روايات

رواية السماء تشهد أيها الماجن الفصل الحادي عشر 11 بقلم رضوى جاويش

رواية السماء تشهد أيها الماجن الفصل الحادي عشر 11 بقلم رضوى جاويش

رواية السماء تشهد أيها الماجن البارت الحادي عشر

رواية السماء تشهد أيها الماجن الجزء الحادي عشر

السماء تشهد أيها الماجن
السماء تشهد أيها الماجن

رواية السماء تشهد أيها الماجن الحلقة الحادية عشر

١١- من جديد
هبطت تلك الطائرة الخاصة بموضع هبوطها بأحد المطارات، ليهبط منها آدم تتبعه حياة .. كان كل منهما لا يصدق أنه نجا وعاد للحياة المدنية من جديد .. كانت تتطلع حولها في اضطراب لكن هو لم يكن يتطلع إلا إلى الفرصة الضائعة التي ذهبت مع الريح ما أن صرخت وهو على أعتاب جنتها تلوح كالمجنونة لتلك الطائرة التي ظهرت بالسماء من العدم، والتي كانت مكلفة للبحث عنهما ..
تمنى لو يعرف من أرسل تلك الطائرة وفى هذا التوقيت بالذات، حتى يقتص منه بأبشع الطرق المتعارف عليها والمجهولة على حد سواء ..
هبطوا جميعا ليجدوا عدة سيارات في انتظارهم .. من هؤلاء !؟.. تساءل في نفسه وجاءت الإجابة على لسان ذاك الرجل الذي ترجل من داخل إحدى السيارات هاتفا في ترحاب بدا مصطنع له :- حمدا لله على سلامتك يا حياة .. كم سيسعد جدك المسكين بعودتك ..
هتفت حياة في لهفة :- هل جدي بخير !؟..
تنهد مهني هاتفا في تآثر خيل لأدم أنه لا يحمل أي لمحة شجن حقيقية :- سيكون بخير ما أن يراكِ، ويتأكد أن طفلته الغالية بأفضل حال .
وأخيرا .. وكأنما انتبه مهنى لوجود آدم فهتف متسائلا :- من هذا !؟..
كادت أن تجيب حياة إلا أن آدم هتف مؤكدا في ثقة :- أنا زوجها …
تطلعت إليه حياة وكذا مهني الذي نقل ناظريه إلى حياة متسائلا، إلا أن آدم هتف به في حنق :- لا اعتقد أن الأمر يحتاج إلى تأكيد من قبلها .. نعم أنا زوجها .. هل لديك مانع !؟..
هتف مهني في برود :- على الإطلاق .. ولما أمانع أمرا خاصا كهذا !؟.. هذا شأنها..
ثم اشار للعربة هاتفا :- تفضلا ..
صعدا العربة فتطلعت حياة إلى آدم هامسة في ضيق :- لما أخبرته بأنك زوجي !؟.. نحن ..
قاطعها هامسا في حزم :- نحن ماذا !؟..نحن زوجان أمام الله .. هل تنكرين !؟..
همست باضطراب :- لكن .. أقصد أنه ..
لم تجد ما يمكنها قوله فالأمر برمته لا يُصدق، التزمت الصمت حتى وصلا لبوابة تلك الفيلا العتيقة الأشبه بالقصور القديمة .. تطلع آدم حوله في استحسان بينما انصبت نظراتها عليه وعلى ردة فعله تجاه تلك الفخامة التي يطالعها في كل شبر حوله ..
توقفت السيارة أمام باب الفيلا الداخلى والذي انفرج فجأة لتندفع من الداخل ابنة خالتها نهى لترتمي بأحضانها باكية ما أن طالعها محياها صارخة في سعادة ممزوجة بالدموع :- حياة .. وأخيرا أنتِ هنا وعلى قيد الحياة .. كاد أن يموت جدي حزنا عليكِ .. لم يصدق أبدا أنكِ رحلتي هكذا .. أرسل عدة طائرات للبحث عنكِ وأخيرا ها أنتِ هنا .. لكم افتقدتك !؟..
هتفت حياة باكية في شوق :- وأنا افتقدتك كثيرا وأموت شوقا لرؤية جدي..
همت حياة بالاندفاع للداخل إلا أن نهى همست متطلعة لآدم متسائلة في فضول :- من هذا حياة !؟..
تقدم آدم نحوهما في ثقة ما أن استشعر أن الكلام يدور حوله ..مادا كفه للتحية هاتفا :- أنا ادم عبدالخالق، زوجها ..
هتفت نهى في تعجب متطلعة لحياة :- زوجك !؟..
همست حياة باضطراب :- نعم .. إنه .. هو..
مالت نهى نحو حياة غير مدركة لاضطرابها هامسة في عبث كعادتها :- إنه رائع .. لقد تحسن ذوقك كثيرا ..
اطلقت حياة سبابا داخليا لمزاح ابنة عمتها، والذي يأتي دوما في غير موضعه، واندفعت باتجاه حجرة جدها الذي اشتاقته كثيرا ليلحق بها كل من نهى وآدم وكذا مهني ..
دفعت حياة باب الغرفة في لهفة لتجد جدها السعيد ممددا على فراشه حيث كان ينتظرها في لهفة، تنبهت ممرضته التي لا تفارقه لتخرج من الغرفة تاركة حياة ومن تبعها والتي كانت تتطلع للجسد المسجي لجدها والذي وجدته لمرضه وتلك الأدوية التي يتناولها وكذا بحكم سنه قد أخذته سنة من نوم فغفا رغما عنه ..
اقتربت حتى جلست على طرف الفراش في هدوء، وانحنت هامسة بالقرب من أذنه :- جدي .. أنا حياة .. أنا هنا .. لقد عدت ..
وكأنما كانت كلماتها أشبه بكلمة السر.. انفرجت عيناه في تؤدة متطلعا إليها في عدم تصديق هامسا في سعادة :- حياة !؟.. هل هذا أنتِ حقا، أم أنني أهذي !؟..
مدت كفها تتلقى كفه بين كفيها هامسة والدموع تنساب على خديها :- نعم أنا حياة يا جدي.. اطمئن أنا بخير ..
فتح العجوز ذراعيه لها لتندفع على صدره تبكى في اشتياق لدفء أحضانه التي افتقدتها كثيرا ..
تطلع العجوز للأشخاص الذي ظهروا لتوهم في مجال رؤيته ووقعت عيناه على نهى ابنة ابنته الراحلة، وكذا مهني محاميه ومدير أعماله .. وأخيرا ذاك الشاب المجهول الذي كان يقف بثبات ..
همس متسائلا وهو يشير برأسه لآدم الذي كان يبدو في ملابسه المهترئة من جراء استخدامها طوال مكوثه بالجزيرة وكذا لحيته الذي استطالت أشبه بأحد قطاع الطرق :- من هذا حياة ..!؟..
رفعت رأسها عن صدره، وامسكت دموعها في اضطراب ولم تجب ليهتف آدم للمرة الثالثة على نفس السؤال الذي لم يجب غيره منذ عودته :- أنا زوجها سيدي ..
اعاد السعيد ناظريه ليقعا على حياة هاتفا في سخرية لا يمكن إغفالها :- وغد آخر تضيفينه للقائمة .. ألم تكتفِ يا حياة !؟..
أشاحت بناظريها بعيدا في حرج ولم تجب، بينما انفجر آدم مقهقها مع تعجب الجميع وهتف في أريحية شديدة :- وهذا لقب جديد آخر اضيفه أنا أيضا للقائمة ..
تجاهل السعيد مزاحه متسائلا :- متى حدث الزواج !؟ ..
كادت أن تهتف حياة بحقيقة زواجهما إلا أن آدم كان الأسرع كالعادة هاتفا :- كان زواجا عرفيا لكن ضاعت الأوراق في الحادث .. و..
قاطعه السعيد باشارة من كفه وتطلع للجميع مشيرا للخارج امرا :- كلكم بالخارج ..
وأكد مشيرا لآدم الذي هم بتنفيذ الأمر مثلهم:- إلا أنت .. فلتبق ..
كانت حياة تعتقد أنها ستبقى بدورها إلا أن جدها ربت على كفها هامسا :- وأنتِ أيضا يا حياة .. اتركيني لحالي مع هذا الآدم ..
أطاعت حياة دون رغبة منها، تاركة جدها مع آدم وحيدا، لكنها ازعنت للأمر وخرجت مغلقة الباب خلفها ..
مر بعض الوقت والكل بالخارج في انتظار أمر جدها للعودة مرة آخرى لداخل الغرفة التي أخيرا انفرج بابها ليشير لهم آدم بالدخول من جديد ..
ما أن تراصوا جميعا أمام جدها حتى هتف أمرا مهني :- أذهب وأحضر مأذون لعقد قران حياة على آدم.. هيا ..
واشار لنهى أمرا :- وأنتِ اكدي على الخدم تحضير الغرفة الرئيسية من أجل حياة وزوجها ..
هتفت حياة في اعتراض :- لكن يا جدي .. أنا ..
هتف جدها في حزم :- أنتِ ماذا !؟.. ألم تتزوجا وكنتِ بمفردك وحيدة معه على جزيرة خالية من البشر لمدة أسابيع ..!؟..
أومأت دون إجابة لأنها لا تعلم من الأساس بما تجبه، ليستطرد جدها :- إذن لا محالة من إشهار زواجكما ..
ابتلعت لسانها وما عاد يمكنها الأعتراض على ما أقره جدها، ليستكمل أوامره ونواهيه هاتفا :- هيا اذهبي لتتحضري لعقد قرانك ..
وأشار لآدم هاتفا بلهجة صارمة :- وأنت ..اخبر مهني أين يمكنه الذهاب ليحضر هويتك الشخصية لعقد القران ولتبق هنا حتى يمكنك الحصول على زي مناسب من خزانة ملابس ولدي باهي والد حياة .. فقد كان يماثلك تقريبا في الطول والبنية .. رحمه الله..
أطاع آدم دون أن ينبس بكلمة، بينما تحرك الجميع مغادرين الغرفة، وقد شعر أن حلمه الضائع في امتلاك حياة البارحة قد عاد ملك يديه من جديد ..
******************
تم عقد القران في هدوء داخل غرفة الجد ولم تطلق الخادمة إلا بعض الزغاريد على استحياء فرحا لإتمام العقد ..
انسحب مهني بالمأذون راحلا وكذا نهى إلى حجرتها بينما ظلت حياة تقف على استحياء لا تدري ما عليها فعله، ليهتف جدها بها أمرا:- هيا .. اذهبي بزوجك لحجرتكما .. زواج مبارك ..
وأشار لآدم هاتفا بلهجة صارمة :- وأنت .. إياك وغضبي .. فلو شعرت بأنك قد أساءت بأي شكل لحفيدتي الغالية ..صدقا لن ارحمك.. لا يغرنك وهني، فأنا قادر تماما على ذلك ..
اومأ ادم برأسه متفهما ولم ينبس بحرف، ليشير لهما الجد بالرحيل ..
تحركا في اتجاه غرفتهما .. كانت حياة تسير بأرجل متخشبة باتجاه الحجرة الذي تم اعدادها لتشاركها مع ذاك الذي اصبح قدرها مؤخرا، واصبح زوجها منذ دقائق بزواج رسمي حقيقي ..
فتحت الباب ودلفت للداخل تاركة إياه خارجا ولم تدعه للدخول .. ابتسم هاتفا وهو يدخل ورائها ويغلق الباب خلفه :- أخيرا ..
انتفضت هاتفة متطلعة إليه في صرامة :- أخيرا ماذا..!؟..
اقترب منها فاعتقدت أنه في سبيله لممارسة حيله الماجنة إلا أنه تجاهلها تماما وألقى بجسده فوق الفراش دفعة واحدة هاتفا في سعادة :- أخيرا سأنام مرة آخرى على فراش وثير بعد ذاك الفراش من القش بكوخ الجزيرة ..
على الرغم من الراحة التي اعترتها لمقصده إلا أنها وللعجب شعرت ببعض الغضب لتصريحه ذاك، فهتفت في ضيق حاولت مداراته :- فلتنعم به على اتساعه .. فأنا ..
انتفض مقتربا منها هامسا بمجون :- فأنتِ ماذا !؟.. كنتِ أكثر من راغبة البارحة، ونحن نلق وعود الزواج وصيغته المقدسة ..
همست تحاول السيطرة على ارتجاف صوتها :- كان ذلك البارحة .. كانت هناك ضرورة .. والآن انتفت وما عاد زواجنا له أي هدف .. وجدي لم يعقد قراننا إلا لأنك أخبرته أننا تزوجنا بالفعل وكذلك لأنني بقيت معك فترة طويلة بالجزيرة وحيدة وأنا امرأة ولها سمعتها .. هذا يعني شيء واحد أن ذاك الزواج مجرد زواج مؤقت يمكن إنهائه بأي لحظة، وفي الوقت المناسب لي ..
هتف ناظرا بعمق عينيها هامسا في ثبات وبلهجة ساخرة كعادته :- أي كان يا حبيبة جدك .. هذا زواج صحيح وأنا لي الحق في كل ما يشمله العقد من مزايا.. وأنا لا أتنازل عن حقوقي أبدااا ..
هتفت في حنق :- أي حقوق !؟.. أنا لن امنحك أي حق دون رغبتي، وجدي قادر تماما على التفاهم معك في هذا الشأن .. أنا متأكدة أن بعض المال يمكن أن يجعلك تتغافل عن حقوقك المزعومة .. أليس كذلك..!؟.
كانت تعتقد أنه سيثور لكرامته أو حتى يغضب لما ترميه به من تهم ليس لها أدلة لكنه على العكس تنهد في حيرة مهمهما :- هذا العرض يحتاج لذهن صافِ للتفكير، لكن الآن أنا بحاجة شديدة لنوم عميق على فراش وثير .. تصبحين على خير يا بطتي ..
هتفت بغيظ :- لا تناديني بهذا اللقب الأحمق مرة آخرى !؟..
تمدد في أريحية ضاما كفيه أسفل رأسه هاتفا:- ومنذ متى اطعتك في أمر ما!؟..ثم أنا أدلل زوجتي كما يحلو لي .. يا بطتي ..
ألقي باللقب الكريه مرة آخرى مغيظا، واستدار موليا ظهره كأنما يقطع أي فرصة في التواصل بينهما ما جعلها تتجاهله بدورها وهى تتجه إلى تلك الأريكة الموجودة على الجانب الآخر من الحجرة لتتمدد عليها بدورها وتغرق سريعا في نوم عميق افتقدته لليال طويلة ..
*************
طرقات سريعة على باب حجرتهما ايقظتهما بالكامل ليستوعب كل منهما موضعه.. اندفعت حياة لتفتح الباب غير عابئة بانهما لا يزالا بملابس الامس ولم يبدلاها ..
انفرج الباب لتطالعها نهى باضطراب هاتفة :- جدي متعب للغاية ويطلبكما ..
انتفض آدم من الفراش ليلحق بحياة وهى تهرول لحجرة جدها .. توقفا أمام الفراش ليطالعاه شاحب الوجه على نحو مخيف وأنفاسه تتابع في سرعة غير معتادة ..
هتفت حياة وهى تجلس جواره على طرف الفراش، تضع له قناع الأكسجين تطمئنه رغم ذعرها :- اطمئن يا جدي ..ستكون بخير..
هتفت نهى في حنق :- لقد اعتذرت الممرضة التي كانت تلازمه عن مجيئها اليوم، والممرضة البديلة تأخرت كثيرا فقد كان من المفترض تواجدها هنا منذ أكثر من ساعة ..وطبيبه المعالج هاتفه لا يرد .. سأتصل بالعم مهني ليتصرف ..
هتف آدم معترضا :- لا اتصالات ولا انتظار للطبيب ..سنذهب به للمشفى على وجه السرعة ..
همس الجد في وهن من خلف قناع الأكسجين :- لا داعِ ..
هتف ادم مؤكدا :- بل هناك ألف داعِ.. هيا علينا الإسراع ..
هتف آدم امرا نهى باحضار العربة أمام باب الفيلا فأطاعته في سرعة وأبعد حياة عن طرف الفراش الذي تسمرت عليه في هدوء رابتا على كتفها مطمئنا .. وانحنى يحمل الجد الذي كان جسده خفيفا واهنا يدعو للشفقة ..
اندفع به آدم في اتجاه العربة وخلفه حياة، ارقد آدم جسده بالمقعد الخلفي في هدوء و جلست حياة جواره بينما اندفع آدم خلف عجلة القيادة بجوار نهى التي كانت تحفظ الطريق إلى المشفى الذي وصلوا إليه في غضون الخمس دقائق ..
صرخ آدم عندما وصل الاستقبال ليندفع الجميع باهتمام بالغ حاملين الجد لداخل المشفى للقيام بالازم ..
استقبلهم الطبيب المعالج بعد معاينته حالة الجد معتذرا:- أنا آسف لتأخري عن القدوم عندما استدعتني آنسة نهى..كنت بغرفة العمليات .. أحسنتم صنعا بإحضاره إلى هنا .. فالوقت كان فارقا بالفعل ..
تطلعت حياة الى آدم نظرة ممتنة، بينما هتف هو متسائلا في اهتمام حقيقي :- هل سيكون بخير !؟..
أكد الطبيب :- لقد تعرض لأزمات متتالية أثرت كثيرا على وضعه العام في الفترة الأخيرة .. بالمناسبة .. حمدا لله على سلامتك سيدتي .. لقد كان غيابك واحدا من أسباب تأخر صحته ..لكن ها قد عدتي بخير ونرجوا أن يكون ذلك حافزا له ليعتني بصحته بشكل أفضل ..
دمعت عينا حياة تأثرا، ليستطرد الطبيب في مهنية :- نرجو أولا أن يمر الأمر بسلام .. لو مرت الليلة على خير سيكون الوضع مطمئنا .. دعواتكم لأجله ..
انصرف الطبيب لتنزوي نهى جانبا في حزن، بينما انسابت الدموع على وجنتي حياة ولم تنبس بحرف واحد ..
ربت آدم على كتفها وهمس مطمئنا :- سيكون بخير بإذن الله ..
وقفت تتطلع في تيه لجسد جدها المسجي على فراشه بين الأجهزة الطبيبة من خلف زجاج غرفة العناية المركزة، وهمست في وجع :- ماذا لو رحل !؟.. كيف سيمكنني العيش دونه !؟.. إنه .. إن جدي بعد رحيل والدينا أنا ونهى في حادث السيارة المشؤوم ذاك، وهو كل حياتنا.. لم يدخر وسعا في إسعادنا بكل ما يملك ..
ورفعت ناظراتها الدامعة إليه في هشاشة هامسة :- أوتعلم !؟.. لقد كنت المفضلة له دوما .. لكنني بعد كل ما فعله لأجلي خزلته.. أذقته مرارة ووجعا لا يقل عن وجع رحيل والديا.. أشعرته انه فرط في أمانتهما .. ومع ذلك .. ظل دوما هو الحصن .. هو الصرح الذي اختبئ خلفه من خطوب الدنيا ونوائبها .. كان هو ..
وانقطع استرسال كلماتها لتشهق في وجع وبغصة عالقة بحلقها هامسة :- كان الصديق الأوحد .. فماذا لو رحل !؟.. ماذا سيحدث لحياة من بعده اذا ما انهار صرح الحماية! سُيهتك غطاء الستر .. سأموت حتما ..
شهقت من جديد منتحبة ليجذبها نحو صدره لا واعيا ضاما إياها لأحضانه مطبقا عليها بذراعيه يود لو ينتزع ذاك الوجع من بين أضلعها محلا اياه بفرحة لا تقدر، وهمس مؤكدا في صوت متحشرج :- سيكون بخير ولن يمسك سوء طالما أنا هنا .. اطمئني ..
ظلت تبكي بأحضانه لفترة ولم يفلتها حتى بدأت تهدأ قليلا .. اجلسها على أحد المقاعد وأحضر لهما هي ونهى الباكية بدورها بعض المشروبات المنعشة حتى تهدأ كلتاهما..
قرر آدم عودتهما للفيلا وبقائه هو بجوار جدهما السعيد إلا أن حياة أبت الرحيل وأصرت على البقاء معه وتحت ضغط تشبثها بالبقاء أزعن لطلبها لترحل نهى لتنال قسطا من الراحة حتى يتم التبادل بينهما ..
مرت الساعات كئيبة وثقيلة ولا جديد يذكر في حالة الجد .. كانت حياة قد غفت رغما عنها على أحد المقاعد بينما ظل هو على حالة من الترقب لما قد يحدث، وخاصة بعد أن اخبره الطبيب سرا أن الحالة لا تدعو للتفاؤل على الإطلاق ..
اقترب منها مدثرا إياها بسترة أبيها التي كان لا يزل يرتديها منذ البارحة فتشبثت بها من بين همهمات غفوتها تضمها إليها فاعتصر الوجع قلبه على هيئتها الباعثة للشفقة..
عاد لموضع وقوفه السابق يتطلع إلى الجسد الواهن عبر الزجاج لتقفز إلى مخيلته ذكرى شبيهة وموجعة .. دمعت عيناه رغما عنه لمرور طيف الحدث بمخيلته إلا أنه استفاق فجأة منتفضا على صوت صفير من جهاز ما بالداخل جعل الأطباء يهرعون للغرفة لتنتفض حياة بدورها فزعة للحركة المرتبكة حولها، مندفعة تقف لجواره تتطلع من خلف الزجاج لمحاولتهم إنعاش قلب جدها الذي توقف عن النبض يكاد يقف قلبها بدوره.. وما أن أدركت توقف الأطباء عن محاولة إنعاش قلبه حتى أيقنت أنها النهاية..
اتسعت رقعة السواد أمام ناظريها واضحت بحجم الكون، لتسقط فاقدة الوعي بين ذراعي المدعو .. زوجها ..
***********
مر العزاء في هدوء وما أن أوشك على الانتهاء برحيل معظم المعزين، حتى طل شهاب الذي اندفع باتجاه حياة هامسا في مداهنة :- البقاء لله .. وحمدا لله على سلامتك فلم أعلم بعودتك إلا مع علمي بخبر الوفاة..
انتفضت حياة ما أن طالعها محيا ذاك الحقير هاتفة في حدة :- ما الذي أتى بك إلى هنا !؟..
هتف شهاب في هدوء :- وكيف لا أكون بجوار زوجتي العزيزة في مثل ذاك الظرف القاسي !؟..
هتفت بحنق :- زوجتك !؟.. هل تمزح !؟..
هتف شهاب في ثبات مقيت وابتسامة صفراء على شفتيه :- أولم يخبرك جدك أني رددتك لعصمتي قبل انتهاء العدة عندما كنتِ بالمشفى !؟..
تطلعت حياة إليه في صدمة ولم ترد ليدخل آدم في تلك اللحظة وقد انتهى لتوه من توديع آخر المعزين من الرجال ليعود لداخل الفيلا ليطالع ذاك المشهد الصاخب .. اندفع باتجاه شهاب متسائلا في حدة :- من يكون هذا !؟.
هتف شهاب ساخرا :- عليّ أنا أن أسالك هذا السؤال .!؟..
هتف ادم في حدة من جديد :- أنا زوجها .. من تكون..!؟..
قهقه شهاب في سخرية لا تتناسب والوضع الراهن هاتفا :- وأنا ايضا للمصادفة العجيبة زوجها ..
اندفع آدم محكما قبضتيه على ياقة قميص شهاب يهزه متحدثا إليه من بين أسنانه في غضب مكبوت:- أسمع يا هذا .. أي كانت نوعية تلك الألاعيب القذرة التي تقوم بها فهى لن تجعلني اتواني عن قتلك بدم بارد ما لم تغرب عن وجهي اللحظة، ولا تريني إياه مرة آخرى ما حييت .. هل فهمت !؟..
اضطربت ثقة شهاب في قدرته على إحداث فارق ما بإعلانه ذاك الخبر الصادم، والذي سيجعله قادرًا على المكوث معها والاستفادة من كل هذا العز والفخامة، فهتف مدعيا الحنق :- زواجكما باطل .. فهى لا تزل زوجتي .. ولن أتنازل عنها ما حييت ..
دفعه آدم بعيدا قبل أن يتهور ويقوم بقتله بالفعل هاتفا في ثورة :- أرحل الآن قبل أن أنفذ تهديدي أيها الأحمق ..
اندفع شهاب للخارج في سرعة، ليتطلع ادم لحياة التي كانت تقف كتمثال بلا حراك وأخيرا تطلعت إليه بدورها نظرة مفادها .. ألم أخبرك أن موت جدي سيزيح عنا غطاء الستر وسيجر علينا الكثير .. اندفعت للأعلى تاركة إياه يغلي غضبا لظهور هذا الشهاب مدعيا أنه زوجها ما أثار بداخله مشاعر كفيلة بحرق الأخضر واليابس ..
******************

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية السماء تشهد أيها الماجن)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى