رواية اليمامة والطاووس الفصل الرابع عشر 14 بقلم منى الفولي
رواية اليمامة والطاووس الجزء الرابع عشر
رواية اليمامة والطاووس البارت الرابع عشر
رواية اليمامة والطاووس الحلقة الرابعة عشر
كانت كلماتها كالحجارة ترجم روحه وتصطدم بأبواب ذكرياته مستخرجة تلك المواقف العديدة التي خذلها بها، مساندا لمن أرادوا هدم بيته ولو بسلبيته تجاهه ضيقها، ليجيبها معترفا بألم: عندك حق، مش هاقول أني مغلطتيش في كل اللي قولتيه، لكن عذري الوحيد أني وثقت في ناس مكنوش قد ثقتي فيهم.
فجأها اعترافه بذنبه مخالفا عهدها به، فهدأ صوتها معاتبا: وماوثقتيش فيا أنا ليه يا ياسر.
أجابها صادقا وقد أيقن أن هذا هو طريقه لنيل صفحها: وثقت فيكي، بس استكبرت، استكبرت أغير نظام حياتي فيقولوا أنك ممشياني وراكي، وماخدتيش بالي أني أمشي ورا ست في الحق أكرملي ألف مرة من أني أمشي ورا دماغي في الباطل، لكن الكبر بيعمي ويلغي تفكيرنا.
صدمها ثانية باعترافه بذنبه بتلك البساطة، وهرب منها كل ما أعدته لمواجهة هجومه المتوقع واتهاماته المنتظرة، لتتمتم بتشتت: وأنت عايز أيه مني دلوقتي.
أجابها بأعين متوسلة ونبرة مترجية: تسمحيلي أصلح غلطي يا دعاء، تديني فرصة تانية نبني اللي كسرته ما بينا، ولو شايفة أني مستهلش فرصة تاني، فابننا يستاهل يعيش حياة طبيعية مع أمه وأبوه.
أندفعت تهتف بما يحرق قلبها قهرا: وأنت مفكرتش فيه ليه وأنت بتدافع عن اللي حاولت تقتله، وكتبت كتابك عليها تاني يوم ما مطلقتني.
صرخ بألم: كنت غبي، غبي، ضحكوا علي زي العيل الصغير، وعموا عيني وسحبوني وراهم، وربنا أراد أني أفتح وأشوف الفرق وأعرف أني بعت الدهب بالتراب، أشوف الفرق بين اللي عايزة تلبسني تهمة واللي جريت تتطمن علي حتى وأنا ظالمها.
أجابته بمكابرة مسترجعة كل لحظة شعرت فيها باستهانته بها: أه، لو أنت فسرت مرواحي لدكتور ياسين على أني باحاول أقرب، تبقى فهمتني غلط، ولو أعرف أن ده سبب الزيارة مكنتش وافقت أقابلك.
غمغم مستنكرا بذهول: ترفضي تقابليني، احنا في العدة يا دعاء، ولولا أني معنديش استعداد أغصبك على حاجة كان ممكن جدا أرجعك لذمتي حتى من غير ما أعرفك.
صرخت متذكرة أكثر لحظات حياتها مهانة: وهتعرفني عن طريق القسم زي الطلاق، ولا هتبعت مع تمرجي أخوك زي هدومي والمؤخر، [لتصرخ بهيستريا متوعدة] أعملها يا ياسر، والله لأكون خالعك.
انفطر قلبه وهو يرى ما أوصل علاقتهما إليه، فترجاها محاولا تهدأتها: أهدي يا دعاء، أنا باقولك معنديش استعداد أغصبك على حاجة، بس بافكرك أن المفروض شرعا أن عدتك تكون في شقتنا، مش أنك ترفضي تقابليني.
صرخت بألم: انهي شقة دي اللي المفروض أقضي فيها عدتي، الشقة اللي رمتلي هدومي منها بعد كام يوم، عشان مفكرش أرجعها تاني.
لم يشأ أن يخبرها بخداع شقيقه له وإيهامه بأنها من طلبت متعلقاتها، وحقوقها الشرعية، فلا احتمال لعلاقتهما لضغائن جديدة، ولا استغناء له عن شقيقه مهما كان خطأه، فغمغم محملا نفسه تبعات هذا الخطأ: انسي اللي فات كله، شقتك دلوقتي مستنياكي، ولو مش لسه في العدة، فهي شقتك بكل الأحوال، بما أنك بإذن الله بعد الولادة هتبقى حاضنة والشقة من حقك.
غمغمت متهكمة بمرارة: تفتكر ممكن ارجع الشقة اللي عيشت فيها مع واحدة غيري.
حاول المراوغة متجنبا الجدال معها: أرجعي العمارة وأقعدي في شقتي التانية، [محاولا استمالتها] على فكرة أوضة نومنا فيها، متخيلتش أن ممكن واحدة غيرك تنام عليها، كنت بانزل أنام فيها كل ماتوحشيني.
لم يعرف بأن كلماته أثارت غضبها، فدون أن يدري ذكرها بأنه كان ينام بأحضان أخرى بينما هي مجرد ذكرى يشتاق إليها من وقت لأخر، فهدرت قائلة: أنهي عمارة اللي ابني كان هيتقتل على سلمها، زفر بضيق وقد علم بأن مشوار إسترضاءها ليس بهين أبدا، ولكنه على أتم الاستعداد لخوض الصعاب من أجل استعادتها، فأن لم يكن تكفيرا عن ذنبه تجاهها، وحفظا على مستقبل وليده القادم، فلأنها تستحق ذلك وسيكون أبله لو فرط بجوهرة مثلها.
❈-❈-❈
فتحت تلك المرأة بابها والتمعت أعينها بالشماتة وهي تنظر للسيدتين خلف زوجها وهي تصيح متهكمة: أهلا، أهلا، بالهوانم اللي مشرفنا، اتفضلوا.
سبقهما الرجل بالدخول، ينهرهما على تسمرهما: اتفضلي يا هانم أنت وهي ولا مستنين عزومة.
دلفتا متمسكتين ببعضهما، القهر يسكن عين نجوى بينما الغضب يشتعل بعين سلوى، وهي تجيبه محاولة التظاهر بالقوة: محدش بيتعزم على بيته يا بابا.
انطلقت ضحكة متهكمة من زوجة أبيها وهي تهتف هازئة: بيت مين يا أم بيت، البيت ده بيتي أنا، واللي مش عاجبه فالباب لسه متقفلش.
أزاحهما والدهما للداخل مغلقا الباب خلفهما، وهو يتمتم بخفوت: خلود، مفيش داعي للكلام ده دلوقتي.
احتدت صوت خلود: لا ده وقته تحديدا، عشان نحط النقط على الحروف من أولها.
خرج على صوتها، فتاة ترتدي ملابس متحررة جدا، وشاب يبدو غير متزن ينظر لهما بنظرات قذرة، يستمعان لإهانة والدتهما للشقيقتين وهي تستطرد: أنا لما قولتلي أن خالهم أتصل يقولك تعالى خد بناتك، بعد ما رموا بلاهم عليه، قولتك ماشي عشان أنا بنت أصول، بس كله بالأصول، والبيت ده له صاحبة واحدة هي أنا.
تشبثت نجوى بيد شقيقتها بذعر بينما سلوى لا تصدق أن تتعرض للإهانة على الملأ بذلك الشكل المخزي، هي لم تعتاد هذا أبدا، كانت أميرة ببيت أبيها، وبعد الأزمة التي تعرضت لها أسرتها، ما لبثت إلا قليلا لتصير بعدها، ملكة متوجة ببيت ياسين، لم تلقى بعمرها من الإهانات مثل ما تلقته بالأسبوع المنصرم، منذ بعدها عن مصدر عزتها ببعدها عن ياسين، إبتداءا من تلاعب ذلك المحامي بها، ومرورا بتيهها بعدما فقدت ملجأها الحقيقي فبحثت عن مكان تعيد به حساباتها، وتفكر كيف تستعيد حياتها مع ياسين، فاضطرت للجوء لخالها الذي خذلها كعادته، لتلقى إهانتها الكبرى على يد تلك الحقيرة، لم تحتمل أعصابها كل ما مرت به، لتسقط فاقدة الوعي، لتصرخ نجوى ملتاعة وهي تزداد تشبثا بها، ويسرع الشاب بحملها مستغلا الفرصة لملامستها، بينما علا صوت خلود السوقي: هي حامل ولا أيه، مش طليقها مبيخلفش برضو، أستر على ولايانا يا رب. ❈-❈-❈
تحركت دعاء متثاقلة في طريقها خارج أبواب منزلها في طريقها لجامعتها، لتفاجأ بسيارة ياسر تقطع المدخل، بينما يقف هو مستندا على بابها الذي أسرع بفتحه بمجرد رؤيته لها، تخشب جسدها كرد فعل رافض لدعوته الصريحة للركوب معه، همت بالتحرك متجاهلة دعوته، ولكنه سد عليها طريقها وهو يأمرها برفق: أركبي يا دعاء.
أشاحت بوجهها جانبا، فاستطرد بلهجة أكثر حزما: أركبي يا دعاء متفرجيش الناس علينا.
تلفتت حولها فوجدت بعد الوجوه المتطلعة لهم فأطاعته صامتة، ليحتل مكانه بكرسي القيادة منطلقا، تملأ وجهه ابتسامة أمل.
❈-❈-❈
وضع ياسر قدح الشاي أعلى طاولة النادي بحدة: مش عارف أعمل أيه مش مدياني أي فرصة اتكلم معها، ولا راضية ترجع الشقة حتى لو لوحدها، حتى ياسين كمان رافض يرجع البيت، ومصمم يقعد في المستشفى، وأنا بجد مش ملاحق أجري ورا مين فيهم.
أجابه عمر متفهما: أهدى أنت بس فترة وتعدي، واللي حصل مكنش سهل أصلا، والحمد لله أنها جات على كده.
غمغم بهدوء: الحمد لله والشكر لله، أه وعلى فكرة أشكرلي علي قوي، جميله على راسي، بجد مش عارف لولا تحذيره كانوا زمانهم عملوا فيا أيه جوا التخشيبة، ده طبعا غير وقفتك أنت معايا.
ابتسم عمر بطيبة: متقولش كده يا جدع ده احنا أخوات.
لمعت عينيه متذكرا: أه صحيح، قوله كمان أني محتاجه في خدمة تخص زينهم.
تجهم وجه عمر مغمغا: خير، والله أنا اللي كنت عايز أكلمك في موضوع يخص زينهم.
تسائل ياسر باهتمام: خير ماله زينهم.
أجابه عمر بضيق: عمو أحمد صاحب المزرعة اللي بيشتغل فيها زينهم، كلم بابا يشوفله مشتري ضروري، و أكيد أي حد هيشتريها غالبا هيرفض يشغل حد بظروفه، عشان كده كنت بافكر نكلم الدكتور يشغله في العيادة أو المستشفى، بس خوفت يعني عشان التوقيت وكده، وكأن ده تمن وقفته جنبك.
صاح ياسر منفعلا: أيه الهبل اللي بتقوله ده أنا لايمكن أفكر كده.
أجابه عمر مؤكدا بثقة: مش بتكلم عليك، أنا خايف من أن زينهم اللي يتحرج من كده، أنت مش متخيل قد أيه هو عزيز النفس.
أجابه ياسر مفكرا: طيب سيبها على الله وأنا هالاقي لها حل، [مشيرا لجهة بعيدة] أيه ده مش الواد محمود اللي واقف مع الشلة اللي هناك دي.
تردد عمر قبل أن يردف: بص هو في موضوع كنت متردد أقولهولك بس شايف أن من حقك تعرفه، أنا قبل ما أكلم زينهم كنت اتصلت بمحمود عشان يخبيك في شقته اللي حاجزها للجواز بما أنه لسه شاريها؛ ومش كتير يعرف بيها بس هو رفض.
لم يجيبه ياسر واكتفى بأن تفحص هاتفه وهو يتابع اقتراب محمود نحوهما ليصلهما هتافه بمرح: أحلى شباب أزيكم يا رجالة.
ردا تحيته بخفوت، بينما هو استطرد بمرح: ياواطيين، بدل جايين مقولتوش ليه كنا اتفقنا واتقابلنا.
نظر له ياسر بابتسامة جامدة قائلا: أزيك يا محمود أخبارك أيه.
محمود بحماس: الحمد لله كويس قوي، المهم عمر كان قالي على حوار كده يخصك، خلص على خير الحمد لله؟
أمأ ايجابا وهو يردف بلوم: هيفرق معك.
ارتبك محمود وتنحنح بحرج وهو يبرر بصوت متحشرج: معلش يا صاحبي والله، أنا معرفتش أخدمك في الحوار ده غصب عني، أصل…
قاطعه ياسر حازما: حقك، طبيعي أنك متدخلش نفسك في حوار في بوليس ومشاكل، محدش يقدر يغصبك على كده.
زفر محمود بارتياح لتفهمه: والله أنا كنت عارف أن دماغك كبيرة وهتقدر موقفي.
باغته ياسر مهاجما: بس بصراحة اللي مش قادر أفهمه ولا أقدره، أنك حتى متحاولش تتطمن علي حتى لو بمكالمة وتشوفني عملت أيه، ولولا أنك شوفتنا دلوقتي بالصدفة كان زمانك برضو متعرفش عني حاجة.
ازدارد ريقه بتوتر، وهو يغمغم متلعثما: لا ده أنا حاولت اتصل أكتر من مرة بس التليفون يا مقفول يا مبيجمعش، شكل المكان اللي كنت فيه مكنش فيه شبكة.
فجأته حركة ياسر السريعة وهو يختطف هاتفه من بين يديه، ضاغطا على أول حرفين من رقمه السري الذي يعلمه، ولكن توقفت أصابعه فجأة وصدى صوت زينهم يتردد بأذنيه {وَلا تَجَسَّسُوا}، ليعيد الهاتف بين يدي صاحبه آمرا بحزم: لو صادق أفتح دلوقتي سجل المكالمات ووريني طلبتني كام مرة.
زاغت عيني محمود بتوتر، قبل أن يضع هاتفه بجيبه كدليل واضح على كذبه.
❈-❈-❈
وقفت سلوى أمام الموقد تقوم بطهي أنواع متعددة من الطعام، بينما نجوى تقف أمام الحوض تقوم بجلي الصحون بإرهاق، لتدخل عليهما خلود تحمل ذلك الصغير بأحضانها، وهي تصرخ عليهما بحدة: أيه ماتشهلوا شوية، الناس هتموت من الجوع.
صرخت سلوى بإستياء: ما أنا مولعة على الأكل أهو، أعمل أيه أولع في نفسي.
ضحكت خلود باستفزاز: هتولعي أكتر من كده، [مقبلة الصغير بأحضانها] ومن شر حسد إذا حسد، حبيب قلب عمته الغالي، يالا يا ابن الغالي لاحسن في ناس هتولع هنا.
ألقت سلوى بالملعقة من يدها بعنف، وهي تبكي بقهر، لتترك نجوى ما بيدها، لتحتوي شقيقتها الذي زاد بكاءها، فهي لم تعد تحتمل كل ذلك الضغط، فتلك الملعونة عرفت كيف تقهرها، فمنذ مجيئهما لهنا وهي تدعو شقيقها للغداء، لتشعل بها نار الغيرة وهي تراه بصحبة زوجته وأبناءه، بينما هي تقوم بخدمتهم تحت كلمات شقيقته المهينة، لا تعلم أتغار عليه، أم تغار من استقراره بحياته بينما هي قد اضاعت كل شيئ.
❈-❈-❈
خرجت دعاء من جامعتها تتهادى ببطنها المنتفخ في طريقها لمكان ركوبها، لتفاجأ ثانية بسيارة ياسر أمامها، بينما هو جالسا مكانه فاتحا باب المقعد المجاور له، هاتفا بها: أركبي.
تصنمت للحظات قبل أن تحسم أمرها ملبية دعوته هي تشيح بوجهها بعيدا عنه، لينطلق عن فوره بينما يصدح صوته يدندن بأغنية مرحة تناشد الحبيبة الغفران.
زفرت بضيق وهي تصيح: ممكن أعرف إيه اللي أنت بتعمله ده.
أجابها ببساطة مستفزة: بمارس دوري كأب.
صاحت متهكمة: يا سلام.
أجابها بجدية: بصي بقى أنا سيب تعندي براحتك، وحارمنا أننا نصلح غلطتنا ونرجع لبعض، لكن مش حقك تحرمي ابني من خير أبوه، وتشحططيه في المواصلات وأبوه يقدر يوصله براحة لأي مكان هو عايزه.
صاحت مستنكرة: نصلح غلطتنا.
هادنها بحكمة: غلطتي لوحدي متزعليش، بس أنت كمان كده بتغلطي في حق ابنك وبتتعبيه، وأنا كأب من حقي أدور على راحته.
زمت شفتيها متذمرة: وكان بابا فين الكام الشهر اللي فات.
عبس وجهه بضيق: أنا منكرتش أني غلطت، بس الحمد لله غلطتي كانت بعد ما الحمل ثبت وقبل الولادة، لكن انت دلوقتي على وش ولادة، ومش هستنى لما تولديه في مطب في ميكروباص.
أشاحت بوجهها المتذمر، ليبتسم بسعادة فبرغم محاولاتها للتظاهر بالغضب، ألا أن صمتها موافقة ضمنية على توليه أمر توصيلها، وتلك أول خطواته في طريقه لإسترجاعها.
❈-❈-❈
دلف لغرفة شقيقه بالمستفى محييا: صباح الخير يا ياسين، جاهز؟
ظهر شقيقه مرتديا بذلته كاملة وهو يغمغم بإحباط: أيوه، يالا بينا.
تحركا بطريقهما لخارج المستشفى متجهاين لسيارة ياسين القابعة أمامها، ليحتل ياسر مقعد القيادة بينما جواره ياسين، الذي غمغم مستهجنا: مش عارف أيه لازمة أنك تيجي توصلني المسافة دي كلها وترجع تاني في القطر.
أجابه ياسر بهدوء: أنت اللي صممت أنك تروح شقة مطروح ومكنش ينفع أسيبك تسوق المسافة دي كلها وأنت لسه خارج من المستشفى.
غمغم ياسين معترضا: ما قولتك أني كويس، بس حتى لو كده كان ممكن أروح أنا في القطر وخلصنا.
رد ياسر دون أن يلتفت؛ مهتما بالطريق: وتبقى هناك من غير عربية وتتحبس في الشقة.
تمتم ياسين متهكما: حد قالك أني رايح اتفسح، أنا لولا أني مش طايق أرجع البيت، وفي نفس الوقت مينفعش أقعد أكتر من كده في المستشفي، مكنتش فكرت أسافر.
اتسم صوت ياسر بالاهتمام والجدية قائلا: وعشان اللي أنت قولته ده أنا عندي فكرة عايز أعرضها عليك.
وانطلق يشرح فكرته، مثيرا دهشة ياسين وحيرته.
❈-❈-❈
أمسكت نجوى بالشرشف، تضعه على السرير، لتفاجأ بتلك اليد تلتف حول وسطها ترفعها فجأة لتجد نفسها بين أحضان ذلك المنحل وقد وضع يده الأخرى فوق فمها يمنعها من الصراخ، قاومته بعنف، ليشدد من قبضته عليها، وهو يهمس بإذنيها بأنفاس محمومة: أهدي، أهدي متخافيش، متعملليش فيها خضرة الشريفة، أمال طلقك ليه وأخوه طلق أختك اللي بيموت فيها من تحت راسك، أنت كده كده مبتخلفيش، خايفة من أيه بقى.
سالت من عينيها دموع القهر، وهي تشعر بالإشمئزاز من جسدها الذي يلاصقه بتلك الطريقة الفجة، لتزداد قهرا، وهي ترى خلود تفتح الباب بقوة، لتصرخ بها معنفة: ياليلتك السودة، أنت بتهببي أيه هنا.
دفعها بعيدا بقوة، لتتلقفها خلود ممسكة بها تكيل لها الضربات بعنف، لتأتي سلوى على صرخاتها، لتحاول انتزاع شقيقتها من بين أيديها صارخة بها: سيبيها يا مفترية مالك ومالها.
لتصرخ عليها خلود بسوقية: مالها هي ومال ابني يا أختي، جاية أوضته ليه، لو فاكرة أنها هتلف عليه تبقى بتحلم، ده الحيلة وعايزة أفرح بعياله.
تشبثت نجوى بيد شقيقتها وهي تصرخ منتحبة: والله كدابة هي اللي قالت أروق أوضته.
صاح والدها الذي أتى على صراخهم: في أيه أنتوا مابتبطلوش صريخ.
صاحت خلود مندفعة تمنع أي منهما من الكلام: بنتك الفاجرة، بتتسحب داخلة لمودي، لولولا أنا قفشتها.
علت صرخات نجوى، بينما سلوى تصيح بها: منك لله يا مفترية، ربنا يفضحك، شوفي بنتك اللي ماشية على حل شعرها.
صرخت خلود بزوجها: هي حصلت تجيب سيرة سيتها، قسما بالله ما أنتوا قاعدين فيها، هي كلمة، لواحدة فيهم تتجوز الشيخ وهدان وتغور وتاخد التانية معها، ياما الاتنين يغوروا في داهية، مليش دعوة أن شالله، يروحوا جهنم.
صرخ بهما والدهما دون أن يتبين حقيقة ما سمعه: مشبعتوش فضايح مش كفاية الشارع كله واكل وشي من ساعة طلاقكم.
صرخت سلوى بوجهه: احنا اللي فاضحينك، والشمام ده، والهانم اللي راجعة أمبارح شاربة، هما دول اللي مشرفينك.
ارتفعت يده تصفعها بعنف وهو يصرخ بوجهها: أنا اللي غلطان أني مكسرتش رقبتك من أول مرة خرجتي عن طوعي واتجوزتي، البيه اللي راميكي علينا دلوقتي، وزي ما خلود قالت، واحدة منكم تتجوز الشيخ وهدان وتغور وتاخد التانية معها، ياما تغوروا انتوا الاتنين ومشوفش وشكم تاني. رغم ألم صفعته، ألا أن ألم كلماته أعظم، فوالدها العزيز يؤيد زوجته في بيع إحداهما لرجل تخطى الستين، متخذا من سترهما ذريعة، لن تتركهما يتلاعبا بمصيرها يجب أن تمشي من هنا، يجب أن تعود لحياتها، مؤكد أن ياسين قد اشتاقها الأن، بالمرة السابقة كان يكابر، كان ألمه واضح بعينيه مهما تظاهر بالعكس، يكفي أن يراها لمرة واحدة ليعود إليها، المهم أن تراه ثانية بأي وسيلة كانت.
❈-❈-❈
ارتفعت الطرقات على باب شقة والد دعاء، التي نظرت والدتها متعجبة فوالدته تتجاهل الطرقات متظاهرة بالانشغال بينما هي تمنعها من الحركة وتطالبها بالراحة بأغلب الأوقات، تحركت متخطية أفكارها مستجيبة للطرقات المتزايدة.
فتحت الباب لتجد أمامها ياسر حاملا عدة حقائب ثقيلة، لتخطو للخلف مفسحة له طريقا للداخل، وهي تتسائل بدهشة: أيه ده كله.
أجابها لاهثا من فرط المجهود: دي مانجة، كل شنطة فيها نوع، عرفت من شهرين أنك كان نفسك فيها وملقتهاش، أنا معنديش استعداد تجيبلي ولد عويسى.
نظرت لوالدتها متشككة: وأنت عرفت منين أني كان نفسي فيها.
توترت والدتها فارة للمطبخ، بما لا يدع مجال للشك ولكنه ضحك قائلا: حبيب بابا هو اللي قالي.
حاولت التظاهر بالجدية، لكنه لمح ابتسامتها المتوارية، خلف غضبها المزعوم.
❈-❈-❈
جلس ياسين بالشرفة ينظر للبحر بشرود، واهم حين ظن بأنه فر منها إلى هنا، بل الأقرب للصواب أنه قد فر بها، فذكرياتهما بكل مكان هنا، فهي من أختارت الشقة وأثثتها، كل ركن هنا ينبض بلمساتها الأنثوية بينما ألوانها المفضلة تكسو الشقة عن بكرة أبيها، حتى أن صوت البحر يردد صدى كلماته العاشقة لها.
ارتفع رنين الهاتف، نظر إليه بلا اهتمام فهو رقم غير مسجل، ولكن مع اصرار المتصل استجاب خشية أن يكن احد مرضاه يستنجد به، لينتفض قلبه بين ضلوعه، وهو يستمع لصوتها الملهوف: ياسين.
احتبست الكلمات بحلقه لا يصدق أن تجروء على الاتصال به بعد ما كان منها، ليأتيه صوتها المستغيث يناشده ثانية: ياسين أنا عارفة أنك سمعاني، رد علي يا ياسين أنا محتاجك قوي.
هي تحتاجه هذا أذن سر اتصالها، فالأمر دوما يدور حولها وحول احتياجاتها، احتاجت زوج يمنع والدها من كسر والدتها، فقبلت زواجه، احتاجت بعدها من يعولها هي وشقيقتها، فكان هو موجود، وحين احتاجت من ينقذ شقيقتها ولو بذنب عظيم علقته برقبته هو، فترى بأي أمر تحتاجه، وماذا ستلقي على كاهله، ترجم لسانه ما تردد بعقله دون وعي، مرددا بخفوت: عايزة أيه يا سلوى.
اندفعت صائحة تروي له أزمتها وقد طمأنها رده عليها وتجاوبه معها: الحقني يا ياسين، أنا قاعدة في بيت بابا ولا الشغالة، والزفتة مراته مطلعة عيني.
أقلقها صمته فاضافت ضاغطة على موطن أرقه من يوم خطبتهما دي يوميا بتعزم محمد أخوها، وبتقعد تقهرني بعياله وتعايرني أنه خلف وأنا لا عشان ضحيت عشانك يا ياسين.
عندما ذكرت رؤيتها لغريمه الأوحد بقلبها اشتعلت نيران غيرتها، وكادد يهب غاضبا كعادته كلما أتت على ذكره، ولكان لغباءها أسرعت تطفأ غيرتها بسيل معايرتها له الذي لطالما اغرقته به، ليدرك أنها مازالت كما هي ما لم تناله بالحيلة تسعى له بالضغط والإرهاق النفسي، وقد أكدت ظنه بهذا وهي تستطرد بإلحاح: ياسين لازم تشوف حل يا ياسين مش ممكن تتخلى عني عشان غلطت، أنا عايزة أشوفك ياياسين بس خايفة أجي البيت الاقي ياسر.
أجابها بحكم التعود: أنا مش في البيت يا سلوى أنا سايبه من يوم اللي حصل.
زفرت براحة: تبقى في مطروح، أنا عايزة أجيلك يا ياسين احنا لسه في العدة، ومن حقي أخد فرصتي وافهمك أنا اتصرفت كده ليه.
لعن معرفتها بدواخل نفسه التي تجعل هروبه منها دربا من المستحيل، حاول التماسك وألا يخبرها بأنه من سيأتي إليها عن فوره بصعوبة، لينطق لسانه مجبرا عكس ما بقلبه: مش هينفع يا سلوى.
أسرع بإنهاء المكالمة وحظر الرقم قبل أن يضعف أمامها كعادته، ليعود للغرق بأفكاره بها بعدما حولت كلماتها الجارحة أشواقه لها لأشواك تئن لها روحه، متأملا أن يكون ألمه هذا أعراض انسحابها من حياته بعد إدمان وجودها، مفكرا بأن اقتراح ياسر قد يكون بمثابة فترة نقاهة له، ليمسك هاتفه متصلا بأخيه، ليعاجله بكلمات مقتضبة: ياسر أنا موافق.
❈-❈-❈
ارتفع غطيط زينهم، بينما ياسر يجلس بجواره كاتما ضحكته وهو يعد شيئا ما بينما ينظر لساعته باهتمام، لتنفجر ضحكاته التي لم يستطع كتمانها أكثر من ذلك، ليستقيظ زينهم متفاجأ بضحكاته، لتزداد ضحكاته هيستريا وهو يصيح ضاحكا: تشخيرك بقوة أربعين شخيرة بالدقيقة، ده أنت غلبت الماكنة اللي هاني رمزي كان عايز يجيبها في محامي خلع.
ابتسم زينهم مستغربا وجوده: أنت جيت امتى، [ليهتف باهتمام] أوعى تكون واقع في مشكلة.
ابتسم مشاكسا: لا متخافش، كنت جاي في مصلحة قريبة من هنا، وقولت ميصحش اجي هنا من غير ما اسمع شخيرك، يوووه قاصدي من غير ما اشوفك، ماهو شخيرك ممكن اسمعه عادي من أول البلد.
ضحك زينهم متمتما بحرج: ربنا يحظك.
ابتسم له بود وهو يفض لفافة تفوح منها رائحة شهية: قوم نتعشى سوا، أكيد اتغديت من ساعة ما جيت ونمت كالعادة.
تجهم وجه زينهم وهو يغمغم معاتبا: جايب عشاك معاك، ليه مش هنعرف نضايفك.
ابتسم له ياسر وهو يجبره على الجلوس بمقابله وبينهما الطعام: لا جايب عشا عشان اتعشى مع صاحبي، ومش محتاج حد يضايفني، لأني صاحب بيت.
جبرت كلماته الطيبة خاطره، فابتسم ممتنا وهو يمد يده للطعام بشهية.
❈-❈-❈
استندت دعاء على الحائط خلفها بوهن، بينما والدتها تبكي بخوف أمام باب الرعاية المركزة بالمستشفى الذي يعمل به ياسين، أتى ياسر مهرولا، تحتضن عينيه حبيبته وهو يسألها بلهفة: أيه اللي حصل.
لم تستطع التفوه ولو بكلمة فتولت والدتها الاجابة من بين نحيبها:
كان قاعد وسطنا زي الفل، وفجأة مسك صدره وصرخ ووقع وسطنا من طوله، سعاد الممرضة اللي فوقنا قالت لازم نجيبله الاسعاف، طلبناهم أكتر من عشر مرات ومحدش عبرنا لحد ما طلبتك وبعت الأسعاف دي اللي جابتنا على هنا.
تناوب عدد كبير من الأطباء الدخول والخروج من الغرفة مما أثار فزعهم، لتسأل أحد الممرضات بلهفة: هو عامل أيه يا بنتي.
اجابتها الممرضة بابتسامة: الحمد لله يا حاجة الوضع استقر ومفيش حاجة تخوف وشوية ويفوق وتقدروا تتكلموا معه.
غمغمت دعاء قلقة بوهن: أمال أيه اللي داخلين خارجين دول كلهم.
ضحكت الفتاة مجاملة: لا ده الدكتور ياسين، أصله حبيب الكل ومن ساعة ماتصل يقول نبعت عربية اسعاف لعمه، والمستشفى اتقلبت و كل شوية دكتور يجي يعمل الواجب خصوصا وأن الدكتور قلقان جدا وكل شوية يتصل يتطمن.
شكرها ياسر فابتسمت مغادرة تتمتم بدعواتها بالشفاء.
مرت نصف ساعة أخبروهم بعدها باستقرار الحالة وإفاقة المريض، ومنع الزيارة لعدة ساعات حتى يتم نقله لغرفة عادية.
مرت تلك الساعات كدهر بين بكاء زوجته ورعب دعاء الذي انفطر قلب ياسر حزنا عليها ورعبا من تأثير حالتها النفسية على حملها.
التف الجميع حول فراشه بالغرفة التي قد نقل إليها، بينما الطبيب يبتسم بلطف: اطمنوا يا جماعة كل شيئ تمام والله والحاج زي الفل.
هتفت دعاء بلوعة: بجد يا دكتور يعني هو كويس دلوقتي والموضوع ده مش هيتكرر تاني.
ابتسم مجيبا بتهذيب: متخافيش حضرتك دي….
اندفع ياسين مهرولا داخل الغرفة، ملقيا التحية وهو يسأل الطبيب باهتمام: أزي الحالة دلوقتي يا دكتور.
صاح الطبيب مندهشا: دكتور ياسين، برضو صممت وجيت سايق المسافة دي كلها رغم تعبك، مأنا طمنتك، ولا حضرتك مش واثق في.
أجابه ياسين بلباقة: العفو يا دكتور بس زي ما قولت لحضرتك، هو في مقام عمي وحالته تهمني جدا.
ابتسم له الطبيب متفهما وهو يتبادل معه بعض المصطلحات الطبية لتتنفس دعاء الصعداء وهي ترى الارتياح المرسوم على وجه ياسين بعد سماعه للوضع الطبي لوالدها.
تشاحنات عدة أفكار شتى برأسها لتحسم أمرها وهي تراه يغادر مع الطبيب للإطلاع على التقارير الطبية، فاستوقفته هاتفة: دكتور ياسين.
❈-❈-❈
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية اليمامة والطاووس)