رواية الصمت المعذب الفصل السابع 7 بقلم نورهان ناصر
رواية الصمت المعذب الجزء السابع
رواية الصمت المعذب البارت السابع
رواية الصمت المعذب الحلقة السابعة
كَتَمْتُ حُبّكِ حتى منكِ تكرمَةً ~ ثمّ اسْتَوَى فيهِ إسراري وإعْلاني~ كأنّهُ زادَ حتى فَاضَ عَن جَسَدي~ فصارَ سُقْمي بهِ في جِسْمِ كِتماني.
المتنبي .
_____________________
أومأ محمد بصمت ، أخرج أحمد تنهيدة قوية ثم رفع هاتفه ينقر عليه وابتسم بعشق يرى صورتها في هاتفه ، ليشرد قليلًا متذكرًا كيف التقط هذه الصورة .
جلست على المقعد تنظر له بحنق شديد وهي تقول :
_ هات الريموت أنا قعدت قبلك ومسلسلي هيبدأ .
ابتسم أحمد بحب يقول بنبرة مشاكسه :
_ عايزاه تعالي خديه أنا مش هقوم من مكاني .
زفرت ملك بضيق شديد ما به اليوم ، نهضت مجبرة ووقفت أمامه مدت يدها تقول بنبرة متهكمة:
_ هاته بقى .
طالعها أحمد ببسمة واسعه وهو يسترخي على الأريكة:
_ اعملي لي شاي الأول .
_ افندم ؟؟؟.
_ إيه طلبت المستحيل ؟ .
قلبت ملك عينيها بضيق ومالت لتأخذ جهاز التحكم ، ليرفع أحمد يده عاليًا وهو يضحك بشدة رغمًا عنه ، لعجزها عن الوصول إلى يده ، كادت تقع وهي تحاول رفع جسدها ، ليمسك أحمد بها سريعًا يضع يده حول خصرها ، ولا زال يرفع يده الأخرى بجهاز التحكم ، تسارعت دقات قلب ملك بقوة ونظرت له بعيون تردد حكايات عن عشقه ، الذي تغلغل في داخلها واحتل كيانها كليًا ، وحاله لم يكن يقل عن حالها تراخت يده الممسكة لجهاز التحكم ، وشردت عينيه في عينيها كان على طرف لسانه أن يخبرها كم يهيم بها عشقًا ولكن حديث العيون سيكون أبلغ من مئات الكلمات.
استرخت ملك على قدميه تضع رأسها على صدره الذي ينبض بقوة ، لتغمض عينيها بسكينة واطمئنان ، تنهد هو بقوة ، وعصفت به المشاعر ليرفع ذقنها بطرف أصابعه لا يريد أن يفوت تلك اللحظة والنظر في عينيها اللتين تلمعان بقوة واحمرار خديها بشكل محبب إلى قلبه ، كل ذلك جعله يردد ببحه عاشقة وكأنه مُسير وليس مخير يحركه العشق :
_ لا السيفُ يفعلُ بي ما أنتِ فاعلةٌ .. ولا لقاءُ عدوَّي مثلَ لُقياكِ….
لو باتَ سهمٌ من الأعداءِ في كَبدي .. ما نالَ مِنَّيَ ما نالتْهُ عيناكِ…
سقطت دموع ملك بقوة وهي تنظر له فقط بصمتٍ لا تريد من هذه اللحظه أن تمضي ، خشت أن تهتف بكلمه تضيع سحر هذه اللحظة .
ولكن اللحظات الجميلة تمضي بسرعة كبيرة للأسف عزيزتي ، آفاق هو يبعدها عنه وهو يوليها ظهره يمسح على وجهه حتى يستعيد رباطة جأشه ، تاركًا ملك تنظر له بعيون مغمورة بالدموع .
هرب هو إلى غرفته يحاول تمالك أعصابه التي تلاشت بقربها ، يا الله ما عاد يطيق كبت تلك المشاعر أكثر من ذلك .
انتظر حتى مضت ساعة وخرج من الغرفة بوجه جامد يتجه للجلوس معها ، بينما هي لم تلتفت حتى صوبه ، كانت تركز نظراتها على الشاشة تتابع مشاهدة مسلسلها المفضل ، في الوقت الذي كان أحمد يتابع مشاهدة ملاكه وحب عمره كلٌّ ينظر إلى ما يحب ، تختلس النظرات له ثم تعاود النظر إلى المسلسل ، وعندما ثبتت على وضعيتها وما عادت تلتفت أخرج هو هاتفه واستغل تلك اللحظة وقام بالتقاط أجمل صورة في العالم _ من وجهة نظره _ .
عاد من شروده يستمع لصوتها الناعم تسأله عن أحواله:
_ أحمد سامعني ، أنت كويس يا حبيبي ؟؟.
ابتسم أحمد ثم أجابها:
_ أنا دلوقت بقيت كويس ، ملك أنا بعشقك سمعاني .
رفرفت ملك في دنيا غير هذه الدنيا وهي تشعر بدقات قلبها الذي ينبض بعنف لتحمر وجنتيها تردد بحب واضح :
_ سمعاك يا أحمد دايمًا كنت بسمعها منك حتى لو منطقتش ، في عيونك قرأتها ولما كنت بحط رأسي على قلبك كنت بسمعها في دقاته ، خلي بالك من نفسك ، مقربتش تيجي فات أسبوعين أهو وحشتني كتير .
تنهد أحمد ورد بحنين:
_ هانت يا حبيبتي ، آخر مأمورية وجيلك على طول إن شاء الله ، هطلع من الصعيد على القاهرة على طول .
_ ماشي يا حبيبي ، توصل بالسلامة ، طمني عليك على طول .
ودعها أحمد ثم أغلق معها وتنهد تنهيدة قوية ، رفع رأسه صوب السماء لبضع ثواني ثم أخفضها إلى الأرض حينما رأى محمد يدعوه للقدوم ليلحق الصلاة معهم .
وبعد أن انتهوا من الصلاة التفوا حول الشيخ محمد رفعت والذي بدأ حديثه عن موضوع اليوم والذي استوحاه من حديث أحمد له :
_ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ، هنتكلم انهارده عن موضوع في غاية الخطورة ، ألا وهو الفتوى اللي بقت منتشرة في عالمنا بطريقة رهيبة وكل من ليس له علم يفتي ، أول حاجه نعرف إيه هي الفتوى وشروطها وممن تتأتى الفتوى منه ، الفتوى يا احباب الله ، هي الاخبار بحكم شرعي عن دليل لمن سأله عنه من غير إلزام.
أومأوا بصمت فاسترسل هو يكمل حديثه وأحمد منتبه لكل حرف يخرج من فمه :
_ شروطها بقى أن الشخص اللي هسأله ده يكون شخص بالغ مش لسه مبلغش الحلم ، وعاقل مش أروح لمجنون واقوله افتيني في الدين ، هو نفسه محتاج اللي يفتيه ويقوله الصح من الغلط ، تاني حاجه مؤمن بالله وعارف بلغات العرب ، يكون مطلع على الكتاب والسنة وما يحتويه من أحكام مشروعه ، عنده علم بأصول الفقه ويكون ثقة مأمونًا ،مروحش لواحد بيسرق أو بيزني أو بيرتكب معاصي وكبائر واقوله افتيني ….
صمت يلتقط أنفاسه ثم تابع مبتسمًا:
_ كدا خلصنا من نقطة المفتي نروح بقى للمستفتي اللي هو الشخص اللي عنده فتوى وعايز يسأل عنها ، ده بقى لازم عليه ميسألش إلا الشخص اللي غلب على ظنه أنه أهل للفتوى شخص موثوق فيه وفي كلامه ، وإنه عايز بفتواه الخير ويعلم الحلال من الحرام وبس كدا ، من أفتى الناس دون علم حمل الذنب كله يعني إيه ؟ يعني مثلا لو روحت لشخص وأنا مفكر إنه أهل علم ومعرفة وافتاني في حاجه .
تنهد مكملًا :
_والحاجه دي طلعت غلط وأنا عملتها فالاثم بيقع على المفتي وأنت مش عليك شيء ، فاحترسوا أخواتي من الفتوى بدون علم ، ولكن بقى لو أنت عارف إنه مش أهل ثقه وكسلت تدور على غيره وعملت باللي قالك عليه فالإثم بيشملكم أنتم الاتنين …
*****
بعد مرور عدة أيام ….
تجلس ممسكة ببعض الملابس ، تقلب بينهم بانبهار شديد ثم رفعت أحدهم تشير به وهي تقول ببسمة صغيرة ، عندما رأت نعمه مقبلة عليها :
_ ايه رأيك اللون حلو ؟؟.
جلست نعمه بجوارها تقول بعينين ضيقة وهي تتفحص الفستان الذي في يدها :
_ اممم مش بطال يعني بس اللون أسود ليه أسود يا ملك ؟؟؟.
تنهدت ملك تقول :
_ تصدقيني لو قولتلك بحب اللون ده ، يعني ليه الناس تبغض الأسود وتكرهه وتنسبه لحاجات هو ملوش دخل فيها ، ذنبه إيه إن لونه كدا ؟ .
_ خلاص يا ملك هتفتحي لي محاضرة تدافعي فيها عن اللون الأسود ، البسيه بس رأيي الأحمر ده هيكون أحلى بكتير ، وهايعجب أحمد وهتشوفي ، يا بت الراجل راجع من شغل تقابليه بفستان أسود أقول إيه بس لازمك كتير يا ملك علشان تبقي ست بيت شاطره ، هطفشي الراجل واحنا ما صدقنا .
ضحكت ملك بقوة ونظرت لها بيأس ثم قالت :
_ طيب يا ستي منك نتعلم ، هجربه الأول استني .
أومأت نعمه بهدوء وأردفت وهي تلتقط جهاز التحكم الخاص بشاشة التلفاز :
_ طيب وأنا هقلب في القنوات لحد ما تطلعي كان فيه فيلم حلو أوي ذايعين عنه.
غابت ملك داخل الغرفة تبدل ملابسها وهي تبتسم بسمة واسعه فقد هاتفها أحمد وأخبرها بأنه سيعود اليوم أو غدًا فور أن تنتهي مهمته ، خرجت ملك بعد دقائق ترفع طرف فستانها الأحمر وهي تقول ببسمة صغيرة ونعمه التفت تنظر لها :
_ إيه رأ …
وقفت الكلمات في حلقها وجحظت عينيها تنظر خلف نعمه بصدمه كبيرة ، ضيقت نعمه عينيها مستغربة وقبل أن تسألها ماذا أصابها صدح صوت المذيعة تقول :
_ حريق شامل التهم سفح الجبل بمن عليه ، كان فخ مدبر للإيقاع برجال الشرطة ، وأصيب عدد كبير من ضباط الشرطة وعساكر الجيش منهم الضابط محمد منصور الذي أصيب بجروحٍ خطيرة وحالته حرجة للغاية…..
وقعت ملك على الأرض أرجلها لا تحملها ، بينما نعمه تجلس بقربها تحثها على التنفس :
_ اهدي يا ملك اتنفسي ، أحمد مجابتش سيرته اهدي .
تحدثت ملك بتقطع وعيون أغرقتها الدموع :
_ محمد ..ده صاحب أحمد … أحمد معاهم أنتِ شايفه صور الحريق …..
وخلف نعمه حيث شاشة التلفاز ، أكملت المذيعة حديثها تضع يدها على السماعة أسفل شعرها :
_ وننقل الآن خبر صادم عن إصابة الضابط أحمد عبد الرحمن علي ، و الذي قد افتداه زميله الشهيد حسان عبد المجيد ، إنها مجزرة بما تحمله الكلمه من معاني كان الله في عون جميع الأهالي ..وحفظ الله مصر وشعبها.
فتحت ملك فمها تصرخ بحرقة بأعلى صوتها قبل أن يغشى عليها ، هرع الجميع إلى داخل الغرفة على صوت بكائها ، وكان أول من خرج من صدمته هادي الذي قال بخوف شديد:
_ في إيه ؟ مالها ملك ؟؟.
_ ملك هتموت مننا يا هادي .
نبست بهم نعمه وهي تبكي بقوة ، انحنى هادي يحملها وهو يقول بدموع :
_ ايه اللي بتقوليه ده يا نعمه ؟ هي خلاص رجعت لضحكتها وكانت مبسوطه …
_ أحمد أحمد اتصاب في المهمه وأغلب الضباط اللي معاه ماتوا حرقوهم منهم لله ……
بكت والدتها تربت على شعر ملك التي تهزي منادية على حبيبها .
*******
بعد مرور بعض الوقت ….
كانوا يجلسون أمام غرفة العمليات الجراحية الكل يضع يده على قلبه ولسان حالهم يبتهل بالدعوات ، وفي غرفة مجاورة تغفو ملك بعد أن حقنوها بإبرة مهدئة نظرًا لحالتها ، وبداخل غرفة العمليات كان أحمد يرى حلمًا عجيبًا يقف في منتصف الطريق تائهًا ظهرت ملك له بفستان أبيض جميل ، تبتسم له بعشق وهي تفتح ذراعيها له ، ما كاد أحمد يركض صوبها وإذ بصوت من خلفه جعله يتجمد بأرضه ، التف أحمد ينظر له بصدمه قبل أن يبتسم يقول :
_ حسان .
تحدث حسان وهو يرفع ذراعيه له :
_ تعالى يا صاحبي أنت وحشتني.
تحرك أحمد باتجاهه ودموعه برزت في عينيه ، وفجأة توقف على صراخها يأتي من خلفه ليقف في مكانه ينظر لها ، ابتسمت ملك له بتشجيع وهي لازالت تفتح ذراعيها له تدعوه للاقتراب :
_ تعالى يا أحمد ليا ، ما تسبنيش تاني .
ومن خلفه يهتف حسان :
_ حسان موحشكش يا أحمد ، كنت بتشتكي إني مش بجيلك أنا جيتلك أهو ومادد ايدي تعالى .
ومجددًا التف أحمد صوبه وقبل أن يتقدم نحوه صرخت ملك بحرقة وأعين دامعه:
_ لا يا أحمد متروحش ، تعالي ليا أنا ملك حبيبتك .
هتف حسان مرة أخرى :
_ تعالى ليا يا أحمد يالا .
جثى أحمد على ركبتيه يبكي بكل صوته بحرقة شديدة ، وأصواتهم من حوله تداخلت مع بعضها ، ليضع أحمد يديه على أذنيه يصرخ بانفعالٍ.
_ أنا ملك حبيبتك ماتسبش ايدي ، أموت يا أحمد أنت عايزني أموت؟؟.
_ أنا صاحبك ورفيق دربك ، تعالى ليا يا أحمد ، أنا مستنيك من زمان .
وهنا في أرض الواقع ، كان يهتز جسده بقوة وصفير مزعج دب في الغرفة ، برقت عيني الطبيب يحث الممرضة على جلب جهاز الصدمات ، وضعت الممرضة بعض الأدرينالين على الجهاز ثم ناولته للطبيب الذي أخذه منها وبدأ يصعق قلبه وأيضًا الصفير مستمر صرخ أكثر يقول:
_ زودي الجرعة بسرعه ١٣٠ .
فعلت الممرضة كما طلب وناولته له ليهتز جسد أحمد بقوة …
وهنا في أرض الأحلام كان أحمد ينظر لهما بتشوش ودموعه على خده ، بعد أن وقف الاثنان أمامه كلًّ منهما يمد يده له .
_ أنا ضايع مشتت أعمل إيه ؟ مقدرش اسيبها يا حسان أنا آسف ، تموت لو عملت كدا ، هي اتعذبت كتير !.
نظر له حسان بدموع وحزن :
_ وأنا أنا تسيبني أموت علشانها ، وأنا أنا اتعذبت بردو ده ملوش قيمه عندك ؟؟ .
اندفعت ملك بفستان زفافها الأبيض تلتصق به تضمه بكل قوتها وهي تشدد من يديها على جسده تبكي بقوة وألم شديد.
تمتم أحمد بخزي وهو يخفض رأسه:
_ آسف .
رمقه حسان بنظرة طويلة لم يستطع أحمد تفسيرها وهو يختفي من أمامه كالسراب.
وهنا زفر الأطباء براحة كبيرة عندما عاد النبض لقلبه ، وأخيرًا انتهت تلك العملية .
خارج الغرفة ….
نظروا صوبها بقلق شديد وهم يرونها تقف أمامهم بإعياءٍ ظاهر ، عينيها تنظران صوب جهة معينة غرفة العمليات ، وبدون أن تفتح ملك فمها بحرف سارت أمامهم حتى وقفت أمام الباب الفاصل بين الدخول ، ومهما حاولت نعمه وهادي وحتى والدتها منعها لم يستطيعوا لصراخها في وجههم ، تزامن ذلك مع فتح باب الغرفة وخروج الطبيب الذي قال قبل أن يسأله أي أحد:
_ مين فيكم ملك ؟؟.
وأخيرًا أبدت ملك ردة فعل طبيعية لتبتسم مشيرة على ذاتها :
_ أنا ملك ، أحمد كويس ؟؟.
ابتسم الطبيب قائلًا:
_ طول العملية كان عمال يقول أنا بحبها ومقدرش اسيبها رغم أنه تحت التخدير ، يظهر حبك أقوى من المخدر ، لأنك مغبتيش عن عقله ثانية ، هو حاليًا بخير خرجنا الرصاصة وعنده بعض الجروح الطفيفة نتيجة الحروق ، والحمد لله وشه مفهوش حاجه كبيرة ، جوزك بطل حاول بكل طاقته يخرج زمايله ، اطمنوا هو بخير ودكتور التجميل عنده جوه يخلص وننقله أوضة عادية وحمد الله على سلامته .
تنفست ملك الصعداء وضمها أخيها هادي الذي قبل رأسها بينما ملك تغمض عينيها تشكر ربها على لطفه وكرمه .
ابتعد الطبيب بعد أن استأذن منهم ، لم تمضي خمسة عشر دقيقه ورأوا الباب يفتح وأحمد يخرج منه على سرير متنقل يدفعه ممرضين ، ركضت ملك له تقبل جبهته بدموع شديدة وهي تحمد الله مرة أخرى على عودته سالمًا لقلبها .
******
مساءًا ….
كانت تجلس بقربه تقرأ القرآن الكريم بتركيز شديد ، توقفت فجأة حينما شعرت بحركته على يدها الممسكة بيده ، حيث كانت تقرأ القرآن من على هاتفها ، وضعت الهاتف بعد أن صدقت ، ونظرت له بعيون يملأها الدموع ، وهي تراه يفتح عينيه ببطء شديد ، اندفعت ملك تضغط على زر بجوار الفراش ، وهي تصعد على السرير تقبل جبهته ودموعها تنهمر على وجهه ، رفع هو ذراعه بتعب يلفه حول خصرها ، همست ملك بنبرة باكيه:
_ أحمد.
وفقط همست باسمه وانكبت تبكي مجددًا وجسدها ينتفض بقوة ، صدرت منه همسه خافته وهو يربت على ظهرها بحنان:
_ قلبه يا ملك .
أتى الطبيب في تلك الأثناء وبرفقته الممرضة ، التي تحاول إخراجها لمعاينة الطبيب له ، ولكن ملك رفضت الخروج ومع إصرارها رضخ الطبيب وتركها تبقى .
تابع تفحصه لحالة أحمد بعناية ، وملك تراقب ما يفعل بقلب يخفق بقوة ، كان هناك ضمادات كثيرة حول صدره حيث أصابته الطلقة ، وضمادات حول ذراعيه وبعض اللاصقات الطبية حول وجهه .
انتهى الطبيب من فحصه معربًا عن بسمة واسعه:
_ لا كدا بقينا عال العال الحمد لله على السلامه يا حضرة الظابط .
تحدث أحمد بإرهاق :
_ محمد …محمد أخباره إيه ؟؟.
أجابته ملك هذه المرة:
_ الحمد لله عدا مرحلة الخطر ومراته جنبه هي وبنته .
ابتسم أحمد بارتياح ومد يده لملك لكنه سرعان ما سحبها حينما مر بخاطره نظرات حسان له ، ليكسو الضيق معالم وجهه ، لاحظت ملك ذلك وشعرت بالحرج من سحبه ليده ، قبل أن تمسكها كما لم يغب عن عينيها تغير ملامح وجهه للضيق.
استأذن الطبيب بعدما أوصاها بعدم ارهاقه ومعه الممرضة لتخلو الغرفة من عداهم ، تقدمت ملك تجلس على طرف الفراش ثم مالت عليه لتقبله ، تفاجئت بابتعاده حيث أدار رأسه للجهة الأخرى ، غمرت عينيها الدموع الكثيفة هل سنعود لما كنا عليه ؟؟
لا لا ليس مجددًا !.
همست بصوت مختنق :
_ أحمد في إيه ؟؟
_ تعبان يا ملك بعد إذنك عايز ارتاح .
سقطت دموع ملك أكثر تردف بنبرة مرتجفه بدت واضحة في صوتها ، ليعتصر الحزن قلبه وتغمر الدموع عينيه :
_ وهو أنا بتعبك بوجودي ؟.
أغمض أحمد عينيه أكثر يعض على شفتيه ثم قال دون أن ينظر لها :
_ ملك روحي لو سمحتي عايز أبقى مع نفسي شويه .
خرجت ملك من عنده تسبقها دموعها بكثرة ، رأتها نعمه تركض بقوة إلى جهة الحمامات ، اتجهت خلفها وما إن استقرت داخل الحمامات معها رأتها تجلس على أرضية الغرفة تبكي بكل طاقتها ، انحنت نعمه تجلس القرفصاء وهي تقول بقلق :
_ في إيه يا ملك ؟ أحمد كويس؟؟
_ رجعنا تاني لنقطة الصفر ، أنتِ كان معاك حق ، أنا تعبت بقى ونفسي أرتاح .. أنا هابعد واريحه هو بيتعذب بسببي …
قاطعتها نعمه تردف بحاجب مرفوع بتشنج :
_ مين بيعذب مين ؟ ملك اعقلي يعني إيه رجعتوا للهم تاني ؟؟
_ أيوه بصي أنا خلاص فقدت الأمل حسان هايفضل بيناتنا على طول وأحمد بيتعذب كل ما يقرب مني ، حرام كفاية عليه كدا وعليا أنا هطلب الطلاق مش لازم نستنى التمن شهور .
ختمت ملك حديثها وهي تقف ، عدلت من وضع حجابها تقول ببسمة صغيرة:
_ هفضل معاه لحد ما أما يسترد عافيته وبعدها هابعد من هنا خالص هسافر لخالي ألمانيا.
_ أنتِ بتقولي إيه ؟ مش هاتمشي يا ملك .
_ معلش يا نعمه كدا أفضل يمكن لما أقوله على الطلاق يفوق أو يغير رأيه مع إنه أمل ضعيف .
*******
بعد مرور شهر وبضعة أسابيع….
ذاقت ملك فيهم الويل ، كانت تبكي ليلًا ونهارًا ، أحمد رفض وجودها معه طوال فترة علاجه وطلب ممرضة لترافقه في المنزل ، وكلما دخلت عليه ملك يأمرها بالخروج ، وكم جرحها ذلك وفي إحدى الليالي …..
سمعته يتأوه بصوت مرتفع وهو يتحرك بغير راحه على فراشه ، فتحت ملك الباب دون تردد ، شهقت بخوف شديد تركض صوبه صعدت على الفراش تمسك بوجهه وهي تنادي عليه بدموع شديدة:
_ أحمد …. أحمد اصحى أنت بتحلم…
فتح أحمد عينيه بعد لحظات ينظر لها بعينين دامعتين وهو ما بين الصحوة والغفوة ، و بلا وعي جذبها من ذراعها لتسقط على صدره وهو يهمس بصوت متعب وغصه واضحه في كلماته :
_ ملك خليكِ معايا .
همست ملك بعيون باكيه:
_ أنا دايما معاك بس أنت اللي رافض وجودي .
ضمها أحمد بذراعيه أكثر يردد باكيًا :
_ عمري ما رفضت وجودك ، سامحيني أنا متعب وحاسس إني بموت خليك معايا .
تنهدت ملك بتعب وابتسمت بدموع :
_ سلامتك بعد الشر عن قلبك .
حاولت الابتعاد عنه حتى لا تؤلمه فأمسك بيدها يمنعها ثم وضع رأسها على صدره وأغمض عينيه دون أن ينبس بحرف واحد ، بينما ملك كانت تعض على شفتيها بقوة تحبس دموعها ، هو ليس واعي بل تحت تأثير الدواء الذي به نسبة كبيرة من المخدر ، وما إن يعود إلى وعيه …..
حسنًا لا داعي لقولها أنتم تعلمون …
ما إن حل الصباح تململ أحمد في نومه يشعر بثقل على كتفه ، حرك عينيه ينظر إلى ملك النائمة على صدره وتلقائيًا رُسمت على شفتيه ابتسامة واسعة ، رفع يده ببطء يزيح خصلات شعرها عن عينيها ، تحركت هي بشكل ظريف تجعد أنفها وهي تدفن رأسها في صدره أكثر كأنها تبحث عن مكان يناسبها في صدره لتنام عليه، كقطة صغيرة تداعب سيدها ، أطلق أحمد ضحكه خافته على حركتها تلك ، ودنا منها ليقبل وجنتها الظاهرة أمامه وقبل أن تلامس شفتيه لخدها آفاق هو من غفوته الخيالية .
متذكرًا نظرات حسان في حلمه حينما كان في غرفة العمليات ، لذا هتف فجأة بحدة وهو يصطنع الجمود وقلبه يرتجف :
_ أنتِ بتعملي إيه هنا ؟؟ أنا مش قولت مش عايز أشوفك جنبي ، افهمي بقى أنا وأنت قصة وانتهت أنا إنسان غبي ومتخلف ومعقد ومريض نفسي كمان ، أنتِ ليه مُصره تفضلي ؟؟ عاجبك العذاب ده ولا إيه ؟؟ ارحميني وارحمي نفسك يا ملك ، أنا بحبك وبموت فيك كمان بس آسف مش قادر أكون معاكِ ومعلومه نسيت اقولك عليها إحنا جوازنا باطل وجودك هنا غلط كبير .
ابتعدت عنه ملك تنظر له بملامح غاضبه والدموع تنهمر أمام وجهها:
_ يبقى تطلقني وسيبني في حالي بقى ، واشبع بحبك المتخلف ده أنا هابعد من هنا هاسبلك الدنيا كلها علشان ترتاح .
******
بعد مرور عدة أسابيع ….
انتهت من قراءة الفاتحة له وجلست على الأرض وضعت باقة ورد بيضاء اللون ، تقول ببسمة صغيرة والدموع في عينيها :
_ ازيك يا حسان ؟ أنا عارفه إنك لسه موجوع مني وزعلان ، أنا مهما أتأسفلك مش كفايه ، عايزه أقولك إني مش زعلانه منك على اللي عملته معانا ، ده حقك ومعاك كل الحق ، أنا ظلمتك كتير معايا واخترت إني أسكت وحرمتك من حقوقك ، وظلمت والدتك معايا وحرمتها من إن يكون ليها حفيد وحس من بعدك ، مش عارفه هياجي يوم وتسامحني أو لأ بس اتمنى من قلبي تسامحني ، والله حبيتك بس مش زي ما كنت تتمنى أنت إنسان نبيل وطيب القلب آسفه لأني حولتك للشخصية دي .
نهضت وقالت وهي تضغط على شفتيها من البكاء :
_ قبل ما أمشي عايزه اقولك إن أحمد ملوش ذنب دي غلطتي من الأول أنا اللي كان لازم انسحب واصارحك من البداية ، سامحه لأنه ضعف قدامي ، أنا انهارده جيالك لآخر مرة هامشي من البلد دي واسافر خلاص استسلمت وخسرت في معركتي ، سلام يا حسان واتمنى بجد تكون ارتحت .
استدرات ملك تمسح دموعها بيديها حينما رأته يقف أمامها يقول بنبرة ضعيفه :
_ ملك ؟؟.
ابتسمت ملك بألم وعبرت من أمامه تقول بوجع :
_ مبقاش ينفع ولا كان ينفع سلام يا أحمد .
أمسك أحمد بيدها سريعًا وجذبها إلى صدره يقول بعيون باكيه :
_ هاتمشي وتسبيني بجد؟؟.
جاهدت ملك دموعها وهي تحاول سحب يدها من بين يديه:
_ أحمد كفايه سيب أيدي .
بأطراف أصابعه رفع وجهها له يقول بحزن:
_ ملك بصي لي .
أغمضت ملك عينيها بقوة وانفلتت شهقاتها ، ضمها هو إلى صدره لتبكي بأعلى صوتها وهي تتمسك به وقد خارت قواها تسقط على الأرض وهو يحتضنها ، ظلت ملك تبكي بشدة وهو يضمها فقط يبكي معها بحزن شديد ، ثم همس بما جعلها تتوقف عن البكاء تبتعد عنه لتحدق في وجهه :
_ هو مسامحنا ومن زمان كمان احنا عذبنا بعض على الفاضي .
همست ملك بعيون متسعة بصدمه:
_ إيه ؟؟
رفع أحمد يديه وأمسك بوجهها وهو يمسح دموعها بأطراف أصابعه بحنان :
_ حسان مسامحنا يا ملك ! .
_ إزاي ؟؟ عرفت منين ؟؟ .
جذبها أحمد إلى صدره وهو يقول بتعب :
_ هحكيلك كل حاجه بس خليني أتأكد إنك معايا وفي حضني وحشتيني كتير بقالي أسابيع مش عارف أشوفك عارف أنا اللي طلبت ده وخليتك تمشي لأني مش قادر اعذبك معايا أكتر .
أغمضت ملك عينيها تتنهد تنهيدات حارة وهي تبادله العناق بضعفٍ ، بدأ هو يسرد عليها ما حدث :
_ بعد ما قولتلي على الطلاق وانك هتسافري وتسبيني وأنا وافقت تمشي وكلمت أخوك هادي ياجي ياخدك ، وبعد ما مشيتي من البيت أنا وقتها انهرت من العياط وقلبي كان بيقتلني ، كنت كل ليلة أنادي عليك ونفسي لو أقدر ارجعك ليا تاني ، لو ننسى كل حاجه ونكمل حياتنا بس ايدي كالعادة مربطة ، حبيتي واحد عاجز قليل الحيلة يا ملك .
ابتعدت ملك عن حضنه تقول بعيون باكيه :
_ لا حبيت راجل بجد ، راجل ضميره صاحي وشريف وصديق وفي ضحى بنفسه وبحبيبته علشان يريح صاحبه ووافق يعمل اللي محدش يقبله ، كنت بشوف صراعاتك مع نفسك وعذابك ما بين تعيش حياتك وتريح حسان لأننا بالفعل ظلمناه كتير ، أنا عمري ما ندمت إني حبيتك حتى لو قولتها في وقت غضب ما كانتش من قلبي .
ابتسم أحمد بدموع ورد وهو يرمش بعينيه متنهدًا :
_ عارف يا ملك ، الحمد لله على كل حال ، أنا وقتها غصبًا عني حسيت بالضيق من ملاحقة حسان ليا وإني مش عارف ليه بشوفه في كل مكان ، محمد اقترح عليا أروح لدكتور نفساني واحكيله وفعلا بدأت أروح وكل يوم اقعد اتكلم واتكلم ومفيش حاجه بتتغير وأنتِ وحشاني ومش عارف أشوفك ، وانبارح حصلت المعجزة آه والله العظيم ، كنت مروح من عند الدكتور النفسي وأنا على آخري فاض بيا خلاص واتجننت وكنت عمال اكسر في كل حاجه بغضب لما هادي كلمني وقالي إنك خلاص هتسافري بكرا ، ومن بين الحاجات اللي وقعت تحت أيدي الكاميرا بتاع حسان مش عارف لحد دلوقت الكاميرا دي إيه اللي رجعها بعد ما عطيتها للست نادية…
_ حماتي هي جابتها معاها من سنه فاتت لما جات زارتنا بعد شهر من جوازنا ،وقالتلي أنها مش عارفه تشغلها وكدا ونسيتها عندي وأنا اتلخمت ونسيت اشوفها لها وقتها ، وعدينا الموقف لأنها سافرت على بلدها لما أنت اخدتها وأنا معرفتش أعمل إيه فحطيتها في الدرج عندك تتصرف فيها وترجعها لها بس نسيت .
أكمل أحمد وهو يمسك بيدها وكلاهما يجلسان على التراب :
_ المهم أنا وقتها لما وقعت في أيدي انهرت من العياط من اللي شوفته فيها ..
كانت أصوات تنفسه هي الطاغية ، عينيه محمرتين من البكاء ، ظل يحدق بالكاميرا لبضعة دقائق دون أن يحيد بنظره عنها ، تمالك منه الغضب وبلا تفكير أوقعها على الأرض ليصدح صوت حسان بقوة ..
” أحمد ….”
انحنى أحمد يلتقطها ينظر للشاشة الصغيرة خاصتها والتي تعرض صورة حسان في مقطع فيديو من داخل إحدى المخيمات الفلسطينية..
” أحمد لو بتسمع الفيديو ده فاعرف إني ميت يا صاحبي عايز اعترفلك بحاجه ، أنا كنت عارف مين اللي ملك بتعشقه ، كان دايمًا عندي شكوك في أفعالك وكلامك عن حبيبتك ، إنها نفسها مراتي ، بس كدبت نفسي ، مش انتوا بس اللي غلطوا في حقي يا أحمد أنا كمان غلطان ، ملك مكنتش صريحه بلسانها لكن نظراتها كانت دايمًا بتقول الحقيقه بتقول إنها عمرها ما هتحبني ، وإنها رافضة الجواز ده ، كدبت إحساسي وكملت وقولت مجرد تهيؤات بعد كتب كتابنا زادت الشكوك جوايا أكتر هي بارده معايا تصرفاتها باردة ”
حك حسان أعلى حاجبه وهو يكمل ببسمة حزينة :
“مع إن هي اللي طلبت نعجل بكتب الكتاب وأنا فكرت علشان تكون على راحتها وتعرف تتعامل معايا ، بس لقيت عكس كدا ، لو تفتكر اليوم ده الحيت عليك علشان تحكي لي مالك ولما قولتلي إنك عرفت أنها اتجوزت وان قلبك محروق أنا كمان حسيت نفس إحساسك إن قلبي محروق ومش لاقي اللي يطفيه ، بحبها ومبتحبنيش بس كالعادة تجاهلت إحساسي ”
صمت حسان يمسح على وجهه ثم عاد ينظر للكاميرا :
” صارحتني بالحقيقه يوم فرحنا بكل حاجه ، آه اتأخرت على الخطوة دي بس ده اللي حصل ، شعور الذنب والخيانه قاتلينها هي إنسانه جميلة وطيبه أنا اللي مفهمتهاش صح ، كانت مجروحه منك وبتتخبط في الضلمه لوحدها ، فكرت إنها هتقدر تتخطاك وتكمل بس فشلت زي ما حكيتلك ، قلبها معاك يا صاحبي ”
مسح حسان على عينيه التي غزتها الدموع ثم أكمل:
” المهم يا صاحبي أنا بحلك من وصيتي اللي كلها حرام في حرام دي أنا سألت شيخ عنها وقالي إنها مش واجبه وإنك مش لازم تنفذها ، وإن الزواج المحدد باطل بس غضبي وكرامتي وقتها كانوا متملكين مني ورغم علمي بكل ده روحت حكيتلك عنها وحكيتلك تفاصيل زواجي كلها بدون ما اخبي حرف واحد علشان اعذبكم أنتم الاتنين وخصوصًا أنت سامحني ، غضبي وشيطاني عموني وفكرة إنك أنت اللي مراتي بتعشقه قاتلاني ”
رفع عينيه ينظر صوب الخيمة متنهدًا بقوة قبل أن يعيد نظره الى الكاميرا مكملًا :
” قولتلك إني ملمستهاش وإنها حتى حقوقي عذبتني بيها ورفضت ، علشان ابعدك عنها وكل ما تقرب أكيد هتفتكرني ، أنت قلبك أبيض وضميرك صاحي ، وأنا حافظك كويس وعارف صاحبي وأخلاقه معلش استغليت النقطة دي سامحني ، واتعمدت إني اخد منك وعد بالتنفيذ ، ولأني عارف ساعتها إنك هاتبقى عايز تريح قلبي لما تعرف أن ملك هي نفسها …
صمت حسان لثواني قبل أن يكمل ببسمة موجوعه:
” حبيبتك وإحساس الذنب نحيتي هيجبركم تنفذوا رغبتي ، المهم أنا عايز أقولك إني مسامحك وإنك تتجوزها مش علشان تعذبها زي ما طلبت منك لا لأنك بتحبها ، وهي تستاهل كفاية الوجع اللي عاشته ، وقول لملك إني سامحتها ، وإني مش زعلان أنا احترمتها ؛ لأنها رفضت توهمني بالحب وهي عقلها وقلبها معاك وأصلا لو حصل أنا مكنتش هقبل بده على كرامتي أبدًا ، أنا اتعلمت منك الحب بجد وكلمتك كانت بترن في دماغي إني لو فعلا حبيتها هاتمنالها السعادة مع اللي تختاره وده كنت بشوفه في عيونك وأنت بتدعي لها تنساك وتعيش مبسوطه مع جوزها اللي هو أنا يالا ما علينا ”
نهض حسان فجأة وابتسم يكمل :
” أنا شايفك جي عليا أهو بتضحك مع صحابك ، أنا أكتر واحد شاف عذابك ولما قعدت مع نفسي وحسبتها لقيتها مش مستاهله كل ده ، أنت متستحقش أعمل فيك كدا ، أنت كنت ومازلت صاحبي وأخويا ، الحب مش بأيدينا ولا عمره كان بالغصب والقوة ، سلام أشوف وشك بخير يا صاحبي ليا طلب صغير لو خلفتوا ولد سموه على اسمي وعلموه الرجولة والأخلاق وعلموه يعني إيه حب بجد ، هتوحشني يا أحمد كتير ”
ختم آخر حديثه وهو يغلق الكاميرا ، وضع أحمد الكاميرا من يده وجلس يبكي بأعلى صوته بحرقة شديدة وهو ينادي عليه .
انتهى أحمد من قص كل شيء عليها ، كانت ملك تنتفض بقوة من شدة البكاء ، وبجوارها أحمد يشاركها البكاء دون أن يمنعها ، ظلوا يبكون بقوة لا يعلمون كم مر من الوقت وهم على حالهم ، سنة ونصف يتعذبون بصمتٍ دون داعٍ ، استطاعت ملك النطق أخيرًا تقول بنبرة ضعيفه وبسمة صغيرة :
_ هو سامحني ؟؟؟ سامحني بجد ؟؟
ضمها أحمد إلى صدره يقول :
_ ايوه سامحنا احنا الاتنين ، ده حسان صاحبي اللي أعرفه أكتر من نفسي ، خلاص يا ملك مفيش عذاب تاني ، ارتاحي هو سامحنا خلاص مش هانقف قدام رب العالمين واحنا مذنبين في حقه ، ربنا يرحمه ويغفر له ويجمعنا بيه في جناته ، واثق ربنا هيعوضه في الحور العين بعروسة تحبه من قلبها .
تنهدت ملك براحه ، أخيرًا بات بإمكانها التنفس ، أمسك أحمد بيديها يقبلهم بمحبة تنهدت مرة أخرى تقول مبتسمة:
_ الحمد لله يا أحمد ، وربنا يكرم حسان ويجازيه خير ، أنا بجد مش مصدقه نفسي لحد دلوقت يعني أنا وأنت عذبنا بعض وهو أصلا غير رأيه ، طب الكاميرا دي افرض مكنتش وقعت في أيدينا أبدًا وقتها كنا هانفضل نتعذب كدا ؟؟ليه ملمحش ليك عليها ؟؟.
شرد أحمد يقول وهو يتذكر تلك اللحظات العصيبة بعينين يملأهما الدموع :
_ كان في آخر لحظاته بيقولي الوصية ماتـعـ ..الوصية بس مفهمتش كلامه وقتها وذكر لي الكاميرا بتاعته اللي معلقها في رقبته ، فضل يشاور عليها وهو بيقول الشهادة بصعوبه دول ضربوه كذا رصاصة الانجاس دول ، كان عايز بس يلحق يقول الشهادة ، بس أنا مكنتش في حاله أركز فيها ، الحمد لله على كل حال ، ودلوقت احنا مع بعض ومفيش حاجه هتفرقنا تاني.
صمت لثواني ثم أكمل ببسمة وهو يبعد التراب عن وجهها :
_ أنا عذبتك لأني كنت جاهل يا ملك سألت شيخ وقالي إنها واجبه ، وكان لازم اتحرى أكتر من كدا واعرف الحلال إيه والحرام إيه ؟ آسف يا عمري لو كنت سألت الشخص الصح أو كنت عارف ديني كويس ، ما كنت نفذتها ولو على عمري حتى خصوصا إنها طلعت اصلا باطلة لأن صاحبها لغاها ورجع في كلامه وفي الحالة دي تبقى باطلة ، تبطل الوصية بكدا برجوع الموصي عن ما وصى به أو موت الموصى له قبل الموصي الحاجات دي عرفتها من شيخ العرب محمد رفعت .
همست ملك ببسمة :
_ اللي حصل حصل بقى والوصية آه مش واجبه بس أنا وافقت برضايا وأهي خطوة حلوه رغم المُر اللي فيها بس جمعتني معاك تحت سقف واحد وده يخليني أحبها أوي رغم عمايلك وقتها كنت بترفعني سابع سما وتنزلني على جدور رقبتي بتحولاتك .
نهض أحمد وجعلها تنهض معه لف يده حول كتفها يقول :
_ بعيد الشر عن قلبك ، كان غصب عني ومتعرفيش كنت بحتاج قوة جبارة علشان أبعد ، بس عندك حق رغم عذابها إلا أنها جمعتنا ومش هنفترق تاني أبدًا إن شاء الله.
نظرت له ملك بملامح هادئة:
_إن شاء الله يا حبيبي ، بقولك أنا أول حاجه هعملها إني أقدم على دورات تعليمية لازم أفهم ديني صح واثقف نفسي الواحد حاسس بالذنب والتقصير وهو مش عارف كتير عن دينه كدا ، يعني بنتعلم حاجات كتير ودينا اللي هو أهم من كل شيء نتجاهله كدا .
ابتسم أحمد لها ثم أردف:
_ معاك حق ، أنا بحكم شغلي مش لاقي وقت كتير …
قالت ملك بلطف :
_ اللي هتعلمه هعلمهولك ولا يهمك هنتعاون مع بعض كمان أنت ذكي وفي حاجات هتفهمها بسرعه عني .
قبل أحمد رأسها وقال ضاحكًا وهو يغمز لها بعينيه :
_ امممم ذكي ، مش كنت غبي و …
وضعت ملك رأسها على صدره تقول بمشاكسه:
_ وما زلت .
أبعدها أحمد ينظر لها بصدمه :
_ بقى كدا ماشي ماشي .
وبعد مرور بعض الوقت وقف أحمد أمام قبر حسان يقرأ له الفاتحه ثم دعى له وشكره من أعماق قلبه ، بينما ملك كانت تقف بعيدًا عنه لتترك له المساحة الخاصة مع صاحبه ، انتهى أحمد وأتى إليها فقالت له :
_ أنا كمان حابه أشكره.
أومأ أحمد بعينيه ، ذهبت ملك وشكرته وابتسمت بملء شفتيها بأنه قد سامحها واراحها من هذا العذاب والذنب .
*******
بعد مرور أسبوع على عقد قرآن أحمد وملك مرة أخرى حتى يكون العقد صحيحًا هذه المرة.
كان يقف على أعصابه يجوب أرضية الفندق ذهابًا وإيابًا وبلغ منه التوتر مبلغًا كبيرًا ، وجواره تقف والدته التي عادت من السعودية ومعها أخواته ، كانت سعيدة من قلبها بأن ابنها أخيرًا نال ما تمنى ، فُتح الباب فجأة شعر أحمد بأن أنفاسه توقفت وما عاد بمقدوره التنفس ، وهو يرى نعمه تبتعد عن الباب ثم وقفت أمامه تهمس له أثناء غمزها بعينيها :
_ مبارك لقد هرمنا من أجل هذه اللحظه نشفتوا دموعي ، منكم لله بس يالا هسامحكم علشان أخيرًا اتجمعتوا .
تبدلت نبرة صوتها تقول بتهكم وهي تحذره :
_ أعرف إنك خليت دمعه واحده نزلت من عيونها مش هقولك هعمل فيك إيه ؟ هاخدها كدا ومش هخليك تلمحها فاهم ولا لا ؟؟.
ابتسم أحمد يقول بتوتر :
_ متقلقيش مفيش دمعه واحده هتنزل بعد كدا ممكن أشوفها بقى .
سحبها هادي من ذراعها يقول ضاحكًا:
_ ابعدي عن الراجل يا نعمه ، ثانيه كمان وهايغمى عليه ، خلي الليلة تعدي على خير.
لم يستمع أحمد لأي حرف صدر منهما ، لأنه ببساطة دخل إلى الغرفة وأغلق الباب خلفه ، كانت هناك تقف تعطيه ظهرها بطلتها الملائكية التي سلبت آخر ذرات تعقل بداخله ، يا الله كم تمنى تلك اللحظة وكانت دومًا في أحلامه ، والآن بفضل الله ها هو يعيشها تذكر تلك الآية الجميلة “وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ”
نعم صحيح الله هو اللطيف العليم الحكيم يضع الشيء في موضعه المناسب في الوقت المناسب مهما تأخر ما تمنيناه ، فمع بعض اليقين والصبر سيغدو واقعًا نحياه ، فالحمد لله على تقديرات الله .
من حولها التفت رفيقاتها والمصورة التي أحضرها أحمد رغم أن ملك لم تكن منتقبة ولكنه ببساطة غار عليها حتى من أعين المصور .
أشارت له رفيقتها بأن يتقدم منها ، أخذت ملك تبتعد وهي تخفي وجهها ، وكل ما حاول أحمد أن ينظر إليها تهرب منه ضاحكة ، والمصورة تصورهم والفتيات يراقبون متمنين لهم السعادة ، دمعت عيني والدتها وهي ترى سعادة ابنتها أخيرًا ، دخلت في تلك الأثناء نعمه وبرفقتها هادي وحماة ملك والدة أحمد وأخواته أيضًا يرون ما يسمى بالانجليزية ” First look ” كانوا يضحكون بقوة على مشاكستهم لبعضهم وتدلل ملك عليه ، حتى توقف أحمد يقول :
_ مش كفاية كدا يا ملك اقفي بقى ، كفيانا هرب .
استدرات له ملك بعد كلمته تكبت ضحكتها بصعوبه حينما لاحظت نظراته المذهولة ، توردت وجنتيها لتخفض بصرها أرضًا وهنا لم يستطع أحمد البقاء جامدًا لذا خطف الجميع على حين غفلة وهو ينحني ليحملها مقربًا إياها من قلبه يدور بها قائلًا بنبرة شغوفة :
_ مبروك لقلبي وجودك رسمي وشرعي فيه يا حبيبتي.
حدقت ملك به بعشق تهمس:
_ زي ما تمنيت دايمًا يا أحمد ربنا يبارك لي فيك ، أنا بحبك .
ضمها متنهدًا بقوة وكأنه بات أخيرًا قادرًا على التنفس بشكل طبيعي ، ضمها ولم يفلتها دمعت عينيه متأثرًا وهو يحمد الله على ما وصلوا إليه ، أغمض عينيه ليرى حسان مبتسمًا بلطف يشاركه فرحته ، لتظهر تلك البسمة على شفتيه بقوة ، تعالت أصوات التصفيقات الحارة والزغاريد ، من طول العناق فقد نسوا أنفسهم وحلقوا في عالمٍ غير العالم واختفى الناس من حولهم ، ما عادوا يرون أحدًا سوى أنفسهم وفقط .
أنزلها أحمد بهدوء شديد وحذر يغشى عليها الدوار ثم أمسك بذراعها يجعلها تتأبطه ، وسارا معًا نحو حياة جديدة بمشاعر صافية وأخيرًا بعد صمتٍ معذِب كوى قلوبهم ليجتمعا في النهاية بقلبٍ واحد.
وهناك حيث قاعة الزفاف صدحت أغنية خطفت قلوبهم وكأنها أعدت مخصوصة لهم ، دعاها أحمد لأداء رقصة لطيفة ومع خجلها نهضت معه ، ليتعالى التصفيق الحار والمشجع لهم ….
عيونك شايفها وحاسس إن أنا عارفها
سبيني براحتي أوصفها مكسوفه ليه
كأنك معايا بقالك عمر ويايا
بنفس الصوره جوايا من قد إيه
ضمها بكل طاقته ، يضع يديه حول خصرها ، ورأسه معانقة رأسها قبل خدها بلطف ، لتدفن هي وجهها في صدره ….
سنين شايفك في أحلامي
بنادي عليك ضميني
ليالي كنت مش عايش
ومستنيكِ تحييني
وحشتيني وحشتيني
سنين بعدك على عيني
ليالي كنت مش عايش
ومستنيكِ تحييني
همس لها أحمد بحب وهو يتابع الرقص معها :
_ بعشقك .
يا أجمل هديه بعتها القدر ليه
يا قمري في أعز ليالي أوصفلك إيه
والله والدنيا بقت في عينيا حاجه تانيه
هواكي قابلته وفي ثانيه جريت عليه.
رفع أحمد ذراعها للأعلى قليلًا وهو يجعلها تدور وأثناء ذلك همست له :
_ وأنا بموت فيك.
سنين شايفك في أحلامي
بنادي عليك ضميني
ليالي كنت مش عايش
ومستنيك تحييني
وحشتيني وحشتيني
سنين بعدك على عيني
ليالي كنت مش عايش
ومستنيك تحييني
بحبك هقولها يا ريت قبل ما أكملها
تعالي في حضني ونقولها أحنا الأتنين
وعند هذا المقطع جذبها أحمد صوبه بقوة يعانقها والعيون تفيض عشقًا …
*****
تنظر إلى النجوم اللامعة في السماء وهي تستند على صدره بظهرها ويديه على معدتها البارزة قليلًا ، وهما يطالعان النجوم سويّا من شرفة منزلهم ، استدرات له ملك تقول فجأة:
_ أحمد أنت بتحبني ؟.
وأحمد الذي كان ينظر بعينيها مباشرة قال بعد صمتٍ :
_ لأ.
اتسعت عينيها ذهولًا وحاولت النهوض من على قدميه وهي تنظر له بملامح غاضبه ، ليسارع أحمد بإمساكها جيدًا يقول وهو يكبت ضحكته متى ستتعلم تلك المرأة ؟؟:
_ اكدب يعني يا ملك ؟ أنا مبحبكيش.
لمعت الدموع في عينيها وقبل أن تنخرط في موجة بكاء ، قال أحمد وهو يقبل عينيها الدامعه :
_ أنا بعشقك ، بموت فيك ، بتنفسك ، بدمنك ، مغرم بيكِ ها إيه تاني ؟.
حاوطت يديها وجهه بالمقابل تقول وهي تنظر بعينيه :
_ ثبتني الصراحه كنت ناوية انكد عليك .
_ الحمد لله لحقت نفسي ، ملك حبيبتي ايمتى هتقتنعي إني تخطيت الحب من زمان .
أسندت ملك رأسها على صدره تقول ببسمة واسعه سعيدة :
_ اقتنعت خلاص ، بس بتدلع عليك ، إياك تحبسها جواك تاني كفاية عذاب صامت ولا إيه ؟؟.
_ كفاية فعلًا .
ختم حديثه يقبل رأسها الموضوعة على صدره ثم استرخى على المقعد يضمها أكثر إليه وهما يتابعان النجوم وأثناء ذلك همس لها بعشق :
_ ملك عايز أكل !.
نظرت له ملك بملامح متشنجة لإفساده الجو الرومانسي الذي أعدته ، ليضحك أحمد بقوة على تعابير وجهها ثم يعاود ضمها إلى قلبه ، يقبل كتفها بمحبة .
وفجأة استمعوا لصوت متذمر يقول :
_ ايوه اقعدوا حبوا في بعض زي المراهقين وسايبني كدا .
نظر أحمد إلى صغيرته ذات الخمسة أعوام ببسمة صغيرة يدعوها للاقتراب ، لتضحك ملك بقوة وهي تقول :
_ غيرانه ؟؟ .
دبدبت الصغيرة بأرجلها بانزعاجٍ:
_ نزلها يا بابي حالا وشيلني أنا .
وكل ما فعلته ملك أن لفت ذراعها حول عنقه تقبله من وجنته بمشاكسة وهي تخرج لسانها لابنتها ، لتصرخ ابنتها بحنق شديد وهي تبكي ، وأحمد يحرك رأسه بيأس منهما فهذا أمر معتاد كل يوم ، فجأة شعر بصغيرته تجذب شعره وهي تقول :
_ قول إنك بتحبني أكتر منها.
وهنا نظرت له ملك بملامح متشنجة والغضب يملأ عينيها تحذره ، ليبتلع أحمد لعابه بتوتر شديد ثم نهض بحذر ينزل ملك أرضًا وفر هاربًا من أمامهما بعد فشله في كل مرة في إرضاء الاثنين وغالبًا ينتهي الأمر بأن تخاصمه كلاهما ، لتضحك ملك بقوة وتشاركها ابنتها الصغيرة.
• النهاية •
تمت بحمد الله وتوفيقه.
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الصمت المعذب)