روايات

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم آية محمد رفعت

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم آية محمد رفعت

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) البارت الثالث والأربعون

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الجزء الثالث والأربعون

الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء)
الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء)

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الحلقة الثالثة والأربعون

خفق قلبي عشقًا؟!… وتمرد ليخبرني بأنك من منحته الشوق وغلفته بمشاعرٍ خلقت لأجلك أنت، ربما أنا امرأة ناضجة، ولكن بحضرتك أشعر وكأني طفلة صغيرة تتمسك بيد أبيها، طفلة غير تبالي بما قد يدين أنوثتها، طفلة تشتاق لك وتضمها إليك لتحتويها بحنانك ودفء مشاعرك…. فكنت أنت الفارس المختار الذي حملها على فرسه المطيع لينجو بها من وسط تلك الغيمات المظلمة…. فلم تكن آسرها فحسب، بل ميثاق قوي لعشقها العفيف، فتلك الدقائق التي تمر عليها وهي بإنتظاره تعد كثقل دهرًا بأكمله، فمازال بالأسفل بصحبة الشباب الذين أصروا على أن يمضي الليل بصحبتهم، وحينما انتهى الحديث بينهما، صعد “آسر” لجناحه وهو يحرص الا يصدر صوتًا قد يزعجها، فبالطبع سيجدها تغفو في ذاك الوقت المتأخر من الليل، وما أن أغلق باب الغرفة حتى وجد ذراعيها تحتضنه من الخلف، أنتعشت نبضات قلبه بقربها الشديد منه، وخاصة حينما مالت على رقبته لتهمس له بحنينٍ:
_وحشتني..
استدار تجاهها وعينيه تهيم بالتطلع لعينيها، لتختطف ثوانٍ اجتازهما غرق بين غرامها، فقربها منه وأصابعه تلامس شفتيها بحركاتٍ ارتجف جسدها لأجلها، وخاصة حينما همس لها:
_مش أكتر مني..
تلك المرة قابلته على درب الشوق، فلم تتركه يجتاز طريقه بمفرده، كانت تلبي دعوته بصدرٍ رحب، وقلبها يخبره أبيات بعشقه الذي بات يغلب ضعفها، دقائق مضت وهي غارقة بعالمه، فابتعد عنها وصدره يلهث بقوةٍ، ومع ذلك ضمها إليه، فقالت بحزنٍ سيطر على فرحها:
_أنت ازاي كنت عارف تنام بالمستشفى وأنا هنا مكنتش بدوق طعام النوم!
ضحك وهو يجيبها باستنكارٍ:
_هو يعني كان بمزاجي! أنا كنت بأخد الادوية من هنا وبسافر في دنيا تانية يا “تسنيم”.
مرمغت رأسها بين صدره ولسانها يردد بعشقٍ:
_أنا من غيرك كنت حاسة أن حياتي واقفة يا آسر، متبعدش عني تاني..
أبعدها عنه، ثم تطلع لها بدهشةٍ، قبل أن يتساءل بشكٍ:
_أنتي فيكي أيه بالظبط، من ساعة ما رجعت من المستشفى وأنتي مش طبيعية..
ثم رفع يديه على جبينها ليستكشف حرارتها، فقال بخبثٍ:
_لا مش تعبانة، بس أنا متأكد إن فيكي حاجة غلط..
منحته ابتسامة أربكت جوارحه، وخاصة حينما قالت:
_تقدر تقول إن الفترة اللي فاتت خلتني أندم على أني كنت بخبي حبي ليك… فلازم تأخد على كده كل يوم هقولك أنا بحبك أد أيــــه.
أبعد تلك الخصلة المتمردة على عينيها، ثم قال ببسمةٍ لم تفارقه منذ سماع تلك الكلمات التي أفتكت به:
_هو أنا أمي راضية عني ولا أيه بالظبط..
أخفت وجهها بين أحضانه، فمازحها قائلًا:
_لو كنت أعرف أن الرصاص هيعمل فيا كده كنت خليت مهران ضربني من زمان.
لكزته بغضبٍ، فتأوه بوجعٍ مصطنع، جعلها تبتعد عنه وهي تتفحص صدره العاري وهي تردد بخوفٍ:
_أنا آسفة والله مقصد، حصلك حاجة..
ضغطت بأسنانها على شفتيها بعنفٍ حينما رأته يضحك بمكرٍ، فسددت له بغيظٍ عدد من اللكمات، كتف”آسر” ساعديها معًا خلف خصرها، ومن ثم نهض ليجبرها على التمدد، لفرق قوته الذكورية عن جسدها الهزيل مقارنة به، فكان لنظراته دفوف لناقوس خطرًا سيطوفها من جديد، فأقتطف ورقة من ريحقها وهو يهمس له ببطءٍ جذاب:
_وفري مجهودك يا روحي، لإنك مستحيل تقدريلي.
ثم عاد ليقطف ثمار عشقهما من جديدٍ، وقد منحته هي مفتاح أمان لرحلة ستخطتفهما من جديد..
*********
بغرفة “ماسة”..
ثقل قدميها أقلق عليها نومها المريح، ففتحت المصباح المجاور لفراشها، ثم استقامت بجلستها وفتحت درج الكومود، لتجذب المرهم الطبي الذي دونته لها الطبيبة، فحاولت جاهدة رفع قدميها عن الأرض قليلًا لتتمكن من وضع المرهم عليها، فتأوهت ألمًا حينما تقلصت معدتها جراء جلستها الغير مريحة، فأغلقت عينيها ألمًا ثم أخفضتهما سريعًا وهي تئن بوجعٍ، فشعرت بيد تفرك قدميها برفقٍ، وحينما فتحت عينيها وجدته ينحني أرضًا أسفل قدميها، يوزع بيديه المرهم على قدميها، سحبت” ماسة” ساقيها بعيدًا عنه وهي تردد بخجلٍ:
_يحيى أنت بتعمل أيه؟
جذب قدميها إليه مجددًا ثم قال وهو يفرك برفقٍ بين أصابع قدميها:
_مفيش فرق بيني وبينك يا حبيبتي.
منحته ابتسامة رقيقة، فانتصب بوقفته ومن ثم حمل ساقيها ليجعلها تسترخي على الفراش، وجلس على حافة الفراش ومن ثم عاد ليدلكهما سويًا وهو يردد بحنانٍ:
_كملي نومك أنتي..
أعادت رأسها للوسادة براحةٍ بدأت تشعر بها بعدما خفف ألم قدميها، فغفت رغمًا عنها من فرط الإرهاق، على أمل الاستيقاظ بعد ساعة من الآن لأداء صلاة الفجر، وحينها دق المنبه الخاص بها، فأنزعجت معالمها، وقبل أن يصل ذراعيها للساعة الصغيرة المقابلة لرأسها كانت يديه الأسرع لها، فأطفئ المنبه حرصًا منه أن تنال قسطًا أخر من الراحة، ولكنها كانت قد استيقظت بالفعل، جحظت عين “ماسة” في صدمةٍ حينما وجدته مازال يجلس جوارها ويدلك قدميها بعد، فاتكأت بمعصمها لتستقيم بجلستها ثم تساءلت بذهولٍ:
_أنت لسه منمتش؟
وقبل أن يجيبها قالت بحرجٍ:
_أنا ازاي محستش انك لسه صاحي لحد دلوقتي!! ، أنا والله من كتر التعب محستش بنفسي حقك عليا..
ضم وجهها بين كف يديه، وأجلى أحباله الصوتية قائلًا:
_راحتك هي راحتي، ليه مش قادرة تستوعبي ده!
أدمعت عينيها بالدموع تأثرًا لكلماته ولما يحرص دائمًا على فعله، فرفعت أصابعها تحتضن يده ثم قربتها لتطبع قبلات رقيقة على كف يده، تعالت صوت أنفاسه التي تجاهد ذاك الشعور القوي الذي يهاجمه في قربها منه، وما زاد مشقته حينما همس صوتها الرقيق بشجنٍ:
_بأحبك يا يحيى.. بحبك أوي.
قرب رأسها إليه ليعانقها بين أضلعه، وهو يتودد لها بعشقٍ:
_حبك نقطة في بحر حبي ليكي يا ماسة، وجودك جنبي رد فيا الروح بعد كل العذاب ده..
ثم رفع وجهها مقابله وشفتيه تمنحها أجمل ابتسامة وتردد بكلمة خطفتها:
_بحب كل حاجة فيكي، عيونك… وقلبك… وروحك…أنتي هوسي..
توقف لسانه عن بوح المزيد من همسات العشق، وجعل الحديث بينهما مختلف عن سابقه، حديث بالطبع لن يجمع سواهما!.
**********
بغرفة “أحمد”
تسلل بخوفٍ من أن تشعر به “حور” فحينها سيحدث ما لا يحمد عليه، وخاصة بأنه يعلم استيائها من تأخيره بالعودة، فما أن أقترب من الفراش حتى أضاءت الضوء، ليتمكن من رؤيتها وهي تترقب عودته، بنظراتٍ لا تنذر بالخير، فترك حذائه أرضًا ثم قال باستسلامٍ:
_كنت ساهران معاهم، مهو مش معقول هسيب قاعدة زي دي وأطلع أنام..
نهضت “حور” عن الفراش ثم دنت لتقف مقابله وهي تخبره بغيظٍ:
_يعني أنت بتفضلهم عليا يا أحمد، وأنا من الصبح قايلالك اني عايزاك في موضوع مهم. بقى دي أخرتها؟
اقترب منها وهو يقول بابتسامةٍ ماكرة:
_أيه ده شامم ريحة غيرة لأول مرة أشمها.
جذبت مئزرها ثم ارتدته وهي تجيبه على مضضٍ:
_هغير من مين، اللي مضايقني انك مقدرتنيش ولا قدرت إني عايزة أتكلم معاك..
رد عليها بهدوءٍ:
_خلاص مختلفناش، أنا رجعت أهو وجاهز أسمع اللي عايزة تقوليه..
لعقت شفتيها بارتباكٍ، وكأنها لا تعلم من أين ستخبره، فرددت بتوترٍ وهي تدنو من المقعد المقابل للشرفة:
_آآ… أصل.. أنا… يعني..
اتبعها ثم جلس على المقعد المجاور لها ليتساءل بدهشةٍ:
_أصل أيه ما تتكلمي!
رددت بعصبيةٍ بالغة:
_ما أنا بحاول أتكلم أهو الله..
انكمشت تعابيره بدهشةٍ من صوتها المرتفع الذي يعهده لأول مرة، فقالت بتوترٍ:
_أنا مش قصدي اعلي صوتي والله، بس أنا حقيقي مرتبكة ومش عارفة أقولك أيه..
رد عليها بحيرةٍ:
_ليه كل ده.. هو أكيد في كارثة صح!
ابتسمت وهي تشير له نافية:
_لا مش للدرجادي..
والتقطت نفسًا مطولًا قبل أن تخبره:
_أنا الفترة اللي فاتت كنت بحس بحاجات غريبة، ولما اتكلمت مع تسنيم شكت اني حامل، والنهاردة عملنا الاختبار وفعلًا طلعت شكوكها صح..
انهت كلماتها وهي تراقب ردة فعله على استحياءٍ، فوجدته مصدوم مما استمع اليه، وخاصة حينما ظن ببدء الامر بأنها ارتكبت خطأ فاضح، فترددها بالحديث أذهب عقله لتفكيرٍ بعيد، وزع “أحمد” نظراته بين عينيها تارة وبطنها تارة أخرى، ثم قال بتشتتٍ:
_متأكدة؟
ردة فعله أحبطتها نوعًا ما، فأومأت برأسها وهي تجيبه:
_أيوه، متأك…..
بترت كلماتها حينما حملها بين ذراعيه وهو يطوف بها بفرحةٍ وصوت ضحكاته تطرب آذانها، فلأول مرة ترآه سعيدًا بتلك الدرجة، وخاصة حينما قال:
_ده أحلى خبر سمعته بعد خبر جوازي منك…. أنتي دخلتي السعادة وكل شيء جميل لحياااتي..
تشبثت برقبته وهي تصيح به:
_نزلني طيب..
أخفض ذراعيه ليضعها أرضًا، ثم طبع قبلة عميقة على جبينها وهو يردد بفرحةٍ:
_ربنا يكملنا فرحتنا على خير، ويفرحني ببنوتة قمورة زيك كده..
ثم ابتعد عنها وهو يهرول تجاه الباب، فاتجهت خلفه وهي تتساءل باستغرابٍ:
_رايح فين؟
قال وهو يغلق الباب من خلفه:
_هقول لبابا وماما… لا للبيت كله..
لحقت به وهي تشير له بصدمة:
_الوقت متأخر يا أحمد!
قال دون مبالاة:
_يصحوا مش هيجرى حاجة..
أغلقت الباب من خلفه وهي تردد بابتسامة مشرقة:
_اتجنن لما سمع الخبر ده ولا أيه!
*******
بغرفة “عمر”
طرقات الباب كانت مزعجة بالدرجة التي ايقظت كلا منهما، فقالت ريم بقلقٍ:
_مين اللي هيخبط علينا السعادي يا “عمر”،لتكون ماسة جرالها حاجة..
ربت على يدها وهو يخبرها:
_اتفائلي بالخير يا حبيبتي، هقوم أشوف مين..
وبالفعل نهض من جوارها ليدنو من الباب، فما أن فتحه حتى اندفع أحمد تجاهه قائلًا بابتسامة واسعة:
_آسف اني صحكتم بس عايزاكم في حاجة مهمه..
نهضت ريم عن الفراش ثم أسرعت تجاهه وهي تتساءل بخوفٍ:
_أختك كويسة!
أجابها على الفور:
_ماسة بخير بس اللي عايزكم فيه يتعلق بيا أنا..خبر من الأخر يعني..
ردد عمر بذهولٍ:
_خبر أيه السعادي يا ابني.. ميستناش لبكره؟
هز رأسه نافيًا، فزفر عمر بضيقٍ:
_طب قول وخلصني في ليلتك الغريبة دي..
قال وهو يعدل من قميصه بعنجهية:
_بالصلاة على النبي كده يا حاج ابنك هيبقى أب وهيخليك جد معاه..
ابتسم عمر بفرحةٍ، بينما ضمته ريم ثم قالت بفرحة:
_ما شاء الله، الف مبرووك يا حبيبي، ربنا يكملها على خير ويشرفنا على الكامل يا رب..
منحها ابتسامة هادئة وهو يردد بتمني:
_يارب يا ماما..
لف عمر ذراعيه حول كتفه ثم قال:
_الف مبروك يا أحمد، الف مبروك يا حبيبي..
ثم جذبه للخارج ليغلق الباب من خلفه، فضيق عينيه باستغراب وخاصة حينما قال عمر بابتسامة مصطنعة:
_اكتم بقى فرحتك جواك للصبح، وبعد كده نبقى نفرح البيت كله معانا، بلاش تصحي حد تاني كفايا إحنا، أصل أنا عارفك لما بتفرح بتحب الدنيا كلها تعرف ايه اللي مفرحك.
رفع حاجبيه ساخرًا:
_دي طريقة تعاملني بيها بعد ما قولتلك انك هتبقى جد؟
ضحك عمر، ثم همس له بخبثٍ:
_كنت عارف على فكرة، الخبر مش جديد عليا..
حك مقدمة رأسه بحيرةٍ:
_عرفت منين!
أجابه قائلًا:
_ماسة قالتلي..
ثم أشار له على الدرج ليسترسل بمزحٍ:
_أنت عارف السلم ده هيطلعك فين صح؟
حدجه بنظرةٍ ضيق ثم تركه واتجه للدرج وهو يقول:
_عارف.. تصبح على خير يا حاج.
ضحك عمر وهو يتطلع اليه حتى صعد للاعلى، فعاد لغرفته والفرحة لا تسعه بسعادة ابنه التي عادت لتنير دنياه بعدما حدث له من قبل.
********
صعدت الشمس لتحتل عرشها الذهبي، فتخبئ القمر بظلامه الدامس خلف أشعتها، فبددت ظلامه بذلك الضياء الساطع، فداعبت عينيه وفتحهما على مهلٍ ثم نهض ليخرج لشرفة المندارة، فعلى الرغم من كونها منزل منعزل عن السرايا، ولكنها كانت مقابله بالتحديد، استكانت عين “أيان” على فهد الذي يجلس خلف باحة المنزل، ولجواره كانت تجلس زوجته، يتناولون طعام الافطار، فنقلت نظراته للحديقة الجانبية لتهيم عينيه بمعشوقة قلبه التي اختارت الخروج في وقت كذلك، لعل الهواء النقي يزيح غيمة قلبها، فرغمًا عنها رفعت عينيها تجاه شرفة غرفته، فوجدته يقف ويتأملها، تقابلت الأعين ومنه توحد الوجع، كلًا منهم يود لو يبوح للأخر بوصف دقيق لما يشمله ألم القلوب، كلاهما يعاني وكلاهما يحتاج لوجود الأخر بجواره، هو يحارب ما يكتفه من خصام جعلته شخصًا سيء وهي تحارب ذاتها التي جعلتها فريسة سهلة لشخصٍ مثله..
على بعدٍ منهما..
أتت “رواية” منذ الصباح الباكر حتى تتمكن بالحديث مع زوجها الذي رفض الحديث بالأمس لتعبه الشديد وحاجته للنوم، فقالت بضيقٍ شديد التمسه فهد بحديثها:
_أنا بجد معتش فاهمه حاجة يا فهد، أنت جايب الشخص ده هنا ليه بعد كل اللي عمله فيك وفي بنتك، أنا مصدقت انها اتخلصت منه تقوم تجبهولها لحد هنا!
قضم اللقمة المغموسة بالعسل الصافي ثم قال:
_أني عارف أني بعمل أيه زين.. متقلقيش سبني أني اتصرف.
كزت على أسنانها بغيظٍ، فقالت وهي تحاول التحكم بأعصابها :
_دي بنتي يا فهد ومش هسمحله انه يكسرها تاني، مش كفايا انه كان هيقتلها وهي في بيته واللي اتسبب فيه لآسر!
رفع عينيه تجاهها ثم قال:
_الغلط جاي من عندينا من البداية يا رواية، متنسيش ان مهران من نسل الدهاشنة واللي عمله يدينا كلتنا..
اعترضت لما قال حينما اخبرته:
_يبقي هو وابنه اللي يدفعوا التمن مش احنا ..
ثم بدأت بتهدئة ذاتها، فبالنهاية تجلس بصحبته بالأسفل، لذا اختارت الحديث بهدوء؛
_فهد عشان خاطري بلاش الشخص ده يكون موجود وسطينا، هيدمر روجينا تاني وأنا مش هستحمل ده.
شفق لحال محبوبة قلبه وعشقه الوحيد، فترك الخبز من يديه ثم وضع يديه على يدها وهو يخبرها بلهجتها التي تعشق سماعها منه:
_رواية أنا مبعملش حاجة في حياتي غير أني بحميكي أنتي وأولادنا، واللي بعمله ده لمصلحة بنتي..
تساءلت بحيرةٍ:
_ازاي بس؟
أشار بعينيه للأعلى:
_بصي فوق وأنتي تعرفي..
استدارت برأسها للخلف ومن ثم رفعتها تجاه ما يشير، فوجدت “آيان” يقف بالشرفة شاردًا بالتطلع للمكان الذي تجلس به ابنتها، والغريب أن حالها لا يقل عنه، فكانت هائمة به هي الاخرى، احتارت نظراتها فعادت لتتطلع لزوجها عله يشرح لها ما يقصده فقال بصوته الرخيم:
_بنتك لسه بتحبه يا رواية ومستحيل هتنساه، أنا شايف حبها ليه في عيونها حتى لو هي بتحاول تداري ده..
وسحب نفسًا عميق قبل أن يستكمل بهدوءٍ:
_ولو جينا نفكر، بالعقل هنلاقي أن آيان ضحية لخالته ولمهران الكلب اللي اتسبب في كل العداوة دي.. كان ممكن اقبل اعتذاره وكل حي يروح لحاله بس ساعتها العداوة اللي اتبنت سنين بين المغازية والدهاشنة عمرها ما كانت هتتمسح بالبساطة دي، وأكتر من حد كانوا هيحاولوا يوقعوا الدنيا تاني والله أعلم عما سوء التفاهم ده يتحل مين زي بنتك هيدفع التمن، لكن وجوده هنا وسطينا هيخليه يعرفنا كويس ويعاشرنا عن قرب ومنه يعرف طباعنا ويعرف ايه اللي بنعمله وأيه اللي مش بنسمح بيه، وساعتها مفيش مخلوق هيقدر يدمر بين العيلتين وكبيرهم بقى واحد مننا..
ثم استرسل قائلًا:
_أنا بديه فرصة ومعاه بدي لبنتي فرصة تانية، حاسس انه نفسه يكون شخص كويس بس غصب عنه اتولد وسط الكره ورغبة الانتقام، انا بحاول اخليه يدمر اي كره جواه من نحيتنا حتى لو كان هو بنفسه عارف اننا الصح وهو الغلط، لازم هو بنفسه يتغلب على كل ده.. وقبل اي حاجة فأنا باللي بعمله ده برد اعتبار بنتك وبرفع من كرامتها اللي هو داسها في وقت انتقامه ومن غير ما انزل منه أو أخد بتاري منه… كل ده بسبب القرار اللي اخدته.. أظن بعد اللي سمعتيه ده القلق ميبقاش له وجود جواكي والا أيه؟
ارتسمت ابتسامة رقيقة على معالمها، فقالت بصوت سكنته الراحة:
_مبقتش قلقانه يا فهد، لانك كل مرة بتفاجئني بحكمتك وذكائك.. وده اللي دايمًا بيشدني ليك..
تطلع جواره قبل أن ينحني بجسده على الطاولة ليهمس لها بمكرٍ:
_ده بس اللي عجبك فيا يام العيال!
سكن الخجل قسمات وجهها فأخفضت صوتها وهي تجيبه:
_في حاجات كتيرة طبعًا بس مش هينفع الكلام هنا لما نطلع..
غمز لها بخبثٍ:
_طب ونستنى ليه يا بنت الحلال، دي مواضيع مهمة ولازمن ولابد نتكلم فيها وقتي..
نهضت عن الطاولة ثم حملت صينية الطعام لتشير له بدلالٍ:
_بليل نتكلم، أنا لسه هحضر الفطار لآسر..
وتركته وغادرت من أمامه ومازالت الابتسامة تزين وجهه..
********
أبعدت “روجينا” عينيها عنه، ثم جذبت الدفتر الخاص بها، فأصبح هو ملجأها الوحيد طوال تلك الفترة، وخاصة بعد تواصلها مع طبيبة نفسية عن طريق الانترنت، فطالبتها بتدوين كل ما يشغل عقلها، كتابة مشاعرها على ورق ربما يزيح عنها الكثير، انزلق القلم من بين يدها فحاولت جاهدة الوصول إليه بمقعدها المتحرك، ولكن يد ما انتشالته لتقدمه لها، ابتسمت وهي ترفع رأسها وتردد دون رؤية من عاونها:
_شكرًا..
ارتبكت حينما رأت “أحمد” يقف مقابلها، فمنحها ابتسامة هادئة:
_العفو.. أنا في الخدمة..
فركت أصابعها بارتباكٍ، فاوقفته حينما استكمل طريقه للخارج فنادته بارتباكٍ:
_أحمد.
توقف عن المضي قدمًا ثم استدار وهو يسألها:
_في حاجة يا روجينا؟
أومأت برأسها وعينيها موضوعة أرضًا، فسحب أحد المقاعد ليصبح مقابلها:
_اتكلمي قلقتيني!
رفعت عينيها الباكية تجاهه ثم قالت:
_أنا مش عارفة اعتذرلك ازاي عن كل اللي اتسببتلك فيه، أنا آآ..
قاطعها حينما قال:
_مالوش داعي الكلام ده يا روجينا اللي عدى خلاص اتنسى احنا في النهاردة..
أغلقت عينيها لتجابه تلك الدمعات الحارقة، وهي تخبره برجاء:
_أرجوك سبني اتكلم يمكن احساس الذنب اللي جوايا ده يخف.. أنت متستهلش كل اللي أنا عملته فيك، عشان كده أنا بعتذرلك من قلبي وبتمنى انك تسامحني انت وحور،أنا من يوم ما جيت هنا وعلاقتنا مبقتش زي الاول ..
واستكملت بابتسامة وهي تزيح دموعها بأصابعها:
_يمكن الحاجة الوحيدة اللي مفرحاني السعادة اللي شايفاها بعيونك والحب اللي بينكم، ربنا سبحانه وتعالى بيختار لينا الافضل وهي الأختيار الافضل ليك يا أحمد لإنك تستاهل كل خير.
منحها ابتسامة صافية، ثم ربت بيديه على يدها وهو يخبرها:
_اتغيرتي يا روجينا، ويمكن دي تكون بداية جديدة لحياتك، عشان كده بلاش تبصي لماضيكي وشوفي حياتك، حاولي تخرجي نفسك من الحالة اللي انتي فيها دي لانك تستهلي فرصة تانية..
أومأت برأسها بتأكيدٍ، والابتسامة مازالت مرسومة على وجهها، فتركها أحمد وغادر، ومازالت الأعين تتربص بها، أعين تملأها البكاء وأعين أخرى يملأها الغضب، فربما تحملت حور ما رأته، ولكن آيان كان من الصعب عليه التحمل، لذا اندفع للاسفل والغضب يتراقص بين حدقتيه، ليجدها مازالت تدون بدفترها الغامض بالنسبة له، جذب الدفتر الصغير عنها ثم وضعه بجيب جاكيته، وحملها بعد ذلك بين يديه ليصعد بها للاعلى وهي تصيح بصدمة:
_واخدني فين، سبني!
لم ينصاع لصراخها ولم يبالي بسماعها أحدًا بل صعد بها لغرفته، ليلقيها على الفراش وعينيه الغاضبة تدنو لتصبح قريبة منها، ابتلعت روجينا ريقها الجاف بصعوبة بالغة، وهي تتذكر ما كان يفعله من شدة غيرته عليها، فمن المؤكد لها بتلك اللحظة بأنه رأى لقائها القصير بأحمد، تحرر عقدة لسانه الثقيل حينما قال:
_أوعى تختبري غيرتي عليكي، أو تتحديني باللي بتعمليه يا روجينا، لانك هتكوني بتلعبي بالنار اللي هتحرقني وهتحرقك..
زحفت بظهرها للخلف وهي تردد بصوتٍ متقطع من فرط الخوف:
_أنا معملتش حاجة والله، أنا كنت بعتذرله عن اللي حصل..
دنى منها مجددًا وهو يتساءل بغضب:
_تعتذري على أيه انتي أيه اللي جمعك بيه عشان تعتذريله انطقي ايه اللي بيحصل أنا معرفوش!!
انهمرت دمعاتها المحتقنة وهي تخرج ما بداخلها:
_قصدك تقول أيه اللي معملتوش معاه، أنا خنت ثقته فيا ودمرته وبالرغم من كل ده لسه شايفني بنت عمه وبيساعدني من اول ما رجعت البيت ده، أنا بستحقر نفسي كل ما بشوفه هو وحور، أنا مش قادرة ارفع عيني في عينها، لاني كنت عارفة انها بتحبه وبالرغم من كده كنت بعاند ولسه بكمل في العلاقة دي، حتى بعد ما حبيتك وكسرتني بالشكل ده كان لسه هو جانبي وبيساعدني في اللحظة اللي كان ممكن يتخلص مني فيها ويتجوز البنت اللي كان معجب بيها، أنا عملت كل الوحش اللي في الدنيا.. وبتقولي بتعتذريله على أيه!!
ثم رفعت يدها لتدفعه بعيدًا عنها وهي تصرخ:
_أنت السبب في كل حاجة، أنت السبب في كرهي لنفسي وليك.. أنت السبب..
أمسك يدها التي تلكمه بقوةٍ، ثم قال:
_قولتلك انسي اللي فات وخلينا نبدأ من جديد وانتي رافضة ده!
ابتسمت بسخرية:
_أنسى أيه ولا أيه!، انسى انك كسرتني بدل المرة خمس مرات ولا انك خوضت في عرضي قدام الناس كلها وأنت المفروض اللي تبقى سندي وتدافع عني ولا انك اخدتني البيت ده عشان اتزل فيه،ولا انك كنت هتموت اخويا وأبويا وسمعت ده بوداني،ولا انك السبب في موت ابني اللي كان هيهون عليا كل الشر اللي شوفته منك!
ثم رفعت يدها لترطم صدره بكل قوة امتلكتها وهي تصرخ به:
_ أنا بكرهك.. بكــــــرهك ومستحيل هغفرلك كل اللي عملته ده..
لمعت عينيه بالدمع، فكتف يديها بيده معًا ثم قرب يديه الاخرى من وجهها، فتراجعت برأسها للخلف وهي تصرخ ببكاءٍ:
_إبعد عني، متلمسنيش..
أحكم يده حول رأسها ليجبرها بالاقترب منه وسماعه حينما قال بحزن:
_أنا سبت كل حاجة ورايا وجيت هنا عشانك، حتى لو هتعرض للاهانة فمستعد أستحمل ده عشانك، خلي ده يشفعلي عندك ويديني فرصة.. أنا عايز أتغير علشانك أنتي يا روجينا..
واستند بجبهته على جبهتها، فلفحت أنفاسه وجهها وهو يخبرها:
_والله بحبك ومحبتش غيرك.. عارف اني كنت غلط بس كل ده اتزرع جوايا من طفولتي أنا ماليش ذنب.. إعتبريني ضحية زيك..
رفعت عينيها تجاهه وقد هدأت ثورة بكائها، فبدت له مترددة للغاية فيما تفكر به، ليجدها تحني رأسها حتى استقرت على صدره، انتفض جسده بقوةٍ وكأنه لا يصدق بأنها تحتضنه، فترك يدها التي تكتفها ثم ضمها اليه وهو يردد بألمٍ:
_حبيبتي… مستحيل هخذلك يا روحي.. هعمل المستحيل عشانك..
رفعت يدها على ظهره فطبع قبلة على خديها القريب منه، خشيت روجينا أن يتطور الامر بينهما، لذا ابتعدت عنه برفقٍ ثم قالت:
_رجعني بقا قبل ما بابا يشوفني.
ابتسم على طريقتها بالحديث، وكأنها ترتكب فعل شنيع من خلف أهلها كالسابق، فهو الان رغمًا عن الجميع زوجها، ولكنه لا يريد أن يخسر تلك الخطوة التي حققها اليوم، لذا حملها وهو يتجه للاسفل قائلًا بنبرة دافئة:
_حاضر يا ستي هنزلك قبل ما ماما تشوفك وتقول لبابا ويحصل كارثة..
ضحكت على مزحه وما ان دنت من مقعدها حتى هبطت لتجلس عليه، فانتصب بوقفته وهو يتطلع للطعام جوارها فتساءل باستغراب؛
_مش من عادتك تفطري في وقت زي ده!
ذمت شفتيها بضيقٍ:
_هنا اللي بيصحى من النوم الفطار بيتحضرله على طول من غير أي نقاش..
منحها ابتسامة ساكنة، فجحظت عينيها في صدمة وهي تتطلع لمن يقف خلفه، فاستدار ليجد آسر يدنو منه، فوقف مقابله ثم قال بغموض:
_قالولي ان همام أخد عليك أوي، وأنا عايز أشوف ده بنفسي.
استدار تجاهه “آيان” ثم قال بسخريةٍ:
_هو أنتوا لسه محسسني أن همام ده وحش، ده مجرد خيل والتعامل معاه بسيط.
اقترب منه آسر ثم تطلع له بغموضٍ، انتهى حينما قال:
_أيه رأيك في سباق، ولا مالكش غير في سباقات الحياة..
ضيق عينيه وهو يشير له باستغرابٍ:
_سباق وأنت بالحالة دي!
اجابه بنفس الابتسامة:
_متقلقش عليا، أنا كويس..
رد عليه باستسلام:
_معنديش مانع..
هبط آسر الدرج ثم قال:
_حيث كده تعالى ورايا.
راقبتهم روجينا بخوفٍ، فما أن خرجت تسنيم من الباب الداخلي، فأشارت لها روجينا قائلة:
_خديني عند الاسطبل يا تسنيم..
قوست حاجبيها باستغراب:
_ليه..
دفعت المقعد بيدها وهي تشير لها:
_بسرعة بس وهقولك واحنا رايحين..
انصاعت لها ودفعت المقعد حتى وصلوا بالقرب منه، فصدمت تسنيم حينما رأت آيان يمتطي همام، وآسر أحد الفرس الأصيل، وعلى ما يبدو استعداد كلا منهما لسباق سيبدأ الآن..
اقترب آيان منه بالفرس، ثم قال بدهشة:
_ليه ادتني همام وهو يعتبر الافضل بين الفرس، مش خايف تخسر!
بسمة ثقة تحلى بها آسر وهو يجيبه:
_الخسارة والفوز المسؤول عنهم الفارس مش الخيل..
ثم أشار له بابتسامة غامضة:
_جاهز!
هز رأسه إليه، فانطلق كلا منهما تجاه العلم الصغير الذي وضعه آسر ليضع نقطة نصر لمن يصل أولًا، فتفاجئ آيان بسرعة الخيل الذي أجبره آسر على الانصياع لأوامره، فاخترق العلم أولًا ومن خلفه آيان، وحتى وإن لم يكن يفصلهما سوى مسافة صغيرة ولكنه من حقق النصر، هبط آيان عن الفرس ثم دنى من آسر ليقول بإعحابٍ:
_عندك حق، الفارس بيقلب الموازين مش الفرس..
ثم تساءل باهتمامٍ:
_شكلك غاوي ركوب الخيل من سنين.
هبط آسر عن الخيل ثم قال:
_من وأنا عندي 8سنين تقريبًا، وبالرغم من ان رجلي اتكسرت أربع مرات الا اني كنت مصمم اتعلم ركوب الخيل لاني لما بحط في دماغي حاجة مفيش قدامي عائق ممكن يوقفني..
أومأ برأسه بتفهمٍ، ثم قال بلمحة من الحزن:
_مش وحش انك تكون بتمارس الحاجة اللي بتحبها وعندك وقت لده.
حزن آسر لاجله لاول مرة، فدنا منه ثم قال:
_وحتى لو مقدرناش نحقق احلامنا بالطفولة معانا العمر كله اننا نعيش اللي مقدرناش نعيشه..
هز رأسه وهو يهمس بشرودٍ:
_عندك حق..
ابتسم آسر وهو يشير له بجدية مصطنعة أحبها آيان:
_طب أيه مش هتساعدني ننضف الاسطبل النهاردة ولا هتخلع زي الباقي..
ابتسم وهو يجيبه ساخرًا:
_وأنا ورايا أيه يعني.. يالا..
اتجهوا سويًا للاسطبل، ونظرات فهد تراقبهم بابتسامةٍ مكر وانتصار لما خاضه من تحدٍ سافر وانتصر عليه بجدارة.. لا يعلم بأن القادم سيجعله هو شخصيًا يخوض علاقة من نوعًا مختلف ستجمعه بألد أعدائه.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى