رواية الحب أولا الفصل الرابع عشر 14 بقلم دهب عطية
رواية الحب أولا الجزء الرابع عشر
رواية الحب أولا البارت الرابع عشر
رواية الحب أولا الحلقة الرابعة عشر
بعد ان سمح له الطبيب بدخول لها….. دلف إليها وهو يكبح ضحكته على عكس المتوقع كان يجب ان يكون أكثر تأثراً وحزنا عليها خصوصاً بعد ان تعرضت
لكسر بسيط في كاحلها والذي التوى بالخطأ أثناء سيرها وعدم الانتباه للأرض المبللة اسفلها……..
زمت داليدا شفتيها وعقدت ساعديها امام صدرها وهي ترمقه شزراً…. بينما ساقيها ممدده للأمام وكاحلها الأيسر مجبراً……..
علق سلطان وهو يتخذ مقعداً جوار فراش
المشفى…
“من أعمالكم سلط عليكم……”
جزت داليدا على اسنانها وزادت سرعة تنفسها
تشنجٍ وهي تقول بتبرم…….
“هي دي الف سلامة بتاعتك……..”
لم يرد سلطان بل مد يده يلمس باصبعه هذا الملصق
الطبي أعلى جبهتها فاثناء الوقعه القوية اصيبت
في قدم المقعد جوارها مما سبب لها اغماء وجرح سطحي……..
“بتوجعك……”
زمت داليدا شفتيها حانقة بشدة……
“آه بتوجعني… على اساس انك حاسس اوي بيا وخايف عليا……..دا انت داخل بتضحك…..وكانك فرحان باللي حصلي… ”
لم يعقب سلطان بل ظل ينظر اليها طويلاً…نظرة
شاملة…….. ثاقبة……مربكة……..
لم ينكر انها شخصية تبحث دوماً عن الإهتمام والحب بنهم……ظمأنه هي وتريد منه ان يسقِ
هذا الجزء داخلها ؟!….
عليه ان يذكر ان الساعتين الماضيين كانوا الاصعب والاشد عليه…. عندما خرج من الغرفة على صوت صراخها بأسمه انتفض من على الفراش اليها في
سرعة قصوى وعندما وجدها ملقيه أرضا وراسها
تنزف قليلاً وقع قلبه من موضعه رعباً عليها….
حينها جلس على عقبيه جوارها أرضا محاولاً ان يفيقها….. وعندما بدات تستعيد وعيها… صرخت
من كاحلها متأوهتٍ بشدة……
فقال وقتها بخوف وهو يحاول تهدأت بكاؤها الهستيري والذي اشبه بشخصٍ لدغته حيه
لا يقف عن البكاء والصراخ…….
(فين طيب…. وريني بتوجعك فين……)
صرخت داليدا بقوة وهي تضرب يده حتى
لا يمسها….
(مشط رجلي……. شكلها اتكسرت……اتكسرت…) اصدرت صرخة قوية كـ(العرسة) تماماً مما جعله
يجفل ويضع اصبعه في اذنه يرجها بعد ان تأذت
من صرختها…..
فلم يفكر قليلاً وهو ينحني عليها ويحملها بين ذراعيه القويتين وهي مزالت تبكي وتولول…
وضعها على الفراش ودلف الى الغرفة الأخرى واخرج عباءة لها ووشاح رأس واتجه إليها….ثم اقترب منها
وسحب غطاء رأسها عن شعرها……
فقالت بحدقتين مليئتين بالدموع…..
(بتعمل إيه……)
رد سلطان بجدية شديد وقلبه في حالة وجل مما
اصابها……
(هغيرلك هدومك عشان نروح المستشفى……نشوف رجلك ونعمل اشاعه عليها…..)
كانت هيستريا جداً وهي ترفض باكية
كالاطفال…..
(تغيرلي لا……اغير لنفسي….تغيرلي لا…..)
أومأ براسه بنفسٍ سمحة…….
(طب اتفضلي يام لسانين…..غيري لنفسك….)
نظرت داليدا بعجز لوضعها الحالي وكاحلها المتورم
والوجع الناتج منه وجرح راسها كذلك لذا قالت
بقهرٍ وعجز…….
(انت عديم الإحساس…اغير إزاي وانا رجلي مكسوره
وراسي متعورة……انت مش بنادم…….)
أطبق سلطان على اسنانه بقلة صبر ….يكره دلال الإناث يكره المدللات وقد ابتلى بمن تشربت
وتغذت على الدلال من صغرها !……
(الصبر من عندك يارب……)
نظرت داليدا الى وجهه المكفهر واستغفاره
المستمر……فمسحت دموعها بظهر يدها وهي تقول
بحسرة كأمرأه تخطت الستون……
(مش مستحملني صح……تقيله انا على قلبك ماشي…..نطلع من المستشفى على بيت اهلي…..هما ياخدوا بالهم مني ويخدموني……ولا الحوجه ليك…..)
لم تلين ملامح سلطان بل أمرها بنظرة
متجهمة….
(داليدا ارفعي إيدك…….)
برمت شفتيها هازئة…..
(ليه هتذنبني في العمر ده…….)
التجأ الى الحوقلة والاستغفار عدت مرات وهو
يكرر أمره بفظاظة….
(ارفعي ايدك ياداليدا……..)
فعلت وقتها على مضض وهي تتألم بشدة من
وجع كاحلها وراسها….
فرفع سلطان عبائتها بخفة عن جسدها….. وظهر أمام عيناه المظلمة جسدها النحيل ذو البروز الاثنوية الفجة بالاغواء…… كانت ترتدي ثوبٍ داخلي من
اللون الفستقِ الفاتح يغطى بطبقة اخرى من
التل….
بلع سلطان ريقه وهو يغض بصره عنها بصعوبة….بينما جسده اشتعل باحتياجات رجلاً
أعزب لم يمسس يوماً أمرأه !!…..
أحمر وجه داليدا حتى أصبح اشبه بثمرة طماطم ناضجة وهي تتنحنح بارتباك حتى يجلب شيء
تستر به جسدها…..
وفي سرعة بديهية وسط مشاعر ملحه وافكار شيطانية غير شريفة أبداً البسها عباءة الخروج
ووضع الوشاح على راسها بعشوائية…..ثم حملها
للأسفل……
وقتها انتبها لهذا الوضع والديه والذان لحقوا به على المشفى سريعاً……..
“حسى ان رجلي منمله……..”
فاق من شروده على صوتها المتألم….فاعطاها كامل
تركيزة قائلاً بحنو……
“يمكن من المسكن………”
هزت داليدا راسها بتساؤل وهي تدور بحدقتاه في
الغرفة باختناق….
“سلطان احنا هنخرج امتى من هنا…..انا بكره قاعده المستشفيات…. ”
تمتم سلطان وهو يسحب نفساً عميقاً
حاداً اوشك على ان يقتلع أزرار قميصه…..
“ربنا يبعدنا عنها……. شويه وخرجين……”
دلف والديه للغرفة وأول من صاح بلهفة كانت
حنان والدته التي اقتربت من فراش داليدا
تمسد على كتفها…
“داليدا….الف سلامة عليكي ياحبيبتي…..خضتيني
عليكي….. ”
ابتسمت داليدا بمحبة
مجيبة….
“الله يسلمك يامرات عمي…سلمتك من الخضه.. ”
ربتت على كتفها حنان ودمعت عيناها….فقال عمها
عبد القادر بحنية…..
“الف سلامة عليكي يابنتي….مش تاخدي بالك…”
ردت داليدا بهدوء……
“الله يسلمك ياعمي…… اهو اللي حصل…
..الحمدلله…. ”
وجه عبد القادر الحديث لابنه…..
“اي ياسلطان……الدكتور قالك هتخرج إمتى……”
هز سلطان راسه مجيباً على والده
بأحترام….
“اه شويه وهنمشي……هستناه بس يبص عليها
ويكتبلها العلاج اللي هتاخده…….”
…………………………………………………………….
عندما وصلا للبيت فجراً رفض سلطان مبيات امه الليلة معها بل أصر ان يساعدها هو بنفسه متكفلا
بخدمتها……
وحينما كثر الجدال بينهما وازداد تشدد ابنها على رأيه….وافقت على مضض واعده داليدا بأنها
ستحضر عند شروق الشمس لتكن بجوارها…..
ولم تكتفي امه بذلك بل بعد ان ساعدت داليدا على تبديل ملابسها…… احضرت أيضاً لهم وجبة عشاء
بها حساء دافئ خاص بـداليدا ……..
كانت بمفردها جالسة ممدده الساقين على فراش غرفة نومهما التي لم يتشاركا النوم بها سوياً منذ زواجهما……..
كانت تتأمل الحوائط السقف الاثاث البساط
بعينين شاردتين في مكانا آخر………
حتى صدح هاتفها معلناً عن اتصالا……..عندما مسكت
الهاتف وقرأت الإسم شملة الإبتسامة وجهها
المجهد…..ففتحت الخط سريعاً تهتف بلوعة
وعينيها تترقرق بالدموع……..
“ماما…..أخيراً سمعت صوتك……”
اتى صوت سُهير خافضاً حريصاً وهي تقول
بشجن…
(عامله اي ياداليدا….مرات عمك قالتلي انك وقعتي
على رجلك……طمنيني ياضنايا انتي كويسه…..)
مسحت داليدا دموعها وهي تخبرها بصوتٍ
مبحوح……
“لسه رجعه ياماما من المستشفى…كسر بسيط في مشط رجلي وجبسوه……هو انتي لي مجتيش……”
ساد الصمت متوتراً على الناحية الأخرى….
مما جعل داليدا تسبل اهدابها بكسرة نفس وهي تقول بيقين تتوارى خلفه حقيقة كالسياط تهبط
على قلبها…..
“بابا مرضاش….منعك….زي ما علطول بيعمل من ساعة ما جوزني لسلطان…..مش كده……”
بلعت سهير غصة مختنقة وهي تفهم ابنتها
برفق رغم بشاعة فعلتها……
(ابوكي مش وحش ياداليدا….بس اللي عملتيه
كسره قدام نفسه وقدام ابن أخوه اللي بقا
جوزك دلوقتي…..)
لم ترد داليدا ابتسمت بارهاق مضنٍ عندما اضافت
امها بتقريع قاسٍ مزدري…….
(عيزانا إزاي نجيلك ونزورك ونرفع عينا في عينيه بعد اللي حصل…….كتر خيره ان ستر عليكي…بعد
ما جابك من شقة واحد………)
اكدت داليدا بنبرة ساخرة مهتزة…..
“عندك حق كتر خيره فعلاً…….سترني……”
شعرت سهير بسوء نحو ابنتها فقالت
بتقهقر…..(يابنتي افهميني…….)
صاحت داليدا بعنفٍ و عينين حمراوين يمتزج
بهم الكثير من الألم….. والحزن والكرة عاصفاً……
“افهم إيه…انكم رمتوني هنا مفيش حد فيكم بيسأل
عليا……محدش بيرفع سماعة التلفون يطمن عليا…
وكاني موت بنسبالكم…….الفرق بس بدل ما تدفنوني
جوزتوني……..”
هاجت امها عليها بالكلمات القاسية……
(واحنا عملنا كده ليه…مش انتي السبب…مش انتي اللي خليتي عنينا وراسنا في الأرض قدام اللي
يسوى ولي ميسواش…..)
ثم تبرمت سهير مضيفة بتكبد……
(الله أعلم….جوزك قال لمين على عملتك السودة…)
ضاقت عينا داليدا بخوفاً وسريعاً
قالت…….
“مقالش لحد…….عشان دي حاجة متتقلش….”
تكاد تقسم ان امها ابتسمت بسخرية مريرة وهي
تعنفها……..
(كويس انك عارفه انها فضيحة……فضيحة وسترها
لحد دلوقتي كرم كبير من ربنا…….)
صمتت داليدا شاعره بمخالب حادة تنهش في
صدرها…..فقالت بصوتٍ حزين منهزم….يروي
شوق طفله لأحضان امها وتدليلها الزائد عندما
كانت تمرض….
“يعني مش هتيجي تشوفيني…..هتسبيني كده لوحدي……..”
قالت سهير بعد صمتاً بقلة حيلة…..
(هكلم ابوكي تاني واتحايل عليه لـو و…..)
قاطعتها داليدا صارخة فجأه بغضب
هائل…..
“يبقا مش هتيجي….. مش هتيجي…..اسمعي اعتبريني موووت بجد…. مش عايزاكي تكلميني
تاني……ولا حد من اخواتي يكلمني….. سامعه…
اعتبروني مت……. مت…….مت…. ”
اغلقت الهاتف في وجهها ثم القته بعصبية وهي
تدخل في نوبة بكاء مريرة…….بينما لسانها يعجل
بالموت داعياً……….
كان واقفاً امام الباب المتواري قليلاً يتابع ما يحدث
بعينين مظلمة…..انهيارها….شوقها….انهزمها…وأخيراً
عجزها………
عجز أصابه في مقتله…..فكم يكرهها ويكره نفسه
ويكره كل شيء اوصلهما لهنا…..
رغم انها تدفع فاتورة اخطاءها إلا انه تمنى في تلك اللحظة ان يُسددها عنها ولا تحزن أبداً !….
فعندما تحزن تحترق احشائه ويشعر بوخزة بالقرب من قلبه…….وخزة لا تهدأ إلا عندما ينقشع الحزن
من عينيها وقلبها…..عندها تعود لعهدها شقية
مُحتالة تسلب القلوب بضحكةٍ رنانة….
زفر بنفسٍ مهمومة وهو يفتح باب الغرفة اكثر ويدلف اليها بصنية الطعام التي احضرته أمه…….
عندما راته داليدا مسحت دموعها سريعاً وقالت
بصوتٍ مبحوح……
“اي الأكل ده….انا مش جعانه…….”
رد بهدوء مقترباً منها….
“لازم تاكلي عشان تاخدي علاجك…….دي شوربة خضار…. حاجة خفيفة…….”
اومات براسها بصمتٍ باهت المعاني…….فجلس جوارها على حافة الفراش ورفع الطبق إليها
قائلاً…..
“خدي كُلي………”
اخذت الطبق بهدوء ورفعت معلقة واحده على فمها
وظلت تمضغها لدقائق بعينين غائرتين بعيدتين عنه…….
فزفر مجدداً وهو ياخذ الطبق منها وينوي
اطعامها…فقالت معترضة….
“انا هاكل لوحدي ياسلطان…….”
لم يهتم سلطان بهذا الاعتراض الاهوج….بل قرب منها معلقة من الحساء وهو يسايرها قائلاً…..
“فاكره يا دودا وانتي صغيرة لما كنتي عايزة تطلعي رحلة تبع المدرسة في الأقصر والكل مرضاش خوف عليكي…..فاكرة انتي عملتي اي يومها…….”
اكلت من يده قائلة بحرج…… “هربت……”
سالها بعينين هادئتين…… “روحتي فين……”
ابتسمت بحرج مجيبة بخفوت….
“انت فاكر……عندكم فوق السطح في عشة البط…….استخبيت…”
مد لها معلقة اخرى من الحساء مندمج في تلك الذكرى الراسخة في أذهان الجميع…..
“تعرفي ان احنا لفينا اسكندريه شرقها وغربها..في سبع ساعات اللي غبتيهم……….”
ابتسمت بسعادة لكونها من صغرها محور اهتمام وحب لدى الجميع….تابع سلطان وهو يعطيها
معلقة أخرى………
“دورنا في كل حته……وسالنا قرايبنا.. وجيران
قرايبنا وصحابك واهل صحابك…لدرجة ان احنا شكينا انك تكوني روحتي الرحلة فعلاً من ورانا….”
ضحكت داليدا فجأه والحزن يزول بتدريج
وبريق الشقاوة بد بالظهور……..فهز سلطان راسه
مبتسماً بقنوط…….
“بتضحكي……مبسوطه بعميلك السوده….طول
عمرك منشفه ريقنا…….”
استلمت داليدا دفة الحوار بشقاوة
تذكره….
“يومها انت اللي لاقتني…..فاكر…….”
اعطاها معلقة أخرى وهو يقول بلؤم….
“فاكر……..كنت يأست اني الاقيكي…يومها طلعت اشرب سجارة فوق السطح في الخباثة من غير ما ابويا يقطع عليا……..”
فضاقت عيناه وهو يقول…….
“ساعتها طلعتي ليا من تحت الأرض تقوليلي اي بقا…….”
حرك سلطان اصبع التحذير مثلما فعلت وقتها مقلد صوتها وفي نفس الوقت لفظت هي الجملة معه بصوتها الرنان………..
“هقول لأبوك انك بتشرب سجاير…….”
انفجرت داليدا ضاحكة وكذلك فعل سلطان…..فمدت
لهُ كف يدها كنوع من المصافحة الودودة عند إلقاء
دُعابة او رؤية موقف طريف….وهذه لم تكون أول
مرة فقد فعلتها سابقاً وهما يشاهدان التلفاز….
فبادلها هذا المصافحة دون ان يندهش بل كان سعيد برؤية ضحكتها اخيراً…….
فتابعت داليدا والابتسامة تزين ثغرها…..
“يومها برقت بعنيك جامد لدرجة اني خوفت منك
لقيتك بعدها بترمي السجارة من إيدك وبتخدني
في حضنك……..”
أكد سلطان مبتسماً بشقاوة وهو يضيف……
“بعدها روحتك علطول….قبل ما ابوكي يروح القسم
زي ماقال لابويا…….”
لمعة عيناها قليلاً و الابتسامة تتوارى
امام عيناه……واردفت بشجن….
“يومها ضربني بالقلم…..وبعدين خدني في حضنه……وعيط…ساعتها حلفت اني مش
ههرب تاني وزعله……..”
قال بصوتٍ معاتباً……. “بس هربتي…….”
هزت راسها مؤكده بندم طفيف…….
“ساعتها نسيت يميني…….ونسيت اني كبرت على الهروب……..”
لم يعقب سلطان بل ظل ينظر اليها طويلاً بملامح رصينة وعينين راسخة المعاني ، بها ألف سؤال
صريح كل إجابة عنه تثبت أدانةٍ لا تغتفر ، اصاب
هذا الجو المتوتر رجفة في اوصالها……مما جعلها تهرب من محور عيناه الثاقبة………..
“انا شبعت……”
نهض من مكانه وهو يحمل الصنية
بعيداً….
“يبقا ناخد علاجنا ونام…….”
قالت داليدا بحرج……
“ينفع تساعدني أروح اوضتي…..”
رد بنفي…….”مش هينفع…….”
عقدت حاجبها…… “ليه بقا……”
اخبرها بخشونة وهو يهيئ الفراش للنوم
عليه…..
“لازم تباتي اليومين دول في اوضة النوم عشان محدش يشك في حاجة….امي هتطلع بكرة…..
واميرة اكيد هتيجي هي وجنة يبصوا عليكي
وعمتك وجيدة كلمتني وجايه بكرة هي
وهدى بنتها ……”
مطت داليدا شفتيها بقرف بينما قلبها انقبض فجأه على سيرة العمة….. “عمتك وبنتها……..ياساتر……”
حذرها سلطان بنظرةٍ جادة…..
“داليدا….احترام الكبير واجب وانتي مش صغيره عشان اعرفك بده……والضيف اللي يجي هنا لازم ياخد وجبه…. وزيادة كمان…… ”
تاففت وهي تغتصب الإبتسامة ممتعضة….
“تمام لم تيجي هقوم معاها بالواجب أطمن…..خلينا في المهم دلوقتي انت بقا هتنام في اوضتي……”
هز راسه بنفياً وهو يشاركها الفراش لأول
مرة………..
“هنام هنا جمبك عشان لو احتاجتي حاجة…..”
ارتبكت داليدا وتلعثمت الأحرف على
لسانها… “بس ياسلطان…….”
استلقى سلطان على ظهره جوارها بعد ان تناولت
من يده قرصٍ من العلاج المتبقي…….
“بلاش بسبسه السرير كبير….ولو ناوي اعمل حاجة هقولك انا مش هتكسف يعني……..”
ثم تثاءب قائلاً بتعب من تبعاب تلك الليلة المليئة بالاحداث المضنية…….
“بس انا تعبان وعايز انام……….”
ارتاحت هي ايضاً جواره قائلة
بتعب….
“وانا كمان…….تعبانه اوي ودماغي تقيله……”
سحبها برفقا لاحضانه وجعل راسها ترتاح على
صدره القوي النابض بشدة بقربها……
اما هي ارتجف قلبها بشدة وانهارت اعصابها بعد
هذا العناق الدافئ فهمست بخجلاً…..وقلبها
وجسدها في حالة ذوبان لذيذ بين ذراعيه….
“سلطان…….”
“هششش نامي…..”قالها بصوتٍ ناعساً ثم طبع
قبله على جبينها…….وبعدها سند خده على راسها
مستنشقاً بأنفه عبق الورد الجوري المنكه برائحة
جسدها المميزة………
فاستكانت راضية في احضانه….. وكانها
وجدت ملاذها اخيراً !…..
ام هو فظل يداعب شعرها باصابعه بحنان بحركة
أبوية جميلة جعلتها ترتاح وتغفو سريعاً….
وهو جفاه النوم وعقله يعيد عليه احداث الليله
بمقتطافات متباعده حتى رسخ في عقله الطاقم الفستقِ الفاتح الملتف حلو جسد انثوي مغوي بالحسن والدلال يفتن قديس…. فأبتسم وهو
يغمض عيناه على تلك الذكرى عالمٍ انه سيحلم بما هو عاجز عن تحقيقه على أرض الواقع !…..
……………………………………………………………..
فتحت عينيها منزعجة بعد سماع جرس الباب مما
جعلها تتمايل قليلاً حتى شعرت بكاحلها ثقيل ويؤلمها بشدة……
فانعقد حاجباها بوجع وهي تتصلب مكانها مستلقيه
على ظهرها بتعب……
سمعت من بعيد أصوات متداخلها من ضمنهم صوت سلطان المرحب بحفاوة …….
ففتحت عينيها ببطء تنظر لسقف الغرفة للحظات متذكرة نومهما سوياً على فراش واحد متعانقاً كالعشاق…..
توردت وجنتاها وخفق قلبها بحرارة فقد نامت بعمق وراحة في احضانه.. وذراعيه كانت تحتويها بدفءٍ يمشط شعرها باصابعه بحنية أب فشعرت وقتها
بانها ابنة وليست زوجة…..
دلف سلطان لداخل الغرفة واغلق الباب خلفه… ناظرا
اليها وهو يقترب منها…..
“كويس انك صحيتي…كنت لسه داخل اصحيكي…”
جلس على حافة الفراش وتلقائياً مالى عليها يقبل وجنتها… اتساعت عينا داليدا وهي تحاول تذكر
ما حدث لليلة أمس ليكن بكل هذه الاريحية
معها !…..
بلعت ريقها متوجسة وهي تنظر اليه بتساؤل…
“هو مين برا……”
اجابها وهو يقف أمامها مشرف عليها بجسده
الضخم وطوله الفارع……كان يرتدي طاقم بيتي
جميل يليق به……رمشت بعينيها عدت مرات وهي تسمعه يقول…….
“عمتك وبنتها…….. يلا عشان تدخلي الحمام تغسلي وشك وتطلعي تسلمي عليهم……”
وشى وجهها توترها وخجلها وهي
تسأله بعجز…. “مامتك مجتش……”
اخبرها برفق…..
“طالعه وراهم…… بتسالي ليه…….”
بلعت ريقها متلعثمه….. “عشان….. عشان…..”
قاطعها بهدوء…. “انا هساعدك…….”
أسبلت داليدا اهدابها شاعره بلسعة حارقة في
عينيها فلو كانت امها معها ما كانت احتاجت لأحد ؟!…خفف سلطان عنها الحرج قائلاً برفق
“مكسوفه من ايه…. انا جوزك ياهبلة… تعالي….”
نهضت معهُ بحرصٍ فعانق خصرها بذراعه يدعمها وجعلها تستند عليه كيفما تشاء……فسارت بعدها
معه ببطء شديد واثناء طريقهما للحمام سألته
بخفوت…..
“هو انت صحيت امتى…….”
رد سلطان بهدوء… “من ساعة……”
نظرة لعيناه قائلة بحياء…..
“وليه سبتني نايمه……. كنت صحيني…..”
رد بخشونةٍ…..
“تصحي تعملي إيه…. احنا نايمين إمتى……”
بللت شفتيها سائلة…… “هي الساعة كام؟……”
أجاب بهدوء… “حداشر…..”
برمت شفتيها متزمرة….
“وهما جايين بدري كده ليه…….”
ادخلها سلطان الحمام قائلاً بجزع……
“اطلعي اساليهم……..لو احتجتي حاجه نادي عليا….
هصب حاجة ساقعه ليهم وجيلك علطول ……. ”
تركها في الحمام حتى تقضي حاجتها دون
حرج……
ثم اتجه الى الضيوف بعد ان احضر لهم العصائر المرطبه…….وضع الصنية امامهما….
فقالت العمة وجيدة بتبرم…….
“تاعب نفسك ليه ياحبيبي….هو احنا غُرب…..”
كانت وجيدة أمرأه مكتنزة الجسد قصيرة القامة
ترتدي عباءة فضفاضة وحجاب كانت عينيها
قوية النظرات ومعاملتها صارمة وجافة
فتعامل معها صعباً جداً لسوء طباعها…..
ثم سألت بلؤم……
“الا داليدا فين يا سلطان…هي لسه نايمة ولا إيه…..”
اتخذ سلطان مقعداً جوارها……
“لا صحيت ياعمتي….هي في الحمام بس……..”
تطوعت (هدى) برد وكانت شابة في عمر الثلاثون
ولم يسبق لها الزواج….كانت ملامحها جميلة على نحو يميزها …..لكنها كانت سلبية فيما يخص
قرارتها المصيريه فكانت تتولى امها عنها ذلك !…
“لوحدها…….. تحب اقوم اساعدها……”
رفض سلطان بإبتسامة متحفظه…..
“لا لا يا هدى….انتي عارفه داليدا بتتحرج انا شويه وهدخلها……”
ثم وزع نظراته عليهن بالتساوي مرحباً…..
“وعاملة اي ياعمتي…..واي اخبارك ياهدى……”
هزت هدى راسها مبتسمة
“الحمدلله…..بخير……”
مصمصت وجيدة بشفتيها متحسرة باسلوب
مبطن المعاني……
“اخبارها لا تسر عدوا ولا حبيب….عيني عليكي يابنتي حظك في الدنيا قليل……اللي قدك ولي
أصغر منك اتجوزا……إلا انتي………”
أحمر وجه هدى بحرج بالغ
امام سلطان…..فقالت…
“يا ماما………دا نصيب……..”
تحسس سلطان ركبته وهو يقول دون
مواربة…..
“كل شيء بأوانه ياعمتي……بلاش تستعجلي…..
وبلاش الزيارات والاعمال اللي بتعمليها دي عند الدجالين….دا شرك بالله وانتي حجه بيت الله… ”
اتسعت عينا وجيدة ورفعت يداها تبرأ
نفسها….
“حد الله بيني وبين الاعمال…..انا بروح عشان افك نحس بنتي……ولاد الحرام كتير…وكذا شيخ قالي
ان بنتي معمولها عمل……..ولي عمله حد قريب مني
ومش بيحبني……..”
ابتسم سلطان باستياء وهو يجاريها في
الحديث……
“ومين بقا اللي عمله……”
قالت وجيدة بهمساً…..
“قالي أول حرف من اسمها سين……”
قالت هدى لأمها بحرج ……
“ياماما حرام عليكي…..بلاش تظلمي حد…”
لكزتها وجيدة بقسوة وهي تصرح بغل……
“اسكتي يابت…. طيبة قلبك دي هي اللي مخلياكي قعده جمبي…….شوفي بنتها عملت إيه عشان
تجوز سلطان………”
لم يعقب سلطان على حديثها احتراماً
وتقدير لوالده…….لذا قال بصبرٍ……
“عمتي……اشرب العصير واهدي…….”
نظرت اليه وجيدة بمسكنة قائلة بلوعة….
“انت مش مصدقني صح….طب والله قالي أول حرف
من اسمها سين…….ومين في عيلتنا أول حرف من اسمه سين غيرها……..”
نهض سلطان من مكانه يغلق هذا الموضوع
قائلاً بتحذير……..
“اشربي عصيرك ياعمتي….هروح ابص على داليدا……وبلاش الكلام ده قدامها عشان
متزعلش منك…… ”
عندما ابتعد سلطان عن مرمى اعينهم….عاتبتها
هدى بصوتٍ حزين يئن بالوجع والمهانة….
“ياماما اي اللي انتي بتقولي ده…. حرام عليكي
هو كل مرة تحرجيني كده….. قدام اي حد تقعدي تجيبي سيرة الجواز والزفت……الكلام ده بيوجعني……..”
لم ترحمها وجيدة بل قالت بحدة…..
“لازم يوجعك وصلتي لسن التلاتين وكل خطوبة
تتفشكل ومتكملش شهر حتى…..بصي وشوفي
عيله أصغر منك بعشر سنين عرفت توقع ابن
خالك على بوزه……ياما قولتلك ادردحي..
مفيش فايدة……..”
شعرت هدى بالكره والحقد نحو داليدا وكل فتاة تصغرها سناً ويسبق لها الزواج قبلها….فقالت بضجر…..
“عشان هو مش شايفني أصلاً…احنا طول عمرنا اخوات وانتوا ربتونا على كده……..”
زمجرة بها والدتها ساخطه…….
“ادي الحجج الفارغه مالسهونة اللي جوا دي…كانت بتقعد على حجره وهي صغيرة يأكلها…..واهي بقت مراته… مين يصدق…..لئيمه زي امها… ”
لوت هدى شفتيها بأسى مصرحة…….
“سلطان بيحب داليدا من زمان ومتعلق بيها….وكلنا
كنا واخدين بالنا من بصاته ونظراته واهتمامه…بذات
في خطوبته الأخيرة……..”
حركت وجيدة حاجبها الرفيع للأعلى قائلة
بحقد أسود………
“هو انا انسى….اكيد امها عملتله عمل عشان يسيب خطبته ويتجوز بنتها…..اه منك ياسهير….. مرا
قادرة بصحيح……ماهي وقعت اخويا بنفس الطريقة…… ”
هزت هدى راسها باستياء…….وداخلها تتمنى ان تتزوج وترتاح من كابوس امها وكلامها المحقن بالسموم….
كلاما جعلها تفقد ثقتها في نفسها نهائياً….وتكره
كذلك بنات عائلتها واصدقائها وتحقد على
الجميع مثل أمها ؟!….
………………………………………………………………
طرق سلطان على باب الحمام ثم دلف بعد ان سمحت له داليدا…والتي كانت تقف امام حوض الاغتسال في محاولة لغسل وجهها……
“خلصتي يا دودا……”
زمت شفتيها قائلة بملل…..
“هغسل وشي ولم شعري وطلع……”
احتوى خصرها بذراعه يسندها عليه وباليد الأخرى فتح الصنبور متطوعٍ بصوتٍ حاني……اصاب رجفة
في أوصالها……
“خليني اساعدك……..”
اغمضت داليدا عينيها باستسلام وجسدها ذأب
بين يداه… فغسل وجهها برفق وبحنان بالغ….
كما انها فرشة اسنانها بمساعدته وسط تعليقات طريفةٍ منه….ثم بدا يجفف وجهها…..وساعدها في تمشيط شعرها ثم أحضر لها عباءة إستقبال أنيقة تخرج بها للضيوف………
كان المشهد يوحي بأبٍ يجهز ابنته حتى تلحق بحافلة المدرسة…….كان مشهد دافئ معبر لمس
قلبها من شدة استشعرها به مما جعل الدموع
تتجمع في حدقتاها دون ان تعرف السبب
خلفها…..
شيءٍ دفعها للتأثر ربما لانها وحيدة ولم تاتي والدتها إليها….وتركتها هكذا شبه عاجزة تحتاج للمساعدة..
مما دفعها للبكاء بعد إهتمام سلطان بها وحنانه
الأكثر من المعتاد عليها………
“ليه بتعيطي…….رجلك وجعاكي…….”
سؤال سلطان سحبها من هوة الظلام المحيط
بها فنظرت اليه بعينين مندية بماء الدموع….
فعقد سلطان حاجباه سائلاً مجدداً وهو ينظر
للعباءة الجميلة الانيقة عليها و التي ارتدتها
فوق المنامة…..
“العباية مش عجباكي……..اجبلك حاجة تانية…”
هزت داليدا راسها بنفي بملامح متشبعه
بالحزن…….
فمد سلطان يده يمسح وجنتيها من الدموع
والحزن فبعد رؤية دموعها وكسرة النفس في
عينيها ها هو يشعر بوخزة في قلبه عائده لتؤلمه
بعد رؤية الأميرة المدلله تبكي…
همس وهو يقرب راسه منها قليلاً….
“طب مالك…….بتعيطي لي يا داليدا…….”
لم يتوقع ان تلقي نفسها في احضانه وتنفجر
في البكاء……حينها أغمض عيناه ببطء متأثراً
بقربها شاعراً بنشوة غريبة عند ملامست جسدها الناعم من جديد…فرفع يده ومسد على شعرها وكتفها مواسياً بكلمات متقطعة لم يجد غيرها الان…….
“اهدي ياداليدا…..بس… هششش….انا جمبك اهدي……. بطلي عياط…..عشان خاطري… ”
خرجت من احضانه تمسح دموعها……فقال سلطان
برفق في محاولة للسيطرة على نفسه معها……
“كفاية عياط…..اغسلي وشك تاني……ويلا بينا…
لحسان عمتك قاعده من بدري…….”
اومات براسها وسندت عليه وهي تخرج من الحمام……..محاولة التحلي بالصبر والهدوء خلال
الساعات القادمة والتي ستقضيها بصحبة عمتها
وابنتها حتى يرحلا…….
فالاحاديث مع العمة وجيدة تنقسم لجهتين….
اما ان تتحسر على حال ابنتها وعدم زواجها حتى الآن وان أصغر منها انجبوا أولاد في الثانوية !….
او التحدث عن الاعمال والدجل وهذه الخزعبلات الخرافية منهية الحوار بالتلقيح على والدتها بكلام خبيث مبطن…..
فهي تكرهها…..ومن يكره أمها تكرهه مهما كانت مكانته في العائلة……..
رحبت بهم داليدا التي دخلت مستندة على
ذراع سلطان…….
“أهلا ياعمتي…. عامله إيه…….”
وقفت وجيدة تبادلها السلام بجفاء
ملموس…..
“الف سلامة عليكي يابنت اخويا… ارتاحي…..ارتاحي…. ”
ساعدها سلطان على الجلوس على الاريكة وهو جوارها….فاقتربت منها هدى تسلم عليها……
“الف سلامة عليكي ياداليدا…….”
ردت داليدا بهدوء…… “الله يسلمك ياهدى……”
نظرة وجيدة لكاحلها المجبر……مستفسرة….
“وزي تقعي كده….مش تاخدي بالك……”
اجابة داليدا مقتضبة…… “نصيب…..”
اكتفت وجيدة بايماءة خبيثة…وهي تستفسر
بلؤم…….
“اه نصيب….وامك مجتش ليه….هي مش واجب تيجي تقعد معاكي اليومين دول وتخدمك لحد ما تفكي الجبس…….”
قالت داليدا بغصة مختنقة…..
“ماما تعبانه شوية……الضغط عالي عليها…. ”
ادعت وجيدة التأثر بحرفية…..
“لا لا الف سلامة……. على كده لازم ازورها……”
ثم تمعنت في النظر اليها بتطفل من أول رأسها
حتى اخمص قدميها وعلقت بحقد…..
“هو انتي وقعتي على رقبتك كمان….”
“لا ليه……”لمست داليدا تجويف عنقها مشدوهة
وهي ترفع عيناها على سلطان الذي بدوره
أبتسم بعبث وغرور بعد رؤية تلك البقعة الحمراء
اثار عضة أمس…….
فقالت وجيدة بتطفل…….”اصلها محمرة……”
أحمر وجه داليدا بخجل وقالت….
“اه……. اكيد حساسية……..”
أبتسم سلطان بانتشاء وهو يراقب خجلها
الذيذ…
بينما مصمصت وجيدة
بشفتيها….
“ممم حساسية……طيب…. ”
قال سلطان مرحباً بخشونة….
“منورانا ياعمتي…….”
ابتسمت وجيدة وهي تربت على ركبته….
“بنورك ياحبيبي…”
ثم وجهت الحديث الى داليدا….
“لو أمك مش هتيجي تخدمك…. اخلي معاكي هدى بنتي تاخد بأيدك…….”
صمتت داليدا وهي تنظر لسلطان بحزن…فهز سلطان
راسه وعيناه تراضيها…
ثم عاد لعمته قائلاً بهدوء…
“كتر خيرك ياعمتي عرفين اللي عندك…بس انا معاها
وامي موجوده….. واميرة وجنة كمان زمانهم على وصول….”
شعرت وجيدة بأنه صفعها بأدب فأغتصبت
البسمة قائلة…….
“اه ومالوا…..ربنا يديم المحبة بينكم…”
ثم نظرة الى ابنتها الجالسة جانبا في
مقعدها….فغمغمت سراً بغل……
“ويعوض عليكي يابنتي……..”
……………………………………………………………..
هذا المشهد مطابقا لمشهد قديم عاشته يوماً…
مشهد كانت به الأبواب مغلقة امام عينيها تقف كما هي الان في ممر المشفى الممتد تستند الى الحائط براسها فتنظر بعينين ساكنتين بالحزن فارغتين من الحياة……
كان هذا المشهد القديم يحمل صوت بكاؤها نحيب يكاد يقطع انياط قلبها…..وقتها خرج الطبيب
يخبرها بان والدتها توفت…..
كان الخبر كالصاعقة التي ضربتها فأطاحتها أرضٍ
في أشد واظلم بقعة منزوية في الأرض….وقتها
كانت اضعف من ان تقاوم تلك الصدمة……لذا انفردت بنفسها ونعزلت عن الجميع لأشهر…..حتى عادت للحياة بتدريج لكن جزءا منها مزال منعزل عن الحياة حتى الآن يحبذ الظلام عوضاً عن الخروج
الى النور……..
ورغم وحشة الظلام والوحدة القاتلة به إلى انه
كان ولا زال آمِناً !……
عاد هذا الشعور يستوطن قلبها المنهك من جديد
يرعبها و يشقيها…….فيجعلها تموت بالبطيء في وقفتها الصامدة…… فرغم الصمت والهدوء البادي عليها….. كانت عسليتاها مأساوية النظرات….
تكشف للمطلع حقيقةٍ تنكرها….
وقعت في الحب !…..
والخوف الآن ليس شفقة او إحساس إنساني ينتابها تجاه هذا الشخص القابع خلف الأبواب ، لا اطلاقاً
في الحقيقة هي مرعوبة بان تجرب مجدداً مرارة
الخسارة معه هو ؟!….
فهو يعني لها أكثر مما ظنت…..وكل يوم تتأكد بانها
متورطة في الحب…….
ويالها من ورطة ستشقيها وتعذبها أكثر معه…..
مزالت واقفه مكانها تنتظر خروج الطبيب حتى يطمئنها عنه….. فقد نزف دماءاً كثيرة اثناء
طريقهما للمشفى مما جعله يفقد الوعي
وقتها…….
اسبلت اهدابها بوجع وقلبها يتلوى داخلها بخوف عليه…..ولسانها يدعي له كل ثانية بان يخرج من
تلك الحادثة سالماً……فسلامته في عيناها الان
تساوي حياةٍ كاملة !…..
كان في الممر كذلك يقف حكيم بالقرب من غرفة الطوارئ المغلقة…..وحمزة وقمر يجلسان على أحد
المقاعد منتظرين……وعينا حمزة كانت لا تفارق
شقيقته…… ومن خوفها وهذا الاهتمام المبالغ
فيه والواضح من تصرفاتها دون كلمة واحده
بانها قد وقعت في حب الصائغ وانتهى الأمر !….
خرج الطبيب في تلك الاوقات فظلت شهد مكانها
متسمرة تتابع الحديث بعينين متلهفتين…….
فسال حكيم الطبيب بقلق…..
“طمنى يادكتور…….عاصم عامل إيه دلوقتي…….”
رد الطبيب بعملية …..
“الحمدلله بقا أحسن….الجرح بس احتاج تخيط فعملنا الازم……وهو شويه وهيفوق تقدروا تتطمنوا عليه……..”
زفر الجميع بارتياح فردد حكيم
بإبتسامة شكر…..
“الحمدلله…….الحمدلله……..”
ربت الطبيب على كتف حكيم قائلاً قبل
ان يبتعد….
“حمدلله على سلامته…….”
زفرة بارتياح وهي تشعر بانها تسترد روحها المهاجرة من جديد وقد زال أخيراً الحجر من على صدرها….
فبدات تاخذ أنفاسها واحداً تلو الاخر بصعوبة وكانها
لم تتنفس الساعات الماضية بشكلاً صحيح….وعندئذٍ شعرت بان الدموع تتجمع في مقلتاها بغزارة مما جعلها تستدير وتولي ظهرها للجميع متجهة الى الحمام…..
دفعت باب الحمام واغلقته خلفها فسندت على
الباب بظهرها ثم ارخت جفنيها تاركه العنان لدموعها ونحيبها بالبوح عن مشاعر عدة تخصه هو دون
غيره………..
وظلت على تلك الحالة لفترة طويلة ثم اتجهت بعدها
الى صنبور المياة وبدأت بغسل وجهها من اثار الدموع…..ثم بعد ان جففت وجهها….اخرجت السماعة الطبية من حقيبتها وارتدتها….ثم خرجت ذاهبه اليهم بهدوء……
فوجدت حمزة يخرج من الغرفة التي انتقل عاصم اليها في نفس الممر وكانت قمر منتظرة مكانها
على المقعد……..
عندما وصلت لعنده سالت عنه بهدوء……لكن
قلبها كان ملتاع…….
“شوفته ياحمزة…..عامل اي دلوقتي…….”
ظل حمزة ينظر اليها قليلاً ثم سالها بصوتٍ
رخيم…….”انتي كنتي فين…….”
ردت بصوتٍ شجي….
“في الحمام….. قولي هو عامل إيه…….”
اخبرها بهدوء…..
“كويس…..فاق وسأل عنك……..”
اهتزت حدقتاها بحرج من اخيها….فتابع حمزة
بنبرة غريبة……
“خايف يكون حصلك حاجة….بس انا طمنته انك كويسة…….”
ظلت مكانها صامته تشعر بان مشاعرهما مكشوفة
جداً امام اخيها مما يشعرها بالحنق الممزوج بالحياء…..فقال حمزة بلهجة متجهمة…….
“ممكن تفهميني….اي اللي حصل بظبط…….ولي
ضربُه بالمطوة ده…..كان قاصد مين فيكم……”
توترت شهد فهربت من نظراته
قائلة….
“مش وقته ياحمزة…..”
كان مصرا وهو ينظر اليها بقوة.. “لا وقته…….”
اشاحت شهد بوجهها تزفر
بجزع….
“لم نروح يا حمزة خليني اطمن عليه…….”
احتدت نظرات حمزة قائلاً بغيرة…..
“تطمني عليه ازاي تدخلي لوحدك يعني…..”
هتفت شهد بحنق شديد راجية ……
“وهو هياكلني ياحمزة….. الراجل تعبان…وبطنه مفتوحه……خليني اطمن عليه ياحمزة عشان خاطري…. ”
ظل ينظر اليها قليلاً ثم جز على اسنانه
قائلاً بضيق…….
“خمس دقايق وتطلعي…..مطوليش…….”
اومات براسها….. “حاضر……”ثم مرت من جواره
وفتحت الباب واغلقته خلفها……..
فزم حمزة شفتيه بعدم رضا….وهو يتجه الى قمر ويجلس جوارها منتظراً وقد حانت منه نظر عليها
ليجدها ساكنة صامته على غير عادتها ويبدو
عليها التأثر بما حدث لذا عقب ساخراً…….
“مالك انتي كمان قلبه وشك ليه…تعرفيه عشان تزعلي عليه……”
مطت قمر شفتيها هازئه بجفاء……
“مش شرط اعرفه عشان ازعل عليه….”هز حمزة
راسه وبرم شفتيه مدعي التأثر بعد جملتها….
فاضافت هي بنظرة مشفقة نحو الباب المغلق أمامهما…
“بجد صعب عليا اوي…..نزف كتير…..كله عشان
خاطر اختك لولاه كان زمان اختك مكانه….
احمد ربنا….. ”
انتبه حمزة الى حديثها بجدية شديدة….
فضاقت عيناه وهو يسألها….
“انتي بتقولي إيه…….”
نظرة اليه قمر ببراءة مصرحة عما رأت
بسلاسة…….
“مالراجل اللي ضربه بالمطوة ده….كان ناوي يضرب
شهد بيها لولا عاصم لحقوا……”
جفل حمزة لبرهة وهو ينظر لها ببلادة…ثم قال
بعدها ببطء شديد حتى يستوعب ما حدث لهن
في غيابه……
“لا لا براحه عليا….اهدي كده وحكيلي من الأول اي اللي حصل لما روحت الجراچ اجيب العربية…….”
………………………………………………………………
كان عاصم ممدد على الفراش بتعب…عاري الصدر
وحول خصره المنحوت توجد ضمادة طبية تغطي
الجرح……
ربت حكيم على ذراع صديقه قائلاً….
“الحمدلله انك بقيت كويس….دا انت نزفت يامه
اوي وعلقولك محاليل ودم وليله كبير ياحولم…..”
رد عاصم بخفوت… “الحمدلله…”
” الحمدلله طبعاً……بس معقول تعمل في نفسك
كل ده عشانها…..”ضاقت عينا حكيم بلؤم….
فرد عاصم بخشونة……
“مش عشانها….لو اي حد تاني كنت هعمل نفس
اللي عملته……..ولا انت أول مرة تعرف عاصم
الصاوي…….”
أكد حكيم بإبتسامة مشاغبة…..
“عارفه….وبذات لما يتحمق اوي للي يخصه…بيبقا يجبل ما يهزك ريح……..”
التوى ثغر عاصم بسخرية…..
“اهو هزني……وعلم عليا ابن ال…….”ثم صمت قليلاً…..واضاف بعينين ضاريتين…….
“انا عايز اعرف مين ده….وكان عايز يضربها ليه…”
طمئنه حكيم قائلاً بلهجة جادة…….
“متقلقش هشوفلك الحوار ده…وانت برضو استفسر منها…..يمكن تفيدنا بمعلومة نعرف نوصله…وياخد
جزاءه بالقانون……….”
ثم اردف متذكراً…….
“كمان المستشفى بلغت واكيد هيعملوا محضر وياخده اقوالك…….”
اجاب عاصم ساخراً…….
“دا لو كان عندي حاجة اقولها…..انا لحد دلوقتي معرفش هو مين……..”
“بكرة نعرف…..هيروح مننا فين…….”ثم اخرج حكيم
هاتفه قائلاً……
“انا لازم اتصل بعمك واعرفه باللي حصلك…دي حاجة متستخباش…..خصوصاً انك مطول هنا كام يوم زي مالدكتور قال…..”
اوما عاصم براسه يقول……
“ماشي طمنهم بس قولهم اني كويس والجرح سطحي…….”
مط حكيم شفتيه بغلاظة…..
“سطحي وانت مخيط كذا غرزة اتقي الله……”
أمره عاصم بصيحة حادة….
“اسمع الكلام ياحكيم…….”وضع عاصم يده على الجرح متألمٍ دون صوت….
عندما رآه حكيم هكذا قال برفق…..
“بلاش تكلم كتير اهدى على نفسك جرحك لسه مفتوح……هقولهم انه سطحي بس هما كده كدا هيعرفوا لما يسألوا الدكتور عشان يطمنوا عليك….”
كان ينوي عاصم الرد عليه لكن طرق انثوي رقيق على الباب اوقفه….ثم دخولها سمره مكانه.. فعلق عيناه المتجهمة عليها…….وقلبه مأخوذ بعد رؤيتها يشعر انهُ نسى كيف يخفق في العادة……..
تقدمت شهد منه بخطوات هادئة بوجهٍ شاحب وعينين حمراوين اثار البكاء……..
كانت مزالت بفستان الحفل…الوردي الفاتح….لكنه
الان مختلف فكان يحتوي على بقعة من الدم
الجافه عند الصدر موضع القلب دماؤه….لطخ بها
الثوب عندما وضعت جسدها أسفل ذراعه تدعمه
قبل ان يقع أرضاً…..كانت حركة غير متوقعه منها
قد جفل وقتها رغم أصابته ومع كل شيءٍ يحدث
حوله جفل ، ورغم ذلك لم يمانع بان تكون عكازة
وقتها ؟!…..
كان شعور رائع يبعث الدفء والنشوة اليه حتى خوفها وقتذاك كان افضل شيءٍ حي رآه منها
حتى الآن…..
“حمدلله على سلامتك….”قالتها شهد عندما وقفت بالقرب من السرير….. تطلع اليه بعينين حزينتين
ملامتين…….
رد بهدوء وعيناه عادتا تأسرها من
جديد…..
“الله يسلمك…… المهم انك كويسة……”
سبحة عيناها في ظلام حدقتاه وبنبرة
معاتبه……
“إزاي ابقا كويسه بعد اللي حصلك بسببي…..”
وزع حكيم النظرات بينهما بفضول وعندما
اتت عيناه على عاصم طرده بنظرة حادة
جعلته يتنحنح بحرج قائلاً …..
“طب ياعاصم…انا هطلع اكلمهم برا…..وهطمنهم متقلقش……..”
عندما خرج حكيم من الغرفة واغلق الباب خلفه…
اقتربت منه شهد وجلست على المقعد جوار
الفراش….هامسة بعينين لامعة بدموع……
“خضتني عليك ياعاصم…….”
ابتسم من زاوية واحده ساخراً……
“على اساس انك مهتمه حتى لو جرالي حاجة..”
هتفت بلوعة صادقة….. “بعد الشر……”
لم يرحمها فمزال غاضباً منها لذا عقب
بنظرة ساخطه… “خايفه اوي….”
مسحت دمعة فارة من عينيها وهي تهتف
منزعجة……
“اكيد خايفه عليك…. بلاش البصه دي يا عاصم..”
لم يرد عاصم ولم ينظر لها بل ظل صامتاً
بملامح متجهمة…..فقالت شهد بعذاب…..
“انا كنت مرعوبه لا يجرالك حاجة بسببي….”
نظر لها بجمود……
“ودا بقا اسمي إيه….شفقه مثلاً…….”
رمشت بعيناها عدة مرات تحاول تمالك
اعصابها المنهارة امام قساوة قلبه……ثم عقبت
عن الأمر بانكسار…..
“انت قلبتك وحشة اوي…..بتخوف……وانا شبعت خوف……..”
لم هزت الجملة قلبه فجعلته ينظر اليها لوهلة
جافلاً ثم استأنف حديثها…..
“مش فاهم……عايزه تقولي إيه……”
نزلت دموعها عنوة عنها…فكل هذه الضغوط
كانت أكبر من طاقة تحملها…..
“بلاش تقسى عليا…….انت بذات بلاش تقسى…”
بنظرة ثاقبة استأنف مجدداً….. “وليه انا بذات…….”
صمتت وهي تحني راسها بتعب…..تحجب عن
عيناه الدموع التي تهطل بصمت حزين كصاحبتها….
فحاول عاصم رفع يده لكن الجرح شد عليه فجز على اسنانه شاتماً بصوتٍ خفيض……ثم امرها
بخشونة حانية….
“ارفعي رأسك وكفايه عياط….انا مش قادر اتحرك حتى عشان امسح دموعك…….”
مسحت دموعها سريعاً وهي تحاول لملمت شتاتها فمنذ متى وهي حساسة بهذا الشكل بل وتبكي
أمامه أيضاً !!…….
سالته بقلق وهي تنظر للضمادة……وقد انتبهت
لصدره العاري الرياضي الجذاب فأحمر وجهها وحاولت التركيز على عيناه فقط………
“الجرح تعبك أوي………”
تنهد قائلا بوجوم….. “انتي شايفه إيه…….”
“اكيد بيوجعك……..انت خيط كذا غرزة…….الف سلامة عليك…….”قالتها شهد بصوتٍ حنون……
بعث الدفء لقلبه لكنه تماسك بقدر الإمكان
محاولاً الا يقع في سحرها مجدداً فلن تخدعه
مرتين……فرد بجفاء…….
“الله يسلمك…….”
بلعة غصة مختنقة وهي تقول…… “شكراً……”
بنظرة مهاجمة حذرها……
“مفيش بينا الكلمة دي…….اسحبيها…….”
قالت شهد بنفسٍ غير سمحة…….
“دي أقل حاجة اقدر اقولها في الوضع ده….انا مش قادرة اسامح نفسي…. ”
برم عاصم شفتيه وهو يلتقط شعور الذنب
بين ثنايا كلماتها…….فقال بهزل…….
“ليه انتي اللي عورتيني…..هوني على نفسك….يا آنسه……”
وكان الكلمة وقفت في حلقها…..فقالت
مستهجنة…..
“آنسة؟!…..تمام انا لازم امشي….الصبح من النجمة هكون عندك….. ”
نهضت عن المقعد واقفه بتردد في الرحيل……
فقال عاصم بجفاء……..
“وليه تتعبي نفسك……واجبك وصل خلاص….”
عضت على باطن شفتيها وهي تشعر بالحنق لتركه
هنا وحده…….
“على فكرة لو ينفع كنت فضلت معاك…..وسهرت جمبك بس……..”
قاطعها عاصم بخشونة وبنظرة غير
متهاونة بالمرة قال….
“دا لو كنتي مراتي……روحي يا شــهـد…….وبلاش تيجي هنا تاني…. واجبِك وصل خلاص…..شكراً… ”
قالت بحزم مماثل له……
“مفيش بينا الكلمة دي….اسحبها…….”
لانت شفتيه في إبتسامة لم تصل لعيناه….فهي
تجيد حفظ كلماته ولعب بها ضده…….
وجدها تخبره بنظرة معتذرة……
“هاجي الصبح من النجمة هتلاقيني عندك….انا آسفه…….”همست بها قبل ترحل……
فرفع عيناه عليها متسائلاً……
“اسفه على إيه……..”
تسربة كالماء من بين قبضته راحله….على أمل ان تعود صباحاً……..وهو ينتظرها بكل شوق حتى ان
انكر هذا امام عيناها !…….
………………………………………………………………
بعد مدة كانت الغرفة مزدحمة بأفراد العائلة….الجميع اتى على وجه السرعة قلوبهما بين ايديهم خوفاً ورهبة من ان يكون قد اصابه مكروه……..
وعندما اطمئنوا عليه اتخذ الجميع مقعداً وبدأت
الأسئلة عن الحادث ومن الفاعل…….
تافف مسعد غاضباً من مناورة ابن اخيه في
الرد….
“يعني اللي ضربك بالمطوة ده كان قصدك انت…”
رد عاصم مجدداً بمناورة……
“لو مش قاصدني هيخبطني بيها ليه……”
اشار مسعد على حكيم الواقف جانباً……
“بس حكيم قالي انكم كنتوا بدفعوا عن واحده
كان بيتعرض لها…. ”
نظر عاصم الى صديقه بسئم….فنظر حكيم للأرض
بحرج…….
فتدخلت الهام مندهشة بصيحة انثوية…
“معقولة…. ومين دي بقا اللي رقدت رقدتك دي عشانها…….”
لم يرد عليها عاصم بل ظل صامتاً بملامح
متصلبة…فتساءل مسعد مجدداً…….
“ما ترد ياعاصم ساكت ليه…… اتكلم خلينا نعرف نجيب حقك……”
هتف عاصم بخشونة……
“انا مش صغير ياعمي…. انا اعرف اجيب حقي كويس أوي….. بس اقف على رجلي الأول….”
تدخلت الجدة نصرة في الحديث بقلق….
“وليه يابني تعرض نفسك للاذى من تاني…. مشيها
قانوني أحسن……..”
هز راسه بالموافقة دون تعقيب…..فاقترب منه
يزن ومالى عليه يقبل راسه قائلاً بمحبة….
“الف سلامة عليك ياكينج….خضتنا عليك يا بطل…”
ثم استقام مضيفاً بحمائية……
“قولي بس مين اللي عملها وانا اكله بسناني….”
“شايلك لوقت عوزه يالمض……”كان رد عاصم مرحٍ…..لذا هتف يزن بجدية……
“بتكلم بجد ياعاصم……”
رد عاصم بفتور……
“لو اعرفه هجيبه بنفسي…..بس انا لسه معرفوش..”
حل الصمت من جديد في الغرفة فبتر الصمت
صوت الهام المتملق تقول……
“الف سلامة عليك ياعاصم…..”
هز عاصم راسه لها مغتصبا الإبتسامة على محياه…..فتابعت هي بخبث امام الجميع…..
“انا خوفت أقول لروفيدة لحسان يجرالها حاجة…
قولت امهدلها الموضوع الأول……مانت عارفها….”
انهى الحوار بجملة مقتضبة……..
“منجلكيش في حاجة وحشة يامرات عمي…..”
وكان دلو بارد من الماء وقع فوق رأسها….فاحمر
وجهها وهي تتراجع للخلف بحرج…..
فقال عاصم للجميع بهدوءٍ……
“انا من رايي تاخدوا بعضكم وتروحوا دلوقتي
وانا كلها يومين وهخرج……”
هتفت نصرة باستنكار……
“ونسيبك لوحدك……اي الكلام ده ياعاصم…..”
لانت ملامح عاصم عند النظر إليها فقال
برفق…….
“متقلقيش ياحاجه….حكيم موجود والدكاتره
هنا بيمروا كل شوية عليا……”
قالت نصرة بحزم….. “ولو هفضل معاك……”
رفض عاصم من أجل وضعها
الصحي…..
“مش هينفع ياحاجة…….”
دوى صوتها بصرامة توبخه……
“اسكت ياواد…هتكبر عليا ولا إيه….انا اللي هبات معاك….وهفضل جمبك لحد ما تخرج من المكان
ده…..”
نداها عاصم معترضاً…… “يا حاجة….”
رمقته نصرة بعتاب…… “هتكسر كلمتي يعني……”
هز عاصم راسه احتراماً…….
“لا عشت ولا كنت……. ربنا يخليكي لينا…….”
لمعة عينا نصرة بدموع فكلما نظرت الى الضمادة
التي تغطي جرحه يتهدل وجهها المجعد حزناً
عليه…….فقالت بخفوت متأثره…….
“ويباركلي فيك…وفي عمرك ويبعد عنك الأذى
وولاد الحرام…….”
ثم مسحت دموعها بيد ترتجف……فقال عاصم
بحنو…….
“كفايه عياط عشان خاطري…..مانا زي الفل أهوه.. ”
اتجه اليها يزن وربت على كتفها بحنان
وهو يخبر عاصم……
“دي اغمى عليها أول ما سمعت الخبر……”
اتسعت عينا عاصم ونظر الى يزن بحنق
بالغ…. “وجبتوها يا يزن…….”
هتف يزن مبرراً…….
“مرضتش تقعد……..وحلفت علينا…….”ثم مالى
على وجنة جدته وقبلها قائلاً…….
“انا كمان هبات معاكم….ومش هسيب الكينج لوحده……”
ثم رفع عيناه على عاصم غامزاً
بشقاوة….
“بس قولي الممرضات هنا حلوين ولا…….”
أبتسم عاصم ساخراً…..
“انت هتقعد معايا ولا هتقعد مع الممرضات….”
رد يزن بوقاحة ضاحكاً……..
“ومالوا ياكينج……..شبرقت عين بس مش أكتر….”
هتفت نصرة باستهجان…….
“اتلم ياواد يا يزن واحترم نفسك…..اي قلة الحيا دي…. ”
“حاضر يانصرة قلبي…”كبح يزن ضحكته ثم
همس لعاصم بزهو….
“بتغير عليا أوي…….واخد بالك…. ”
مط عاصم شفتيه وهز راسه ساخراً….
” واخد…..”
فأدعى يزن الاسى قائلاً…..
“بحاول اكل الجو منك….بس انت برضو اللي في القلب ياجدع……..قولي اعمل ايه……”
رد عاصم بغرورٍ…..
“متلعبش مع اللي أكبر منك…….”
ضحك يزن غامزاً له…..”ماشي ياكينج…..ماشي…….”
نهض مسعد عن مقعده قائلاً بهدوء…..
“خلاص ياجماعة سبوه يرتاح والصبح هنبقا
عنده….”ثم وجه الحديث لوالدته…….
“انتي بايته معاه يا امي……”
اكدت نصرة بهدوء……
“اه ان شاءالله…….روحوا أنتوا…..وانت كمان يا
يزن روح معاهم عشان جامعتك….. ”
هز يزن راسه مقتضباً….ثم خرج الجميع بعدها
وكان اخر شخصٍ حكيم الذي وقف عند الباب المفتوح يخبر صديقه……..
“انا برا يا عاصم…..عشان مينا زمانه جاي…..”
اكتفى عاصم بايماءة بسيطه فغادر حكيم مغلق
الباب خلفه…….
عندما انفردت به الجدة….اقتربت من السرير
بمقعدها المحترك….مستفسرة بسؤالاً……
“قول الحقيقة مين دي اللي دفعت عنها وخدت الخبطه مكانها……”
سحب عاصم نفساً طويلاً ثم أخرجه على مهلٍ
وهو يلفظ حروف إسمها على لسانه من
جديد…..”شـهـد……..”
هتفت الجدة بصدمة……… “تاني……”
تحدث معها باريحية عكس رده على عمه
والآخرين…..فالجدة دائماً لها مكانة خاصة في
قلبه عنهم جميعاً…..
“انا مخدتش الضربه مكانها……انا مسكت في الولا اللي كان ناوي يخبطها بالمطوة وساعة العركه معرفش اي اللي حصل لقيت نفسي بنزف….والناس
اتلموا وهو هرب في الزحمة……..”
اتسعت عينا نصرة بصدمة ممزوجة بالشفقة
نحو الفتاة………
“ابن الحرام…..وكان عايز يضربها ليه بالمطوة….عملت
اي لده كله……..”
زفر عاصم قائلاً بغضب مكتوم…….
“دا اللي لسه عايز اعرفوا منها…….يمكن تعرف هو مين……..”
هتفت الجدة بخوف عليه…..
“ماشيها قانوني يابني…..احنا ملناش في شغل البلطجه وقلة الادب دي ماشيها قانوني …..”
تزمت عاصم رافضاً بعينان تقدحان شرراً……..
“لا ياحاجه دا حقي…..وانا مش هسكت غير لما اجيبوا بايدي……..”
تلك النظر وهذا الوعيد المحتد في صوته….ارعبها
من القادم فهي تعرفهُ اكثر من نفسه….تمتمت
نصرة سراً….”استرها يا رب……..”
…………………………………………………………….
القت شهد جسدها على الاريكة بتعب وعينيها
المجهدتين تنظرا الى اخيها الواقف امامها على
غير هدى يحاصرها بالاسئلة عن الحادث…..
لو كانت تعلم من الفاعل لكانت ابلغت الشرطه على الفور…..لكنها تشك في عدة أشخاص……
ربما مرعي أراد ان ينتقم منها بعد ان تطاولت عليه
ورفعت السكين في وجهه فأرسل شخصٍ حتى يؤذيها…
او إلهام أرادت التخلص منها حتى تبعدها عن عاصم فاتى هذا المجرم عن طريقها…..
او أحد المنافسون في العمل كما حذرتها أحلام من قبل ان نجاحها في شارع الصاوي سيخلق اعداءاً
لها……
لاحت السخرية على وجهها…..
فاي نجاح هذا وهي على وشك ترك المطعم ؟!…
ايا كان في جميع الأحوال لن تتفوه بحرف لحمزة…هي تعرف جيداً تفكيره…….
حمزة كما تراه دوماً….رجلاً يتقامر مع الحياة…
لا يخشى شيءٍ….وليس لديه حدود عند الغضب…
لن تضحي باخيها يكفي ما حدث لعاصم بسببها…
حتى الآن مزالت تلوم نفسها…قربها منه يؤذيه
وها هو راقد في المشفى بسببها……
صاحت شهد بنفاذ صبر توقف اخيها عن الصراخ
في وجهها……
“قولتلك معرفش مين هو…وكان قاصد مين فينا معرفش ياحمزة……معرفش يااخي….”
أشار حمزة بعصبية على قمر التي تتوسط
الاريكة وهي تتابع ثورته بتحفز وصمت مبهماً……
“قمر قالت انه كان قصدك انتي……وعاصم اللي ادخل
ومنعه…….انت مخبيه عني اي فهميني…….”
نظرت شهد الى قمر بضجر بالغ لأول مرة تتلقى
منها قمر هذه النظرة فجفلت واسبلت اهدابها
بحرج……..فصاح حمزة مجدداً بحمائية…..
“هو انا مش اخوكي…..انطقي مين هيجبلك حقك غيري……خليتي الغريب يتصدرلك وانا زي الاطرش
في الزفة وسطكم……..”
رفعت شهد عيناها على اخيها بتهكم من المبالغة
في لوم نفسه عن حادث وقع لها في غيابة….
“يعني انت كنت موجود ووقفت تتفرج…. ماانت مكنتش موجود ياحمزة……”
هدر بصدر متضخم بالغضب….
“لو كنت موجود مكنش هرب ابن الحرام ده.. وكنت
خلصت عليه بايدي……..”
شاهقة انثويه عالية من خلفه صدرت من قمر التي
وضعت يدها على فمها بعدم تصديق……فبرمت شهد شفتيها موجه الحديث لها…….
“امال انتي مفكره لما تحكيله هيعمل إيه….. هياخده
يصلي بيه في الجامع……..”
توترت قمر وهي تقف قائلة بتلعثم…..
“انا….. انا صدقيني ياشهد انا مش قصدي اوقع بينكم…… الكلام جاب بعضوا و…”
اوقف حمزة قمر وهو ينظر الى
اخته بحدة…..
“ملكيش دعوة بيها…. كلميني انا…. مين ده…..”
قفزت من مكانها منهية الجدال بالقسم….
“معرفش…. معرفش ياحمزة… والله ما أعرف……”
نظر لها حمزة لبرهة ثم اوما براسه بملامح تنذر
بالشر……..
“ماشي ياشهد انا هعرفه وساعتها يبقا يقول على نفسه يا رحمن يارحيم…….”
ابتعد عنهن خارجاً من الشقة….فلحقت به قمر
محاولة ايقافه…….
“حمزة….. حمزة……..” لم يلتفت لها وهبط على السلالم دون انتظار المصعد………
عادت مثقله بالهموم وهي تغلق الباب خلفها….. واستدارت الى شهد التي مزالت تقف مكانها
تنظر لشيءٍ وهمي والدموع تتجمع في مقلتيها…
فاقتربت قمر منها بتردد قائلة بحرج شديد…..
“شهد والله انا مقصدتش كل ده…. انا حكيت بحسن نيه معرفش انه دمه حامي اوي كده صدقيني حمزة
الوحيد اللي متمناش ليه الأذى……..”
نظرت لها شهد قليلاً ثم قالت بصوتٍ غريب…..
“قمر نصيحه مني….حمزة بذات مش كل حاجة ينفع
تتقال قدامه….لان زي مانتي شايفه واخد الدنيا بدراعه….وأيده سابقه عقله……..مش بيفكر….”
ثم اتجهت شهد الى غرفتها مغمغمة
بتعب…..
“ربنا يستر من اللي جاي……..انا بجد تعبت……”
ظلت قمر واقفه مكانها بملامح حزينة وعينين غائمة
بالحزن والوجع……..
اضناها الحب…
لم يكن ينقصها وجع….. فاتى الحب لـينهي المتبقي
من روحها………
بان تقع في حب رجلاً شقي ولا يراها أبداً وله
سقطةٍ في الهوى غير موفقة الخُطى ، فهو أمراً
يشعرها بتعاسة حظٍ لا تتمناه لألد اعدائها…….
……………………………………………………………..
يبدو ان الليلة المضنية وتبعاتها لن تنتهي أبداً…
فها هي تدور حول نفسها في الصالة الفارغة
المظلمة……بعد ان نامت شهد وتركتها لضميرها……
عقلها بدأ يخرف مؤلف كل النهايات البشعة عنه….
كل دقيقتين تقف في الشرفة تنظر من الأسفل
لعلها ترى سيارته اتيه……
لكن لا ترى شيءٍ إلا الظلام الدامس……..سينفجر
عقلها وقلبها معاً……رفعت رأسها للأعلى وكانها
تحدثه سراً بلغة المحب……..
الرحمة….
(كن رحيم بي ياحمزة……كن رحيم بقلبي وعود
سالماً……..فانا لن اسامح نفسي ان أصابك
مكروة……..)
وضعت يدها على صدرها وانسابت الدموع على خدها بقهر……مزالت تسأل قلبها بحيرة من أمره……
(لماذا وقعت في حب رجلاً شقي…..شقاءك هو
راحته…. ودموعك هي سعادته……ولوعتك هي بهجته…..واشتياقك هو مجافاته…….لماذا ؟!..)
مسحت دموعها ومزالت تنتظر بالشرفة ظهوره..
حتى اتى أخيراً واثلج قلبها برؤية سيارته…..
ابتسمت بسعادة وهي تمسح دموعها بظهر يداها….
ثم تركت الشرفة ودخلت بانتظاره كي تطمئن عليه
ويرتاح قلبها…….
بعد دقائق قليلة فتح حمزة الباب بالمفتاح ودلف
الى الشقة الشبه مظلمة الا مصباح الصالة والتي كانت تنتظر عندها قمر مرتديه عباءة بيتي وتطلق
شعرها المموج حراً على ظهرها……..
رفع حمزة عسليتاه الضارية بالبريق الاجرامي
الأخذ نحوها وتبدال النظرات قليلاً….حتى سالها
هو بجفاء…….
“اي اللي مصحيكي لحد دلوقتي…….”
كانت صفعة شديدة القوَ تلقاها قلبها بشجاعة
فهذا المتوقع منه………فسالته…..
“انت كنت فين كل ده…….”
اقترب منها ورد بغلاظة وهو يلقي سلسلة
المفاتيح على الطاولة جوارها……
“وانتي مالك…..بتاع اي تسأليني……..”
قالت بلوعة……. “انا خوفت عليك…….”
تافف حمزة بملل……
“وبتاع اي تخافي عليا…..شيفاني عيل صغير…”
تجمعت الدموع في مقلتيها فقالت
بصوتٍ مبحوح…….
“عندك حق….انا آسفه……انا هروح أنام…. ”
عندما ابتعدت قمر مطرقة الرأس بخزي شعر حمزة
بالحنق من نفسه…لكن عاد هذا الشعور يتبخر سريعاً عندما اختلى بنفسه في غرفته……فكان هناك أشياء أهم تستحق حنقه ومقته…
…………………………………………………………….
تقف منذ اذان الفجر تحضر الطعام في مطبخها المتواضع….. هذا المطبخ وكل ركن منه يعبر عنها هي……
هنا وضعت علب البهارات المحمصة….. هنا وضعت موقد الغاز….. وعلى الرخامة في هذا الركن المنعزل وضعت المايكرويف….. عَلاَقَة الاطباق هنا في متناول يديها… وعلى يمينها دولاب المطبخ يحتوي على اغراضها
كنزها الثمين….. اواني الطهي الرائعة ، ومقلاتها المفضلة……
هذا عالمها….
في هذا المكان تجد نفسها بين اعداد الأطعمة تجد
الجزء المفقود داخلها…..
هذا المطبخ البسيط والمؤسس بحرافية من تحت يدها رأى جوانب كثيرة في شخصيتها ومزال يرى…. هنا بكت… وهنا انهارت… هنا صبت غضبها لاعنه الجميع…. وهنا ضعفت وانهزمت……هنا عاشت الخزي…. والملامة…
والان وهنا تحديداً تروى جانباً نادراً داخلها
الحب…
عندما تحب…..ها هي تخبر عالمها انها قُدر عليها الهوى فقبلت بقدرها على مضض !….
من الفجر وهي تقف في المطبخ تتحرك هنا وهناك
تحضر له عدة اصناف صحية حتى تاخذها معها
إليه…..
لم تذق النوم منذ لليلة أمس……ظلت مستيقظه في غرفتها حتى أذان الفجر وقد اطمئنت على حمزة بعد رجوعه… وعندما نام الجميع أديت فريضة الفجر ثم انعزلت عن العالم في مطبخها الصغير…….
اخرجت تنهيدة طويلة بعد ان اغلقت الإناء…ها قد انهت اخر صنف في الطعام…….
“صباح الخير……”
كان تنحنح انثوي متردد مع تحية الصباح….
استدارت لها شهد بإبتسامة صافية تدعوها
للدخول……
“صباح النور…….مالك وقفه كده ليه تعالي…..”
تقدمت قمر منها بحياء…..
“انا قولت انك لسه زعلانه مني……”
نظرت لها شهد قليلاً ثم اخبرتها بجدية…..
“عذرك عندي انك لسه متعرفيش حمزة كويس..فانا
قولتلك اللي عندي بليل….وحتى لو كلامي طلع عليكي بعصبية فده كان غصب عني…اعصابي كانت
تعبانه امبارح……..”
بللت قمر شفتيها بحرج قائلة…..
“انتي كان عندك حق وقتها…..مكنش ينفع اعرفه بطريقة دي……الاحسن تيجي منك….بس والله انا مش قصدي خالص اوقع بينكم…….”
اوقفتها شهد منهية هذا الجدال بهدوء…..
“خلاص ياقمر الموضوع انتهى مش هنتجادل فيه كتير……وانا والله مش شيله منك….حصل خير….
وياريت متزعليش….امبارح مكنتش في احسن
حال……عشان كده اضايقت منك شوية…..”
هزت قمر رأسها…. “ولا يهمك انا اسـ…..”
اوقفتها شهد وهي تفتح غطاء
القِدر…..
“كفاية اعتذرات….وقوليلي اي رأيك…”
تفحصت قمر القدر بعيناها ثم قالت مبتسمة….
“انا داخله على الريحه أصلا بجد تسلم إيدك…بس الأكل ده تبع مين…”
“الأكل ده لعاصم……”قالتها شهد بعفوية فنظرة
لها قمر بتعجب وحاجب مرفوع…….فأحمر وجه
شهد قائلة بتردد…….
” زيارة مريض يعني…مش معقول هدخل بايدي فاضية…..”
لمعة عينا قمر بشقاوة متشدقة……
“آه…..طب كويس…..ابقي طمنينا بقا….ربنا يقومه
بسلامة….. ”
هزت شهد راسها وهي تبتعد عنها وتفتح المبرد وتخرج منه قنينة ماء….وهي تخبرها….
“يارب….صحيح….انا كلمت أحلام ومعندهاش مشكلة خالص تبدأي تنزلي الشغل معاها من بكرة لو حبيتي…خصوصا ان البنت اللي كانت وقفه معاها سابت المكتبة عشان هتتجوز……”
اتسعت عينا قمر بسعادة……
“بجد يا شهد….هي وفقت……”
اكدت شهد وهي تسكب القليل من الماء في
الكوب زجاجي……
“وفقت….بذات لما عرفت انك كنتي شغالة في مكتبه قبل كده……”
اتسعت إبتسامة قمر وكانها حصلت على الجائزة الذهبية…….
“الحمدلله….دا انا كنت هطق من القعده لوحدي….
انا مش عارفه اقولك إيه…. ”
التقطت شهد هذا الامتنان في صوتها فقالت
بمودة………
“متقوليش حاجة…..دي أقل حاجة اقدمهالك طالما
رافضه تاخدي مني فلوس……”
قالت قمر بنفي موضحة…….
“ياشهد الموضوع مش بس فلوس لا والله…الفكرة
بس اني مش واخده على القعده دي…خصوصا ان
كلكم ماشاءالله في شغلكم….وانا بقعد وشي في وش الحيطان….دا حتى خالي مردش عليا في حوار الورث
لحد دلوقتي….ومن آخر مشكلة حصلت بينكم وهو
بطل يجي…..ومعرفش حتى رقمه وعنوان بيته التاني…”
انزلت شهد الكوب عن فمها وهي تقول
بعتاب…..
“انتي مستعجلة على الورث ليه…..خلاص
زهقتي مننا……”
لمعة عينا قمر بالمحبة قائلة بتأثر……
“مش القصد والله…….انا حبيتكم اوي وحبيت القعده معاكم….خصوصاً اني كنت قبلكم وحيدة بس انا طولت اوي هنا…….”
وبختها شهد وهي تقترب منها…..
“اي الكلام الاهبل ده…. ان شاء الله تقعدي العمر كله
انتي قاعده فوق روسنا…..يابنتي دا بيت خالك يعني
بيتك….ليكي فيه زي مالينا تمام……..”
مسحت قمر دمعة فارة من عينيها….ثم نظرة لشهد
التي ربتت على كتفها بود متابعة……
“سيبي الأمور تمشي ببساطه….واصبري لحد ما تشوفي حوار ورثك هيرسا على إيه……حفظي
بس على الأوراق اللي معاكي…وياريت تكوني
ضمنه المحامي اللي ماسكها…….”
هتفت قمر بعفوية…..
“متقلقيش دا صاحب بابا من زمان….وهو بيراعي
ضميره اوي في شُغله…وواعدني انه هيساعدني…لو
خالي مرضاش يديني حقي…….”
عضت على شفتها في اخر جملة…وقالت
بحنق من نفسها…..
“انا بلبخ في الكلام….انا مش قصدي حاجة…..”
اوقفتها شهد قائلة بجدية تدعمها……
“ولا قصدك……انا اللي بنصحك وبقولك متسبيش
حقك….وحفظي على الأوراق اللي معاكي…..”
رمقتها قمر بتعجب…فمن تحثها على الوقوف امامه
ان راوغ معها هو في الاصل والدها !…..
“انا هروح اغير هدومي…….عشان هنزل علطول….”
قالتها شهد وهي توليها ظهرها….فقالت قمر من
خلفها بلؤم……
“مش بدري كده ياشهد…..”
استدارت لها شهد رامشه بأهدابها عدة مرات
وكانها تجمع افكارها……
“لا يعني……يدوبك…….اكيد صحي من النوم……”
هتفت قمر بمرواغه…….
“مكالمة تلفون برضو ممكن تعرفك اذا كان صحي
من النوم ولا لا……..”
نظرت شهد للأرض وقالت بعفوية….
“فكرت فيها…..بس خوفت التلفون ميكونش معاه…وحد تاني اللي يرد…….”
ضحكت قمر قائلة بتنهيدة
حارة…..
“يا سلام على الحب……عقبالي…. ”
عنفتها شهد بصرامة……
“حب إيه…قولتلك دي زيارة مريض…وواجب عليا…
كفاية اللي حصله من تحت راسي……”
هزت قمر رأسها عدة مرات وهي تتخصر قائلة
بلؤم…….
“ايوا ايوا طبعاً……..انا لو مكانك مسبهوش ابداً….
خصوصا انه حلو كده زي تبوع السيما ومطمع للكل…..خصوصا بقا الممرضات والدكاترة الحلوين اللي بيمروا في نبطشية بليل يطمنوا عليه…….”
رمشت شهد بأهدابها واستأنفت
بصدمة……”يطمنوا عليه ؟!….”
اكدت قمر بجدية شديد ترسخ أفكارها
الشيطانية في عقلها…….
“ايوا طبعا مش ده شغلهم… واوقات برضو لما بيلاقوا المريض لوحده…. بيفضلوا جمبه يونسوا وحدته…”
تمتمت شهد خلفها بعدم تصديق وقد اشتعل
صدرها فجأه…… “يونسوا وحدته ؟!……”
أكدت قمر بنظرة ثعبانية…..
“اه مش لسه بقولك حلو ومطمع للكل……”
لم تعقب شهد بل اتجهت الى غرفتها سريعاً…..
عندما غادرت شهد من أمامها ضحكت قمر
بخبث وهي على يقين ان القليل من الملح
يساعد في نضج الطعام……وأحياناً الحب ؟!….
……………………………………………………………..
بعد لحظات كانت تقف قمر في المطبخ تعد الفطور للجميع بعد مغادرة شهد……
فشعرت بمن يدخل الى المطبخ متنحنح بخشونة
قبل ان يفتح المبرد وياخد زجاجة ماء يشرب من فوهة مباشرةٍ…….
نظرت اليه جانباً بطرف عينيها وهي تعد البيض
فوجدته يقف حافِ القدم يرتدي بنطال بيتي فوقه فنالة بحمالات سوداء عليه سترة قماش مفتوحة باهمال……شعره مشعث….فوضوي بجنون…..
جعلها تبتسم عنوة عنها……فالاول مرة تراه مباشرة
عند الاستيقاظ……رغم حنقها الشديد منه مزال هناك جزاءا يتمرد عليها ويذهب إليه دون إشارة مسبقة…..
سارت عيناها عليه مجدداً في الخفاء….فكان يضج بالعنفوان والقوة….بشرته السمراء المتشربة من اشاعة الشمس مع لحيته المشذبة السوداء وهذا الشعر الأسود الناعم الفوضوي مزيج رائع يجذبها….
فهو يحمل كل سيمات الوسامة المطلقة…..
ام عيناه…..تلك قصة أخرى تحتاج لقصائد من الغزل…….لم تكن من مغرمات بالعيون الملونه
خصوصا على الرجال فهي تراها تليق بالنساء
فقط..
لكن عندما وقعت عيناها على عسليتاه القاتمة…تلك
التي تحمل اشتعال رغم هدوء صاحبها…..تحمل الخطر رغم سلام صاحبها…….تحمل بريق الاجرام
رغم براءة صاحبها…….
عيناه كانت ولا زالت لغز يُحيرها….فالعيون كالستار
تكشف دواخلنا إلا عيناه كانت هي ألغز بعينه…..
ورغم ذلك سأنطقها وانا بكامل قواي العقلية…
(انت أوسم واخطر رجلا رأته عيناي ….)
همس بها قلبها سراً…….
ثم عادت للمقلاة بعيون هائمة فوجدت البيض احترق…..
اللعنة !!….
جزت على اسنانها وهي تتعجل في رفع المقلاة عن النار فقد تفحم البيض حرفياً دون ان تدري…..
فأثناء ذلك لسعة يدها بالخطأ….فالقت المقلاة جانباً
بقوة فانكسرت يد المقلاة سريعاً……..
فاتسعت عينا قمر بعدم تصديق….ماهذه
الكوارث المفجعة
…
هتف حمزة من خلفها ببرود والذي كان يتابع مايحدث وهو يقضم قطعة من الخيارة
التي في يده…….
“خليكي عارفه ان الطاسة اللي كسرتي ايدها دي
هتخليكي انتي وشهد تتقبلوا في المسامح كريم…”
سبته بكلمةٍ بذيئة لأول مرة تعرف طريق
لسانها….فاضاف هو بسماجة….
“دي من ضمن طقم الطاسات اللي بتحب تطبخ فيه……”
لم ترد عليه قمر بل فتحت الصنبور الماء البارد على اصبعها المصاب وهي تتافف متأوه بغيظ…..
فكل هذا بسبب الجلف عديم الإحساس…
الشيء الوحيد الذي انتبه له المقلاة المفضلة لاخته
وماذا عن يدها التي اصابة بسبب المقلاة….
حقير…….
اقترب حمزة منها عندما وجدها تتألم وهي تفرك بيدها بحنق……فسالها…..
“انتي اتلسعتي…..”
تقوس فمها هاكمة…….
“هكون رمتها كده ليه عشان اتلسعت وانا مسكاها…”
نظر حمزة ليدها تحت الماء ثم قال
برفق…..
“حصل خير…….هجبلك كريم للحروق……..”
ذهب امام عيناها الحانقة ثم عاد بعد لحظات….
واشار لها بيده كي تتقدم ففعلت بغيظ….ووقفت
امامه فقال وهو يفتح غطاء الدهان….
“هاتي إيدك…….”
مدت له كفها بحرج…..فنظر اليه بهدوء فكانت يدها بيضاء باصابع نحيلة طويلة ملتفه بجمالاً واظافر طويلة بيضاء………..
“اتلسعتي فين…….”
سالها حمزة بهدوء…..فاشارة على بقعة حمراء بداخل
كفها……
فاخذ القليل من الدهان ووضعه عليها ومرر اصابعه
فوقها بحنان……….
فبلعت قمر ريقها وقلبها جن بين ضلوعها….فاسبلت اهدابها بحياء وهناك رجفة دافئة تخترق جسدها
بعد تلك المسة البسيطه منه…….
رماها بتعليق لاذع وهو يتركها متجهاً الى
الصنبور لغسل يداه……
“طالما ملكيش في المطبخ…..داخله ليه…..”
زمت شفتيها منزعجة من هذه الغلاظة……
“مين قال اني مليش في المطبخ….انا بعرف اطبخ كويس اوي على فكرة…….”
التوى ثغرة في ابتسامة ساخطه……
“اه….ماهو واضح……..بامارة البيض المحروق..”
“رخم…..”غمغمت بها بانفاس متهدجة……
فقال حمزة وهو ينظر اليها…..
“سيبك من البيض المحروق واعمليلي قهوة…عشان
نازل…….”
قالت قمر بلهجة دافئه المعاني…..
“قهوة على الريق….مش هتفطر…….يعني بعيداً عن البيض اللي اتحرق… انا عملت فطار كويس على فكرة……لينا كلنا……..”
امتنع حمزة بتساؤل……
“مليش نفس..هي شهد راحت المطعم مش كده..”
اجابة بهدوء….. “اه راحت…….”
ضاقت عيناه سائلاً……. “وكيان…….”
اجابة بفتور…. “لا لسه هنا…..نايمه… ”
ثم استردت حديثها برجاء…..
“انا هحضر القهوة……بس اشربها بعد الفطار…..وانا هروح اصحي كيان تفطر معانا…….”
عندما اخذت خطوتين اوقفها حمزة منادياً… “قمر……..”
خفقة مؤلمه اصابة هذا القلب البأس….فوقفت
تنتظر باقي الحديث الذي اتى بنبرة اعتذار
تتناقض مع شخصه……
“إمبارح انا كنت ناشف اوي في الرد عليكي…
بس انا..”
بترت الجملة فهي مزالت تخفي أوجاع الليلة الماضية وجفاؤه حينها ، والذي كان أشبه بلدغة سامة تلقتها….
“حصل خير انا نسيت كل حاجة….هروح اصحي كيان…. ”
بعد فترة ليست بقليلة خرجت من غرفة كيان
قائلة بملل……
“بتقول مش عايزه تفطر……”
ثم تخذت مقعداً امام السفرة الموضوع عليها الفطور التي اعدته لهم…….نظر حمزة لساعة الحائط بأستغراب…..
“المفروض تكون راحت المكتب من بدري…..”
ردت قمر بهدوء……
“جايز معندهاش شغل النهاردة……”
“يبقا احسن وفرت عليا المشوار….يدوبك الحق أروح
الموقف احجز دوري…….”
لم تعقب قمر مزالت ترى انه يستحق عمل أفضل من هذا…..
بدأت تراقبه من أسفل اهدابها الكثيفة….. فرفعت
حاجبها عندما انتبهت انه يستعمل يده اليسرى
في الطعام بدلا من اليمنى……
انه أعسر…..
عقبت سريعاً بابتسامة شغوفة….
“انت اشول ليه بتاكل بايدك الشمال……”
وضع اللقمة في فمه قائلاً
ببرود… “تعود…..”
قالت وهي تغمس اللقمة في
الجبن….
“بس بيقولوا حرام……..”
اجابها بهدوء….
“مش حرام هي غير مستحبه…….”
مطت شفتيها بعدم رضا…..
“ربنا يجعلنا من اهل اليمين……”
ابتسم حمزة وهو يشاكسها بعيناه الجميلة…..
“تعرفي الناس اللي بتشتغل بايدها الشمال اكتر
من اليمين….ناس دماغها عالية…….”
تغضنت زاوية شفتيها ببلادة….. “ياسلام……”
اكد وهو يمضغ الطعام مشير على نفسه
بزهوٍ….
“انا اهوه مثال حي قدامك……”
هزت راسها ضاحكة فجأه برنة انثوية
فاتنه….
“انا هموت واعرف انت جايب الثقه دي كلها منين…”
ابتسم لأجل ضحكتها وغمز
بشقاوة…..
“بس عجباكي متكدبيش…….”
انتفض قلبها وهي تلوي شفتيها بانكار….
“مفيش حاجه فيك عجباني…..متحلمش……”
ضحك ضحكة باردة المعاني وهو ينظر للطعام قائلاً…. “متقلقيش انا بطلت أحلم من زمان…….”
تلاشت ضحكاتها بتدريج وهي تنظر الى صمته والخطوط المؤلمة التي برزة في زاوية عيناه
وكانه يحارب نفسه الآن………
فعقبت هي دون ان تمنع نفسها عن هذا السؤال المؤكد……
“بطلت تحلم عشانها صح؟!…….”
رفع حمزة عيناه جافلاً….. “مين دي؟……”
اتى صوت كيان من خلفهما وهي تمط ذراعيها
للأعلى بكسل……
“صباح الخير…….”
أسبلت قمر جفنيها وهي تلعن غباءها وهذا السؤال المتهور………
فمال حمزة بوجهه نحو اخته
قائلاً….
“صباح النور……تعالي افطري…..”
اقتربت منهم كيان واخذت مقعد جوار
اخيها….
“مليش نفس……هي فين شهد…….”
رد حمزة عندما وجد قمر صامته……
“نزلت المطعم……انا صحيت ملقتهاش….”
ارجعت كيان خصلة من شعرها وهي تساله
بتذكر…….
“انتوا كنتوا بتزعقوا ليه إمبارح…….”
ضاقت عينا حمزة ساخراً…..
“يعني كنتي سمعانه وكملتي نوم عادي…..”
ابتسمت بحرج……
“كسلت أقوم….هو في حاجة حصلت في الفرح…”
اخذ حمزة اخر رشفة من قهوته
قائلاً…..
“في حاجات……. قمر تحكيلك….”
عندما نهض من مكانه….
اوقفته كيان……
“انت نازل الشغل ولا إيه…….”
استدار حمزة لها قائلاً……
“آه…. لو نازله المكتب هستناكي…. هاخدك على طريقي…….”
هزت كيان راسها مصرحة بقرارها الأخير والتي وصلت اليه بعد سهرة طويلة مضنية بالوجع….
“لا لا انا مش رايحه المكتب ده تاني……”
انعقد حاجبي حمزة وهو يعود اليها ساندا بكفيه
على ظهر المقعد…..
“ليه بقا اي اللي حصل….هو المحامي اللي شغاله معاه عملك حاجة…”
نفت كيان سريعاً موضحة……
“دماغك متروحش لبعيد….انا بس جالي شغل في مكان تاني مع ناس صحابي من أيام الجامعة……”
سألها بإهتمام……. “شغل إيه…..”
قالت كيان بسلاسة…..
“مكتب محاماة برضو بس اكبر واحسن….لدكتور جامعي كان بيدرس ليا ايام الكلية اسمه خليل الصواح……”
سالها بنظرة جادة…… “وانتي هتروحي…….”
قالت كيان مبتسمة…..
“مانا بعرفك اهوه ياميزو اني ناوية أروح……”
امرها حمزة بخشونة…..
“اديني عنوان المكتب الأول اسأل عن الدكتور ده…”
فلتت منها ضحكة زاهلة وهي تنظر الى
اخيها….
“ياحمزة انت هتعمل زي ما عملت مع سليم الجندي…
طب سليم عشان شاب في التلاتين وكان عندك حق تقلق شويه من شغلي معاه…..بس خليل ده…دا قد
أبونا دا أكيد عنده احفاد……”
أكد حمزة بمروءة وعيناه طارت الى قمر التي
تجلس متحفظة الملامح تتابعهما بصمت……
“ومالوا اطمن برضو….وبعدين انا وفقت على شغلك مع اللي اسمه سليم ده لم عرفت انه خاطب والناس بتشكر في أخلاقه وان بيراعي ربنا في شغله……”
ابتسمت كيان ساخرة……
“وحتى لو مش خاطب هو هيبصلي انا يعني….”
رد حمزة بغيرة…..
“ومين قالك اني عايزة يبصلك….انتي الوحيدة اللي مش هفرط فيكي بساهل……”
وكانه سحبها من دوامة احزانها فضحكت بقوة
قائلة بمرح……..
“ياسلام ياميزو……وفرض اتجوزت بقا….”
“مش هتجوز متقلقيش….”قالها حمزة وهو يستقيم
واقفاً…….ثم أخبرها وهو يستدير مغادراً…….
“ابقي ابعتيلي عنوان المكتب في رسالة…. سلام…”
راقبت قمر ابتعاده عن دائرة عيناها بملامح
مكتئبة…..
فلكزتها كيان في كتفها سائلة بفضول……
“قمر…… هو اي اللي حصل في الفرح إمبارح…”
……………………………………………………………..
“حرما ياجدتي…….”
قالها عاصم بعد ان انهت الجدة نصرة صلاة الشروق
فاقتربت نصرة منه بمقعدها المتحرك….وبدأت
تحرك السبحة بين اصابعها بشكلا رتيب قائلة……
“جمعا ان شاء الله ياحبيبي…..”
ثم استردت حديثها باهتمام….
“هتفطر اي بقا…. لازم تفطر عشان تاخد علاجك…
هما شوية وهيجيبوا الأكل……”
انكمشت ملامح عاصم
رافضاً….
“بلاش اكل المستشفيات…..”
سالته نصرة بتعجب……
“مقلق من إيه يابني… دا المستشفى ماشاءالله شكلها نضيف ولي شغلين فيها كمان……”
نظرة نصرة لزوايا الغرفة المقمين بها والتي كانت تشع اناقة ونظافه تريح النفس خصوصاً هذه النافذة الانيقة المطلة على الحديقة بالاسفل والتي منها تدخل شعاع الشمس والنسيم الرطب….
امتنع عاصم قائلاً وهو يمسك
هاتفه…..
“انا أصلا مليش نفس……”
سالته نصرة مستنكرة….. “وعلاجك يابني……”
“السلام عليكم…….”
طرق بسيط على الباب يليه صوت انثوي مقتحم الغرفة هذا الاقتحام الراقي المشع بالاهتمام يشبه
زيارات الملكات للمرضى في العصور القديمة !…….
وهي كانت واحدة منهن…..
رفع عيناه غير مصدق انها اتت كما اخبرته وفي الصباح الباكر ايضاً……
إبتسمت شهد لهما مرحبة وهي تترك الاكياس على الطاولة جانباً وتتجه الى الجدة نصرة تسلم عليها
بحرارة…….
“أهلا ياحاجه نصرة…….وحشاني جداً…..”
قبلتها شهد وعانقتها بحرارة ملموسة جعلت قلب نصرة يلين لها وهي تبادلها السلام بشوق أكبر…
“وانتي أكتر…. عامله اي ياشهد……..فين من آخر
مرة شوفتك فيها….هو اللي بينا شغل بس….
اخص عليكي…”
استقامت شهد وهي تقول بابتسامة صافية….
“معلش انا عارفه اني مأثره في السؤال بس الفترة
دي كانت صعبة شوية…….”
قالت نصرة بمودة…..
“ربنا يريحلك بالك يابنتي……”
قالت شهد بحرج…..
“يارب………. الف سلامة على عاصم……..”
ردت الجدة وهي تنظر الى حفيدة بوله
الأم…….
“الله يسلمك يابنتي…. ربنا يحميه لشبابه…ومشوفش فيه حاجة وحشة……اهيه جت سليمة…..”
“الحمدلله……”
قالتها شهد وهي ترفع عسليتاها عليه فوجدته جالساً
على الفراش مرتدي كنزة سوداء بنصف كم… كان
ينظر لها كذلك لكن بنظرة تربكها جداً…تلك النظرة التي دوماً تشعرها بأنها أجمل نساء العالم………
ويالها من نظرة عندما تكون من رجلا مثله…
“عامل اي النهاردة…… كويس…….”
رد بهدوء وعيناه تأسر الشهد….
“الحمدلله…….. ليه جايه بدري كده……”
بللت شفتيها بحياء وهي تنظر الى نصرة ثم
إليه……
“كنت قريبه من هنا وقولت ابص عليك….”
أومأ براسه بملامح واجمه… فمزال الغضب يموج
بينهما رافض الخنوع……
عندما حل الصمت وظلت النظرات بينهما متبادلة سألت الجدة نصرة برفق…
“اي الاكياس اللي انتي جيباها دي ياشهد…..”
توترت قليلاً وهي تجيب
بحرج…
“دا اكل….. جيباه لعاصم…..”
انعبث هذا الدفء داخله فجأة….فظلت عيناه
معلقه بها بقوة تأبى تركها وكانها الحياة…….
نظرة الجدة لحفيدها بلؤم ثم عادت لشهد
مدعية الاسى……
“لعاصم……بس دا لسه قايل انه مش عايز ياكل….”
لاح الاحباط على وجه شهد وهي تنظر الى عاصم
ثم للاكياس……
“بجد….. دا انا بحضر في الاكل من الفجر…..”
كثر الدفء حتى أصبح شعاع متوهجاً داخله يبعث نشوة ليس لها مثيل…… فقال بصوتٍ عميق….
“طيب مش هتدوقيني……”
اتسعت عينا شهد وفغرت شفتيها….
“ها….”
لانت زاوية عيناه أكثر قائلاً بمرح…..
“جعان يا شـهـد…ولا الأكل دا ناويه تروحي بيه..”
هزت راسها بعفوية وهي تتجه
الى الطاولة……
“لا طبعاً انا عملاه عشانك…….”
ثم بدأت تفرغ العلب وهي تقول
للجدة…..
“تحبي اجبلك حاجة تاكليها ياحاجه…..”
“لا يا حبيبتي…. انا صايمة…….”ثم نظرة الى حفيدها
قائلة بابتسامة لئيمه…….
“عاصم انا برا شوية ورجعه…..”
سالها عاصم مقطبا جبينه….. “راحه فين…..”
قالت بهدوء وهي تتجه الى الباب بمقعدها المتحرك…. “هعمل مكالمة برا……”
اخذت شهد علبةٍ من الطعام واتجهت بها اليه…كانت
ترتدي ثوب أبيض تتناثر عليه ورود من اللون البني
ضيق قليلاً على خصرها النحيل و ينزل باتساع بسيط حتى اخر كاحلها……ترفع شعرها الأسود على شكل. ذيل حصان……والغرة الناعمة تغطي الجبهة الناصعة والملامح تزداد جمالاً رغم الحزن الساكن
بها…
وجدها تتخذ مقعداً جواره وتفتح علبة الطعام
فلم يمنع نفسه من تأملها عن كثب وقلبه يقص
عليها سراً……
قصة شعرك رائعة…..احبها بشدة كما احب كهرمان عيناكِ حين يضوي بحماسية كم اراكِ الآن وانتِ تتقدمِ مني بعلبة من طعام يفترض ان ينفر
الانسان من الاكلات الصحية خصوصاً الخضراوات
المسلوقة لكن هيهات معكِ انتِ الوضع مختلف
اتعرفين ياسيدة الحُسن ان رائحة خضرواتك المسلوقه فتحت شهيتي على الأكل….
هل لكِ مكون سري لا يطلع أحد عليه سواكِ…
ام انكِ تقومِ بقراءة تعويذة اثناء تحضيرة
ما سرك انتِ وطعامك البسيط تحدثا بلبلة غير
طبيعية داخلي……..
ماسرك ياشـهـد كي اتوخى الحذر منكِ…….
“اتفضل……..”
افاق من شروده بها الى يدها الممدودة بعلبة الطعام
ذات الرائحة والشكل الشهي…….
رفع يده في حركة مفاجأه جعلت الجرح يشتد الماً
عليه انتفضت شهد بقلق وهي تقول برفق…..
“بلاش تتحرك….طالما الجرح لسه شادد عليك….”
بللت شفتيها وهي تبتلع ريقها بصعوبة….
“انا هأكلك…….”
اسبلت جفنيها الى العلبة بين يدها…..فابتسم هو منتشياً فقد أستهدف مشاعرها الرقيقة بجسارة……
الأمر اخذ اكثر من دقيقة حتى لملمت شتاتها واستجمع عقلها القوة الكافية مسيطراً على
مؤاشرت قلبها الولهان في حضور سيده….
رفعت المعلقة اليه وهي تقترب اكثر منه… ففتح
فمه والتقط أول معلقة من يدها… من علبة خضروات
مسلوق اشتهاها من رائحتها فمابالك بالطعم….
لها نصيب من اسمها فيما تعد يداها ويتمنى بشدة
ان تأخذ حياتها من اسمها نصيباً لتحيا بسعادة
وتتذوق الشهد دون اية مرارة لاذعة……
“تسلم إيدك…….” قالها عاصم وعيناه لا تبرح عيناها
فقالت بابتسامة تقطر عسل…….
“بجد عجبك…….”
اكد بنظرة حانية…… “أوي……”
قالت بوجنتين حمراوان….. “بالف هنا……”
صمت قليلاً واعطتها معلقة أخرى فكانت ألذ من السابقة……هل يبالغ….ام هناك شيءٍ خطير في هذا
الطعام وصاحبته !……
“اي سرك……”قالها عندما ضاعت كل حواسه معها
ومع طعامها….
لم تتبع أسلوب المراوغه معه بل ردت
بابتسامة حزينة……..
“لو عرفته مش هيكون سر…..”
تافف عاصم بحنق شديد مصرحاً بتعب……
“انا مش فاهمك… مرة تقربي ومرة تبعدي…. مبقتش فاهم……. انتي عايزه إيه…….”
اتى صوتها بلهجة أشد عذابٍ منه…..
“انا كمان مش فاهمه انا عايزة إيه….. كل اللي بفكر فيه دلوقتي اني افضل جمبك لحد ما تقوم بسلامة..”
ضاقت عيناه متهكماً……
“وبعدين…..هتبعدي……انتي شيفاني صغير على اللعب ده……”
لم ترد فالتزمت الصمت بخجل فقال هو معنفاً
إياها…….
“انا لسه مش قادر اسامحك على اللي عملتيه… وانا
في بيتكم……”
رفعت عيناها الحزينة اليه…….
“حتى انا مش قادرة اسامح نفسي… بس كان غصب
عني…….”
تمعن في النطر اليها سائلاً
بحيرة….
“وانا عايز افهم ليه غصب عنك……”
انحنت زاويتين فمها بانكسار حزين…..
“هتفهم ايه…. في حاجات مينفعش تتقال…”
سالها بحيرة….. “زي إيه…….”
رفضت البوح بملامح شجيه…..
“عاصم ارجوك متضغطش عليا….. قولتلك مش
هينفع……”
هتف بوجوم…..
“وطالما هو مش هينفع ليه بتقربي مني من تاني…شفقه مثلاً……..”
رفعت وجهها مشدوهة…..
“شفقة؟!……اي التفكير ده…..”
لوى شفتيه بقسوة….
“السؤال ده اساليه لنفسك مش ليه……”
قالت بعينين راجيها ولهجة متوسلة تستهدف
قلبه……..
“ممكن نأجل اي حاجة مزعلاك مني اليومين دول
بس…بلاش تكسر بخاطري……”
تقوس فمه بسخرية مريرة……
“خاطرك؟!……بلاش تتكلمي عن كسر الخواطر…دانتي
استاذة في ده…….”
انحنى كتفيها بانهزام….فوجدته يسحب العلبة
من يدها بقوة قائلاً بضجر….
“هاتي انا بعرف اكل لوحدي….مستغني عن خدماتك…..”
رفعت شهد حاجبيها وهي تنظر اليه…..
“ماشاءالله…ما انت رفعت ايدك عادي اهوه…امال
ليه من شويه كنت………”
“السلام عليكم……”قاطعها صوت الممرضة التي القت
التحية وهي تدلف بصنية عليها فطور المشفى…..
وعندما انتبهت الممرضة للعلبة التي بين يداه
قالت بعتاب……
“اي ده يامعلم عاصم معقول كلت…دا انا عملالك الأكل بنفسي….دا اكل المستشفى حلو اوي وهيعجبك……”
تدخلت شهد في الحوار باسلوب جاف…..
“بس هو كل الحمدلله……تقدري ترجعي الأكل مكانه
يستفاد بيه حد جعان….. ”
توجسة الممرضة من هذا الهجوم
الغريب….فقالت بتردد….
“اه طبعاً….. ومالوا…….زي ماتحبوا…. ”
ثم اقتربت الممرضة من فراش عاصم تتنحنح
بحرج قائلة…..
“طبعاً يامعلم عاصم انت فاكرني…انا إجلال
اللي مرت عليك في نبطشية بليل….وكلمتك عن السلسلة المكسورة…. السلسلة اللي اشترتها من
محل الصاغه عندك من سنة……”
ضيقت شهد عيناها وهي تنهض من مكانها مراقبه الوضع بشكلاً اوضح من الإمام…..
ليلاً مرت عليه وتحدثا ؟!…..هذا يعني ان قمر كانت
محقة…….
غل الدماء في عروقها….واشتدت اعصابها بشكلاً
مبالغ وهي تراقب بصمت ما يحدث…….
فرد عاصم عليها بابتسامة اظهرت صف اسنانه
الأبيض……..
“اه فكرك يا إجلال…وقولتلك امبارح لو معاكي السلسلة هاتيها وانا اصلحهالك……”
سلسال ايضاً….يبدو ان الحديث كان طويلاً…ربما
تبدالا الهموم معاً……..
اخرجت المدعوة إجلال من جيب معطفها الأبيض
السلسال الذهبي وقالت بهدوء……
“آه جبتها اهيه…..ودتها قبل كده لواحد صايغ قالي ربنا يعوض عليكي ملهاش تصليحه وعرض عليه يشتريها….بس السلسلة دي غاليه عليا أوي….كانت أول حاجة اشتريها من أول مرتب شهري ليا في المستشفى هنا فمش قادرة افرط فيها بصراحه…..”
نظر عاصم بدقة الى السلسال والكسر به
فقال بعد لحظات…….
“سهله هي هتاخد وقت بس هتتصلح ان شاء الله..”
ابتسمت إجلال مبتهجة……..
“بجد……طب الحمدلله….انا قولت برضو محدش هيعملها غير المعلم عاصم….صحيح ادي العيش لخبازة……..”
بادلها عاصم الابتسامه قائلاً…….
“تمام يا إجلال……هاتي رقمك عشان اول ما اصلحها
اتصل بيكي تيجي تاخديها من محل الصاغه….”
لجمت شهد متسمرة مكانها رافعة حاجبٍ واحد
وهي تراقبهما بوجهٍ محتقن ……
لتجد إجلال تقول بحرارة…..
“اه طبعاً ومالوا اكتب عندك ٠١…….”
فسجل عاصم الرقم وعلى محياه ابتسامة
جذابة يخصها بالإناث جميعاً…فنفسها تماما
كانت لتلك المرأه التي كانت تقف معه في
الحفل مساءاً…….
دعت الممرضة له بامتنان قبل ان تغادر…..
“كتر خيرك يامعلم عاصم….والف الف سلامة
عليك….ربنا يكفيك شر الطريق وشر ولاد الحرام ….عن إذنكم…… ”
عندما خرجت واغلقت الباب خلفها عقبت
شهد بذلك الحاجب المرفوع……
“رقمها ؟!…..”
تمعن عاصم بنظر اليها في وقفتها البعيدة مكتفة
الايدي امام صدرها… وها هي اذنيها وانفها يزداداً احمراراً عند الغضب…….فاستفسر بمناورة…..
“في حاجة…..مالك مناخيرك وودنك محمرين كدا ليه………”
جزت على اسنانها بغضب هائل وهي تشعر انها ستنفجر……..فاستدارت هاربه……..
“لا أبداً شويه ورجعه……..”
ناداها عاصم وهي تغلق الباب بعد
خروجها….. “شــهــد……..”
ضحك منتشياً وهو يضرب كفيه بتعجب…..
“مجنونة…….ماحنا بنعرف نغيير اهوه….امال منشفه ريقي ليه….نفسي افهمك…….”
ارجع راسه للخلف ناظراً للسقف بحيرة……
زمت شفتيها منزعجة وهي تسير في الممر على غير
هدى…..مادخلها فاليضحك ويأخذ ارقام النساء
أيضاً….
ما شأنها…..ألم تنهي القصة منذ أيام واتخذت عهد على نفسها بانها لن تقترب منه مجددا…….
ماذا يحدث انها تغرق… تغرق في حب هذا المخلوق
هذا الرجل يلعب على أوتار مشاعرها….يضعف مقاومتها وينسيها عهودها…….
معه تحترق حبٍ ، وشوقٍ ، وغيرةٍ ، تضارب في المشاعر ليس لهُ مثيل يغلبها الحب وينتصر…
فتقع هي في كنفه منهزمة برضا…….
اغمضت عينيها وهي تعود ادراجها إليه…فحتى البعد عنه يصيبها بالجنون….ماذا ان دخلت أمرأه أخرى اليه
هل سيوزع رقم هاتفه على المشفى بأكملها ؟!…..
فتحت الباب دون استئذان على غير عادتها ربما
ارادت ان تمسكه متلبساً……
فوجدت الطبيب في غرفته يملي عليه بعد
التعليمات الطبية…..
وعندما فتحت الباب بهذا الشكل الغير آدمي بالمرة نظر اليها الطبيب بتعجب سائلاً بتلقائية…..
“افندم مين حضرتك……..”
نظرة شهد الى عاصم منتظرة تدخله في الرد….لكنها تفاجئت به يرفع راسه للأعلى متكبر عن التعريف عنها… منتظر ان تبادر هي بصفتها ……
عندما اتى الجواب في عقلها ابتسمت بوداعه
وكهرمانها كان يضوي بجنون…..
“انا أخته……”
فغر عاصم شفتيه واتسعت عيناه عندما وجدها
تغلق الباب وتقترب منهم قائلة ببراءة……
“طمني عليه يادكتور اخويا عامل ايه دلوقتي…”
“اخوكي…..” تشدق عاصم بها بوجه ممتقع….
ثم نظر الى الطبيب قائلاً بابتسامة باردة….
“معلش يادكتور…. اصل مراتي دمها خفيف….”
جفلت شهد والصفة الذي اطلقها بينهما جعلت
قلبها يخلتج بين اضلعها…..بينما هناك شيء
دافئ احتواها فجأه…..ففغرت شفتيها وأخذت
وضعية الصدمة بدلاً منه…….
وزع الطبيب نظراته عليهما بريبة….
لكن على اي حال ابتسم مرحباً بشهد دون
سلام….
“مراتك….تمام……. تشرفنا يامدام……”
امتزج حنقها مع خجلها
معترضة بشدة….
“انسه…….آنسه لو سمحت…….”
نظر الطبيب بتلقائية لعاصم….الذي حك في لحيته
بحرج مصرحاً……”كاتبين كتابنا…….”
اوما الطبيب بتفهم وهو ينوي المغادرة
قائلاً……..
“اه تشرفنا…..زي ماقولتك ياعاصم….. والف
سلامة عليك……”
عندما غادر الطبيب تشدقت شهد بحرج صارخ
والانزعاج مرسوم على محياها……
“مراتك ؟!……”
اوقفها عاصم باصبعه محذراً……
“ولا كلمة انتي اللي بدأتي استحملي بقا…..”
اقتربت منه بخطوات متشجنة….
“انت….. انت…….انت.. ”
اوقفها عاصم بابتسامة
رائعة……
“كان شكلك حلو وانتي غيرانه…..”
زمت شفتيها وهي تهز راسها
باستنكار…..
“مين قالك اني كنت غيرانه منها……”
رد بزهوٍ….. “مش منها…. عليا…..”
كانت بالقرب من الفراش وهي تهز راسها
بنفي……..
“يسلام على الثقة…… غلط…..”
أكد بحرارة…… “صح…..”
هزت راسها بعناد….. “غلط……”
“قولي انه صح……” سحبها فجأه من ذراعها
فمالت عليه وأصبحت وجوههما متقاربه من بعضها
وانفاسهما الدافئة تمتزج مع نسيم الهواء…….
رمشت بعيناها عدت مرات بتوتر بينما هو
يطوف في فضاء عيناها هامساً بصوتٍ أجش
عميق أذأب فؤادها…..
“شــهــد……انا معرفش اي هو السر اللي بيبعدك عني…بس دلوقتي عرفت السر اللي خلاكي ترجعي تقربي من تاني…”
عند هذا الحد من القرب والهمسات اغمضت عيناها بضعف بمشاعر متناغمة على أوتار كلماته وكانه يعزف مقطوعة شاعرية على اذانها……..
عندما اغمضت عيناها ذاب هو أيضاً في جمالها
فالصمت في حرم الجمال حمالاً فعلاً وهي في
صمتها وضعفها أمام الحب أجمل نساء العالم
في عيناه…….
مسك يدها بين يداه ورفعها الى فمه…وطبع قبلة
حانية طويلة ينبعث الدفء والحب من خلالها…
فتحت عيناها وهمست بخجل…..
“عـاصـم…….”
عاد يقبل يدها مجدداً برقة أذأبت مفاصل
يدها….هامساً وعيناه تأسرها بشوق العالم…..
“وحشتيني يا شـهـد……”
دخولاً مفاجئاً جفل كلاهما فرفعت شهد عيناها بصدمة لتجد إلهام ورُفيدة يحتلا الغرفة بابتسامات
متفاخرة……
لكن لم تدوم الابتسامات على محياهن فقد سقطت
سريعاً عندما وجداهما بهذا الوضع…..
بالقرب من بعضهما بشكلاً عاطفياً وعاصم يمسك يدها ويقبلها……..
اتسعت عينا رفيدة واندلع الحقد والغضب بداخلها…
عاماً مرا على زواجهما لم يفعلها يوماً…..لم يقبل
يدها لم ينظر اليها بهذا الحب…..
ماذا فعلت هذه الطباحة لتنال ما لم تناله هي من
قلب عاصم الصاوي !…..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الحب أولا)