رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل السادس والأربعون 46 بقلم آية محمد رفعت
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) البارت السادس والأربعون
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الجزء السادس والأربعون
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الحلقة السادسة والأربعون
ازداد الألم في حدته، حتى فقدت القدرة على المحاربة فربما تهون عليها صرخاتها التي علت لتغدو أكثر حدة، فحاوطتها “تسنيم” من جهةٍ، و”حور” من الجهة الأخرى، في حين أن هرعت “تالين” للأسفل كما أخبرتها “نواره” لتخبر “يحيى”، انتهت من طريقها الفاصل بين المندارة والسرايا، فلمحها”بدر” لذا أشار بيديه أن تتوقف محلها والا تدنو من البقعة المحاطة بالرجال، فالرجل الشرقي لا يغار على زوجته وشقيقته فقط بل كل نساء منزله هن عرضه وشرفه، فألقى ما بيديه ثم اقترب منها ليعنفها بلهجته المتعصبة:
_أيه اللي منزلك ، أنتي مش عارفة أن في رجالة بتشتغل هنا!
أسرعت بالتبرير حتى لا تنال غضب زوج شقيقتها:
_جاية أنادي ليحيى لان ماسة شكلها كده بتولد..
انكمشت تعابيره وهو يردد بذهولٍ:
_الوقتي!
قالت بنبرةٍ شبه ساخرة:
_وهي الحاجات دي ليها وقت يا بدر.. نادي يحيى بسرعة.
أومأ برأسه وهو يشير لها بحزمٍ:
_اطلعي أنتي وأنا هتصرف.
وبالفعل عادت للمندارة، تاركة له زمام الأمور، فخلع قبعته السوداء التي تحجب أشعة الشمس عن رأسه، ثم ولج للداخل بخطواتٍ حذرة، تتفادى أسياخ الحديد والمعدات الموضوعة أرضًا، فحاول ايجاده، اهتدت نظراته عليها فوجده يقف بصحبة “آسر” و”آيان”، فاقترب منهما، ثم قال:
_يحيى عايزنك فوق..
تساءل بدهشةٍ:
_أنا.. ليه؟
حك جبهته من فرط الحرارة وهو يجيبه ببرودٍ مرح:
_ولا حاجة مراتك بتولد بس.
جحظت عين الأخير وهو يردد بصدمةٍ:
_أيــــــه!
ثم هرع للأعلى سريعًا وسط ضحكات “آيان” المشاكسة على مظهره المضحك، فاتجهت نظراته لبدر ثم قال ساخرًا:
_في حد يخض حد الخضة دي، روح ربنا يسامحك قطعت نفس الواد!
ضحك وهو يجيبه بمكرٍ:
_لازم يتخض عشان الجاي ميبقاش تقيل عليه.
ثم جذب الوعاء واتجه للمغادرة قائلًا بخبثٍ:
_عقبال لما أخضكم أنتوا كمان..
ارتسمت على شفتي “آسر” ابتسامة حالمة شوقًا لرؤية ما تحمله معشوقته، وإن كان الوقت مبكرًا لمثل تلك الأفكار، ولكنها تهاجمه بين اللحظة والأخرى..
******
بالأعلى..
أمسكت “نواره” معصمها ثم حاولت جذبها عن الفراش محذرة أياها بخوفٍ:
_امسكي فيا زين يا ماسة، ومتخافيش أني مش هسيبك..
تعلقت بيدها وهي تهمس بوجعٍ وبكاء حارق:
_مش قادرة.. هموت من الوجع..
انهمر الدمع من عين ريم تأثرًا ببكاء ابنتها، فقالت وهي تربت على ظهرها بحنان:
_معلش يا نور عيني، اتحملي لحد ما نروح المستوصف.
ولج “أحمد” للداخل بعدما علم بما أصاب شقيقته، فهرول تجاهها بلهفةٍ:
_متقلقيش يا حبيبتي أنا جنبك ومش هسيبك..
ثم أشار لحور قائلًا:
_فين حجابها، أنتوا هتخروجها كده!
طوافتهم دوامة صراعها للآلم فتناسوا ما ترتديه، لذا أسرعت حور لتجد ما يناسبها وما هي الا دقيقة حتى عادت بخمارٍ طويل، يكفي ليمنحها الحشمة اللازمة على جلبابها المنزلي، تمسك بها أحمد جيدًا حتى ارتدت ما تضعه زوجته حول رأسها، ثم كاد بحملها ولكنه تفاجئ بيحيى يقتحم الغرفة والفزع يقبع بحدقتيه المرتعبة، فأسرع تجاهها وهو يتساءل بخوف:
_ماسة حاسة بأيه؟
تهللت أساريرها لوجوده جوارها في ذلك الوقت المقبض، فرفعت يدها تجاهه وهي تردد ببكاءٍ:
_يحيى!
رفع يديه تجاه يدها الممدودة، فدث أصابعه بين أصابعها بعشقٍ، ثم رفع جسدها تجاهه، لتحتمل عليه بدلًا عن شقيقها، فوضعت رأسها على صدره وهي تهمس بصوتٍ يكاد يكون مسموع:
_مش قادرة.. شكلي بولد المرادي بجد.
انحنى بجذعيه ليحملها عن الارض ثم كاد بالخروج من الغرفة، ليعرقل طريقه أحمد، ثم قال بعندٍ:
_عندك أنا اللي جاي هنا الأول، يعني محدش هيودي أختي المستشفى غيري..
جز بأسنانه على شفتيه السفلية بغيظٍ:
_ده وقته يا أحمد؟
جذبها منه وهو يضمها إليه، قائلًا بحدة:
_وقته ونص، ان كنتوا اخوات اتحاسبوا يا حبيبي.
طرق يحيى كف بكف وهو يردد بعدم تصديق:
_مش طبيعي بجد.
ابتسم وهو يشير له بغرور:
_هو كده بالظبط.. ووسع بقى عشان الحق مراتك وابنك..
قطع طريقه وهو يخبره باستهزاءٍ:
_اديك قولت مراتي وابني، يبقى توسع انت وتسبني أتصرف..
ضحكت النساء من حولهم على ما يحدث من أمام أعينهم، فقالت “رواية” باستغرابٍ:
_أنتوا لسه هتتخانقوا البنت بتولد!!
زفر يحيى بغضبٍ، ومع ذلك ارتسم على وجهه ابتسامة ماكرة، فقال بخبثٍ:
_خلاص يا أحمد احنا مش عيال صغيرة، شيل براحتك بس أنا حاسس أن حور مش طبيعية من ساعة ما دخلت بين كده هيغمى عليها!
اتجهت الانظار تجاهها، والاخيرة ترفع كتفيها بعدم استيعاب لما يقوله يحيى الذي استغل انشغال أحمد بتأملها ثم اختطف منه ماسة وهرول بها سريعًا لسيارته، وضحكات الجميع تطوف من حولهما ويلحقها غضب أحمد وتوعده له..
*******
بالأسفل..
لف “فهد” وشاح جلبابه الأسود حوله، ثم قال للشباب وهو يتفحص السيارات التي تنطلق للمشفى:
_كملوا شغل أنتوا، وأني هحصل “جاسم” و”يحيى” على المستوصف..
قال”عبد الرحمن”:
_اللي تؤمر بيه يا عمي، أحنا وجودنا مالوش لزمة..
أضاف “آيان” قائلًا:
_لو احتاجتوا اي حاجة احنا موجدين.
أومأ الكبير برأسه، ثم استند على عصاه ليستكمل طريقه، وقبل أن يصل لسيارته استدار تجاه ابنه الذي أتى ليلبي ندائه الصامت، فما أن وقف مقابله حتى قال:
_متنساش تروح البنك قبل ما يقفل وتسحب المبلغ اللي قولتلك عليه.
جفف يديه جيدًا وهو يجيبه باحترامٍ:
_متقلقش يا بابا أنا عامل حساب كل حاجة..
منحه ابتسامة ثابتة، وهو يربت بيديه على كتفيه، ومن ثم غادر على الفور، تأمل “آسر” الإتساخ العالق بين أصابعه بضيقٍ، فدنى من الوعاء الضخم المملوء بالمياه ثم انحنى لينظفه بالمنشفة جيدًا، فحانت منه نظرة تجاه شرفة المندارة الصغيرة، فتفاجئ بها تراقبه خلسة من خلف بابها الموصود، استدار للخلف ليتأكد بأنشغال الشباب بالعمل، فانسحب للداخل بخفةٍ..
توترت نظراتها التي تبحث عنه بالخارج، تشتاق لتأمله بتلك الثوان التي اختفى بها، فلم تعد عينيها تمتلك القدرة على رؤية عينيه، تهدلت معالمها بحزنٍ وضيق، فانقبض قلبها سريعًا حينما شعرت بأصابع تطرق على كتفيها، لعقت شفتيها بارتباكٍ لعدم وجود أحدًا بالمندارة سواها، فاستدارت للخلف ببطءٍ، زفرت وهي تردد براحةٍ:
_آسـر.. خضتني!
منحها ابتسامة فتاكة، وهو يدنو حتى صار قريبًا منها:
_بتبصي على أيه؟
ارتبكت من قربه الخطير لجوارحها، فكأن مشاعرها ستفضحها بشوقها الجارف إليه، فقالت بتلعثمٍ:
_أنا… آآ… كنت… آآ..
قاطعها وهو يكمل حديثها المشتت:
_بتراقبيني!
لعقت شفتيها بارتباكٍ، فتعلقت عينيه بلمعة شفتيها التي زادت من رغباته تجاهها، فحطم أخر حاجز بينهما وهو يقتبس من ريحقها، فدفعته بعيدًا عنها وهي تردد بصدمةٍ:
_أنت بتعمل أيه!
ابتسم بمكرٍ وهو يجيبها:
_هكون بعمل أيه يعني، مراتي معجبة بيا وبتراقبني من فوق، فقولت أجي بنفسي وأوفر عليها الوقفة دي وتتأملني براحتها..
جحظت عين “تسنيم” بصدمة من تلميحه المبطن بكشفه لما يطارد مشاعرها، فاصطبغ وجهها بحمرةٍ الخجل وبات انتقائها للكلمات مفقود:
_لا.. أنا كنت حاسة بملل بعد ما بقيت لوحدي فقولت أشوفكم بتعملوا أيه؟
أمسك يدها التي تنتفض بين خشونة يديه البارزة، ثم قربها لتدنو منه، فاستند بجبينه على جبينها وهو يسألها بجراءةٍ:
_وحشتك؟
أزاحت يديه حجابها، فضمها إليه يتنفس عبيرها، وبصوته الرخيم كان يهمس:
_أنتي كمان وحشتيني أوي.. بتعذب في كل ثانية انتي فيها بعيدة عني..
لفحت أنفاسه وجهها وكلمته تلك استوقفت مقاومتها له، فباتت اجابتها صريحة له، انجرف خلف مشاعره وتوقه لها، فقالت بخجل وهي تحاول إبعاده عنها:
_روجينا فوق..
مرر يديه على وجنتها بلمساتٍ أنستها ما قالته للتو، ويديه تحملها لتصعد فوق قدميه فباتت تقف على حافة قدميه، فتراجع بها للخلف حتى بات قريبًا من باب الغرفة، فأدار مفتاحها العالق بجسد الباب حتى لا يخترق أحدًا ذاك العالم الذي صنع خصيصًا لهما، فسمح لمشاعره بالتدفق إليها، لتحيطها بغرامه وعشقه..
*********
بالأسفل..
دون “آيان” خلف المهندس المطلوب لشرائه الآن، فاستغل غياب “آسر” ثم أرسل أحد رجاله بالمال لشراء اللازم، ثم جذب أخر ورقة دونها ليرسل رجل أخر، ليشدد عليه قائلًا:
_فهمت هتعمل أيه؟
أكد له الرجل بوقارٍ له حتى وآن كان يكبره بالعمر:
_متخافش يا كبيرنا، هنعمل كل اللي أنت أمرت بيه..
هز “آيان” رأسه برضا عما بدر من رجال المغازية من طاعة لأوامره، فأشار له بالإنصراف ثم كاد بالتوجه للأعلى، فأوقفه “بدر” حينما تساءل بدهشةٍ:
_مين ده؟
أجابه على الفور:
_واحد من رجالتي، كان عايزني في حاجة خاصة بالعيلة.
أومأ برأسه بتفهمٍ، فاسترسل “آيان” حديثه وهو يشير له على ثيابه المتسخة:
_هغير هدومي عشان عندي مشوار مع آسر..
وتركه وصعد للأعلى بحذرٍ من أن يكون أحدًا بغرفته من الفتيات، طرق الغرفة عدة مرات وبالرغم من تأكده بأن الجميع بصحبة “ماسة” الا أنه فضل التأكد، وحينما لم يأتيه صوت من الداخل فتح باب الغرفة، فتفحصها قبل أن يغلق بابها من خلفه، فخلع قميصه المتسخ بتقززٍ، ثم دنى من خزانته ثم أخرج تيشرت رمادي اللون وبنطال أسود، واتجه بهما لحمام غرفته الصغيرة، ففتح مقبض الباب ولكنه لم يستجيب له، وبعد محاولات تأكد بأغلاقه من الداخل، ومع تحرر انغلاقه غادر الدماء وجهه لمجرد تخيله بأن فتاة من الفتيات بالداخل، فتراجع للخلف وقبل أن يسرع بخطاه للخارج توقف حينما وجدها “روجينا” التي تتساءل باستغرابٍ:
_أنت بتعمل أيه هنا؟
مرر يديه على مقدمة أنفه، وقد عاد تنفسه لموضعه، فاستدار ليكون مقابلها، ثم قال:
_مفيش أنا كنت طالع أغير هدومي ونازل على طول.
حانت منها نظرة متفحصة، قبل أن تجيبه بغيرةٍ مخبأة حول نبرتها المتعصبة:
_هي فين هدومك دي!
تطلع لصدره العاري ثم قال بابتسامةٍ خبيثة وعينيه تتطلع لها:
_نفس السؤال اللي كنت هسألهولك!
اتجهت نظراتها لما ترتديه بصدمة، فكانت تلف المنشفة الطويلة حول جسدها، والأخرى حول خصلات شعرها المبللة، انتباها نوبة مختلفة من الخوف والخجل بأنٍ واحد، فقالت بتشتتٍ:
_متبصش..
ضحك بصوتٍ مسموع، فقالت بعصبية:
_متضحكش..
رفع يديه للأعلى وهو يردد باستسلامٍ:
_أوكي..
بحثت “روجينا” حولها عما يمكن استخدامه لتخفي ذراعيها العارية عن عينيه، فجذبت المنشفة الصغيرة عن شعرها لتلف ذراعيها بها، فانسدل شعرها الغجري حولها، فابتسم من يتأملها بعشقٍ ثم قال بنبرته الرجولية الماكرة:
_كده بقيتي مغرية أكتر من الأول!
منحته نظرة غاضبة، واتبعها صراخها الجنوني:
_كده! طب اطلع برة بقى..
كبت آيان ضحكاته، ثم أشار لها بهدوءٍ زائف:
_طيب..
ثم استدار ليغادر الغرفة وابتسامته الخبيثة تزداد اتساعًا، فما كان منها سوى ثلاث ثوانٍ حتى صرخت به:
_استنى، هتطلع كده ازاي وتسنيم بره!
استدار تجاهها وهو يردد بطيبة زائفة:
_طب أعمل أيه طيب!
كزت على أسنانها بغضبٍ:
_ادخل الحمام بس متطولش عشان أنا لسه مخلصتش.
هز رأسه بموافقة سريعة، ثم مر من جوارها ليشير لها بخبثٍ:
_طب ما تدخلي تخلصي براحتك وأنا هستانكي هنا..
وضعت ثيابه بين يديه وهي تخبره بغضب:
_انجز بدل ما أناديلك آسر يشوفك بنفسه وأنت بتتعدى على أخته.
ضحك بصوتٍ مسموع، ثم قال وهو يغمز بعينيه:
_أموت فيك وأنت عنيف..
لكمته بغضب، فأسرع لحمامه الخاص وقبل أن يغلق بابه، أدلى برأسه من خلفه ليخبرها بسخريةٍ:
_بلاش تنادي لآسر لانه مشغول مع عروسته تحت فمش فاضيلك..
وما أن أغلق الباب حتى ارتسمت على وجهها ابتسامة صغيرة، فمازالت لا تستوعب أن من يقف أمامها هو نفسه ذات الشخص الذي دمر عائلتها وفتك بها، تراه الآن يرمم ما فعله سابقًا ليس معها فقط بل مع عائلتها، وهذا ما جعلها تتخطي عقبات الماضي بأكمله.. فحينما تود أن تكتسب قلب من أحببت عليك بالتقرب لعائلتها أولًا، فاحترامها لك سيزداد مع احترامهم.. والاحترام يتبعه الحب الصادق..
مضت تلك الدقائق ومازالت تنتظره حتى خرج وهو يرتدى ملابسه بأكملها، فأشار لها بجدية:
_حبيبتي الحمام فاضي.
منحته بسمة رقيقة، ثم نهضت عن مقعدها لتتجه للداخل، فتشبثت بحافة المقعد حينما التفت الغرفة من حولها، رفعت روجينا يدها على رأسها تقاوم ما يعتليها من دوار مفاجئ، فاسرع تجاهها آيان وهو يتساءل بقلقٍ:
_روجينا مالك؟
قالت وهي تحاول الا تسقط أرضًا:
_دايخة..
أمسك يدها ثم قال بلهفةٍ:
_طب ارتاحي.
انصاعت ليديه التي تحملها لفراشها، فشعرت بأنها ستواجه فقدان وعي سريع، لذا أشارت بيدها على الحمام:
_هدومي..
وقبل أن تسترسل كلماتها فقدت الوعي ويديه تساندها حتى لا تسقط عن الفراش، استغرق الأمر خمسة عشر دقيقة حتى استعادت وعيها، فما أن فتحت عينيها حتى شعرت بظلام يحيل بينها وبين الضوء، فعادت الصورة لتبدو أكثر وضوحًا، حينما رأته يجلس جوارها، حاولت النهوض عن محلها، فعاونها آيان وهو يصيح بها بخوفٍ:
_حسبي..
أنعش الهواء الذي يتسلل من الشرفة المقابلة لها رئتيها، فبدت على ما يرام، وقالت بصوتٍ متعب:
_لحد أمته هفضل كده، أنا مش عارفة مالي بجد مكنتش كده في حملي الأول..
رد عليها بحنانٍ، ومازالت يديه تتشبث بها:
_فترة مؤقتة وهتعدي، المهم انك تريحي نفسك الفترة دي..
استدارت برأسها تجاهه، فوزعت نظراتها بين يديه المتشبثة بها وعينيه بابتسامةٍ هادئة، تلاشت حينما تفحصت الثياب التي ترتديها، فخشى آيان أن تظن السوء به وخاصة بعد أن طلبتها صريحة منه بحاجتها لبعض الوقت، لذا قال سريعًا:
_أنا خوفت حد يطلع وأنتي بالشكل ده، عشان كده لبستك.
ارتاحت تعابيرتها بشكلٍ ملحوظ له، فباتت الامور لها عادية مما جعل السعادة تشرق قلبه النابع بحبها الجياش، فانحنى ليضع قبلة رقيقة على يدها وهو يهمس لها:
_قولتلك قبل كده عمري ما هكسر ثقتك فيا تاني..
رفعت حدقتيها تجاهه، ثم قالت ببسمةٍ مشرقة:
_كل اللي بتعمله معايا ومع أهلي بيأكدلي ده.. أنا آآ… آآ..
ارتباكها وترددها بقول ما تود قوله جعله يدنو منها، وهو يحثها على الحديث فاستكملت وهي تدفن ذاتها بأحضانه:
_أنا عايزاك تكون جنبي على طول يا آيان.. متتخلاش عني..
ضمها اليه بقوةٍ وهو يهمس لها بعشقٍ:
_أنا جنبك علشان ماليش مكان غير جنبك وفي حياتك، أنا بحتاجك وبحتاج لوجودك لازم تفهمي ده كويس.
و رفع وجهها اليه لتستمع لكلماته الاخيرة باهتمامٍ:
_وهستنى الوقت اللي هنقدر نعيش فيه زي أي زوجين.. حتى لو طال أنا عمري ما همل..
وفي تلك اللحظة سمح لذاته بتحطيم حاجزها التي وضعته بينهما، وكاد بالتعمق فيما يجمعهما لولا طرقات الباب المزعجة له، نهض عنها ثم فتح الباب ليجد آسر من أمامه، فمنحه نظرة ساكنة شملته من رأسه حتى اخمص قدميه قبل أن يلقي لمسمعه كلماته الساخرة:
_كنت شاكك من البداية لما بدر قالي انك بتغير هدومك، بس لحد اللحظة دي ظنوني كانت كلها خير..
وقف آيان مقابله ثم أغلق الباب من الخارج، ليرد عليه بضيقٍ:
_يا عم أرحمني، ده أنا ما صدقت أوصل للي وصلتله أنت أيه حد زقك عليا!
مال بجسده على الحائط ثم وضع يديه بجيب سرواله وهو يجيبه بمكرٍ:
_القدر يابن المغازية ولو كترت بكلامك هقلبها دراما.
مشط بيديه خصلات شعره المبعثرة، ثم قال:
_لا متقلبهاش، اتفضل أنا جاهز..
أشار بعينيه بابتسامة خبيثة:
_كده تعجبني.. بينا بقى قبل ما البنك يقفل..
كبت آيان غيظه ولحق به للأسفل بهدوءٍ مصطنع..
*******
بالمشفى..
كبتت صرخاتها بطرف الملاءة البيضاء وهي تحاول الاستكانة حرجًا من أبيها وعمها الجالس خارج الغرفة، ولكن كان الألم يفوقها فرغمًا عنها كانت تنفلت منها الصرخات لتغدو أكثر ألمًا، وبعد أن تفحصت الطبيبة حالتها، قالت بعملية بحتة:
_هيكون من الصعب عليها انها تولد طبيعي، عشان كده لازم نلجئ للقيصرية..
قالت ريم ببكاء:
_اللي انتي شايفه صح اعمليه يا ضاكتورة.
وانحنت لابنتها تربت على كتفيها بحنان:
_ربنا يقومك بالسلامة يا حبيبتي..
جهزتها الممرضة أولًا بحقن وريدها بمحلول يساعدها على التأهل قبل ولوجها لغرفة العمليات، ومن ثم أخبرتها بأن تلحق بها لغرفة الملابس التابعة لغرفة العمليات، فانقبض قلبها وتشبثت بيد يحيى الذي فهم من عينيها ما توده لذا اسنادها على ذراعيه ولحق بها للداخل، ومن ثم عاونها على ارتداء الروب المعقم الخاص بالعمليات، وانحنى بقدميه تجاهها ثم رفع عينيه تجاهها قائلًا بحزنٍ:
_لحد هنا ومش هقدر أكون معاكي، أنتي عارفة ان ده صعب عليا..
أمسكت بيديه بقوة تسبق مسكتها الهزيلة، ثم قالت بتوسل:
_لا متسبنيش يا يحيى، ادخل معايا آآ… أنا خايفة.. متسبنيش..
أطبق بيديه على يدها ثم قال والدمع يتلألأ بعينيه:
_مش هقدر، بلاش عشان خاطري أنا مش هعرف أقويكي وأنا محتاج لحد استمد منه القوة في الوقت ده..
كادت بالاعتراض على ما قال ولكن قطعتهم الممرضة التي فتحت الباب المتحرك من أمامها ثم قالت:
_اتفضلي يا مدام..
انقبض قلبها فذكريات فقدانها لابنها الاول مازالت تلاحقها، تخشى أن تفقد الثاني وحينها ستواجه موت حتمًا سيكون الأكثر ألمًا، شعرت برجفة يديه بين يدها فلم ترد أن تزيد امره، فهي تعلم جيدًا ضعفه وخوفه الشديد عليها فربما لن يحتمل رؤيتها هكذا بالداخل، تهربه ذات المرة مختلف عن سابقها، فتلك المرة ظل يحارب حتى معركته الاخيرة، استكانت ماسة بنومتها بعد ان انغرز المخدر بسلسلة ظهرها، أغلقت عينيها بقوةٍ لتحتمل أي ألم قد تتعرض له، ولكنها شعرت بقبلة رقيقة تجتاز جبينها المتعرق، ففتحت عينيها لتجده يقف جوارها، كانت صدمة مختلفة بالنسبة لها، فالسعادة سيطرت عليها لمحاربته ما يعتريه حتى يكن لجوارها، فلوهلة شعرت بأنه من يتعرض لغرز السكين بأحشائه وليس هي، فالألم ينعكس على وجهه هو بالمقارنة لها، أمسكت ماسة يديه ثم قالت برأفة به:
_أخرج يا يحيى، أنا كويسة.
فتح عينيه لها، ثم أولى ظهره للستار العازل بينهما وبين الطبيبة، فوضع رأسه جوارها على السرير الصغير وهو يردد:
_هنخرج مع بعض..حاولت اسيبك بس مقدرتش.
قربت يديه منها لتطبع قبلة رقيقة عليها وهي تخبره ببكاء:
_بحبك..
رفع يدها هو الأخر ليقبلها وهو يخبرها بابتسامة هادئة:
_مش أكتر مني..
*******
مرت نصف ساعة بالتوتر المتنقل بين وجوههم جميعًا وبالأخص عمر وجاسم، حتى حان الوقت لمقاطعة تلك الاجواء حينما غرد بكاء الصغير ليطمن قلوبهم، فسكنت الفرحة الوجوه، ودنى فهد من عمر ليحتضنه قائلا:
_مبارك ما جالك يا واد عمي.
ضمه اليه وهو يردد بفرحة:
_الله يبارك فيك يا كبيرنا وعقبال ما نفرح بابن آسر يارب.
أمن على ما قال:
_يا رب.
ثم التفت لجاسم ليشير له على الممرضة:
_ حفيدك شرف..
اسرع تجاهها فحمل عنها الصغير، والتف من حوله النساء، فقالت “ريم”:
_ما شاء الله كيف البدر.
ضمته نواره لصدرها وهي تردد ببكاء:
_يا واد الغالي.. تعبتنا كلتنا لحد ما جيت..
قالت رواية بتذمرٍ:
_وسعوا كده أنا عايزة أشوفه..
وضعته نواره بين يدها، فحملته وجلست به على الاريكة تتأمله بفرحةٍ، ومن جوارها حور وتالين، أما رؤى فجلست على أحد المقاعد تحاول اخفاء حزنها على تأخرها بالحمل، فهي أول من تزوجت من الفتيات وإلى الآن لم ترزق بابناء، لذا قررت الذهاب بصحبة بدر للطبيب حتى يطمئن قلبها..
**********
بالبنك..
سحب”آسر” مبلغ ضخم من المال، ثم صعد لسيارته ليتجه لمقابلة المهندس حتى يدفع له جزء من المال، فأشار لآيان قائلًا:
_خليك هنا يا آيان، هطلع أقابله وهنزل على طول..
أومأ برأسه باستسلام، وتابعه بعينيه وهو يغادر للمطعم القابع بالدور العلوي، فقابل أحد المهندسين المسؤولون عن البناء، ثم قدم له المال ولكنه تفاجئ به يقرب الحقيبة منه مجددًا وهو يقول:
_المبلغ وصلني فعلا يا بشمهندس آسر..
ضيق عينيه بذهول:
_ازاي!!
أجابه باستغراب:
_آيان المغازي..
ارتسمت على وجهه ابتسامة صغيرة، فجذب الحقيبة ثم صافحه قائلًا:
_كمل شغلك بأسرع وقت..
هز رأسه بتأكيد فاتجه “آسر” للهبوط، وقبل أن يستقل الدرج على هاتفه برقمٍ مجهول ففتحه على مضضٍ فاستمع لصوت مألوف له:
_آسر أنا ناهد.. اوعى تركب عربيتك.. سااامعني اوعى تركبها..
جحظت عينيه في صدمةٍ وهو يتطلع تجاه آيان القابع بالسيارة يلهو بهاتفه، فازدرد ريقه بصعوبة وكأنه يحاول استرداد صوته الذي توقف، فصاح بصراخ جعل الاخير يتابعه بأستغراب:
_آيـــــــــــان… انزل..
لم يستعب ما يود قوله، الا حينما فتح باب سيارته ليجذبه آسر خارجها بقوة والاخير يردد بدهشة:
_في ايه؟
ابعده آسر عنها، فانفجرت بها النيران لتسقطها ارضًا كقطعة الخردة البالية، فنهض آسر وايان الذي يتأمل ما يحدث أمام عينيه بصدمة وغضب لما ينتابه في تلك اللحظة لشكوكه حول كناية هذا الحادث المخطط له.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء))