رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم آية محمد رفعت
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) البارت التاسع والعشرون
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الجزء التاسع والعشرون
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الحلقة التاسعة والعشرون
اليوم شهد منزل الكبير واجب ضيافة طال فقراء البلد وأهلها بأكملها، فاليوم هو حفل زفاف ابنه الوحيد ووريثه من بعده، فكان الجميع يستعد لتلك المناسبة الهامة وخاصة حينما أسدل الليل بجلبابه الأسود المعتم، فأنارت الأضواء المحاطة بالمنزل لتشع نور ببهجةٍ ألوانها، فنصبت خيمة الرجال أمام المنزل، وبالداخل كانت النساء تلتف حول منصة صغيرة وضع بها مقعدين للعروستين، وعلى أول أريكة جلست الحاجة “هنية” في إستقبالهن، ولجوارها نساء منزل الكبير..
أما بالأعلى..
فكانت “تالين” مشغولة للغاية بتزين “رؤى” و”تسنيم”، حتى “حور” عاونتهم على إرتداء الفستان الأبيض، فإبتسمت وهي تتأمل لمسات “تالين” الاخيرة لصديقتها ثم قالت بإعجابٍ:
_ما شاءالله قمر يا روح قلبي.
لاحظت توترها المتخفي خلف إبتسامتها المصطنعة، فشددت على يدها وهي تهمس لها جوار أذنيها:
_إهدي يا تسنيم، إنتي النهاردة عروسة وبتتزفي للإنسان اللي بتحبيه، إرمي كل حاجة ورا دهرك وإفرحي الليلة دي مش هتتعوض تاني يا حبيبتي..
حبست دمعاتها خلف قفص وحجبته بقفلٍ سميك، تمنت من كل قلبها أن يمر هذا اليوم بسلامٍ، فألتقطت نفساً مطولاً ثم زفرته على مهلٍ، وظلت تكرر ما تفعله علها تمنح الهدوء والسكينة لجسدها المسكين.
آنتهت “تالين” من وضع اللمسات الاخيرة لشقيقتها الصغرى، فأشارت لها على المرآة قائلة:
_خلصت قومي بصي كده.
نهضت عن محلها ثم وقفت مقابل المرآة المطولة لتلقي نظرة متفحصة على زينتها وفستانها الرقيق، فلمعت عينيها بالدموعٍ، لا تعلم دموع الفرح أم حزناً لأنها بنظرها لا تستحق فستان ولا زفاف هكذا ولا تستحقه هو، ولكنها تحاول تصديق حبه المخلص لها، أفاقت من شرودها على صوت “تسنيم” التي قالت بإبتسامتها الساحرة:
_قمورة يا “رؤى” ، الميكب رقيق وتحفة.
منحتها إبتسامة مشرقة ثم قالت:
_وإنتي كمان جميلة أوي يا حبيبتي.
إكتفت برسم ابتسامة صغيرة، فإنتبهوا سوياً لدقات باب الغرفة المزعجة، ففتحت “حور” الباب نصف فتحة حرصاً على عدم رؤية العروس في تلك اللحظة، فوجدت “ماسة” تقف من أمامها، ففتحت الباب وهي تشير لها بضحكة مشرقة:
_تعالي يا “ماسة”.
ولجت للداخل سريعاً، فوزعت نظراتها بينهما بتفحص ثم قالت بحزنٍ:
_أنا عايزة ألبس وأحط مكياج زيهم.
تعالت ضحكاتهن سوياً، فإقتربت منها”تالين” لتضمها إليها ثم قالت في حنانٍ:
_بس كده، أنا هلبسك أحلى فستان وهعملك مكيب محصلش.
وبالفعل أسرعت لحقائبها ثم إختارت لها فستان من اللون الأبيض، ضيق من الصدر ويتسع من الأسفل، بسيط لا يحمل الكثير من التفاصيل، فعاونتها على ارتدائه، ثم جعلتها تجلس على المقعد القريب منها، لتزينها بحرفيةٍ ثم تركت خصلات شعرها البني تنسدل من خلفها في حريةٍ، تعلقت نظراتهن بها بإعجابٍ شديد، فماسة تمتلك جمالاً مميزاً، من يرأها يتعلق بها من شدة جمالها، وخاصة بالحالة التي زادتها براءة وطفولية، تركت مقعدها وأسرعت لتقف أمام المرآة فصفقت بيدها وهي تردد بفرحةٍ:
_الله أنا بقيت شكل العروسة!
ردت عليها تسنيم بحبٍ:
_وأحلى عروسة في الدنيا كلها، ما تنزلي تقعدي مكانا وتبقي كسبتي فينا ثواب يا ماستي.
ضحكت وهي تشير إليها بمرحٍ:
_لا أنا هقعد جنب يحيى، هروح أوريله الفستان الجميل ده.
وركضت لتخرج من الغرفة، فأسرعت حور خلفها ثم جذبت يدها برفقٍ لتشدد عليها:
_إطلعي براحة يا ماسة مش قولنالك انك متجريش كده تاني عشان متتعبيش!
أومأت برأسها وهي تردد بتذكرٍ:
_ماشي مش هجري تاني..
مسدت على ظهرها بإبتسامةٍ هادئة:
_برافو يا ماسة..
غادرت من أمام أعينهم، فقالت “رؤى” بحزنٍ:
_طب ولحد أمته هتفضلوا مخبين عليها حكاية الحمل دي، بكره بطنها هتكبر وهتبتدي تسأل!
ردت عليها “حور” بقهرٍ:
_مش عارفة والله يا رؤى بس يحيى أكيد هيتصرف ومش هيسكت.
إنتهت “تالين” من إرتداء ملابسها ثم قالت:
_ها يا بنات أيه رأيكم؟
قالت رؤى بمرحٍ:
_نص نص… مش بطال يعني بالمصري.
جحظت عينيها وهي تتطلع لنفسها بالمرآة بصدمةٍ:
_كل ده ونص نص، انتي هبلة صح…
واستدارت تجاه تسنيم ثم سألتها بإهتمامٍ:
_قوليلي انتي يا تسنيم أنا بثق في رأيك..
قالت من وسط ضحكاتها:
_قمر اللهم بارك.. سيبك من البت دي.
ابتسمت “حور” ثم قالت بخبث:
_بلاش تحبطيها يا بنتي خطيبها لازم يشوفها في أحسن حال ولا ايه!
أحمرت وجنتها خجلاً، فرددت بإرتباكٍ:
_لسه مبقاش خطيبي على فكرة، وبعدين أنا بهتم بنفسي مش عشانه عشاني..
همست “رؤى” بمكرٍ:
_لا مصدقين..
حاولت تالين التهرب منهن فقالت بإستغرابٍ:
_أمال فين روجينا مختفية من الصبح؟
******
بغرفة “روجينا”..
خرجت من حمام غرفتها تحاول الإستناد على أي شيء يقابلها، فالدوار بهاجمها بعدما انتهت من التقيؤ للمرة الثالثة، فجلست على الفراش تجفف فمها ثم جذبت هاتفها لتطلبه للمرة الرابعة، فما أن أجابها حتى قالت بلهفةٍ:
_” أيان” أنت فين بحاول اوصلك من الصبح مش بترد عليا ليه!
أتاها رده الغير مهتم بمعرفة ما بها:
_قولتلك أنا مشغول اليومين دول ومش كل شوية هبررلك!
أسرعت بالحديث قبل أن يغلق الهاتف مثلما يفعل دوماً:
_ “أيان” أنا حامل وانت لازم تتصرف قبل ما أبويا أو حد من أهلي يعرفوا بالكارثة دي.
لم يأتيها رداً منه ولكنها مازالت تستمع لصوت نفسه الذي يوضح لها سماعه لها، فعادت لتخبره ببكاءٍ:
_أرجوك متتخلاش عني أنت عارف كويس أنا مين وبنت مين، مركز بابا حساس يا “أيان” لازم نتصرف بسرعة وآآ..
انقطع حديثها في صدمةٍ حينما أغلق الهاتف، دق قلبها بصعوبةٍ وكأنها تختنق رويداً رويداً، فحاولت أن تهدأ من روعها وتصدق بالإجبار بأنه عيب في الشبكةٍ لا أكثر من ذلك، فعادت لطلبه من جديدٍ، ولكنها تفاجآت بهاتفه مغلق!
*********
أغلق الهاتف ثم فككه ليخرج منه الشريحة ومن ثم كسرها بيديه ليلقيها بسلةٍ المهملات، ليرتخي بجسده على مقعده الأسود وهو يدور به بإبتسامةٍ ارتسمت بها معاني الشر جميعاً لتجعله يهاب هذا العقل المخيف، طاف بالمقعد وهو يشعر بسلام نفسي رهيب، فقال بصوتٍ هامس:
_اللعب بدأ وعلى تقيل يا “فهد”..
*******
“بغرفة يحيى”
إنتهى أخيراً من إرتداء الجلباب الرمادي، ثم وضع العمامة التي صنعها إليه والده خصيصاً لعدم تمكنه من صنعها، فوضعها على رأسه بحرصٍ من أن لا تتفكك من جديدٍ، ثم نثر البرفنيوم الخاص به ليلقي نظرة متفحصة على نفسه قبل أن يتجه ليغادر غرفته ، فما أن فتح باب غرفته حتى وجد أميرة هاربة من رواية خيالية تسحره بما إمتلكته من شباكٍ لتوقع به، وهو لم يحتمل،ربما لانه من الأساس يذوب عشقاً بها، تصنم “يحيى” محله وهو يرأها تقف من أمامه بفستانٍ أبيض ساحر، تلتف به من حوله بإبتسامةٍ سلبت ما به من عقلٍ، ظلت تدور وتدور وهي شارداً محله، حتى إصطدمت به فعاونه إرتداد جسده على العودة لواقعه، فإستمع لسؤالها المتكرر:
_أيه رأيك بالفستان يا “يحيى”؟
منحها إبتسامة عاشقة قبل أن يمدح بطالتها الساحرة:
_جميل يا روح قلب”يحيى”.
ثم رفع ذقنها للاعلى ليستند بجيبنه على جبينها وهو يستطرد بهمسٍ:
_والأجمل الضحكة الجميلة اللي هتوقف قلب”يحيى” دي..
ضحكت بصوتٍ مسموع ثم جذب يديه لتشير له بالخروج:
_طب يلا ننزل الفرح بقا.
إتبعها للخارج وهو يحاول إمسكها حتى لا تتعثر، لحقته للأسفل حتى مادت بالخروج من خلفه، فأشار لها بهدوءٍ:
_لا يا حبيبتي مينفعش تيجي معايا.
ذمت شفتيها بضيقٍ:
_ليه؟
قال والابتسامة مازالت ترسم على محياه:
_عشان أنتي بنوتة مينفعش تقعدي غير مع البنات، وأنا هقعد في قعدة رجالة فهمتي؟
أومأت برأسها بعدة مرات، فجذبها يحيى بعيداً عن الدرج الخارجي خوفاً من أن يدفعها هذا الازدحام فتتأذى، إشتعلت نظرات غضباً من نظراتٍ النساء التي كادت بإلتهامه، كلاً منهن كانت تبرز مفاتنها للفوز بإعجابه، فتظن كلاً منهن بأنها لديها فرصة ذهبية بتعب زوجته الموصوف ببلدته بالجنون، إحتدت نظراته تجاهن، ثم أشار بيديه لوالدته التي أسرعت إليه، فدفع ماسة برفقٍ تجاهها وهو يشدد على كلماته:
_خلي بالك منها يا ماما عشان خاطري، متخلاهاش تروح كده ولا كده.
تفهمت “نواره” خوفه، فربتت على كتفيه الصلب وهي تخبره:
_ما تخافش يا ولدي، أني مش هسبها لحد ما ترجع.
منحها ابتسامة صافية، ثم خرج لينضم لصفوف الرجال بالخارج.
*******
“بغرفة روجينا”.
مجرد التفكير بالأمر جعل رئتيها تتثاقل، وكأنها لا تشعر بالهواء يصل إليها، دموعها أفسدت مكياجها كحال قلبها المفطور، فبات كل ما يشغلها في تلك اللحظة السفر للقاهرة في أسرع وقت حتى تواجهه، لعل هناك سوء تفاهم، من أعماقها تتمنى ذلك، وما أن استمعت لطرقات باب الغرفة حتى أزاحت دمعاتها سريعاً، فحمدت الله حينما وجدت حور من تطرق بابها، فقالت الاخيرة بإستغرابٍ:
_فينك يا بنتي الناس بتسأل عليكي!
نهضت روجينا عن الفراش ثم أسرعت إليها قائلة بلهفةٍ:
_حور كويس إنك طلعتي أنا عايزاكي ضروري..
انقبض قلبها وخاصة حينما لمحت الدموع في عينيها، فقالت بقلق:
_في ايه قلقتيني!
فركت يدها بإرتباكٍ قبل ان تتحدث:
_أنا لازم أسافر القاهرة بكره الصبح وإنتي هتساعديني في ده، هتقوليلهم اني عليا امتحانات او اي حاجة.
ضيقت عينيها بصدمةٍ:
_إمتحان أيه ده اللي في السنة الدراسية، وانتي عايزة تسافري ليه وبكره صبحية أخوكي!
كانت في وضع لا تحسد عليه، ولكن كان عليها أن تثق بها وخاصة بأنها تعلم بأمر زواجها، فقالت بعد حيرةٍ:
_حور آآ… أنا… حامل.
لطمت على وجهها في صدمةٍ:
_أيـــــــه… يا نهارك أسود.. أنتي عارفة حجم المصيبة اللي إنتي فيه!!
أسرعت اليها لتشير برعبٍ:
_وطي صوتك، حد يسمعنا هتبقى كارثة.
قالت بغضبٍ:
_الكوارث جاية كلها بعدين يا روجينا، وأولها لما يتكشف جوازك العرفي، والتانية لما يتعرف مين جوزك، والتالتة اللي في بطنك ده!
إنهمر الدمع على وجنتها فتشبثت بيدها وهي تردد بتوسلٍ:
_ساعديني عشان خاطري يا حور، انا لازم انزل القاهرة الصبح قبل ما حد يأخد باله من حاجة، لازم أقابل “أيان” واتكلم معاه بسرعة.
وضعت إصبعها في يدها بتوترٍ، ثم قالت:
_خلاص حاضر هقول لمامتك إن نور أخت صاحبتي كلمتني وقالتلي لازم تسافري بكره ضروري عشان في إختبار شهري وخلاص.
منحتها ابتسامة باهتة ثم قالت:
_شكراً بجد يا حور على كل اللي بتعمليه عشاني..
طوفتها بيدها ثم قالت بحزن:
_أنا خايفة عليكي يا روجينا انتي ماشية في طريق كله نار وبتدعي انك متتحرقيش وده صعب يحصل..
ثم أشارت لها:
_يلا ننزل لحد. ياخد باله من حاجة.
أومأت برأسها بخفةٍ، ثم وضعت الحجاب على رأسها وتبعتها للأسفل.
*******
وقف كلاً من “بدر” و”آسر”خارج الغرفة، يترقب كلاً منهما لحظة خروج الكبير بعروس كلاً منهما، وبالفعل ما هي الا دقائق مبسطة حتى خرج يمسك بكلاً منهن.
استوقفه الزمن بتلك اللحظة، وكأنه يسجل لحظات خالدة بين لقائهم، كانت بالنسبة إليه كالفتنة التي يهاب أحداً الوقوع بها، ود لو أصبحت القاعة فارغة من حوله ولم يبقى سواهما، فإقترب “آسر” ليقف أمامها بجلبابه الأبيض وعمته البيضاء التي زادت من رجولته ووسامته، كانت “تسنيم” تختطف النظرات الخاطفة إليه من خلف طرحة فستانها الشفافة، فسلمه أبيه يدها، فما أن شعر بدفئها بين يديه حتى وضع أصابعه الخشنة عليها بتملكٍ، فإقترب ليضع قبلة خاطفة على جبينها وهو يهمس بصوتٍ لفح بشرتها البيضاء:
_خايف عليكي من نظراتي، فمش عارف هستحمل نظرات الناس ليكي ازاي!
منحته إبتسامة مرتبكة، ثم لحقت به للأسفل، أما “بدر” ففور رؤياه لرؤى حتى أسرع إليها، ليشير لعمه بمرحٍ:
_مراتي ومن حقي أشيلها ولا أيه يا كبير!
منحه “فهد” نظرة شملت معاني التحذير، ثم اتبعها قوله الصارم:
_في جناحك إعمل ما بدالك يا ابن “سليم”.
أشار له بخوفٍ وسط ضحكات الفتيات، فإستأذنه قائلاً:
_طب أسلم ولا دي فيها مشكلة.
ضحك حتى أطلت جزء من رجولته، فأشار إليه:
_سلم وخلصني.
فور سماعه إذنه الصريح حتى إحتضنها بقوةٍ، جعلت فهد يجذبه عنها بحافة عصاه التي شبكت بجلبابه، ليجد نفسه يقابل نظراته الشرسة ليتبعها قوله المحذر:
_خد عروستك نزلها تحت مع الحريم ودقايق وتحصلني برة، سامع؟
أومأ برأسه عدة مرات ثم أسرع ليلحق بآسر المتزن عقلياً بوجود الكبير..
*******
حرص كلاً منهما على معاونة العروس للصعود على المنصة التي صنعت بباحة الثرايا الداخلية الخاصة بالنساء، ثم انسحبوا للخارج على الفور، تطبيقاً لأصولهم، فإلتفت الفتيات حول العروس، ليجذبهن ليتشاركن الرقصات النسائية فيما بينهما، فتمسكت”تالين” يد أختها وروجينا يد “تسنيم”، كانت ترقص بها بدلالٍ وفرحة زائفة تخفي من وراءها حزنها لحرمانها من إرتداء فستان أبيض كحلم بسيط لأي فتاة، والأصعب ما ستخوضه من هلاكٍ قادم وخاصة بتأكيد حملها.
******
خرج”أحمد” من غرفته يبحث عن والدته أو حتى زوجة من زوجات أعمامه، ولكنه على ما يبدو بأنه متأخراً للغاية، فالجميع بالأسفل، كاد بالعودة لغرفته ولكنه تفاجئ بحور تخرج من غرفتها وهي تعدل من ححابها، فما أن رأته حتى دنت منه وهي تردد باستغراب:
_أحمد أنت لسه هنا! دول كلهم تحت من بدري.
سحر بفستانها الاخضر المطعم باللون الملكي الذي أضاف له لمعانٍ خاص، أخفض “أحمد” عينيه أرضاً ثم رد عليها بإرتباكٍ:
_ممكن تناديلي أمي الله يكرمك يا حور؟
تساءلت بدهشةٍ:
_مرات عمي مشغولة في المطبخ يا أحمد، في حاجة ولا أيه؟
أجابها بضيقٍ شديد:
_بحاول من ساعتها أتأقلم بالجلبية دي، بس حقيقي مش قادر فقررت ألبس بدالة بس للاسف القميص مش مكوي ومبهدل خالص.
تطلعت لما يحمله بين يدها ثم جذبته منه وهي تشير له بإبتسامة رقيقة:
_بس كده، بسيطة هكويه على طول متقلقش.
أوقفها حينما قال:
_بس أنا مش عايز أعطلك.. عادي ممكن ألبسه مكسر.
قالت وهي تدنو من غرفتها:
_تعطلني أيه بس يا أحمد دي كلها دقيقة.
وتركته وولجت للداخل فمنحها إبتسامة هادئة قبل أن يعود لغرفته ليستعد للهبوط..
إنتهت “حور” من كي القميص، فقربته إليها وهي تشم رائحته بفرحةٍ تستحوذ عليها حينما تصنع له شيئاً حتى ولو بسيط، ضمت القميص لحضنها، فإنقلبت معالمها فجأة حينما شعرت بخطئها لمجرد تفكيرها به بتلك الطريقة، حتى وإن كانت تعلم بأن زواجه من روجينا أمراً شبه محال، ولكنها تحاول إحترام دينها الذي يمنعها من غض بصرها عما هو محرم، فجذبت القميص، ثم خرجت تبحث عنه بدهشةٍ، فكانت تظن بأنه سيقف ينتظر عودتها، قضمت اظافرها وهي تردد بتوترٍ:
_وبعدين بقى هعمل أيه دلوقتي!
لم يكن أمامها خيار أخر، فكان عليها طرق باب غرفته، وبالفعل أسرعت تجاه غرفته فما أن طرقت بابها حتى فتح من امامها لأنه لم يكن مغلق من الأساس، إرتجف جسدها خجلاً حينما وجدته يقف أمام المرآة يصفف شعره بعنايةٍ ويرتدي بنطال البذلة السوداء فقط، أخفضت “حور” عينيها أرضاً ورددت على استحياءٍ:
_أنا آسفة… آآ.. أنا خبطت الباب بس هو كان مفتوح.
وعلقت القميص على مقبض الباب ثم تراجعت للخلف وهي تردد بحرجٍ:
_القميص أهو.. هنزل أشوف البنات.
قال وهو يجذب الجاكت:
_شكراً يا حور معلشي دايماً تعبك معايا كده.
قالت ورأسها مازال أرضاً:
_تعبك راحة يا أحمد. عن إذنك.
وتركته وأسرعت بالهبوط للاسفل، فجذب القميص وهو يتفحصه بإعجابٍ، فارتداه وهو يهمس:
_ست بيت بصحيح.. يا بخته بيكِ صاحب النصيب بجد.
وإرتدى بذلته سريعاً ثم هبط للاسفل لينضم الى الرجال.
*******
بالخارج..
العصا كانت مبارزة قتالية راقصة للرجال بالخارج، وخاصة “يحيى” و”بدر”، تألق كلاً منهم بالرقص بالعصا، فكاد بدر بالتغلب على “يحيى”، الذي سارع بصد هجماته ليلقي عصاه أرضاً وسط صيحات رجولية تجتاز من حوله، فرفع “بدر” العصا بقدميه ثم أطاح بعصا “يحيى”، فحاذ على إعجاب الرجال، فأيد كلاً منهم الأخر، حتى “عمر” و”سليم” أضافت مشاركتهم هيبة ووقار للتجمع الغفير، فكانت الصفقات والكلمات المخفزة بينهما لا توقف حتى إنتصر “سليم” على “عمر” الذي غمز له ثم همس بمكرٍ:
_النهاردة بس عشان أنت النهاردة ابو العريس.
ضحك الاخير ثم غمز له بخبثٍ:
_مردودلك الاسبوع الجاي يا ابو العريس.
قال بإعجابٍ:
_تعجبني وانت فاهمني.
وعاد كلاً منهما للجلوس مجدداً، فأشار “خالد” لأحمد قائلاً:
_ما تقوم يا ابني تشارك معاهم.
انحنى عبد الرحمن عليه ثم قال في حماس:
_أقوم أنا معاه ولو قتلته تجوزني بنتك الاسبوع الجاي معاه؟
تعالت ضحكات خالد والرجال، فقال بصعوبةٍ في الحديث:
_يا ابني انا معرفش انت قاتل نفسك على الجواز كده ليه، قولتلك بعد شهرين عشان حماتك تحضر، يرضيك البنتين يتجوزا من غير ما تحضر فرحهم!
لوي فمه باستياءٍ:
_لا ما يرضنيش.
ثم دفع أحمد بغضب:
_قوم نرقص انت كمان مش هيبقى نكد وخراب ديار هو.
لكمه أحمد بشراسةٍ ثم قال:
_لا بقولك أيه إهدى وإختار اللي تلعب معاه بدل ما تطير في الجو يا خفيف.
إشارة “فهد” اليهما جعلتهم ينضمون للساحة، ليتراقص كلا منهما على المزمار البلدي، فحاول كلاً منهم الفوز على الاخر ولكن بات الامر مرهقاً للغاية، فتنحوا للخلف بصدمةٍ وتوتر استحوذ على الجميع حينما نهض الكبير عن مقعده الوثير، ليقف بمنتصف الباحة، ثم رفع عصاه ليشيرها تجاه “آسر” الذي ابتسم بفرحةٍ، فنهض ليقف مقابله وكأنه نسخة مستنسخة عن أبيه بنفس ذات الكبرياء والثبات القاتل، ألقى له أحمد عصاه فإنتشالها ببراعةٍ، ثم رفعها تجاه عصى أبيه لتبدأ الملحمة الشرسة بينهما والرجال في حالة من الحماسٍ لمشاركة الكبير لهما، فكان نجله يشاركه بدهائه فلم يجد الفوز عليه أمراً هين، طالت المبارزة بينهما وعازف المزمار لا يتوقف عن العزف، والجميع يترقب من الذي سينتصر كبيرهم أم الشاب الثلاثيني الذي سينوب عن أبيه وسيكن كبيرهما فيما بعد، فكان المعروف عن “آسر” شدة ذكائه، لذا إحنى عصاه بوقارٍ أمام أبيه ثم إنحنى ليقبل يديه أمام حشد غفير من كبار أعيان الصعيد، وكأنه يبلغهما رسالة صريحة بأن ليس للدهاشنة كبيراً في وجود كبيرها مادام على قيد الحياة، مسد” فهد “على رأس ولده بحنانٍ ثم رفعه ليضمه لصدره وهو يردد. بفرحةٍ وفخر به:
_مبروك يا ولدي ألف مبروك.
ابتسم “آسر” وهو يجيبه بإحترامٍ:
_الله يباركلك فيك يا كبيرنا وكبير الصعيد كلها.
أشار له “فهد” بالجلوس لجواره على مقعده المخصص وكأنه يعظم من شأنه مثلما فعله هو ببدء الأمر، فمن يقدم الاحترام لا يحصد سواه!
*****
نفذت حور خطتها، فاستدعت رواية واخبرتها بما أرسل اليها من رسالة هامة، فأسرعت الاخيرة بمنادة روجينا لتخبرها بما قالته حور وان عليها السفر للقاهرة في الحال حتى تتمكن من حضور الاختبار بالغد، فقالت روجينا بحزن مصطنع:
_ازاي بس يا ماما مش هلحق الامتحان اكيد، انا ازاي مخدتش بالي ان بكره يوم الاختبار!
ربتت على ظهرها وهي تخبرها بحنان وارادة:
_متخافيش يا حبيبتي اتفائلي خير كده وان شاء الله هتلحقي انا هروح اكلم بابا واخليه يحضرلك العربية حالا.
ثم كادت بالهبوط فقالت حور:
_انا ممكن اسافر معاها يا مرات عمي بدل ما تقعد هناك لوحدها..
تطلعت لها بامتنانٍ:
_حبيبتي يا “حور” طول عمرك بتفكري في غيرك يا قلبي، خلاص اطلعوا غيروا هدمكوا وانا هنزل اتكلم معاه.
وبالفعل أشارت “رواية” اليه لتخبره ما حدث، فأخبرها بأن تجهز نفسها لحين استعداء السائق، وامر “فهد” “أحمد” بأن يسافر معها على الفور، فلم يتردد ابداً واتجه للاعلى هو الاخر ليستعد للسفر معهن..
******
وأخيراً لحظته المترقبة حانت، بات منفرداً بها بجناحهما الخاص، هي الآن زوجة له، تحل له ويحل لها، مازال يتذكر ذلك اليوم الذي فقدها به، ذلك اليوم الذي رفع به كفه ليصفعها صفعة مداوية، هدفها ان يفيقها لعادتهم الشرقية التي أنستها غربتها إياها، وبالرغم من عشقه لها الا ان تمسكه ايمانه وعقيدته كانت أقوى من حبه لها، والآن قد نال صبره لسنواتٍ طويلة، دنا منها “بدر” ليرفع عنها الطرحة البيضاء ليجدها تمنحه نظرة يسكن فيها حبه وإحتراماً كبير له، فمنحها إبتسامة جذابة تتبعها قوله:
_خلاص بقبتي ليا قولاً وفعلاً.
ضحكت على مرحه بالحديث ثم قالت بجدية:
_عارف يا “بدر” ، انت الحاجة الوحيدة اللي اختارتها صح في حياتي كلها.
خفق قلبه لكلماتها فاحتضن وجهها ليقربها منه، يذيقها عشق بريحقه الخاص، ثم ابتعد عنها ليهمس برغبةٍ تجاهها:
_بأحبك..
همست هي الاخرى وافصحت عما تدفنه بداخلها:
_وأنا بموت فيك.
كلماتها كانت كافيلة بمنحه الآذن لاقتحام عالمها الذي تأثر بما فعله ذاك اللعين، فأمسك محبوبها يدها ليجعلها تتخطى أول عقبة بقتله والاخرى حينما أذاقها عشق جعلها تثق بأن الحب يلين الصخر اذا أراد، دعته يصطحبها لعالمه وكانت مرحبة بذلك لتصبح الآن زوجة له وهو حصن لها…
******
بجناح “آسر”
يعلم جيداً كم هي خجولة، رقيقة بطباعها، لذا منحها مساحة خاصة بها حتى لا يزعجها، فأبدل ملابسه لبنطال أسود وتيشرت أبيض ضيق يبرز جسده الرياضي بوضوحٍ، ثم خرج لشرفة جناحه الخاص لأكثر من نصف ساعة، فما أن استمع لباب الحمام يفتح حتى استدار تجاهها، فوجد حورية تطل من أمامه، تتخفى خلف مئذرها الأبيض، وشعرها الأسود مفروض من خلفها، عينيها تتهرب من لقاء عينيه، وأصابعها تعبث بخصلات شعرها بإرتباكٍ لمسه “آسر” ، أراد لو رفعت عينيها تجاهه، يرد التمنى بحدقتيها الخضراء، فماذا سيريد بعد ذلك، إقترب منها بخطواتٍ بطيئة، ومع كل خطوة كان يخطوها كانت تعود هي للخلف تلقائياً، ودقات قلبها تكاد تكون مسموعة إليه، فأزاحت خصلة شعرها خلف آذنيها بتوترٍ، حاصرها آسر بين ذراعيه والحائط، ثم رفع ذقنها بيديه ليجبرها على التطلع اليه، فابتسم وهو يهمس بما حبسه بداخله منذ لقائهما الاول:
_عنيكي زي المغناطيس بتجذبني من غير أي مجهود صغير منك.
وابتسم وهو يشاكسها قائلاً:
_يمكن ربنا انعم عليا لانه عارف أد أيه بحب أبص للخضرة والطبيعة..
ثم انحنى ليهمس بمكرٍ:
_بس يارب متمليش من نظراتي ليكي.
ابتلعت “تسنيم” ريقها بارتباكٍ، فحاولت رسم ابتسامة بدت شبه باهتة، لم يكن يشعر بالضجر لما تجتازه من توتر وخجل مبالغ به، بل كان يقدرها ويقدر حياءها للغاية، لانه يعلم بأنها مختلفة ويروق له اختلافها، الا يكفيها الضغط والعناء الذي خاضته منذ الصباح حتى تلك اللحظة!
رفعت تسنيم عينيها تجاهه فمازال يقف امامها هكذا منذ دقائق، فوجدته يجذب يدها ثم يخطو تجاه الفراش، انقبض قلبها برعبٍ لا مثيل إليه، وخاصة حينما حملها ليضعها بفراشه، ثم تمدد جوارها ليجذبها لاحضانه وهو يربت على ظهرها بحنانٍ، ليغلق عينيه وهو يتصنع النوم لأجلها!
رفعت رأسها تجاهه بتوترٍ، وهي تستكشف حيلته، تخشى أن يخدعها بسماحه الراقي لها، ولكنه تفاجأت به يهمس وهو يضمها بقوة لصدره:
_هتنامي ولا أغير رأيي!
دثت رأسها بصدره وتشبثت به فابتسم على طفوليتها ثم تصنع النوم حتى غفت بين احضانه من فرط تعبها النفسي والجسدي، ففتح عينيه على مهلٍ ثم أخذ يتأمله ببسمةٍ تنبع بعشقٍ خالد، قلة ما تجده بين عالمنا، فسحب نظراته ليسلطها على يدها المتشبثة بالتيشرت الخاص به، فانحنى ليطبع قبلة رقيقة على أصابعها ثم أغلق عينيه ليستسلم لنومٍ هنيئاً جوارها…. جوار من أحبها بصدقٍ ومن النظرة الاولى!
*******
وصلت السيارة للقاهرة بعد ساعات معدودة، فما ان صعدوا للشقة ورتبوا اغراضهم حتى دقت الساعة التاسعة صباحاً، فاسرعت “روجينا” لخزانتها لتبدل ثيابها ثم هرعت سريعاً لمكتبه الخاص، فظلت ساعة كاملة بالخارج حتى سمح لها السكرتير بمقابلته، فما أن ولجت للداخل حتى صاحت به بإنفعالٍ تحملته طوال الطريق:
_أنا بحاول اكلمك من امبارح موبيلك مقفول، وانت عارف اللي بمر بيه!!
أجابها ببرودٍ وعينيه مازالت تنظر لحاسوبه:
_أكلمك بتاع أيه!
جحظت عينيه في صدمةٍ، كادت بابتلاعها بطياتها وكأنها وحش كاسر، فرددت بصعوبة بالحديث:
_قصدك أيه!
رفع رأسه تجاهها ثم قال بنظرة استحقار تراها لأول مرة:
_إنتي عارفة أنا قضيت كام ليلة مع كام بنت! … تفتكري لو كنت اتجوزت كل بنت حملت مني كنت هوافق بينهم ازاي!
شعرت بدوار حاد يهاجمها، فجلست على المقعد القريب منها، ويدها موضوعة على صدرها تحاول التقاط نفسها، لتهمس بصوت شاحب:
_انت بتقول ايه يا أيان!…
قال بجفاء:
_اللي سمعتيه.
صرخت بجنون وكأنها فقدت عقلها:
_لا مستحيييل مستحيـــــل تعمل فيا كده، أنت عارف انا عملت ايه عشانك، حرام عليك أنا مش عارفة هعمل ايه دلوقتي لو بابا عرف!
أجابها بمنتهى القسوة:
_تقدري ببساطة تخرجي من هنا وتروحي لكبير الدهاشنة فهد بيه أبوكي المحترم وتقوليله بنتك المصون غلطت مع أكبر عدو ليك وحامل منه، يمكن يلاقيلك حل وأهو يفكه من مشاكل الصعيد وناسها ويركز مع عياله شوية..
انسدل الدمع على وجنتها فرددت بصوتٍ شاحب كحالها:
_أنت بتقول ايه، أنت عارف بابا ممكن يعمل فيا ايه لو عرف حاجة زي كده!.
ابتسامة باهتة رسمت على وجهه، فأدار مقعد مكتبه الاسود بتلذذٍ عجيب وهو يجيبها:
_عارف وهو ده اللي أنا عايزه أكسره هو ابنه وأحط مناخيره في الارض..
كبتت” روجينا”شهقاتها وهي تردد بانكسارٍ:
_انا مش قادرة أصدق اللي بسمعه مش أنت الانسان اللي انا حبيته وجازفت بحياتي علشانه، مش أنت اللي انا اتجرأت علشان اتجوزه في السر من ورا آسر والعيلة كلها..
نهض عن مقعده حتى صار أمامها، افتقدت نظرات الحنان المفقودة داخل قسوته، فخرجت كلماته الحادة المزينة بلهجته الخبيثة:
_أوه، أنا شكلي نسيت اقولك ان المأذون والشهود والليلة دي كانت تمثيل..
هزت رأسها بإنفعالٍ ثم همست بخفوت:
_لأ…… لأ…
ابتسم وهو يجيبها بتأكيد:
_تلاتة ممثلين قبضوا ودورهم انتهى..
سقطت أرضاً وهي تحاول استيعاب ما تتلاقاه، فانحنى مقابلها يتأملها بنظراتٍ باردة يحاول من خلفها كبت آنين قلبه فالأنتقام هو الشعلة التي تحرك هذا الجسد، رفع يديه ليحرك خصلة شعرها المموج البادية من أسفل حجابها ليردف ببرود:
_مفيش قدامك غير حلين، تروحي لآسر أخوكي وتقوليه انك غلطتي مع ابن المغازي، يا تقبلي تتجوزي أحمد ابن عمك زي ما ابوكي عايز وهو كده كده هيكتشف غلطك وهيفضحك، مفيش قدامك غير الاختيارين دول..
رفعت عينيها تجاهه والدمع ينهمر دون توقف، فابتسمت وهي تجيبه بقهرٍ:
_لا في اختيار تالت..
لم يفهم معنى كلمتها الا حينما اقتربت من شرفة مكتبه، اختيار الموت بتلك الحالة حل مثالي، أغلقت “روجينا” عينيها بقوةٍ وهي تحارب ذكرياتها التي جمعتها بأيان الذي ظنته يعشقها مثلما تعشقه، ذكريات ليلة زفافها وانتهائها بما كشفته فحررت قدميها لتستكين اخيراً ولكن بين احضان أحداهما الذي كان نجاة لها من الموت فكان آخر من تتوقعه وكأن محبوبها يبخث عليها الموت فيود بان يكون هو موتها!..بدى مرتبكاً للغاية،فجذبها بقوة بعيداً عن الشرفة ثم رسم ابتسامة خبيثة قبل ان يردد:
_ده المتوقع من ولاد فهد، ضعاف وميقدروش يواجهوا عواقب القرارات الغلط اللي اخدوها..
ثم قرب رأسه منها ليستطرد بسخرية:
_اللي مستغربه هو فين من نصايب بنته..
ثم جذبها ليدفعها خارج مكتبه وهو يشير لها بقسوة:
_افضل انك تختاري مكان تاني تموتي فيه غير هنا.
جزت على اسنانها بحقد وهي تردد بغيظٍ:
_حقير…كل الحب اللي كان جوايا ليك اتحول لكره..انا فعلاً غبية اني محستش بحب أحمد وحبيت شيطان زيك.
وانحنت لتجذب حقيبتها ثم غادرت،فأشار أيان بعينيه تجاه احد رجاله الذي أومأ برأسه ليلحق بها،ليراقبها مثلما تلاقى الامر..
جابت شوارع القاهرة مشياً على الاقدام، عينيها تورمت من اثر البكاء وكانها فقدت القدرة على العيش في تلك اللحظة،وحينما تورمت قدميها اتجهت للمنزل، ففور دخولها للعمارة وجدت أحمد على بابها،فما ان راته حتى رددت بدموعٍ:
_أحمد….
انقبض قلبه حينما رأها في تلك الحالة الغريبة،فاسرع تجاهها وهو يردد بقلق:
_”روجينا” مالك؟
رأت صورته مهتزة من حولها، فسقطت بين يديه ليحيل يينها وبين الارض وهو يرطم وجنتها بلهفةٍ وخوف:
_روجينـــــــــا….
التقط الجاسوس التابع للمغازي عدة صور لها وهي بين يديه حتى حينما حملها وصعد بها للاعلى سريعاً..
*******
بثرايا المغازية..
طالت مكالمة “فاتن” بابنتها، فاستنزفت طاقتها بأكملها، فقالت بضيقٍ:
_يابتي إفهميني احنا خايفين عليكي، مش عايزينك ترجعي اهنه واصل، المكان اللي انتي فيه أمان..
اتاها رد ابنتها اللازع:
_يا مامي أنا زهقت من أوروبا وعايزة أرجع بقا الصعيد نفسي ارجع اعيش معاكي تاني، مش كفايا بقى بقالي هنا عشر سنين لا قادرة اشوفك ولا اقعد معاكي وكل ما بكلم أيان بيقولي مش هتنزلي معرفش انتوا لسه خايفين من ايه، مش اخدتوا بتاركم من العيلة دي!!
زفرت “فاتن” بمللٍ ثم قالت:
_اسمعي كلام ابن خالتك واخوكي الكبير، خايف عليكي يا “ناهد” يا بتي، الموضوع واعر قوي وانتي لازمن تكوني براه يا حببتي.
صاحت بتعصب:
_لحد امته يا ماما انا زهقت ومش عايزة اصحى القى نفسي متجوزة من هنا، انا عايزة اتجوز شاب مصري ومن بلدنا.
لوت شفتيها بتهكم:
_بقا بعد التعليم في بلاد بره ترجعي تتجوزي من اهنه! ، مجنونة اياك!
ثم استطردت بملل:
_خلاص قفلي على الموضوع ده ولما هشوف اخوكي ايان هنشوف هنعمل ايه لو كده تبقي تنزلي عنده في القاهرة بس اوعاكي تجي اهنه سامعة..
قالت باستسلام:
_القاهرة القاهرة المهم انزل مصر.
وأغلقت الهاتف معها وظنها بأن بابتعاد ابنتها ستضمن لها اماناً مخادع لا تعلم بأنها ستكون الورقة الرابحة التي ستنهي العداء بين العائلتين!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء))