روايات

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل التاسع والأربعون 49 بقلم آية محمد رفعت

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل التاسع والأربعون 49 بقلم آية محمد رفعت

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) البارت التاسع والأربعون

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الجزء التاسع والأربعون

الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء)
الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء)

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الحلقة التاسعة والأربعون

توسطت الشمس كبد السماء، وانسدلت خيوطها الذهبية بحرافيةٍ فزادت من جمال تلك المساحات الخضراء التي تحد صعيد مصر، فكان صباحًا مفعم بالطاقة واستعداد لإستكمال العمل، لذا كان الشباب بغرفتهم يستعدون للخروج لتنناول الافطار حتى يخرج كلا منهم لمسعاه، فبدى الوقت مناسبًا لمن يستغل فرصة الانتقام لما حدث بالأمس، فتسلل للغرفة ثم أغلق بابها من خلفه، ودنى من الطاولة العريضة التي تضم الهواتف الخاصة بهم، ففتحهم جميعًا ولسانه ينطق بشرٍ مضمور:
_أبقوا قبلوني لو عرفتوا تميزوا الخطوط من بعضها…
وقام “عبد الرحمن” بسحب خطوط الهواتف ثم أعادها مرة أخرى بعشوائيةٍ،وقد احتل وجهه ابتسامة خبيثة منتصرة لما حدث به بالأمس، وحينما انتهى مما يفعله انسحب للخارج سريعًا حتى لا يفتضح أمر خطته، فانضم لطاولة الطعام التي تضمهم، فقال “بدر” وهو يلوك أحد قطع الخبز:
_صباح الخير يا عبده، يارب تكون قضيت ليلة سعيدة.
تعالت الضحكات الرجولية فيما بينهما، ونظرات الغيظ كانت مصير “عبد الرحمن” الذي يوزعها فيما بينهما بغضبٍ، فوضع “آيان” طبق الجبن الشهي من أمامه ثم قال:
_فكك منه وافطر قبل ما ننزل بسرعة.
دفع الطبق تجاهه بضيقٍ:
_نفسي اتسدت لما شوفت خلقكم..
وتركهم وهبط للاسفل ومازال الضحك يسيطر على الوجوه، فنهض “آسر” ثم جذب هاتفه من يد الخادمة التي أحضرته للتو، فأشار لهم قبل أن يلحق بابن عمه:
_هستناكم تحت، ياريت متتاخروش..
أجابه “آيان” وهو يهم تجاه الغرفة:
_هجيب موبيلي وجاي وراك على طول.
أضاف “بدر”:
_وأنا جاي معاكم.
نهض”يحيى” عن الطاولة، ثم جذب المنشفة ليجفف يديه:
_أنا هجيب الشاي والمية للرجالة وهنزل وراكم..
وبالفعل توجه للمطبخ ليحمل عن والدته وعاء الشاي الكبير الذي أعدته للعمال بالاسفل، بينما حمل عنه بدر سطل المياه البارد، ليتجه كلا منهما للاسفل، وتبقى “أحمد” محله يلهي ذاته بتناول الطعام أو هكذا تصنع حتى انسحب الشباب جميعًا للأسفل، فنهض عن الطاولة بعدما تأكد من رحيلهما، ثم تسلل للأعلى بابتسامةٍ تسلية، إختار الاختباء خلف أحد الستائر الداكنة، ليتابع مراقبة الغرفة التي تجمع زوجته وأحد الفتيات، فوجد “تالين” و”رؤى”تخرجن من الغرفة وتبقت “حور” بالداخل، لذا لم يتردد باستغلال تلك الفرصة التي بدت عظيمة بالنسبة إليه، لذا أسرع للداخل ثم أغلق الباب بالمفتاح العالق بجسده، واستدار ليجدها ترتب الغرفة، وما أن استمعت لصوت انغلاق باب الغرفة التفتت لترى ماذا هناك، فانعقد حاجبها وهي تتساءل بدهشةٍ:
_أحمد بتعمل أيه هنا؟
تفحصها بنظرة سريعة ثم قال بانزعاجٍ:
_هو أنا كل ما أشوفك ألقيكي باسدال الصلاة!
ابتلعت ريقها بتوترٍ للحالة الغير مريحة التي بدى بها لها، فرددت بارتباكٍ:
_والمفروض إني ألبس أيه بقى وأحنا كلنا يعتبر عايشين في اوضتين!
ابتسم وهو يقترب منها حتى بدت محتجزة بينه وبين الحائط من خلفها:
_مش مهم، المهم اننا نستغل الفرصة صح..
لعقت شفتيها وهي تتساءل بخوفٍ:
_فرصة أيه؟
قربها إليه وهو يتابع بخبثٍ:
_إننا لوحدينا ولا أيـه؟
جحظت عينيها بصدمةٍ، فدفعته عنها وهي تصيح به:
_أنت مجنون، عايز تفضحني وسط البنات.
ودفعته مرة أخرى حتى أوقعته على الفراش:
_إبعد كده خليني أعدي..
أسرع خلفها ثم أمسك بها مجددًا:
_أفضحك أيه هو أحنا ماشين مع بعض، أنا جوزك يا هبلة!
جذبت يدها من بين حصار يديه ثم ربعتهما حول خصرها قائلة بشراسة:
_جوزي في أوضتنا يا حبيبي واتفضل اخرج من هنا حالًا بدل ما أصوت وألم عليك أهل البيت..
صعق من طريقتها التي بدت له سوقية عن رقتها المنتاهية، فردد بصدمةٍ:
_تصوتي! ، الظاهر ان الفترة اللي فاتت حولتك أنتي كمان..
مررت يدها حول جبينها بمللٍ:
_أحمد أنا الحمل تعبني ومش ناقصة مناهدة، افتح الباب وانزل شوف شغلك وسبني أنا كمان اساعد ماما والبنات في تحضير الغدا للعمال.
رسم بسمة صغيرة على وجهه، ثم ضمها إليه ليهمس لها بعشقٍ:
_طب أي حاجة طيب أنتي بطلتي تحبني ولا أيه؟
عادت بوجهها للخلف وهي تقاوم ما يعتريها من مشاعر صادقة تجاه زوجها الحبيب ثم قالت:
_مش هينفع أنت عايز تكسفني قدام البنات صح؟
رفع أحد حاجبيه بسخطٍ:
_وهما هيعرفوا منين؟
كزت على أسنانها بضيقٍ شديد، فهمست بصوتٍ شبه مسموع:
_مش هيطلع من هنا الا لما أفضحه أنا عارفة.
لذا وبدون مقدمات رفعت صوتها وهي تصرخ قائلة:
_يا طنط ريــــــــم تعالـــى شوفي ابنك المحترم بيعمل هنا أيــــــه!
كمم أحمد فمها بصدمةٍ، وهو يعنفها:
_انتي مجنونه إيه اللي بتعمليه ده!
حاولت الحديث من خلف يديه التي تحجبها عنه، فاتاهما صوت والدته من خلف الباب وهي تحاول فتحه:
_في أيه يا حور؟ ، وقافلة الباب عليكي ليه افتحي!
ابتسمت “حور” بانتصارٍ، وخاصة حينما تحرك أحمد ليفتح الباب وهو يتوعد لها، فما أن ولجت “ريم” للداخل حتى تساءلت بذهولٍ:
_أحمد! بتعمل أيه اهنه؟
مرر يديه بين خصلات شعره بحيرة البحث عما سيجيبها به، فقال بتلعثمٍ:
_أنا كنت طالع أطمن على ماسة قبل ما أنزل!
ابتسمت “ريم” بسخريةٍ لما بدى لها بالحدوث هنا ، فقالت بحزمٍ مصطنع:
_طب انزل قوام قبل ما حد من أعمامك يشوفك.
أومأ برأسه باستسلامٍ، وغادر ونظراته الغاضبة مازالت تتملكها، فما أن هبط للاسفل حتى ضربتها برفق على وجنتها:
_كده تفضحي جوزك بالشكل ده!
رتبت”حور” الغطاء على السرير حتى تعود لما تفعله وهي تجيبها بخجلٍ:
_ابنك اللي مش محترم يا طنط، فقولت افضحه قبل ما اتفضح أنا..
انفجرت “ريم” ضاحكة ثم قالت باستهزاءٍ:
_عندك حق يا بتي، الواد ده مشافش رباية وأني أول ما أبوه يرجع هقوله يعلمه ازاي يعامل مرته..
ضحكت “حور” على حديثها، ثم عادت لتستكمل تنظيفها للغرفة بحرجٍ لما تعرضت له..
********
بالأسفل…
انتهى “آسر” من فحص المعدات، ثم انتصب بوقفته ليشير للعامل قائلًا بثناءٍ لمجهوده المبذول:
_الله ينور عليك..
منحه العامل ابتسامة عملية، يليها اطراء:
_بفضل توجيهاتك يا بشمنهدس.
ثم تركه وعاد ليتابع عمله، فاتجه “آسر” ليحيى الذي أشار له بالقدوم لحاجته للمساعدة بحمل بعض الطوب.
بينما بالجهة الأخرى، كان يسكب “آيان” بعض العصائر بالأكواب للعمال، فدق هاتفه للمرة الثانية، لذا نظف يديه بالمنشفة التي يحملها على كتفيه، ثم دثها بجيب جاكيته الأسود ليجذب الهاتف، فما أن رفعه على أذنيه حتى أتاه صوت بدى مألوفًا بالنسبة إليه:
_مش بترد ليه يا آسر كلمتك أكتر من مرة!
همس بذهولٍ وهو يتطلع لشاشة هاتفه:
_آسر!
زم شفتيه بذهولٍ حينما وجده هاتفه، فعاد ليضعه على هاتفه مجددًا:
_أنا آسف يا تسنيم واضح ان في سوء تفاهم، ده رقمي أنا مش رقم آسر..
طال صمتها حرجًا لما تعرضت له، فعادت لتتفحص الهاتف هي الاخرى، ثم قالت على استحياءٍ:
_أنا اللي بعتذر اني ازعجتك يا آيان، بس ده فعلًا رقم آسر أو يمكن أكون متلغبطة.
ابتسم وهو يجيبها:
_عمومًا حصل خير..
أغلقت الهاتف، فرفع آيان هاتفه ليتأكد من الرقم مجددًا ليجده مدون ب(حبيبتي..) ، فتعجب للغاية وحينها تأكد من كناية الارقام المدونة بأن الخط الذي يحمله هاتفه لا يخصه!
*********
وصل “بدر” بسيارة الربع نقل للسرايا، فألقى بذاته من على سطحها، ثم أشار لمن خلفه قائلًا:
_نزلوا الاسمنت ودخلوه للرجالة.
أومأ أحداهما برأسه وهو يشير له:
_تحت أمرك يا بشمهندس..
ابتعد “بدر” للخلف قليلًا ليتفحص هاتفه، ثم رفعه حينما أتته مكالمة مدونة باسم “حور”،فوجدها تتحدث بعصبيةٍ مبالغة بها :
_بسببك طنط ريم كسفتني قدام البنات ومسكني تريقة من الصبح ، والله يا أحمد ما هعدهالك وهتشوف هعمل فيك أيه.
ضحك ساخرًا:
_سلامة النظر يا حبيبتي، أنتي طالبة جوزك ولا اخوكي!
رددت بصدمةٍ:
_بـــدر!
أتاها صوته الضاحك:
_بالظبط.. بس فكك وقوليلي عمل أيه الواد ده وأنا بنفسي هروقهولك..
انساق الحديث فيما بينهما، وتناست حور تمام الرقم الذي يخص زوجها، فما أن انتهى الاتصال فيما بينهما حتى تفحص بدر الهاتف وهو يردد بدهشةٍ:
_ده مش خطي!
*******
جلس يحيى يزيح حبات العرق النابض عن جبينه بعد انتهائه من نقل الطوب للعامل بالأعلى، فأخرج هاتفه حينما ورده أحد المكالمات، فاستمع لصوت المتصل:
_كده يا حبيبي بقالك فترة مش بتعبرني ولا حتى بشوفك، طيب أنا هنت عليك؟
صعق مما استمع اليه وخاصة بأن الصوت كان واضحًا بأنه يعود لرؤى زوجة بدر، فردد بذهولٍ:
_رؤى! ، انتي متلغبطة في الارقام ولا أيه!
رددت بصدمة تفوقه:
_يحيى!
وقبل أن يستمع لتبرير صريح منها كانت قد اغلقت الهاتف بوجهه من فرط الحرج الذي تشعر به، فالقت الهاتف عن يدها، أما يحيى ففور تأمله جهات الإتصال تأكد من أنها لم تكن تطلب الجهة الخاطئة بل أن هناك خطًا ربما مقصود!
********
أشار” آسر”بيديه لأحد العمال ليخبره:
_خد بالك البراميل ملان مية، أنا هجبلك واحد فاضي، بس الله يكرمك تنجزني لان زي ما أنت شايف الوضع مش مستحمل.
رد عليه بتأكيدٍ:
_متقلقش يا بشمهندس هنخلص قبل المدة المطلوب بإذن الله..
منحه ابتسامة هادئة:
_إن شاء الله.
ثم ناوله مبتغاه، وإتكأ بمعصمه على الحائط من خلفه، ليجذب الهاتف الذي يدق فوجد رقم غريبًا، فتح آسر الهاتف ثم قال:
_الو..
أتاه صوتًا غريبًا يستمع له لأول مرة:
_دفعت إيجار الأراضي وكله تمام يا كبيرنا، عشان تتأكد ان وراك رجالة.
ضيق عينيه وهو يردد بحيرةٍ:
_أراضي أيه، انت مين؟
رد المتصل بدهشةٍ:
_لحقت تنساني يا آيان باشا، أنا لطفي رجل من رجالتك!
بعد آسر الهاتف عن وجهه ليتطلع بالشاشة بذهولٍ، فوجد آيان يقف مقابله ويناوله خط صغير وهو يردد ساخرًا:
_اسمع عن تبادل الموبيلات لكن الخطوط دي موردتش عليا قبل كده!
قدم له آسر الهاتف، فرفعه آيان على اذنيه ثم قال بثباتٍ عجيب:
_اقفل أنت يا لطفي ساعة وهكلمك تاني.
وبالفعل أغلق الهاتف، ووقف في محاذاة “آسر” الذي انتقلت عينيه الصقرية تجاه ابناء اعمامه، فكلا منهما يقترب منه يحمل هاتفه ويردد بنفس الكلمات التي جمعتهم:
_ده مش خطي!
انتقلت نظراته تجاه عبد الرحمن الذي يراقبه بابتسامة انتصار، فناداه بغضبٍ:
_تعالى هنا احسن ما أجيلك أنا وأخلي شكلك ميساواش قدام الرجالة.
انتقلت النظرات جميعًا تجاهه، فاقترب منهم وهو يلعق شفتيه من فرط الخوف، فقال بارتباكٍ:
_اعملكم ايه ما انتوا الا بدأتوا..
اقترب منه يحيى ثم صاح به بغضب:
_أنت أهبل صح، أنت عرضتنا كلنا لموقف محرج، أنا كان معايا خط بدر ورؤى اتحرجت لما أنا اللي رديت عليها انت كده هزرت والمفروض اننا نضحك يعني ولا أيه بالظبط!
استشاطت نظرات بدر الغاضبة، فقال آيان هو الأخر:
_وأنا كان معايا خط آسر وتسنيم رنت عليه برضه..
تهجمت معالم آسر فبدى مخيفًا للغاية،وخاصة حينما انتقلت يديه لقميص عبد الرحمن، الذي اسرع بالتبرير:
_وأنا إيش عرفني انهم اللي هيرنوا أنا كنت آآ..
انقطع صوته حينما تلقى لكمة قوية أطاحته أرضًا، فضحك أحمد وهو يخبرهما بعنجهية:
_أنا الحمد لله مجاليش مكالمات خالص.
ضحك بدر ثم وضع يديه حول كتفيه وهو يخبره ساخرًا:
_وهو أنت كنت فاضي للمكالمات يابو نسب، أنت كنت مقضيها تحرش جوه بس الوالدة ظبطتك.
صعق لما يستمع اليه، فغمز له بمشاكسةٍ:
_مهو حظي جيه في خطك، أختي بقى ومننا وعلينا..
انفجر آيان ضاحكًا، ثم قال بسخرية:
_العيلة دي هتتشرد لو اتأخرنا اكتر من كده، لازم نرجع السرايا زي ما كانت بأسرع وقت..
صاح بهما يحيى:
_انتوا بتهزروا وسايبن الواد هيموت في ايد آسر!
رفع أحمد يديه بعدم مبالاة:
_يستاهل.
تدخل آيان بينهما، فابعده عنه بصعوبة، ثم قال:
_خلاص يا آسر الواد كان بينتقم من اللي حصله.
ردد بانفعال:
_ده لعب عيال مش انتقام ده.. عمره ما هيكبر عشان كده مينفعش لا لجواز ولا لغيره..
نهض عبد الرحمن ينفض الغبار عن ثيابه، ويحاول جاهدًا اخفاء ضحكاته، فجذب آسر الهواتف من ايدهم ثم القاه بوجهه ليشير له بصرامةٍ:
_زي ما بدلتهم ترجعهم والا أنت عارف اللي هيحصلك.
حملهم عنه عبد الرحمن ثم قال بصدمة:
_ودي هعملها ازاي دي..
اتاه رده اللازع يقتص منه:
_زي الراجل العاقل كده لما يحل تفاهته
ثم أشار للشباب:
_يلا.
غادر الجميع وتركوه بورطة كان هو السبب بها من البداية، فلعن حظه العسير الذي أوقعه بما فعله..
*******
بالأعلى..
ولجت “رؤى” لغرفة “ماسة” ويبدو بأنها مرتبكة، فسألتها الأخيرة باستغرابٍ:
_مالك يا بنتي؟
وضعت الهاتف عن يدها ثم قالت بتوترٍ:
_أنا في مصيبة ومش عارفة أعمل ايه؟
شهقت الاخيرة بخوف:
_مصيبة أيه؟
قالت بحرجٍ والدموع تتلألأ بعينيها:
_انا رنيت على بدر معرفش ازاي يحيى اللي رد مع اني واثقة والله ان ده رقم بدر، حتى شوفي!
جذبت ماسة الهاتف منها بتعبٍ مازال بادي على وجهها المرهق، ثم رددت بذهولٍ:
_غريبة! ، يمكن الخطوط فيها مشكلة ولا حاجة، وحتى لو ده حصل ايه المشكلة يعني أكيد يحيى فاهم وعارف انك قاصدة جوزك مش حد تاني..
القت الهاتف على الفراش، ثم احتضنت وجهها وهي تجيبها بقلقٍ:
_بس برضه هيقول عليا أيه!!
كادت بأن تعود لمحاولات مواساتها عن الحرج الذي تعرضت له ولكنها توقفت حينما ولجت حور للداخل تحاول الحديث من بين نوبة الضحك الذي يتملكها فقالت بصعوبة:
_نكتة بجد،جيت أكلم أحمد طلبت بدر معرفش ازاي!
قالت تسنيم من خلفهما:
_لا دي مش نكته بقى انا كمان طلبت آسر اللي رد آيان!!!
انتقلت النظرات المذهولة فيما بينهما، وبدى الغموض يسيطر على الافواه، حتى ولجت “تالين” فانفجرت ضاحكة عليهن ثم قالت باستهزاءٍ:
_ده مقلب عمله فيهم عبد الرحمن هو اللي نقل الخطوط وخد جزاته، آسر أدبه.
اجتمعت الفتيات من حولها على الأريكة، ليحثوها على الحديث بالتفاصيل الدقيقة عما حدث..
*********
انتهى اليوم بعد شقاء، فجلس الشباب على الأريكة المقابلة للاسطبل الخارجي، يدون أحمد الحسابات التي يلقيها آسر والشباب على مسمعه، وما يحتاجون لجلبه بالصباح الباكر، فنهض الجميع حينما اقترب منهما “فهد” ، فحياهم بمحبةٍ:
_السلام عليكم..
رددوا معًا:
_وعليكم السلام ورحمة الله.
جذب آيان احد المقاعد وهو يشير له:
_اتفضل يا كبير..
استرخى فهد بجلسته عليه ثم قال بابتسامة زادته وقار وعينيه تتفحص دفتر الحسابات من أمامه:
_الله ينور عليكم يا رجالة، سند يعتمد عليه صوح.
ابتسموا جميعًا، فقال آسر ببسمة مشرقة:
_ربنا يخليك لينا..
أغلق فهد الدفتر ثم استند بجسده على العصا، ليخبرهما بمكرٍ:
_بس مش عجبني انكم تكونوا مركزين في الشغل ومقصرين في الاهم منه.
تساءل آسر بعدم فهم:
_مقصرين في أيه!
ابتسم وهو يجيبه:
_مع البنات.. عشان كده أنتوا افراج النهاردة، اخرجوا اتعشوا بره في مكان يكون مريح وابقوا كملوا الطلبات بكره.
اتسعت ابتسامة أحمد وهو يقول:
_والله يا عمي ما في حد فهمنا ولا مدلعنا غيرك..
أضاف عبد الرحمن:
_ايوه كده عشان نشحن طاقة للي جاي..
استند فهد على عكازه ثم اشار لهما بخبثٍ:
_طيب هسيبكم تختاروا المكان اللي تحبوا تروحه.
اقترح عليهما ايان مطعم راقي قريب من طريق القاهرة، يقدم أفخم أنواع الطعام الايطالي فنال استحسانهم، فنهض بدر ثم أشار لهما قائلًا:
_لا أنا اروح اتشيك بقى مدام هنروح مكان عالي زي ده.
اتبعوه ليستعدوا جميعًا للخروج قبل أن يشق الليل بهم.
******
سعدت الفتيات حينما علموا بأمر ذاك الموعد الرومانسي، فاستعدن سويًا بغرفة “ماسة”، التي رددت بحزنٍ:
_هتخرجوا من غيري كده!
ردت عليها”روجينا “:
_لو مش عايزانا نروح والله نقعد ونتجمع هنا..
منحتها ابتسامة مشرقة:
_لا يا حبيبتي انا بهزر معاكم، اخرجوا وانبسطوا انتوا طالع عنيكم بالطبيخ طول اليوم للعمال وانا من قبل الولادة مش عارفة اساعدكم بأي حاجة..
قبلتها”روجينا” ثم قالت:
_حياتي انتي يا ماستي هبقى اجبلك معايا هدية لتيم الامور..
جذبتها ماسة تجاهها ثم همست لها بمكر:_مش عايزة هدايا، حني انتي بس على جوزك المسكين.
ضحكت الاخيرة ثم اجابتها بدلال:
_هفكر..
وهبطت خلف الفتيات سريعًا حتى لا تتأخر بلقاء محبوبها.
*****
بالأسفل..
ردد أحمد باصرارٍ:
_يا عم ما تيجي معانا، هو يعني الخروج مينفعش غير مع المدام!
تدخل بدر قائلا:
_فكك منه يا يحيى ده عايز يخرب عليك..
ابتسم يحيى ثم قال:
_لا متقلقش انا عارفه اكتر منك.
ثم استدار لاحمد:
_اه مش بيحلى غير بيها، ثم اني هسهر برضه بس مع ابني ومراتي.
ضحكوا سويًا، ثم اتجهت نظراتهم تجاه آسر وآيان، حيث يهبط كلا منهما الدرج، فانطلق الصفير مشترك من الشباب اعجابًا بما يرتديه كلا منهما من بذلة كلاسيكية أنيقة، وكأن كلا منهما يتفق في ذوق الحلى المشتركة فيما بينهما، فقال عبد الرحمن باطراءٍ:
_الشياكة ليها ناسها، بس حاسس أن آسر بقى مأڤورها أوي تقولش هو العريس ولا أيه يا شباب!
ضحك يحيى ثم قال:
_لا عندك آسر من يوم يومه شياكة.
ابتسم آسر ثم قال بغرورٍ مصطنع:
_معتش غيرك اللي هيعلمني البس أيه، يا عم أنت اليومين دول خفف دمك ولا حابب تودع للأخرة!
ضحكوا سويًا، وسرعان ما اختفى الضحك حينما انضمت لهن الفتيات، فانشغل كلا منهم مع زوجته، فدنى “آسر” منها وعينيه لا ترى سوى عينيها، فكأنما بات الكون خاليًا لم يعد به سواهما، ازدادت خجلًا حينما أمسك بيدها ثم همس لها بصوته ذات النبرة العميقة:
_الجمال ده مينفعش يخرج من هنا والعيون تشوفه، أنا بس اللي مسمحولي..
ثم استدار للخلف ليراقب الجميع وعاد ليسترسل بغمزة مكر:
_ما تيجي نخلع..
ابتسمت تسنيم ثم قالت:
_لا دي أول نخرج كلنا مع بعض واكيد مش هنفوتها..
أمسك بطرف حجابها الذي اطاحه الهواء فجذب الدبوس الصغير العالق على كتفيها ثم عاد ليحكم به الطرف المنسدل بحرصٍ الا يلامسها طرفه الحاد، فمنحها نظرة متفحصة ثم قال:
_كده أفضل..
ورفع يديه لصدره وهو يشير لها:
_الامير أحيانًا مضطر انه يخضع لطلبات أميرته..
ضحك وجهها المشرق بحبه الشبه مثالي، ثم وضعت يدها بين يديه لتلحق به للسيارة..
********
بحثت عينيها عنه، متلهفة للقاء، فما أن أمسك بها تفتش عنه حتى أحمرت وجنتها خجلًا، فعبست بطرف حقيبتها الطويل، فدنى منها آيان ثم قال:
_كالعادة بتهربي لما بمسكك..
رفعت احد حاجبيها بدهشةٍ:
_ههرب من أيه!
اقترب حتى قطع تلك المسافة الفاصلة بينهما ثم قال بنبرةٍ حملت طيف من الحزنٍ:
_مني أنا يا روجينا..
لعقت شفتيها بتوترٍ، فاستجمعت شجاعتها لتجيبه:
_بالعكس أنا بقيت بتقبل وجودك، وحابة ان الكل متقبل ده.
وأزاحت تلك الدمعة سريعًا قبل أن تنزع مراءها:
_انت عارف ومتأكد اني بحبك، واللي كان بيحصلي ده كان من وجعي على اللي انت عملته، ودلوقتي انت مبقتش الشخص السيء اللي كان في نظري فأكيد يعني انا حبيتك بالوحش اللي فيك دلوقتي متخيل ان حبي ليك هيقل!
أمسك يدها، ثم قال وابتسامة الفرح تحاوطه:
_يعني خلاص هترجعي معايا السرايا بعد ما نخلص هنا؟
بادلته الابتسامة وهي تهز رأسها بكل تأكيد ثم قالت بالصعيدية ممازحة إياه:
_حدانا بالصعيد الواحدة ملهاش غير جوزها، مكان ما بيروح هي بتروح وراه يا واد عمي.
ضمها لصدره وصوت ضحكاته تنعش دقات قلبها البائس، تعشقه تلك المجنونة حتى وإن كان رفيق لإبليس بطريقه، فكيف لقلبها بأن بمقته بعدما فعل المحال لأجلها!
********
لم يكن الطريق بالقصير لذا استغرق ساعات متواصلة حتى وصلوا لغايتهم، فكان مطعم فخمّا للغاية، يتوسطه حديقة بتقسيمة مثالية لقضاء يومًا مكتمل، فاختاروا جمعيًا الجلوس بالحديقة على طاولة واحدة، فجلس كل ثنائي جوار بعضهما البعض ولجوار كل شاب جلست شقيقته وبجانبها زوجها ، وبعد دقائق معدودة أتى النادل ليوزع القائمة على كلا منهما، وغادر ليمنحهما بعض الوقت لاختيار ما يود تناوله بناء على طلب آسر الذي قال:
_شوفوا تحبوا تطلبوا أيه؟
كبتت روجينا ضحكاتها، ثم قالت ساخرة:
_المشكلة ان الاطباق دي اول مرة نسمع عنها، فلو طلبنا حاجة منعرفهاش ممكن يجيلنا تلبك معوي..
ردت عليها حور بعدما فتحت حقيبتها:
_عملت حسابي عشان كده.
وأخرجت من حقيبتها الكبيرة كيس مغلفًا، مزقته أمام أعين الشباب المنصدمة، فخرجت حلة صغيرة وفتحتها، ردد احمد بصدمة:
_محشي!!!
قال بدر بدهشة:
_ده بجد!! انتي مجنونة صح.
لحقت بها “رؤى” حينما اخرجت من حقيبتها وعاء بلاستيكي صغير، فردد بدر بصدمة تفوقه:
_كوسة وبتنجان محشي، لا انتوا اكيد بتهرجوا..
اتجهت نظرات ايان تجاه حقيبة روجينا، فقال بخوف:
_أوعـــي، احنا في مكان شيك وممكن نتطرد بالحلل دي وهتبقى فضيحة!
منحته ابتسامة واسعة، ثم اخرجت ما تحمله قائلة:
_هو القاعدة تحلى الا بالمحشى الكرنب وخاصة بالبرد ده..
حك عبد الرحمن رقبته وهو يسألها بتردد:
_وانتي معاكي كرنب ولا خضار!
اخرجت تالين من حقيبتها ما تحمله:
_لا انا جبت المخلل والطحينة وتسنيم معاها الكفتة..
انتقلت النظرات تجاه تسنيم التي تتطلع تجاه آسر بترقب، فمنحها ابتسامة هادئة وباتزانٍ قال:
_خرجي اللي معاكي انتي كمان مستنية ايه!
قالت بمزحٍ:
_انتوا مقولتوش انكم جايبنا مطعم ايطالي!، ثم اننا بنحافظ على صحتنا وبناكل اكل صحي عشان البيبي مش كده يا حور!
قالت وهي تتناول أحد الاصابع:
_كده ونص امال الواد يطلع ايه خرع!
اتى النادل حتى يدون ما تم اختياره، فجذب الشباب الحقائب ووضعوها أسفل الطاولة سريعًا، بينما وقف آسر بنفس ذات البسمة المتزنة ليخبر النادل بكل ثقة:
_احنا خلاص جبنا اكل، فعايزين عصاير ومقبلات..
أومأ النادل رأسه باحترامٍ لهيبته ثم قال:
_اللي تحبه يا آسر باشا، ده انت منور المكان كله.
تعجب الجميع من معرفته المسبقة للمطعم، فجلس محله وهو يردد بثقة:
_كنت بجي هنا كتير، تقدروا تطلعوا حفلة المحاشي وتاخدوا راحتكم..
تعالت الضحكات فيما بينهما، فتركزت نظراته عليها هي، ففرحتها تحتضن عاطفته وتدغدغ مشاعره.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى