روايات

رواية السماء تشهد أيها الماجن الفصل السادس عشر 16 بقلم رضوى جاويش

رواية السماء تشهد أيها الماجن الفصل السادس عشر 16 بقلم رضوى جاويش

رواية السماء تشهد أيها الماجن البارت السادس عشر

رواية السماء تشهد أيها الماجن الجزء السادس عشر

السماء تشهد أيها الماجن
السماء تشهد أيها الماجن

رواية السماء تشهد أيها الماجن الحلقة السادسة عشر

-الخاتمة –
.. أمير الحكايات ..
انهى بعض المعاملات عند موظف الاستقبال وعاد إليها سريعا حيث كانت تنتظره تجلس لا تصدق أنهما معا ..
هتف في مرح وهو يمسك بكتف المقعد المقابل لها على الطاولة :- هل أجلس أم أنك ستتركين الطاولة..!؟..
اتسعت ابتسامتها وهو يذكرها بلقائهما على الباخرة ولم تعقب بحرف ليجلس متطلعا إليها تجول نظراته على محياها في اشتياق قاهر وهمس في عشق :- حياة .. هناك الكثير لا تعرفينه عني أو حتى عن سبب ذهابي بعيدا عنكِ..
شعرت أنها ستسمع الكثير من الحقائق التي طالما أرقها جهلها بها ليال طوال فهزت رأسها تؤكد اصغائها دون أن تنبس بحرف ليستطرد هو بجدية :- حسنا .. لا أعلم من أين ابدأ .. لكن لبنبدأ باسمي كاملا.. انا آدم عبدالخالق الصيرفي ..
زمت ما بين حاجبيها وقد استشعرت ان وقع هذا الاسم مألوفا على مسامعها ليستطرد مؤكدا حدسها:- أنا بن عبدالخالق الصيرفي صاحب مجموعة شركات الصيرفي والذي كان ..
هتفت تقاطعه :- لقد كان صديقا لجدي !؟..
واستطردت في سرعة مترقبة إجابته التي تعني لها الكثير :- وجدي هو من طلب منك مصاحبتي في الرحلة من أجل الحفاظ علي و..
منعتها قهقهاته من الاسترسال وهتف متعجبا :- لديك خيال خصب للغاية .. لقاءنا كان قدريا يا حياة .. لقاءنا دبره الله دون تدخل من أحد .. وأبي لم يكن صديقا لجدك بل صديق والدك رحمهم الله جميعا..
همست متعجبة :- حقا !؟..
أومأ في إيجاب مستطردا :- وجدك لم يعلم من أكون حتى انفردت به في الغرفة يوم عودتنا ..
تطلع من النافذة الزجاجية للمقهى هامسا وهو يسترجع مشهد اللقاء بينهما بعد أن أبقاه وأمر الجميع بالخروج من الغرفة :-
” تطلع السعيد إلى آدم أمرا :- اقترب .. أشعر أني اعرفك رغم أني متأكد أني لم ارك من قبل ..
تقدم آدم حتى جلس على طرف الفراش هامسا في تأدب :- نعم أنت لا تعرفني .. لكني أعرفك جيدا وحانت الفرصة لأشكرك..
همس السعيد متعجبا :- من أنت !؟..
أكد آدم متنهدا :- أنا آدم عبدالخالق الصيرفي..
دمعت عينا السعيد وهز رأسه في استحسان هامسا :- ابن عبدالخالق رحمه الله .. كان ونعم الصديق لولدي باهي رحمة الله عليه.. أنت تشبهه كثيرا لذا اعتقدت أني رأيتك من قبل ..
ابتسم آدم وهمس :- رحمهما الله ..
ثم تنحنح هامسا :- سيدي .. أريد أن أبلغك بأمر ما.. أنا وحياة كنّا بهذه الرحلة سويا وانجانا الله على الجزيرة سويا لكن أشهد الله أني عاملتها بما يرضيه .. وكنت اعتقد أننا لن ننجو من الجزيرة فعرضت عليها الزواج لكن الطائرة أنقذتنا ولم نتمه .. كان يمكن أن يحدث أي أمر آخر خلال بقاءنا في الجزيرة وحيدين، أي امرأة أخرى غير حياة لكن حياة كان لها وضعا آخر أكثر تقديرا لأنه كان عليّ رد معروفك كاملا ..ذاك المعروف الذي ظل مطوقا عنقي ولم أنسه وأقسمت ان أرده لك يوما ما ..
همس السعيد متعجبا :- أي معروف !؟..
أكد آدم متنهدا :- عندما تُوفي أبي كانت شركته مديونة وشبه مفلسة وكنت شابا صغيرا لا قبل لي على تحمل إدارة شركة خاسرة أو انقاذها.. احتجنا لدعم الأصدقاء لكن الكل خزلنا إلا أن أمي جاءتني يوما وكنت قد فقدت الأمل في انقاذ الشركة التي أضاع أبي عمره في تشييدها وأخبرتني انها توصلت لأحد الأصدقاء الذي لم يعطي لنا ظهره كالبقية ومد يد المساعدة لنا لكنه فضل عدم ذكر اسمه ..
انقذت الشركة بمساعدات ذاك الصديق الوفي بل أني طورتها وجعلتها من أكبر الشركات لكني أبدا لم انس ذاك الرجل الذي حاولت أن أعرف من يكون لكن أمي رفضت لأنها قطعت وعدا له بألا تخبرني .. تُوفيت أمي وفي يوم كنت ابحث بين أوراقها فوجدت اسمك وعرفت الحكاية..
دمعت عينا السعيد وقد تذكر القصة التي مر عليها أعوام طويلة حتى أنها تاهت بين أروقة الذكريات ..
استطرد آدم :- علمت من يكون ذاك الصديق الذي كنت أدين له بكل ما أملك والأهم أدين له بسمعة والدي الغالية .. يومها كنت قد تركت الشركة لإدارة بن خالي سامي لظروف خاصة وخرجت للعمل كمرشد سياحي لأفواج تابعة لإحدى شركاتنا .. مللت من رحلتي وابدلتها مع مرشد اخر والذي رأيت بين مجموعته اسم حفيدتك في ذاك الفوج بإيطاليا وقد شعرت أن من واجبي الحفاظ عليها حتى تعود إليك سالمة فقد شعرت أن الله قد أرسل لي هذه الفرصة لسداد دينك الذي يطوق عنقي .
راقبتها وكنت كظلها حتى أننا وللعجيب ركبنا نفس الطائرة معا لأن سامي استدعاني بشكل ملح لأمر طارئ بالشركة فبحثت عن طائرة للعودة فإذا بي أفاجأ أنها طلبت السفر على نفس الطائرة والتي عملت على جلوسي بالمقعد المجاور لها بمساعدة مضيفة صديقة..
وعندما اكتشفت أنها على قيد الحياة وأصبحنا وحيدان بالجزيرة عملت على راحتها والحفاظ عليها حتى من نفسي ردا لجميلك .. والآن ها أنا أمامك ارد لك أمانتك بما يرضي الله .. وأنا..
هتف السعيد مقاطعا وهو يربت على كف آدم في فخر :- أنت رجل صالح .. لقد استودعتها الله فردها إليّ بهدية غالية هو حفيد آخر عوضني الله به .. أرجوك .. اكمل رد المعروف وتزوجها .. فأنا أعلم أن أيامي بالدنيا معدودة وهى وابنة عمتها وحيدتان .. أنا أموت قلقا في كل لحظة وأنا أعلم أن حقهن ضائع والذئاب تحاوطهن.. فأرسلك الله لتكون خير معين ..
تزوج حياة واكشف سرقات مهني ومكائد الحقير شهاب زوجها السابق الذي كادت أن تموت ببيته وعانت الكثير .. تزوجها حتى تسلمها إرثها الشرعي الصحيح في الوقت المناسب بعد أن تمهد الطريق أمامها ..
أنا أعلم أني أثقل عليك .. لكن أرجوك أقبل حتى اطمئن بقبري على أمانة أولادي .. وتكون قد رددت المعروف كما يجب ..
وابتسم الجد ينظر الي عيني ادم نظرة عجوز خبير بباطن الأنفس هامسا :- وإذا ما أردت بقاء حياة زوجة لك .. فلا تتعجلها .. دعها حتى تأتيك راضية .. فقلبها كسير وروحها مهزومة .. وعندما تقرر هي ان تقترب أعلم أنها ستلقي بين يديك بكامل أوجاعها وكل مرارتها طالبة دون أن تهمس بحرف أن تكون دوائها فلا تخزلها أرجوك..
أومأ ادم في ثبات وهو يرفع يد الجد إلى فمه ملثما إياها :- وأنا قبلت زواجها على هذا يا جدي ..
ربت الجد على رأس ادم في امتنان ثم رفع يده للسماء متضرعا بشكر خفي .. ”
هتف آدم متنهدا ينظر لحياة التي كانت تجلس مبهورة بما تسمع :- كان هذا هو ما بيني وبين جدك رحمه الله .. ذاك الرجل الصالح الذي سيظل جميله مطوقا عنقي ما حييت ..بعد وفاته بدأت في التحرك بكل الاتجاهات مدافعا عن حقك ومحاولا كشف الحقير مهني وكذا الأحمق شهاب والحية الرقطاء أخته .. وانتظرتكِ طويلا .. انتظرت ان تتحركي خطوة تجاهي .. ان تستشعري مقدار رغبتي في البقاء قربك للأبد .. تلك الرغبة التي كنت أنكرها كالمغفل .. حتى أني يوم وافقت على مطلب جدك بالزواج بكِ اعتبرته إرضاء لرغبة عجوز يحتضر أكرمني سابقا .. كنت أضحك على نفسي وانكر أني أريدكِ بكل ذرة في كياني..
شهقت حياة لتصريحه ودمعت عيناها ليستطرد هو مبتسما في شجن :- رحل جدك وظهر ذاك الاحمق زوجك السابق مدعيا بأنك لازلتِ زوجته .. هل تعرفين كيف شعرت لحظتها .. أقسم أني كدت اقتله بالعزاء لولا بعض من تعقل .. لكن هذا لم يخمد تلك النيران المستعرة بداخلي فذهبت لبيته ما أن قرأت رسالته إليك بالصدفة ولقنته درسا لأجد عنده الأوراق المزورة التي تدينه.. أخذتها وتواجهنا يومها .. لا يمكن أن تتخيلي حالي ساعتها أتمزق ما بين رغبتين كلاهما مر حتى تركتك وعدت إليه مرة أخرى أثأر لكِ ..
هزت رأسها وهي تتذكر مظهر شهاب عندما رأته ..كان يبدو عليه أنه خارج لتوه من معركة مع أحد الديناصورات..
استطرد آدم في اضطراب متطلعا إليها وهى لا تقل عنه اضطرابا :- لقد اكتفيت من الهوى وأوجاعه يا حياة فأنتِ لن تدركي مهما أخبرتك عن وجع الرجل عندما يكتشف خيانة زوجته التي كان يعشق، وكان يظن أنها الأقرب إليه من نفسه والسبب أنها امرأة جامحة تريد رجلا جامح العشق لا رجل عادي أشبه بالماء الراكد .. رجلا لا يلبِ رغباتها ويعمل على إرضائها.. رجل تزوجته من أجل ماله لا رغبة في مشاركته حياته وأحلامه ..ساعتها ادركت أن العشق خديعة وأن الهوى قصصا خرقاء و شؤون القلب أوهام مختلقة ولا يوجد في دنيانا شيئا ندعوه حبا .. كل تلك المسميات لا وجود لها على أرض الواقع .. بعض من تخيلنا.. تركت كل شيء ورائي متنقلا من امرأة لأخري .. ويعلم الله اني ما سعيت لإحداهن بل كن هُن الساعيات وكم أرضى ذلك غروري وقدم لي مسكنا لكرامتي الرجولية الجريحة .. لم أكن أتماد ما إحداهن كان يكفيني ذاك المسكن بسعيهن إليّ وكنت محصنا تماما من الوقوع في الحب.. لم يكن لى رغبة أو حتى قدرة في إعادة الكرة الخاسرة من جديد .. لأني كنت أعلم أني لن أستطيع تحمل الخسارة هذه المرة .. وعندما ظهرتي أوهمت نفسي أنك واحدة من كل ولا فرق في الفوز بك أو خسارتكِ .. لكني كنت أحمق .. لأن هذه الخسارة كانت معناها فقدك .. كنت تائها يا حياة وأوهمت نفسي أن البعاد هو الحل .. ابتعدت وأنا اضبط لك كل أمور حياتك حتى لا اخلف وعدي مع جدك وأظل احميكِ.. ابتعدت وأعطيت لك حريتك حتى تعيشي وتنس الماضي وأوجاعه ..
لكن للمرة الثانية أدرك معنى الحمق الحقيقي وأنا احاول الانغماس في حياتي السابقة قبل أن ألقاكِ لأفشل تماما في أن أكون ذاك الآدم الذي ألتقيته فقد اصبحت آدم جديد منذ أدركت أني اهرب من هواكِ معتقدا أني أستطيع العودة لسابق عهدي وكأن شيئا لم يكن ..
ازدرد لعابه مستطردا وهو يمسك بكفيها المرتعشتين عبر الطاولة وعيونها تلمع بدمع شيمته العشق :- لقد طاردتني ذكرياتنا سويا كما ظلي .. رافقت أنفاسي .. تخللت أحلامي .. أصبحت هاجسي في صحوي .. كنت أرى خيالا منك في كل امرأة تمر أمام ناظريا .. كنت مسكونا بكِ.. اتدركين كم كان هذا قاسيا حياة !؟..
سالت دموعها على خديها سخينة متتابعة وشهقت تهز رأسها ايجابا وهمست بصوت متحشرج :- نعم ادرك .. ادرك كل هذا اكثر مما تتصور .. أدرك كل حرف تفوهت به لأنك كنت تصف لتوك حالي بعيدا عنك.. تركتني .. وكنت أظن أن العيب في وفي جسدي المعطوب و..
هتف مؤكدا في هدوء :- كنت اعلم ..
تطلعت اليه مشدوهة وسألته :- كنت تعلم ماذا !؟..
هز رأسه هامسا :- لقد رأيت تلك الندوب على ظهرك و رأسك الحليق ساعة أن كنّا على الجزيرة .. يوم ان استيقظت باحثا عنك لأجدك عند النبع تستحمين بأمان معتقدة أني لازلت نائما ..
شهقت في صدمة ليستطرد في سرعة :- أقسم أني ما كنت متعمدا وكنت في سبيلي للابتعاد لكنك ظهرت فجأة من تحت مياه الشلال التي كانت تغمرك كليا لأري تلك الندوب وأعرف لما كنت دوما متمسكة بغطاء شعرك حتى بعد زواجنا .. تمنيت أن تمنحيني ثقتك وتخبريني سرك لكنك لم تفعلي إلا يوم أن واجهتني طالبة الطلاق اعتقادا منك أني ساعيا لمالك وجسدك .. وذلك كان سببا آخر جعلني أود لو اقتل ذاك الشهاب بدم بارد ثأرا لكِ..
همست موجوعة ولازالت الدموع تنسكب من عينيها معلنة عن كم من العتب لا يمكن تجاهله :- كشفت لك يومها جسدي ..أظهرت لك الندوب وشعر رأسي الحليق.. كنت أريدك ان تنفر وتبتعد .. أو هذا ما كنت اعتقده .. صدقني يومها ما أردت ثأرا بل أردت بلسما ودواءً .. أردت أحضانك الدافئة وامان ذراعيك .. أدرتك لحظتها وبشدة ..
على الرغم من محاولاتك لإظهار مدى دناءة رغباتك إلا أن هاتفا ما داخلي كان يخبرني أنك لست بهذه الصورة القبيحة التي تحاول تصديرها لي وأن ذاك الرجل الذي عايشته على الجزيزة وكبح جماح رغباته الماجنة من أجل الحفاظ علىّ لا يمكن أن يكون بذاك السوء الذي يظهره ..
لكنك ابتعدت ..
همس متأوها :- كنت أنفذ وصية جدك .. كنت انتظر مجيئكِ .. لكنك لم تأ..
قاطعته باكية :- بل اتيت ..
تطلع إليها في صدمة لتستطرد وهي تشهق في وجع :- أتيتك وأنا اتمني أن ألقي على اعتابك بكل الأوجاع التي خلفها خزلان الجميع لكنك خزلتني .. سمعتك يومها وأنت تحدث شخص على الهاتف تخبره أنك سترحل عني خلال أيّام ما أن تحصل على مبتغاك لترد له دينه وأن العشق كلمة ليست بقاموسك ولا مكان للهوى بقلبك ..
انتفض ادم مؤكدا :- كنت أحدث سامي بن خالي أخبره أني اثقلت عليه بالفعل لأنه كان يحمل مسؤلية إدارة شركاتي بجانب دفعي له لتمثيل دور راغب الوظيفة حتى يكون بقلب شركتكم ويستطيع الاطلاع على حسباتها بحكم وظيفته ويكشف ذاك اللص مهني ..
أما ما ادعيته فيما يخص العشق فذلك لأنني..
صمت للحظة وتطلع إليها ضاما كفيها في تعلق وهمس بصوت متحشرج يواري وجعا مضاعفا :- لأنني كنت مشوشا وخائفا.. صدقيني ليس سهلا على رجل أن يخبر امرأته أنه خائف .. لكنني كنت كذلك..
همست في عشق :- امرأته !!..
اكد في عشق مماثل :- نعم امرأته .. وزوجته وحبيبته.. أنا أحبك يا حياة وأريدك بحياتي ..
همست في اضطراب :- ألن تندم ..!؟..
همس مؤكدا :- لقد ندمت بالفعل .. ندمت على كل لحظة أضعتها وأنا بعيد عنكِ احاول التحايل على هذه المشاعر التي تقتلني شوقا إليك والتغلب على تلك الاحاسيس التي تدفعني دفعا للبحث عنك واعادتك اليّ وقد ايقنت انك سرقتي راحة بالي للأبد .. فهل تقبلين !؟..
همست بوله ودموعها منسابة في سعادة غامرة :- نعم أقبل .. أقبل وبشدة
جذبها لتنهض خلفه لتهتف في اضطراب :- إلي أين!؟..
هتف متعجبا :- إلي حيث عشنا السعيد .. لقد رتبت كل الأمور وكذا وسيلة لعودتنا حتى نلحق بزفاف سامي ونهى ..المسكين .. لم يستطع الفكاك من شرك ابنة عمتك ..
قهقهت فهى تدرك نهى وتعرفها تمام المعرفة ليستطرد آدم مازحا :- سنحضر الزفاف لأسلم لها ابن خالي العزيز على طبق من فضة لتفعل به ما يحلو لها .. ثم ..
توقفت لتتطلع اليه هاتفة بمزاح :- ثم ماذا !؟
نظر إليها نظرات عابثة ولم يعقب لتنفجر ضاحكة هاتفة في مرح :- لا فائدة ترجى منك .. العون يا الهي..
قهقه مؤكدا :- أحسنتِ يا فتاة .. استمري .. فستحتاجين هذا الدعاء كثيرا الفترة المقبلة ..
علت ضحكاتها من جديد وهى تتأبط ذراعه في عشق فاضح لا يمكن أن تخطئه عين ..
************
انزلتهما الطائرة بالجزيرة على ذاك التل الذي ألتقطتهما منه يوم ًإنقاذهما ..
كانت تقف بثوب زفافها تتحامي فيه من ذاك الريح الهارد الذي خلفه رحيل الطائرة مبتعدة ..
استدار إليها ليتنحنح في شقاوة هاتفا وهو يقترب منها :- أين توقفنا في المرة السابقة!؟..
امسكت ضحكاتها ولم تعقب خجلا ليضم خصرها بكفيه هامسا في نبرة من يسوق لها المبررات حتى ترضى عنه :- أنا وأنتِ وحيدان على هذه الجزيرة ومعي قسيمة زواجنا بما يرضي الله ولمزيد من التأمين أغلقت باب الجزيرة حتى لا نستقبل زوارا..
قهقهت لمزاحه فاضطرب خافقه جاذبا إياها خلفه ليهبطا التلة سويا ..
توقفا حيث كان موضع كوخيهما القديمين لتشهق حياة من روعة ما تره ..
فقد تم استبدال الكوخين بآخر مبني بشكل أكثر احترافية مع وجود مصابيح بكل مكان من مدخل الكوخ بطول الطريق للشاطئ ..
همس آدم في فخر:- ما رأيك !؟..
تطلعت إليه في سعادة :- إن هذا رائع .. أنت من فعل كل هذا !؟..
همس مبتسما :- ليس بالضبط لكني أمرت بذلك .. حاولت ألا أغير من الشكل الأصلي لكن بإضافة بعض الرفاهية ..
وامسك بكفها ليدخلا الكوخ هامسا :- تعالي لم تر شيئا بعد !؟..
تبعته في وجل وهو يدفع باب الكوخ لتفغر فاها في دهشة فقد كان الداخل مصمم بشكل رائع أشبه بحجرة في فندق خيالي .. الأرض بها بعض البسط الخفيفة والأركان مزينة بالطنافس والوسائد الملونة والشموع ذات الرائحة العطرية تنتشر هنا وهناك بشكل ساحر .. وأخيرا ذاك الفراش الذي يشبه أحد الأسرة التي رأتها يوما في فيلم تاريخي .. كان رائعا وشديد العظمة بأعمدته التي يرتسم عليها رؤس لأسود ضارية وتنساب من أعلى تلك الأعمدة غلالات رقيقة متداخلة الألوان تهتز في رقة بفعل ذاك الهواء القادم من ناحية البحر لتعطي جوا أسطوريا مصاحبا لاهتزاز لهيب الشمعات التي تعكس أضواءها في سحر يخلب اللب.
همس في سعادة لردة فعلها :- هل أعجبك !؟
همست بدورها :- إنه أكثر من رائع ..
اقترب يمد كفيه يزيح عن رأسها حجابها الذي أصرت على الاحتفاظ به وأقسمت ألا تخلعه ابدا ..فكما ستر عيبها قررت أن يستر جمالها له وحده .. ذاك الرائع الذي تطلع إليها وإلى شعرها الذي استطال قليلا حتى وصل لطول مناسب يعطيها مظهرا أنثويا وهمس مشاكسا :- ها قد استطال زغب بطتي وظهر هذا الشعرالكستنائي الرائع قطتي..
قهقهت حياة متطلعة اليه :- ألهذا كنت تناديني بطتي !؟..
أكد وهو يعبث بخصلات شعرها الناعمة مؤكدا :- نعم ..
وغمز بعينه عابثا :- منذ ذاك اليوم على النبع ..
نظرت إليه نظرة عاتبة ليقهقه وهو يضمها هامسا بمشاكسة :- ماذا !؟.. قد أصلحت غلطتي وتزوجتك ..
علت ضحكاتها ليهمس متطلعا لعمق عينيها:- بمناسبة هذا الجو الخيالي .. هل أقص عليكِ إحدى أساطيري .!؟..
كانت تداري نظراتها خجلا منه هامسة :- عن ماذا ستروي حكايتك هذه المرة !؟..
كان رده على سؤالها بحملها بين ذراعيه لتشهق في صدمة هاتفة :- ماذا تفعل !؟..
همس في مجون متجها لفراشهما :- ابدأ في قَص الأسطورة .. هل سمعتي يوما عن هرقل .. بالتأكيد سمعتي .. انا الليلة سأريك مناقبه فعليا ..
قهقهت متعلقة برقبته هامسة :- أيها الماجن .. كيف السبيل لتأديبك !؟..
همس وهو يضعها بوسط الفراش منضما إليها :- لا سبيل لذلك صدقيني .. فلا تضيعي وقتك سدى ..
قربها إليه متطلعا إليها من عليائه ناظرا لعمق عينيها ليهمس في وله :- حياة .. أريد أن أعيش الحياة بكل تفاصيلها بين ذراعيكِ..
همست في اضطراب :- لكن .. أنا ..
همس بعشق وهو يغيبها بين أضلعه :- أنتِ لي وحدي ..
ساد الصمت وتراقصت الشموع في رقة على نغمات القلوب العاشقة ونبضاتها و بدأت في البكاء فرحا مع كل لحظة تمر من ملحمة الهوى التي تشهدها وكأنما الأرواح قد تعانقت لتصبح الطبيعة كلها شاهدة على ذاك العشق المسطور على لوح القلوب التي اضناها الوجع ..
همس آدم أخيرا وهو يلقي برأسه فى ذاك التجويف ما بين ذقنها وكتفها متنهدا في سعادة هامسا باسمها :- حياة..
لم تفه بحرف أو حتى همهمت فرفع رأسه متطلعا إليها ليجدها تغلق عينيها كأنما تحتبس الدموع بين أجفانها، ليهمس من جديد بالقرب من مسامعها :- حياة .. انظري إليّ..
هزت رأسها نفيا ليعيد الأمر من جديد وهو يضم جانبي رأسها بكفيه هامسا :- افتحي عينيكِ وانظري الىّ ..
اطاعت في تردد وتطلعت إليه بأعين لامعة لأثر الدمع بمآقيها ليهمس :- حياة .. اخطأ من اسماكِ حياة ..
تطلعت إليه في وجع ليستطرد هامسا وابتسامة عاشقة ترتسم على شفتيه :- أنتِ بعث .. بعث لنبض قلبي وسعادة روحي .. أنتِ حياتي ..
انسابت الدموع كخيوط من فضة على جانبي وجهها مع ابتسامة واسعة ارتسمت على شفتيها واندفعت تلقي بنفسها بأحضانه تطوقه بذراعيها ليغمرها بين حنايا روحه يهدهد جراحها ويضمد الأوجاع التي خلفها الماضي ..
لكنه استعاد روحه المرحة سريعا وهو يبعدها قليلا عن أحضانه هامسا في مشاكسة :- هل أعجبتك أسطورة هرقل !؟..
اتسعت ابتسامتها مؤكدة :- أعشق كل أساطيرك يا أمير الحكايات ..
تطلع إليها في عشق وهتف تعلو وجهه الفرحة :- من أجل هذا اللقب الرائع قررنا نحن أمير الحكايات أن نقص عليك سلسلة هرقل كلها .. والله الموفق والمستعان ..
انفجرت ضاحكة وهو يجذبها مرة آخرى بين ذراعيه لتستعيد روحها التي افتقدتها منذ زمن .. لتعود أخيرا حياة للحياة ..
****************
كان يستند على جذع إحدى الأشجار وهى بجواره تتأبط ذراعه وتسند رأسها على كتفه يتطلعان للبحر المنسابة أمواجه في رقة مدفوعة للشاطئ تحمل اسرار البحر سرا وراء سر لتفضي بهم للعشاق على مقربة من موضع لفظها لانفاسها الأخيرة ..
لمعت كوكبة من نجوم بالسماء ليشير ادم اليها هامسا :- انظري .. هذه مجموعة “النسر الواقع”..امعني النظر .. تشبه القيثارة ..
تطلعت حيث أشار وتتبعت النجوم لتري تلك القيثارة فعلا ..
همست في رقة :- وما قصتها !؟.. فلا يوجد لديك امرا ليس له حكاية ما !؟..
همس في فخر :- ألست امير الحكايات !؟..
ضحكت مؤكدة :- بلا ..هيا اخبرني .. ما قصة هذه القيثارة اللامعة هناك !؟..
همس حاكيا في صوت رخيم أشعرها بسلام داخلي بحثت عنه طويلا والان وجدته بقربه:- كان “اورفيوس” بن الاله “ابولو” واله الشعروالموسيقى “كاليوبه” قد أهداه ابوه قيثارة ما ان يعزف عليها حتى يسحر بألحانه كل كائن حتى الحصى والشجر كانت تتبعه حيث يذهب بألحانه السحرية والتي كان النهر يتوقف جريانه لسماعها ..
عشق “اورفيوس” حورية الغابة “بوريديسي” وهام بها عشقا لكن الموت اختطفها منه عندما لدغتها أفعى وهى تهرب من محاولة أخيه الغير شقيق مراودتها عن نفسها ..
حزن “اورفيوس” وبكاها كثيرا وعزف ألحانا على قيثارته ابكت الحجر حتى ان ابوه تشفع له ليقوم برحلة الى العالم السفلي عالم الظلام والأموات ربما يستطيع استعادة زوجته الحبيبة ..
همست حياة :- ألهذه الدرجة يعشقها!؟..
اكد ادم :- كان عشقها حدثا ومضربا للأمثال..لكن ابوه لم يستطع ان يوفر له فرصة الرحلة للعالم السفلي فقرر “اورفيوس” استخدام ألحان قيثارته ووقف على ضفاف نهر”ستيكس” الذي يفصل ما بين عالمي النوروالظلام وأخذ في عزفها ساحرا ناقل الأرواح “خارون” وكلبه “كربروس” لينقله لعالم الموتى بقاربه وهناك استطاع التأثير على اله العالم السفلي “هادس” مستعطفا إياه ليرد له زوجته التي يعشق وبدأ في عزف ألحانه فلان قلبه ووعده باعادتها معه لكن بشرط واحد ان لا ينظر للخلف حتى يصبح بعالم الأحياء..
أطاع “اورفيوس” لكن الشوق استبد به حتى انه استدار ناظرا لزوجته قبل ان يعبرا الفاصل ما بين العالمين لتختفي”بوريديسي” للأبد .. هام “اورفيوس” حزنا على محبوبته التي أضاعها .. راودته كثيرا من النساء عن نفسه لكنه ظل مخلصا لمحبوبته حتى تأمرت هؤلاء النسوة عليه لقتله .. ولم يكن يعلمن أنهن بقتله قد ارحوه من عذابه أخيرا لانه انضم الى زوجته الحبيبة بالعالم السفلي ليعيشا للأبد بينما حولتهن الاله لشجر بلوط ورفعت قيثارته تخليدا لوفاءه لتكون تلك المجموعة الرائعة من النجوم بالسماء ..
همست حياة في استمتاع:- قصة رائعة ..
همس مشيرا لاحدى الأشجار متسائلا :- اتعرفين ما نوع هذه الأشجار السامقة هناك..!؟..
هزت رأسها نفيا ليهمس مؤكدا :- انها أشجار بلوط ..
هتفت حياة في ذعر :- المتأمرات !!..
قهقه ادم وهو ينهض جاذبا إياها :- تعالي..
ضغط ذر تشغيل الموسيقى وضمها بين ذراعيه متمايلا هامسا في عشق :- اورفيوس يعزف ألحانه بقيثارته بالأعلى وانا سأغني بالأسفل ولتشتعل المتأمرات هناك غيرة ..
قهقهت وهو يضمها اليه اكثرهامسا بكلمات الاغنية التي بدأت تنساب من بين شفتيه :-
أنا لم أتغير…
ما زلت ذلك الشاب الغريب
الذي أطربك يوماً بالشاعرية…
والذي خلق لكِ الأعياد…
وجعلكِ تسافرين…
أنا ما تبدلت…
ما زلت ذلك الصبي الذي يغزوه قليلٌ من الجنون..
أرغب في أن أحميك…
وأرغب في أن أحرسك وأذوب فيك…
***************
صرخت حياة في ثورة وهى تدخل حجرة طفلها باحثة عن ادم وهى على علم تام انها ستجده هناك يقص على لده احدى أساطيره :- اترك الولد لينام .. لقد تأخر وعليه الاستيقاظ مبكرا من اجل المدرسة ..
هتف ادم متعللاً :- لقد اوشكت على الأنتهاء..
هتفت في غيظ :- انت ما ان تشرع في بداية أسطورة من تلك الأساطير الا وتنهيها بعد ساعات .. كيف سيستيقظ الولد صباحا !؟.. انه ينام بالصف حالما بالجنيات ..
قهقه ادم متطلعا لولده :- هل هذا صحيح يا صغيري!؟..
شعر الولد بالحرج قليلا واخيرا تطلع لابوه يهز رأسه في إيجاب ليعاود ادم القهقهة رافعا كفه ليضرب عليها الصغير مصفقا فيهتف مؤكدا :- مرحى فالولد سر ابيه .. لقد كنت اترك الدرس وامضي في ..
تنحنحت حياة في حنق محذرة من تشجيع الطفل على التمادي في الخيال :- ادم ..
تنحنح ادم بدوره في ادراك وتفهم هاتفا لولده :- لقد كنت الاول على الصف دوما وعليك ان تكون نسخة مصغرة من ابيك ..
وتطلع الى حياة في قلة حيلة :- هل يرضيك هذا الان !؟..
ثم عاد متطلعا لابنه وهو يشد عليه غطائه :- هيا يا صغيري .. عليك ان تحصل على قدر كافِ من النوم ..تصبح على خير ..
همس الصغير في عتب :- وكيف سأنام الان وانت لم تنه الحكاية !؟..
انحنى أدم مقبلا جبينه هامسا :- لا بأس.. غدا باذن الله اكملها ..
واتجه الي حياة يطوق خصرها بإحدى ذراعيه هامسا بالقرب من مسامعها وهو يدفعها برفق لخارج الغرفة:- أما الان فقد جاء دور ماما في قَص الحكاية ..أسطورة هرقل للمرة الالف بعد .. كم .. ذكريني من فضلك !؟..
قهقهت حياة هاتفة :- لا اذكر ..
هتف مدعيا الضيق :- هكذا النساء لا خير لك يذكرنه ابدا .. الامر لله .. فلنبدأ العد من جديد ..
وحملها مندفعا لداخل حجرتهما صافقا بابها لترتفع قهقهاتهما من الداخل ..
***************
تقلبت في فراشها وما ان وضعت يدها موضع رقاده حتى انتفضت لتكتشف انه ليس جوارها ..
نهضت باحثة عنه تتسلل لحجرة ولدها حتى لا توقظه وما ان طلت من خلف الباب الموارب حتى وجدته يحشر جسده جوارابنه ويهمس له ببقية الحكاية لتتنهد في قلة حيلة دافعة الباب لتدخل ..
رفع ادم الغطاء ليختبئ كلاهما من غضبتها الا انها ابعدت الغطاء عنهما وحشرت جسدها على الجانب الاخر من الفراش ليصبح الصغير بينهما ..
همس ادم :- ماذا تفعلين !؟..
اكدت في قلة حيلة :- استمع للحكاية ..
انحنى نحوها هامسا في مجون :- الم تكتفِ من الحكايات !؟..
امسكت قهقهاتها وهى تهز رأسها نفيا لتهمس اخيرا:- لن امل ابدا يا امير الحكايات..
هتف الطفل الراقد بينهما مقاطعا في غضب :- ألن ننتهي يا ابي من هذه القصة في هذه الليلة العجيبة !؟..
انتفض كلاهما ليتنحنح ادم متطلعا اليها في عتاب لانها تأخره عن انجاز مهمته ليتمدد الجميع ويهمس ادم مستطردا بحكايته لبعض الوقت وهمس ينهيها اخيرا في هدوء :- وهكذا عاش العمالقة والأقزام .. في عالم من الوئام .. يعمه الفرح .. ويغمره السلام ..
تطلع ادم لابنه وزوجته ليجدهما قد راحا في سبات عميق ليتنهد في راحة وهو يحذو حذوهما ويطبق أجفانه على صورتهما وقد ادرك انه قد حاز الحياة ومباهجها جميعا ..
***************
تنهدت حياة في راحة ممزوجة بفرحة وهى تدخل لحجرة نومهما وما ان جلست لتخلع حذائها ذو الكعب العالي لتتخلص من تقلصات قدمها حتى بادرها ادم الذى تبعها للغرفة جاذبا إياها لتنهض حافية القدمين معترضة :- ادم .. اشعر بالتعب .. لقد كنت طول النهار اقف على قدميّ ..
همس مشاكسا :- دقائق من العبث البرئ لن تضر أحدا حياة ..
قهقت وهو يتجه الى مشغل الموسيقى وهتفت في عتب :- أيها الرجل .. اليوم كان زفاف ابنتك الصغري وقد أصبحت جدا منذ زمن .. الم تكتفِ من المجون !؟..
اكد وهو يتلقفها بين ذراعيه والموسيقى تنساب في رقة :- مطلقا .. القلب الماجن لا يشيخ ابدا ..
اتسعت ابتسامتها وهو يتمايل بها في سلاسة حتى خرجا للشرفة فهمس مشاكسا وهو يتطلع للسماء :- الاميرة المسلسلة تشير اليكِ مرحبة ..
تطلعت اليه في عشق هامسة :- ما عادت مسلسلة .. فقد انفك قيدها و برءت جراحها بفضلك بوريسيوس ..
ضمها اليه اكثر هامسا في عشق بكلمات الاغنية والتي تمايلا على أنغامها من جديد..
انا ما تغيرتُ…
فأنا دائماً أمشي
في الطريق التي تروقني…
وطريق وحيدة فقط
تلك التي أعجبتني على الأرض…
هي تلك الطريق التي سلكناها يوماً معاً…
***************
تمت بحمد الله

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية السماء تشهد أيها الماجن)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى