رواية انت ادماني الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم سارة محمد
رواية انت ادماني الجزء التاسع والعشرون
رواية انت ادماني البارت التاسع والعشرون
رواية انت ادماني الحلقة التاسعة والعشرون
– أنت بتقول أيه !! أنت أتجننت !!!!!
جأر بها “رعد” ممسك برقبة أحد حراسه و هو يحاول خنقه مما جذب أنظار المتجمعين حوله محاولين تهدئته ..
قال الرجل و هو يشعر بإنعدام الهواء برئتيه :
– يا باشا أنا متأكد .. صـ .. صدقني شوفت واحد بيضرب الرجالة برا و المدام كانت بتجري ليهم و كويس انهم شافوني ، أعتقني يا بيه أنا معرفش حاجة ..
دفعه “رعد” بأقوى ما لديه ليرتطم الأخر بالأرضية بقسوة ، ركض للحديقة و هو يصرخ بصوتٍ أخترق الجدران :
– تـــولــيـــب !!!!!!!
• • • •
توسعت عيناها بقوةٍ ، شعرت بإنسحاب روحها من جسدها و هي تستمع لصوته الذي أغتصب أذنها و هو ينادي عليها بقوة ، تسمرت قدميها كالمشلولة و هي باتت تعلم مصيرها المحتوم .. بين يداه مجدداً ..
ألتفتت قليلاً و شفتيها أرتجفتا بقوة ، رأته .. بملامحه المخيفة ، كان يركض نحوها بخطواتٍ سريعة ، سرعان ما أستوعبت الأمر لترتد للوراء بقوة و هي تراه يمضي نحوها وملامحه .. لا توصف ، هي من أخرجت الوحش الماكن بداخله .. فلتتحمل إذاً ..
أبتعدت خطواتٍ كثيرة .. و بغضون ثانية عندما كان قريباً منها بشدة ، أنزلقت قدماها لتسقط في المسبح محدثة دوى عالٍ .. و لسوء حظها فـ هي لا تسبح ..
سقوطها كان صادماً للمتواجدين .. فـ جميعهم كانوا وراء “رعد البناوي” .. لاسيما الصحفيين و من هذا القبيل ، كانت كـ فرصة ذهبية لهم لذلك الحدث المربك ..
كانت تصارع وسط المياه لتحاول النجاة .. بينما هو أنعقد لسانه .. سُرعان ما نزع سترته و هو يلقي بها جانباً ليلحق بـ “توليب” و هو يسقط بالمسبح .. كانت المياه شديدة البرودة .. ألتقط خصرها تحت المياه و هو يقربها منه بقسوة .. نظراته تحت المياه أشد قساوة ، أرتفعا معاً و هي متشبثة بقميصه المبلل و هو لاطالما منذ أن رأته كان بمثابة طوق النجاة لها ..
بعد أن أرتفعا لأعلى المياه لتشهق “توليب” و هي تُدخل الهواء برئتيها ..
– مش عايز أشوف مخلوق في القصر ..
كانت نبرته شديدة الهدوء و هذا ما أخافهم .. طأطأوا رأسهم بحرجٍ لينسحب البعض ويبقى الأخرين ..
جأر بقوة بهم لترتجف “توليب” بين يداه بقوة :
– بـــرا !!!
خرج الجميع .. حتى “إياد” و “لينا” الذين عجزوا عن فعل شئ لينسحبوا و هم قلقين عن ما سيفعله بتلك المسكينة ..
خرج الجميع من القصر ، و بقي هُما في المسبح ، نزعت “توليب” حجابها عندما تأكدت من عدم و جود أشخاص بالحديقة .. أنسدل بالمياه لترتجف نظراتها و هي ترفعها نحو .. و ليتها لم تفعل ..!!
و لأول مرة تراه بتلك الحالة .. هي حاولت الهروب من قبل و لكن لم يكُن هكذا .. لم يكُن بتلك القسوة .. شهقت برعبٍ حقيقي من مظهره المرعب لتنظف حلقها و هي ترتجف لا تعلم من خوفها أم من برودة المياه :
– رعد هفهمك .. آآآآهه ..
تآوهت بقوة و هي تسعر بتحطم ظهرها عندما دفها لرُخام المسبح لترتطم به و هو يلوي ذراعيها خلف ظهرها ..
قربَّ وجهه منها بشدة و عروق عنقه و جبينه برزت .. جحظت عيناها من ذلك الأقتراب و وجهه المكفهر شديد الإحمرار .. أطبقت على شفتيها لتكتم شهقتها و لكنها لم تفلح لتنفلت منها شهقة حارقة مغمضة العينان و رسغيها يكادا يتحطمان من شدة قبضتيه عليهما ..
أهتاج صدرها بعنف و هي تراه يقول بوجهه المبتل و نظراته الحادة :
– أطـلعـي !!
أنفرجت شفتيها بتساؤل لتراه يقبض على خصرها ليرفعها إلى خارج المسبح ، ثم خرج هو و هي مازالت جالسة لا تعي شئ .. و لكن ما تعيه الأن هي أن تهرب من بين أنيابه التي ستمزقها تمزيقاً ، نهضت و هي تراه يقترب .. كل خطوةٍ يقتربها ترتد هي للوراء ، ألتفتت سريعاً لتلج للقصر و هي تركض بأقوى ما لديها و هي تسمع خطواته يركض وراءها .. صعدت الدرج لا بل هرولت عليه لتدلف للغرفة ، همت بإغلاق الباب لولا قدمه التي باتت حاجزاً لغلق الباب .. دفعه بقدمه بقوة حتى كادت هي أن تقع أرضاً لولا أتكائها على الحائط ، حالما دلف “رعد” كان يغلق الباب بقدميه و عيناه لا تنتوي خيراً ..
– رعد أسمعني و حياة أغلى حاجة في حياتك ..
قالت ببكاءٍ و هي تكفكف دموعها و نظراتها حملت الكثير من الرجاء ..
حانت منه أبتسامة على ثغره .. ليس تدل على ذرة مرح .. كانت ساخرة مريرة ، ليقول مقترباً منها :
– مبقاش عندي حاجة غالية عليا ، أنا قولتلك قبل كدة أنا مليش عزيز ..
للحظة رأت نظرة بعيناه جعلتها تشعر بـ وضاعتها .. نظرة خذل مزقتها عندما أكمل :
– بس أنا كنت هتغير .. قسماً بالله كنت هتغير .. كنت مقرر بعد الحفلة مـ تخلص أعترفلك .. أعترفلك أنك أنضف حاجة عملتها فـ حياتي .. كنت هقولك أنك أغلى حاجة في حياتي ..!!!
ثم أخرج العلبة المخملية ليفتحها و هو يريها متابعاً بسُخرية :
– كنت هديكي دة .. بس أنتِ ماتستهليهوش …!!!
أنكسرت عيناها لتشهق ببكاءٍ و جسدها بأكمله يرتجف من قسوة كلماته ، ليتها لم تفعل ، دفنت وجهها في كفيها و هي تبكي بحرقة ..
طالعها بسُخرية مريرة ، وسريعاً ما جذبها من خصلاتها المبتلة و هو يجذبها عنوةٍ للخارج وسط شهقاتها ، كادت قبضتيه أن تقتلع خصلاتها و “توليب” تحاول الفكاك منه و هي تصرخ ببكاءٍ :
– سيبني يا رعـد شعريي ..
ألتفت لها ليضع سبابته على ثغره و هو ب
يقول بهدوءٍ مريب :
– أخرسي ..
نزل بها على الدرج و هي تصرخ من شدة الألم و إحساسها بالإهانة و هو بدى و كأنه يجُر شـاه !!
وقفا أمام مدفئة الحطب ليدفع “توليب” من بين كفه و هو يقول :
– خسارة فيكي ..!!
ثم رمى بالخاتم بالنيران أمامه ، نظرت له “توليب” بذهول لتنظر إلى “رعد” الذي ينظر للنيران و هي تشتعل بعيناه كالنيران المتأججه بداخله ..
أقتربت منه و هي تلُفه من كتفيه صارخة بوجهه بصوتٍ دوى بالقصر :
– أنت اللي عملت فينا كدة !! أنت اللي دمرتني من أول يوم شوفتك فيه و جاي دلوقتي تقولي أني مستاهلش ؟؟!! كل دة عشان حاولت أهرب ؟!! لو كنت قفص فيه أسد والقفص أتفتح كنت هتقعد مع الأسد ولا هتمشي ؟!!!! فوق يا رعد أنت عُمرك من حبتني ، سيبني في حالي بقا !!!
رفع كفه عالياً ليهبط بها على وجنتها مما جعلها تسقط على الأرضية في الحال .. و بكائها لا يُحتمل .. أنحنى بجزعه لمستواها ليقبض على خصلاتها و هو يصرخ بها :
– الظاهر أنك محتاجة تربية من أول و جديد و لسانك دة هقصهولك فاهمة !
كان يرفع وجهها إليه بشدة .. وجهها الذي تلون بالأحمر على إحدى وجنتها و أصابعه تركت علاماتها على وجنتها الرقيقة ، و لكنه لم يتأثر .. ليتركها على الأرضية الباردة بملابسها المبتلة أمام المدفأة مما جعلها من المؤكد ستمرض ..
• • • •
كانت جالسة بجواره و البسمة تملء ثغرها أنها سترى “رعد” و “توليب” مجدداً ، بينما هو يسوق و هو ينظر أمامه بشرودٍ ..
وصلا أمام القصر ليتنحى بالسيارة جانباً و هو يلتفت لها قائلاً بإيجاز ممتعض :
– انزلي أنتِ يا حلا أنا هفضل هنا ..
قطبت حاجبيها بغرابة لثانية ولكنها لم تعير للأمر أهتماماً لترتجل و هي تركض بخفة نحو القصر ..
توقف للحظة بوسط الحديقة و هي تسمع صراخ “توليب” ..!!!!
عِندها ركضت بسرعةٍ أكبر و هي تطرق على باب القصر بقوة قائلة :
– رعــد .. رعـد أفتح ..
دقيقة وسط طرقاتها المنفعلة ليُفتح الباب ، شهقت “حلا” بذعر و هي ترى حالة “توليب” المُريبة بدايةً من خصلاتها المشعثة و عيناها الزائغة و المتورمة من كثرة البكاء ، وجهها شديد الإحمرار و شفتيها تقريباً تُدمى ، أقتربت منها “حلا” و هي تقول بجزع ممسكة بكتفيها بشفقة :
– أيه اللي حصل ؟
لم تجيبها “توليب” ، خانتها قدمتاها حتى كادت أن تسقط على الأرض مغشياً عليها لولا أمساك “حلا” بها و هي تصرخ :
– رعـــد ..
• • • •
رُغم سماعه بصرخة “حلا” إلا أنه لم يتزحزح من مكانه و هو ممسك بلُفافة تبغ ينفث هوائها وعيناه ضيقة بقسوة .. أنطئت اللمعة التي كانت بعيناه ، بل أنطفئ كل شئ بحياته ..
تمسكت “حلا” بها كي لا تسقط لتشدد على خصرها و هي تصعد بها الدرج بصعوبة لثقل “توليب” عليها ، عندما وصلت لغرفتهم دفعت الباب بقدميها لتدلف و هي متمسكة بها ، جعلتها تنام على الفراش ، جلبت لها ملابس لتبدلها عوضاً عن ملابسها المبللة ، دثرتها بالغطاء جيداً لتظلم الغرفة ثم تخرج باحثة عن “رعد” بغضبٍ ، بحثت في كل الغرف عدا غرفة واحدة .. كانت مظلمة ف توقعت عدم وجوده بها ولكنها دلفت بحرص لتضغط على مكبس المصباح ، شهقت بقوة و هي تراه محدقاً بالفراغ بجلسته العشوائية على الكرسي و عيناه حمراوتان بشكلٍ مُخيف .. لم يتكبد عناء النظر لها حتى و كأنه بعالم منفرد ..
أقتربت من مقعده قليلاً لتقول بنبرةٍ مهزوزة :
– رعد ..
لاحظت أزدياد ضغطه على السيجار بأصبعتيه و وجهه المكفهر ، أطلقت زفيراً مختنقاً من هذا الجو المشحون بالغضب ..
– توليب اغمى عليها ..
لم تتغير ملامحه .. بل أزدادت قساوةٍ على قساوتها و هو لايزال ملقي بتركيزه على الفراغ أمامه ، أقتربت منه بحركةٍ سريعة لتمسك بوجهه بعنف و هي تديره إليها قائلة بصراخٍ :
– بُصلي هنا أنت عملت فيها أيـه ؟!!!
و بالفعل نظر إليها و ليته لم يفعل ، أرتعبت “حلا” من نظرته القاسية لتزيح يدها و هي تحاول أن تهدأ من روعها ، أمسكت بذهنها بتشوش لتجلس كالقرفصاء أمام “رعد” المتيبس و هي تتمسك بكفه البارد قائلة بنبرة راجية :
– طب قولي أي حاجة .. قول أيه اللي حصل طيب و أنا هتكلم معاها ، صدقني نحاول أصالحكوا على بعض بس قولي في أيه ..
نظر لها و أخيراً ليقرب وجهه من وجهها قائلاً بنبرة مخيفة :
– لو شوفتها قُدامي هخلي أكبر حتى فيها أد كدة ..
ثم أشار على عُقلة أصبعه ، أغمضت “حلا” عيناها و هي أصبحت متيقنة أنه جدي للغاية وسيفعلها .. نهضت لتتركه بكتفيّ متهدلين و هي تشعر بعجزها ، دلفت مجدداً الغرفة التي تقطن بها “توليب” ، وجدتها متقلصة الملامح وكأنها تعاني من ألمٍ ما بينما شفتيها تتحركا و كأنها تحادث شخصٍ ما ..
قطبت “حلا” حاجبيها بفزعٍ لتقترب منها و هي تمسد على جبينها ، أبعدت كفها سريعاً من شدة سخونته لتشهق بخوفٍ حقيقي ، ألتفتت حول نفسها و هي لا تعلم ماذا ستفعل ، ركضت لخارج الغرفة و هي تذهب صوب الغرفة الموجود بها “رعد” دفعت الباب و هي تصرخ به :
– رعد توليب سخنة أوي و بتهلوس ..
ألتوى ثغره بإبتسامة ساخرة و هو ينظر لها بإسخفافٍ قائلاً بتهكمٍ :
– متقلقيش تلاقيها بتمثل زي من مثلت حاجات كتير ..!!!
أرتفع حاجبيها بذهولٍ لتنظر له بصدمةٍ و هي كانت تتوقع نهوضه بفزعٍ ليذهب لها ، أقتربت منه و هي تقول برجفةٍ :
– مش بتمثل يا رعد فوق بقولك توليب مولعة ..!!
– أنا دلوقتي بس فوقت ..!!!
قال بنبرة غامضة و هو يعود برأسه للخلف مغمضاً العينان .. شعرت “حلا” أنها تتحدث مع شخصٍ فقد عقله .. تركته لتذهب خارج القصر بأكمله و هي تركض نحو “زين” الواثب أمامها ، قطب الأخير حاجبيه من ركوضها بتلك الطريقة و كأن أحدٍ يلاحقها ، قلصَّ المسافة و هو يقترب منها ممسكاً بكتفيها قائلاً بنبرة خشِنة :
– في أيه ؟!!
نظفت حلقها لتقول بتلعثمٍ :
– ت .. توليب سخنة .. و انا .. انا مش عارفة أعمل أيه ..
مسح على خصلاتها بحنان كالطفلة و هو يقول :
– تمام أهدي ، قولي لجوزها و هو عارف هيعمل أيه ..
أجهشت بالبكاء و هي تتذكر قسوة “رعد” لتعقب بحزن :
– هو مش هيعملها حاجة .. أنا قولتله قالي أنها بتمثل ..
مسح على جبينه ليقول بإيجاز :
– طب ممكن نمشي دلوقتي و نسيبه مع مراته و هو هيشوف مالها ؟
نفت برأسها بقوةٍ و هي تصرخ به :
– بقولك مش هيعملها حاجة يا زين ..!!
قبض على ذراعيها و هو يقول جازاً على أسنانه :
– متصرخيش .
كتمت صراخها بجوفها و هي تتلوى بين ذراعيه بألم من شدة قبضته ليتركها بعنفٍ و هو يفتح باب السيارة قائلاً بنبرة أرعبتها :
– أركبي ..
نفت بضعفٍ ليغمض عيناه بنفاذ صبرٍ من عنادها ، صرخ بها بغضبٍ :
– بقول أركـبـي !!
زمت شفتيها بحزن لتستقل مكانها و هي تكتف ذراعيها .. أستقل هو الأمر مكانه لينطلق بالسيارة بغضبٍ ..
• • • •
لم يحن قلبه حتى للذهاب لها رُغم تيقنه أنها متعبة و لا تمثل إلا أنه شعر أنها يجب أن تتعاقب .. أو هو الذي سيعاقب على تألمها ، نهض بثقلٍ ليذهب نحو غرفتهم ، دفع بالباب بعنفٍ ليقترب من جسدها المجثي أمامه ، أمتدت كفه جبينها شديد السخونة و حبات العرق المتكونة عليه ، أنحنى قليلاً ليضع ذراع أسفل ركبتيها والأخر أعلى ظهرها ليحملها بين ذراعيه المفتولين ، رآها تهمس بخفوتٍ شديد لم يسمعه ، قرب أذنه من ثغرها ليجدها تهمس بأسمه .. أعتدل بوقفه مجدداً ملامح جامدة ليدلف للمرحاض مقربها لصدره ، خطة نحو حوض الاستحمام لينزلها ممسكاً بخصرها بذراع والأخر أشغل رذاذ المياه لتندفع المياه الباردة بقوة هادرة بالحوض ، حملها “رعد” مجدداً لينزل بجسدها ببطئ بالمياه شديدة البرودة ، شهقت “توليب” بقوة من برودة المياه لتهتف بإعياء :
– رعــد ..!!
همس بالقرب منها :
– ششش ..
أصطكت أسنانها ببعضٍ ليرتحف جسدها بين يداه ، تشبثت بذراعه و هي تقول :
– رعد طلعني أنا بردانة أوي ..
حاوط ذراعيها و هو يعلم حجم البرودة التي تشعر بها الأن ، و لكنها لن تُقارن بنيران صدره ..!!
همس بأذنها بنبرة لا روح بها :
– متقلقيش يا توليب هطلعك من حياتي كلها !!
جحظت عيناها بقوة حتى كادت أن تخرج من محلها لتنفي برأسها بقوة و قد أنسابت دموعها و هي تترجاه :
– لاء .. عشان خاطري متعملش كدة ..
– لـيـه ؟ أنا بنفسي بفتحلك باب القفص .. مش هتخرجي منه ؟ مش أنتِ اللي عايزة كدة ؟
قال بنبرة جافة ليحملها مخرجاً إياها من الحوض و هو يغلق المياه ، عصفتها برودة الجو و ملابسها المبللة التي ألتصقت بجسدها ، أمتعض وجهها لتنظر له قائلة بنبرة عاشقة :
– بس أنا مش عايزة أسيب القفص ..
أقترب منها لينظر لها بتحدٍ :
– بس الأسد اللي جوا القفص أذاكي كتير ..
باللحظة تذكرت كل ما حدث معها و كل ما عانته بسببه ، إزدردت ريقها و هي تحاول أبتلاع غصة في حلقها قائلة بخفوتٍ :
– بس أنا حبيت الأسد دة ، برغم انه أذاني كتير بس حبيته ..
قست ملامحه ليقبض على ذراعيها المبتلين و هو يجأر بها :
– مش أنتِ من كام ساعة كنتِ عايزة تهربي و تسيبي الأسد دة ؟!!
أستطردت بخفوتٍ و هي تنكس رأسها بخذلٍ و كأنها واقفة أمام متامها الذي يعنفها بقسوة ، رفعت أنظارها قائلة بطفولية :
– رعد أنت عارفني مجنونة و دايماً بعمل حاجات تنفرزك و مش ببقى عارفة أنا بعمل أيه .. بس أنتَ هتسامحني صح ؟
أعتلت ثغره بسمة لم تصل لعيناه ، بسمة تنم عن إرهاقه ليقول :
– المرة دي غير كل مرة .. غيري هدومك عشان متبرديش ..
ثم تركها و هو يصفع باب المرحاض بقوة ، أنفجرت “توليب” بالبكاء لتدفن وجهها بكفيها و الندم يتآكلها ، بدلت ملابسها لتخرج من المرحاض ، وجدته واضع حقيبة كبيرة الحجم على الفراش و هو يوزع ملابسه بها ، كان مرتدياً قميص شبابي مع بنطال ثلجي اللون ، أنقبض قلب “توليب” لتستطرد بنبرة مرتجفة :
– رايح فين ؟!!
– مسافر .
شهقت بجزعٍ لتهرول نحوه و هي تجعله يلتفت نحوهل ممسكة به من تلابيبة هادرة به :
– يعني أيه مـسـافـر ها ؟! هو أنت تخليني أحبك و فالأخر تقولي مسافر ، والله العظيم أقتل قتيل هنا !!!
وضع كفيه على كفيها الصغيرتان الممسكتان بتلابيب قميصه و هو يعقب :
– توليب ..
– توليب أيه هو بقا فيها توليب ، أنت مش هتمشي من هنا غير على جثتي يا أما همّوتك والله يا رعد أقتلك !!
قالت بشراسة لتُظلم عيناه ليطلق ضحكة رجولية و هو يستطرد بإستخفاف :
– ألعبي بعيد يا شطارة ..
ألتفتت بجنون و هي تبحث عن شئ تضربه به لتهرول نحو مزهرية ثمينه لتلقيها نحوه قاصدة إصابته ، أنحنى “رعد” بجزعه متفادياً المزهرية لتضرب بالحائط وراءه لتتهشم منثورة في الارض ..
ضربت “توليب” بقدميها بالأرضية و هي تبكي بقهرٍ ، دوى صوت ضحكاته بالغرفة ليقترب منها و هو يجذب رأسها نحو صدره ممسداً على خصلاتها بحنو قال :
– طيب خلاص أهدي المرة الجاية هثبت عشان تيجي فيا و تخلصي مني ع الأخـر ..
نفت بقوة داخل أحضانه لتحتصنه هي متشبثة بعنقة قائلة بحزن :
– لاء أنا مش عايزة أخلص منك ..
حاوط خصرها و هو يمسح عليه صعوداً و هبوطاً مستشعراً جسدها الغض ، همس بأذنها بنبرة خبيثة :
– بطلي دلع بقا ..
قطبت حاجبيها و هي تبتعد عن أحضانه زامة شفتيها :
– مش بتدلع ..
أمملت ببريقٍ من الأمل سرعان ما حطمه :
– يعني خلاص مش مسافر ؟
تنهد بنيران تأججت بقلبه ليكوب وجهها قائلاً :
– توليب أحنا لازم ناخد أستراحة من بعض ، صدقيني هرجع و كل حاجة هتبقى كويسة بس أنا و أنتِ محتاجين نبعض شوية ..
– لاء ، لاء يا رعد ! مين قالك أني عايزة اتنيل أرتاح منك ؟ يا سيدي أنا مبسوطة كدة ليه بتاخد قرارات منك لنفسك كدة ؟ مرة تقولي هنقرب و لما أجي أقرب تقولي لاء نبعد .. أنت بتلعب بيا يعني ؟ عايزني أتجنن عشان تنتقم مني صح ؟ و لا عايزني أحبك عشان توترني براحتك ؟ براڤو يا سيدي و أديني حبيتك ها و بعدين ؟ هتعاقبني أزاي المرة دي ؟ عايز تمشي أمشي يا رعد بس أنا و حياتك عندي م هستناك .. هضيع من أيدك و أديني بقولك أهو أنا مش هستنى واحد عايز يبعد قال ايه عشان ياخد أستراحة مني ، أمشي يا رعد مش عايزة أشوفك تاني أتفضل .
تنحت للجانب مشيرة للخارج و مقلتيها لا تتوقف عن أنسياب الدموع ، هم “رعد” بالمضي قدماً لتتشبث بذراعيه قائلة برجاءٍ :
– عشان خاطري متمشيش ..!!!
جذبها من خلف عنقها ليطبق بشفتيه على شفتيها و هو يتذوق شهد شفتيها ، و باكف الأخر تحسس جسدها برغبةٍ ، تعمقت قبلاته و هي مستسلمة تماماً بين يداه ، دفعها للفراش و هو لم يقطع قبلاته المشتاقة إليها ليغرقا معاً في بحور عشقهما ..
– زيـن ..
قالت بنبرة خافتة ملتفتة إليه و عيناها تترجاه أن يسامحها ، لم يبالي بها “زين” و هو يكمل سواقته للسيارة ، زفرت بقنوط لتعتدل في جلستها و هي تقول بإمتعاض :
– طيب هتفضل تلف بينا كدة كتير ؟ قول أي حاجة طيب ..؟
لا إجابة مجدداً و هو يسند شرتعه على نافذة السيارة والأخر ممسك بالمقود ، تشدقت “حلا” على مضض قالت بمزاح :
– طب أنا جعانة طيب .. مش هتأكلني و بخيل و كدة بقا ؟
فشلت محاولتها في تلطيف الأجواء بينهما ، نظرت له بخبث لتمد قدميها قليلاً و هي تصغط على قدمه الضاغطة على مكبح الفرامل مما جعل السيارة تتوقف بقوة بوسط الطريق حتى كادا أن يفتعلا حادث نتيجة الوقوف المفاجئ ، ألتفت لها “زين” هادراً بها بنبرة أفزعتها :
– أنتِ مـجـنونـة ؟!!!
قطبت حاجبيها بفزعٍ من صراخه و هي تسمع أبواق السيارات خلفها و بعض السباب النابية بهم ، ألتفت للمقود ليتحرك بالسيارة بسرعةٍ شديدة نتيجة غضبه ..
– زي ..
– أخرسي !!
قاطعها بغضب شديد لتمتلء مقلتيها بالدموع ملتزمة الصمت و هي تنكمش على نفسها بالمقعد ، ألتفتت للنافذة و هي تطالع المرء بعينان أغرورقتا بالدموع ، لاحظت جلوس طفل على مقعدٍ ما و وجهه تلون بالأحمرار من شدة بكاءه ، صرخت بـ “زين” ليتوقف ، ترجلت من السيارة لتركض صوب الطفل و بكاءه يقطع نياط قلبها ، مسدت على خصلاته الحرارية و هي تقول بحنانٍ :
– مالك يا حبيبي بتعيط ليه ؟
لم يتوقف الطفل عن البكاء و هو يقول بنبرةٍ طفولية :
– عايز بابا ..
– طيب تعرف هو راح فين و لا أنت نزلت م البيت لوحدك ؟
– لاء أنا نزلت معاه بس هو سابني هنا و قالي أنه مش بيحبني ..
قال و هو يزداد بالصراخ مردداً بـ “بابا” ، حاولت “حلا” تهدئته و هي تجلس بجانبه جاذبة إياه لصدرها و هي تطالع الفراغ بحزن ، غير مُنتبهة تماماً إلى “زين” الذي كان يحدق بها بحنوٍ مماثل ، تبخر غضبه بالهواء و هو يرى طفلته تعانق طفل .. أبتسم لوهلة لتلك الفكرة لتتلاشى بسمته تدريجياً و هو يشعر بنيران تشتعل بصدره .. هي تحتضن طفل ؟ .. تحتضنه ؟!! لا هذا غير مقبول في قوانين عشقي ..!! عشقٍ ماذا ماذا يقول ذلك الأبله ؟ هو فقط بجانبها لضميره المتألم لِما حدث معها بسبب والده الدنئ ، فقط هذا هو لا يُحبها ..
أقترب منهما لينتزع الطفل من أحضانها و هو ينحنى بجزعه له قائلاً :
– هو قالك أيه بالظبط ؟
طالعه الطفل بغرابة و كأنه لم يحب وجوده ، و لكنه قال ببكاءٍ و هو يتذكر حديث والده :
– قالي أنه مش بيحبني و أنه عايزني أموت ..
جحظت “حلا” لتسبه بـ “حيوان” بسرها حتى لا تجرح الطفل ، عانقته مجدداً و هي تحرك يدها على ظهره محاولة بث الدفء به لشدة برودة الجو ، توحشت مقلتيّ “زين” ليهتف بصوتٍ عالٍ عنيف :
– أنتِ هتسوقي فيها ؟!!
رفعت “حلا” كلتا حاجبيها بتساؤل ليعاود “زين” الكرة و هو ينتزع الطفل منها بعنفٍ جعل الطفل ينفجر بالبكاء ، همت بالرد عليه و توبيخه إلا أن صوت أمرأة تبكي بقوة و هي تركض لهما آخذة الطفل بين أحضانها و هي تقول ببكاءٍ :
زين حبيبي ، أهدى يا حبيبي متخافش أنا جنبك ..
عانقها الطفل “زين” لتبتسم “حلا” و لوهلة شعرت بسعادة أنه هو الأخر “زين” .. و لكن يبقى زينها هو أفضل “زين” ..~
شكرتهم المرأة بقوة لتودع “حلا” الطفل و هي تقبله على وجنتيه قاصدة إغضاب “زين” الذي نظر لها بجمودٍ ..
عادوا ليستقلوا السيارة و هي تراقب “زين” بطرف عيناها بعبث ، وضع “زين” حزام الأمان ليلتفت لها و هو بقول بنبرة ساخرة :
– طريقة رخيصة أوي عشان تغيظيني ، حلا عايز أقولك أنك بالنسبالي و لا حاجة فاهمة ؟ أنا معاكي لحد دلوقتي بس عشان بشفق عليكي من اللي أبويا عمله فيكي متحلميش بأكتر من كدة …!!!
كانت نبرته قاسية على قلبها ، لوهلة شعرت أنه سكب عليها دلوٍ من الماء البارد ، أهو معها لأنه يشفق عليها ؟!! تكره تلك الكلمة كما لم تكره من قبل ، تجمعت الدموع المتحجرة بمقلتيها رافصة النزول ، شعرت بتحطم قلبها و كرامتها كأنثى أصبحت منثورة على الطرقات ، أنطلقت مندفعة خارج السيارة لتصفع الباب تاركة إياه يصرخ عليها آمراً بالرجوع ، أوقفت سيارة لتقلها فـ وجودهما بمكانٍ واحد أصبح يخنقها و يجثى على صدرها ، أقلها سيارة الأجرة لشقته ، أسرعت بالصعود بالمصعد ، وقف أمام الباب بذهولٍ و هي تلعن غباءها فـ هي لا تملك نسخة للمفتاح ، سبت بغضبٍ و هي لا تدري أتذهب إلى “رعد” الأن أم تنتظر وصوله لتلملم أغراضها و تذهب إلى “رعد” أيضاً ..
قطع تفكيرها صوت بابٍ يُفتح لتلتف للوراء و هي تطالع ذلك الشخص الذي يقطن أمامها ، كان الرجل ذو الملامح الوسيمة و الرأس الأصلع الذي كان يليق عليه ، نظر لها الرجل و هو يقول بلطفٍ :
– في حاجة يا مدام ؟
نفت برأسها بتهذيب و هي تقول :
– لاء مافيش متشكرة أنا مستنية جوزي عشان مش معايا نسخة من المفتاح بس ..
أومأ الرجل بتفهمٍ ليتنحى جانباً قائلاً بإحترام :
– طيب أتفضلي أستنيه جوة مينفعش تقفي كدة و متقلقيش أمي جوة بس مش هبنفع تعزم هي عليكي أنا أسف عشان قعيدة ..
أبتسمت “حلا” لتقول :
– لاء مافيش داعي هو شوية و جاي متشكرة لحضرتك ..
رفع كتفيه بقلة حيلة ليقول :
– طيب خلاص براحتك ، أنا ع العموم هفضل واقف مع حضرتِك عبال م ييجي ..
– مافيش داعي أنا ..
بتر عبارتها صوت وصول المصعد ليدفع “زين” بقدميه بفجاجة و ملامحه لا تنم على خير ، طالع وقفتهم رغم كِبر المسافة بينهما إلا أن السخرية لم تتبدد من ملامحه و هو مكتف ذراعيه :
– أجبلكوا أتنين ليمون ؟!!
– زيـن !!!
قالت “حلا” بغضب لتوجه أبتسامة معتذرة إلى الرجل ليقابلها الأخير بإماءة بسيطة ..
– أدخلي ع البيت ..
قال و هو يخرج المفتاح ليدسه بالباب دافعه هو الأخر بقدميه مشيراً لها بالدخول بنظرة لا تتقبل النقاش ، حاولت العناد كعادتها لولا نظرته التي جعلت أعظامها تصطك ببعضها لتدلف للشقة تاركة “زين” الذي نظر إلى الرجل و هو يقبض عليه من عنقه قائلاً بتحذير قوي :
– لو شوفتك بصيتلها بس راسك هتوحشك يا آسر أنت عارفني مبهددش بنفذ على طول !!
سقط قناع التهذيب الذي أرتداه ببراعة لتتحول ملامحه إلى أخرى شيطانية و هو يقول :
– أهدى على نفسك يا زين يا قناوي ..
– أنا هادي ، و هادي جداً كمان .. الظاهر أنك متعرفش أنا لما بتعصب بعمل أيه ، بس لو عايز تعرف أنا تمام !!
دلف الشقة صافعاً الباب خلفه ليذهب نحو غرفته بخطواتٍ أشبه للركض و هو يراها تضع ملابسها بالحقيبة بعينان دامعتان ، سُرعان ما جذبها من كتفيها بذراعٍ واحد و هو يقول بوجه جامد قائلاً :
– رايحة فين ؟
نفضت ذراعيها هادرة به بقوة :
– إياك تلمسني !!
– طب ولو لمستك ؟
قال بخبثٍ ليقبض على خصرها و هو يلصقها بجسده ، دفعته بصدره لتزيحة و لكن حركتها لم تؤثر به مقدار ذرة ، تلوت بعنف و هو يزال محدقاً بها بمكرٍ ..
– سيبني بقا ..
قالت بأنين متألم ليبتعد عنها ، و ببرودٍ شديد مضى نحو حقيبتها ليخرج الملابس منها ، نظرت له “حلا” بغضب لتصرخ به :
– سيبني أمشي أنت مش قولت أنك معايا بس عشان بتشفق عليا ؟ و أنا بقى مسمحش لحد يحسسني أني تقيلة عليه فـاهم ؟ روح حس بالشفقة مع حد تاني يا أستاذ زين أنما أنا لاءء فاهم ؟
تجمدت ملامحه لثانيه ينهض واثباً و هو يقول بنبرة باردة :
– مكانش قصدي ..
دوى صوت ضحكاتها بالمكان ، ضحكاتٍ ليس بها ذرة مرح و هي تقترب منه قائلة بسخرية أمام وجهه :
– مكانش قاصدي دي لما تدوس على صباع رجلي الصغير .. انما لما تدوس على قلبي حاجة تانية خالص ..
ظل محافظاً على جمود ملامحه ، و سُرعان ما أمسك بحقيبتها ليلقي بها أرضاً هادراً بها :
– مشيان من هنا مافيش يا حلا و أغبطي راسك في أقرب حيط .. !!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية انت ادماني)