رواية الشيطان شاهين الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم ياسمين عزيز
رواية الشيطان شاهين البارت الحادي والأربعون
رواية الشيطان شاهين الجزء الحادي والأربعون
رواية الشيطان شاهين الحلقة الحادية والأربعون
في إحدى النوادي الراقية تجلس زوجة خيرت الشناوى والد عمر… فريدة هانم مع إحدى صديقاتها
اللواتي يشتركن في نفس الصفات….التكبر و
التعالي عن بقية الناس و لايهتممن سوى
بمكانتهن في المجتمع…..
فريدة بملل و هي تتفحص ساعتها الفاخرة
ذات الماركة العالمية:”يوه يا شيري الساعة بقت
عشرة الصبح و فيفي و نبيلة لسه مجوش
لحد دلوقتي بصراحة انا زهقت أوي من
القعدة هنا”.
أجابتها الأخرى بنبرة متعالية :” نبيلة أكيد
زمانها في الطريق ما إنت عارفاها دايما بتيجي
متأخرة…و فيفي زمانها وصلت إسكندرية
عند إبنها….الدكتور عادل…..
أرجعت فريدة خصلات شعرها الأصفر
وراء أذنها بحركة عفوية تزامنا مع قولها
:”و ليه تروحله…. ماهو دايما هو اللي
بيجي هنا هو و مراته”.
تصنعت شيري إبتسامة متملقة قبل أن
تهتف :”راحت عشان تشوف حفيدها….
اصل مرات عادل إمبارح ولدت و جابت
ولد…..
إنحنت لتأخذ كوب عصيرها لتترشفه
و هي تكمل بنبرة متكبرة و كأن من
ولد هو حفيدها :” عقبال مانشوف
أحفادك إنت كمان يا فريدة….
زمت فريدة شفتيها بضيق وهي
تشيح بوجهها للجهة الأخرى مدعية
عدم الاهتمام :” أنا عندي جاسر و لجين
و إلا ناسياهم يا شيري…..
شيري بابتسامة خبيثة :”أقصد أحفادك
ولاد عمر…أصلي مستغربة يعني
عنده ثلاث سنين متجوز و لحد دلوقتي
مخلفش….
شهقت في آخر كلامها مدعية الأسف
لتكمل بنبرة كاذبة :”اااوه سوري يا فريدة
متأخذينيش يا حبيبتي انا مش قصدي
بس…
قاطعتها الأخرى إشارة من يدها قائلة
:”مفيش داعي للأسف انا فاهمة قصدك
كويس بس إنت أكيد عارفة إن مراته
هي اللي مبتخلفش… و هو عشان إبن
أصول لسه صابر عليها و مش عاوز
يحسسها بالنقص….. و إن شاء الله
ربنا يعوض صبره خير و يرزقه بالذرية
الصالحة قريب”.
قلبت الأخرى عينيها من لهجتها الجافة
التي تتميز بها فريدة لتجيبها :” آمين…
عمر شاب كويس و يستاهل كل خير…. أهي
نبيلة جات الحمد لله….
أشارت لصديقتها من بعيد تحييها و هي تحمد
ربها أنها نجت من لسان فريدة السليط
رغم أنها هي من بدأ باستفزازها…..
أما فريدة فقد إرغمت نفسها على الابتسام
و تصنع الفرحة برؤية صديقتها الأخرى
و تجاوز ما حدث لكن في داخلها تشعر أن
نارا عارمة تشتعل داخلها لتمضي بقية
الجلسة و هي تتقلب على الجمر….
لتقود سيارتها بعد إن إنتهت جلستها الصباحية
المعتادة مع صديقاتها تجاذبن خلالها مختلف
أطراف الحديث حول عدة مواضيع… تافهة..
وصلت إلى المبنى الرئيسي لشركات الألفي
لتدلف بكل غرور و تكبر دون أن تلقي
التحية على أحد…. إستقلت المصعد
الخاص بالمدراء ليصعد بها نحو الطابق
الاخير الذي يوجد به مكتب إبنها عمر…
دلفت بخطواتها الواثقة و هيأتها الأنيقة
التي لا تعكس عمرها الحقيقي بل من يراها
يقول أنها سيدة في مقتبل العمر بشعرها
الأصفر و وجها الذي تملأه مساحيق
التجميل….. ملابسها الباهضة و حذائها ذو
الكعب العالي الذي زادها طولا.
طرقت الباب بطريقة مهذبة قبل أن
تدلف للداخل لتجد عمر كعادته منكبا
على حاسوبه المحمول و أمامه عدة
ملفات أخرى…
رفع رأسه لتتهلل اساريره عندما وجد
والدته أمامه فبالرغم من إختلافه معها
بشأن زواجه إلا أنه مازال يحبها و يفرح
كثيرا لرؤيتها….إلتف من وراء مكتبه متجها
نحوها بيدين مفتوحتين لمعانقتها لكن
فريدة هانم تجاهلته و هي تجلس على
الاريكة تاركة عمر ينظر نحوها بصدمة….
تنهد بصوت مسموع قبل أن ينمحي الابتسامة
من علي شفتيه ليقول و هو يتجه نحو الكرسي
المفرد ليجلس عليه :”و أهلا يا أمي….منوراني
بزيارتك السعيدة دي”.
زمت فريدة شفتيها بضيق و هي تنظر نحوه
باستهزاء قائلة :”عشان كده بقالك أسبوع
لا بتيجي و لا بتقول عندي عيلة أسأل
عليها… الظاهر إن الهانم تأثيرها جامد اوي
عليك….لدرجة إنها مخلياك مش فاكر أهلك”.
تنحنح عمر و هو يدعك رقبته المتشنجة
بسبب جلوسه وراء المكتب منذ الصباح
الباكر :”متزعليش مني اصلي كنت مشغول
جدا الايام إلى فاتت عشان عندنا شغل
كثير… يادوب أروح أنام على طول…
بس إن شاء الله حبقى آجي أتغدى عندكم
يوم الجمعة “.
اصدرت فريدة صوتا من بين شفتيها
يدل على عدم رضاها قبل أن تهتف
بسخرية :”لا كثر خيرك يا حبيبي
و يا ترى حتيجي وحدك و إلا حتجيب ست
الحسن و الجمال معاك…أمال هي فين أنا
لما دخلت ملقيتهاش في مكتبها يعني “.
أجابها عمر بحذر و قد علم أن وراء مجيئها
حكاية ما :”تلاقيها عند كاميليا مرات شاهين
أصلها لسه جديدة في الشغل و أحيانا
هبة بتروح عشان تفهمها الحاجات اللي
مش عارفاها… لو عايزاها حبقى
أكلمهالك تيجي “.
فريدة بتكبر :” و أنا حعوز منها إيه يعني
و هي حتة عيل مش قادرة تجيبه… الدكتور
عادل إبن صاحبتي فايزة الشريف متجوز
بقاله سنة و إمبارح مراته جابت ولد مشاء
الله زي القمر انا صورتي بقت وحشة
اوي قدامهم و هما بيسألوني إمتى حنفرح
بأولاد عمر….
قاطعها بصرامة بعد أن فهم ما تنوي إليه
هذا ليس غريبا على والدته فهي في كل
مناسبة لا تتوانى عن قول ما تريده دون
الاهتمام بالآخرين ما يهمها فقط هو مكانتها
الاجتماعة أمام صديقاتها…
:”بصي يا ماما أنا بجد تعبت و زهقت
و انا بعيد نفس الكلام في كل مرة…
انا بحب مراتي و ميهمنيش كلام الناس
اللي حضرتك عاملاله حساب و هما مين
اصلا عشان يفرحولنا انا أخلف او مخلفش
هما مالهم دول ناس منافقين و آخر همي
رأيهم و بتأسف جدا لما الاقي شخص
راقي و مثقف زيك مخه مليان بحاجات
تافهة و ملهاش قيمة زي دي….
لو عاوزة تتكلمي في اي حاجة ثانية
فأهلا و سهلا و لو مش عاوزة أرجوكي
بلاش تزيدي عليا و إرحميني…انا تعبان
من الشغل و مش ناقص….
وقف من مكانه محاولا إنهاء الحديث بأسلوب
لين لكن فريدة كان لها رأي آخر فغضبها
تضاعف بسبب فشلها مرة أخرى في
جعله يطيع كلامها لتهب من مكانها تصرخ
بغضب :”إنت لحد إمتى حتفضل كده كل
أما آجي أكلمك تقلي بحب مراتي…. داه
إيه التخلف اللي إنت فيه داه… مراتك
مين ها… مش كفاية إنك جايبها من الشارع
مش عارفينلها اصل و لا فصل و تجوزتها
غصب عننا كلنا…. خلتك تخسر عيلتك
عشانها و في الاخر مقدرتش حتى
تفرحك بحتة عيل يشيل إسمك….
مسح عمر وجهه بارهاق وهو ينظر نحوها
بخيبة أمل رغم تعوده على أسلوبها الجاف
في الحوار قائلا بعد أن رسم ملامح اللامبالاة
على وجهه :”أنا حافظ الاسطوانة المشروخة دي
اصلي لاسف من اول شهرين جواز و انا كل أسبوع بسمعها مرة و أحيانا مرتين ثلاثة…و لو
على العيلة فكلهم قابلين هبة و بيحبوها
بابا و إخواتي مكانش عندهم اي إعتراض
عليها إنت بس اللي مش متقبلاها عشان عقلية
الطبقات و الباشوات اللي لسه معششة
في دماغك…من الاخر إنت عاوزة إيه
ياست ماما “.
جلس على كرسيه محاولا العودة
لعمله متجاهلا توتره و ضيقه من كلامها
ليرفع عينيه نحوها ناظرا إليها بصدمة عندما
قالت له بلهجة آمرة :” تطلقها و انا بنفسي
حجوزك واحدة تليق بيك و من مستوانا
كفاية رمرمة…..
صرخ عمر بصوت عال بعد أن ضاق
ذرعا من تصرفاتها و جنونها :” ماما… لو
سمحتي داه مكان شغل مينفعش نتكلم
في حاجات خاصة هنا.. في ناس كثير
هنا و ميصحش حد يعرف أسرارنا….
حملت فريدة حقيبتها متجهة نحو الباب
قائلة :” و هو في حد ليه معرفش بحكايتك
فتحت الباب لتجد هبة تجلس وراء مكتبها
رأتها لتقف و تلقي عليها التحية بأدب
لكن فريدة نظرت إليها باشمئزاز من فوق
إلى أسفل قبل أن تشير باصبعها نحوها
ملتفتة لعمر الذي وقف من مكانه
إستعدادا لأي مشكلة :” اهي شرفت الهانم
أنا مش عارفة إيه اللي عجبك فيها
دي….على الاقل مرات شاهين حلوة
و شبه الأجانب و مخلفة بدل العيل
إثنين إنما دي….
نفخ عمر الهواء بقوة و هو يشعر
أنه سينفجر في اي لحظة خاصة بعد
أن لمح دموع هبة التي حاولت إخفائها
عنه لكنها فشلت ليقول :”ماما لو سمحتي
مافيش داعي للكلام داه… هبة عندي بالدنيا
كلها و ميهمنيش رأي حد حتى لو رأيك… أنا
حوصلك لباب المكتب… الساعة داخلة على
واحدة زمانه بابا و إخواتي مستنيينك
على الغدا…..
أحاط كتفيها بذراعه ليرغمها بلطف على
المشي بجانبه و يوصلها نحو باب المصعد
لتلتفت نحوه فريدة مرة أخيرة قبل أن
تدلف و تهتف بوعيد :”مش حسيبك
يا عمر و مش حرتاح غير لما أطردها برا
حياتك و عيليتنا خالص و يا أنا يا هي بنت منصور….
حرك عمر رأسه باستسلام و هو يودعها
باشارة من كفه قبل أن يغلق أمامه باب
المصعد…. تنهد لينفث كل تعبه و إرهاقه
و غضبه الذي تمكن منه رغم تصنعه
الهدوء إلا أن والدته في كل مرة تحدثه
فيها توقظ جميع آلامه و أحزانه التي
يحاول نسيانها… لاتعلم المجهود الذي
يبذله حتى لا ينفجر أمامها مخبرا إياها
بالحقيقة و أنه هو من يعاني مشاكل
في الإنجاب و ليس زوجته المسكينة
التي تضطر في كل مرة تحمل كلامها
السام بصمت….
رجع سريعا نحو المكتب ليطمئن على
هبة و التي رسمت على وجهها بتسامة
مزيفة على وجهها كعادتها حتى لا تشعره
بالذنب….
أشار لها بأن تتبعه لمكتبه….
دخلت هبة لتجده يجلس على الاريكة
ناكسا رأسه باحباط كمن يحمل هموم
الدنيا على كتفيه… رفع عينيه نحوها
يتأملها بعشق مفرط قبل أن يفتح ذراعيه
نحوها لتسارع هي بتلبية طلبه و تقف
مقابلا له ليدفن عمر وجهه داخل جسدها
كطفل صغير يختبئ داخل أحضان
والدته….
إبتسمت هبة على تصرفه فهذا مايفعله
عمر دائما عند إحساسه بالضيق…خللت
أصابعها داخل شعره ليهمهم عمر باستمتاع
قائلا :”مش عارف مين غيرك كنت حعمل إيه؟؟
حتفضلي مستحملة لغاية إمتى و انا واقف
كده بتفرج عليكي و مش عارف أعمل حاجة
أنا نفسي افرحك و اعوضك على صبرك معايا
بس للاسف انا”.
أجابته هبة و هي لاتنكر تضايقها الشديد
من كلام والدته لكن حبها لعمر يجعلها
تتحمل و تتناسى رغم تأثير كلامها على
نفسيتها لكن ما باليد حيلة كما يقال
فلو كانت غيرها لما سكتت هبة و لكانت
اوقفتها عند حدها….
:” معلش يا حبيبي دي بردو مامتك و إنت
عارفها كويس بلاش تزعل نفسك انا
مصدقت إنك بقيت كويس بعد آخر زيارة
للدكتور “.
جذبها عمر برقة لتجلس بجانبه
على الاريكة ليقبل كلتا يديها هاتفا
بحسم :”انا حعدي عليهم المساء بعد
الشغل و حبقى أفهمهم الحكاية خلي الكل
يعرف إن ملكيش ذنب و إن إنت اللي متحملاني
و صابرة عليا بالرغم من أنا… .
توسعت عينا هبة بفزع لتقاطعه هاتفة برجاء
:” إوعى تعمل كده يا عمر عشان خاطري
بقالنا سنتين محتفظين بالسر داه و محدش
يعرف عننا حاجة غير كاميليا و شاهين بيه….
ارجوك خلينا كده أحسن انا مش حستحمل
إن أي حد يقول عليك كلمة وحشة اوو….
قاطعها هو الاخر :” داه بردو نفس إحساسي لما
حد يتكلم عليكي زي ماما من شوية
أنا كنت ماسك إيدي بالعافية عشان مقلهاش
الحقيقة…. صدقيني انا بتألم أكثر لما بشوفك
كده مظلومة و انا واقف متكتف مش عارف أعملك
حاجة… هبة إنت مراتي يعني من واجبي إني
أحميكي…. كفاية إنك تحملتي كل السنين دي
علشاني…آن الأوان إني أتحمل عنك شوية…
هبة و هي تنفي برأسها :”لا يا عمر مفيش
داعي ارجوك مش عاوزة مشاكل…. و إن كان
عليا انا خلاص تعودت يعني…
عمر بنبرة متألمة :” مفيش حد بيتعود على الألم
يا بيبة….خلينا ننسى الموضوع داه و تعالي
أحضنييني جامد… انا محتاج حضك الدافي
عشان أهدأ…
لم يمهلها حتى تستوعب ماقاله ليجذبها
نحوه بعناق قوي عساه يخفف عنه بعضا
مما يشعر به…من ضعف و عجز عن حماية
حبيبته التي يحبها أكثر من نفسه يكفيها
ماتحملته في السابق من إهانات و كلام
جارح من أجله… تنفس عطرها بقوة و هو
يشعر بعودة الهدوء لجسده المتشنج
تدريجيا و قد عزم بداخله على إنهاء
معاناتها و قول الحقيقة…اغمض عينيه
بخزي لإحساسه بالجبن و الخوف من
مواجهة المجتمع و الناس ليقف متفرجا
على زوجته و هي تتعرض لابشع الاتهامات
التي من الممكن أن تتعرض لها أي إمرأة….
خاصة في مجتمع لايرحم كمجتمعنا الشرقي.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
في مكتب شاهين…..
تأففت كاميليا للمرة العاشرة منذ أن دخلت
للمكتب…. تكاد تنفجر من شدة الغيظ
من كتلة الجليد الذي يجلس وراء مكتبه
يدقق في الملفات المبعثرة أمامه و لا يعيرها
اي إهتمام….
:”شاهين لو سمحت أنا بكلمك…. ليه مش
بترد عليا”.
اجابها شاهين بنبرة متثاقلة دون أن يرفع عينيه
من علي الأوراق :” عاوزة إيه يا حبيبتي
معلش مكنتش مركز معاكي”.
نفخت وجنتيها بحنق لتضرب الأرض
بقدميها كما يفعل آسر ولدها عندما
يغضب قائلة :”على فكرة دي ثالث
مرة أسألك نفس السؤال و إنت مش
منتبه…انا رايحة مكتبي كفاية
ضيعت وقت على الفاضي هنا….
قلب شاهين عينيه نحوها قبل أن
يدير رأسه بحركة بطيئة بعد أن
إستوعب ماترمي إليه…راقبها
و هي تسير نحو الباب رافعة
رأسها بكبرياء ليخفي ضحكته متصنعا
الجدية لينبس بلهجة آمرة :”كاميليا
تعالي هنا…..
تسمرت مكانها و هي تسمع صوته
الجدي المرعب لتحاول تمالك نفسها
و التظاهر بالقوة أمامه… إستدارت نحوه
تخفي توترها لترتبك أكثر عندما رأته
يشير لها باصبعه أن تتقدم نحوه…
زفرت مدعية اللامبالاة لتسير باتجاهه
قبل أن تقف بعيدا عنه بخطوتين…
أشار لها مرة أخرى بأن تتقدم اكثر لكنها
ظلت واقفة مكانها قائلة بصوت جاف :”عاوز
إيه أنا ورايا شغل….
جاءها صوته الرجولي الخشن ليبعث
داخلها قشعريرة سرت بكامل جسدها
:” قربي…..
كم تمقت هذه الكلمة التي تذكرها بأيام
عذابها معه….
نفت برأسها و هي مازالت تقف مكانها
رافضة الحراك ليرمقها شاهين بنظرات
مستمتعة قبل أن يهتف بصوت جدي
:” طيب…إعملي حسابك بكرة حتقعدي
مكان غادة السكرتيرة….
قفزت كاميليا مكانها ناظرة إليه
بعدم تصديق لتهتف دون وعي
:” مستحيل…معناها انا مش جاية الشركة
بكرة انا اصلا بدور على حجة عشان
ابطل شغل….
شاهين بعيون محذرة اوقفتها عن إكمال
كلامها :” إتفضلي روحي لمكتبك دلوقتي “.
نظرت نحوه كمن تقول له هل أنت جاد
قبل أن تتحدث بنبرة لينة محاولة كسب
عطفه :” ماهو مينفعش أقعد مكانها انا
مابفهمش حاجة في السكرتارية دي…
و بعدين انا هنا مهندسة مش سكرتيرة
يعني….أنا آخر مرة مسكت مكانها بهدلت الدنيا….
هز شاهين حاحبيه بتعجب من تحولها
فهذه القصيرة ستصيبه يوما ما بالجنون
من تقلبها و تصرفاتها الطفولية التي يعشقها
ليقول مدعيا الحزم:” أنا المدير هنا و اظن إن ليا الحق أدير شركتي زي ما أنا عاوز…..داه أمر يا مدام كاميليا… إحنا مش في البيت….
أطرقت رأسها بقلة حيلة من غطرسته
التي لن تتغير لتهمس بطاعة و هي تتوعد
له بالانتقام داخلها :” حاضر يا فندم اللي
تشوفه “.
أكملت بخبث تعلمته على يديه مدعية
الحزن :”على فكرة حضرتك كل مرة تقلي
إني من حقي أعترض و اقول رأيي من دون
خوف بس انا لما أتجرأ و اتكلم بتعاقبني
زي ما كنت بتعمل زمان…يعني بتخليني أخاف
منك أكثر و أكثر……
صدم من إعترافها فهو كان فقط يريد أن
يمزح معها قليلا لا غير لكن كلماتها أصابت
نقطة ضعفه الا و هو ماضيه معها….
قبض على يديه بقوة حتى إبيضت مفاصله
تزامنا مع إزدياد تنفسه لشدة غضبه
من نفسه ألا يكفي كلام محمد معه بالأمس
و الذي مازال كل كلمة ترن داخل رأسه
رغم إدعائه التجاهل بعد أن أقنع نفسه
بأنه ليس سوى ماض و إنتهى لتصدمه
هي الآن بعدم نسيانها رغم جميع محاولاته
لكسب رضائها مرة أخرى….
رفع عينيه نحوها ليجدها تتراجع إلى
الخوف مما زاد من غضبه ليجذبها نحوه
بخفة و يجلسها على قدميه معتصرا إياها
داخل أحضانه بتملك و هو يهمس لها محاولا
تهدئتها و إزاحة خوفها الذي نجحت في تصنعه
و تهدئة نفسه أيضا
:”أنا آسف حقك عليا انا و الله كنت بهزر
معاكي…. إللي إنت عاوزاه أنا حعمله المهم
تسامحيني…. انا مش حبطل أطلب منك
داه لغاية آخر يوم في عمري….
إبتسمت كامليا بمكر انثوي لايليق سوى
بها مخفية فخرها بنفسها فهي إستطاعت
بذلك إكتشاف نقطة ضعفه أخيرا و لن تتوانى
أبدا في إستخدامها لصالحها في كل مرة
حسب رغبتها رغم إحساسها البسيط
بالذنب بسبب خداعها له….
مسحت على ظهره بأناملها الصغيرة
قبل أن تهتف برقة محاولة التخفيف
عنه :”متزعلش نفسك انا قلتلك قبل
كده أنا مسامحاك انا مكنش قصدي
اضايقك….
إبتعد عنها ليحاوط وجهها الفاتن بكفيه
و نظرات عينيه لوحدها كفيلة بأن تحكي
مدى عشقه لها هاتفا بصدق :” يارتني كنت اقدر
ارجع الزمن لوراء عشان أصلح اللي عملته
زمان معاكي…مستعد ادفع عمري كله
عشان اشيل الخوف اللي زرعته بإيدي
جواكي…داعب خصلات شعرها و هو
يتفحص ملامحها بحنان مفرط قبل أن
يكمل :” أنا حديكي أجازة يومين تعملي
فيهم اللي إنت عاوزاه مع أولادك بس
بعدها حترجعي عشان مش حقدر على
بعدك طول اليوم و إنت عارفة داه”.
أدمعت عيناها من فرط تأثرها رغم أنها
هي من تسببت في حزنه…لتومئ له هامسة
بمزاح محاولة إخراجه من دوامة إحساسه
بالذنب التي لازال يعيش فيها منذ ثلاثة
سنوات و هذا يعتبر أكبر عقاب له…
:”أكيد وحشتهم الخضار المسلوقة اللي
بعملهالهم خصوصا فادي…..
قهقه على مزاحها بخفة ليزداد وسامة مما
جعل كاميليا تسرح قليلا متأملة ضحكته الساحرة
التي سلبت أنفاسها…..
إنتهى من ضحكه ليتحدث بصعوبة :” أنا نسيت
الحكاية دي….بتخيل شكلهم لما يعرفوا إنك حتقعدي
في البيت يومين… هو ليه الاولاد بتفرح لما
ماماتهم بتقعد في البيت إلا هما….
ضربته على كتفه هاتفة بحنق :” بطل تريقة
هما بس صغيرين و مش عارفين مصلحتهم….
شاهين بضحك :”ااه و مصلحتهم بقى
في الخضار المسلوقة…
كاميليا باصرار :”أيوا انا بختارلهم الاكل
الصحي عشان خايفة عليهم و كمان
بنظملهم وقتهم للعب و المذاكرة….
شاهين بتعجب :” دول أطفال يا حبيبتي
عمرهم سنتين و نص مذاكرة إيه بقى
اللي فارضاها عليهم….
كاميليا :” لازم يتعلموا حاجات كثير
زي يمسكوا القلم و يعرفوا الألوان و حاجات
كثيرة… ماهو فادي مشاء الله عمره سبع سنين بيعرف يتكلم ثلاث لغات كويس اوي… داه
غير إنه شاطر جدا في المدرسة”.
شاهين و هو يداعب أنفها برقة :”و
الفضل لحبيبة قلبي اللي بتعلمه كل حاجة
بنفسها…
كاميليا بابتسامة عذبة :”أنا عاوزة أولادي
الثلاثة دايما الأوائل و متميزين عن غيرهم
عشان هما أولاد شاهين الألفي…..
شاهين بنظرات فخر :” بحبك جدا و كل يوم
حبك بيتضاعف في قلبي أكثر…..
كاميليا بخبث و هي تلاحظ نظراته
المشتاقة لها…مدت أصابها لتداعب أزرار قميصه
الأولى قائلة بدلال :” حبيبي إنت على فكرة
نسيت تجاوبني…
شاهين بعدم تركيز :”اجاوب على إيه؟؟؟
كاميليا و هي تلوي شفتيها بحزن :” أنا
قلقانة على نور….مش عارفة إيه اللي حصل معاها
خايفة أكلم ماما أسألها ألاقيها متضايقة”.
شاهين و هو يقبل وجنتيها عدة قبلات
خفيفة :”متقلقيش الأمور كويسة بينها
و بين محمد…. هو قلي… إنهم إتفقوا….
يدوا… لبعض فرصة.. ثانية…
إبتعدت عنه صارخة بلهفة :”بجد… إنت
عرفت إزاي”.
تنهد شاهين بغيظ لابتعادها عنه ليجيبها
بضيق :”حبيبتي… انا قلتلك محمد هو اللي
قالي إمبارح….إطمني نور كويسة و المشكلة
إتحلت… هو إنت حاطة روج؟؟
نظرت له ببلاهة و كأنها تراه برأسيه
قائلة :” تؤ… روج إيه؟؟؟
قرب وجهها نحوه متمعنا في شفتيها
ذات اللون الوردي الطبيعي مدعيا
إستغرابه رغم معرفته بأن ذلك لونهما
الحقيقي كحجة لتقبيلها بما أنها ترواغهه
بذكاء لن يكتشفه سوى شاهين الألفي
قائلا باهتمام :” روج الشفايف داه
اصل مرات عمر كل أما تيجي مكتبك
بتجبلك معاها روج…
وضعت كاميليا يدها على أصبعه الذي كان
يتحسس شفتيها محاولة إبعاده عنها قائلة
بتذمر :” و الله ما أنا حاطة حاجة….
شاهين بعدم إقتناع :”سيبيني أتأكد بنفسي….
كاميليا محاولة الوقوف :”على فكرة إحنا
في المكتب…ميصحش كده….
شاهين بعدم خجل :” و فيها إيه يعني هي
اول مرة….
كاميليا و هي تقاطعه:”بطل بقى…. انا عاوزة
اروح مكتبي”.
ضغط شاهين على خصرها ليثبها مكانها
قائلا بتصميم :” مش قبل ما أتأكد من الروج…
كاميليا يضحك :” طيب موافقة بس تديني
ثلاثة أيام أجازة”.
شاهين بتعجب :”ممم تقدم ملحوظ بقيتي
بتعرفي تاخذي حقك مني بسهولة تامة… طيب
انا موافق بس في المقابل مش عاوزك
تغصبي الاولاد ياكلو الأكل الصحي بتاعك….
كاميليا بدلال و هي تشير باصابعها الاربعة
:” تؤ… كده يبقوا أربعة أيام….كل حاجة مقابل يوم أجازة… داه شرطي”.
شاهين بضحك :” بقى كده…طيب إيه رأيك نعقد
صفقة مقابل أسبوع إجازة….
كاميليا مدعية التفكير :” موافقة إتفضل…..
إبتسم الاخر بخبث قبل أن يهمس في أذنها
عدة كلمات لتشهق كاميليا صارخة بحنق :”
قليل الادب…. سيبني انا رايحة لمكتبي….
و انا راضية بيومين الاجازة اللي إنت إدتهملي
في الأول…..
أجابها شاهين :”طيب إهدي خلينا نتفق…..
دفعته ليرتخي على الكرسي بسبب ضحكه
لتستغل هي الفرصة و تبتعد هاربة من بين
أحضانه و تغادر المكتب بوجنتين متوردتين
من شدة الخجل….
تبدلت ملامح شاهين الضاحكة حالما أغلقت
الباب متخيلا هروبها من حياته بهذا
الشكل…
أظلمت عيناه و تجهمت ملامحه بشدة
بعد أن تذكر حواره البارحة مع محمد
بدأ شعور الغضب ينهش جسده تدريجيا
تزامنا مع صوت أنفاسه المتصاعدة بحدة
حتى أصبح مظهره مخيفا كوحش
مستعد للانقاض على فريسته…. لكن كل
هذا الغضب لم يكن موجها سوى لنفسه
أغمض عينيه ليتراءى له وجه محمد
الذي يتهمه دون رحمة في تدهور نفسية
نور بسبب تأثرها لما حصل لاختها….
كاميليا حبيبته…
تمتم بداخله و هو يشعر بدمائه تغلي
:”مش حترتاح يا شاهين مهما عملت”.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
على الساعة الحادية عشرة ليلا في غرفة
أيهم…..
فتحت ليليان عينيها لشعورها بالعطش…لتجد
أيهم مستيقظا و هيئته تدل على عدم نومه…
كان مستندا على ذراعه و يتأملها و هي نائمة
إبتسم بسعادة لرؤيتها تفتح عينيها قبل
أن يلتفت وراءه ليحضر كوب الماء الموضوع
فوق الطاولة الصغيرة بجانب السرير… أزاح
الغطاء و هو يمده نحو شفتيها لترتشف
ليليان منه حتى إكتفت ليرجعه مكانه
ثم يعود لنفس وضعيته السابقة قائلا:”لسه
بتصحي في الليل عشان تشربي….
ليليان بابتسامة مقتضبة و صوت مغلف
باثار النوم :” أيوا…بعطش في الليل….بس
إنت ليه صاحي لحد دلوقتي “.
رتب الغطاء حولها بعناية قائلا بحنو :”
خايف أنام و أصحى الاقي نفسي كنت
في حلم…خليني كده أحسن…
ليليان بابتسامة خفيفة :” طيب حتفضل
صاحي لحد إمتى… متنساش بكرة وراك شغل
كثير…..
أيهم و هو يبعد خصلات شعرها عن وجهها
:” كل حاجة بتكون سهلة معاكي…يلا نامي
و إرتاحي متشغليش بالك بيا صدقيني
أنا حاسس إني في الجنة دلوقتي.. كفاية
إنك نايمة جمبي….
أومأت له ليليان لتغمض عينيها متمتمة
بصوت منخفض :” طيب لو حسيت إنك
عاوز تنام…متقاومش إنت محتاج
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الشيطان شاهين)