رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل السابع 7 بقلم آية محمد رفعت
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الجزء السابع
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) البارت السابع
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الحلقة السابعة
انهمكت “تسنيم” بالعمل حتى لم تهتم لهاتفها الذي يصدح رنينه أكثر من مرةٍ، إنتهت من مراجعة الحسابات بدقةٍ عالية ثم اتجهت لمكتب “آسر”، فولجت فور سماع إذن الدخول، وضعته من أمامه قائلة بعمليةٍ:
_أنا رجعت الملف ده وكل حاجة فيه تمام.
ترك”آسر” الحاسوب ثم إعتدل بجلسته ليلقي نظرة متفحصة عليه، فهز رأسه بإعجابٍ:
_لا بجد برافو.
ثم رفع عينيه لها وهو يستكمل مدحه بما قدمته:
_عارفة مفيش محاسب بيأخد الوقت القصير ده بمراجعة الحسابات هنا حتى “أحمد” نفسه!
ابتسمت بفرحةٍ:
_إن شاء الله أكون عند حسن الظن.
تعمقت عينيه بها، وكأنه يحاول محاربتها حينما ترغب بالتطلع لعينيها الخضراء، فهمس بصوتٍ خافت:
_هتكوني.
ارتبكت بوقفتها، فقالت بتوترٍ:
_أنا خلصت شغلي والساعة بقت ٨،بستأذن حضرتك أمشي.
أومأ برأسه بتفهمٍ:
_تمام بس خدي بالك الاسانسير اللي على اللمين عطلان لو حبيتي تركبي إركبي اللي قدام مكتب “بدر” و”يحيى”.
أومأت برأسها عدة مرات في توترٍ لتهرب من نظراته الفاتنة،فحملت حقيبتها ثم خرجت مسرعة وحينما ابتعدت عن مكتبه وقفت تستجمع شتاتها، فهدأ تنفسها قليلاً، ابتسمت رغماً عنها وهي تهمس بخفوتٍ:
_أنا أكيد اتجننت ، واحد وبيشكر في شغلي ليه يحصلي كده!
وهزت رأسها بيأسٍ من تغيرها ثم استكملت طريقها حتى وقفت أمام المصعد، فرددت بحيرةٍ:
_هو كان بيقول على الاسانسير إنهو!
لوت شفتيها بضيقٍ من خجلها الذي منعها من التركيز بما قاله، فكادت بالعودة لسؤاله من جديدٍ، ولكن خجلها وخوفها من أن يزورها الارتباك بحضوره يسيطر عليها مجدداً، لذا ولجت للمصعد الأيمن وهي تردد في ثقة:
_ده الاسانسير اللي طلعت فيه الصبح يبقى هو اللي شغال.
وتوجهت للداخل ثم أغلقت الباب الحديدي ومن ثم أغلقت الباب الخشبي القديم لتضغط على زر الطابق الأرضي، فتحرك بها المصعد حركة بطيئة ثم توقف محله، فباتت معلقة بين الطابق الثالث والرابع الذي يحوي مكتب “آسر” والشباب!
*********
صدمت مما استمعت إليه فتساءلت بدهشةٍ:
_يعني أيه؟!
أجابتها “حور” بسخريةٍ:
_يعني مش هقدر أجي معاكِ، بقولك عندي امتحان الاسبوع الجاي بدل ما أقعد أذاكر أسافر رحلة!
جلست “روجينا” على الفراش بصدمةٍ ثم أخذت تردد بحزنٍ:
_يعني بعد ما “آسر” يوافق أنتي اللي تكوني العقبة؟
اقتربت منها ثم قالت بحنوٍ:
_طب وأنا ذنبي أيه بس يا “روجينا”، والله الاسبوع الجاي عندي أربع إمتحانات.
لمعت دموعها بعينيها، فاقترحت عليها”حور”:
_طب أقولك ما تأخدي”رؤى” أو”تالين” معاكِ وأهو يغيروا جو.
تحول حزنها لسعادة، فنهضت عن الفراش لتقبلها وهي تخبرها بفرحةٍ:
_أنتي صح، تاهت عني فين دي “رؤى” أكيد مش هتقولي حاجة بالعكس هتفرح جداً ..
وهرولت لغرفتها، لتخبرها بقرارها حول اصطحابها للرحلة، وأمام اصرارها وافقت “رؤى” فأكدت “روجينا” الحجز لثلاثة مقاعد برحلة الغد!!.
*********
وقع “يحيى” الملفات من أمامه، ثم تفحص باقي الأوراق ليتأكد من أن توقيعه على الورق بأكمله، استوقفته إحدى الورقات، فوجد بها رسالة مكتوبة بخط اليد، قرأها “يحيى” باستغرابٍ من وجودها بالملفات، جحظت عينيه في دهشةٍ وهو يقرأ المضمون.
«يحيى أنا قولتلك امبارح على الفون إني بحب راجل متجوز وأنت استغربت حتى “عمر” أخويا لما عرف اتعصب وقالي إنه هيجوزني لأول واحد يتقدملي وأنا عندي أموت على أني أنجبر أعيش مع حد مبحبوش عشان كده إختارت الموت علشان ماما وأخويا يرتاحوا مني، وملقتش غير شقتنا القديمة المكان اللي أقدر أنهي فيه حياتي اللي مبقاش ليها طعم غير المرار والعذاب، طالبة منك إنك تخليهم يسامحوني لاني للأسف مش هقدر أحب حد تاني ولا هقدر أكون لغيره… يمنى»
ترك الورقة على مكتبه بعصبيةٍ، ثم هرول مسرعاً تجاه الدرج وهو يردد بغضبٍ:
_مجنونة!
*********
بغرفة “أحمد”.
كان يستند بجسده على شرفة غرفته، يتأمل الطريق بشرودٍ، قد ترأه يتطلع للمارة وحركة السيارات أما ما يرآه هو لقطات متفرقة لحياته البائسة التي سعى بها لحب فتاة لم تكن له الاهتمام يوماً، ومع ذلك يجب الا يرتكب أي حماقات قد تسيء للعائلة فبالنهاية هي ابنة عمه، وهو يعلم جيداً ماذا يحدث حينما يترك خطيبته التي طالت خطبتهما لأكثر من خمس سنواتٍ، زفر الهواء العالق برئتيه على مهلٍ ثم أنعشها بالهواء النقي عله يتمكن من تبديل مزاجه الحاد، فانتبه لدقات باب غرفته ومن ثم وجد” بدر” يقف أمامه ليتساءل بخوفٍ:
_أنت كويس يا “أحمد”،” حور” بتقول أنك تعبان ومش قادر تقف من الصداع لو لسه تعبان تعالى ننزل لأي دكتور.
ابسط الأشياء التي تفعلها تجعله يشعر باهتمامها به، إبتسم رغماً عنه حينما ذكر “بدر” ما قالته إليه وإن كان بالمجمل أمراً عادي، فأجلي صوته الخشن قائلاً:
_بقيت كويس متقلقش.
وجلس على الأريكة ليشير بيديه إليه:
_بس كويس إنك جيت لإني كنت عاوزك.
جلس “بدر” بالمكان المشار إليه، وهو يسأل باستغرابٍ:
_عايزني أنا! ، ليه خير؟
تطلع له مطولاً قبل أن يتحدث بجديةٍ:
_انا ملاحظ إنك من ساعة ما “تالين” و”رؤى”رجعوا وأنت متغير ١٨٠درجة.
وبوضوحٍ شديد، تساءل:
_أنت لسه بتحبها يا “بدر”؟
احتدت نظراته وإحتلتها الجفاء والقسوة التي صاحبت نبرته:
_أنا مفيش بقلبي تجاهها غير الكره يا” أحمد”، أنا مكنتش أتمنى إني أنجبر أشوفها مرة تانية لأن ده بيخليني أقرف من وجودي معاها بمكان واحد بس محلولة.
ضيق عينيه بدهشةٍ:
_إزاي؟
أجابه بإيجازٍ:
_”روجينا”طالعة رحلة لاسكندرية هي وحور و”آسر” مكنش موافق فقولتله هطلع معاهم عشان أخد بالي منهم وكده.
تهجمت معالمه وهو يستمع من إبن عمه عن سفر خطيبته الذي يفترض معرفته أصغر التفاصيل المتعلقة بها! ، ومع ذلك حرص على الا يلاحظ “بدر” ذلك عله لا يفسر الأمور بمنظور أخر، فقال بثباتٍ وتحكم شديد:
_كويس وأهو تغير جو وتنسى بقا اللي فات، لازم تبص لنفسك ولحياتك يا “بدر”…
أومأ برأسه بهدوءٍ، فتعجب كلاً منهما حينما استمعوا لصوت شجار عنيف يأتي من أمام باب شقتهم، فردد” بدر” بدهشةٍ:
_أيه الصوت ده؟
رد عليه “احمد”:
_معرفش تعالى نشوف في أيه؟
وبالفعل خرجوا سوياً فوجدوا”ماسة” تبكي بشدةٍ وتتعلق باللعبة التي يحملها “طارق” والأخير لا يقبل بتركها، أسرع إليهم “بدر” فجذب ما بيد “طارق” ثم قال:
_في أيه يا “طارق”؟
قال بغضبٍ شديد:
_كل ما بمسك لعبة عايزاها، دي بقت حاجة تقرف.
انكمشت ملامح”أحمد” بضيقٍ شديد، فقال وهو يحاول تهدئتها:
_مش هتبطل عنادك ده يا “طارق”، قولنالك ألف مرة متحاولش تضايق”ماسة” لإنها تعبانه!
رد عليه بكرهٍ شديد:
_الكل عمال يقول تعبانه تعبانة وهي بتجري وبتنطط فين التعب ده؟
تدخل “بدر” سريعاً قبل أن تزداد الأمور سوء، فهو يعلم ماذا تعني “ماسة” لأخيها:
_طلعها فوق يا “أحمد” وأنا هحاول أفهمه.
منحه نظرة قاتمة قبل أن يجذب يدها برفقٍ للأعلى، أما “بدر” فجذب “طارق” للأسفل بعدما لف يديه حول كتفيه ليشير له بابتسامةٍ هادئة:
_تعالى يا بطل.
وولجوا سوياً للداخل، فأخذ يحاول بقدر المستطاع أن يجعله يستعب طبيعة مرض “ماسة” فبنهاية الأمر مازال صغير تتعقد الأمور له أحياناً.
أما بالأعلى.
مسح “أحمد” دموعها وهو يردد بابتسامةٍ صغيرة:
_ما خلاص يا ستي جبنالك اللعبة أهو ولا أنتي لسه عايزة حاجة تاني؟
هزت رأسها بطفوليةٍ، فتساءل بمرحٍ:
_أمم، شكلك عايزة تحتلي ألعابه كلها والمرادي هيولع فيا وفيكي.
لوت شفتيها بحزنٍ، فقربها “أحمد” إليه بألمٍ ثم قال:
_بكره وأنا راجع من الشغل هجبلك ألعاب كتيرة أحسن من اللي عنده، إتفقنا؟
ابتسمت وهي تشير له برأسها، فنادى المربية ثم قال:
_خديها أوضتها يا “إلهام” وخليكي جنبها.
أومأت برأسها في طاعةٍ، ثم جذبتها للداخل وعينيه متعلقة بشقيقته التي صار حالها يمزق القلوب!
**********
استرخى “آسر” بمقعده بعد إنتهائه من العمل الشاق الذي تراكم عليه لسفره للبلد بالفترة الماضية، فجذب جاكيته المطروح على ظهر المقعد ثم ارتداه ليتجه للخروج، كاد بتخطي الطرقة التي تفصل بين مكتبه ومكتب “يحيى” فتوقف وهو يتأمل باب المصعد الحديدي المغلق، ضيق عينيه بنظرة متفحصة، فاقترب منه ليتفاجئ بالمصعد العالق بين الطبقتين، خشى أن يكون بداخلهما أحداً فبالطبع كيف تعلق هكذا، فصاح عالياً:
_”مصطفى”… “مصطفى”..
أتى مهرولاً إليه وهو يردد:
_أمرك يا بشمهندس.
أشار له بضيقٍ شديد:
_عامل الصيانة مجاش ليه يعمل الأسانسير!
أجابه مسرعاً:
_من الصبح عمال يقول ساعة وجاي ولسه لحد الآن مجاش.
بحزمٍ أضاف:
_وأنتوا مستنين أيه، هاتوا واحد غيره شكل في حد بالأسانسير… إتحرك بسرعة.
ركض وهو يرفع صوته:
_حــــــــاضــــــر.
**********
وصل”يحيى” للعمارة التي تضم شقة صديقه القديم بعدما إنتقل لشقة أكبر منذ سنوات، صعد الدرج مسرعاً حتى وصل للطابق المنشود، كاد بأن يطرق على باب الشقة فتفاجئ به مفتوح، فأسرع للداخل باحثاً عنها..
ابتسامة خبيثة تشكلت على ثغرها، ففور رؤية سيارته بالأسفل حتى رتبت أمرها، فوقفت على سور الشرفة لتضمن نجاح خطتها، اهتدت نظراته الباحثة عنها حينما رآها تقف على سور الشرفة، فأسرع إليها وهو يصيح بها بإنفعالٍ:
_”يمنـــــــى”،أوعي تتهوري وترتكبي ذنب تدفعي تمنه غالي.
واقترب منها بحذرٍ، ثم مد يديه إليها وهو يتابع حديثه:
_هاتي إيدك وبطلي جنان.
أخفت ابتسامتها بحرافيةٍ ماكرة، ثم قالت بلهجةٍ حرصت لجعلها بائسة:
_وأيه اللي يخليني باقية على حياتي يا “يحيى”، أنا قرفت من كل حاجة ونفسي أرتاح.
قال وعينيه تتفحص السور التي أوشكت قدميها على تخطيه:
_مفيش راحة، اللي هتعمليه ده عقابه عند ربنا عسير.
قالت بيأسٍ مصطنع:
_هيكون رحيم عليا من البشر.
إقترب المسافة المتبقية بينهما وهو يتابع بحديثه:
_طب إهدي وأنا هخلي أخوكِ يوافق على الشخص اللي حبتيه.
ابتسمت ساخرة والمكر يداهم عينيها:
_مش لما الشخص اللي بحبه يقبلني!
تصنعت عدم رؤيته وهو يقترب منها، فتركته ينتشلها بعيداً عن السور لنجأتها مثلما ظن هو، عاونها على الوقوف ثم جذبها للداخل وأغلق باب الشرفة ليصيح بها بعنفٍ:
_إنتي إتجننتي!، أيه اللي عايزة تعمليه ده؟
قالت بانكسارٍ مزيف:
_مفيش بإيدي حاجة أعملها.
قال بهدوءٍ:
_متقلقيش أنا هحاول أساعدك.
ابتسمت بخبثٍ، ثم إقتربت منه لترفع يدها على صدره فوزع نظراته بين قربها الشديد منه وبين يدها بعدم استيعابٍ، وخاصة حينما قالت:
_لو عايز تساعدني يبقى تتقبل حبي ليك وتتجوزني يا”يحيى”.
جحظت عينيه في صدمةٍ، وهو يحاول إستيعاب كونه الشخص المتزوج الذي تحبه! ، هز رأسه بعدم تقبل تلك الحقيقة فأبعدها عنه وهو يشير لها:
_أنتي أكيد مش في واعيك.
إلتصقت به مجدداً وهي تجيبه بجراءةٍ:
_أنا عمري ما كنت في واعي غير النهاردة، أنا حبيتك من سنين من قبل حتى ما تتجوزها ولما اشتغلت معاك كنت بحاول أخليك تحس بيا بس دلوقتي خلاص جوازتك من المجنونة دي مش لازم تستمر أكتر من كده.
جلدته تلك الكلمة فنهشت جسده نهشاً، فدفعها بعيداً عنه حتى ارتطمت بالأرضٍ بقوةٍ، وبتقززٍ أضاف:
_مسمحلكيش تتكلمي عن مراتي كده، أنا بجد مصدوم فيكي وفي اللي وصلتي له، من هنا ورايح المكتب متخطهوش برجليكي والكلام اللي قولتيه هنا النهاردة ده متكررهوش تاني.
وتركها وكاد بالرحيل، فتعلقت بقدميه وهي تردد ببكاءٍ:
_انا آسفة يا “يحيى” مش هتكلم عنها كده تاني، ومش عايزاك تتطلقها.
ونهضت لتقف من أمامه ثم إقتربت منه بطريقةٍ مخجلة لحيائها كأنثى لتستطرد:
_أنا عايزاك أنت وبس حتى لو هنتجوز بالسر!
وحررت ازرار قميصه بوقاحةٍ، وهي تستباح أجزاء من جسده بوقاحةٍ، أبعدها عنه وهو يحارب تلك الرغبة المتعطشة بداخله، ليهمس بخفوتٍ:
_إبعدي.
خلعت فستانها بلا حياء أو خوف من الله عز وجل لإرتكابها مثل تلك الفاحشة، لم تترك له فرصة المناص من مخضعها الخبيث، فكاد بأن يستسلم لها لترسم من أمامه صورة معشوقته وكأنه جلاد لروحه وقلبه المخضوع لها، ابتعد “يحيى” عنها عن الفور، تدارك ذاته باللحظة المناسبة فجذب قميصه الملقى أرضاً وأسرع بالخروج من ذاك المكان الذي يشبه اللعنة، أسرعت من خلفه فدفعها بعيداً عنه وهو يردد بتقززٍ:
_أنا لولا أن أخوكي صاحبي وعشرة عمر أنا كنت فضحت وساختك.
وتركها وغادر، فجزت على أسنانها بغيظٍ وصدمة من تماسكه أمامها! ، لا تعلم بأن من يعشق من صمام قلبه لا يرى أمامه الا من فتنت قلبه وعقله.
*******
بعد معاناة تمكن العامل من تصليح العطل القابع بالمصعد، وفور الإنتهاء من الإصلاح استكمل المصعد مهامه بالهبوط للطابق الأرضي، فأسرع “آسر” للأسفل، ثم فتح باب المصعد ليتفاجئ بها مغشي عليها، فزع حينما رآها ملقاة كمن فارقتها الروح، فإنحنى ليقربها إليه ثم لطم وجنتها برفقٍ:
_آنسة “تسنيم”.. سامعاني؟
كانت شاحبة كالموتى، فحملها بين يديه ليصعد بها لمكتبه مجدداً بعدما طلب من العامل إحضار الطبيبة في الحال، وبالفعل ما هي الا دقائق معدودة حتى انتهت من فحصها، لتؤكد له بأنها بخيرٍ ولكن إحتجازها بمكانٍ ضيق كهذا منعها من إستنشاق الإكسجين اللازم، وأخبرته بأنها ما هي الا دقائق وستستعيد وعيها تدريجياً، جذب”آسر” احد المقاعد ثم جلس لجوارها ينتظر لحظة استعادتها للوعي، فتحت جفن عينيها الثقيل بصعوبةٍ وهي تحاول التقاط نفسها المتقطع، بدأت الرؤيا توضح تدريجياً فوجدت ذاتها بمكتبه، انتفضت “تسنيم” بجلستها وأخذت تتأمل المكان برهبةٍ شديدة، إقترب “آسر” منها ليتساءل بشك:
_أنتي كويسة؟
إرتجف جسدها وتراجعت للخلف وهي تردد بخوفٍ مبالغ به:
_أنا هنا بعمل أيه وأنت ليه مقرب مني كده؟
رغم دهشته من طريقتها الغريبة، ولكنه تفهم بنهاية الأمر الحالة المسيطرة عليها، فسمات الصعايدة صعبة فيما يرتبط بالأصول، فأشار لها بيديه:
_إهدي بس الأول.
واستطرد ليوضح لها:
_أنتي كان مغمى عليكي بالأسانسير وأنا طلبتلك دكتورة ولسه ماشية حالاً.
ابتلعت ريقها على مهلٍ، ثم عدلت من خمارها الطويل لتجذب حقيبتها، ثم رددت بصوتٍ واهن:
_شكراً لحضرتك يا أستاذ “آسر”..
وتحملت على ذاتها لتنهض عن الأريكة، فرفعت معصمها ومن ثم شهقت بصدمة:
_يا خبر الوقت إتاخر أوي أكيد باب السكن إتقفل.
استمع” آسر” لما قالت وإن كان صوتها منخفض، فقال بذهولٍ:
_بس الساعة١٠ونص!
رفعت عينيها إليه ثم قالت بخوفٍ:
_الباب بيفقل الساعة ٩.
ثم اتجهت تجاه الباب فخطى خلفها وهو يناديها:
_”تسنيم” استني.
وقفت محلها تشدد على حقيبتها بارتباكٍ، فوقف مقابلها ثم قال:
_تسمحيلي أوصلك بعربيتي..
كادت بالاعتراض فقاطعها:
_زي ما قولتي الوقت إتاخر ومينفعش تمشي بالوقت ده لوحدك ويا ستي إعتبريني تاكسي واركبي ورا..
صمتت قليلاً تحسبها، فقال بحزمٍ:
_متضعيش وقتك أكتر من كده يلا.
لم يكن لديها حلول أخرى، اتبعته للأسفل باستسلامٍ، فأخرج سيارته من الجراج ومن ثم وقف مقابلها فصعدت بالخلف على استحياءٍ، تحرك بها وكانت مرشدته تجاه السكن الجامعي، ومع أن وصلوا حتى وجدوا الباب مغلق من الخارج بالقفل المعدني مثلما تفعل مديرته كل يوماً حرصاً على سلامة الطلبات ولأجل الحفاظ على قوانين السكن، انكمشت ملامحها في يأسٍ ولمعت الدموع بحدقتيها، فماذا ستفعل بهذا الوقت المتأخر وإلى أين ستذهب؟
هبط “آسر” من سيارته خلفها، فوزع نظراته بينها وبين القفل الكبير، ثم قال بثباتٍ:
_ولا يهمك تعالي معايا وقضي الليلة مع “حور” والبنات.
أعدلت طرف خمارها الطويل وهي تجيبه بتوترٍ:
_لا مفيش داعي هشوف أي مسجد. أو سكن قريب من هنا.
بحدةٍ قال:
_سكن أيه ومسجد أيه، بلاش كلام فارغ بعيد عن إنك صاحبت “حور” فإحنا من بلد واحدة وبنعمل مع الغرب أكتر من كده ولا أيه!
أخفضت رأسها أرضاً بحرجٍ مما تعرضت له خلال هذا اليوم الغامض، ففتح “آسر” باب السيارة الخلفي ثم أشار لها بالصعود، فصعدت على استحياءٍ، ليتحرك بها تجاه العمارة الخاصة بهم.
********
بشقة “عبد الرحمن”.
ظل لجوارها حتى غفت تماماً، فداثر” عبد الرحمن” والدته بحنانٍ، ثم تسلل للخارج بهدوءٍ حتى لا يوقظها، فإتجه للمطبخ ليعد كوب من القهوةٍ الساخن، ثم جلس يحتسيها بانتشاءٍ وكأن مذاقها يذكره بتلك الفتاة ذات العين البنداقية، لأول مرة تتعلق ذاكرته بأحدٍ ليس لإنه يكره النساء، ولكن لإنه لم يجد من تلفت انتباهه، انتشله من شروده الهائم بفتاة أميركا رنين هاتفه، فرفعه ليجد اسم الكبير ينير من شاشته، لعق شفتيه بتوترٍ وكأنه يتلصص على تفكيره، فوضع الكوب من يديه على الطاولةٍ ثم وقف ليجيبه بلغةٍ صعيدية:
_كيفك يا عمي، يارب تكون بخير.
أتاه صوت “فهد” الحنون:
_بخير يا ولدي، انت اللي أخبارك أيه وحشنني أوي.
ابتسم وهو يجيبه:
_اني بخير والله، تسلم يا غالي.
انتظر دقيقة ثم قال:
_اني كلمتك عشان أقولك تتدلى البلد أخر السبوع الجاي أنت ووالدتك مع الشباب.
صعق “عبد الرحمن” مما استمع عليه، فبترت الكلمات على شفتيه ولم يجد ما يقوله، فاسترسل “فهد” حديثه قائلاً:
_متقلقش هبعتلك عربية إسعاف تجبها وهي إهنه جوه عيونا يا ولدي.
ابتسامة تسللت على وجهه رغم الدموع البارزة من عينيه، فقال:
_مش عارف أقولك أيه يا عمي ربنا ما يحرمني منيك.
رد عليه بحبٍ:
_متقولش حاجة وتنفذ اللي قولتلهولك وأنت ساكت فاهم.
اتسعت ابتسامته وهو يجيبه:
_فاهم يا كبير، في رعاية الله.
وأغلق الهاتف والسعادة تتراقص على وجهه، فرغم ما ارتكبته والدته من ذنبٍ فاضح الا أنه سامحها بنهاية الامر!
*******
صعدت “تسنيم” خلفه بخوفٍ ينبع بأوصالها رغماً عنها، كانت تلتفت خلفها وتقدم قدماً وتأخر الأخرى بارتباكٍ، شعر “آسر” بها، فوقف على الدرج ثم أخرج هاتفه لينتظر حتى أتاه الرد، فقال:
_”حور”، انا تحت إنزلي حالا.
وأغلق الهاتف ثم وقف مقابل “تسنيم” التي حمدت الله حينما وجدت رفيقتها تهبط الدرج، فعاد الدماء ليسري بعروقها، ما فعله كان من أسمى سمات الرجولة، رفضه لرؤية الخوف يتمكن منها فمنعها من اللعب على اعصابها من وضع إفتراضات مؤلمة فقطع تفكيرها حينما جعل “حور” تهبط بنفسها قبل صعودهما كان لاجل تلك الابتسامة والراحة التي سكنت معالم وجهها الرقيق، وبالرغم من خجلها الا أنها منحته نظرة شكر وإمتنان لتفهمه لخوفها الطبيعي، افاقت “تسنيم” من غفلتها على احتضان “حور” لها بسعادة حينما أخبرها آسر بما حدث، ققالت بفرحةٍ:
_والله ما مصدقة انك هتقضي الليلة معايا ده انا مش هسيبك تنامي أبداً هنرغي للصبح.
رد حازم انطلق منه:
_”حـور”!
تهدلت شفتيها بحزنٍ:
_خلاص هسيبك تنامي والصبح نرغي، مرضي كده يا كبيرنا.
ابتسم “آسر” ثم أشار لهما باستكمال الدرج من خلفه فوصلوا سوياً للطابق المنشود، وجدته “تسنيم” يتجه للشقة القابعة بالجانب الأيسر وحور بالجانب الأيمن، فالتفت ويا ليته لم يفعل، امسك بها تتطلع له فإحمر وجهها خجلاً لتسرع من خلف رفيقتها، ابتسم “آسر” ثم أشار لحور بصوتٍ ثابت يسكنه الحزم:
_إقفلي عليكم كويس.
أومأت له مرددة:
_حاضر والله حفظت التعليمات.
وبالفعل ولجت للداخل لتغلق الباب بالمفتاح جيداً، ثم استدارت لتجدها تتأمل الشقة بإعجابٍ شديد، فكان يغلبها الطابع الانثوي، انتبهت لصوت “حور” حينما قالت:
_تعالي ندخل أوضتي.
اتبعتها للداخل فأغلقت “حور” الباب من خلفهما ثم اتجهت للخزانة الكبيرة التي تشمل نصف الحائط، إختارت منامة من اللون البنك ثم أشارت لها على حمام الغرفة بحماسٍ:
_ادخلي غيري هدومك بسرررعة وتعالي عشان في حاجات كتيرة فايتاكِ باللي مطنشة مكالماتي من الصبح.
جذبت منها المنامة ثم قالت بسخطٍ:
_وأنا هروح منك ومن رغيك فين، أهو بالنهاية جيتلك برجلي.
دفعتها بقوةٍ تجاه الحمام وهي تردد بسخريةٍ:
_نصيب يا بنتي لان ربنا عالم بيا وبالأخبار المهمة عندي، خلصي بس.
تعالت ضحكات “تسنيم”، فأغلقت الباب من خلفها ثم أبدلت ثيابها وحينما خرجت وجدت”حور” ترص عدة أطباق على الطاولة الصغيرة المقابلة للشرفة، لتشير لها بيدها:
_يلا يا حلوة لقمة هنية من صنع أيديا.
جلست على الفراش بحرجٍ:
_أيه اللي أنتي جيباه ده يا حور، أنا مش جعانة على فكرة.
جذبتها للطاولة وهي تصيح بها بعبثٍ:
_أنتي ليه محسساني اني واحدة من الشارع ده إحنا عشرة عمر يا بت طول عمرنا بنقسمها سوا ولا نسيتي!
ابتسمت ثم انصاعت ليدها فجلست على الطاولة، لتبدأ بتناول طعامها بصحبتها، لتشرع “حور” بقص ما حدث اليوم على مسمعها، لتختمه بقولها المتحير:
_ومعرفش أيه اللي يخليه يحتفظ باللعب والتوك بتاعتي لحد الآن!
ثم استكملت حديثها بهيامٍ بذكريات الماضٍ:
_وإحنا صغيرين كان بيحب يضايقني اوي على عكس علاقته بروجينا فأكيد أخد اللعب دي عشان يضايقني برضه.
استمعت لها بحرصٍ، ثم قالت:
_لو كان عايز يضايقك كان كسرهم ورماهم مكنش احتفظ بيهم كل ده.
رفعت حاجبيها بإستغرابٍ:
_قصدك أيه؟
ردت عليها “تسنيم” بهدوءٍ:
_قصدي ان في فرق بين الصداقة والحب يا حور،الصديق عمره ما ببضايق صديقه وبيسعى لإسعاده بشتى الطرق، لكن لما العلاقة تتحول لعناد وصراعات بتبقى بوادر لعلاقة حب، فهمتي طبيعة علاقته بخطيبته أيه؟
لعقت شفتيها بارتباكٍ، وقد تسنى لها فهم ما ودت إخبارها به تسنيم فبمجرد تخيلها أن أحمد يكن لها حب خفي ارتبكت مشاعرها فباتت كالعارية أمام رفيقتها، خشيت أن تستكشف مشاعرها هي الأخرى فقالت بتوترٍ:
_فكك من الحوار ده وقوليلي عاملة أيه في الشغل مع كبيرنا.
تشتت للغاية فأبعدت خصلات شعرها البني عن عينيها وهي تجيبها بخفوتٍ:
_ولا حاجة، انتي عارفة أن ده أول يوم ليا وكده، وأدكي شوفتي من أولها مصيبة الاسانسير والسكن.
ضحكت “حور” وهي تشير لها على الفراش:
_ده رزقي عشان تونسيني النهاردة.
تمددت “تسنيم” جوارها، ثم استمعت لثرثرتها التي لم توقف الا حينما ادعت النوم، فأغلقت “حور” الضوء وخلدت هي الأخرى للنوم، فحينما تأكدت الأخرى من نومها فتحت عينيها لتصفن به، مديرها الغامض الذي أصبح يسيطر على حيز كبير من تفكيرها!
**********
ساعات مطولة قضاها بالقيادة وهو يحاول التغاضي عما حدث معه من تلك الفتاة الوقحة، وبالنهاية اهتدت سيارة “يحيى” أمام العمارة، فصفها وصعد لشقته، كانت الساعة وقت إذن الثانية صباحاً وبالرغم من ذلك مازال يلتمس عتمة الليل القابعة بداخله، دث مفتحه بباب الشقة ومن ثم صعد لغرفته فألقى جاكيته على الأرض ثم جلس على حافة الفراش بإهمالٍ، يحتضن وجهه بذراعيه والآلآم تسيطر على جسده باكمله وخاصة موضع قلبه، فُتح باب الغرفة من أمامه، لتدلف “ماسة” وهي تحمل لعبتها بين يديه، فاقتربت لتجلس جوارها وبسمتها تشرق وجهها الرقيق، تعلقت عينيه بها لثوانٍ طالت لدقائق لم يمل منها، تمنى لو تعود لحالتها الطبيعية لساعة واحدة يشكو لها ألم قلبه الذي يلتاع شوقاً لها، كان بحالةٍ مذرية وكأنه جريح ينزف جرحه دون توقف، رفع يديه ليلامس وجنتها الحمراء ليهمس بصوتٍ مختنق:
_وحشتيني أوي يا “ماسة”.
اتسعت ابتسامتها، لتجيبه بعفويةٍ:
_وأنت كمان.
خانته كلماتها فكأنما تناسى حالتها بتلك اللحظة، تحررت رغباته المكبوتة، فاقترب منها ثم سمح لنفسه بكسر حاجز وضعه الأطباء من أمامه من قبل، انجرف خلف مشاعره ورغبته بها، فتناسى كل شيء، حتى صوتها الصارخ وجسدها المرتجف، دميتها التي سقطت من يدها لتلامس الأرض، لم يرى شيئاً أمامه سوى معشوقته تطالبه بالإقتراب، لم يفق من غفلته التي طالت به، فلم يشعر بأنه يحطم ما حققه من نجاح بالتعامل مع حالتها المرضية، وحينما أشرقت شمس اليوم التالي فتح عينيه على صدمة لم يكن ليضعها بقاموس تخيلاته!!..
**********
بالأسفل..
وقف “بدر” ينتظر “روجينا”،و”حور” ليتحرك بهما تجاه الباص الذي سيقودهما للرحلة التي ستسطر قدر كلاً منهما، فتفاجئ بها تقف من أمامه جوار “روجينا”، احتدت نظراته تجاهها، فجذب” روجينا” بعيداً ثم صاح بانفعالٍ:
_ممكن تفهميني أيه اللي بيحصل بالظبط مش قولتيلي ان حور اللي طالعة معاكي!
لم تفهم سبب تعصبه الشديد ولكنها أجابته بثباتٍ:
_ايوه كانت هتطلع معايا بس عندها امتحانات فمكنش قدامي غير “رؤى”، في حاجة ولا أيه؟
تحكم”بدر” بانفعالاته، ثم قال بصلابة:
_لا مفيش.
وأشار لها بغيظٍ:
_يلا نتحرك ولا هنقف هنا طول النهار..
استغربت من حالتها الغريبة ولكنها لم تعلق فأشارت بيدها لرؤى التي تفهمت ما يحدث معه ومع ذلك لحقت بهما، فلم يعد يشغلها أحداً باتت كالألة التي تتحرك دون أي شعور، فحتى قلبها لم تعد تستمع لآنينه!
********
فتح عينيه ببطءٍ شديد، ثم استند بجذعيه على الفراش ليجلس باستقامةٍ، فرك “يحيى” جبهته بألمٍ شديد، وكأنه لا يتذكر سبب ألم صداع رأسه او حتى كيف غفل بنومه عاري الصدر هكذا، لفت انتباهه العروس الملقاة أرضاً، فنهض عن الفراش ليحملها بين يديه بابتسامة تسللت لوجهه فحتما هي مختبئة بغرفته مثلما تفعل، رفع صوته وهو يبحث خلف الستائر وبخزانته:
_”ماسة” أنتي فين؟
لم يجدها فمرر يديه على خصلات شعره الطويل بحيرةٍ، فاهتدت عينيه لطرف الملاءة الذي يظهر من خلف حائط حمام غرفته، اقترب “يحيى” حتى ولج للداخل فتخشب محله من الصدمةٍ حينما رآها تجلس أرضاً، تضم ساقيها لصدرها وجسدها يرتجف بقوةٍ، نظراتها تجاهه قتلته وكأنها ترى مغتصبها من أمامها، يدها المرتعشة تلف الملاءة حول جسدها الذي يزحف للخلف برهبةٍ ورعب لم تشهده من قبل، لم تحمله قدميه أكثر من ذلك فجلس أرضاً وهو يتأمل حالتها التي بدأت بشرح ما حدث أمس، لتدور به ذكريات مما حدث فتجمدت أطرافه حينما رآها تنهمر بالبكاء وعينيها تحدجه بنظراتٍ هلع، وحينها لم يجد ما يفعله فكور يديه بقوةٍ ثم لكم البانيو المجاور له وهو يصرخ بشراسةٍ:
_أيه اللي عملته ده!!!! غبي.
حالة الهياج التي تمسكته الآن جعلتها تهابه أكثر وخاصة حينما انسدلت الدماء من يديه فلم تقوى على المحاربة أكثر من ذلك فسمحت لجسدها الهزيل بالترنح أرضاً!.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء))