، كم تعشقه .. و تعشق جميع تفاصيله ، مثل طبع الحسن الذي يزين ذقنه مثلاً ..
طال الوقت و هي جالسة تفكر به ، كانت الساعة تتعدى منتصف الليل ، نظرت للسائق قائلة :
– هو أحنا باقي علينا كتير ؟
هتف السائق والذي يبدو عليه كبر السن :
– متقلقيش يا مدام أحنا قرَبنا من المرسى ..
| | | |
بالفعل بعد قليل صف السائق السيارة عند المرسى ، ترجلت “توليب” من السيارة ليصفعها هواء شتاء أسكندرية ، كم جميلة تلك المدينة ، نظرت للمرسى لترى اليخت ، صُعِقت من جماله وفخامته ، بل صُعقت أكثر عندما كُتب أسمها بعرض اليخت ، خفقَ قلبها بقوة حتى كاد يصُم أذنيها ، خطت بسرعةٍ حتى كادت أن تتعثر لطول الفستان إلا أنها تماسكت لتصعد إلى اليخت ، وقفت بالمنتصف لا تعرف أين تذهب من أتساع اليخت .. إلا أنها وجدت من يضع يداه على كتفها ، يداه ..أقسمت أنها يداه ، و عطره .. لن تخطئ بعطره ، أهتاج صدرها بقوة خائفة.أن تلتفت ، حقاً لا تجرؤ ، فعل هو عوضاً عنها ليجعلها تلتفت له و على ثغره أبتسامته الجذابة ، صرخت “توليب” بقوة لتطوق عنقه حتى أصبحت قدميها مرتفعة عن الأرض وسط ضحكاته التي مُلئت المكان ، ظلت تصرخ غير مصدقة أنها أصبحت بأحضانه ، و أنه يطوق خصرها بتملكٍ معهود ، بكت ، بكت بقوة دافنة وجها بعنقه ، أخذ هو يهدهدها مربتاً على خصرها و هو يقول بحنانٍ :
– أهدي يا حبيبتي .. كفاية عياط بقا ..
تلك هي بحة صوته ، و أخيراً سمعت صوته بعد مرور خمسة أشهر و تسعُ ساعات .. ، لم تريد أن تترك أحضانه و هو لبى لها رغبتها ، حتى ظلت متشبثة بأحضانه كالطفلة .. ترفض تركه ..
– أتعالجت يا توليب ، حطيتك قدامي في كل خطوة كنت بعملها ، كنت بقول هعمل كذا عشان أوصلك ، هاخد كذا و هروح عند الدكتور يوم كذا عشان بس تبقي في حُضني زي دلوقتي ، كنت بجيلك كل يوم الفجر .. كل يوم يا توليب من خمس شهور ، بس أنتِ كنتِ بتبقى غطسانه في النوم كالعادة ، هو أنتِ كنتِ فاكرة أني ممكن أعيش خمس شهور منغير مـ أسمع صوتك و لا أشوفك ، سامحيني عن أي حاجة عملتها معاكي .. الخمس شهور دول علموني حاجات كتيرة ، أولهم أني لو كنت خسرتك فعلاً .. صدقيني كنت هموت .. ، فكرة بس أنك ممكن تروحي مني مكنتش قابلها ..
شهقت “توليب” ببكاء و هي تقول وسط بكاءها :
– ك .. كنت عارفة .. كل يوم .. كل يوم كنت بشم ريحتك في أوضتي يا رعد .. بس كنت بكدب نفسي ، كنت بقول انه .. انه مش هاييجي عشان مش بيحبني .. كنت بقول أني لازم أتعود على بعده .. بس فات خمس شهور و متعودتش .. وحشتني أوي ..
أنزلها من أحضانه ليحاوط وجهها بكفيه ، أخذ يُملي عيناه برؤية وجهها ، كم هي متألقة ، أنقض على شفتيها يغدقها بوابل من القبلات التي لم تقتصر على شفتبها فقط بل على كامل وجهها ، أسند جبينه على جبينها مغمضاً عيناه و هو يقول بمزاح :
– عجبك الفستان ؟
– كنت حاسة أنه زوقك ..اردفت بإبتسامة زينت ثغرها ، بادلها هو الأخر الأبتسامة ، أعتدل بوقفته ليخرج علبة سوداء مخملية ، فتحها ليلتمع الطوق المطعم بالألماس و اللؤلؤ مع قرطين من نفس التصميم ، فرغت “توليب” شفتيها بصدمة لتشير له ناظرة لـ “رعد” قائلة ببلاهة :
– بتاعي ؟
– لاء بتاع أمي .. بحب فيكي ذكائك يا حبيبتي !!! .. قال بـ نبرة تهكمية لتضربة على صدره بقوة مما جعله يقهقه عائداً براسه للخلف لتبرز تفاحة أدم خاصته ، شردت “توليب” بضحكته التي تأخذها لعالمٍ أخر ..
رأته يتحرك ليحل ربطة الحبل الواصلة بين اليخت و بين المرسى ، عاد “رعد” لمكانه أمام “توليب” ، ألتقط “رعد” الطوق ليلُف “توليب” بحركة سريعة ، أبعد الحجاب عن وجهها لتنسدل خصلاتها الفحمية بمشهد بارع ، أعترضت “توليب” قائلة :
– رعد حد يشوفنا ..
– متخافيش يا حبيبتي ..
أبتسم ملء فمه عندما رأى خصلاتها التي تعدت ركبتيها بقليل ، أمسك بالطوق ثم طوق به عنقها ، أدارها ليبتسم قائلاً بنبرة نبعت من صميم قلبه :
– كنت فاكر أن العقد هيزيدك جمال .. بس اللي حصل أن أنتِ اللي زدتيه جمال يا توليب ..
أشرق وجهها ، ألتمعت عيناها من رقة كلماته ، و بحركةٍ جريئة كانت تشرأب بقدميها لتصل لطول ، ثم حاوطت عنقه مطبقة بشفتيها على شفتيه ، للحظة تسمَّر “رعد” في مكانه ، جحظ بصدمة إلا أنه أخذ المهمة عوضاً عنها ليثبت رأسها بذراعٍ و الأخر محاوط خصرها ليلتهم شفتيها بقبلة رقيقة و عنيفة في آنٍ ..
• • • •
كان مطوق خصرها ، محاصرها بزاويةٍ ما بالغرفة ، أستطرد قائلاً :
– يلا يا ستي قولي عايزة ايه من ساعة م كُنا في أسكندرية و أنتِ بتقوليلي لما نرجع مصر هقولك حاجة مهمة ، و أدينا رجعنا خير بقا ؟
تنحنت “حلا” منظفة حلقها الجاف من الأساس لتردف بإرتباك :
– بصراحة يا زين .. آآ كنت عايزة أقولك ان ع الشهر الجاي هبتدي جامعة و كدة يعني فـ
– هو أنتِ فاكرة أني ممكن أمنعك تكملي دراستك ؟ .. قال ممتعض الوجه و نبرته لا تحمل ذرة من المرح ..
كوّبت “حلا” وجهه محاولة لملمة الموضوع و هي تقول بتبريرٍ :
– لاء يا حبيبي مش قصدي أنا قصدي عشان أجيب كتب و كدة ..
ازاح كفيها بجمودٍ و هو يقول :
– تمام ..
– زيـن ؟! .. قالت “حلا” عندما أبتعد عنها ذاهباً نحو المرحاض ، لم يعيرها أهتمام و أكمل طريقه صافعاً الباب خلفة .. سبّت “حلا” نفسها قائلة بتوبيخٍ :
– غبية .. غبية يا حلا طول عمرك بتقولي دبش ..
ثم حكت ذقنها بتفكير :
– أصالحه أزاي دة بقى ؟
• • • •
لم تسمع صوت أهدار المياه ، لذا أستنتجت أنه جالس حوض الأستحمام ، و بإندفاعٍ فتحت باب المرحاض على مصراعيه ، بينما لم يهتز جفنٍ لـ “زين” ، بدا جامداً كلوح الثلج سانداً رأسه على ظهر الحوض و فقاعات الصابون تغطي جسده بأكمله ، اشتمت “حلا” رائحة الورود المنبعثة من الحمام بإستجمامٍ ، تجرأت و دلفت للداخل ، ثم جلست على حافة الحوض ، تراقب أنقباض فكه و أسنانه المصطكة ببعضهما ، من الخارج هادئ .. و الداخل نيزك يحترق ..!!
– زين متزعلش .. قالت بخفوتٍ شديد ، إلا أنه سمعها فـ لم يعيرها أهتمام .. و بعد دقائق من الصمت المشحون بذبذبات التوتر ، خرج من فاهه جملة ٍ واحدة :
– عايزاني أسامحك ؟
أومأت سريعاً إلا أنها أكتشفت أنه لن يراها فـ قالت :
– أيوة ..
– بشرط ..
– موافقة !!
أفصل أهدابه عن بعضهما أخيراً ليحدجها بخبث ، ألتقط لوف الأستحمام ثم ناولها إياها و هو يقول بمكرٍ :
– شوفي شغلك !!!
للحظة لم تفهم مبتغاه .. إلا انها جحظت بقوة لاعنة حظها العثر ، حدجته بشراسة لتجذب منه اللوف بعنف ، قهقه “زين” ملء فمه حتى صدحت صوت ضحكاته بالمرحاض ، أقتربت أكثر بجلستها و حافظت على توانها حتى لا يباغتها بـ شئٍ مجنون مثله ، كانت قريبة منه بشدة .. حقاً لا يفصلهما شئ لاسيما عندما وضعت كفها على كتفه بـ مفها الأخر كانت تفرك كتفبه بقوة قاصدة إيلامه ، و بالفعل أطلق “زين” زمجرة متالمة و هو يقول :
– أيه يا حلا براحة !!!
ضيقت عيناه بحقدٍ و هي تقول :
– مش أنت اللي عايزني أليِّفك ؟ أستحمل يا حبيبي !!!
حدجها بعداءٍ لتتحول سريعاً نظراته لخبثٍ حقيقي ، كادت أن تبتعد عندما شاهدت نظرته الخبيثة منبعثة من مقلتيه إلا أنه كان الأسرع عندما جذبها من خصرها بقوة لتسقط “حلا” – وسط صراخها – داخل الحوض معه ، ألصق ظهرها بصدره محاوطاً خصرها بإحدى ذراعيه هامساً بإذنها بـ نبرة كفحيح الأفعى :
– أنا محدش يتحداني يا حلَّة !!
– هآاا ؟ حلَّة !! أنا حلَّة با زين !!!
هتفت بإحتجاجٍ ليقهقه بقوة قائلاً :
– أحلى حلَّة في المطبخ !!!
تلوت بين ذراعيه و هي قاب قوسين أو أدنى من البكاء ليثبتها “زين” بأحضانه قائلاً وسط ضحكاته الرجولية الخشنة :
– خلاص متزعليش ..
حدجته بعدائية عندما فشلت جميع محاولاتها في الخروج من بين أحضانه ، و لكن سرعان ما ألتمعت بعيناه فكرة خبيثة ، ألتقطت الدُش الموضوع على الحوض لتفتحه على المياه الباردة ، و بحركة سريعة كانت تعتدل بجلستها في مواجهته لتصوب المياه المندفعة بقوة على وجهه ، بُغِت “زين” من فعىتها لينتفض شاهقٍ بقوة مما جعلها تخرج من الحوض بسهولة ، لم تكتفي بل ظلت تغرقه المياه الباردة مطلقة ضحكاتٍ شريرة صدحت بالمرحاض ، و لكنها صرخت بتوجس عندما رأته يخرج من الحوض هو الأخر ، و بلمح البصر كانت خارج المرحاض تركض بأقصى ما لديه مغطاة عيناها بكفيها ، سمعته يصرخ بغضبٍ :
– آه يا بنت اللذين دة انا هظبُطك دلوقتي …!!
أرتدى سرواله سريعاً ثم خرج ورائها يتوعد لها ، صرخت “حلا” ثم أخذت تركض في الشقة الواسعة ، وقفت أمام طاولة الطعام الكبير ليقف “زين” على الجانب الأخر ، اردفت “حلا” بإستعطافٍ متأهبة لأية حركة يفعلها :
– والنبي يا زين أخر مرة ..
– وحياة أمك ؟ دة أنا هشعلقك من رموشك !!!
– والنبي يا زين مش هعملها تاني والله .. قالت و هي تهرول عندما هرول هو نحوها ، و لكن لخطواته الواسعة كان أسرع منها ليحملها من خصرها ، صرخت “حلا” برعبٍ و هي تضرب ذراعيه حتى ينزلها ولكنه أكمل طريقه نحو غرفتهما بلا مبالاة رمى بها على الفراش بعنف لتتأوه “حلا” بألم ، و قبل أن تفر من بين براثنه كان يكبل ذراعيها وراء ظهرها و هو يعتليها مثقلاً بجسده عليه ، أحكم ذراعيها بكفٍ واحد ليرفع أصبعه مشيراً لنفسه قائلاً :
– بقا أنا تغرقيني بالمياه و تلففيني وراكٍ الشقة كلها و أنا مبلول ؟..
لم تستطيع كتم ضحتها عندما تذكرت مظهره و هو يركض خلفها ، ظلت تضحك من أعماق قلبها ليستشيط هو غضباً ، حدجها بنظراتٍ حاقدة ثم قال :
– ماشي يا حلا .. بس مش هعديها ..!! هعرفك مين زين القناوي ..
• • • •
” أصابك عشقٌ أم رُميت بأسهمِ ؟🖤” عبد الرحمن محمد
أسند ذقنه على جبينها و هما يرقصان بهدوءٍ على موسيقى تُرخي الأعصاب ، هي واضعة كلتا ذراعيها حول عنقه و هو محاوط خصرها ، مما أوضح ضآلة قامتها امام طوله الفارع ، أشرأبت “توليب” قليل لتدفن وجهها بتجويق عنقه ، أغمضت عيناها بإسترخاءٍ عندما أشتمت رائحة عطره .. التي تمزج بين القوة و الدفء ، الحنان و القسوة ، اللين و الصرامة ، عطره يعكس شخصيته ..
خرج صوتها هامساً عندما قالت :
– عارف لما كنت بعيد .. كنت بحس كأن روحي بتطلع مني .. أنا حقيقي مقدرش أعيش من غيرك يا رعد .. كنت حاسة أني ..
بتر عبارتها مبعدها عنه ثم كوب وجهها قائلاً بحنوٍ بالغ :
– ششش ، إياكي أسمع منك الكلام دة تاني .. أنا جنبك و مش هسيبك أبداً .. مش هسمح لحاجة زي دي تحصل فاهمة ؟!!
ذرفت الدموع ببطئ مما جعل ” رعد” يميل بثغره على وجنتيها الحمراء ليزيل دموعها بشفتيه هامساً :
– متعيطيش ..
أرتمت بأحضانه متوسدة صدره العريض ليمسد “رعد” على خصلاتها ثم قال مغيراً مجرى الحديث :
– تيجي نشوف فيلم ؟
– لاء أنا عايزة أكُل جمبري !!!!! قالت بحماسٍ و كأنها تبدلت عمن كانت تبكي منذ ثواني ، أرتفعا “رعد” حاجبيه بذهول قائلاً :
– جمبري !!! يا مفجوعة !! امشي ياختي الجمبري ع الطربيزة يلا خليه ينفعك بقا !!
• • • •
بعد مرور أثنا عشر شهر ..
فعلوا كل شئ لكي يحظا بطفلٍ جديد ، حقاً كل شئ ، إلا أن الله لم يأذن بعد ، تذكر “رعد” حالة “توليب” عندما أخبرتها أحدى أكبر الأطباء بأمراض النسا والتوليد :
– الأجهاض اللي خصل لحضرتك سبب ضعف عنق الرحم للأسف دة غير على حسي م حضرتك شرحتيلي الوقعة بتاعت السلم اللي وقعتيها قصَّرت ع الرحم .. مش عارفة أزاي الدكتور اللي كشف عليكي مقالش حاجة زي كدة .. أسفة أني بقولك أن الحمل يكاد يكون مستحيل أنه يحصل ..
صرخت ، بكت ، تألمت ، ليس سهلاً أن تسمع أنها لن تصبح أم ، لن تسمع كلمة “ماما” أبداً !!!! عندها كان “رعد” أول من وقف بجوارها .. ساندها ، دعمها نفسياً و معنوياً ، كان كالدرع بالنسبة لها ، شعوره بالذنب عما فعله بها و أنها لن تصبح أما يوماً من الأيام كان يحتل عقله ، إلا أنها لم تريد أن تذكره بما فعل ، ولكن عندما أقترح عليها التبني بطفلٍ ، عندها وافقت “توليب” سريعاً بلا تردد ، و عندما ذهبا إلى الملجأ وجدوا طفلةٍ لم تكمل عام من ربيعها ، عن
ما وقع نظر “توليب” عليها قررت تبنيها ، وقعت في سحر ضحكتها البريئة ..
و أنضم فردٍ جديد إلى عائلتهم البسيطة ، تعلقت “توليب” بها بسرعةٍ حتى أصبح “رعد” يغار من تلك الطفلة التي خطفت قلب زوجته ، تذكرت “توليب” عندما قال لها “رعد” بنبرة حزينة :
– ممكن تهتمي بيا شوية زي مـ بتهتمي بيها ؟
حتى شعرت “توليب” أنها تملك طفلين مشاغبين ، عاشا بسعادةٍ حقيقية لا تخلو من غضب “رعد” و هدوءه بعد حين .. و لا تخلو من عِناد”توليب” و رأسها اليابسة و مشاغباتها ، و الطفلة “براءة” تزداد جمالاً يومٍ وراء الأخر و عائلتهم تزداد دفئاً .. لاسيما بعدما كانت “توليب” تعلم “رعد” الوضوء والصلاة حتى أصبح لا يترك فرض ، حتى أصبحوا يحفظون القرآن معاً .. مما جعل راحة البال تخيَّم على بيتهما
• • • •
و على الجانب الأخر ، أنجبا “زين” و “حلا” “باسل” ، يحمل ملامح “زين” الخشنة والجذابة مما جعل “حلا” تعشقهم هما الأثنين ، لم يُكمل “باسل” عامين إلى أنه يركض بجميع أنحاء الشقة و “حلا” تركض وراءه تكاد تمزق ثيابها منه ، و “زين” يتشفى بها ، يواسيها أحياناٌ ..
• • • •
أما “قُصي” و “لينا” .. بعدما علِم “قُصي” جميع المعلومات عنها من مصدرٍ موثوق ، ذهب لخطبتها من أخيها “أياد” ، وافق “أياد” و أنعقدت الخطبة في أسرع وقت ، ثم تزوجا و أنعما بحياةٍ هادئة و مستقرة لا تخلو من “الفلفل والشطة”
• • • •
أما “أياد” ، عندما عادا هو و “رعد” أصدقاء و عادا للشركة معاً حتى أنه شارك “رعد” بـ شركته و أصبحا مثل الاول و أكثر ، كانت سكيرتيرته “جميلة” ذات الوجه البرئ و الوجنتين المكتنزتين الحمرواتين ، و عيناها الخضرواتين ، دائماً ما كانت أمامه إلا أنه كان يضعاً غشاوة على عيناه مقنعاً نفسه بأنها مثل “لينا” بالنسبة له ، ولكن عندما وجدها تقدم أسقالتها كاد أن يجن ، فقط عندها علِم حقيقة مشاعره و صارحها .. ثم تزوجا ..
• • • •
أما “مديحة” التي كانت تُصرف مالها يميناً ويساراً حتى أصبحت لا تملك قرشاً ، قضت باقية حياتها فقيرة إلا أن ماتت جوعاً ، نهاية صعبة .. إلا أنها المثالية لكل ظالم لم يرحَم ليُرحم !!!
• • • •
جلسوا كلاً من “رعد” ، “زين” ، “قُصي” ، أياد” بمكتب “رعد” بشركته في الساعة الثالثة فجراً يتحاورون في جلسة رجولية ، يتبادلون النكات و ضحكاتهم تملأ المكان إلى أن قال زين بمرحٍ :
– قاعدين زي المطلقين متجيبوا حاجة تطري علينا كدة ، يعني موزة إيطالية و لا فرنسية ولا أي حاجة !!!
صدحت اصوات ضحكاتهما ليقول “أياد” :
– لاء يا عم أنا لسة متجوز جديد مش مستعد أخسرها ..
استطرد “زين” :
– خلاص يا جماعة طلعوا اياد من الحِسبة .. و أنت يا قُصي ؟
قُصي رافعاً كفيه :
– لاء يا عم أعفيني طلعني أنا كمان من الحسابات ..
تأفف “زين” لينظر إلى “رعد” غامزاً بخبث :
– مبقاش غيري أنا و أنت يا صاحبي ..
ألتوى ثغر “رعد” بإبتسامة مرحة ليقول :
– أنا كمان مضطر أبيعك يا صاحبي دي توليب كانت تعلقلي حبل المشنقة !!!
نظر له “زين” بصدمة ليضرب كفاً بالأخر قائلاً بحزن زائف:
– كلكم بعتوني ؟ أشمعنى انا ؟ انا كمان بحب مراتي ع فكرة ..
أنفجروا جميعهم بالضحك ، و تصافت النفوس و أجتمعت القلوب و تلاشى السواد .. و بريق النور مهما صغر سيُضئ حياتنا ..
تمت بحمد الله
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية انت ادماني)