روايات

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل الثامن عشر 18 بقلم آية محمد رفعت

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل الثامن عشر 18 بقلم آية محمد رفعت

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الجزء الثامن عشر

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) البارت الثامن عشر

الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء)
الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء)

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الحلقة الثامنة عشر

(إهداء خاص للقارئة المميزة “ريهام محمد”، ممنونة لتعليقاتك الداعمة لي، وأتمنى أن ينال القادم إعجابك…)
إعتلت عرشها الذهبي بكل غرور، لتفتن العالم بضياء وجهها الذهبي، فمنحتهما لمحة من التفاؤل والأمل، على النقيض لساهر الليل الطويل، لم تؤثر به نور شمس اليوم التالي، فوجهه كأنما يعكس ظلام قلبه التعيس، رفع “أيان” كأسه ليرتشف منه على مهلٍ، وعينيه تتأمل حركة المارة دون اهتمامٍ من خلف ذاك الحائط الزجاجي الضخم الذي يكسو أحدى جوانب غرفته، في تلك اللحظة بالتحديد عادت كلمات من مقتطفات الماضي لتردد بمسمعه كإنذارٍ سابق له بما سيفعله لإنتقامه
«وهدان مكنش بيطيق أبوك يا ولدي، والعداوة اللي بينتهم زادت لما امك اختارت أبوك وفضلته عن وهدان، عشان اكده قتل أبوك واغتصب امك وقتلها بدم بارد»
أغلق عينيه بقوةٍ ليتحمل ذاك الخنجر المطعون بصمامٍ قلبه، ولكنه بحاجة لتذكر كلماتها كل دقيقة، حتى لا يضعف عن خوض طريق انتقامه، عادت تلك الطعنات تتسلسل من جديد
«انتقامك من الدهاشنة مش بالدم يا ولدي، لزمن تكسر كبريائهم وتجيب مناخيرهم الأرض، الانتقام الصوح هيكون بشرفهم وخصوصاً ولد وهدان فهد!»
التهبت حدقتيه فأختفت رومادية عينيه خلف حاجز قسوته القاتمة، فأخرج هاتفه ومن ثم أرسل لها برسالة نصية، وابتسامة الشر سطعت على وجهه كونه قريباً من تحقيق مخططه..
*********
بمنزل أحد كبار الدهاشنة.
وبالأخص بمنزل مهران الدهشان (ابن عم وهدان……يعني يبقى لفهد ابن عم ابوه..)
انتظره الخادم بمكتبه ساعات طويلة، انتهت حينما فتح سيد المنزل باب المكتب، ليدلف للداخل وهو يتمتم بملامح مستاءة:
_أيه اللي جابك على الصبح اكده!
انتظره الخادم حتى جلس على مقعد مكتبه البني، ومن ثم القى عليه البشارة التي ستجعله ينال مالاً وفيراً لذاك الخبر السعيد:
_جيت عشان أقولك ان ابن المغازي نفذ خطته وخلاص اتجوز بنت “فهد”..
انتفض عن مقعده، ليتساءل بلهفةٍ:
_بتتكلم صوح يا واد؟
هز رأسه بسعادةٍ:
_سمعته بودني اللي هيكلها الدود وهو بيكلم الست” فاتن” وهيقولها إنه اتجوز بنت فهد وقريب هيجبها الثريا تخدمها..
اتسعت ابتسامة الشر على وجهه، فأسرع الى خزانته الصغيرة المجاورة لمكتبه، ومن ثم أخرج منها مبلغ طائل من المال، ليلقيه على السطح المكتب وهو يشير اليه:
_خد يا واد تستاهل، ولو عرفت حاجه تانية تجي تخبرني واصل..
ثم استطرد بتحذيرٍ:
_وحسك عينك يكشفوك وتجيب سيرتي أنت عارف ساعتها هعمل فيك أيه!
ابتلع ريقه بصعوبةٍ، فسحب المال الموجود بطمعٍ، ومن ثم غادر وهو يردد:
_متقلقش يا سيدي، محدش هيعرف بحاجة..
أشار له بالمغادرة، بينما ارتمى على مقعده بفرحةٍ عارمة، لحقت نبرته السعيدة:
_والله وهيجي اليوم اللي هشوفك فيه مزلول يا “فهد”!..
************
انتهت”إلهام” من حزم أغراض “ماسة”، فحملت حقائبها للأسفل، ومن ثم صعدت مرة أخرى لإحضارها، فتوقفت حينما رأت” يحيى”يهبط للأسفل بصحبتها، وحينما توقف أمام شقة الشباب أشار لها قائلاً:
_خدي “ماسة” ركبيها، وأنا شوية وجاي.
أومأت برأسها إليه، ثم جذبت يدها وحثتها على الهبوط، فتعلقت “ماسة” به بحزنٍ ، فطبع قبلة صغيرة على جبتها وهو يهمس لها:
_نازل حالاً، مش هتأخر..
ابتسمت له، ثم تمسكت بإلهام فهبطت بها للأسفل، أما هو فإتجه ليقرع باب الشقة، مرات متتالية، حتى فتح “بدر” الباب، فقال باستغرابٍ:
_”يحيى” أنت لسه مسافرتش؟
هز رأسه نافياً ثم ولج للداخل، ومن ثم قصد غرفة “أحمد” فكاد بفتح بابها حينما استوقفه “بدر”، متسائلاً بقلقٍ:
_في حاجة ولا أيه؟
منحه نظرة غاضبة من إيقافه له، فأخفض يديه التي تعيق تحرر الباب، ففتحه يحيى ثم ولج للداخل، ففتح أحمد عينيه بنومٍ تخلى عنه حينما وجد من يقف أمامه، فجلس باستقامة على فراشه وهو يتطلع له بهدوءٍ قاتل، بينما جذب “يحيى” المقعد القريب من الكومود ليضعه مقابله، ومن ثم جلس عليه ليتطلع له باهتمامٍ اتبعه قوله:
_أنا عارف يا “أحمد” أن سبب غضبك وكرهك ليا هو حبك وخوفك على ماسة لإنك أخوها، بس صدقني مهما كان حبك ليها مش هيكون أكتر مني..
ولعق شفتيه وهو يهم بقول جملته التالية:
_أنت مش قادر تفهم إحساس العجز، إنك فجأة تكون بتتكلم مع مراتك وفجأة تسمعها بتستغيث بيك وأنت في دولة غير الدولة، مش قادر تستوعب الوجع اللي كنت فيه وانا بحاول اوصل لحد فيكم وفي نفس الوقت خايف اقفل المكالمة الوحيدة اللي بتجمعني ييها، مش قادر تقدر وجعي وانا متلخبط ومش عارف احجز وأجهز ورقي ازاي وفي نفس اللحظة اسمع خبر وفاة ابني اللي كنا بنستناه أنا وماسة بفارغ الصبر وبنحضر لاستقباله بعد عشرين يوم، مش قادر تحس بضعفي وانكساري وحالتي اللي كنت فيها…
والتقط انفاسه بصعوبةٍ قبل ان يسترسل بحزنٍ:
_فكرك اني محاولتش انزل وأكون جنبها، حاولت أكتر من مرة بس حسيت اني لو شوفتها بالحالة دي هضعف أكتر ومش هقدر أكون سند ليها ولا حتى لنفسي، كنت محتاج وقت أقدر فيه استجمع نفسي عشان أقدر أكون جنبها، بس للاسف مكنتش أعرف إن بتأخيري ده بعرضها لحالة اصعب من اللي هي فيها،يمكن اكون السبب يا أحمد بس انا لسه بحاول أرجعها لطبيعتها ومش همل من ده…
وودعه بكلمة أخيرة قبل أن ينهض ليتجه للمغادرة:
_فأرجوك متكرهنيش بالطريقة دي…
وتركه وكاد بالمغادرة، ولكنه توقف حينما استمع لصوته الذي حجر خطاه:
_مفيش أخ بيكره أخوه، ولا نسيت إنك قبل ما تكون جوز أختي فأنت أخويا..
استدار اليه، بابتسامةٍ مشرقة، اتبعها قوله المؤكد:
_لا منستش.
نهض احمد عن الفراش ثم اقترب منه وهو يطلع للأرض بخزيٍ مما فعله طوال تلك الفترة الماضية، فقال بحزنٍ:
_أنا زودتها معاك الأيام اللي فاتت، سامحني يا “يحيى”.
احتضنه”يحيى” بسرورٍ وترحاب لاعتذاره، فابتسم احمد وهو يربت على ظهره بقوةٍ، بينما التمعت عين “بدر” بالدمع وهو يتأملهما بصمتٍ واهتمامٍ، قطع صوت “عبد الرحمن” ما يحدث بالغرفة حينما قال ممازحاً:
_صباحكم، أيه ده أنا جيت في وقت مش ولابد ولا أيه؟
ثم وقف جوار بدر ليتساءل بسخريةٍ:
_مش دول اللي كانوا مقطعين فروة بعض امبارح ولا أنا بيتهيلي ولا أيه!
لكزه “بدر” بغضبٍ:
_واتصالحوا يبقوا نلم نفسنا ولا أيه؟
تعالت ضحكاته الرجولية، وهو يتابع:
_واحنا نطول يا عم، ربنا يهني سعيد بسعيدة..
كف عن الضحك حينما حاوطه “يحيى” وهو يشدد من غرس أصابعه بكتفيه:
_مش يلا يا عبده ولا لسه هتكمل وصلة الضحك والتريقة بتاعتك دي!
تنحنح بجدية وخوف مصطنع:
_أنا بقول اتاخرنا أوي..
جذبه بقوةٍ:
_طب يلا يا خفيف..
غادروا سوياً للأسفل، فرفع عبد الرحمن صوته قائلاً:
_متتساش الاخبار اللي قولتلك عليها يا احمد..
أغلق يحيى الباب ومن ثم لكزه للاسفل، فوقف “بدر”جوار “أحمد” وهو يتساءل بعدم فهم:
_أخبار أيه دي!
ببسمة ساخرة أجاب:
_بسلامته وقع لشوشته مع الأجانب وعايز يشغلني عصفورة نقل الغراميات..
انكمشت تعابير وجهه بضيقٍ شديد:
_أجانب مين دول!
علم “أحمد” ما يدور بخلده، فقال بخبثٍ:
_وده يهمك في أيه يا “بدر”، مش أنت خلاص نسيتها ولا أيه!
جز على أسنانه وهو يسأله بحدةٍ:
_متردش على سؤالي بسؤال يا “أحمد”، هو يقصد مين بكلامه ده؟
أجابه بنظرةٍ شك:
_يقصد “تالين” يا “بدر” ، مش “رؤى” متقلقش..
سكنت معالمه بحرجٍ، فمرر يديه على شعره الأسود وهو يتهرب بلباقةٍ:
_أنا بقول أروح اجهز لقمة خفيفة للفطار كده، وأهو نصحي أبوي يفطر معانا..
وكاد بالمغادرة من أمامه، فجذبه أحمد من تلباب قميصه ليشاكسه بسخريةٍ:
_مش هتخلع بالسهولة دي، قبل ما تجيب اللي في معدتك، أر وقول مخبي أيه تاني عليا..
استدار برأسه للخارج ومن ثم تطلع إليه ليهمس بصوتٍ منخفض:
_يرضيك أبويا يطلع يلاقيك ماسكني ماسكة حرامي الغسيل دي؟
هز رأسه نافياً:
_لا..
ثم استكمل قائلاً:
_بس يرضيك أنت تستغفلني وتخبي عني التقدمات المحدثة في علاقتك بالأجنبية اللي كانت شبه منتهية!
هز رأسه نافياً بتلك الطريقة:
_لا…
ثم همس له مجدداً وهو يراقب باب غرفة والده:
_بليل هحكيلك..
أومأ برأسه ومن ثم حرره، فاتجه سريعاً للمطبخ أما أحمد فابتسم وهو يهمس بسخطٍ:
_الأجانب احتلت العيلة ولا أيه!
************
بغرفة “حور”..
نهضت عن الفراش أخيراً وهي تحارب ألم قدميها كلما تحركت، ومن ثم خرجت للشرفة لتجد” تسنيم” تقف بالخارج، وحينما اقتربت لتقف جوارها وجدتها تراقب “ماسة” التي تعبث بنافذة السيارة بنظراتٍ مشفقة، ابتسمت “حور” على قلب رفيقتها الحنون، ثم قالت:
_شكلك منمتيش طول الليل!
انتبهت لها “تسنيم”، فأومأت برأسها وهي تجيبها:
_مجاليش نوم..
ثم سألتها بلهفةٍ:
_هو مفيش تطورات في حالة ماسة!
انتقلت عين”حور” تجاه ما تشير اليه، فاعتادت الحديث عن كل صغيرة وكبيرة لتسنيم حتى حالة ماسة قد قصتها على مسمعها من قبل:
_لا للأسف لسه زي ما هي، الحالة اللي عندها شكلها مطولة..
بشفقةٍ وحزن قالت:
_ربنا يشفيها ويعافيها يارب..
وعادت لتسألها مجدداً بقلقٍ:
_طب ليه عربية الاسعاف اللي واقفة دي، هي حالتها متستدعاش اسعاف ولا أيه؟
أجابتها بابتسامة مشرقة:
_لا دي لنقل والدة “عبد الرحمن” ، عمي فهد قرر إنها ترجع الصعيد وتعيش معاهم..
صمتت قليلاً تستوعب تصرفه النبيل ومن ثم قالت باعجابٍ:
_الراجل ده عظيم بجد، بالرغم كل اللي حكتهولي عنها وعن اللي عملته زمان في عيلته وسمحلها عادي كده انها ترجع تعيش وسطهم!
ابتسمت وهي تخبرها:
_عمي فهد مفيش زي طيبة قلبه، واللي شبهه بالظبط هو آسر ميتخيرش عنه في الطيبة..
لمجرد سماعها لإسمه ارتعشت خفقات قلبها خلسة، وكأنها تخبرها بتصميمٍ على ارتباطها به، فحاولت قدر الإمكان السيطرة على مشاعرها التي تكاد تقفز لتترنح في الأفقٍ، استفاقت من غفلتها القصيرة حينما اقترحت “حور”، قائلة:
_مش صحيح أنتي نازلة البلد النهاردة، ما تسافري معاهم أحسنلك من بهدالة القطر..
زمت شفتيها وهي تجيبها:
_لا، القطر معاده العصر اكون فكرت كويس.
سألتها باستغرابٍ:
_فكرتي في أيه؟
جلست على الأريكة القريبة من الازهار وهي تجيبها بتوترٍ:
_بصراحة يا حور بفكر مسافرش، أنا مش هقدر أرجع أشوفه تاني وأكيد العريس ده من مجيبه وأنتي عارفة كويس إن اللي هيجيبه اكيد زيه..
جلست جوارها وهي تجيبها بهدوءٍ:
_عارفة يا قلبي، بس متنسيش إن مهما كان مين اللي متقدملك مينفعش متكونيش موجودة لإن اللي هيحصل هيكون في وش والدك..
وربتت على يدها وهي تستطرد:
_لازم تسافري عشان شكل عمي فضل، وبعد كده ابقي ارفضي براحتك محدش هيجبرك على حاجة.
أومأت برأسها باقتناعٍ، وعقلها شارد بمن أحبته وتمنته أن يكون هو من تصبح على عصمته، وحينما ينغرس عقلها بالتفكير بذاك الامر عادت لتفق منه بأنه مجرد حلم ليس له واقع أو أمل بالتحقق!
***********
استيقظت من نومها، ففردت ذراعيها بدلالٍ، والابتسامة لم تترك وجهها من الأمس، مازالت لا تصدق بأنها تزوجت فارس أحلامها، جذبت ساقيها على جسدها ثم اسندت رأسها عليها وهي تعبث بخصلات شعرها بسعادةٍ، صفنت لدقائق مطولة ثم جذبت هاتفها تعبث به فانتفضت بلهفةٍ حينما وجدت رسالة منه، فتحتها على الفور لتجد بها عنوان عمارة قريبة من جامعتها، استغربت من محتوى رسالتها، فراسلته بسؤالٍ عن ذاك العنوان، رأى “أيان” رسالتها ولم يجيبها، فتعصبت ملامحها وهي تردد بضيقٍ:
_برضه مردش، طب أنا مش فاهمه عنوان أيه ده!
هداها تفكيرها الأحمق أن تغتسل وتذهب الى العنوان أولاً خاصة أنه قريب من جامعتها، فما أن انتهت من حمامها ارتدت فستان أسود طويل، وحجاباً زهري اللون يتماشى مع حذائها وحقيبتها الزهرية، ومن ثم ودعت نادين واتجهت للمصعد، كادت بالدخول ولكنها انتبهت لباب الشقة المقابل لها يفتح، لتجد أحمد يقف مقابلها ويتطلع لها بنظراتٍ غاضبة، ابتلعت ريقها بتوترٍ ومع ذلك رسمت ابتسامة مصطنعة:
_صباح الخير يا أحمد.
حاوطتها نظراته وسكونه الغائم يغلفه، حتى كسره بعد دقائق متعمداً:
_صباح الخير.. رايحة على فين؟
أشارت بارتباكٍ على الكتب بيدها:
_رايحة الجامعة..
قرص أرنبة أنفه برفقٍ ثم قال:
_”روجينا” مش فاضل على فرحنا غير شهر وشوية لازم نقرب فيها من بعض عشان نحاول نفهم بعض أكتر..
ارتبكت للغاية حينما ذكرها بموعد زفافها، فاسترسل أحمد حديثه بحنان تحلى به حتى يكسبها:
_أنا عارف إننا مكناش متفاهمين خالص بالفترة الأخيرة، عشان كده بفكر أننا نخرج كتير الفترة دي يمكن الامور تتحسن بينا ولا أنتي رأيك أيه؟
توترت كثيراً وتوتر لسانها الناطق بتلعثمٍ:
_معاك حق…
منحها ابتسامة أطلت جنب من وسامة وجهه القمحي، وسرعان ما بددت سريعاً حينما رفعت يدها لتعدل حجابها، فأخشونت نبرته وهو يسألها:
_فين دبلتك يا “روجينا”؟
رفعت يدها تتفحص اصبعها بتوترٍ، فبللت شفتيها الجافة وهي تبحث عن حجة مناسبة، فقالت بتلعثمٍ:
_آآه.. تلاقيني نسيتها على الحوض وأنا بغسل ايدي الصبح، لما هرجع من الجامعة هشوفها…
ثم رفعت يدها وهي تتفحص الساعة:
_همشي بقا لاني اتاخرت.. سلام..
وولجت للمصعد ومازالت عينيه تتبعها بنظراتٍ غامضة، تحاوطها شكوك بائسة حول شخصها المتغير، ولكنه حاول أن يصدق ما قالت حتى لا تتسخ صفحتها الجديدة التي فتحها لها..
**********
سعادة وفخر استحوذت على قلب كبير الدهاشنة وهو يرى ابنه الوحيد يتبعه كظله منذ الصباح، فلم يسمح للسائق بالصعود لسيارة أبيه وأخبره بأنه سيقود بذاته، فاتبعه إينما ذهب حتى الحقول والمصانع المجاورة بقنا ذهب معه، شرد حدقتي عين “فهد” به قليلاً، فمال برأسه تجاهه ثم قال بابتسامةٍ عذباء:
_متخيلتش إن هيجي اليوم اللي تكبر وأعتمد فيه عليك، وتبقى راجل صوح..
التفت “آسر” تجاهه ثم قال بمرحٍ:
_الصغير بيكبر يا كبيرنا..
ضحك “فهد” ثم قال:
_بقيت مصراوي شبه امك، بس هيجي منك..
ناطحه بمشاكسة:
_مهي المصرواية دي اللي وقعت الكبير ولا أيه!
ابتسم بهيامٍ:
_وقعته بس، دي خليته دايب فيها دوب..
أوقف “آسر” السيارة ثم قال بتعصبٍ مصطنع:
_لا يا كبير ما اتفقناش على كده، نراعي إن ابنك لسه مدخلش دنيا برضه، حس بينا يحس بيك ربنا، خف شوية من المشاعر الجياشة دي، في شاب أعزب معاك في البيت بدل ما ألم خلجاتي وأطوح بأي مكان متعرفوش توصلولي فيه..
بنظرة صارمة أشار بها تجاه المقود:
_إطلع..
بخوفٍ مصطنع قاد السيارة وهو يردد في طاعةٍ:
_تؤمر يا كبير، لو عايز تهج بأي مكان سواقك وتحت أمرك لحد بعد العشا..
ضحك وهو يردد ساخراً:
_آه قول كده بقى، بتعمل الشويتين دول عشان مشوار بليل.. متقلقش مشاغلي الكتير مش هتخليني مكنش موجود في أهم يوم في حياة ولدي..
ابتسم آسر ثم ردد بجديةٍ:
_ربنا يخليك لينا يا أبوي وميحرمنيك منيك..
ربت بيديه على ساقيه بحنوٍ:
_الكبير ميبقاش كبير لو نسى أولوياته يا ولدي، وأنت وأختك وأمك أهم شيء بالنسبالي..
ثم استطرد:
_حط كلامي في دماغك لأجل اليوم اللي هتمسك فيه مطرحي..
قبل يديه وهو يردد بضيقٍ شديد:
_بعد الشر عليك، الدهاشنه ملهاش غير كبير واحد يا ابوي..
كسى وجهه سعادة عارمة، فأشار بحزمٍ مصطنع:
_ركز في طريقك يا ولدي..
استقام بجلسته ثم اتبع ارشادات والدته حول مكان المصنع المقام حديثاً، ليقود تجاه وجهته التي كان ابيه مرشداً وسيداً لها..
************
مازالت حقيبتها موضوعة جانباً، لم تصفها بعداً، ففتحتها لتخرج فستاناً لترتديه ومن ثم أغلقتها مجدداً، لتستعد للرحيل، ودعت “تسنيم” حور ثم انطلقت لتلحق بقطارها الذي اتتقل بين البلدان ببطءٍ رغبت به، ودت بتلك اللحظة أن لا يصل لوجهتها أبداً، فكلما تخلل لفكرها ما سيحدث تلك المرة تزورها صورة لآسر، برجولته وذوقه الذي جعلها تطمئن بأن مازال هناك رجال يستحقون ما نالوه من لقب، تمنت وبأمنيتها تردد وحيرة بكونها خلقت رجلاً فربما تركها خالها الأرعن بحالها..
***********
وصلت “روجينا” للعنوان المدون، وما أن تأكدت من عنوان العمارة من البواب حتى صعدت للطابق الرابع كما كُتب لها، وزعت نظراتها بحيرةٍ بين الجرس وباب الشقة، ومن ثم انصاعت لإصبعها الذي دق لمرةٍ واحدة على الجرس، ومن ثم انتظرت على بعدٍ بترقبٍ وحيرة لمنحها ذاك العنوان، فتح شاباً الباب، وهو يتطلع لها بدهشةٍ، فسحبت الكلمات على لسانها وتخلت عنها، وقبل أن تنطق بحرفٍ وجدت صوت قادم من خلفه يأمره:
_خليها تدخل يا “علي”..
تنحى جانباً على الفور، وهو يردد بطاعةٍ:
_اتفضلي يا أنسة..
إطمئن قلبها حينما وجدت”أيان” يقف أمامها، فولجت للداخل بإرتباكٍ ازداد حينما اقترب منها قائلاً بثباتٍ:
_اتاخرتي..
رفعت كتفيها بانزعاجٍ:
_وأنا هعرف منين اللي تقصده برسالتك!، طبعك غريب وغامض..
ابتسم على كلمتها الاخيرة، فقدم لها يديه وهو يردف:
_هتتعودي..
وزعت نظراتها بين عينيه ويديه الممدودة، ومن ثم وضعت يدها بين يديه، واتبعت خطاه حتى ولج بها لشرفة العمارة التي تطل على نهر النيل، انسحبت “روجينا” من يديه، ثم ركضت لحافة السور قائلة بإنبهارٍ:
_المنظر هنا يجنن..
ثم استدارت اليه، لتتساءل بفضولٍ:
_دي شقتك صح؟
اقترب منها بخطواتٍ ثابتة، ثم وقف لجوارها وهو يهز رأسه بالنفي:
_شقتنا..
انطبع وجهها بحمرةٍ الخجل، فألهت ذاتها بالتطلع للنهر ومن ثم قالت :
_جميلة أوي..
قرب يديه من وجهها، فابتلعت ريقها بارتباكٍ حينما لامس صفحة وجهها وعينيه تتطلع لملكيتها،هامساً:
_مش أجمل منك.
كاد بأن يقترب منها، فتركته واتجهت للشرفة المجاورة وهي تتساءل بتوترٍ:
_دي اوضتك؟
قال وعينيه تتابعها:
_تحبي تشوفيها..
اكدت له بإيماءة رأسها، ففتح الباب الصغير الذي يفصلهما عنها، ومن ثم أشار لها بالدلوف، دخلت هي أولاً لتتمرر عينيها ببطءٍ شديد على ممتلكات الغرفة بإعجابٍ شديد، فنالت تلك الخزانة الزيتوتية اعجابها بما تحتويه من بذلات أنيقة للغاية، مروراً بسرحته الخاصة وأحذيته، فهمست بصوتٍ منخفض:
_ذوقك حلو في كل حاجة..
ابتسم وهو يجيبها:
_اكيد عشان كده اختارتك.
التفتت له وكأنما فتح لها سبيل الحديث عما فكرت به كثيراً، فقالت بارتباكٍ:
_اشمعنا أنا يا “أيان”؟ ، وأنت عارف العداوة اللي بينك وبين بابا!
جلد وجهه الثبات والصلابة، منحها نظرات أطالها عمداً قبل أن يجيبها:
_لما حبيتك محطتش لنفسي قيود، لا فكرت أعرف عيلتك ولا أعرف انتي مرتبطة ولا لا، كل اللي همني أيه اللي قلبي حاسه تجاهك..
حاوطتها هالة مخيفة من المشاعر الجياشة تجاه حديثه المعسول، فاقترب منها ومن ثم أزاح حجابها ليفرد خصلات شعرها الغجري، فدفن رأسه بداخله وهو يشم رائحتها،فاتبعته همسة أرجفت جسدها:
_ القدر اللي جمعني بيكِ..
ومن ثم أدارها تجاهه وهو يتأمل رعشتها تلك بابتسامةٍ ماكرة، لم تمنحه هي مبتغاه فابتعدت عنه وهي تتفحص ساعتها بصدمةٍ:
_المحاضرة!
خلع ساعتها التي بدأت تضيقه، ثم قال بضيقٍ:
_وأنتي معايا متبصيش على الوقت تاني.
ثم أشار لها والخبث يترنح بين رومادية عينيه:
_متقلقيش مفيش حاجة هتحصل من غير رضاكي، فمفيش داعي للهروب ده..
أخفضت عينيها للأسفل حرجاً، فابتسم وهو يدفعها للخارج قائلاً:
_اتغدي وهوصلك مكان ما تحبي..
أومأت برأسها اليه، فجلست على المقعد المجاور له، ووضع الخادم أصناف الطعام على المائدة، فجذبت طبقاً فارغاً وشوكة وبدأت بوضع لقمات بسيطة من الطعام، ارتشف “أيان” من عصير البرتقال من أمامه وهو يسألها دون النظر اليها:
_غريب انك مش مطبعة على عادات الصعيد؟
أجابته بابتسامةٍ سحرت عينيه:
_لإني بقضي وقت في القاهرة اكتر ما بقضيه في الصعيد..
ومن ثم ادلت شفتيها بتذمرٍ:
_بصراحة انا مبحبش العيشة هناك، بحس بالملل ويمكن ده اللي كان مخليني مش متقبلة موضوع جوازي من احمد..
توقف عن مصغ طعامه ومن ثم طالعها بنظرةٍ هلعتها وخاصة حينما أخشونت لهجته:
_ما تنطقيش باسمه تاني قدامي، اللي بينكم انتهى من اللحظة اللي مضيتي فيها عقد الجواز..
لعقت شفتيها بارتباكٍ:
_أنا اسفة مقصدتش، بس خني التعبير مش أكتر..
ثم جذبت حقيبة يدها وكتبها لتستعيد للرحيل، فجذب يدها ليجلسها مرة أخرى وهو يخبرها بنبرةٍ هادئة:
_كملي أكلك…
نظراتها المرتعشة تجاهه جعلته يمرر يديه على وجهها الناعم، ليمنحها ابتسامة نطقت وسامته:
_من طباع الراجل الشرقي انه بيغير على مراته، وأنا بالنهاية راجل صعيدي ومن حقي أغير عليكي ولا أيه؟
بسمة رقيقة رسمت على وجهها، وهي تهز رأسها، ثم استكملت طبقها حتى انتهت منه، فقالت:
_شبعت الحمد لله، هنزل بقى عشان متأخرش..
جفف يديه بالمنشفة ثم نهض ليشير للخادم، الذي اتى بجاكيته، فعاونه بارتدائه، ومن ثم جذب مفاتيح سيارته ليشير لها قائلاً:
_يلا، هوصلك بسكتي..
قفز قلبها سعادة، فاتبعته للاسفل ومن ثم صعدت لسيارته التي قادها تجاه جامعتها، فأوقفها على مسافة من باب الجامعة، حملت “روجينا” الكتب ثم ودعته قائلة:
_باي.
أمسك معصمها، فباتت تلك الحركة مقربة لقلبها، تطلعت اليه وعينيها تتساءل ماذا هناك؟ ، اخرج أيان من جازانه فيزا ثم قدمها اليه قائلاً:
_خلي دي معاكي..
تطلعت لها باستغرابٍ ثم قالت:
_مش محتاجاها، بابا وآسر بيبعتولي فلوس على طول.
عادت نظراته القاتمة لتحتل عينيه، فتناولتها منه على الفور، فقال بحزمٍ:
_انتي دلوقتي مسؤولة مني انا مش منهم.
هزت رأسها عدة مرات ثم منحتها ابتسامة اخيرة قبل أن تهبط وتلوح له بيدها، فاستند برأسه على المقعد وتفكيره يقذفه تجاه ذاك الوجه الرقيق، الذي ينيره ابتسامة أهلكت قلبه المحتبس خلف صدره القاسي..
************
توقفت السيارات تباعاً أمام منزل الكبير، فهبط الفريق الطبي الذي تولى نقل “مروج” والدة عبد الرحمن للداخل، ومن ثم هبط يحيى بصحبته وبصحبة ماسة، التي تعلقت بذراعيه كالطفل الصغير الحائر، هبط “طارق” هو الاخر، ليركض للداخل بفرحةٍ عارمة، يبحث عن والدته بسعادةٍ، ليتبعه يحيى، فما أن ولجوا للداخل حتى هرعت “ريم” تجاه ابنتها وهي تردد بحنينٍ:
_”ماسة” بنتي..
تعلقت بيديه وهي تقرب جسدها منه بخوفٍ، فمرر يديه على خصلات شعرها بحنانٍ:
_متخافيش يا حبيبتي أنا جنبك أهو..
ثم قال لها بحزنٍ:
_معلش عشان بقالها فترة مشفتكيش بس.
انهارت دموعها، فاستدارت تجاه عمر تشتكي اليه مما حدث، فاقترب منها ومن ثم احتضنها وهو يهمس لها:
_شوية وهتبقى كويسة يا “ريم”..
أومأت برأسها بتقبلٍ، ثم وقفت جوارها تتأملها بشوقٍ، هبطت” هنية”للأسفل مستندة على عكازها، وما أن رأتهم حتى قالت بفرحةٍ:
_يا مرحب بالغالي ابن الغالي..
واحتضنت عبد الرحمن بدموعٍ افاضت لتقص ما تحمله من شوقٍ تجاه ابنها الراحل، هبطت “رواية” هي الأخرى لتستقبلهما بترحابٍ، فما أن رآها يحيى حتى تساءل عن “آسر” فأخبرته بأنه بالأعلى يستعد للخروج، فصعد على الفور، ليعلم منه بأنه سيتجه لزيارة منزل تسنيم لطلبها للزواج، سعد كثيراً وصمم على الحضور معه رغم عنائه من السفر..
********
ارتجت حوائط المنزل من شدة غضب العم فضل، فالموعد المحدد لاستقبال ضيوفه قد حان ومازالت ابنته لم تصل بعد، وما زاد استيائه وصول كبير الدهاشنة وعائلته، صب “عباس” الهبة النيران ليزيد من غضب الأب تجاه ابنته، فقال بخبثٍ:
_وهي هتتعلم الادب منين وانت باعتها بلاد غريبة تنام وتاكل وتشرب بعيد عنيك، والله اعلم بتعمل ايه من وراك..
تعصب عليه العم قائلاً:
_اخرس قطع لسانك، اني بنتي بمية راجل.. وأكيد عمرها ما هتكسر كلام ابوها ولا تطلعه عيل قدام الناس..
وكأنها نصفته حينما دق الجرس ومن ثم ولجت لتقف أمامهما، فقالت بارهاقٍ بادي على معالمها:
_ركبت متأخر..
ابتسم بثقةٍ إليه ثم قال ومازالت نظراته متعلقة به:
_ولا يهمك يا حببتي، يلا غيري خلجاتك وانزلي عشان الناس تحت.
أومأت برأسها ثم صعدت سريعاً للاعلى حتى لا تمنح ذاتها فرصة لقاء ذاك اللعين، صعدت للاعلى لترتدي أول ما التقطته يدها دون اهتماماً، وكأن جسدها غادره الروح، فاتبعت والدتها للأسفل، ثم حملت منها الصينينة المملؤة بالعصائر بآلية تامة، ومن ثم ولجت للداخل، لتضع ما بيدها على الطاولة، فتخلل لمسمعها صوت مألوف اليها:
_عروستنا تعبة نفسها ليه، ما الحاجات كتيرة قدامنا أهي!
رفعت عينيها تجاه صاحب الصوت فوجدت “فهد” من يتحدث، ضيقت عينيها بصدمةٍ ازدادت حينما مرت بعينيها على الجميع، لتراه يجلس أمامها،ذاك الآسر الفاتن الذي سلبها قلبها النقي العذري، لا تعلم بتلك اللحظة السيطرة على انفعالاتها فرسمت البسمة تاجاً وارتاح بالها أماناً له… لوجوده المرتبط بأمانها المفقود… وجود آسرها!!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى