رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم آية محمد رفعت
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) البارت الثاني والعشرون
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الجزء الثاني والعشرون
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الحلقة الثانية والعشرون
وقفت تتطلع لنفسها بالمرآة بنظرةٍ ساهمة في صورتها المعكوسة، فظلت تبحث عما يناسبها لأكثر من ساعة كاملة حتى انتهت أخيراً، فانتقت فستان أسود يتوسطه حزام من القماش الأبيض، وطرحة بيضاء أنارت وجهها الرقيق، وبالرغم من شرودها المطول الا أن ابتسامتها لم تفارقها كلما تذكرت كلماته، انتهت فترتها القصيرة بالتفكير به حينما ولجت زوجة خالها لتخبرها بمشاكسةٍ:
_حبيب القلب وصل تحت هو وأهله..
تخيلها بقربه منها جعل قلبها يخفق بجنونٍ، وكأنه في سباق عنيف للقاء به، حاولت”تسنيم” التقاط نفسها على مهلٍ حتى يهدأ اضطراب صدرها الذي يخفي قلبها المتراقص، فهبطت للأسفل على مهلٍ حتى وصلت لباب الغرفة، فإلتقطت نفساً مطولاً قبل أن تهم باستكمالٍ طريقها، ولجت للداخل وعينيها أول من تبحث عنه، حتى اهتدت اليه، خاطفة نظرة منحت قلبها قليل من الصبرٍ والإطمئنان، استكملت طريقها للداخل حتى وقفت أمام “رواية” التي نهضت لتحتضنها وهي تخبرها بسعادةٍ:
_الف مليون مبروك يا حبيبتي..
وبهمسٍ منخفض لم يسمعه أحداً سواها قالت:
_أنا كنت متأكدة إنك المناسبة ليه والحمد الله شكي كان في محله..
تغلب على وجهها خجل جعلها ترمش بجفنيها بارتباكٍ، فرسمت ابتسامة مشرقة على وجهها، وقبل أن تتحرك من محلها دنت منها “ريم” و”نواره” ليتبادلن تهنئتها بالخطبة، ومن ثم تقدمت كلاً منهن بالهدايا القيمة، وكادت بالجلوس لجوارهن لولا انها سمعت صوت والدها القائل:
_مش هتسلمي على العريس والكبير!
تطلعت للخلف باستغرابٍ، فلم يكن بمقدورها رؤية “فهد” حينما ولجت، فأسرعت اليه لتبادله السلام وهي تردد بحرجٍ:
_مخدتش بالي من حضرتك والله..
ربت على كفة يدها برفقٍ:
_ولا يهمك يا بتي.
ثم تابع بمزحٍ:
_بس مؤكد انك خدتي بالك من العريس، سلمي عليه أهو كلتها يومين ويبقى جوزك..
انعقد حاجبيها بعدم فهم لما قاله، فأوضح لها العم “فضل” حينما قال:
_الكبير جيه بنفسه اهنه، عشان هنكتب كتب كتابكم مع “بدر” ابن عمه بمصر كمان يومين…
خفق قلبها سريعاً، وخاصة حينما تابعت “رواية”:
_احنا ان شاء الله هننزل مصر من الصبح ومعانا طبعاً”تسنيم” ووالدتها ومرات خالها عشان نجهز العفش والذي منه ده بعد اذنك يا عم فضل طبعاً…
أجابها على الفور:
_بنتكم وبقت مسؤوليتكم من دلوقتي يا هانم..
ردت عليه بابتسامةٍ صغيرة:
_ربنا يديم الود والمحبة بينا يارب..
تطلعت “ريم” تجاه “آسر” الشارد بها، ثم لكزته برفقٍ وهو تشير له ساخرة:
_مش هتلبسها الشبكة ولا أيه يا عريس شكلك اكده مانتش معانا..
أخرج “آسر” العلبة القطيفة الحمراء من الحقيبة الصغيرة الموضوعة لجواره ثم نهض ليقترب منها، مشيراً لها بأن ترفع يديها، سهمت نظراتها به قليلاً، وقوفه لجوارها جعلها تلتمس طوله وجسده الممتد من الأعلى بالعضلات، دنت منهما “رواية” لتساعد ابنها بفتح العلبة، ثم قدمت له الدبلة أولاً، فقربها منها منتظراً أن تمد يدها اليه، ولكنها كانت شاردة للغاية، ابتسم “آسر” لها ثم قال بصوتٍ منخفض:
_”تسنيم” إيدك..
ضيقيت عينيها بذهولٍ:
_هــا!
ضحك بصوتٍ وهو يشير بعينيه على يدها، فتطلعت تلقائياً لما يشير اليه، فوجدته يحمل الدبلة بين يديه وينتظرها أن ترفع يدها، توترت معالمها لحماقتها، فرفعت يدها تجاهه سريعاً ليضع الدبلة بين يدها، ومن ثم قدمت له “رواية” أربع من الغوايش الثقيلة ليضعهما بيدها، ومن ثم وضعت رواية السلسال الكبير حول رقبتها، لتحتضنها بفرحةٍ ومازالت عينيها بذاك اللقاء العابر الذي طال فيما بينهما، وكأن العالم معزول من حولهما، افاقت من شرودها الذي لم تتذكر عدده على صوت فهد الذي وضع علبة سوداء بين يدها قبل ان يقول:
_الف مبروك يا بنتي..
اجابته بامتنان:
_الله يبارك في حضرتك..
أصرت عليها رواية ان تفتح هدية فهد فتفاجئت بطقم من الألماس الصافي، عبارة عن عقد ثمين للغاية وأسورة وخاتم في غاية الجمال، تلقائياً رفعت عينيها تجاهه قائلة بصدمةٍ:
_بس ده كتير اوي يا عمي..
رد عليها بابتسامةٍ هادئة:
_مفيش حاجة كتيرة عليكي، انتي بقيتي زي بنتي…
ثم أشار بيديه للنساء:
_هنستأذن احنا بقا يا عم فضل، وبكره ان شاء الله هنعدي ناخد تسنيم والجماعة وأنت ابقى الحقنا على هناك..
هم بالنهوض وهو يخبره باستياءٍ:
_ما لسه بدري يا كبير، السهرة طويلة..
أجابه قائلاً:
_لا معلش أنته خابر زين باللي ورايا، وان كان على السهرة هياخدها العريس مع عروسته..
نهضت والدتها لتلحقهما بالخروج وهي تردد:
_على دماغنا والله.. “آسر” بقى كيف ولدي اللي مجبتوش..
ربتت رواية على كتفها بحنانٍ:
_تسلمي يا غالية..
غادر “فهد” بصحبتهن، ففرغت الغرفة بهما، ترك “آسر” مقعده ليجلس على المقعد المجاور لها، ليتابعها بنظرةٍ مهتمة لحقها قوله:
_اللون ده جميل أوي عليكي..
احمرت وجنتها، وباستحياءٍ قالت:
_وأنت كمان..
ابتسم وهو يلقي نظرة متفحصة على قميصه الأسود، فرفع حاجبيه بمرحٍ:
_قولي بقا أن أنتي قلدتيني ولبستي نفس اللون..
أخفت بيدها ضحكتها ثم قالت:
_وليه متقولش ان انت اللي قلدتني!، أنا لبسة من أربع ساعات فاتوا على فكرة..
انعقد لسانها فقرصته بخجلٍ حينما باحت بذاتها عن تلهفها للقاء به، فأخفضت عينيها أرضاً باستحياءٍ، تحرر صوته الرخيم بعد لحظة من الصمتٍ:
_أنا كنت بعد الدقايق عشان أشوفك يا تسنيم..
ثم تابع بقول:
_في حاجات كتير نفسي أحكيلك عنها بس مع أول فرصة هنقعد ونتكلم براحتنا، عشان تعرفيني أكتر..
أومأت برأسها له بخفةٍ، ثم قالت بارتباكٍ ملحوظ:
_وأنا كمان، عايزة اتكلم معاك في حاجة مهمة..
اعتدل “آسر” بجلسته وهو يتساءل باهتمامٍ:
_حاجة أيه دي يا تسنيم اتكلمي.
اطبقت على أصابعها بقوةٍ، علها تتماسك قليلاً، فراقبها بحرصٍ، وآذنيه تنصت لما ستقول باهتمامٍ، يشعر بأنه على وشك التأكد من شكوكه التي روادته منذ استلام تلك الرسالة الوضيعة، ولكنه ليس بالأحمق الذي يصدق شيئاً سيء هكذا بحق الفتاة التي أغرم بها وبأخلاقها، لذا شك على الفور بأن هناك من يحبها ويود الارتباط بها لذا حينما علم بأمر خطبتها ود أن يوقعه في فخٍ من صنعه، وبات كشف أمر هذا المجهول يشغله بحداً كبير، لذا ظن بأنها ستخبره به..
عبثت بحجابها كمحاولةٍ منها للفرار من نظراته المهتمة بها، فتوتر قولها:
_مش دلوقتي، في الوقت المناسب..
لم يريد أن يضغط عليها بالحديث، وخاصة حينما حملت كوب العصير وقدمتها له بابتسامةٍ أفتكت به:
_اتفضل..
تناوله منها وبدأ بارتشافه، وهو يبحث عن طريقة تحثها عن الحديث بذاك الامر دون أن تستاء من ذلك، لذا قال بخبثٍ:
_أكيد “حور” قالتلك ان أنا و”ماسة”كنا هنرتبط ومحصلش نصيب..
مجرد الحديث عن فتاة أخرى أمامها أحزنها، ولكنها تماسكت وأجابته بصدقٍ:
_أيوه فعلاً كانت قالتلي حاجة زي دي..
هز رأسه بهدوءٍ وهو يردف:
_كنت بحبها من وأنا صغير وهي كمان كانت متعلقة بيا ويمكن ده اللي خلاني أفهم الامور بشكل غلط وأفتكر انها بتبادلني نفس الشعور..
وضعت كوب العصير عن يدها، ثم سألته بلهفةٍ:
_أكيد اتوجعت!
ابتسم لرغبتها الصريحة بمعرفة ما يحمله قلبه بتلك اللحظة، فأجابها بذكاءٍ استخدمه باجابته الصريحة:
_لو قولتلك لا هبقى بكدب عليكي، وده مش طبعي يا تسنيم…
والتقط نفساً مطولاً قبل أن يستطرد:
_ايوه اتوجعت وأخدت فترة عشان أقدر استوعب ان اللي حصل ده كان خير ليا..
وبدأ بشرح الامور من وجهة نظره الخاصة:
_يعني اني عرفت الحقيقة في التوقيت ده أفضل الف مرة من لما أتجوزها واتفاجئ انها بتحب شخص تاني بعد الجواز..والشخص ده يبقى أخويا ومن أقرب اصدقائي..
سعدت لقوله الصريح، فأيدته قائلة:
_معاك حق وجع أهون من وجع تاني أكبر..
تنحنح “آسر” قبل أن يضيف سؤاله الماكر بغمزةٍ عينيه البنية:
_طب وأنت يا ريس مكنش ليك سكة في الحب ولا أيه؟
ابتسمت على طريقته بطرح السؤال، ولكن سرعان ما اجابته بجديةٍ تامة:
_لا عمري ما أعجبت بحد عشان أوصل لمرحلة الحب..
ثم أضافت قائلة:
_يمكن لأني ملقتش الانسان اللي كنت بحلم بيه، لأن في الأخر المواصفات دي بتبقى في فارس الاحلام اللي عمر ما أي بنت هتلاقيه في الحقيقة لاننا بني آدمين، والبني آدم مليان عيوب..
اقترب بوجهه منها وعينيه تستهدفها لا محالة:
_لا هتلاقيه يا “تسنيم”، وقدامك..
وتابع بهمسه الساهم لرغباتها دون جهداً منه:
_يمكن فيا عيوب بس صدقيني عمري ما هسمح للعيوب دي أنها تطولك او تأثر عليكي..
غرقت الكلمات فلم تعد تحمل ما ينفعها بتلك اللحظة، آسرها وآسر قلبها بات قريباً منها بدرجةٍ لم تتوقعها يوماً، مازالت تتذكر ذاك اليوم الذي قابلته به، وبالرغم من أن موقفه يتمثل بالشهامةٍ والرجولة الا أنها لم تستريح له ببداية الامر، وها هو يتملك مشاعرها وأحاسيسها وفوقهما قلبها العذري، تمنت لو تمكن بحبه من كسر ظلاماً سئمت من العيشٍ به، ودت لو انتشالها من أوجاع ذكرياتها البائسة، تطلعت له بنظرةٍ لمعت بدمعة الخذلان والانكسار، فمنحها نظرة شغف وحب طوفها كالرداء الثقيل في بردٍ قارص، انقطعت تلك اللحظات الثمينة حينما ولجت والدتها بصحبة خالها الذي وصل من الخارج للتو، فما أن رأته حتى احتدت حدقتيها بازدراءٍ، وخاصة حينما جلس مقابلهما ليبدأ بالحديث بصوته الكريه :
_أمك قالتلي انكم هتكتبوا الكتاب بعد يومين، متسربعين على أيه القيامة هتقوم!
طريقته بالحديث أثارت غضبها، فقالت والدتها بالنيابة عنها:
_ومنستعجلش ليه عريسها بيحبها ومستعجل..
نُقلت نظراته تجاه” آسر” الذي يتابع ما يقول ببرودٍ وصمت لحق به، فقال “عباس” باستياءٍ رغم حديثه الماكر:
_مقولناش حاجة بس برضك الصبر حلو، ولا هو كان يعرفها قبل كده وبيكلموا بعض…
انفرجت شفتيها في صدمة، فاستطرد بخبثٍ:
_أصل بنات اليومين دول ما مقضينها تعارف على الانترنت وبعد كده بيتجوزوا…
كادت شقيقته أن تعنفه على ما قال، ولكن سبقها آسر حينما قال:
_أديك قولتلها بنات اليومين دول اللي تسنيم عمرها ما هتكون واحدة منهم…
واسترسل حديثه بنظرة حادةٍ وحديث يفوقه مكر ودهاء:
_الناس طباع ومش شرط الطبع يكون مرتبط بسن صغير وعلى الموضة ولا سن كبير ومن أيام سيدي وسيدك، زي ما في ناس يا خال استغفر الله العظيم بتعيب في عرضها والشيطان لعب في عقولهم لدرجة انهم بيلفقوا كلام زور وفي دماغهم إنهم شياطين وهتأثر على واحد عقله يوزنهم ويوزن ألعايبهم ونهايتهم بتبقى معروفة … الناس فعلاً مبقتش بتحب الخير لغيرها.
رسالته كانت واضحة لمن تبدل وجهه لألف لون، حتى أن المياه التي يرتشفها توقفت في فمه من صدمةٍ الحديث تلذي بدى غريباً نوعاً ما لتسنيم ووالدتها، ابتلع “عباس” ريقه بصعوبةٍ وهو يجاهد بالحديث المتقطع:
_عندك حق.. ربنا يهدي.
ارتشف آسر عصيره وهو يجيبه بتلذذٍ عجيب:
_هيهدي مهو لو ربنا مهدهمش بيبعت أمثالنا زيي أنا وأنت كده نربيهم ونعلمهم الأصول.. ولا أيه؟
لعق شفتيه الجافة بخوفٍ شديد، ليجيبه بتوترٍ:
_آآه… آآ…. عندك حق..
ونهض عن مقعده ليشير لشقيقته بتخبطٍ:
_أنا هطلع اريح جتتي شوية عما تحضريلي العشا يا “فاطمه”..
أومأت برأسها وهي تهم بالنهوض:
_عنيا ياخويا..
وخرجت خلفه على الفور، فما أن خرجوا سوياً حتى تساءلت”تسنيم” بدهشةٍ:
_أنت كنت تقصد أيه بكلامك ده؟
منحها ابتسامة جذابة وهو يجيبها:
_لا أبداً مفيش أنا كنت بدردش مع الخال شوية..
ضحكت على طريقته المستهزأة بالحديث، وإن كان يغمرها الفرح لرؤيته يتصبب عرقاً خوفاً من آسر، راق لها الامر كثيراً وباتت على يقين بأنه سيكون حمى وسند لها كما ظنت، نهض “آسر” عن مقعده ثم عدل قميصه وهو يشير لها بحزنٍ:
_الوقت إتاخر لازم أرجع البيت، أشوفك بكره بإذن الله..
نهضت هي الاخرى ثم قالت:
_ان شاء الله…
ولحقت به للاسفل، حتى وصلت لباب المنزل فاستدار اليها ليودعها بمشاكسةٍ:
_مش عارف من غيرك كنت هعرف باب الخروج ازاي..
ضحكت بصوتٍ مسموع، ثم قالت:
_أي خدمة..
غمز لها بعشقٍ:
_خدماتك مردودة لوقتاً لاحق..
ابتسمت فاستطرد بمكرٍ:
_ولحد ما بكره يجي ما تقدميلي خدمة كمان وتقوليلي حبتيني في اليومين دول ولا لسه في طريق طويل وحواراته أطول ونفسي هيتقطع!
تعالت ضحكاتها، فحاولت ان تبدو ثابتة وهي تشير اليه:
_مع السلامة يا بشمهندس..
لوى فمه باستياءٍ:
_لا كده وضحت… بس لعلمك بقا أنا عندي صبر و خلقي طويل واعجبك اوي..
همست على استحياءٍ:
_هنشوف..
ابتسم هو الأخر قبل ان يودعها بجديةٍ:
_تصبحي على خير..
بخجلٍ اجابته:
_وأنت من أهله..
غادر تلك المرة تاركاً ابتسامتها تنير وجهها مثلما يفعل كل مرة، فصعدت لغرفتها لترتمي على الفراش هائمة بكلماته المعسولة، أيعقل أن يجمع الرجل بين الجدية والمزح والشهامة والرجولة!
جمعهم الآسر فباتت صفاته قريبة من فارس أحلامها، ولعل قربها منه بالايام المقبلة يجعلها تكتشف ما خفى عنها من صفات مازالت لم تكتشفها بعد!
*********
صُدمت “روجينا” حينما استمعت من “حور” ما حدث مع “رؤى”، وعرض ذاك الفيديو المخزي أمام الجميع، فقالت بحزنٍ:.
_منه لله، كسرها بطريقة بشعة..
أيدتها” حور” قائلة:
_انتي مشوفتيش حالتها كانت عاملة ازاي… بس الحمد لله ان” بدر” اتدخل وحل الموضوع..
قالت “روجينا” بابتسامةٍ حالمة:
_عشان بيحبها يا حور هيعمل اي حاجة، أنتي متعرفيش الحب بيحقق المعجزات..
ضحكت وهي تشير لها بخبثٍ:
_يا عم يا عم، أحمد محرك المشاعر ومخليكي رومانسية بزيادة اليومين دول… شكله كده جابلك هدية او خرجك خروجة من إيهم…
تهجمت ملامحها فور ذكرها لاسمه، فقالت بارتباكٍ ملحوظ:
_لا والله ابداً، أنا بس بحكيلك عن اللي ورا موقف بدر وتصرفه..
أومأت حور برأسها بتفهمٍ، ثم قالت:
_طب مش ناوية تنزلي البلد عشان تباركي لآسر!
ردت عليها وهي تستكمل مذاكرتها على الحاسوب:
_لا.. ماما كلمتني وقالت انهم هيجوا بكره ان شاء الله، عشان كتب الكتاب والعفش..
بحماسٍ قالت:
_بجد.. طب كويس دي تسنيم وحشتني اوي..
كمتها بالوسادة وهي تمازحها قائلة:
_ايوه يا ستي وقعتي الواد في حب صاحبتك الانتيم، بس اكيد مش هتقعديلها العمر كله مسيرك هتتجوزي وهتمشي من البيت..
اعادت اليها الوسادة بضيقٍ:
_مهو ده اللي مزعلني، بس انتي هتكوني بدالي يا بت وهتصحبي تسنيم صح؟
اجابتها ساخرة:
_أكيد… مهي مرات اخويا يا هبلة… نامي وسيبني اركز بقا في الاختبار ده..
اغلقت عينيها بمرحٍ:
_ادينا هنام لما نشوف اخرتك ايه..
**********
تناولت “ماسة” الفطير الساخن بالعسل الصافي بشهيةٍ مفتوحة، والاخر يراقبها ببسمةٍ عاشقة لأدق تفاصيلها، فعرضت الشاشة من أمامه لتدفعه لتذكر ما مضى
##
_بطلي أكل أنا حاسس انك اللي خستيه في سنة هترجعيهم في الكام شهر دول!
عنفته بنظراتها القاتمة، ومن ثم قالت بشراسةٍ:
_أنت بتعايرني يا يحيى اني كنت تخنانة شويتين!…. وبعدين أنا بأكل عشان مين مش عشان ابنك!
انفجر ضاحكاً ثم قال:
_حبيبتي أنا خايف عليكي من الاكتئاب اللي هترجعي تعيشي فيه من تاني ولا ناسية زيادة وزنك كان مخليكي عاملة ازاي!
تركت المانجو من يدها، لترسم دور الحزن البائس:
_خلاص هبطل اكل ولما هروح اكشف في معادي الدكتور لو كلمني على وزني او وزن الواد هسحلك من قفاك..
اتسعت ضحكته، فحمل الطبق ثم قدمه لها قائلاً:
_حقك عليا أنا مشفتش باربعة جنية تربية، كلي زي ما تحبي أنا معنديش اي اعتراض عليكي لا وانتي تخينة ولا رفيعة..
جذبت المانجو لتقطمها بتلذذٍ:
_أيوه كده اتعدل..
أفاق “يحيى” من ذكراه المحببة لقلبه، على صوت تقيئ “ماسة”، أسرع تجاه حمام الغرفة فوجدها تسعل بقوةٍ، حاوطها بذراعيه ثم جذبها لصنوبر المياه، فعاونها على الاغتسال، وحملها للفراش، تمسكت به” ماسة”وهي تردد بدموعٍ طفولية:
_”ماسة”مش عملت شقاوة يا “يحيى” لسه تعبانه ليه!
ابتسم وهو يجيبها:
_هتبقي كويسة لما تاخدي الادوية..
وناولها الادوية المختصة بحالتها، فتناولتها على مضضٍ، ثم عادت لتستلقى على الفراش مجدداً، وهو لجوارها يمسد على ظهرها بحنانٍ حتى غفلت تماماً، فخرج للشرفة ينتعش بالهواء الطلق، ليتفاجئ بآسر يجلس بالحديقة، فأشار اليه فحثه “آسر” على الهبوط، وبالفعل هبط “يحيى” ثم جلس على الأريكة الخشبية المجاورة اليه، فسأله باستغرابٍ:
_أيه اللي مقعدك كده؟
رد عليه بابتسامة حالمة:
_مش جايلي نوم..
ضحك الاخير، فشاكسه قائلاً:
_من اولها، لا إجمد كده انت لسه قدامك مراحل!
اتكأ بذراعيه حتى استقام بجلسته:
_أنا جامد وكل حاجه بس الحب يضعف الحجر..
رفع حاجبيه ساخراً:
_يا راجل!
هز رأسه، فقال بتذكرٍ:
_قولي صحيح أيه المشاكل اللي في الشغل.. جدتك صدعاني من الصبح فاتصلت ببدر وقالي الامور تمام!
تطلع حوله قبل أن يجيبه بغضبٍ سيطر عليه:
_واحد حب يوجب معايا عشان أسيب الباب اللي انا داخله، فاكرني أهبل وهصدق الحوار العبيط اللي اتعمل في تلاتين مسلسل هندي قبل كده..
سأله بجديةٍ:
_ومين ده، معرفتوش!
أجابه بابتسامةٍ ماكرة:
_خالها الجحش ده اللي ورا الموضوع.
تعجب للغاية مما استمع اليه، فسأله باستغرابٍ:
_وهو خالها هيستفاد أيه لما الموضوع يتفشكل؟
اسند ظهره لجسد الاريكة وهو يجيبه بغموضٍ:
_مهو ده اللي هعرفه وقريب اوي!
*********
بزغت الشمس كقبلة في ثغر الصباح، وكأنها تستعد لهذا اليوم الموعود باللقاء الذي سيجمعها به، فقادتها لهفتها لشرفتها، تنتظر قدومه وخاصة بعد أن كلمتها “رواية” على هاتفها المحمول لتخبرها بانهم على وشك الوصول اليها، ارتسم على وجهها ابتسامة نطقت بالبهجةٍ حينما وجدت سيارتين تقترب من المنزل، أحداهما يقودها سائق “فهد” الخاص والاخرى يقودها “آسر”، فصفها أمام المنزل، أسرعت تجاهها زوجة خالها لتشير لها بحماسٍ:
_يالا يا تسنيم،” آسر” جيه..
لحقت بها للاسفل فوجدته يقف مع أبيها أمام المنزل، خطفت أنظاره بفستانها الأخضر الذي يشبه لون عينيها فبرز جمالهما..
دنت منها “رواية” لتسلم عليها ومن ثم قالت:
_يلا اركبي انتي ووالدتك ومرات خالك مع “آسر”..
سألتها باستغرابٍ:
_طب وانتي!
أشارت لها بابتسامةٍ ساحرة:
_لا أنا هركب مع جوزي زي ما جيت..
تدخل آسر بحديثهما الخاص، حينما قال بمشاكسةٍ:
_هي تقدر تركب مع حد غيره، كان ولع فيا قبليها، صح يا حاجة؟
لكزته بغضبٍ:
_اطلع انت بس منها واحنا هنبقى زي السمنة على العسل..
رفع يديه باستسلام:
_بعيد من يوم يومي..
ثم فتح باب السيارة الخلفي ليشير لتسنيم:
_اتفضلي…عشان تعرفي اني جنتل بس..
منحته ابتسامة خجلة قبل ان تصعد بالخلف لجوار زوجة خالها، أما والدتها فجلست لجواره بالأمام، لتنطلق السيارتين للقاهرة..
*********
تمسكت بيدها وهي تحاول هبوط الدرج، فعنفتها”روجينا” بضيقٍ:
_يا بنتي اسمعي الكلام وخليكي لما تبقي كويسة، الجامعة مش هتطير يعني..
أجابتها “حور” وهي تتمسك بيدها جيداً:
_هفضل لحد أمته نايمة يا روجين، أكيد هيجي اليوم اللي هنزل فيه، ثم أني زهقت من القعدة والله..
تشبثت بها وهي تصيح بها:
_حسبي ..
عاونتها حتى هبطت للطابق الأسفل، فاستندت على درابزين الدرج بوجعٍ فأشارت لها بتعبٍ:
_طب استني شوية طيب..
وقفت لجوارها تعبث بهاتفها، فانتبهت للصوت القادم من خلفهما:
_رايحة على فين وانتي بالحالة دي يا حور!
استدروا للخلف فوجدوا أحمد يهبط الدرج مقترباً منهن، حتى وقف مقابل حور المرتبكة من اهتمامه بها أمام خطيبته التي لم تلاحظ الامر برمته، فأجابته بارتباكٍ:
_هنزل الجامعة أشوف اللي فاتني..
هز رأسه وهو يشير اليهم:
_هوصلكم في طريقي.. اركبوا..
انقلبت معالمها فبات بأن هناك من يعارض مخطط يومها، فقالت بتردد:
_لا مفيش داعي يا احمد، انا وحور هنركب تاكسي.
تجاهل الحديث معها، فقال وهو يتجه لسيارته كأنه لم يستمع لشيء:
_مستنيكم بره..
وتركهما ثم صعد لسيارته، فصعدوا بالخلف، فلم تترك روجينا هاتفها ولو لدقائق، كانت منشغلة بحديثها مع أيان…
********
توقفت سيارة “آسر” بمنتصف الطريق لأخذ استراحة قصيرة، فاستأذن منهما ثم هبط ليتوجه لأحد المطاعم لشراء ما يلزم الغداء، وبعض المشروبات المنعشة لطريقٍ شاق، فوقف ينتظر طلبه حتى ينتهي الطباخ من اعداده، فعبث بهاتفه قليلاً وهو يتجه للخروج، وفجأة اصطدم بأحدهما، فرفع يديه تجاهه وهو يردد بحرجٍ:
_آسف مآآ….
بترت كلماته حينما وجده يقف أمامه ببرودٍ وعينيه تطالعه بعداءٍ شديد، تهجمت معالم آسر للغضب القاتل، فجذب هاتفه الموضوع ارضاً ثم توجه للمغادرة ولكنه توقف حينما استمع لكلماته:
_شايفك مستعجل يا عريس… ولا خايف الكبير يشوفك واقف مع مين!
الجحيم بذاته سيطر على عينيه ليهيئ له عرش مخيم، أبيضت يديه من فرط ضغطه عليها، ليستدير اليه وبجراءةٍ كبيرة أجابه:
_الخوف ده تسيبه ليك وللمغازيه اللي شنبهم بيتهز لما يلمحوا حد من عيلتنا..
ابتسم “أيان” ساخراً ثم دنا ليصبح قريباً منه:
_ممكن زمان كان كده، لكن دلوقتي بقى ليهم كبير..
ضحك آسر بصوتٍ مسموع ثم تطلع لجواره قبل أن يقترب لينحني برأسه على أذن أيان هامساً:
_كبيرهم عيل صغير في اللفة، بيلعب بنار هتحرقه في الأخر…
بنفس الابتسامة الشيطانية قال:
_زي ما حرقت جدك وهدان كده، بس اللي مستغربه انك مخدتش بتارك لحد دلوقتي..
ثم استرسل بصوت منخفض:
_صورتك اللي كونتها عنك بدأت تتهز، شجاعتك وشهامتك المعروفين عن ابن الكبير بقوا في الأرض، يمكن الجبن بقا طبعك الحالي ولا ايه؟
استجمع شياطين العوالم بأكمله بتلك اللحظة، لتجعل حدقتيه تنذر بشر عظيم قد يحدث بذلك المكان، فخرج صوته مخيف كحاله:
_ الجبان هو اللي بيضرب في الدهر يابن المغازي، الرجولة انك تضرب عدوك وعينك في عينه زي اللي هيحصل دلوقتي..
ولف يديه حول عنقه بقوةٍ كادت بأن نخنقه، ثم تركه مرة واحدة يسعل عدة مرات في محاولة لالتقاط انفاسه، فانحنى آسر ليكون مقابله، عينيه تبصران تجاهه بشجاعةٍ اتبعها قوله المحذر:
_أنت أعقل من إنك تفتح على نفسك ابواب جهنم بايدك.. بلاش تختبر صبري عشان هتكون انت ضحيته بالنهاية..
وانتصب بوقفته ليغادر المطعم بأكمله، فتفاجئ بضربة قوية استهدفت ذراعيه الأيسر والذي كان قيد لرقبة أيان منذ قليل، استدار آسر للخلف سريعاً ليتفادى ضربته القادمة، ومن ثم هوى على فكيه بلكمة قوية قيدها بها ثم قال باستحقارٍ:
_مش قولتلك الجبان اللي بيواجه عدوه من دهره زيك وزي عيلتك بالظبط، حذرتك ومفيش فايدة، قابل بقا.
ولكمه لكمة أخرى ثم جذب المقعد الرخامي ليرفعه بقوةٍ وقبل أن يهوى به على رأسه أتاه نداء صارم اتاه من الخلف وهو يردد بصرامةٍ:
_آســـــــــــــــــر..
استدار بالمقعد الذي يحمله للخلف ليجد أبيه يقف من أمامه وعينيه ترمقه بنظرةٍ لا تنذر بالخير………
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء))