روايات

رواية أنا لها شمس الفصل الأول 1 بقلم روز أمين

رواية أنا لها شمس الفصل الأول 1 بقلم روز أمين

رواية أنا لها شمس الجزء الأول

رواية أنا لها شمس البارت الأول

أنا لها شمس
أنا لها شمس

رواية أنا لها شمس الحلقة الأولى

شخصيات رواية «أنا لها شمس»
عائلة غانم الجوهري
البطلة:
إيثار غانم الجوهري، تبلغ من العمر ثمانيةً وعشرون عامًا،ممشوقة القوام تمتلك جسدًا أنثويًا تُخفي معالمهُ خلف الثياب العملية التي ترتديها دائمًا والمكونة من بِذَل نسائية كلاسيكية مما أعطاها مظهرًا جادًا أكدته تلك النظارة الطبية التي ترتديها بجانب رسمها للجدية فوق ملامحها،تمتلكُ عينين واسعتين ذات أهدابٍ كثيفة مما جعل من عسليتيها ساحرة لمن ينظر بهما رغم إكفهرار ملامحها طيلة الوقت،تخرجت من كلية التجارة قسم إدارة أعمال لتعمل مديرة مكتب لشركة عريقة في مجال الإستيراد والتصدير، مُطلقة ولديها طفل يُدعى يوسف في السادسة من عمره
والدها:
غانم محمد الجوهري، رجل بسيط أمّي، فلاح مكافح يمتلك قطعة أرض صغيرة استطاع من خلالها تربية أولاده الأربع بشرف ونزاهة، ضعيف الشخصية أمام ابناءه وزوجته لذا اختار الصمت للنأي بحاله من المناوشات والجدل الذي لا يجدي نفعًا معهم
الأم:
-منيرة عبدالحليم، إمرأة في بداية عقدها السادس بسيطة التفكير تعشق أبناءها الذكور وتفعل كل ما بوسعها لأجلهم وتضحي بالغالي والنفيس حتى بإبنتها الوحيدة في سبيل مستقبل أفضل لذكورها
الشقيق الأكبر لإيثار:
-عزيز غانم،في نهاية العقد الثالث من عمره متسلط جشع يحقد على شقيقته كونها استطاعت إكمال دراستها الجامعية بينما هو حصل على مؤهل متوسط
-نسرين”زوجة”عزيز”البالغة من العمر الثانية والثلاثون عامًا لديهم ثلاثة أبناء،غانم البالغ من العمر الثانية عشر و جودي ثمانية أعوام والإبنة الصغرى سما ذات الخمس سنوات.
الإبن الثالث:
-وجدي البالغ من العمر الخامس والثلاثون،حنون لكنه يتحرك باتجاه التيار وللمصلحة العامة يشبه أبيه كثيرًا بطباعه، متزوج من نوارة التي تصغر إيثار بثلاثة أعوام، لديه ولدان،خالد وأيهم
الإبن الثالث”أيهم”البالغ من العمر الرابع والعشرون
********
عائلة علام زين الدين
البطل:
-فؤاد علام زين الدين
وكيل للنائب العام، ذو الستةُ والثلاثون عامًا،يتمتع بملامح رجولية جذابة،شخصية قيادية صارمة يمتلك كاريزما ولباقة وقدرة فائقة على إدارة الحديث بشكل لافت للاهتمام،ممشوق القوام يتمتع بجسد رياضي جذاب،بشرته حنطية وجههُ مستطيل يمتلك عينين حادتين سوداويتين ورموشٍ كثيفة،ولحية نامية محددة يعتليها شارب خفيف زاد من وسامته، مغرور بعض الشيء، كاره للنساء نتيجة لتجربة مر بها هدمت كيانه وهزت ثقتهُ بحاله حينها ولولا قوته وقوة عائلته التي ساندته بكل ما لديها من قوة لتدمر كُليًا وما عاد كما رأيناه مجددًا
والدهُ:
-سيادة المستشار “علام زين الدين”أحد أعضاء هيئة المحكمة الدستورية العليا، رجل حكيم رصين يمتلك من القلب والعقل ما أوصلاه لذاك المنصب الراقي
والدته:
-دكتورة” عصمت الدويري” أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة القاهرة، إمرأة راقية عاقلة حكيمة تعشق نجلاها
شقيقته:
-“فريال”إبنة الثانية والثلاثون عامًا،فقد إختار علام اسماء نجله وابنته تيمنًا بأسماء ملوك مصر السابقين لكي يصبح شأنهم بأهمية اسمائهم
متزوجة من”ماجد “المعيد بكلية الحقوق ذاتها التي تعمل بها والدة زوجته، يسكن معهم بنفس القصر ولديه طفلان، بيسان وفؤاد
*********
عائلة نصر البنهاوي
طليق إيثار:
-عمرو أصغر أبناء نصر البنهاوي والمدلل لدى العائلة،يبلغ من العمر الخامس والثلاثون متزوج من”سُمية”ذات الثمانية والعشرون عامًا ولديهما طفلة وحيدة تُدعى”زينة “ذات الأربع سنوات
الاب:
-نصر البنهاوي رجل ظالم،ترشح ليُصبح عضوًا بمجلس الشعب ليتخذ من عضويته تلك ستارًا لتجارته الغير مشروعة بتهريب الأثار
زوجته:
-إجلال ناصف، إمرأة قوية لا تملك قلبًا وتعشق عمرو لكونه الوحيد الذي ورث ملامح والدها الحاج ناصف التي تعتز بكونها ابنة ذاك الاسطورة من خلال وجهة نظرها
الشقيق الأكبر لعمرو:
-طلعت الذي تخطى عامه الاربعون، زوجته ياسمين ولدية ثلاثة فتيات
الشقيق الاوسط:
-حسين وزوجته”مروة”ولديهما طفل وطفلة
********
عائلة أيمن الاباصيري مدير الشركة التي تعمل بها إيثار والذي تخطي عامه الستون بخمسة أعوام،يمتلك قلبًا حنون مما جعله يتخذ من إيثار كإبنة له نظرًا لظروفها الخاصة
– زوجته” نيلي” إمرأة جميلة مدللة،لديه إبن يُدعى أحمد طبيب جراح ويمتلك مشفى استثماري خاص به أسسها له والده، زوجته “سالي”
-لارا إبنة أيمن سنتعرف على قصتها لاحقًا
دعونا نكتفي بهذا القدر لنتعرف على باقي الشخصيات من خلال الأحداث.
«أنا لها شمس»

لم نُخلقُ عبثا، لقد خلقنا الله لغاية وهدف ولحكمة لا يعلمها سواه،كل خطواتنا بالحياة موثقة بأمرٍ من رب العالمين، حتى عثراتنا والألام،ما هي إلا بداية لطريقًا جديدًا كُتب لنا لنمضي بداخلهُ ونحنُ أكثر حكمة وأوسعُ أفقًا.
أنا لها شمس
روز أمين
داخل مدينة كفر الشيخ تحديدًا بإحدى قراها المتمدنة بحكم قُربها من المدينة،تجلس تلك السيدة الخمسينية أمام أحد مواقد الغاز لتخبز خُبزها بيداها وتُلقيه فوق الساج الساخن ليتم عملية خبزه قبل أن يفيق زوجها وابنائها ليتناولوا طعام إفطارهم منه،أقبلت عليها زوجة ولدها الأوسط وتُدعى “نوارة”تبلغ من العمر الخامسة والعشرون لتتحدث بتثاؤب:
-صباح الخير يا ماما، مخبطيش عليا ليه علشان أساعدك في الخبيز؟
تحدثت السيدة بأنفاسٍ لاهثة نتيجة مجهودها المبذول:
-خفت لـ وجدي يصحى وأقلق نومه،ده يا حبة عيني راجع من الجبل وش الفجر هو وعزيز
تتنهدت” نوارة” لتتحدث بإِسْتِياء:
– والله يا ماما ما عارفة أخرت اللي بيعملوه ده إيه،اللي إسمه عمرو وابوه دول مبيجيش من وراهم خير،واللي بيعملوه ده غلط ولو اتقفشوا هيروحوا في سين وجيم.
إلتفت سريعًا نحوها لترمقها بازدراء ونظراتٍ نارية لتهتف بحِدة ناهرة إياها:
-تفي من بقك يا غراب البين إنتِ،جاية من صباحية ربنا تفقرى على ولادي زي البومة؟
اهتزت بوقفتها لتتحدث بارتباك ظهر بصوتها:
-والله مااقصد يا ماما،أنا بتكلم من خوفي عليهم
حولت المرأة سريعًا وجهها للموقد لتهتف غاضبة بعد أن اشتمت رائحة قوية لحريق الخبز:
-وادي الرغيف إتحرق من كلامك اللي زي السِم
لتستطرد حانقة:
-إخفي من خلقتي وانجري على المطبخ حضري الفطار قبل الرجالة ماتصحى، ومتنسيش تصحي المعدولة التانية.
حاضر… نطقتها بتوتر قبل أن تنسحب هاربة من بطش تلك التي تتحول لغول عندما يخص الأمر بأولادها، أو بالأدق أنجالها الذكور التي تعشقهم وتضحي لاجلهم بالغالي والنفيس، فهم أغلى ما لديها وحسب ما تربت أن الذكر لابد أن يحظى بكل الرعاية وجميع الحقوق، تلك هي أفكارها السوداء وقناعاتها الخاطئة
بعد مدة كانت تُلقي بأخر قطعة من العجين داخل الموقد لتتفاجيء بنجلها البكري وأول من رأت عيناها المسمى بـ “عزيز”والبالغ من العمر التاسعة والثلاثون ليقترب عليها وهو يتحدث بنبرة جادة:
-صباح الخير يا أم عزيز
صبحك بكل خير يا عزيز… نطقتها منيرة بابتسامة سعيدة لتستكمل حديثها بلهفة واشتهاء:
-ها،طمني، عملتوا إيه إمبارح؟
لسة شوية يا أما، دعواتك بالتساهيل… نطقها بهدوء ليسترسل بنبرة جادة:
-المهم طمنيني، عملتي إيه في الموضوع إياه، عمرو مش مبطل زن
أغلقت زرائر الموقد لتقف تُلملم ما حولها من فوضى وهي تحدثه بطمأنة:
-حاضر يا عزيز، النهاردة هكلمها وربنا يسهل ودماغها تلين
-لازم تلين يا أما، وإلا ورحمة الغاليين أكسرلها دماغها الناشفة ولا هيهمني زعل أبويا ولا كلمته…زفر ليستطرد:
-ما أنتِ عارفة اللي إسمه عمرو وجنانه، ده مش بعيد لو المصلحة طلعت قبل ما موضوعه يتم يتحجج وميديناش حقنا ولو عطانا أكيد مش هيدينا النسبة اللي إتفقنا عليها
الواد شاري يا أما، يا ريت تعقليها بدل ما أفقد أنا عقلي وأروح أجيبها لك من شعرها
-ربنا يسهل يا ابني… نطقتها بعدما حملت بعضًا من الخبز داخل سلة وتركت المتبقي مفرودًا ليهدأ لتتحرك نحو بهو المنزل لتضع السلة أرضًا بجانب منضدة الطعام الأرضية وتتحدث لزوجها الجالس أرضًا بجانب تلك المنضدة:
-صباح الخير يا أبو عزيز
ردد بهدوء دون ان ينظر لها:
-صباح النور يا”منيرة ”
هتفت تصيح لزوجتي نجليها “نسرين”زوجة”عزيز”البالغة من العمر الثانية والثلاثون عامًا وأيضًا”نوارة”زوجة”وجدي”:
-هاتوا الاكل وحطوه على الطبلية على ما أصحى أيهم علشان يلحق شغله هو كمان
تحركت وجلس عزيز بجانب والده الذي تحدث باستنكار:
-مش هتبطل جري إنتَ وأخوك ورا إبن نصر البنهاوي يا عزيز
استاء عزيز واكفهرت ملامحه ليستكمل الأب بتوجس:
-بطل الطمع اللي فيك ده وارضى باللي ربنا رزقك بيه
—البحر يحب الزيادة يا حاج…نطقها باقتضاب ليجيبه الاخر:
-ده لما تكون زيادة حلال،مش سرقة أثار البلد
قالها بارتياب ليجيبه الاخر بلامبالاة واطمئنان ظهر فوق ملامحهُ الساكنة:
-دي مش سرقة، دي لقية يا حاج يعني حلال مية في المية، وبعدين أنا هخرج مبلغ لله من نصيبي اللي هيطلع لي
رمقه بازدراء ليتحدث بيقين:
-الله طيب لا يقبل إلا طيب يا متعلم يا بتاع المدارس
تملل بجلسته لتتحدث منيرة التي انتوت مساندة نجلها والدفاع عنه كما دائمًا تفعل:
-مالك بس يا حاج،متروق كدة يا اخويا وادعي لهم بالتساهيل، خير ورزق ربنا بعتهُ لهم علشان يوسعوا على عيالهم وعلينا
لتستطرد باستنكار:
-نقوم إحنا نقول له لاء ونقفل بابنا في وشه!
-إنتوا الكلام معاكم زي قلته،وجع قلب على الفاضي… نطقها بقلة حيلة وضعف كعادته ليقطع حديثهم وجدي الإبن الثاني البالغ من العُمر الخامسة والثلاثون قائلاً:
-صباح الخير
رد الجميع الصباح وتلاه الدخول الإبن الثالث”أيهم”البالغ من العمر الرابعة والعشرون حيث تحدث بصياح كعادته:
-فين الفطار إتأخرت على شغلي
وجه الأب اليه حديثه الهاديء:
-استهدى بالله يا ابني واصبر لما يجيبوا الأكل من المطبخ
جلس الأبناء الثلاث والتف الأحفاد حول الطاولة،أولاد عزيز الثلاث،غانم البالغ من العمر الثانية عشر و جودي ثمانية أعوام والإبنة الصغرى سما ذات الخمس سنوات، وأبناء “وجدي”الذكرين،خالد وأيهم، بدأ الجميع بتناول الطعام قبل أن ينصرف كُلٍ إلى وجهته
_________________
بالجهة الاخرى بنفس القرية
يجلس رجلاً ذو هيبة على رأس طاولة كبيرة مرصوص فوقها الكثير من الأصناف التي تدل على ثراء ساكني هذا المنزل، تجاوره زوجته قاسية الملامح والتي يبدوا عليها القوة من إكفهرار وجهها وصلابة جسدها، يقابلها بالجلوس نجلها الاكبر “طلعت” ويجاورهُ الشقيق الأوسط”حسين” حضرت زوجتيهما ياسمين ومروة بعدما اتموا جلب جميع الطعام من المطبخ بجانب الخادمة وجلستا استعدادًا لتناول وجبة الفطار، بعد قليل دخلت من باب الحجرة “سمية” زوجة “عمرو” الإبن الأصغر ممسكة بيدها إبنتها الوحيدة “زينة”صاحبة الخمس سنوات والتي لم تنجب بعدها وهذا ما جعلها تتردد على الاطباء كثيرًا كي تتعجل بالحمل بطفلٍ أخر، اقتربت وهي تقول بابتسامة زائفة:
-صباح الخير
رد الجميع الصباح عدا ذاك الـ”نصر” الذي هتف بملامح مقتضبة:
-البيه جوزك منزلش علشان يفطر ليه؟
تحمحمت لتجيبهُ بصوتٍ مرتبك لقوة ذاك الرجل وتجبره:
-عمرو لسة نايم يا عمي،وجيت أصحيه رفض، أصله جه متأخر إمبارح كان سهران مع الرجالة في مزرعة المواشي
بعينين كالصقر هتف بما جعلها تنكمش على حالها:
-اللي يسمعك بتقولي كدة يقول سهران بيشتغل، مش بيحشش هو وشوية الصيع اللي ملموم عليهم
نظرة مشتعلة شملته بها تلك المتجبرة المدعوة بـ “إجلال”لتزمجر باستياء وهي تنظر لزوجات أبناءها في مغزى:
-مش وقت الكلام ده يا حاج نصر…وبرغم جبروته مع الجميع إلا أنها الوحيدة التي لا يستطيع مجابهتها ولا مراجعة قراراتها ويرجع ذلك لقوة عائلتها التي منحته جميع الصلاحيات ليصبح على ما هو عليه الأن،فقد تزوجها وهو موظف إداري بسيط في وزارة الزراعة فسحبه والدها معه إلى التنقيب في الجبال والبحث عن الاثار الفرعونية لبيعها حال العثور عليها للتجار المختصين ليقوموا بتهريبها بطريقة غير شرعية خارج البلاد مما يضر باقتصاد البلد واثارها التي لا تقدر بثمن، اتقن”نصر” العمل ونال شهرة كبيرة بعدما تمرس بالموضوع واصبح ذو شهرة عالية بين لصوص الاثار،ثم ساعدهُ عمها في الدخول إلى عالم السياسة عن طريق ترشحهُ لمجلس الشعب ليُصبح سيادة النائب وينال من السلطة والنفوذ ما يكفي ليحمي به تجارته القذرة وتجارة عائلة زوجته،لذا فهو لا يجرؤ على إغضابها كي لا ينال عقاب أسياده وأصحاب الفضل عليه،وتلك هي نقطة الضعف التي استغلتها”إجلال”لصالحها طيلة سنوات زواجها به وللأن
وإنتِ…نطقتها بحدة موجهة حديثها إلى “سمية “لتسترسل أمرة:
-إطلعي صحي جوزك وقولي له ينزل حالاً
بس يا مرات عمي…توقفت لتبلع باقي حديثها عندما زمجرت الأخرى هاتفة بعينين تقطرُ شرًا:
-أنا قولت لك قبل كدة ألف مرة إني مبحبش أعيد كلامي، الكلمة اللي اقولها تتنفذ من سكات.
أطرقت برأسها برعبٍ لتترك إبنتها لزوجة عمها الكُبرى”منى”وتنسحب سريعًا عائدة للأعلى لتدخل مسكنها وتتجه صوب غرفة النوم حتى اقتربت من ذاك الممدد بطريقة عشوائية فوق التخت لتهتف بنبرة غاضبة وهي تلكزهُ بكتفه بطريقة حادّة:
-قوم يا عمرو بيه كلم أبوك تحت، مخدتش من وراك غير التهزيق على الصبح
اتتفض من نومه بفزع لينظر إليها بعينين جاحظتين مستفسرًا:
-فيه إيه يا سمية في ليلتك اللي مش فايتة؟!
أبوك مستنيك تحت على الفطار…رمقها بازدراء قبل أن ينزل بجسده ليتمدد من جديد ويسحب الغطاء عليه قائلاً بلامبالاة:
-قوليله كان سهران في المزرعة ونايم.
جذبت من فوقه الغطاء بحدة لتردف باستنكار:
-قولت له يا بيه، واتمسخر عليا وعليك قدام إخواتك ونسوانهم العقارب، والست أمك بهدلتني ليه وليه اللي بقولها ده نايم وتعبان، قالت لي تطلعي تصحيه وتخليه ينزل حالاً
هتف رامقًا إياها بنظرة غاضبة:
-إحترمي نفسك وإنتِ بتتكلمي عن الست” إجلال”بنت الحاج “ناصف” سِيد البلد كلها
واستطرد مهددًا بابتسامة ساخرة:
-ولا تحبي اقولها عن الطريقة اللي إتكلمتي بيها عنها واسلمك ليها تسليم أهالي؟
ابتلعت ريقها ونظرت إليه قائلة بصوت مضطرب لتجنب بطش تلك الحية ولتيقنها من تفاهة زوجها:
-وتهون عليك سمية يا عمورتي، ده أنا حُب العمر ولا نسيت؟
-أيوة كدة إظبطي… نطقها بابتسامة نصر ليسترسل:
-جهزي لي الغيار اللي هنزل به على ما أدخل الحمام ارش وشي بشوية ماية عشان أفوق
بعد مدة قصيرة كان يجلس بجوار شقيقاه يتناول طعامه بتملل وضيق شعر بهما والده ليتحدث بذات مغزى:
-عملت إيه في الموضوع اللي اتكلمنا فيه من إسبوع؟
رفع رأسه ليتطلع عليه قائلاً بعينين ملتمعتان بزهو الامل:
-بدأت اتصرف يا حاج،وقريب قوي هتسمع الاخبار الحلوة
-أما اشوف هتفلح المرة دي ولا هترجع لي إيدك فاضية زي كل مرة… قالها باستهجان ليهتف الاخر بعدما شع الامل بعينيه اكثر:
-المرة دي غير كل مرة يا حاج، أنا اتبعت مقولة الزن على الودان أمر من السِحر
قطبت جبينها لتهمس بجانب أذن زوجها تجنبًا لسماع والداه:
-موضوع إيه اللي عمي طالبه منك يا عمرو؟
ابتسم ساخرًا على فضول تلك المتحشرة ليجيبها بتسلي:
-مهو قدامك اهو،ماتسأليه؟
زفرت بضيق من طريقته المستفزة التي دائمًا ما يتبعها معها لتعود لتناول طعامها بضيق والفضول يكاد ان يقتلها،نظرت إجلال لذاك المقابل لها بالجلوس،نجلها المدلل والأقرب لقلبها لما يمتلك من ملامح ورثها عن والدها والتي تعتز بكونها إبنة لذاك الإسطورة من وجهة نظرها،لذا فهي تعشق عمرو ويظل الأقرب لها وكل ما يتمناه ويطرأ بباله ينفذ في الحال،بسطت يدها بصَحن معجون ثمار الفراولة لتقول بابتسامة حانية:
-خد يا حبيبي المربى اللي بتحبها، خليت فتحي الغفير ينزل المركز مخصوص وقلب لي الدنيا على الفراولة لحد ما لقاها
تناول منها الصحن ينظر له بشهية مفتوحة ليتحدث بابتسامة واسعة وهو يُلقبها بلقبها المحبب لديها والذي يُشعرها بقيمة حالها والغرور:
-تسلم إيدك يا “ستهم”
ابتسامة ساخرة خرجت من جانب ثغر “طلعت” الإبن الاكبر ليهتف متهكمًا:
– شوفت يا سيدي غلاوتك عند الست إجلال بجلالة قدرها،مهنش عليها إنك سألت على المربي إمبارح ومكنتش موجوده، بعتت الغفير اتشقلب في المركز وطلع بالفراولة مع إنه مش أوانها، وكل ده علشان خاطر عيون مدلل عيلة البنهاوي
واستطرد بنبرة عاتبة:
-مع إني قايل لها إن نفسي في الكوارع ليا شهر ولا عبرتني
تحدثت بابتسامة باردة لامرأة لا تمتلك قلب:
-نسيت يا سي طلعت،إيه،هتعلق لي المشانق؟!
-العفو يا ستهم ، ماعاش ولا كان اللي يقدر يحاسب ست البلد والمركز كله…رفعت قامتها بخيلاء ليتحدث نصر قائلاً:
-عاوزك تتابعي مع عمرو في الموضوع إياه يا “إجلال”
بابتسامة شامتة حولت بصرها لتلك الجالسة بجوار زوجها لتتحدث بذات مغزى:
-متقلقش يا سيادة النايب، مسافة شهر بالكتير وكل اللي أمرت بيه هيتنفذ
لتسترسل بغرور:
-ما أنتَ عارف لما “ستهم” بتحط حاجة في دماغها
ابتسامة تفاخر ارتسمت فوق ثغره ليقرب كفه من خاصتها الموضوع فوق الطاولة ليربت عليه قائلاً بامتنان:
-طول عمرك سدادة وبميت راجل يا بنت الحاج “ناصف”
ابتلعت ما في جوفها من طعامٍ بصعوبة بالغة لاستشعارها أن هذا الحديث يخص غريمتها الحقيرة لتبتسم “مروة” زوجة الإبن الأصغر وهي تنظر عليها بشماتة مما جعل داخل الاخرى يشتعل لترمقها بازدراء، انتهى الفطور وانسحبت النساء إلى المطبخ ليصنعن مشروب الشاي لوالداي ازواجهن وللجميع، لتبدأ العاملات بجمع بقايا الطعام من فوق الطاولة وتنظيف المنزل
-مقولتليش يا ست مروة، كنتي بتضحكي على إيه وإحنا على الفطار؟… سؤالاً حادًا وجهته لها لتقول الاخرى بذات مغزى مما زاد من اشتعالها:
-على نفس السبب اللي خلى اللقمة وقفت في زورك وكنتي هتفطسي
-بلاش تتلائمي عليا يا مروة، إنتِ مش قد اذيتي،أنا قرصتي والقبر… نطقت جملتها بنبرة تهديدية لتبتسم الاخرى مجيبة بتهكم:
-مش هينفع تقرصيني يا سلفتي،لايجوز شرعًا… قالت جملتها الاخيرة وهي تحرك عُنقها لتهتز رأسها بطريقة ساخرة مع إطلاقها لضحكة استهزائية ليشتعل وجه الأخرى مما جعلها تهجم عليها بدون عقل وكادت أن تجذبها من تلابيبها لتكيل لها الضربات قبل أن تقف ياسمين زوجة طلعت حائلاً بينهما لتقول بعنف:
-ماتتلمي ياختي منك ليها، إنتوا إتجننتوا، هتضربوا بعض وحماكم ورجالتكم قاعدين برة!
هتفت سمية وهي تحاول الفكاك من بين قبضتي “ياسمين”:
-سبيني عليها المرة السو دي وأنا أعرفها مقامها صح
أفلتت ياسمين يداها لتهتف مشيرة إلى مروة:
-شكلك ناوية على طلاقك النهاردة يا سلفتي، وأدي مروة قدامك إعملي فيها ما بدالك، علشان ستهم تيجي على حِسك العالي وتطين عيشتك، وبدل ما أنتِ خايفة وقاعدة منتظرة البلا ليحصل، تبقى سهلتي عليهم المهمة والبلا فعلاً هيحصل، بس وإنتِ قاعدة زي البيت الوقف في بيت أبوكِ
لتبتسم ساخرة مستطردة بذات مغزى:
-ما أنتِ عارفة قانون نصر البنهاوي، اللي تتجوز عيل من عيالة يحرم عليها صنف الرجالة من بعده، وكأن اللي بيدخل عليها واحد منهم بتتوشم بوشمه اللي لا تقدر تمحيه حتى النار
ابتلعت ريقها بازدراء وتراجعت للخلف لتذهب الاخرى إلى الموقد وتبدأ بسكب المشروب داخل الكؤوس مسترسلة:
-أيوة كدة إعقلى
لتتحرك بالصنية وتناولها إياها بحدة قائلة:
-خدي يا حبيبتي الشاي طلعيه برة
كان صدرها يعلو ويهبط بفضل شعورها العظيم بالغضب،حولت بصرها لترمق تلك المروة المبتسمة بشماتة قبل أن تتناول الصينية الممدودة متحركة للخارج بغضب،اتجهت”ياسمين ” بنظرها إلى”مروة “لتقول بنبرة حانقة:
-وإنتِ يا مروة،مش هتبطلي كيد النسا اللي فيكِ ده؟
بررت الأخرى موقفها قائلة بتنصُل:
-وأنا كنت جيت جنبها يا”ياسمين “، ما اللي حصل كله كان على يدك،دي واحدة مجنونة وعلى راسها بطحة
زفرت الأخرى لتهتف بحِدة:
-بلاش تستفزيها أحسن لك، وإديكي قولتيها بنفسك، واحدة مجنونة، والجنان بيزيد عليها لما الموضوع يخص” عمرو”وحكايته القديمة،فياريت تخليكِ إنتِ الأعقل وبلاش تجُري شكلها
اكتفت مروة بنفس الابتسامة الساخرة لتنسحب إلى حوض المطبخ لتتابع جلي الصحون تحت غضب الاخرى من كلتا الغبيتان اللتان تعيشا معها بنفس المنزل
_________________
بالقاهرة الكُبرى
إنتهى من ارتداء رابطة عنقه وعقدها بتمرس ورتابة ليجذب بحِلة بدلته السوداء من فوق عليقة الملابس مرتديًا إياها ليتحرك صوب مرأة زينته ممسكًا بفرشاة شعره ليصففهُ بعناية، أعاد الفرشاة إلى موضعها ليلتقط قنينة عطره المميز وبدأ ينثر فوق ذقنه وعنقه،بات ينظر لهيئته الجذابة برضا تام،تحسس ذقنه النابته ثم نظر لشعر رأسه الفحمي مرورًا بعينيه السوداويتين كثيفة الأهداب وبشرته الحنطية التي جعلت منه جذابًا عن المعتاد، ثم نزل بنظره على صدره العريض وتقسيمات جسده الرياضية ليبتسم بمرارة حينما تذكر ماضيه الأليم، قطع شروده استماعه لبعض الطرقات الخفيفة فوق باب جناحه ليهتف برزانة مخاطبًا الطارق:
-إدخل.
فُتح الباب لتظهر منه سيدة أنيقة ترتدي بذلة نسائية تدل على وقار تلك المرأة بعمرها السابع والخمسون ذات الشعر البُني القصير المظهر التي وما أن رأها حتى ظهرت إبتسامة سعيدة على محياه لتتحدث هي بنبرة حنون:
-صباح الخير يا سيادة المستشار
-صباح النور يا حبيبتي…نطقها صاحب السادسة والثلاثون عامًا بابتسامة وهو يقترب عليها ليقوم بتقبيل رأسها بوقار،تحدثت باعجاب:
-ده إيه الشياكة دي كلها
-أنا إبن دكتورة عصمت الدويري أستاذ القانون الجنائي، فطبيعي أكون شيك ومميز زيها… نطقها باعتزاز لتضحك بسعادة قائلة:
-طول عمرك شاطر في الكلام وبتعرف تغلب بيه اللي قدامك
نظر لها ليقول بثقة:
-بس ده مش كلام يا ماما، أنا حقيقي طول عمري فخور بيكِ وواخدك مثال وقدوة للست الناجحة من وجهة نظري
واستطرد بإطراء:
– ست بيت وزوجة وأم عظيمة، وفي نفس الوقت أستاذة جامعية شاطرة، قدرت توصل لإنها تكون من أكبر الاساتذة في مادة القانون الجنائي على مستوى جامعات الحقوق في مصر كلها
تنهدت بهدوء لتتحدث بتمنى:
-فاضل لي أمنية واحدة وأكون حققت كل أحلامي يا فؤاد، وإنتَ الوحيد اللي قادر تحققها لي
-ومع ذلك مستخسرها فيا زي ما تكون صعبان عليك راحة قلبي…قالت كلماتها الأخيرة بكثيرًا من التأثر والألم لينسحب من أمامها متجهاً صوب تلك المنضدة الجانبية جاذبًا من فوقها حقيبة جلدية باللون الأسود تحتوي على أوراق هامة خاصة بعمله كنائب في النيابة العامة ليتحدث متهكمًا:
-إبتدينا الوصلة الصباحية اللي مبتخلصش، كنت عارف إن زيارتك لأوضتي مش مجرد زيارة عادية، واللي توقعته حصل يا دكتورة
قالت بنبرة متأثرة:
-بتلومني علشان خايفة على مصلحتك يا فؤاد؟
واستطردت بنظراتٍ جالدة لذاته:
-إمتى بقيت أناني كدة، هو أنا مبصعبش عليك؟!
طب بلاش أنا، بباك اللي عاش عمرة كله يبني في إسمه وتاريخه ويجمع في ثروته وجيت إنتَ علشان تكمل مسيرته، مش شايف إن من أبسط حقوقه يكون له إمتداد لإسمه؟!
هتف بحنقٍ بعدما تحولت ملامحهُ لشرسة:
-سبق وإتكلمنا في الموضوع ده وقولت لحضرتك إن موضوع الجواز والخلفة شيلتهم من حساباتي نهائي، كفاية عليا اللي شفته من تجربتي المُرة اللي عيشتها
تعمق بمقلتيها ليستطرد لائمًا بملامح مكفهرة:
– ليه عوزاني أعيش نفس الأذى تاني؟!
-مش كل الستات زي… كادت أن تكمل لولا تحركه السريع نحو الباب وهو يتحدث متمللاً:
-نفس الإسطوانة المشروخة بتاعت كل يوم،ياريت توفري على نفسك وعليا الكلام وتسيبيني أتحرك علشان أشوف شغلي،وحضرتك كمان لازم تتحركي علشان تلحقي طلابك بدل ما تتأخري عليهم يا دكتورة
-إهرب زي كل مرّة، هي عادتك ولا هتشتريها… نطقت بها بحدة ليتابع هو مروره بالممر المؤدي للدرج دون تعليق، بعد قليل ولج إلى غرفة الطعام، وجد والدهُ سيادة المستشار “علام زين الدين”أحد أعضاء هيئة المحكمة الدستورية العليا،مترأسًا الطاولة تجاوره نجلته”فريال”إبنة الثانية والثلاثون عامًا،فقد إختار علام اسماء نجله وابنته تيمنًا بأسماء ملوك مصر السابقين لكي يصبح شأنهم بأهمية اسمائهم، يجاور فريال زوجها”ماجد “المعيد بكلية الحقوق ذاتها التي تعمل بها والدة زوجته ولقد تعرف عليها من خلال زياراتها المتكررة لوالدتها بعملها وأُعجب بها وطلبها للزواج وكان شرط علام الوحيد للموافقة على تلك الزيجة هو مكوث ماجد معهما بالمنزل ويرجع هذا لحب وتعلق علام بنجليه، يليهما بالجلوس إبنتهما بيسان ذات الاعوام الست ولديها أيضًا طفل رضيع أطلقت عليه اسم” فؤاد” لتُدخل السرور على قلب والديها اللذان حرما من حفيد لنجليهما الوحيد ليسرا به نظريهما
تحدث وهو يقترب من مقعده المجاور لوالده:
-صباح الخير يا باشا
أجاب بوجهٍ مقتضب كعادته يرجع لجديته في الحياة:
-صباح الخير يا سيادة المستشار
ألقي تحية الصباح على شقيقته وزوجها ليسأله علام بعدما رأي دخول” عصمت”وملامحها التي توحي بمدى غضبها:
-مالكم على الصبح، أصواتكم عالية ليه؟
-مفيش حاجة سيادتك، دي دكتورة عصمت كانت بتصبح عليا كعادتها… جملة ساخرة نطقها وهو يغرس شوكته بأحد صحون الجُبن لينقل منها بداخل صَحنه، تنهدت عصت وجلست بجواره لتبدأ بتناول طعام فطورها باقتضاب، تحدثت فريال إلى شقيقها:
-إنتَ مبقاش نافع معاك أي كلام يا فؤاد، لحد إمتى هتفضل تاعب قلوبنا معاك بالشكل ده؟
-أكلي جوزك واهتمي بيه يا حبيبتي، وياريت تصُبي كل تركيزك عليه، الرجالة بتزهق من عدم الإهتمام وبتطلع تدور عليه برة لو نقص جوة… نطق بها متعمدًا تغيير الموضوع لتهتف فريال بتذمر تشتكي لوالدها:
-شايف يا بابا كلامه
-كبري عقلك يا فريال، اخوكِ بيهزر معاكِ… هكذا أجابها والدها بتعقل لتتحدث بعناد:
-لو فاكر إن كلامك ده هيخليني أبطل أخاف على مصلحتك تبقى غلطان، وهفضل وراك لحد ما دماغك تلين وتتجوز يا فؤاد
ابتسم ليتحدث بملاطفة:
-قول لمراتك تخليها في حالها وبلاش تحشر مناخيرها في حياة غيرها يا دكتور
تحدث ماجد مبتسمًا بلباقة:
-خرجني انا من بينكم يا سيادة المستشار، إنتوا عيلة واحدة والداخل بينكم خارج
تحدث علام بصدقٍ:
-إنتَ كمان من العيلة يا ابني، من يوم ما اتجوزت فريال وأنا بعتبرك إبن تالت ليا
-متشكر يا باشا، ده شرف كبير ليا سعادتك…جملة نطق بها “ماجد” لتستكمل على حديث زوجها “عصمت”قائلة بتهكم على نجلها:
-سيادة المستشار عنده حق يا ماجد،على الأقل إنتَ مريحنا مش واجع قلوبنا زي ناس
ابتسم بجانب فمه ليرتشف أخر رشفة من فنجان الشاى وتحدث وهو يهم بالوقوف:
-أنا شايف إن انا انسحب علشان حرب الكلام بتاعة كل يوم شكلها هتبتدي، وأنا بصراحة عندي قضية مهمة ومحتاجة ذهن صافي
تحدث علام برزانة:
-أقعد كمل فطارك يا فؤاد
أمسك بمحرمة ورقية وقام بتجفيف فمه ثم أجاب والدهُ بوقار:
-أكلت الحمدلله يا باشا،لازم أتحرك حالاً علشان عندي تحقيق في قضية مهمة ولازم أجهز لها
وقبل أن يتحرك تمسكت بكفه لتتحدث بحنان:
-من إمتى وإنتَ بتروح شغلك قبل ما تشرب قهوتك؟
لتستطرد بعينين مترجيتين بعدما شعرت بأنه ينسحب بفضل ضغطهم عليه:
-أقعد كمل فطارك على ما سعاد تعمل لك القهوة
ربت فوق كفها وتحدث بابتسامة هادئة:
-صدقيني يا حبيبتي معنديش وقت للقهوة، هبقى أشربها في المكتب
نطقها وتحرك للخارج تحت شعور عصمت بالذنب لتتحدث نادمة:
-شكله زعل من كلامنا
تحدث ماجد باستحياء:
-بصراحة يا دكتورة حضرتك وفريال تقريبًا بتكلموه يومياً في موضوع الجواز وأكيد حاجة زي دي بدأت تضايقه وتخنقه
لف وجههُ لزوجته واستطرد لائمًا:
-وأنا أكتر من مرة لفت نظر فريال بإنها حتى لو هتفاتحه فميكنش قدامنا
زفرت فريال بضيق لشعورها بالندم وأيضًا والدتها التي نكست رأسها ليتحدث علام بنبرة هادئة:
– يا جماعة فؤاد عقله مش صغير علشان يزعل من كلامكم، هو أكيد عنده شغل مهم
واستطرد عاتبًا:
-بس ده ميمنعش إن ماجد عنده حق في كلامه
تنهدت عصت لتهم بالوقوف وتحدثت:
-أنا رايحة الكلية، عندي محاضرة الساعة عشرة
أنا جاي مع حضرتك… نطق بها ماجد ليقف ويقبل رأس زوجته ونجليه ثم تحركا معاً وبعدها ذهب علام لعمله وظلت فريال بمفردها بصحبة طفليها والعاملين حيث أنها لم تعمل بشهادة بكالوريوس العلوم الحاصلة عليه وفضلت المكوث بالمنزل لرعاية صغيريها والاهتمام بنفسها وزوجها وكل ما يخص عائلتها الكبيرة
_________________
بمحافظة القاهرة الكُبرى
في تمام الساعة الرابعة مساءًا
بأعلى واجهة مبنى زُجاجيًا ضخمٍ،ناطحة سحاب مثلما يطلقون عليه، توجد لافتة كبيرة كُتب عليها إسم شركة الأباصيري للأستيراد والتصدير باللون الذهبي ليدل على فخامة وعظمة الإسم وصاحبه،نتجه داخل المبني وتحديداً داخل مكتب مدير الشَركة “أيمن عزمي الأباصيري” البالغ من العُمر الخامسة والخمسون من عُمره،يبدو على هيئته الهيبة،يرتدي حلة ذات ماركة عالمية تدل على ثراءه الفاحش، تقف بجوار مقعد مكتبه شابة بعمر السابعة والعشرون،ترتدي بدلة سوداء عملية أشبه بلباس الرجال لتتناسب مع شخصيتها الجادة بنظارتها الحافظة لنظرها ليكتمل وقارها وشخصيتها الحادة التي اتخذتها نهجًا لها منذ أن قررت الإستقلال بذاتها،يعتلي رأسها حجاباً أنيقًا وبسيط
تنظر بترقُب من خلف نظارتها الطبية علي قلم مديرها الذي يتحرك بخفة فوق الأوراق المطلوب توقيعها وتُقلبها له واحدة تلو الأخرى،تحدث الرجُل بتملُل بعدما أصابهُ الضجر من كثرة عدد الأوراق:
-وبعدين يا إيثار،أنا زهقت، هو الورق ده ناوي مش يخلص النهاردة ولا إيه؟
أجابتهُ بنبرة جادة كعادتها مُنذ أن عملت معهُ قبل الثلاثة سنوات:
-مش فاضل غير ورقتين بس يا أفندم.
بالفعل وضع إمضاءه على تلك الورقتين ليقوم بارجاع ظهره الى الخلف مغمضاً عيناه كي يحصُل علي قسطٍ بسيط من الراحة قبل مغادرتهُ للشركة،أغلقت هي ملف الأوراق وأحتفظت به بيدها وبكل حرفية أمسكت باليد الأخرى الهاتف الموضوع فوق المكتب وتحدثت قائلة بنبرة صارمة:
-كريم،تعالى حالاً علي مكتب ايمن باشا علشان تاخد الشنطة
أغلقت ثم نظرت إلي أيمن لتتحدث بوقارٍ واحترام:
-أي أوامر تانية يا أفندم؟
أجابها بوجهٍ بدا عليه الإرهاق:
-متشكر يا إيثار،تقدري تروحي لمكتبك علشان تجهزي نفسك وتروحي
أومأت له لتتحدث برصانة وهي تتأهب للإنسحاب خارج حُجرة المكتب:
-بعد إذن حضرتك
استدارت وتحركت صوب الباب ليوقفها صوتها الهاديء:
-أخبار يوسف إيه يا إيثار؟
إستدارت لتجيبهُ بابتسامة خافتة:
-بخير يا أفندم الحمدلله
سألها باهتمام:
-اللي اسمه عمرو ده لسة بيضايقك؟
تنفست بهدوء لتجيبه بملامح وجه مبهمة:
-أخر مرة شوفته فيها كان من إسبوعين،لقيته مستنيني تحت العمارة وأنا راجعة من الشغل، هددته لو ما ممشيش هتصل بالبوليس ومن وقتها مشفتوش تاني
لتكمل بنبرة بائسة:
-للأسف، مش مبطل إسلوب الضغط عليا بكل الطرق المشروعة والغير مشروعة
اجابها وهو يحمل أشياءه الخاصة:
-منصب أبوه مقوي قلبه،لو اتعرض لك تاني واتجنن وجالك إتصلي بيا وانا هعرف اتصرف معاه،الاشكال اللي زي دي محتاجة تتعامل بشدة علشان تحترم نفسها
تنهدت بأسى وهي تومي برأسها بموافقة ثم تحركت للخارج ولملمت أشيائها وقامت بوضعها داخل حقيبة يدها،صدح صوت جوالها لترفعه لمستوى عينيها وما ان رأت نقش اسم المتصلة حتى زفرت بقوة واكفهرت ملامح وجهها بامتعاض،تجاهلت الرنين لتخفيه بداخل حقيبتها،تحرك إليها كريم ذاك الشاب العشريني الذي تعين سائقًا لصاحب الشركة منذ ما يقارب من العام وقد حظي بثقة إيثار به وهذا ما جعل الجميع يتعجب حتى إيثار بذاتها استغربت لكونها رسمت الجمود فوق ملامحها وارتدت شخصية جدية لتضع حدودًا بينها وبين الجميع لم يستطع أحدهم تخطيها،لكنها سمحت لذاك الكريم بكسرها ربما لظروفهُ التي تشبهها حيث تخلى عنه جميع اهله ليشق طريقه ويفحر بالصخر كي يستطيع العيش بكرامة،مثلما فعلت تمامًا،تحرك صوبها ليتحدث بابتسامتهُ البشوشة كعادته:
-أزيك يا استاذة إيثار
بهدوء أجابت:
-الحمدلله يا كريم، أخبارك وأخبار خطيبتك إيه، لسة محددتوش ميعاد الفرح؟
تحدث بنبرة حماسية:
-قريب إن شاءالله، فاضل لنا الغسالة والبوتجاز وكدة الشقة ميبقاش ناقصها حاجة.
بابتسامة خافتة تحدثت:
-لو ده اللي معطلك تقدر تحدد ميعاد الفرح مع حماك، ولو على الغسالة والبوتجاز إعتبرهم جم، خد أماني بكرة وانزل أشتريهم وخلي صاحب المحل يبعت الفاتورة على مكتبي
-بس ده كتير قوي يا استاذة،مش كفاية ساعدتيني في أوضة السُفرة… نطقها باستحياء وخجل لتتحدث في محاولة منها للتخفيف عنه:
-إبقى ردها لي في جوازة يوسف يا سيدي.
ربنا يفرحك بيه… نطقها لتهتف بنبرة جادة:
-بسرعة روح للباشا زمانه جهز.
حمل كريم الحقيبة الجلدية الخاصة برئيسه وتحركا لتتحرك هي الاخرى خلف سيدها بالعمل حتي وصلا إلي المصعد الكهربائي لينزلا للطابق الأسفل ومنهُ إلي خارج المبني بصحبة كريم،تحرك أيمن في طريقهُ لسيارته الفارهة،واتجهت هي نحو سيارتها المتواضعة كي تستقلها لتعود إلي منزلها، وقبل أن تقوم بوضع ساقها داخلها إلتفتت لتنتظر مديرها كي يتحرك أولاً لتجحظ عينيها فور رؤيتها لظهور مُقنعان يستقلان دراجة بخارية الأول يقودها بهدوء والأخر أخرج رشاشاً وقام بتفريغ محتوياتهُ من الطلقات الرصاصية بعشوائية متفرقة مما أحدث فوضي داخل المكان وباتت أصوات الصرخات المستنجدة تتعالي
جحظت عينيها بعدما لاحظت أحد المهاجمين وهو يضغط على زيناد سلاحه الناري لتنطلق إحدى الرصاصات من فوهة السلاح بسرعة فائقة وتستقر بموضع قلب ذاك الذي وقف امام سيدهُ ليتلقى الرصاصة بدلاً عنه وكأنهُ جندي يدافع عن وطنهُ بكل بسالة ،إهتز بدنها بالكامل لتفتح فاهها بذهول بعدما رأت ذاك الخلوق مُلقى على الأرض غارقًا وسط بركة من دمائه البريئة التي سالت بدون ذنب،لتصرخ بكامل صوتها ناطقتًا باسمه وهي تنطلق إلى موضع رقوده:
-كرررررريم
هرول رجال الحراسة التابعة للشركة إلى أيمن كي يؤمنوه من أية محاولاتٍ لاعتداءاتٍ أخرى محتملة وقاموا بإحاطته جيدًا كسياجٍ بحيث لا يُخترق حتى من نملةٍ ثم أنزلوه ليحتمي خلف السيارة ،بطريقةٍ تلقائية وضع أيمن كفي يديه فوق رأسه ليحتمي من تلك الطلقات المتراشقة بين رجال الحراسة التابعين له وبين هؤلاء المُقنعين الذين خرجوا من العدم،من يستمع لصوت الطلقات يعتقد أن حربًا شرسة وقعت للتو، أما هي فلن تكترث لتلك الطلقات وبشجاعةٍ تُحسد عليها هرولت لذاك المسكين وباتت تتفحصهُ بعينيها لتهتف متلهفة:
-رد عليا يا كريم،رد عليا ارجوك
تأملت أن يُطمئنها ولو بكلمة بسيطة منه ولكنها صُعقت بعدما تحدث أحد الرجال الذي تشجع وإنضم إليها كي يفحص ذاك الكريم متجاهلاً تراشق الطلقات التي قد تصيبهُ:
-لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم،النفس إنقطع،الظاهر إن الطلقة جت له في مقتل
هزت رأسها بعدم تصديق وهى تنظر إليه لتهتف بذهولٍ:
-إنتَ بتقول ايه، اكيد ما متش، ده كان لسة بيكلمني وإحنا فوق، مستحيل
لتصرخ في محاولة بائسة منها علهُ يستفيق وينتبه لصرخاتها:
– كررررريم
وبرغم رُعب أيمن مما حدث معهُ للتو من محاولة إغتيال دنيئة إلا أنهُ نظر إلي تلك الصارخة بعدما انتبه لصرخاتها المتوالية ليتحدث بأمرٍ إلى بعض رجاله المحاطين له بعدما انتهى صوت إطلاق الرصاص وتيقن من هروب المعتدين بعدما فشلوا في إتمام مهمتهم:
-روحوا لـ إيثار وأحموها وهاتوها لعندي حالاً، وحد فيكم يتصل بالشُرطة ويبلغها بالهجوم اللي حصل
نطق كلماته قبل أن يفرد قامتهُ معتدلاً ليتحرك سريعًا لداخل مقر الشركة وحولهُ حائطًا بشريًا مكون من رجال الأمن الشخصي ذوات الأجساد الضخمة يتحركوا بحذرٍ وهم يحملون اسلحتهم المشهرة لمواجهة أي هجومٍ أخر
هرول رجلين إليها ليتحدث أحدهم وهو يتلفت حولهُ بعينين كالصقر حاملاً سلاحهُ بوضع الإستعداد:
-إتفضلي معانا جوة الشركة لحد ما ننشط المكان ونأمنه يا افندم
إتصل بالإسعاف بسرعة، كريم بيموت… كانت تلك كلماتها المتوسلة لذاك الشخص قبل أن يتحدث الشخص الأول مرةً أخرى:
-للاسف يا أستاذة،كريم مات خلاص
ليُكمل بعينين أسفتين:
-البقية في حياتك
اتسعت عينيها وهي تنظر إليه لتهتف بقلبٍ صارخ متألم لأجل ذاك الخلوق:
-إسكت حرام عليك، أكيد لسة عايش، الدكاترة أكيد هيسعفوه وهيبقى كويس
بسط أحد رجال الحراسة يدهُ وتحدث إليها باقتضاب وهو يجذبها من كف يدها:
-اتفضلي معايا يا أستاذة إيثار، الباشا مستنيكِ جوة وميصحش نتأخر عليه
رمقتهُ بحِدة وبطريقة عنيفة نفضت يده بعيدًا لتهتف حانقة:
-أنا مش هتحرك من هنا قبل الإسعاف ماتيجي.
-الباشا أمر إنك لازم تدخلي حالاً، فأحسن لك تسمعي الكلام وتقومي معايا وما تضطرنيش اتعامل معاكِ بالقوة…هكذا تحدث أحد الشخصين بحِدة وفظاظة وهو يجذبها من رسغها قبل أن تدفعهُ بعيدًا عنها نافضة يدها من لمسته لتنظر إليه بعينين حادتين كنظرات الصقر وهى تهتف بسُبابٍ:
-إبعد إيدك عني يا حيوان
كاد أن يقترب ويجذبها مرةً أخرى ليتحرك بها إلى الداخل عنوةً عنها لولا صديقه الذي اقترب منه وجذبهُ ليبتعدا قليلاً ثم هتف ناهرًا إياه بحدة:
-إنتَ إتجننت يا بني أدم، إيه اللي بتهببه ده؟
ليستطرد بتنبيهٍ:
-إنتَ عارف ايمن باشا لو عرف إنك ضايقتها هيعمل فيك إيه، ده مش بعيد يدفنك مكانك وإنتَ واقف
ليه يعني، تبقى مين بسلامتها…هكذا تحدث متذمرًا وذلك لحداثة تعيينه ليهتف الأخر بإعلامٍ:
-تبقى إيثار غانم الجوهري يا غبي.
ليستكمل بإبانة:
-مديرة مكتبه واللي مبيتحركش خطوة من غيرها،كل خبايا الشركة في عبها ومفيش صغيرة ولا كبيرة بتحصل إلا بعلمها
اشار الرجل بكفه ليتحدث مستنكرًا:
-طظ،إيه يعني مديرة مكتبه،ده أنا قولت بنته ولا قريبته من تفخيمك فيها
هز الاخر رأسه باستسلام وبصعوبة اصطحباها الرجلان للداخل تحت اعتراضها بالأول لكنهما أخذا الأوامر بإحضارها ولابد من التنفيذ،ولجت بدموعها وانهيارها لتجد أيمن يجلس فوق مقعدًا مُلقي برأسهُ للخلف ويبدوا من مظهره أن نوبة فرط ضغط الدم ستهاجمه من جديد حيث كان يتنفس بصعوبة واضعًا كف يدهُ فوق صدره ويقوم بتدليكهُ بوجهٍ شاحب، وبرغم ما تعانيه من تمزق للروح وتيهة بسبب فقدانها لذاك الخلوق إلا أنها استعادت لمهنيتها وهرولت إليه وهي تتفحصه بهلعٍ ظهر بعينيها:
-مالك يا أيمن بيه، إنتَ تعبان
ليجيبها بانفاسٍ متقطعة:
-إتصلي لي بـ أحمد بسرعة يا إيثار
على عجالة هتفت وهي تبحث بحقيبة يدها التي أحضرها أحد الرجال حيث كانت ملقاه بجوار سيارتها بالخارج:
-هكلمه حالاً يا أفندم، بس حاول تتنفس بانتظام وتهدى
بالفعل هاتفت أحمد الإبن الأكبر لـ أيمن والذي يمتلك مشفى إستثماري كبير قد أعدها لهُ أبيه ليمارس بها مهنة الطب الذي درسهُ بالخارج،بسرعة البرق حضرت قوة من رجال الداخلية وانتشر رجالها محاوطين سياج الشركة وحضر أحمد بسيارة إسعاف مجهزة طبيًا بعدما اخبرته إيثار وعلم أنها حالة ضغط الدم التي تهاجم والده عندما يتعرض لحالة من الصدمة أو الحزن الشديد، تحرك الشرطي إلى أيمن المتواجد بعربة الإسعاف يتلقى الإسعافات الأولية وتحدث بوقار:
-حمدالله على سلامتك يا أيمن بيه
-الله يسلمك يا حضرة الظابط.. ليتحدث الضابط من جديد:
-حضرتك بتتهم حد بالهجوم المسلح؟
تذكر ذاك الرجل الذي حضر ليقوم بتهديده وهاجمه في عُقْر داره ولم يخشى رجال الحراسة المسلحين، نظر له ليجيبه:
-مفيش غيره،”صلاح عبدالعزيز”، هو اللي هددني من يومين لما اتهجم عليا في قلب بيتي وكان موقف رجالته بالسلاح بره
سألهُ الضابط:
-عملت محضر بالواقعة دي؟
هز رأسه باعياء ظهر على ملامحه:
-محبتش اكبر الموضوع، قولت راجل موجوع على إبنه وجاي يفش غله بكلمتين فارغين، بس متوقعتش إنه هيطلع مجنون زي إبنه وينفذ تهديده
لاحظ أحمد شحوب وجه والده فهتف بشدة:
-لو سمحت يا افندم، يا ريت تأجل التحقيق لوقت تاني لأن زي ما حضرتك شايف، والدي تعبان ولازم يتنقل المستشفى حالاً قبل ما حالته تتأثر وتسوء
اومأ الشرطي وانتقل للشهود في حين تساءل أحمد بنبرة لائمة:
-ليه مبلغتنيش إن صلاح عبدالعزيز جه هددك في البيت؟
ليستطرد لائمًا على زوجته بجبينٍ مُقطب:
-وازاي “سالي” متقوليش على حاجة زي دي؟!
بنبراتٍ متقطعة نتيجة حالة الاعياء تحدث بضعفٍ:
-محبتش اشغلك يا ابني،كفاية عليك شغل المستشفى اللي واخد كل وقتك
ليستطرد بإبانة:
-وانا اللي قولت لمراتك بلاش تبلغك علشان متقلقش
-ريح نفسك ومتتكلمش يا بابا، إحنا لازم نتحرك حالاً… نطقها وهو ينظر للضجيج من حولة أنوارًا ساطعة لسيارات الشرطة التي انتشرت بالمكان وفريق من النيابة العامة التي حضرت لتعاين جثة كريم، وتلك المسكينة التي تقف تتابع بدموعٍ منهمرة ذاك البريء الملقى أرضًا غارقًا بدمائه الطاهرة، لقد دفع حياته ثمنًا وهو يحمي رب عمله،مشهد درامي يدمي القلوب وتقشعر له الأبدان، أشار للضابط ليفسح لسيارة الإسعاف كي تتحرك بوالده الذي وما أن رأى الضابط يقترب من إيثار ورأى إنهيارها حتى تحدث وهو يشير لنجله:
-روح لحضرة الظابط وخليه يأجل استجواب إيثار معايا لبكرة هنا في الشركة، وخلي حد من رجالتنا يتابع موضوع كريم ويفضل مع جثته لحد ما يطلع له تصريح الدفن
ليستطرد بتأثر وصوتٍ متقطع:
-الولد ملوش حد في الدنيا غير خطيبته واهلها
بالفعل تحرك الشاب للضابط وقص ما املاه عليه والده ليقتنع الضابط بحديثه بعدما رأى ارتعاشة جسد تلك المرعوبة ليسألها أحمد عن حالها:
-إنتِ كويسة؟
هزت رأسها بإيماءة لتتطاير دمعاتها ليسألها متأثرًا بحالتها:
-هتقدري تسوقي ولا اخلي حد من الحرس يوصلك؟
هسوق بنفسي، اتفضل حضرتك خد الباشا على المستشفى وياريت تبقى تطمني عليه… اومى لها وتحرك بأبيه على المشفى، ألقت نظرة وداع على صديقها لتخرج منها إبتسامة مريرة وهي تحدث حالها وكأنها ترثي روحه:
-يا لحظك التعيس أيها الرفيق، ماذا فعلت يا صديقي لكي تجني كل هذا البؤس من الحياة،لقد تلقيت صفعتك الاولى عندما ترككَ أباكَ وانتقل للحياة الأبدية بينما لاتزال جنينًا بأحشاء والدتك،وقبل أن تتم عامك الثاني ابتعدت الاخرى بعدما تقدم لخطبتها ثري عربيًا وكان شرطه الأول هو التخلي عنك حتى يحظى بكل اهتمام تلك فائقة الجمال له،لتوافق في الحال وتترككَ في رعاية جدتك لأبيك،هذه السيدة المسنة التي غمرتك بحنانها الفياض كتعويضًا عن التي اختارت أن تعيش لأجل حالها ودلالها وتنعمها بثروة زوجها وفقط،حتى أنها لم تطرأ برأسها فكرة النزول إلى مصر منذ أن غادرتها وهي عروس لتطمئن على صغيرها،وما أن وصلت لسن السادسة حتى تركتك تلك العجوز لتضل بجسدك النحيل بلا عون،بلا سند،لتتلقى لطمتك الكُبرى من الحياة،إجتمع بعضًا من الجيران وتناقشوا بامرك حتى وصلوا إلى حلاً،وهو ان يضعوك داخل “الْمَيْتَم”دار لإيواء الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية، ترعرعت بداخله حتى أصبحت شابًا واتممت دراستك الجامعية لتخرج للحياة من جديد لتشق طريقك وتلتقي بحب العمر ويتم الإرتباط بشكلٍ رسمي إلى أن وصلت إلى هنا، جثة هامدة،يبدوا أن الله قد احبك كثيرًا لذا أراد أن يحمي روحك الطاهرة قبل أن تتدنس في خطايا الحياة
ابتسمت بدموعها المنسدلة لتحدث حالها بصوت باكٍ يملؤه القهر وهي تُلقي على جثمانه نظرتها الاخيرة:
-وداعًا يا صديقي الصغير،فلتتنعم روحك الطاهرة في الفردوس الأعلى،سلامًا لروحك النقية وإلى أن نلتقي.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أنا لها شمس)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى