رواية الشبيهة الفصل الرابع 4 بقلم لبنى دراز
رواية الشبيهة الجزء الرابع
رواية الشبيهة البارت الرابع
رواية الشبيهة الحلقة الرابعة
العودة الى بيت رزان
عادت رزان إلى بيتها بعد إنتهاء التحقيقات و سماح الطبيب لها الرحيل من المستشفى، حبست نفسها داخل الغرفة منكمشة فى أحدى الزوايا على ذلك الفراش الارضى، لا تتحدث مع أحد و لا ترغب فى رؤية أحد، أصبحت الدموع صديقتها الصدوقة لا تتركها أبداً، كلما نظر إليها أبيها لعن عجزه وفقره الذى جعله يتركها تعمل خادمة، أصبح الصمت سيد البيت لا أحد يتحدث به، فقط ينظرون الى بعضهم البعض بنظرات ألم و قهر على ما وصلوا إليه، وكلا من سيد و رقية و رازن يدور بذهنهم ماذا يفعل فيما هو أتٍ، فأن سيد يبكى ندماً على ما فعله فلذة كبده حسن بفلذة كبده رزان، واما رقية حائرة على من تحزن أكثر فالجانى و المجنى عليها الاثنان ابنائها، بينما تفكر رزان كيف تسترد حقها من ذلك المجرم .
فجأة كسر حاجز الصمت عدة طرقات على باب المنزل نهضت رقية بفتح الباب لترى أمامها سيدة وقورة تسأل عن أبنتها، سألتها رقية عن هويتها لكنها تحايلت على السؤال بلباقة، وأخبرتها انها تريد مقابلة رزان لأمر هام، لأنها تعلم جيدا إن علمت رقية بهويتها الحقيقية سوف ترفض دخولها الى بيتها بل ستغضب عليها كثيرا، دخلت راجية بعد ان سمحت لها رقية و افسحت لها الطريق الى الداخل لترى حالة لم تكن تتوقعها مهما خُيّل إليها، رأت أباً مكلوماً يبكى قهراً، وأم ليس بيدها حيلة سوى البكاء هى الأخرى على ما آل اليه حالهم و زاد الأمر سوءًا عندما رأت رزان و هى عاكفة على حالها مشتتة باكية فاقدة شغف الحياة، وعندما أبصرتها حتى دبت فى نفسها مشاعر الشفقة و هى لا تعلم ماذا تفعل لهذه الفتاة فهى ضحية ولدها الذى أمات ضميره و قضى عليها، أقتربت منها بأسى تسألها عن حالها و هى أعلم به
“ازيك يا رزان، عاملة ايه؟”
نظرت إليها رزان بأعين باكية ولم تهتم بمن تكون هذه السيدة، قائلة
” الحمدلله على كل حال ”
” أنا جاية أطمن عليكي، و أساعدك تاخدي حقك من اللى أذاكِ ”
” حضرتك تعرفيني؟”
“لا، أنا اول مرة أشوفك بس سمعت عنك كتير، و تعبت لغاية ما وصلت لك ”
تدخلت رقية فى الحديث وأقتربت من راجية بعد تقديم الضيافة لها وقالت
“ما تأخذنيش يا هانم، لما حضرتك ما تعرفيش رزان وأول مرة تشوفيها هتساعديها أزاى تاخد حقها؟”
“مش لازم تعرفي ازاى، المهم أنها هتاخده و قريب أوى كمان، و مش بس كدا، بنتك هيترد لها كرامتها و ترجع ترفع راسها قصاد الناس”
أردفت رزان و عيناها غائرتين فى الحزن تترقرق الدموع منها
” أرفع راسي قصاد الناس أزاى بعد اللى حصل يا هانم، انا اتدبحت و ماحدش سمى عليا”
” أنتِ ضحية يا رزان و الناس كلها عارفة كدا ”
رقية بقهر
” حتى لو الناس عارفة يا ست هانم، ألف لسان و لسان هيتكلم فى سيرتها من وراها، وألف عين وعين هتشمت فيها، ربنا ينتقم من اللى كان السبب، دمر بنتي و دمرنا معاها و هو عايش مبسوط، منه لله ”
صمتت راجية قليلا عندما أستمعت الى دعوة رقية بحرقة على أبنها، حزنت كثيرا و زادت ضربات قلبها، لكن لابد ان تأخذ رزان حقها، ثم قالت
“لا هتاخد حقها، و ندور على حل نخرس بيه كل الالسنة”
نهضت راجية من مجلسها لترحل عائدة الى منزلها، قد تملكها حزناً شديداً لما رأته فى بيت رزان، فقد كان مشهداً مؤثراً يثير اللوعة و الحسرة على هذه الاسرة المكلومة و أيضاً على حال أبنها الذى حتماً ستصيبه دعوة المظلوم وسيأخذ جزاؤه، جال بخاطرها أمرا ما و عقدت النية على تنفيذه .
فى اليوم التالى ذهب رؤوف الزيني و أبنته تالا الى بيت رزان كى يطمئن عليها و يساعدها فى أخذ حقها من ذلك المجهول ، لانه رجل ذو قوة ونفوذ و يستطيع ان يصل بنفوذه الى الجانى بكل سهولة، سألها عن ذلك المتعجرف يريد معرفة اى معلومة جديدة ترشده الى الجانى الحقيقى قائلا
” حاولى تفتكري أى حاجة يا رزان توصلني للحيوان ده، أى كلمة ممكن تكون دليل على إدانته ”
” صدقنى يا بيه ماعرفش أكتر من اللى قولته فى النيابة ”
” يعنى ما غلطش خالص و قال اى حاجة نعرف منها هو مين؟”
تحدثت و عيناها تذرفان الدمع، متألمة كسيرة القلب
” والله يا بيه ما قالش غير، مادام تالا الزيني برة مصر انتِ تبقي مين ”
أنتفخت أوداج رؤوف و تطاير الشرر من عينيه من شدة غضبه و تسلل الشك الى قلبه تجاه أمير السمري، فهو الشخص الوحيد الذي ثار غاضبا عندما رفض طلبه فى الزواج من أبنته، و قد قرر الأحتكام الى القضاء و رفع قضية بأسم رزان و هو من سيتكفل بأتعاب المحاماة و أخبر أبيها بذلك، أقتربت تالا من رازن وضمتها و هى مدمعة العين متأثرة بحالتها و ما رأتها عليه من فقر و مرض، تمنت تقديم يد المساعدة إليها، عرضت عليها عودتها إلى العمل مرة أخرى، كما عرضت عليها ان تنتقل هى و أسرتها للأقامة فى ملحق خاص بالڤيلا بدلا عن هذا المنزل، لكن رزان رفضت ما طلبته تالا وأردفت بحزن
” ماقدرش يا أنسة تالا أرجع الڤيلا تاني، سامحيني”
قالت تالا فى تأثر
” ليه بس يا رزان، أنتِ عارفة انى مستغناش عنك، و كمان ممكن الحيوان ده يتهجم عليكم و مافيش حد يحميكم”
“لو خرجت من البيت عيون الناس هتقتلني، ولو مشيت و سيبت الحارة
الناس هتصدق فيا اللى بيقولوه عني”
عقب رؤوف
” ماحدش يقدر يتكلم عنك كلمة واحدة يا رزان، اللى عارفك كويس و عارف أخلاقك هيبقى متأكد انك ضحية ”
“بس أحنا يا بيه فى زمن بيسيبوا الجانى يعيش حياته، و بيدبحوا فى الضحية ويسلخوها، و انا زى ما حضرتك شايف حالى، فقيرة و ماحدش هيرحمني، هيقولوا الخدامة اللى رمت بلاها على البيه علشان طمعانة فيه ”
نظر لها رؤوف و الغضب يحتل عقله و قلبه ينزف حزنا من كلامها، فهى معها كل الحق، نحن فى زمن يُترك فيه الجاني يعيث فى الأرض فسادًا و يعاقب المجني عليه على جريمة كان هو فيها الضحية، غادر رؤوف و ابنته المنزل تاركاً خلفه فتاة محطمة وأسرة أنهكها الفقر و المرض و دمرها الحزن، و فقدت مصدر رزقها الوحيد بعد ما حدث، فقرر العودة و أخبر الاب بأن ياتى إلى العمل بالمكتب الخاص به ككبير للسعاه نظراً لحالته الصحية، و أكد على ارسال محامى حتى تأخذ رزان حقها من ذلك الذئب، فهى أيضًا راحت ضحية التشابه الذي بينها و بين أبنته، ثم وعد رزان عند استرداد حقها سوف ينشر الخبر بجميع الجرائد و المجلات و مواقع التواصل الاجتماعي.
فى شقة أمير
ظلت راجية تفكر فى الأمر الذى جال بخاطرها منذ ان غادرت منزل رزان بعدما رأت ما رأته، من فقر المنزل و خلوه من الاثاث و عدم وجود ما يسد حاجتهم، وأن تلك المسكينة هى من تعول أسرتها، ثم اتخذت قرارها بأن تذهب إلى مقر النيابة و تطلب ان تدلي بشهادتها ضد أبنها تكفيرا عن ذنبها فى التقصير فى تربيته و تعطى كل ذى حقٍا حقه.
ذهبت الى مقر النيابة العامة وطلبت التقدم بمعلومات تفيد قضية رزان سيد، بداخل مكتب وكيل النيابة قدمت بلاغاً عن أبنها، فأخبرها وكيل النيابة إن عقوبة هذه الجريمة بالقانون الجديد تصل إلى الإعدام، لكن كانت إجابتها صادمة فبالرغم من حزنها الشديد و بكائها المرير قالت
” اللى غلط يتحاسب يا سيادة المستشار ”
أراد وكيل النيابة التأكد من قرارها قبل إصدار أمر الضبط قائلا
” هتضحي بأبنك علشان بنت فقيرة ما تعرفيهاش وهو ظابط و له مركز مرموق؟”
زفرت أنفاسها و تنهدت بأسى و أجابت
” أبنى غلط، ويستحق العقاب، بسبب غروره وعجرفته دمر أسرة كاملة و دنس رأس مالها الوحيد برجليه، و انا لا يمكن أسكت عن الحق حتى لو كان الجاني أبنى الوحيد ”
” أنتِ متأكدة من قرارك يا مدام راجية؟ أبنك ممكن يتعدم!؟ و إذا عمل استئناف و اتقبل، هيتحكم عليه بالمؤبد ويفضل عمره كله فى السجن”
أغمضت عيناها بألم يعتصر قلبها و تسارعت ضرباته من شدة حزنها على فلذة كبدها الذى ستفقده جرَّاء فعلته النكراء، لكنها على يقين انها لن تستطيع الوقوف أمام الله فى محكمة الأخرة و فى رقبتها ذنب هذه الفتاة، و قالت بصوت مهزوز
” متأكدة يافندم ”
بعد ان تأكد وكيل النيابة من صدق قرار السيدة راجية امر بفتح القضية مرة أخرى و أستدعاء رزان سيد و رؤوف الزيني و ضبط و أحضار كلا من امير السمري و عامر و شوقى و حسن، الى مقر النيابة و اعادة التحقيق معهم مرة أخرى تحت ضوء البلاغ المقدم من السيدة راجية، و يا لـ سخرية القدر، فإن من أصدر أمر الضبط والأحضار، هو ذاته صديق الأمس لذلك المتعجرف، و لكن لا أحد يقع فوق طائلة القانون.
و تم القاء القبض على أمير من مقر عمله أمام أعين رؤسائه و زملائه تحت أضواء الكاميرات، بينما أحضر رؤوف كبار المحامين ليدّعى بالحق المدني و يطلب اقصى عقوبة لهذا المغرور والذى يستخدم سلطته فى إذاء الغير، عند وصول القضية إلى قاعات المحاكم بسبب نفوذ رؤوف الزينى تحولت القضية الى قضية رأى عام، لِكَون أمير السمري ضابط مباحث له نفوذ، فى مقابل رؤوف الزيني رجل أعمال ذو القوة و النفوذ و الشهرة فى عالم المال والأعمال، ويكأن الله أراد لتلك الفتاة ان تسترد كرامتها التى هدرت و ذبحت على يد من لا يرحم و تأخذ حقها بصدور الحكم عليه بالإعدام و عدم الاستئناف مع التوصية بسرعة تنفيذ الحكم وذلك لسبب منصب أمير المرموق حتى يصبح عبرة لكل من تسول له نفسه فعل مثل هذا الجُرم، و الحكم على معاونيه الثلاثة بالأشغال الشاقة المؤبدة، و بعد مرور شهر سعى فيه رؤوف الزيني بكل قوته تم تنفيذ الحكم الصادر ضد أمير السمري بعد تصديق مفتى الديار المصرية عليه .
فى قلب ڤيلا الزيني
بعد مرور شهور على صدور الحكم و تنفيذه، واسترداد رزان لحقها، زادت الصداقة بين تالا ورزان و لم تصبح العلاقة بينهما علاقة سيدة و خادمتها بل أصبحت علاقة أختين، و قررت ان تتحدث مع أبيها فى شأن الاصرار على رزان و أسرتها ان يقبلوا الأنتقال للأقامة معها فى الڤيلا، فقالت
“بابى ممكن لو سمحت تقول لرزان و باباها يجوا يعيشوا هنا فى الڤيلا و ياريت تتصرف و خليه يوافق”
أرتسمت علامات الدهشة على وجه رؤوف من حديث تالا و أسرع بسؤالها
” هو أنتِ عايزة رزان تيجى تعيش هنا؟”
“أيوا يا بابى، تعيش فى الملحق اللى برة هى وأهلها وتخليها تدخل المدرسة تتعلم فى فصول محو الأمية وتكمل تعليمها و تعيش حياتها بشكل طبيعى”
“يا حبيبتى ما احنا عرضنا عليها قبل كدا تيجى تعيش هنا و هى رفضت ”
” يا بابى يا حبيبى وقتها رفضت لانها كانت خايفة من كلام الناس انما دلوقتى الحقيقة ظهرت والعالم كله عرف انها مظلومة و ضحية و خلاص الحيوان اللي أذاها أخد جزائه ”
“عايزة توصلى لإيه يا تالا بالظبط؟”
” عايزة أعوضها عن اللى حصل لها بسببي، بابى لو ما كانتش رزان خرجت فى الوقت ده كان زمانى انا اللى حصل فيا كدا، انا حاسة بالذنب ناحيتها وعايزة اعمل لها اى حاجة أكفر بيها عن الذنب ده ”
أومأ رؤوف برأسه تعبيرا عن موافقته برأى أبنته، ثم نهض من مجلسه وذهب معاها الى بيت رزان ليقنعها و والديها بذلك الأمر و بعد عدة محاولات منهما لم توافق رزان، لكنها وافقت على العودة الى الدراسة مع العمل فى الفيلا لحين ان تتمكن من انهاء دراستها و العمل بشهادتها و يصبح تحسين حالتها المادية بيدها لا تفضلا من الاخرين، لذلك أحترم رؤوف رغبتها و ضاعف لها راتبها الشهري حتى تستطيع ان تنفق على دراستها و تتعلم و تعلم أخواتها الصغار كما كانت تتمنى، بعد مرور عدة سنوات نجحت رزان فى الالتحاق بكلية الهندسة و تعرفت على أحد المعيدين كان قد قرأ عن قضيتها و لم يهتم و تقدم للزواج منها، معجبا بكفاحها و وصولها إلى هذه المنزلة .
التخلص من جرائم الماضي ليس سهلاً، فاعلم أيها الظالم أن هناك رب عادل لا يرضى بالظلم مهما حاولت، سيصبح الماضي أسوأ كوابيسك لن يتركك لترتاح، سوف يطاردك في أحلامك حتى ينتصر المظلوم عليك، سينتهي الليل المظلم ليأتي النهار بنوره الساطع وتنسدل أشعة الشمس لتعلن عن إنتصاري لتبدأ حياتي الجديدة الخاليه من الألم والحزن وتطرق السعادة بابي من جديد فأنا من ظُلمت ولكن ظهر الحق أمام الجميع لتبدا ايامي بالإذهار من جديد.
الشبيهة بقلمي✍️_______لبنى دراز
تمت بحمد الله
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الشبيهة)