روايات

رواية الصمت المعذب الفصل الخامس 5 بقلم نورهان ناصر

موقع كتابك في سطور

رواية الصمت المعذب الفصل الخامس 5 بقلم نورهان ناصر

رواية الصمت المعذب الجزء الخامس

رواية الصمت المعذب البارت الخامس

الصمت المعذب
الصمت المعذب

رواية الصمت المعذب الحلقة الخامسة

يا نسمة الصّبحِ هبي في روابينا
وأنعشي بالصبا أرجاءَ وادينا
وقبّلي وجنةَ الأحبابِ وانتظري
ردّ السّلامِ لأرواحِ المحبينا.
• أذكروا الله •
_________________________
كانت كلماتها تخرج بصعوبة شديدة بسبب ضيق تنفسها وبكائها الحاد ، توقفت فجأة تتطلع إليه بعيون يملأها القهر والخذلان ، وهنا سحبها أحمد إلى صدره بقوة ، وهو يبكي رغمًا عنه بحزن شديد ، يخفيها بداخل أحضانه وهو يربت على ظهرها الذي ينتفض أسفل يده ، بينما هي تتحرك بهيسترية ، تبكي بانفطارٍ أكثر وهي تضرب على صدره بغضب وهو فقط يحتضنها بصمتٍ :
_ ليه مُصر تعذبني ؟؟ ليه ؟؟ اتجوزتني علشان الوصية ، يعني الوصية مكنتش حجه علشان تقرب مني ؟؟؟ ليه مع إني شايفه حبك في عينيك ؟.
قالت آخر جملة وهي ترى التماع الدموع في عينيه ، توقفت عن ضرب صدره وهي تكمل بنبرة حادة دون أن ترمش بنظراتها عنه :
_أنت مجنون يا أحمد طلعت مجنون بتموت في العذاب ، بتعيط ليه دلوقت ؟؟ صعبت عليك ؟؟ قاعد تعيط وأنت السبب في اللي وصلنا ليه ؟؟ هتفضل ساكت كدا مش هتقول حاجه كالعادة .
دفعته بعيدًا عنها بقوة ، ثم نهضت ترمقه بنظرات لن ينساها أحمد ما حيا ، اتجهت إلى باب الشقة تحاول فتحه ، وبداخل الغرفة يكبت أحمد دموعه وهو يتنفس بصوت مرتفع حزين على ما يحدث معهم ، اشتعلت النيران في قلبه أتكون معه ويبقى جامدًا هكذا ؟؟ مما صنع قلبك أنت ؟؟ إلى متى ستبقى مؤثرًا للصمت الذي يقتلك حيًّا؟؟؟.
خرج أحمد بعد دقائق خلفها وهو يراها تحاول فتح الباب ، أمسك بيدها يمنعها لتصرخ في وجهه :
_ ابعد عني متلمسنيش .
ابتعد أحمد عنها يرفع يديه للأعلى مُستسلمًا:
_ طيب اهدي وقولي لي رايحه فين دلوقت ؟؟.
_ وأنت مالك ، هروح مكان ما أنا عايزه .
ختمت حديثها وهي تضغط على مقبض الباب بغضب شديد تركله بقدمها ، وقف أحمد يحول بينها وبين الباب يقول بنبرة جادة :
_ ملك اهدي واسمعيني …..
دفعته ملك بغيظ وهي تصرخ في وجهه :
_ مش عايزه اسمعك ، سيبني في حالي ، أنت خدعتني أنا آه منكرش إني فرحت بالوصية وفكرت إن الحياة بتدينا فرصة تانيه ، وفكرت إنك بتنفذها لمجرد إنك تتقرب مني ، كفايه بقى هتفضل تعذبني وتحرقني لايمتى ؟؟ .
وكم قطعت كلماتها أوصاله ، ود لو يخبرها بأنه يرفض ذلك العذاب ويبغضه ، ولكن الظروف معاكسة لهم ، تنفس الصعداء ثم نظر لها وحاول تهدئتها :
_ أنا آسف لأني خيبت أملك بس أنا حاسس بالذنب ، ومش قادر استوعب إن حسان مات وأنا اتجوزت مراته ، اهدي و هقول الحقيقه مش أنتِ عايزه الحقيقه ؟؟.
هزت ملك رأسها وهي تتنفس بقوة ، تضع يدها على قلبها بألم:
_ ايوه.
أشار لها أحمد صوب غرفة المعيشة يقول :
_ طيب تعالي اقعدي طيب ، شكلك مش عاجبني أنتِ تعبانه؟.
ابتسمت ملك بسخرية وهي تبكي :
_ يهمك أوي تعبي ، ماتشغلش بالك .
_ إيه اللي بتقوليه ده ؟ آه طبعا يهمني لو سمحتي تعالي اقعدي واسمعيني .
على مضض جلست ملك تنظر له بتهكم شديد بعد أن استجمعت أنفاسها:
_ نعم هتفضل ساكت كدا ، طيب أنا هامشي بقى واديك نفذت الوصية واتجوزتني سلام .
ختمت حديثها وهي تنهض ، فرك أحمد في يديه بتوتر ومد يده يمسك بيدها قبل أن تذهب وهو يقول برجاء:
_ ملك اسمعيني من فضلك أول حاجه أنا مكنتش أعرف إنك مرات حسان ، وده مخليني أقصد اقولك يعني إني متلخبط ووافقت على الوصية مجبر هو أصر عليا إني اتجوزك رغم اعتراضي وخلاني وعدته وحدد شرط لمدة سنتين ومش جواز حقيقي ، وأنا إحساس الذنب هيقتلني حسان حكالي كل حاجه عن جوازكم واللي عملتيه معاه ،فازاي عايزانا نكمل من مكان ما وقفنا وهو مظلوم وظلمناه معانا ؟؟.
تنبهت ملك لحديثه وإلى حدٍ ما تفهمت ما يريد قوله لذلك قالت بغصه حزينة :
_ أنا خلاص فهمتك .
ضيق أحمد عينيه مستغربًا فهو نوى اخبارها بالاتفاق كاملًا لتكون الأمور واضحة :
_ فهمتي بجد ؟؟ .
ابتسمت ملك بتكلف وهي تنهض :
_ أيوه خلاص الرسالة وصلت ، معلش إني انفعلت عليك كدا أنا تعبانه هروح أنام تصبح على خير .
وفقط قالت ذلك ولم تنتظر رده ، ثم اختفت من أمامه جلست على السرير تعض على يدها حتى لا يسمع صوت بكائها ، حسان لم يسامحها كما ظنت بل أراد إحراق روحها جعلها مع حبيبها في مكان واحد وفرض شروطه الخاصة يريد تعذيبها كما عذبته ، استلقت على فراشها تدفن رأسها في وسادتها تبكي بصمتٍ شديد.
******
صباح اليوم التالي …..
فتحت ملك أعينها تطالع سقف الغرفة بتعجب ، تفرك في عينيها التي آلمتها من كثرة البكاء ليلة أمس ، يا الله ما عادت تفعل شيء سوى البكاء طوال حياتها ، تنهدت بضيق شديد ثم نزلت عن الفراش ارتدت حذائها المنزلي ، واتجهت إلى المرحاض الذي توقعت أن يكون بجانب المطبخ بعد جولة في أرجاء الشقة حتى عثرت على المطبخ نفسه .
وصح حدسها ، توضئت وعادت إلى غرفتها تجر أذيال الخيبة صلت فريضتها وظلت تدعوا الله كثيرًا تطلب الغفران والتكفير عن ذنوبها والقوة حتى تمر تلك الأيام ،جلست على الفراش بعد بضع دقائق بعينين شاردتين ، أخرجها من دوامة أفكارها صوت هاتفها ، مدت يدها تلتقطه ، ترى الاسم الذي يتصدر أعلى شاشة هاتفها ، لتخرج تنهيدة قوية ثم رسمت ابتسامه مصطنعه على شفتيها وقالت :
_ صباح الخير يا نعمه .
جاءها صوت نعمه تردف ببسمة واسعه:
_ صباح النور يا قلب نعمه ، إيه الأخبار ؟ .
عضت ملك على خدها من الداخل تقول والدموع تنهمر على وجهها :
_ الحمد لله إحنا كويسين ، طمني أمي وأخويا .
تحدثت معها بضع دقائق ثم أغلقت الهاتف وانكبت على وسادتها تبكي بشدة ، وخارج الغرفة كان يقف أحمد يطالعها بحزن شديد وعينين يكسوها الدموع ، وقبل أن يضعف هرب من المنزل ، أخذ يجوب الشوارع بلا هدف فقط يبكي بصمت حتى وصلت به قدميه إلى مكان لقائهم ، ركع على الأرض بركبتيه يصرخ من كل قلبه ، بأنه ما عاد يقدر على الابتعاد وتعذيبها معه أكثر من ذلك ، لقد عذبها معه بما فيه الكفاية ليلة واحدة وشعر بأن روحه تنسحب منه كيف بسنتين ؟؟ .
حرام عليه سنتين يحرق روحها سنتين ، يتركها تتلظى أمامه وهو عاجز عن فعل شيء لها ، ثم ببساطة ينفصل عنها ، أما آن لهذا العذاب أن ينتهي ؟ أما آن لروحه أن تتنفس ؟ أما آن لحبه أن يظهر للنور ؟؟ أما آن للسعادة أن تدق بابه ؟؟ .
صرخ أحمد بأعلى صوته بألم شديد ، وهو يردف :
_ صعب الموضوع طلع أصعب مما اتخيل من بين بنات الدنيا تطلع ملك هي مراته ، ما أنا واحد غبي كان لازم أعرف من كلامه ده حتى نفس الاسم ، ليه يا حسان تحطني في الموقف ده ؟؟ يا ترى كنت عارف إني أنا اللي هي بتحبه .
صمت أحمد فجأة مصدومًا حين تذكر ضربه له عندما أخبره بأنه يعشق ملك وأنها تسكن داخله ، الآن فقط أدرك لما صفعه ذلك اليوم .
_أنت كنت عايز تنتقم مني دلوقت بس فهمت غرضك من الإصرار إني اتجوزها ، علشان تعذبنا احنا الاتنين علشان تحرق روحنا ، ليه يا صاحبي ما أنا كنت بعيد وكنت رايح للموت ليه تنقذني من الموت ودلوقت بتقتلني بوصيتك ليه ؟ .
صمت يتنفس بصوت مرتفع وهو يمسح على وجهه:
_ حاضر يا حسان هنفذ طلبك علشان ترتاح ، هعذبها وأعذب نفسي معاها ، كدا هاتكون مرتاح يا صاحبي مش قادر أقولك غير ربنا يسامحك يا حسان .
******
بعد مرور بعض الوقت ….
وصل أحمد إلى شقته وضع الطلبات التي بيده على طاولة السفرة الخاصة بالطعام ، ينادي عليها وهو يغمض عينيه لما وصل له صوت بكائها ، مرت عدة دقائق وراها تخرج وهي تتحاشى النظر له ، حتى لا يرى احمرار عينيها تقول بنبرة خافته فقد اختفى صوتها من شدة البكاء :
_ نعم يا أحمد.
حك أحمد شعره بتوتر وحزن وهو يشير صوب المشتريات :
_ أنا جبت شوية طلبات كدا وهاسبلك الفيزا أنتِ تشتري اللي عايزاه بعد كدا .
أعقب حديثه وهو يضع بطاقته الائتمانية على الطاولة ، رمقتها ملك بلا مبالاة ثم أخذت الأكياس البلاستيكية واتجهت إلى المطبخ لإعداد الفطور ، وأحمد يقف في مكانه ينظر لأثرها بحزن وعجز شديد .
وبداخل المطبخ كانت ملك تجهز الفطور ودموعها تنهمر أمام وجهها ، انفلتت منها شهقة مكتومة ، رفعت يدها بضعف تضعها على فمها لتصمت أصوات بكائها ، ومن الدموع الكثيفة زاغت الرؤية في عينيها فأوقعت عدة أطباق على الأرض ، لتتهشم إلى مئات القطع ، دخل أحمد على الصوت يهتف باسمها بخوف شديد ، حينما رآها تجلس على الأرض وهي تحاول لم القطع متحدثة بنبرة خافته :
_ آسفه وقعوا مني بالغلط .
أمسك أحمد يديها يبعدهم وهو يقول بنبرة بها لهفة شديدة :
_ فداك أي حاجه ، المهم أنتِ جرالك حاجه ؟؟ .
سحبت ملك يديها منه تبتسم بتكلف وهي تقول :
_ لا ، سيبهم أنت أنا هلمهم.
بإصرار غريب وكأن قلبه هو من يحركه ، أردف أحمد وهو يتمسك بيديها يجعلها تنهض معه :
_ لا أنا هلمهم اقعدي هنا .
سارت ملك معه مثل المسحورة تحدق به بنظرات حائرة مشتتة ، لمحت الحب في عينيه واستشعرته في نبرة صوته وأفعاله ، ومع كل ذلك لاحظت أيضًا الحزن الشديد ، لا شك فهم الآن سر وصية حسان ، لو كانت تعلم بأنه هو نفسه أقرب أصدقائه ما كانت أخبرته الحقيقه ولكانت أصرت على موقفها بأنه شخص ليس له معنى ولا قيمة ، لم تشعر بدموعها التي أغرقت وجهها وهي لا زالت تحدق به بصمت .
أدخله حسان في دائرة انتقامه ، لا تلومه فكل ذلك لم يكن ليحدث لو أنه لم يتخلى عنها ، ولكن ذنبها هي أكبر لأن أحمد لم يعذب حسان بل هي ، بدليل إنقاذه لحياته حتى وإن جعله يعيش محرومًا من حبيبته فلقد أنقذه من الموت .
انفلتت شهقاتها ، استدار لها أحمد يترك قطع الأطباق المحطمة ، يمسك بوجهها وهو يرمقها بنظرات متلهفة بها خوف شديد وقلق :
_ مالك ؟؟ حاسه بأيه ؟؟.
وكان هذا أغبى سؤال تلفظ به أحمد وندم على طرحه ، حينما ابتعدت هي عن محيط يديه تردد على مسامعه كلماتها التالية التي أصابت قلبه في الصميم ووضعت الملح على جراحه :
_ امممم حاسه بأيه ؟؟ بولا حاجه ، خلاص فقدت كل حاجه ، بقيت وحيدة مهمومه وضايعه مليانه ذنوب ومعاصي بتقتلني كل ليلة ، ده غير شعور الخيانه تعرف إنك مكنتش بتغيب عن عقلي ثانية ، تعرف كم مرة تخيلتك معايا ، تعرف كم مرة جرحتني وعذبتني متعرفش طبعًا ودلوقت بكل بساطة بتقولي حاسه بإيه؟.
ختمت حديثها وهي تركض صوب غرفتها تغلق الباب خلفها بقوة ثم استلقت على فراشها وكالعادة تعلو أصوات بكائها رغمًا عنها .
وعنده هو أغمض عينيه وهو يشعر بالذنب يفتك به ، ملك ضحية وحتى حسان هو الآخر ، ما من مخطأ هنا سواه وعليه أن يدفع ثمن غبائه.
تنهد بقوة وانحنى يلم قطع الأطباق المنكسرة وضعهم في سلة القمامة ، ثم نظر إلى الطلبات التي أحضرها ، أخذ يفرغها في عدة أطباق ، وبين الثانية وأختها يزفر أنفاسه بضيق شديد ، ثم بدأ برصهم على صنية متوسطة الحجم واتجه إلى الصالة الرئيسية ، حيث السفرة وضعهم عليها ، وأخذ عدة أنفاس قبل أن يتجه إلى غرفتها وكم قطع صوت بكائها قلبه ، بظهر يده أخذ يطرق على باب الغرفة وهو يناديها .
_ ملك تعالي علشان تفطري.
صرخت ملك بغضب :
_ مش عايزه سيبني في حالي ، يمكن أموت واخلص.
ضغط أحمد على مقبض الباب فوجده مغلق من الداخل ، تنهد بصوت مرتفع ثم أدخل يده في جيب بنطاله يخرج علاقة المفاتيح ، حتى عثر على المفتاح المطلوب وبعد أن فتحه ، رق قلبه لحالها وهرع صوبها سريعًا يبعد تلك الوسادة التي تدفن رأسها بها وهو يقول بخوف :
_ ملك حرام عليكِ ، بتعملي إيه ؟؟ .
طالعته ملك بعينين حمراء وهي تقول :
_ عايزه أموت.
_ وتسيبيني لمين من بعدك ؟ .
وتلك الجملة قرأتها ملك في نظرات عينيه ، لتبتعد بعيونها عنه هي وافقت على تنفيذ وصية حسان مع أن بإمكانها طلب الطلاق في أي وقت ، وذلك لتكفر عن ذنبها وتقصيرها في حقه ، إذن فلما الانزعاج الآن ؟؟ أفاقت على صوته يحدثها بقلق :
_ ملك لو سمحتي اتفضلي قومي افطري وبلاش أسمع الكلام ده تاني ، أو تعملي في نفسك حاجه .
نظرت له ملك بملامح جامدة ، ثم استلقت على فراشها وهي تغمغم بصوت ساخر :
_ مش عايزه أفطر روح كُل أنـ….
ابتلعت باقي كلمتها في تلك الشهقة التي خرجت من جوفها ، حين مال هو عليها يحملها قسرًا ، نظرت ملك له بصدمه ، وهي بلا وعي لفت ذراعها خلف رقبته:
_ أنت بتعمل إيه نزلني؟؟.
_ أنزلك لما تفطري الأول يالا .
طالعته ملك بوجه مشتعل من الغضب وهي تقول :
_ مش عايزه و مش هاتجبرني ، نزلني بقولك حالا .
وكل ما فعله أحمد بعد صراخها ، أن تشبثت يديه بها أكثر وخطى خارج الغرفة بكل بساطة ، راميًا بكلماتها عرض الحائط ، طرأت على عقل ملك فكرة خبيثة ومن دون تفكير بدأت في تنفيذها ، أخذت تدغدغه بيديها ، أدت إلى اهتزاز وقفته وهو يترنح بقوة حتى سقطوا على الأرض ، وملك منفجرة في الضحك لأنها وقعت عليه ، بينما هو أطلق صرخه متألمه لاصطدامه بالأرض بقوة .
حدق بها أحمد بذهول وبسمة صافية رُسمت على شفتيه ، وطالت نظراته لها وهو يراها تضحك لأول مرة وكم كانت جميلة للغاية ، جميلة ورقيقة للحد الذي جعله ينسى ألمه وتلك الوصية ووعده وهو يهتف ببسمة عاشقة وعفوية :
_ لو تعرفي أنا بعشق ضحكتك دي قد إيه ؟؟؟.
توقفت ملك ببهوت تنظر له بملامح منصدمه ، وقلبها يخفق بقوة لدرجة شعرت بأن دقاته مسموعه ، آفاق هو من تلك المشاعر التي غمرته وهو يستغفر ربه ، ثم تحدث بضيق مصطنع :
_ قومي كسرتي فقراتي وتاني مرة بلاش التصرفات دي ، أنتِ مش صغيرة افرضي اتكسرتي دلوقت يقولوا إيه؟ من أول يوم وكسر رجلها ولا دراعها ، الله يسامحك يا ملك .
وملك من كل حديثه ذلك لم تستمع لحرف واحد لا زالت تقف عند همسته العفوية ونظراته العاشقة ، نهض هو وجعلها تنهض ، لما لاحظ نظراتها يشعر بالخطر يقترب ، يا الله لو بقت تنظر له بتلك النظرات سيفقد عقله ويخلف وعده ، كيف سهى بتلك الطريقة ، ونَسِيَ نفسه ، ولكن لما التفاجىٔ لطالما كان ضعيفًا أمامها ؟ أغمض عينيه ليرى حسان ينظر له بنظرات معاتبة حزينة مرة أخرى ، ليزفر بحزن وغامت نظراته بالهم والذنب .
رأت ملك نظراته تلك وكم اعتصر قلبها الألم لأنها أيضًا تشعر بما يشعر به ، فقد شاهدت حسان يرمقها بنظرات غاضبه بها عتاب شديد ، لتفيق من فقاعتها وتخفض بصرها أرضًا وهي تكبت دموعها .
تنحنح أحمد ثم سحب لها المقعد بتوتر ، جلست ملك على مضض ، وهي تصطنع الضيق الشديد ، ليخرجا من تلك الحالة ، تمتمت هي ببسمة مغتاظة وهي تنظر إلى الطعام :
_ هو ده الفطار اللي جهزته ؟؟ زوج فاشل وقومي كُلي يا ملك اللي يسمعك يقول محضر فطور ملوكي مش شوية بيض بالبسطرمه ومربى وايه ده كمان لانشون ؟؟.
رفع أحمد حاجبه بتشنج يقول :
_ ابقي ورينا شطارتك أنتِ ، تلاقيك مبتعرفيش تسلقي بيضة .
ختم حديثه وهو يخفي ابتسامة كادت تظهر على شفتيه من ملامحها التي يعتريها الحنق ، ثم بنبرة هادئة قال :
_ كُلي يا ملك الأكل مش على وشي ، كُلي يا ماما يالا.
ارتفع طرف شفتيها في تشنج وهي ترفع حاجبها:
_ رخم وبارد .
_ أشكرك يالا بقى كُلي .
*****
بعد مرور عدة أيام ….
انتهت من إعداد وجبة العشاء وهي تمسح دموعها التي لا تفتأ تغادر عيونها ، استندت بيديها على طاولة المطبخ الصغيرة تنظر لما أعدته برضا ، ثم ذهبت لتبدل ثيابها ، أخذت تقلب في ملابسها بفتورٍ شديد ، حتى استقرت على شيء ، ارتدته سريعًا وقفت أمام المرآة تنظر لملامح وجهها الحزينة .
تنهدت عدة تنهيدات حارة وهي تستدير للخروج من الغرفة ، نظرت للساعة المعلقة على الحائط بتوتر ، ها قد اقتربت من التاسعة ألن يعود ؟؟ لقد ضاقت نفسها من ذلك الحبس وهو يخرج كثيرًا ويتركها بمفردها بين أربعة جدران ، هروبًا من مشاعره ومنها بذات الوقت ، إنه الصمت المعذب مرة أخرى فكلاهما يحترق بصمتٍ دون حديث.
مشت بخطوات غاضبه صوب الأريكة تجلس عليها ، وهي تمسك بجهاز التحكم الخاص بالشاشة التي تتوسط صالة منزلها ، تحاول الهاء نفسها وتمضية الوقت الذي لا يمضي بتاتًا .
وقعت عينها على أحد أفلام الانيميشن المفضلة لديها ، مما جعل ابتسامة صغيرة تطفو على شفتيها ، أرخت جسدها على الأريكة وهي تتابع أحداث الفيلم بانتباه ، أخرجها منه صوت قرع جرس الشقة ، جعدت جبينها باستغراب من سيزورها في هذا الوقت ؟؟.
لم يخطر على بالها أنه أحمد لأنه يحمل المفاتيح الخاصة به ، ألقت نظرة عابرة على ملابسها ثم التقطت خمار الصلاة ووضعته على رأسها واتجهت لفتح الباب بعد أن نظرت من العين السحرية ، تفاجئت كثيرًا عندما تعرفت على هوية الزائر لتسارع بفتح الباب ، وقبل أن تفتح ملك فمها سبقتها هي بقولها في حرج :
_ آسفه إني جيت كدا فجأة من غير ميعاد .
ابتسمت ملك في وجهها تقول مرحبة :
_ تيجي في أي وقت يا ماما تعالي .
دلفت حماتها _ السابقة _ إلى داخل الشقة أغلقت ملك الباب خلفها واستدارت تعانقها بمحبة كبيرة وهي تصطحبها إلى غرفة الإستقبال ، تقول ببسمة واسعه:
_ نورتينا يا ماما .
ردت السيدة والدة حسان ببسمة صغيرة:
_ بنورك يا حبيبتي ، امال فين أحمد ؟؟.
غابت ملك لتحضر لها بعض المشروبات وأثناء ذلك أجابتها من داخل المطبخ :
_ مش عارفه خرج من بدري ولسه مرجعش .
تحدثت السيدة والدة حسان باستغراب :
_ في واحده متعرفش جوزها راح فين ؟؟؟.
عادت لها ملك تحمل بيدها صينية موضوع عليها كوبان من عصير البرتقال وبعض الحلوى ، مردفة ببسمة متوترة :
_ كنت نايمه لما خرج ، متقلقيش زمانه جاي ، اشربي العصير .
ناولتها الكوب وهي تبتسم في وجهها :
_ أنا جهزت العشا خليك لما تتعشي معانا وهقوم اتصل عليه .
أخذته من يدها ثم أخفضت رأسها وهي تقول ببسمة محرجة وفي عينيها دمعه :
_ تسلمي يا بنتي ، يجعله عامر بوجودكم .
لاحظت ملك نبرة صوتها لتنهض تجلس على ركبتيها أمامها ترفع رأسها وهي تقول :
_ مالك يا أمي ، أنتِ تعبانه أو حاجه ؟؟.
_ لا يا بنتي أنا .. أنا …
حثتها ملك على الحديث وهي تقول :
_ احكي يا ماما في إيه ؟؟.
_ حسان واحشني أوي يا ملك ، ومن بعد ما مشيتي بقيت وحيدة بناتي بياجوا يشوفوني بس كل واحده مشغولة ببيتها بردو ….
قاطعتها ملك تردف بنبرة ضعيفة :
_ أنا قولتلك يا ماما مش لازم ننفذها ..تعالي أنا هروح معاكِ .
شهقت بدهشة تقول:
_ تروحي معايا فين ؟! اهدي يا ملك أنا بفضفض معاكِ عيب يا بنتي ، هاتسيبي بيتك و جوزك ده أنتم يدوب مكملتوش حتى شهر …
_ المهم عندي راحتك أنتِ وأنا لو قولت لأحمد هايتفهم الموضوع ده ، بعدين كدا أفضل.
هكذا ردت ملك بكل هدوء رغم الحزن الذي في عينيها واخفته هي ببراعة ، ليصدر صوت من داخلها وهي تنظر لها بعينين لامعتين :
_ أهو أنا لو قضيت حياتي كلها خدامه تحت رجليك مش هيكفي علشان تسامحيني، بس يمكن ياجي يوم وأقدر أسامح نفسي يا ماما ، ذنبك وذنب ابنك ييقتلوني كل ليلة أحط رأسي على المخدة واعيط ، ولساني مش قادر ينطق ويقولك إن اللي مفتقداها دي قتلت ابنك بالحيا وعذبته.
أمسكت والدة حسان بيدها تقول ببسمة صغيرة مخرجة إياها من شرودها :
_ لا يا ملك أنا بس جيت أودعك هروح بلدي عند أهلي أكمل معاهم الباقي من عمري ، بس وعايزه أوصيك تروحي تزوري ابني على طول ولما ربنا يكرمك تبقي تيجي وتوريني حفيدي ، أحمد ابني التاني مش بس صاحب حسان لأ ده أنا بعتبره ابني .
غمرت الدموع عينيها وهي تحتضنها بحزن شديد ، يا الله الذنب يكاد يقتلها ، لم تظلم حسان فقط بل وهذه السيدة المسكينة التي في كل مرة تراها فيها تكره ذاتها كثيرًا ، ابتلعت ريقها ثم ردت عليها:
_ حاضر يا ماما ، إن شاء الله ، أصلا من غير ما توصيني أنا كنت لسه عنده انبارح وبزوره على طول.
نعم فملك منذ يوم الوفاة ولا تتخلف عن زيارته والدعاء له ، والبكاء على قبره لساعات طويلة تعتذر منه وتطلب السماح.
ابتعدت عنها وهي تمسح دموعها تقول ببسمة صغيرة :
_ تعيشي يا بنتي وتفتكري ، ربنا يرحمه ويغفر له ، ويصبرنا على فراقه ، المهم شدي حيلك كدا وهاتيلي تؤام واحد اخده والتاني خدوه أنتم .
قالت آخرها حديثها وهي تضحك بخفوت ، عضت ملك على شفتها السفلية وهي تبتسم بسمة متكلفة تومأ برأسها بصمت ، ثم نهضت تخرج هاتفها للاتصال بزوجها ، وأثناء ذلك سمعت حماتها تقول لها :
_ أنا كنت هستاذنكم ابات هنا انهارده لأن إن شاء الله من بكرا هخلي أحمد يوصلني لبيت أهلي والطريق من عندكم أقرب.
وضعت ملك الهاتف من يدها تنظر لها بعينين ضيقة تقول :
_ يا خبر تستأذني ده إيه ؟ مش لسه بتقولي إنه ابنك في أم بقى تستأذن تبات في بيت ابنها ؟؟.
_ معلش يا بنتي بس بردو ….
نظرت لها ملك بطرف عينها وهي تضع الهاتف على أذنها تنتظر رده :
_ بس ولا كلمه ، قال تستأذن قال ، ده بيتك اقعدي زي ما تحبي .
_ تسلمي يا غاليه ، شوفي لي أوضة أنام فيها ….
زفرت ملك من عدم رده على الهاتف ثم قالت لها :
_ تنامي إيه استني أما نتعشى الأول ؟.
_ لا يا بنتي مقدرش في الشتا أحب انام خفيفه كدا معلش خليني على راحتي .
تنهدت ملك بقلة حيلة ثم أشارت لها على غرفة الأطفال ، دخلت حماتها ثم تسطحت على الفراش وقالت ببسمة صغيرة:
_ تصبحي على خير.
_ وأنتِ من أهل الخير .
أغلقت الباب خلفها وعادت للصالة ، جلست تتابع مشاهدة الفيلم الذي اقترب من آخره وهي تنفخ الهواء بملل ، تنظر إلى الساعة بضيق شديد من تأخره ، مرت عدة دقائق أخرى وشعرت به يفتح الباب ، هبت من جلستها تتجه نحوه بملامح غاضبه ، تفاجأ هو بها ليقول متنهدًا:
_ في إيه وأنتِ واقفه كدا ليه ؟؟.
_ كنت فين ؟؟.
هكذا أردفت ملك متسائلة بانزعاجٍ واضح ، رفع أحمد حاجبه بتشنج وهو يقول :
_ إيه السؤال ده ؟؟ ملك لو سمحتي ميت مرة قولتلك ده مش جواز …..
منعته عن الحديث وهي تضع يدها على فمه تهمس بصوت منخفض حانق:
_ وطي صوتك لحسن تسمعك .
ببهوت فقط كانت نظرته لها ، أبعدت يدها عنه ، ليهمس أحمد مثلها :
_ مين دي اللي تسمع ؟ أنتِ معاك حد جوه ؟؟.
_ حماتي.
ضيق أحمد عينيه مستغربًا:
_ أمي ؟؟؟
_ لا ، ماما نادية .
أومأ أحمد بتفهم رغم استغرابه يقول :
_ في حاجه ولا ايه ؟! هي تعبانه أو ….
_ لا كويسه هي بس مفتقداني وقررت تروح لبلدها وعايزاك توصلها .
_ تمام وهي فين دلوقت ؟؟.
سأل أحمد وهو ينزع عنه سترته وقبل أن يلقيها أخذتها منه بغيظ ، أثناء قولها بضيق :
_ تموتوا في الفوضى ، هي نايمه جوا …..
صمتت ملك فجأة تحدق به بنظرات مُشتعلة وهي تتقدم منه ، ليتراجع هو بدوره للخلف يقول ضاممًا ما بين حاجبيه :
_ في إيه أنتِ هتتحولي ولا إيه ؟؟.
لمعت الدموع في عينيها الغاضبة وهي تسأله :
_ أنت بتخوني ؟؟؟.
أخرج أحمد تنهيدة يقول بنبرة هادئة :
_ آه وصلة الزوجة النكدية دي مش هتخلص ، أنا واقع من الجوع ، طابخه إيه ؟؟
ضربته ملك على صدره بغضب شديد:
_ أحمد أنا مبهزرش إيه اللي على رقبتك ده ؟؟
وضع أحمد يده على رقبته مغمغمًا ببرود وهو يتخطاها :
_ ده روچ.
سقطت دموعها التي جاهدت لحبسها واتجهت له بعيون تدق شرارًا ، أخذت منه قطعة الكيكة التي أعدتها قبل أن تلامس شفتيه:
_ اقف هنا وكلمني ، أنت أنت إزاي تعمل كدا ؟؟ أنت بتحبني …
_ لأ.
قطع عليها حديثها بكلمته التي أصابتها في مقتل ، ومن دون تفكير أمسكت ملك بالطبق المليء بالكيكة وقامت بإلقاءه في وجهه وهي تبكي بشدة ، تصرخ بانفعالٍ:
_ بكرهك خساره حبي ليك بجد .
تنهد أحمد بحزن شديد وجلس على المقعد مهمومًا وقلبه يؤلمه ، كان في منزلهم القديم وهناك وجد أحمر الشفاه الخاص بأخته ثم وضعه ليحاول جعلها تكرهه ، حتى يكون الفراق هذه المرة أسهل _ من وجهة نظره _مقنعًا إياها بأنه ما عاد يحبها وأيضًا لإحساسه بمسؤوليته تجاه تلك الوصية ، نزولًا عند رغبة صديقه ، العذاب لن يكون لها وحدها بل له أيضًا ولكنه ببساطة لا يستطيع إيقافه.
اتجه إلى المرحاض يغسل وجهه وهو يتذوق الكيكة _من على وجهه _التي أعدتها ليبتسم بسمة صغيرة مذاقها رائع تمامًا كمحبوبته شهية ولذيذة .
عاد إلى غرفته ليستريح حينما وجدها تقف في منتصف الغرفة ، وكأنها تفكر في أمرًا ما ، قطع عليها حملة أفكارها وهو يستلقي على السرير مغمض العينين.
نظرت له ملك بغضب شديد وهي تتنفس بصوت مرتفع تقول بنبرة متهكمة:
_ سيادتك فاكر نفسك بتعمل إيه ؟؟ .
دون أن يفتح عينيه أجابها:
_ بعمل زي الناس هنام .
أخفضت صوتها تقول مغتاظة:
_ زي الشاطر كدا تطلع تنام برا والصبح قبل ما حماتي تصحى هاجي اصحيك ترجع لاوضتك ، أنا كنت هنام عندها في الأوضة بس هتقعد تسأل وأنا مش هخلص فاتفضل بقى اطلع .
وكل ما فعله أحمد بعد حديثها أن ابتسم وأولاها ظهره ، انزعجت بشدة ومن دون تفكير اتجهت إليه تحاول ابعاده عن السرير ولم تستطع ، كتم أحمد ضحكه كادت تنفلت منه على ملامحها المغتاظة بينما هو ينظر لها من أسفل أهدابه.
صعدت ملك على السرير وبقدميها حاولت دفعه ، تفاجأ أحمد بفعلتها ، ليفتح عينيه ينظر لها بتشنج ، ثم أمسك بقدميها يثبتهم وهو يقول :
_ أنتِ قد حركتك دي ؟؟
_ أوعى سيب رجلي ، وقوم اطلع برا يا خاين .
تقدم منها أحمد أكثر يقول وهو يطرق على رأسها ورغمًا عنه أردف بما جال بخاطره وهو يرى عينيها الباكيتين :
_ مش هلومك أنا فعلًا خاين _ لاحظ الصدمه في عينيها ليتابع بعشق _ ما أنا قلبي خاني من زمان وخرج عن طوعي ووقع ولا حد سمى عليه.
تجمدت ملك في موضعها بقت تحدق به ببلاهة شديدة ، آفاق هو من تلك الغفوة يستغفر ربه ، وبلا كلمة إضافية خرج من الغرفة بأكملها ، لتسقط دموعها بقوة وحزن شديد .
******
مرت الأيام التالية مثل بعضها بالحرب الباردة بين أحمد وملك ، إلى حدٍ ما يحاولون تنفيذ الوصية وكبت مشاعرهم ما إن يضعف أحدهم يذكره الثاني بالوصية ، أوه عفوا حسان يفعل فلا هو يفارق عقل ملك أو يترك أحمد ليتنفس .
وها هم قد تجاوزوا السنة وبضعة أشهر ، كانت نعمه تجلس بقرب ملك الشاردة والغير منتبهه لحديثها ، زفرت نعمه بضيق شديد من تلك الحالة ، أما آن لتلك المسكينة أن تأخذ نصيبها من السعادة ؟؟ ما بال الدنيا لا تتركها وشأنها ؟؟ .
خرجت ملك عن صمتها لما لاحظت تحديقها بها تغتصب بسمة صغيرة وهي تقول :
_ سكتي ليه ؟؟.
نظرت لها نعمه بحاجب مرفوع تقول بسخرية :
_ على أساس منتبهه أوي لكلامي .
أخفضت ملك عينيها عنها ، فأكملت هي وهي تتحرك لتجلس بجوارها :
_ بت حالك مش عاجبني في إيه ؟؟ بعدين أنا مش فاهمه لحد دلوقت مفيش حمل ليه ؟؟ فات سنه وشهور يا ملك وأنتِ ساكته ما تيجي نكشف ونطمن ، عارفه إن أحمد بيسافر كتير وأنتِ حالتك دي مش عاجباني دايما شاردة ورجعتي للحزن تاني .
ضغطة أخرى وستنفجر ملك بالبكاء ، هي بالفعل لمعت الدموع في عينيها ، لذا نهضت من حصار نعمه تقول وهي توليها ظهرها:
_ أبدًا مافيش حاجه أنا كويسه يا نعمه احنا كويسين ، أجلنا الخلفة فترة كدا وأنا اللي طلبت .
ونبرة صوتها الباكية لم تغب عن نعمه التي وقفت تمسك بكتفها وهي تديرها صوبها لتتسع عينيها بقوة وهي تقول:
_ أنتِ بتعيطي ؟؟ .
هنا ولم تتمالك ملك نفسها وانخرطت في بكاء مفزع ، ضمتها نعمه على الفور تجذب رأسها صوب صدرها ، وهي تسير بها لتجلس على الأريكة وملك فقط تخفي رأسها في حضنها ، وقبل أن تسألها نعمه غمغمت ملك بنبرة تتخللها السخرية بعد أن فاض كيلها فطوال السنة الماضية آثرت الصمت ولم ترد اشغال أحد معها ستتكفل هي بمشاكلها :
_ أنا خلاص مبقاش ورايا غير العياط يا نعمه أنا بموت ، والله العظيم أنا تعبت كتير ومش لاقيه الراحه خالص ، ده ذنب حسان أنا عارفه ، شوفتي المسخرة كان أحمد واقف بيني وبين حسان ودلوقت …
شهقت نعمه بقوة حينما فهمت ما تريد ملك قوله لتردف بغير تصديق:
_ أوعي تقوليها حسان واقف بينك وبين أحمد يعني ….يعني أنتِ كدبتي عليا يا ملك طول المدة دي ؟؟؟.
أومأت ملك بصمت ثم بدأت تقص عليها كل شيء :
_ آسفه يا نعمه بس مرضتش اقلقك عليا أنتِ وماما ، هو أصلا هيطلقني المفروض بعد عشر شهور من دلوقت ، حسان مش زي ما فكرنا إنه جمعني مع حبيبي لا ده حطني مع عذابي في مكان واحد ، وفرض شروطه بينتقم مني ومن أحمد ، طلب من أحمد يتجوزني لمدة سنتين بس وإنه يحرمني من حبيبي اللي هو سيادته ، وادي فات سنة وشهرين ، وأحمد مكنش يعرف إن أنا مراته ومكنش فاهم ليه حسان مُصر إنه يخليه يتجوزني بس فهم بعدين علشان يحرق قلوبنا ويعذبنا ، أجبره يوافق واخد منه وعد .
جلست نعمه على المقعد وهي تفتح عينيها على وسعها بصدمه لا تصدق ما سمعته منها ، وهي التي كانت سعيدة بانتهاء مأساة ملك وظنت بأن أحمد سيعوضها عن ما فاتهما :
_ مش قادره أصدق يا ملك وأنتم بجد هتنفصلوا بعد ما اتجمعتوا وبعد كل العذاب ده أكيد بتهزري؟؟؟ .
ابتسمت ملك بسخرية:
_ لا صدقي دي الحقيقه والله .
قالت نعمه وهي تمسك بيدها تضغط عليها:
_ وأنتِ إيه يجبرك تعملي كدا ؟ أصلا إيه الجواز ده اللي لمدة معينه ؟ إيه العك ده ؟ حرام يا بنتي ، أنا دارسة شريعة أزهر وده يعتبر جواز متعه وحرام ، كمان الوصية دي مش لازمه الوفاء يا ملك ، أنا فكرت أنه نفذها علشان يقرب منك .
شردت عيني ملك وهمست بصوت متعب :
_ إن كدا حسان هيسامحني علشان كدا وافقت أكمل ، والله ما بقتش فارقه أنا حياتي كلها بقت متلغبطه ، حرام أو غيره مبقتش تفرق أصلا هو لا بيقعد معايا ولا غيره على يدك أنا طول السنة عندكم لأنه مسافر ولو رجع هو في أوضة وأنا في أوضة ، لازمه بقى مش لازمه مفيش فرق ، بعدين ده حق حسان يا نعمه وأنا استاهل أكتر من كدا .
_ لا يا ملك كفايه ما تستاهليش العذاب ده كله ، آه غلطتي بس مش كدا ، مش بالطريقه دي وأحمد أحمد موافق على الكلام ده إزاي ؟؟.
ترقرقت الدموع في عينيها أكثر تبتسم بسمة موجوعه:
_ أحمد في أيده إيه يعني ؟ هو حاسس بالذنب تجاهه وشايف إن كدا حسان هيرتاح وأنا بتعلق بقشاية تخفف من ذنبي في حقه ، عندي اتعذب في الدنيا ولا إني أقف معاه قدام رب العالمين مذنبه وناشز ووقتها ميسامحنيش ، عذاب الآخرة أشد وأنا مستحملوش ، ده مات وهو مضايق مني ، وأنا ظلمته معايا بسكوتي من الأول كان لازم أقوله إني مش هقدر أسعده .
_ الحكاية اتعقدت أوي ، مش عارفه أقولك إيه بجد ؟.
ربتت ملك على يدها وهي تقول ببسمة صغيرة:
_ ما تقوليش حاجه ، أنا خلاص اقتنعت أنا وأحمد مش مكتوبلنا نبقى مع بعض ، هيفضل في قلبي عايش جوايا لحد ما أموت وده كفاية عليا ، المهم طمنيني عنك مجبتيش رزان ليه؟واحشاني الجزمة دي .
*******
بعد صلاة العصر …….
كانت مستلقية على الأريكة تغط في نومٍ عميق بعد ذهاب نعمه ، دمعاتها لا زالت حيه على كلا خديها ، وملامحها يكسوها الحزن الشديد ، وبين أحضانها تقبع دمية صغيرة ، أتى في تلك الأثناء أحمد وقبل دخوله إلى الشقة وقف يلتقط أنفاسه ، ينظر إلى ما بيده بترددٍ شديد ، كانت دمية شقراء رائعة ما إن وقعت عينيه عليها لم يبعدها عنها ، وهو يتخيل ملك تلعب بها كما في الأيام الخوالي ، راح بذاكرته لذكرى بعيده قريبة من القلب .
كانت ملك تجلس على تلك المصطبة الصغيرة تبكي بشدة على دميتها التي فقدت رأسها بينما تلعب ، وهناك خلف الجدران يقف أحمد يراقبها بحزن لدموعها ، مد يده يدخلها في جيبه يخرج محفظته يرى ما بها من مال ، تنهد بصوت مرتفع لا يمتلك الكثير ، وكان قد ادخر ذلك المال ليحضر بعض المستلزمات الدراسية فهو في سنته الثانية في المدرسة الإعدادية بينما ملك كانت في الصف الخامس الابتدائي .
ولكنه لا يستطيع تجاهل صوت بكائها لذا بدون تردد اتجه إلى محل لبيع تلك العرائس وقعت عينه على دمية جميلة تشبه ملك في براءتها ، دعى من قلبه أن يكون سعرها في قدرته ، ورغم أنها زادت القليل عما يمتلك إلا أن البائع كان ودودًا وأخذ منه المال ولم يطالبه بزيادة ، فرح أحمد بذلك وهرع من فوره لها ، كانت لا تزال تجلس مكانها ، أخذ عدة أنفاس عميقة ثم قال ببسمة واسعه وهو يجلس القرفصاء :
_ الحلوة بتعيط ليه ؟؟.
نظرت له ملك بملامح باكيه وهي تقول بينما تريه دميتها :
_ عروستي بقت من غير رأس.
_ دي شكلها مرعب أوي ، سيبيها من إيدك بسرعه .
غمغمت ملك بعينين باكيه:
_ هي بقت بتخوف بس أنا بحبها ، تدور معايا على رأسها يا أحمد ، هادي مرضيش وقالي إنه مش فاضي .
تبسم أحمد بلطف وأخرج ما خلف ظهره يقول:
_ وإن جبتلك واحدة زيها واحلى كمان ، هتفضلي تعيطي بردو ؟؟.
أخذتها من يده تحتضنها بسعادة غامرة وهي تقول:
_ مش هعيط ، دي جميلة أوي ، شكرا يا أحمد بس شكلها غاليه أوي.
داعب أحمد خديها يقول ببسمة صغيرة:
_ مفيش حاجه تغلى عليكِ .
عاد من تلك الذكرى يتنهد بحزن شديد ، كان كل مرة يراها تبكي يحضر لها هدية ليرى بسمتها والآن كيف يهديها وهو من يجعلها تبكي بالأساس ، زفر بحنق شديد وظل ينظر للدمية مطولًا وشعور بالضيق جثم على قلبه ، ما الذي يفعله الآن ؟؟ يعطيها أمل ثم يأخذه منها ؟؟
في أثناء صراعه مع ذاته تطرق إلى أذنه حديث جارتهم المنفعلة مع ابنتها الباكية ، بينما تصعد السلالم عبورًا إلى شقتهم المقابلة لشقة أحمد .
_ قولتلك لا يا مريم ، لسه باباك مبعتش الفلوس العبي باللي عندك ومتغلبنيش بقى .
صرخت الصغيرة بانزعاجٍ شديد وهي تجذب ذراع والدتها تردد بنبرة غاضبه:
_ مليش دعوه عاوزه واحده جديدة بتاعتي بقت قديمه وشكلها مش حلو .
ما إن وصلت جارته للدور الخاص بهم حيث يقف هو ، ابتسمت في وجهه وهي تلقي السلام وتسحب ابنتها معها ، رد أحمد السلام ثم أوقفها قائلًا :
_ استني يا أم مريم دقيقه بعد اذنك.
وقفت جارته تقول ببسمة صغيرة وفي عينيها تساؤل :
_ في حاجه يا باشا ؟؟؟
نظر أحمد للصغيرة التي تتلوى باكية يخرج الدمية الشقراء وهو يقول :
_ ممكن تسمحي لمريومه تاخدها ، أنا جبتها لبنت أختي بس هي مش هنا في السعودية وأنا نسيت.
فرحت مريم كثيرًا وكادت تذهب لأخذها ، لولا يد والدتها التي منعتها تقول ببسمة متكلفة وهي تشعر بالحرج أنه استمع لحديثها مع ابنتها :
_ لا لا مش هينفع …
رفع أحمد عنها الحرج يقول :
_ لا هينفع مريومه صديقتي وأنا بحبها مش كدا يا مريم مش أنا صاحبك الظابط .
أكدت الصغيرة مريم ببسمة واسعه وهي تفلت يد والدتها وتركض له تحتضنه ، و مع إصرار أحمد وافقت والدتها وهي تبتسم بإحراج ، بينما مريم لا تحفل بها وهي تحتضن دميتها الجديدة بسعادة كبيرة.
بعد ذهابهم دخل أحمد إلى شقته المظلمة بتعجب ، أين ذهبت ملك ؟؟ أسرع إلى الصالة الرئيسية يشعل الأضواء ليزفر براحه فور أن رآها تنام بعمق على الأريكة ، وضع مفاتيحه وسلاحه على الطاولة وتقدم منها ورغمًا عنه لم يستطع منع ابتسامته من الظهور ، كم تمنى ذلك أن تكون ملك بقربه وتسكن في منزله ، صحيح ليست معه ولكن يكفيه وجودها من حوله تتنفس نفس الهواء الذي يتنفسه .
تقدم منها أكثر حتى جلس أمامها على الأرض وهنا وقعت عينه على ما تحتضن بين يديها ، توسعت ابتسامته أكثر ، يا الله هو يعرف تلك الدمية ألا زالت تحتفظ بها ؟؟ .
رقت نظرات عينيه وهو ينظر لها بعينين يملأهما الحب ، رفع يده ليبعد تلك الخصل عن عينيها ولكن بقت يده معلقة في الهواء يقبض عليها بحزن شديد ، أدار وجهه عنها وهو يتنفس الهواء بهم لا يجب عليه إظهار مشاعره تجاهها ، عليه وئد تلك الأحلام والإلتزام بالوصية ، تململت هي في نومها وهي تتقلب بغير راحه ولم تشعر بذاتها وهي تسقط من على الأريكة لتستقر رأسها على قدميه تصرخ بخوف شديد .
انتفض أحمد في موضعه على صوت صراخها ثم تمالك نفسه وقال وهو يمسك بكتفيها :
_ اهدي يا ملك متخافيش ، أنتِ كويسه ؟؟.
والمسكينة ملك كانت تتنفس بعنف وهي تنهض من على قدميه تضع يدها على موضع قلبها الذي ينبض بقوة ، كانت تحلم بأنها معه بحرية ، ودون قيود وأنه سيأخذها في جولة على متن سفينة جميلة مجهزة للعشاق كما يقال ، مع عشاء رومانسي وسهرة لطيفة تبتعد معه بعيدًا عن كل الناس عن حسان والوصية وعن كل شيء ، فقط بضع ساعات تستطيع فيهم أن تتنفس وتعيش قبل أن يعيدوها لحياتها المريرة .
لم تشعر بنفسها وهي تنخرط في البكاء بقوة وهي تشعر بقلبها يقتلها ، الكتمان صعب وقاتل ، ما عادت تحتمل ، هي تعشقه لا تستطيع تخيل أن يكون معها أخيرًا ثم ببساطة يتركها ، تعيش معه للأبد ولن تتذمر أو تشتكي فقط يظل معها وبقربها ذلك يكفيها .
تفاجأ أحمد ببكائها الحاد ولم يدري ما يفعل ، أيضمها إلى صدره يطمئنها بأنه معها ولن يتركها مرة أخرى ؟ أم يدعها تبكي لأنه ليس في استطاعته أن يفعل لها شيء ؟؟ أم يجلس معها يشاركها البكاء لأنه يشعر بما تشعر به ولا يتخيل أنه يتركها بعد كل ذلك ؟.
أخفت ملك وجهها بكلا يديها وهي تبكي بانفطارٍ ، ولسان حالها يتمنى لو يضمها إلى حضنه يخبرها بأنه لن يتركها مهما حدث ، وبأنه سيأتي يوم يجمعهما قلبًا وقالبًا أن تنتهي تلك المحنة ، ويمسكان بأيدي بعضهما ولما طال الصمت الذي لا يقطعه سوى بكائها ، تمنت أن يناديها فقط وهي من ستبادر بالذهاب إلى موطنها ، الذي حرمت منه بغير إرادتها ، أخذوه منها قسرًا قبل أن تفرح بوجودها به ، كم اشتاقت لأن يضمها للحظات فقط حتى وإن ابتعد عنها بعدها لتذكره تلك الوصية.
بتردد رفع أحمد يده يضعها على كتفها وهو يهمس بوجع ظاهر في نبرة صوته:
_ ملك .
وتلك الهمسة الخافتة كانت كافيه بالنسبة لها ، لذا رفعت عيونها تنظر له بدموع وحزن وحب كبير ، نظرة جعلته من دون تفكير يسحبها إلى داخل صدره راميًا بأي شيء وراء ظهره ، لتطلق هي شهقاتها بقوة وهي تتشبث به بكلا يديها تضمه بقوه ، وبالمقابل شدد هو من احتضانها وهو يهمس بصوت مختنق بالدموع:
_ آسف سامحيني ، أيديا مربطين يا ملك .
فقط قال ذلك ثم ابتعد عنها ، اتجه إلى غرفته يغلق الباب خلفه يبكي بحرقة وهو يعض على يديه ، كي لا يصلها صوت بكائه نظر إلى طاولة الزينة وحطم كل ما طالته يده حتى جرح يديه وجلس أرضًا يتنفس بقوة .
وخارج الغرفة كانت ملك تحتضن نفسها بيديها تبكي على حالها ، كان بين يديها قبل ثواني ، ثواني فقط كانت تملك الدنيا بين يديها ، انتفضت من مكانها بهلع على تلك الأصوات ، هرعت إلى غرفته ومن دون تردد فتحت الباب لتقع عينيها على تلك الفوضى لقد حطم الغرفة بأكملها ، برقت عينيها بالدموع ووضعت يدها على فمها بصدمه وهي ترى يديه النازفة وهناك قطعة زجاج ليست بصغيرة في باطن كفه .
جلست ملك أمامه وما كادت تمسك بيده حتى ابتعد هو عنها متراجعًا للخلف يقول بضيق شديد وهو بلا مبالاة يسحب الزجاجة من يده :
_ ابعدي عني إياك تقربي تاني فاهمه قولتلك ده مش جواز حقيقي افهمي بقى ، أنا وأنتِ لا يمكن يجمعنا أي شيء ، فوقي بقى أنا مش هخون حسان وهنفذله رغبته رغم إنها بتكويني بس مش في أيدي حاجه أنا عاجز .
صرخت ملك بالمقابل في وجهه :
_ كفايه بقى هنفضل نتعذب كدا لايمتى ؟؟ انطق ؟؟ حرام والله حرام اللي بتعمله ده ، قلبي مبقاش متحمل نفسي احضنك من غير ما تبعدني ، نفسي ننسى كل ده وتفضل جنبي ، بقالنا سنة وزيادة واحنا بنتعذب مش كفايه بقى ، نار صاحبك اكيد بردت ، حرام أنت تعبتني تعبتني والله لو حسان عايش لكان قال كفايه ، سيبنا نعيش يا أحمد .
ابتسم هو بسمة مقهورة وهو ينظر بعينيها:
_ أنتِ فاكره الوضع ده عاجبني أنا نفسي أكتر منك بس أيدي متربطه يا ملك ، مش قادر حسان مش بيروح من بالي وكل مرة ضعفت فيها بشوفه في أحلامي جاي يعاتبني ، إني بقرب من مراته .
طالعته ملك بعينين يملأهما الضيق وهي تقول ببسمة متهكمه :
_ أنا مش مراته ، فوق بقى أنا مراتك أنت كفاية وقف العذاب ده .
_ النار جوايا قايده يا ملك ومش بتنطفي قلبي من زمان وهو جواه نار ، وبتعذب في صمت ما أنا مش قادر انطق ، كنت متخلف في أفكاري وضيعتك ، ولما فوقت من غباءي كنتي اتجوزتي ومع ذلك منستكيش كنتي دايما في قلبي وعقلي وما زلتي .
اقتربت منه ملك وأمسكت بوجهه بين يديها تمسح دموعه برفق وهي تقول ببسمة :
_ وكفايه علينا كدا ، اسأل شيخ أعمل أي حاجه وخلينا مع بعض أرجوك يا أحمد قلبي مبقاش متحمل.
أمسك أحمد بيديها اللتين تحاوطان وجهه وقال وهو يتنهد بصوت مرتفع:
_ مش عارف سامحيني ، حسان هيفضل بيناتنا دايمًا ، مات مقهور منك ومني حتى لو أنقذني بس أنا شوفت آخر أيامه كان تعيس ومهموم ، حكالي كل حاجه قبل ما نسافر لغزة وازاي كسرتي بفرحته ؟؟ وكل ده عايزانا ننساه ونكمل عادي صعب افهميني ، أنا مديون ليه بكتير انقذني من الهلاك مرتين ، لما سمعت إنك اتجوزتي وقتها ضعفت وفكرت أموت نفسي مش لوحدك كنتي بتتعذبي عارف انا السبب في كل ده بس خلاص اللوم والعتاب مش هايرجع حاجه ، وقتها هو انقذني وبعدها فداني بروحه .
بكت ملك بقوة تضع يدها على موضع قلبه وهي تهمس :
_ أنا مقدره كل ده وعارفه إنه صعب ، بس بيقتلك دلوقت ….
أمسك أحمد بيدها التي تضعها على صدره :
_ مش فارقه أنا ميت من زمان ومش قادر افهميني يا ملك ، حسان هيفضل بيناتنا وذنبه في رقبتنا.
سحبت ملك يديها منه تقول وهي تبتسم بحرقة ودموعها تسقط بقوة:
_ وذنبنا إحنا في رقبة مين ؟؟ رد عليا ذنب عذابي وتعبي ، أنت تعرف إني بقيت مريضة قلب وبتاجيلي نوبات مش بس قلبي تعبان من الحب لا تعبان من المرض كمان مش كفايه عليا كدا ؟؟.
احتلت الصدمه معالم وجهه وحدق بها بخوف شديد وهو لا يصدق إلى ما أوصلها:
_ إيه ؟؟.
بكت ملك بنحيب وهي تتذكر تلك الأيام:
_ جاتلي أول نوبة لما كل بقى عمال يلومني ويضغط عليا وحبك في قلبي متملكني لا قادره أنساك ولا عارفه أعيش مع حسان ومن وجعي منك إنك خذلتني كل ده أثر عليا ، بعد سفر حسان بأسبوع أصلا قبل وفاته كنت في المستشفى بصارع الموت ، قلبي وقف كذا مرة وقولت النهاية بس كنت بتاجيني تترجاني أكمل واعافر ، ودلوقت هتتخلى عني هعيش لمين أنا ، أنا قلبي اتحرق ونفسي ارتاح على صدرك وانسى كل حاجه ، عارف إنه صعب بس بتمنى ياجي يوم ونرتاح بس شويه .
ختمت حديثها ثم نظرت ليده التي تنزف بغزارة وأمسكت بها جعلته يجلس على الفراش وذهبت لتحضر له علبة الإسعافات الأولية ، بينما أحمد يجلس مصدومًا فقط يراقبها بعيون غمرتها الدموع ، تغيرت ملك كثيرًا و ماتت ابتسامتها اختفت الحيوية من وجهها ، والآن هي مريضة أيضًا ، إلى متى سيبقون يتعذبون بصمت ؟؟ أما آن لذلك الجرح أن يلتئم ؟؟.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الصمت المعذب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى