روايات

رواية السماء تشهد أيها الماجن الفصل الثاني 2 بقلم رضوى جاويش

رواية السماء تشهد أيها الماجن الفصل الثاني 2 بقلم رضوى جاويش

رواية السماء تشهد أيها الماجن البارت الثاني

رواية السماء تشهد أيها الماجن الجزء الثاني

السماء تشهد أيها الماجن
السماء تشهد أيها الماجن

رواية السماء تشهد أيها الماجن الحلقة الثانية

مخمل وصبار

وصلوا الميناء الإيطالي أخيرا، وبدأ الجميع في الاستعداد لمغادرة الباخرة .. كانت تتجنب ذاك الأحمق منذ الليلة التي تركته فيها وحيدا على طاولة العشاء، وابتسمت ساخرة عندما وقع ناظريها عليه وتلك الشقراء تتأبط ذراعه وكل منهما ضحكاته تعانق عنان السماء ..
خرجت من الميناء تشير لإحدى عربات الأجرة في اتجاه الفندق الذي أشارت لاسمه بإحدى الأوراق التى كانت تحملها بحقيبتها فلم تكن تتقن الإيطالية وكذا الإيطاليون لا يجيد أغلبهم الإنجليزية ..
هز سائق العربة رأسه وهو يقرأ اسم الفندق بالورقة، واشار بحماس بكلتا يديه هاتفا بإيطالية واثقة : سي .. سي ..
واندفع بعربته .. طال الوقت في زحام السير الذي يميز نابولي، لكنها شغلت نفسها بالتطلع إلى بعض الآثار المنتشرة هنا وهناك حتى توقفت أخيرا أمام بوابة الفندق فتنفست الصعداء وهى تنقد السائق أجرته مندفعة لخارج السيارة ليتلقفها أحد عمال الفندق حاملا عنها حقيبتها للداخل .. توقفت تلهث أمام موظف الاستقبال وهتفت بإنجليزية متقنة :- مرحبا .. من فضلك هناك حجز باسم حياة السعيد ..
أكد الموظف بدوره وهو يتطلع إلى شاشة حاسوبه :- نعم يا سيدتي .. تفضلي..
ومد كفه بمفتاح الجناح المحجوز لها لتشكره، وما أن همت بالصعود لحجرتها حتى عادت متسائلة :- متى خروج الفوج لزيارة المزارات السياحية !؟..
اكد موظف الاستقبال :- في تمام العاشرة صباحا سيدتي .. التجمع سيكون هنا ببهو الفندق بعد الإفطار مباشرة ..
اومأت في إيجاب شاكرة، واندفعت بإتجاه المصعد وخلفها العامل حاملا حقيبتها ..
تمددت على فراشها داخل ذاك الجناح الفاخر وهى تتفكر في حالها وما آل إليه .. تنهدت في حسرة واندفعت لتأخذ حماما منعشا قبل أن تتجهز لتنزل للعشاء ..
تزينت وضبطت غطاء رأسها وتعمدت أن لا تطيل النظر لمرآتها وهبطت للمطعم بالأسفل.
جلست تطلب طعامها ممسكة بقائمة الاختيارات وما أن رفعت رأسها وقد قررت ما عليها تناوله، حتى اصطدمت عيناها بنظراته وهو يميل على الطاولة مستندا على المقعد المقابل لها هامسا بابتسامة مهلكة :- الريڤيولي اختيار رائع ..
وغمز بإحدي عينيه واندفع مبتعدا .. مرت لحظة حتى استوعبت ظهوره المفاجئ ذاك وتجاهلت اقتراحه تماما وهى تعيد النظر في قائمة الأطعمة.. عاد النادل وهمت بطلب آخر لكنها عدلت رأيها بآخر لحظة لتطلب الريڤيولي ..
استمتعت بالوجبة محاولة تجاهل ذاك الذي يجلس على طاولة بالقرب منها وبصحبته صهباء فاتنة ضحكاتهما تتعالى في رعونة وهو يهمس قرب آذانها ببضع كلمات بعدها ترتفع القهقهات كما هو الحال دوما ..لكن أين اختفت الشقراء يا ترى !؟.. تساءلت مبتسمة في سخرية وهى ترتشف كأس العصير هامسة بداخلها :- رحلت الشقراء وجاءت الصهباء .. يبدل الحسناوات كجواربه، أحمق ..
نهضت في هدوء لتصعد غرفتها محاولة تجاهله وألا يسقط ناظريها عليه حتى ولو سهوا وهي لا تعلم أن هناك من يتبع خطواتها حتى اختفت ..

*****************
خذي هذا الدلو وأبدأي من حيث أمرتك .. هتف ذاك الصوت الغليظ من جديد لتهتف هي بدورها في غضب :- لن افعل .. فأنا لست خادمة .. أنا هنا لأني ..
قاطعها الصوت في غضب عارم :- إياكِ أن تعارضيني .. نفذي ما أمرك به وإلا ..
شهقت حياة في قوة، وهى تنتفض من جديد لتخرج عنوة من داخل ذاك الكابوس الذي يلازمها ولا أمل في الخلاص منه ..
أخذت تلتقط أنفاسها في هوادة حتى تستعيد هدوئها وأخيرا تمطأت فى تكاسل غير راغبة في مغادرة الفراش لكن كان يجب عليها الإسراع في تجهيز نفسها إذا ما أرادت أن تلحق موعد الإفطار، واللحاق بتلك الجولة السياحية بأنحاء نابولي في تمام العاشرة ..
تجهزت ونزلت لمطعم الفندق والذي كان مكتظا عن آخره .. بالكاد استطاعت الحصول على مائدة جانبية منعزلة وضعت عليها إفطارها البسيط.. تناولته مسرعة ونهضت على عجالة في اتجاه بهو الفندق وقد أبصرت من موضعها ذاك الجمع الذي بدأ في التجمهر استعدادا للخروج..
وضعت نظارتها الشمسية حتى قبل أن تكون بحاجة إليها، وانضمت للمجموعة التي كانت تتصايح فيما بينها بسعادة حتى أرتفع ذاك الصوت الذي استطاعت تمييزه بسهولة رغم أنها لم تر صاحبه وحاولت أن تكذب آذانها فاقتربت لتقع نظراتها عليه وهو يهتف بإنجليزية متقنة :- مرحبا .. معكم مرشدكم في هذه الرحلة .. آدم عبدالخالق ..
غصت وهي تحاول أن تتجاهل تلك النظرة التي رمقها بها من بين الجمع الذي يواجهه وهو يستطرد مازحا:- ولتحذر الآنسات فآدم يبحث عن حوائه وقد يجدها قريبا ..
ارتفعت القهقهات إلاها فقد التزمت الصمت وكأنها لم تسمعه من الأساس..
بدأ الجمع في التحرك باتجاه تلك الحافلة الخاصة بالفندق والمخصصة للجولات السياحية ..ظل بانتظار الجميع حتى صعدوا ليكون الأخير، صعد يجول بناظريه يطمئن على جلوس الكل مواضعهم ليكتشف جلوسها بآخر مقعد.. ابتسم رغما عنه لشعوره أنها تنأى بنفسها..
جلس بمقعده الذي تُرك له بجوار السائق يشير هنا وهناك لبعض الآثار المنتشرة بالطريق، وأخيرا نهض هاتفا في حماس بإنجليزية رشيقة مشيرا لجبل شاهق على البعد :- هذا بركان فيزوف .. البركان الأشهر والأكثر نشاطاً في أوروبا .. ويقال إن اسم «بركان» أطلقه الرومان قديما نسبة إلى الاله «فولكان» إله النار والحدادة فى الدولة الرومانية القديمة، حيث كانوا يعتقدون أن الجبل البركاني الذى يشرف على خليج نابولى فى إيطاليا ما هو إلا مدخنة لأتون كبير يوقده هذا الإله ..
تحرك بطول العربة حتى وصل بالقرب من مقعدها لينحني متطلعا إلى ذاك البركان الذي أصبحوا على مقربة منه من خلال نافذتها وكان هذا البركان لا يمكن رؤيته إلا من خلال هذه النافذة .. زفرت في ضيق تجاهله هو هاتفا :- لقد ثار ذاك البركان قديما حتى إنه طمر عدة قرى قريبة منه، ويمكننا زيارة هذه القرى بعد إزالة آثار الرماد البركاني عنها لنري أثر الحمم البركانية على جثث الضحايا التي ما زالت موجودة كمتحف حي يظهر بشاعة تلك الحادثة ..
شهقت هى رغما عنها، وهى تتخيل مظهر جثث محنطة لأناس مساكين لم يستطيعوا الهرب من تلك الكارثة فاخفتهم الحمم تحتها لقرون ..
تطلع إليها جراء شهقتها التي لم تستطع كبح جماحها، والتي على ما يبدو كان بانتظارها كرد فعل متوقع منها على حدث كهذا ..
ابتسم رغما عنه، وعلى الرغم من أنه لا يوجد ما يدع للابتسام، لكنه تطلع إليها وتلك الابتسامة المغيظة تكلل شفتيه مستطردا:- ذاك البركان ثار دون مقدمات، وكان ذلك سببا في تلك الكارثة ..
وقهقه هاتفا في مزاح :- لا أعلم لما يذكرني هذا البركان بثورة النساء في وجوه أزواجهن!؟..
علت همهمات الرجال المستحسنة مع تصفيقهم، بينما زمجرت النساء اعتراضا، لينفجر الجميع بعدها ضاحكا إلاها، فقد كان الضيق يتملكها حرفيا وودت لحظتها لو نهضت وارته مثالا حيّا لثورة النساء وكالت له ضربة قوية بقبضة يدها المضمومة في تلك اللحظة تحفزا لنيل مرادها إلا أنها هدّأت من روعها والحافلة تتوقف ليهبط منها الجميع في إتجاه ذاك البركان الذي ودت لو ألقت هذا الرجل بداخله كقربان لذاك الإله ليفعل به ما يحلو له..
أعجبها الخاطر كثيرا رغم تعجبها من روح الانتقام التي تكتنفها تجاه ذاك الآدم الذي حتى اللحظة لم يسء إليها .. فهل تراه يفعل !؟..

*************
وصولوا لمحطتهم الثانية في جولتهم والتي كانت لجزيرة كابري بواسطة إحدى العبّارات .. دقائق على شاطئها وقرروا زيارة الكهف الأزرق .. توجهوا إليه سيرا على الأقدام وأخيرا استقلوا عدة قوارب لتشملهم جميعا فالقارب كان صغير الحجم لا يقل أكثر من أربعة أشخاص ..ركب كل زوجين قارب ليبقى زوج من السائحين وكلاهما ..هي وبالتأكيد مرشد الرحلة الذي كان دوما آخر من يركب ..
جلس جوارها فتململت في جلستها شاعرة بالضيق لذاك القرب، لكن القادم كان الأصعب حيث هتف آدم بهم جميعا :- الآن انتبهوا .. على الجميع خفض رؤسهم عند الدخول لأن هذا الكهف مدخله مغمور لمنتصفه بالماء .. رجاءً لا يرفع أحدكم رأسه حتى آمر بذلك، وهذا لسلامتكم جميعا..
أطاعه الجميع وبدأت القوارب في الدخول من فوهة الكهف تباعا وما أن جاء دور قاربهم حتى هتف أمرا :- فلينخفض الجميع.. انكمش الزوجان ملتصقان وقد انخفضا لداخل باطن القارب بينما تجاهلت هى ما أمر به.. تنبه لذلك فجذبها لتسقط بباطن القارب ملتصقة به فى نفس اللحظة التى مر بها القارب من مدخل الكهف الضيق .. لولا جذبه لها قبل فوات الاوان لكان رأسها الآن مصابا..
تطلع إليها في ذاك الفراغ الضيق الذي وجدا نفسيهما محشوران به رغما عن إرادتهما أو بالأدق رغما عن ارادتها هى جازا على أسنانه يرغب في توبيخها إلا أنه امسك لسانه وهتف أمرا في ضيق :- فليرفع الجميع رأسه الآن ..
سمع الشهقات المستحسنة لذاك الجمال الأزرق الآخاذ الذي يحيط بهم ..
هتف آدم بصوت عالٍ حتى يستمع الجميع في زوارقهم :- هذه هى مغارة ‘اوزارو’ أو ما يطلقون عليه اسم ‘الكهف الأزرق’ .. لا حاجة لي لإبلاغكم سبب التسمية فهو واضح تماما .. فذاك الضوء الأزرق الذي يغمر المكان كان سببا للتسمية بالتأكيد ..
واستطرد: كان يُعتقد في العصر الروماني أن ذاك الكهف مأوى للشياطين ..
وصمت للحظة مستطردا بعدها منتشيا وهو يلق بنظرة جانبية لها:- وكذا الحوريات..
سمع همهمات رقيقة من بعض النساء، بينما تسلطت أنظاره عليها وهو ينطق كلمته الأخيرة .. شعرت بوقع نظراته لكنها تجاهلتها كليا، ليستطرد هو مازحا:- وكان كذلك مأوى لغريبى الأطوار .. لو كنت أعيش في ذاك الزمان لكان ذاك مكاني المفضل بكل تأكيد ..
قهقه الجميع ووأدت هى ابتسامة كادت أن تطل على شفتيها ..
خرجوا من الكهف بعد جولة بداخله ليتوجهوا للعبارات مرة آخرى ليعودوا للفندق فقد أوشك الليل على إرخاء سدوله .. وعليهم الاستعداد للعشاء وذاك الحفل الساهر الذي يقيمه الفندق ..

***********
كانت من أوائل الأشخاص الذين نزلوا لقاعة الطعام .. تناولت عشاءها على عجالة حتى أنها لم تتنبه لجلوسه وحيدا هذه المرة بإحدى الطاولات الجانبية المنعزلة وقد جلس يرقبها من بعيد على وجهه شبه ابتسامة وقد قرر هذه المرة ألا يعترض طريقها بل يستمتع بمشاهدتها من على كثب دون ازعاجها على الرغم من أن الأمر يروقه كثيرا ..
هو شخصيا لا يعرف ما السبب في رغبته تلك !.. وتعجب من اهتمامه العجيب بتلك الفتاة التي تبدو ملتزمة في زيها وحادة في نظراتها وردودها ..
رأها اللحظة تنهى طعامها ويبدو أنها في طريقها لغرفتها ربما صعدت لتجهز نفسها من أجل الحفل المسائي إذا كان في نيتها الحضور..
انتظر حتى اختفت تماما عن ناظريه ونهض حتى يستعد للحفل بدوره غير عابىء بتلك الجميلة الصارمة ..
دخلت غرفتها وخلعت عنها ملابسها وتمددت على الفراش بغية النوم مبكرا حتى تحصل على قسط كافِ من الراحة لأن تلك الجولات شاقة وتحتاج لطاقتها ولياقتها كاملة ..
تقلبت كثيرا ومر بعض الوقت دون جدوى فلا نوم زارها ولا رغبة موجودة من أساسه في النعاس .. استقامت جالسة تتنهد في ضيق متسائلة ماذا عليها أن تفعل !؟..
جربت تشغيل التلفاز لكن كل ما كان يعرضه بالإيطالية فأغلقته وألقت بمؤشر التحكم جانبا
وقد قررت في لحظة تهور غير معتادة النزول لأسفل لحضور حفلة الفندق المقامة بالهواء الطلق ..
نهضت مسرعة وارتدت إحدى أثوابها المخصص لفترة المساء والسهرة، والذي ألحت عليها نهى وضعه بحقيبتها رغم اعتراضها وكم شكرتها على ذلك، ضبطت غطاء رأسها وحذائها ذو الكعب العالي ونزلت في تردد تتبع صوت الموسيقى والصخب بالخارج ..
جلست بإحدى الطاولات المتطرفة قليلا لا رغبة لديها في التفاعل مع الجمع فهى هنا لكسر الملل الذي كاد أن يخنقها بغرفتها في ذاك الوقت المبكر ليلا ..
تطلعت إلى المكان المتوسط الذي تحيط به الطاولات من كل جانب لتجد أصحابها في مجموعة الزيارات السياحية هاهنا جميعهم بلا استثناء .. لكن تراه أين يكون مرشدنا الهمام !؟.. وبخت نفسها لأنها شعرت بالفضول تجاهه، ثبتت نظراتها على بعض الأزواج المرحين بنقطة قريبة منها لحد ما تتشاغل بمراقبتهم عن التفكير به..
بدأت الفرقة الموسيقية في عزف مقطوعة رومانسية رقيقة لتتطلع الي الراقصين ليقع ناظريها عليه إحداهن تتأبط ذراعه في اتجاه حلبة الرقص وبدأ في التمايل بها محتضنا خصرها الدقيق في خلاعة .. ظلت تطالع المشهد أمامها حتى قررت النهوض والعودة لحجرتها .. لا تعلم ما الذي اعتراها وهى تراه يضم بين ذراعيه امرأة بهذا الجمال الصارخ وهى التي لا تهتم لأمره من الأساس!؟.. ماذا دهاها !؟..
اندفعت بلا تريث في طريقها لداخل الفندق لتصطدم بأحد السكارى الذي تطلع إليها في انبهار مستحسنا، وما أن همت باستئناف طريقها حتى امسك بمعصمها في اعتراض، هاتفا يستوقفها بلغة إيطالية لم تفهم منها حرفا، لكنها جذبت ذراعها منه بقوة ودفعت به بعيدا عنها حينما هم بتطويقها بين ذراعيه ليسقط على إحدى الطاولات محطما إياها برفقة بعض الكؤوس التي كانت عليها ..
جذب صوت الجلبة الناتجة عن التحطم أسماع بعض الجالسين بالخارج لكن أحد لم يتدخل ..
نهض السكير في غضب قبل أن تهم هى بالاندفاع مبتعدة، ليعاود الكرة وتشتعل رغبته في الوصول إليها .. وقد هم بالقبض على ذراعها من جديد إلا أن لكمة قوية كانت هي الرد لتعيده لموضع سقوطه السابق لكن هذه المرة كجسد خامد راح في سبات عميق ..
كان ظهوره بالنسبة لها نجدة من السماء وخاصة أن الأمن وصل لتوه، ليصرخ بهم آدم معنفاً .. لم تفهم كلمة مما قال بإيطاليته المميزة إلا أن غضبه المرسوم على قسمات وجهه كان كافيا ليترجم ما يصيح به في وجوههم ..
لا تعلم لما لم ترحل لتصعد غرفتها ووقفت متسمرة تتابع ما يفعل، لتجده الآن يجذبها خلفه مكبلا معصمها بكف من فولاز ..
توقفت في غضب لجذبه إياها بهذا الشكل المهين وخاصة أنه مع حذائها ذو الكعب العالي ما كانت قادرة على متابعة خطواته الواسعة والتي تدل على ثورته وهتفت في حنق :- مهلا .. أترك يدي من فضلك .. ماذا تظن نفسك فاعلا !؟..
توقف فجأة مع وقع كلماتها الثائر وتطلع نحوها يحاول ان يضبط أعصابه قدر استطاعته هاتفا في هدوء مصطنع :- ما الذي جاء بك إلى الأسفل !؟.. ألم تصعدي حجرتك للنوم !؟..
هتفت تتطلع إليه في صدمة :- أتراقب تحركاتي !؟..
هتف في سخرية :- لستِ على هذا القدر من الأهمية لأفعل .. كل ما هنالك أني رأيتك تصعدين غرفتك بعد العشاء ومع مظهرك الملتزم هذا لم أتوقع حضورك الحفل ..
هتفت في غيظ :- لم أكن أعلم أنه يتوجب عليّ طلب الإذن منك لحضور إحدى حفلات الفندق !؟..
جذبها من جديد راغب في إنهاء ذاك الحوار العقيم هاتفا :- حسنا .. هيا إلى الغرفة ..
هتفت معترضة :- أنا لن ..
قاطعها جازا على أسنانه، وقد أصبحا ببهو الفندق بالقرب من المصعد، فأشار إليه هامسا في نفاذ صبر:- أنا لن أدعك تعرضين نفسك للخطر .. هيا إلى الأعلى ..
شعرت أن الأنظار بدأت في التركيز عليهما، فقررت المهادنة والتوجه للمصعد ولها معه شأنا آخر فيما بعد ..
دخلت المصعد ومنه لحجرتها التي ما أن دخلتها حتى دفعت بحذائها بعيدا عن قدميها في عنف، وجلست على طرف فراشها تغلي غضبا لتحكمه فيها بهذا الشكل، متوعدة إياه بالويل والثبور وعظائم الأمور..

*************
في صباح اليوم التالي صعدا الحافلة لجولتهم التالية .. حاولت أن تتحاشى النظر إليه حتى لا تدفعها الرغبة في الثأر إلى أمر ما لا يحمد عقباه .. وصلوا لقمة ‘مونتي دي سولارو’ وقفوا جميعا عند موضع ركوب التليفريك ليهتف آدم مازحا:- آسف لأنكم أزواج والركوب هنا فردي .. لكن مؤكد إنكم ستستمتعون بمناظر خلابة واعتبروها إجازة قصيرة من أزواجكم حتى نجتمع جميعا على الطرف الآخر .. رحلة موفقة للجميع ..
بدأ الأزواج في ركوب ذاك المقعد الفردي المعلق، وكان يتأكد من إحكام المقعد لكل فرد حتى انتهى منهم جميعا ولم يبق إلاها فأشار إليها أمرا بلغة عربية:- تفضلي ..
كانت مترددة في الجلوس وخوض التجربة لكنها جلست في هدوء يناقض اضطرابها لينحن آدم هامسا:- اسمحي لي ..
همست في ثبات وقد شعرت ان الفرصة سنحت لها لتنتقم :- لا لن اسمح وخاصة السماح بما فعلته بالأمس ..لا تفرض رغباتك عليّ مهما حدث فأنا حرة تماما في اختياراتي .. وأنا..
قاطعها مادا كفه متجاهلا كلماتها المعنفة ليتأكد من إحكام روابط الأمان بالمقعد، فانكمشت هى على نفسها ورغم ذلك استمرت في تعنيفه هاتفة في حنق :- أؤكد عليك .. أنا حرة وأنا لن..
تنبه لانكماشة الزعر تلك وتجاهل الأمر، وأخيرا ترك مقعدها دافعا إياه ليتحرك بها معلقا ما بين السماء والأرض وهى لم تنه كلماتها بعد ما أثار المزيد من غضبها ليتبعها هو بمقعده مسلطا ناظريه عليها وابتسامة على شفتيه .. كان انعكاس ضوء النهار على ملامح وجهها التي تحاول أن تسترخ أشبه بانعكاسه على مرآه فضية تشع بهاءً ..كان يشعر أن تلك الفتاة تحمل سرا ما بين طيات روحها .. كانت وحيدة وغامضة .. جذابة وشائكة .. رقيقة حد العطب وقوية حد الصد بقوة لكل من يزعجها .. مزيج عجيب لم يقابله يوما وهو الخبير بصنوف النساء ..
وصلوا أخيرا للجانب الآخر ليجتمعوا وكان آخرهم وصولا هو آدم نفسه الذي هتف مشيرا لدرج من الحجارة مؤكدا :- اصعدوا ذاك الدرج لتصلوا للقمة .. هناك مقهى يقدم بعض المأكولات الخفيفة والمشروبات المنعشة .. تناولوا ما شئتم وتجولوا في الأنحاء لالتقاط الصور ونجتمع هنا بعد ساعة من الآن.. استمتعوا ..
بدأ الجميع في صعود الدرج وتفرقوا ما أن وصولوا للقمة لتجلس هى وحيدة بإحدى الطاولات المنعزلة كعادتها .. طلبت مشروب منعش وأخرجت كتابا وبدات في القراءة ..
رأها تجلس هناك ولم يشأ أن يزعجها أو يفرض نفسه عليها فأخرج هاتفه وبدأ في إجراء بعض المكالمات..
لكنه وبلا إرادة وجد نفسه يقف بالقرب منها مجيبا على محدثه على الطرف الآخر :- نعم .. هى رائعة ..
تنبهت لصوته وحديثه بالعربية والذي استطرد فيه مؤكدا:- بل هى أكثر من رائعة.. شائكة مثل الصبار، وناعمة مثل المخمل ..
قهقه فاضطربت رغما عنها ورفعت ناظريها إليه بلا إرادة لتجده يتطلع إليها وكأنما كان ينتظر تلك الالتفاتة منذ زمن رفع قبعته محييا في مرح وهتف مستكملا الحديث عبر جواله:- لا .. لن يحدث .. وهل سبق وأن حدث .. أنا محصن تماما .. اطمئن ..
ألقي نظرة اخيرة عليها، وابتعد مستكملا مكالمته العجيبة تاركا إياها تتساءل :- من تلك التي يتغزل فيها بهذا الشكل !؟.. وابتسمت ساخرة تنظر إلى حيث توجه .. أهي الشقراء أم الصهباء !؟.. أم حبيبة أخرى لم يسعدها الحظ لتلقاها!؟..
وما الذي لم ولن يحدث..!؟.. ومما هو محصن يا ترى !؟..
تزاحمت الأسئلة الواحد تلو الاخر ولكن لا إجابة شافية .. فطردت محياه من مخيلتها في محاولة للتركيز على صفحات روايتها ..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية السماء تشهد أيها الماجن)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى