رواية الحب أولا الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم دهب عطية
رواية الحب أولا الجزء الحادي والأربعون
رواية الحب أولا البارت الحادي والأربعون
رواية الحب أولا الحلقة الحادية والأربعون
كانت تجلس خلف مكتبها ترتدي طاقم كلاسيكي انيق من اللون الأزرق ترفع شعرها للأعلى في ربطة
راسخة تتدلى كذيل حصان خلف عنقها…. تضع زينة
رقيقة على وجهها المشرق تليق بنهار اليوم….
بدأت تتفحص ملف القضية بعينيها الفيروزية وهي تهز رأسها للذي يحدثها على الجهة الأخرى أحد الموكلون الجدد…..
بعد ان انهى الموكل الحديث…قالت كيان
بنبرة عملية….
“تمام انا هدرس القضية وهتوصل معاك أكيد
لاني هحتاج معلومات أكتر….”
رد الرجل بمنتهى التعاون…
“تمام يا استاذة وانا تحت أمرك في اي حاجة…”
بللت كيان شفتيها وهي تقول ببعض التردد…
“الأمر لله وحده…انا بس كنت حابه القضية
دي تبقا بيني وبينك…”
رفع الرجل حاجبه متوجسًا…. “مش فاهم….”
قالت بنبرة خافته….
“يعني مش عايزة سليم يعرف حاجة عنها….”
“اي هو اللي مش عيزاني أعرفه ياستاذة كيان..”
دخول سليم في تلك اللحظة تحديدًا ومقاطعة حديثها عن الاكمال ألجمها فجعلها تبتلع الباقي
من الحديث وهي تنظر اليه بصدمة….
تبادلا معًا النظرات بقوة فقد وصل للتو للمكتب
بعد ان أخبرها انه سيتأخر قليلا في المحكمة
سارت حدقتاها عليه بقلب يرتجف بين ضلوعها
لتجده متأنق كالمعتاد بحلة عملية سوداء فخمة
وساعة يد باهظة حذاء يلمع……هيئة جذابة
وشعر مصفف بعناية فائق الوسامة…
انتبهت الى يده التي تحمل حقيبة هدايا صغيرة
جدًا…..تخلص منها فورًا ووضعها على سطح
المكتب منتظر جواب على السؤال الذي ألقاه
عند دخوله…..
توتر الموكل من تلك الأجواء فنهض من مكانه
وصرح بنبرة جادة….
“ابدا ياستاذ سليم كنا بنتكلم عن قضية (….)كنت
مكلم سكرتير حضرتك عنها وحدد معاد على النهاردة
بس لما جيت ملقتش حضرتك والاستاذة استقبلتني
في مكتبها واتكلمنا عن تفاصيل القضية واتفقنا انها هتترافع عنها…لكن طلبها كان غريب بان مرفعتها عن القضية تكون بينا….”
جزت كيان على اسنانها وهي تسبل جفنيها بحرج
وغيظ فهي وضعت في موقف لا تحسد عليه مع
سليم ومع هذا الموكل الذي يظنها موظفة غير مسؤولة أو مختلسة في عملها….
كل ما ارادته من تلك الخطوة ان تثبت نفسها في العمل أمام سليم بامساك قضية كتلك بمفردها فهو
لا يعطيها فرصة لفعلها دائمًا معها يساعدها ويقدم
النصائح القانونية والحلول…
تود خوض التجربة بمفردها تود ان تشعر بسعادة
النجاح دون مساعدة وفضل من أحد…..
تشبع سليم بالنظر الى صمتها وحرجها الواضح
لبرهة من الوقت ثم تدارك الموقف برجاحة عقل
قائلا بجدية منمقة….
“الاستاذة كيان محامية شاطرة جدًا وفاهمة في القانون كويس اوي….واحنا اشتغلنا مع بعض في
أكتر من قضية وكسبناها بجدارة وطالما قعدت
معاك ووافقت تترافع عن القضية يبقا باذن الله
هنسمع أخبار حلوة في المحكمة…”
نظرت كيان اليه بدهشة فبادلها سليم النظرة
بقوة تتوغل الى اعماقها….
بينما قال الرجل وهو يقترب من سليم بملامح مرتاحة بعد حديثة المشجع عن أكمل العمل
مع كيان….
“ده اللي بتمناه….كذا حد شكر في مكتب
حضرتك…وانا جيت هنا و متفائل خير…”
صافحة سليم بمنتهى العملية وهو ينظر خلف
الرجل حيث تقف كيان متصلبة مكانها….
“أطمن الأستاذة شاطرة جدا في شغلها وانا اضمنها
برقبتي…..دي بقالها معايا سنين وخبرتها تتفوق عليا
انا شخصيًا…..”
بلعت كيان ريقها بوجع وهي تشعر بان المدح
بمثابة أعيرة نارية تخترق احشاؤها….
اثناء هذا الشعور المرهق كان سليم يودع
الرجل على باب مكتبها….
“شرفتنا يا فندم…قريب اوي الاستاذة كيان
هتتواصل معاك….”
ابتسم له الرجل بارتياح واعدًا بزيارة أخرى
للمكتب….
أغلق سليم المكتب بقوة معه انتفض جسدها المتصلب في وقفتها خلف المكتب….
وقف سليم امامها بملامح واجمه.. وضع
يده في جيب بنطاله يخفي انفعاله وهو
يسألها بتجهم…..
“ممكن أفهم اي اللي بتعمليه هنا بظبط…وطالما عايزة تمسكي القضية بتاعته عايزه ليه الموضوع
يتم من ورايا…هو مش المفروض انك شغاله في
مكتب محماة واي قضية قبل ما بنبدا فيها بيبقا عندي علم بتفاصيلها….”
ازداد اضطرابها وهي تنظر اليه
بارتباك….فسالها سليم بقلة صبر….
“هتفضلي ساكته….عايز أسمع ردك….”
قالت بصعوبة…..
“كنت عايزة اشتغل فيها من غير مساعدة…”
ارتفع حاجبيه معًا باستفهام….
“وده سبب يخليكي تطلبي طلب زي ده من الموكل
مفكرتيش في شكلك وشكلي قدامه…”
ثم استفسر بملامح متعجبة….
“وبعدين من إمتى الحساسية دي…فيها إيه لو اشتغلنا فيها سوا….او حتى ساعدتك فيها…”
قالت كيان شعورٍ يعتمل صدرها منذ فترة
مضنية…..
“فيها انك بتحسسني اني فاشلة…ومقدرش
اشتغل في قضية لوحدي….”
ارتد سليم خطوة للخلف مندهشًا من تلك القذيفة
التي القت في وجهه على حين غرة فعقب
على الأمر بنبرة خشنة….
“انك فاشلة ؟!!….امتى حسستك بالاحساس ده…
ماحنا علطول مع بعض كده و بنشتغل سوا…وانتي
بتساعديني وانا بساعدك وبننجح مع بعض…من
امتى بتفكري كده….”
لمعة عيناها بالدموع وقالت بقلة
حيلة…..
“معرفش…بس انا حاسة اني مش جزء من
المكان ده….”
اقترح سليم على مضض….
“تحبي يكون ليكي مكتب محماة لوحدك…”
رفضت بشدة وهي تنظر
إليه…
“انا مقولتش كده….”
قال سليم بجفاء….
“لو دي رغبتك انا معنديش مانع زي ما تحبي…”
قالت كيان بلوعة….
“بس انا مش عايزة مكتب تاني ولا عايزة ابعد
عنك…انا عايزة أفضل هنا معاك….”
تافف سليم وهو ينظر لها بحيرة….
“أمرك عجيب ياكيان….لو عايزة تفضلي هنا اي
لازمة التفكير ده والحساسية دي كلها بينا….”
أسبلت اهدابها بحرج شديد فقال سليم
بحزم….
“تصرفاتك دي هتخلق مشاكل إحنا بغنى عنها…”
اجابته كيان بوجه عابس…
“انا بس كنت عايزة اثبتلك اني اقدر أكسب
القضية لوحدي من غير مساعدة….”
قال سليم بعد تنهيدة سأم….
“اعملي ده ياكيان بس من غير ما تحطينا في
مواقف بايخه ملهاش لازمة مع الموكلين…”
راته يتحرك صوب الباب المغلق اقتربت
منه تمنعه…”سليم انت رايح فين….”
رد بنبرة متجهمة دون النظر الى
عينيها….
“على مكتبي…..عندي شغل من امبارح لسه مخلصش… ”
قالت ببعض التردد….
“تحب اجي معاك….اساعدك….”
رفض سليم بنبرة جافة….
“خليكي مكانك….مش عايز مساعدة انا هخلص
شغلي بنفسي….”
ارتفع حاجبها جافلة وقالت بضيق….
“انت بتردهالي يعني…اي لازمة العقاب ده ياسليم..”
وضع سليم يده على مقبض الباب قائلا
بانزعاج….
“اشتغلي على القضية اللي قدامك واثبتي نفسك
من غير مساعدة زي ما بتقولي….”
قالت بتهكم…
“شكلك مراهن على خسارتي….”
رفع سليم عيناه عليها واعطاها نظرة مهيبة حادة
جعلتها ترجع خطوة للخلف ملتزمة الصمت وهي تعض على لسانها….
فقال سليم بنبرة هادئة تجلى منها صلابة
كالفولاذ…
“انا عمري ما رهنت على خسارة بذات من ناحيتك
انتي….ولو انا بشوفك بالصورة دي صدقيني مكنتش
وافقت أبدًا اشغلك معايا من الأول….عشان الشغل مفهوش جمايل ولا حبايب !!….”
خرج من الباب امام عينيها الجاحظة واغلق الباب
خلفه….
دبت كيان الأرض بقدميها بعصبية وهي تضع يداها
على وجهها بغيظ بعد ان وضعت نفسها في موقف سخيف واعترفت بما يجيش في صدرها دفعة
واحده..وكالعادة تم الفهم بشكلا خاطئ وفشلت
في توضيح مقصدها….
حانت منها نظرة على حقيبة الهدايا الصغيرة
التي كانت بين يدي سليم عند دخوله…
اقتربت منها ومدت يدها بداخلها بملامح عابسة
لتجد قطعتان كبيرتان مغلفتان من شوكلاته
البندق المفضلة لديها قد ابتاعها لها عند عودته
من المحكمة !!….
كانت أحد قطع الشوكلاته ملتف عليها ورقة
بشريط أصفر مكتوب عليها بخطٍ جميل….
(صباح العشق يا من رتبت عمري حتى صار أنيقًا..)
لانت شفتيها في إبتسامة ناعمة نادمة وهي
ترى كلمتان صغيرتان أسفل هذا السطر…..
(بحبك يامُزتي…)
اطبقت على شفتيها الإثنين بحرج شديد ماذا فعلت
بغباؤها بينما هو يفعل هذا لها.. تسعى هي لأفساد ما
بينهما بحماقة….
امتقع وجهها وهي تفكر في حلا لإرضاءه….
……………………………………………………………
كان جالسًا على مكتبه ينفث غضبًا وهو يعمل ناظرًا الى الملفات بقتامة عنيفة ومشاعر محتدة… جاش صدره بالغضب بعد ان رأى في عينيها غباء منقطع النظير…
قد ظنت ان وجودها هنا مجرد إضافة لا قيمة لها…كيف ترى هذا وهي في الحقيقة تتقدم كل
يومًا عن السابق في مجالها…وتتفوق عليه بشهادة
من الجميع وهو أولهم…..
متعجبًا من تفكيرها بتلك الطريقة الرجعية وان احساسها وصل الى هذا الحد معه…..
لكن لا بأس لن يمنعها من فعل ما تريد وحتى ان طلبت العمل بعيدًا عنه لن يقف أمام رغبتها… يكفي ان تعرف انه يحبها ويتمنى لها التقدم والنجاح في هذه المهنة أكثر منه ومن أي شخصٍ آخر ليتها فقط
تدرك قيمتها الحقيقي في عيناه !..
بعد فترة سمع سليم طرقات رقيقة على باب مكتبه فاعطى الأذن للطارق بصوتٍ عميق خال من التعبير… “أدخل…”
فتحت كيان الباب وتجاوزت حدوده ثم اغلقته
خلفها ومن ثم تقدمت بخطى مترددة من المكتب
بوجهٍ متخضب بحمرة الحرج….
رفع سليم عيناه عليها مراقب تقدمها بملامح جامدة شديدة البأس….راها تحمل بين يداها صنية عليها
قدح من القهوة الخاصة به وكوب من الماء….
“حميد مدخلش بالقهوة ليه ؟!!…”
سالها سليم بوجوم….بينما هي وضعت الصنية
جانبًا بالقرب منه وهي تقول بنعومة…
“انا خدتها منه على الباب….”
عاد يسالها وعيناه الغاضبة تفترسها…
“في حاجة خلتك تسيبي شغلك وتيجي هنا…”
عقبت كيان بحيرة….
“من امتى بتسالني السؤال ده ياسليم…”
بنظرة حادة أخبرها…..
“احنا في المكتب مش في البيت…”
رفعت حاجبها متشدقة…
“دا نظام جديد بقا ؟!!…”
لم يرد عليها بل عاد للملفات أمامه بملامح مقتضبة….فدارت كيان حول المكتب بسطوة
ثم جلست على ساقه بتدلل جاعله عبيرها
الياسميني يتوغل الى أنفه بسحرٍ خالص……
مدت كيان اصبعها وداعبت لحيته هبوطًا الى
عنقه….وهي تقول بنبرة ناعمة…
“ميبقاش قلبك قاسي كده…انا آسفه ياسولي….
والله ما اقصد المعنى اللي وصلك….انا بس عايزة
امسك القضية لوحدي واثبتلك قد إيه انا
شاطرة….”
توقف سليم عن التحرك وقد تصلب كل جزء بجسده متأثرًا معها بخفقات عنيفة متسارعة بالقرب منها
ورغم تدفق المشاعر داخليًا سيطر على نفسه وهو يخبرها بنبرة هادئة حازمة….
“لو مكنتيش شاطرة في شغلك مكنتيش فضلتي
هنا دقيقه واحده….حطي ده في دماغك كويس
اوي انا مش بتاع جمايل…ولو شايف ان مفيش
منك فايدة مكنتش طلبت منك تنزلي الشغل
بعد الجواز…. ”
برمت كيان شفتيها بنزق….
“فهمت قولت ده من ساعتين قبل ما تخرج
من مكتبي لاوي بوزك….”
اشاح بعيناه عنها… “انتي اللي عايزة كده….”
مسكت يده وادارت وجهه اليها قائلة
بتوله…
“غلط….انا كل اللي عيزاه…..انت..”
رمقها بنظرة عتاب….
“باين عشان كده عايزة تشتغلي لحسابك…”
ادعت المزاح…..
“اكيد مش هحط الأتعاب في جيبي يعني…”
نظر لها سليم بعنف…..
“بلاش استهبال انتي عارفه انا اقصد إيه….”
داعبت ربطة العنق باصابعها قائلة بدلال وهي
تجلس على ساقة….
“عارفه واسفه….بعد كده مش هعمل اي حاجة من وراك وعد….متزعلش بقا…”
رفع عينيه الى عمق عينيها الفيروزتين وساد
الصمت بينهما فقالت كيان بأنين متوسل….
“وحياتي عندك ياسليم خالص انا آسفه…
ما تزعلش….”
رد مقتضبًا بوجوم…..
“زعلان….وهفضل زعلان لحد بليل…”
ابتسمت بارتياح سائلة….. “واشمعنا لحد بليل…”
لانت ملامحه اليها وهو يقول
بمراوغة… “لحد ما تصلحيني…”
مالت عليه تفتن قلبه بنظرة
عابثة…..
“انا ممكن اصلحك دلوقتي على فكرة…”
امتنع بمكر….. “بس احنا في الشغل….”
شدته من ربطة العنق وهي تقول بخبث….
“كان لازم تقول الكلام ده لنفسك وانت بتعودني
على الممنوعات….”
بدأت تقبله قبلة رقيقة معتذرة فتأثر حسيًا معها
وأستجاب لها بعد ثواني معدودة….
أمسك سليم وجهها بين يداه وانقض على ثغرها
الشهي يقبل كل جزءًا منه بانتشاء….شغوف بها
وهو يلامس جسدها الغض فوق ملابسها بجرأة
بينما يلهث بانفاسٍ ساخنة وهو يوزع القبلات
بشوق على حنايا وجهها الاحمر….
وكأنه لم يغرقها حب أمس حتى انها لم تنم بشكلا
جيد….ككل يوم بينهما يكن الليل ملتهب بالمشاعر
الخاصة التي تباح ليلا منتشرة على فراشهما بعد
تكبدها نهارًا بين الجميع…..
أطلق سراح شفتيها بعد دقائق من المداعبة الحميمية
بينهما ثم ضمها الى صدره دافن وجهه في جيدها…
بينما هي اغمضت عينيها بعذوبة تلهث من بين شفتيها كقطة اتعبها الدلال….
سالها سليم وهو يمرر يده على طول
ظهرها…
“كلتي الشوكلاته اللي جبتهالك ياعصفورتي….”
هزت راسها بنفي قائلة
بتغنج….
“لا….هاكلها بليل معاك….”
نداها سليم وهو يطبع قبلة على
جيدها… “مُزتي….”
“نعم ياحبيبي….”رفعت راسها تنظر اليه
بحب…..
فقال سليم بنظرة مسحور بجمالها وقلب
مدله بحبها…..
“لازم تعرفي اني بحبك ومش عايز ألغي وجودك بالعكس….انا نفسي أشوفك أحسن مني….بلاش تفكري كده زي ما انتي مهمة في حياتي…مهمة
كمان في المكتب ده…”
اسبلت اهدابها قائلة بخفوت…
“عارفه واتاكدت أكتر النهاردة…. انا آسفه…”
قرص وجنتها برفق يحثها على النظر لعيناه
وعندما فعلت قال بهدوء…..
“متعتذريش زي ما اتفقنا هتشتغلي على القضية
لوحدك من غير ما أدخل….لكن لو احتاجتي تستشريني في حاجة انا موجود…. اتفقنا….”
نهضت من مكانها تضبط سترتها وشعرها
وهي تقول بايماءة…..
“اتفقنا….. انا لازم إرجع مكتبي….”
امرها سليم بنبرة حانية….
“بلاش تخرجي كده….اغسلي وشك الأول…”
اومات براسها بالموافقة وهي تدلف الى الحمام
الملحق بالمكتب….فتحت صنبور الماء وهي تنظر
الى صورتها المنعكسة في المرآة حيث وجهها الاحمر وشفتيها المنتفخه آثار هجوم قبلاته عليها الى تلك
العلامات الحمراء على طول عنقها…..
رفعت ياقة السترة قليلا وهي تضحك بخجلا
وهيام ثم شرعت في غسل وجهها بحذر حتى
لا تبلل سترتها الغالية….
بعد لحظات خرجت من الحمام وهي تقول
بهروب…
“انا هرجع أكمل شغلي في المكتب….عايز حاجة..”
قال سليم بنظرة مداعبة…
“عايزك انتي أكيد….”
توقفت كيان مكانها ترمقه بدهشة وهي تضحك
بعد ان فهمت مغزى الجواب…..
فقال سليم بابتسامة تقطر وسامة….
“يعني لو حبه ترجعي تشتغلي معايا هنا انا
معنديش مانع….”
اهدته كيان ابتسامة صغيرة مراوغه قبل ان
تتابع طريقها للخروج…..
“هفكر يامتر…. وبعدين أرد عليك…..سرانغي….”
أغلقت الباب خلفها فأرجع سليم ظهره للخلف
مرتاحًا متمتمًا بنبرة عاشقة…..
“سرانغي من كل قلبي…”
………………………………………………………..
في صباح اليوم الثاني صدح الهاتف الخاص بها
برنين مستمر مدت ذراعها تلتقط إياه ثم فتحت
الخط ووضعته على اذنها قائلة بنبرة ناعسة..
“الـو….”
اتى صوت شقيقتها متذمرة منها…
(انتي فين ياكيان برن عليكي بقالي ساعتين…)
قالت كيان وهي تتمايل أسفل الغطاء بجسد عاري منهك من لليلة أمس بعد أمسية شاعريه فوق
هذ الفراش الذي كان عبارة عن حلبة مصارعة
حميمية بينهما…….
“كُنت نايمة هي الساعة كام دلوقتي….”
اجابتها شهد……(عشرة….)
نظرت كيان في أرجأ الغرفة لتجدها فارغه
من حولها……
“عشرة؟!!…ازاي سليم مصحنيش للشغل…”
سالتها شهد بتردد
وحرج….
(هو جوزك جمبك….)
هزت كيان راسها وهي تستلقي على ظهرها
ناظرة للسقف….
“لا شكله راح المكتب وسبني نايمة…نمت متأخر
إمبارح….”
سالتها شهد ببراءة
وقلق…
(لي كده….كنتي تعبانه ؟!!….)
ضحكت كيان بقلة
حياء….
“لا انا كويسه بس يعني ا….”
اوقفتها شهد بحرج شديد….
(خلاص فهمت…..ربنا يسعدكم ياكوكي…طب
يلا بقا اجهزي كده وانزلي وانا هستناكي
في المعمل….)
مطت كيان شفتيها…
“انا مكسلة أروح أعمل التحاليل دي ياشهد…”
حثتها اختها على القدوم وهي تقول
بنبرة حنونه…..
(ليه بس اطمني ياحبيبتي مش بتقولي
البريود بقالها شهر مجتش….خلينا نعمل تحليل
ونطمن…مش يمكن تكوني حامل….)
سالتها كيان وهي تضع يدها على
بطنها…. “تفتكري ياشهد…”
قالت شهد برفق…..
(يمكن….اتفائلي خير انا هستناكي هناك….)
اقترحت كيان بلهفة…..
“لا عدي عليا نفطر سوا وبعدين نروح…مفيش
حد في البيت سليم في المكتب وعمو مصطفى
مش هنا….”
وافقت شهد وهي تأمرها….
(خلاص هعدي عليكي بس اجهزي عشان ننزل
علطول بلاش لكاعه…..)
اتسعت إبتسامة كيان وهي تقول
بحماس…
“مسافة السكة ياشوشو وهتلاقيني جاهزة باي..”
اغلقت الخط مع اختها ثم استوت على الفراش
جالسه وهي تمد ذراعيها للأعلى متمايلة بكسل
وعلى ثغرها إبتسامة متلألأة بسعادة….
بعد ان قضت أمسية رائعة في احضان حبيبها
غمرها بالحب والشوق اتعبها دلال وصب كل
مشاعره فوق جسدها وقلبها الظمأن حتى
ارهقها الحب والممارسة فنامت على صدره
العاري تلهث بأنين خافت بين ذراعيه…..
حانت منها نظرة على اغلفة الشوكلاته الفارغة
على المنضدة بعد ان تناولا منها ليلا…. كانا
يلتقطا القطع من شفاه بعضهما فتذوب قطع
الشوكلاته بالبندق بين سخونة القبلات الحارة
والمذاق بها خيالي…..
انتبهت الى الورقة الصغيرة جوار الاغلفة الفارغة
فالتقطت إياها وجرت بعينيها الفيروزية على
الكلمات فأتضح انها قصيدة لنزار قباني
خصها سليم لها…..
(ومن لا يحب عيناكِ…مزال عن جمال الدنيا
أعمى….)
ابتسمت بنعومة وراقت لها الكلمات بشدة….
طبعت قبلة صغيرة على الورقة متمتمة
بتوله….
“بحبك…. بحبك اوي ياسليم…..”
مسكت الهاتف وارسلت له هذه الاعتراف الصباحي
الحار بالاشواق عبر رسالة صوتيه لكنه لم يراها
بعد….
ابعدت الغطاء عنها واتجهت الى الحمام تستعد
حتى تستقبل أختها لتناول الفطور سويًا قبل
الذهاب الى معمل الفحوصات….
بعد فترة…..
جلست على المقعد بالخارج أمام باب المعمل تنتظر
النتيجة وبجوارها شهد التي ربتت على كتفها قائلة
بنبرة حانية….
“مالك متوترة كدا ليه….دا مجرد تحليل…”
قالت كيان بلهفة وتوتر….
“مش عارفه قلبي بيدق جامد متحمسة أعرف
النتيجة….”
سالتها شهد بمحبة…
“قوليلي نفسك تجيبي ولد ولا بنت….”
شردت كيان بنظرة عاشقة….
“نفسي اجيب ولد شبه سليم….”
تأوهت شهد وهي تقول بمناغشة….
“ياسلام طب وليه مش بنت جميلة شبهك تاخد
لون عيونك الحلوين….”
نظرت لها كيان بحب وهي تقول….
“انا عايزاها شبهك انتي ياشهد….تاخد جمالك
ورقتك…. طيبة قلبك وحبك للناس……”
تبادلا النظرات وقد لمعة عينا شهد بتأثر
عاطفي…..بينما سألتها كيان بحزن عليها….
“قوليلي اي أخبارك انتي وعاصم…”
زمت شهد شفتيها بسأم….
“زي ما احنا…..بنبقا مع بعض زي الاغراب….بنبعد
كل يوم عن اليوم اللي قبله…”
رفعت كيان حاجبها بتهكم….
“إزاي مش متأثر بقربك منه….دا انتوا عايشين مع
بعض في نفس المكان….”
“بس كل واحد في أوضة….”قالتها شهد وهي
تتافف مضيفة بغصة مريرة….
“تعرفي ياكيان…انا حاسه انه مبقاش بيحبني..
وانه مكمل معايا عِند مش أكتر….”
زمجرت كيان بعنفوان…
“طب وانتي هتفضلي ساكته على الوضع ده…”
اطرقت شهد براسها تخبرها بنبرة مختنقة
بالوجع…..
“مفيش في ايدي حاجة اعملها انا حاولت
واعتذرت كتير عن اللي عملته…بس مفيش
فايدة…دا غير ان اللي إسمها رفيدة بطرده
بمكالمتها من تاني بحجة الشغل وهو طبعا مش
ممانع ودا جارح كرامتي أوي…وخلاني اخد
جمب من ناحيته…”
صاحت كيان بغيظ….
“رفيدة ؟!!…وانتي إزاي ساكته ياشـهـد على
المهزلة دي…”
تبرمت شهد بنظرة ميته…..
“عايزاني اعمل اي ياكيان أروح اجبها من شعرها…”
اكدت كيان بنبرة محتدة….
“أقل واجب على فكرة…وهو ازاي مديها مجال…”
اجابتها باقتضاب….. “بيقول شغل….”
قالت كيان بحدة…..
“شغل… دا بيستغل وجودها عشان يضايقك…”
زفرت شهد بقنوط…..
“انا كمان حاسه بكده…مع ان ده مش طبعه….”
توقفت شـهـد عن المتابعة بعد ان فتح الباب وخرجت الطبيبة في يدها ورقة الفحوصات
وعلى شفتيها ابتسامة مهنئة….
“الف مبروك يامدام كيان…التحاليل بتأكد
انك حامل….”
نهضت كيان من مكانها فاغرة فمها بسعادة وذهول
وهي تنظر الى اختها التي نهضت معها ووقفت
امامها تسحبها الى احضانها تبارك لها بفرحة
عارمة…
“الف مبروك ياكوكي…..هتبقي أجمل واحن
مامي في الدنيا…مبروك ياحبيبتي….”
بكت كيان في احضان اختها بسعادة لا توصف
وهي تسالها ببلاهة….
“شهد…انا حامل….حامل بجد….”
اخرجتها شهد من احضانها برفق وهي تقرص
وجنتها قائلة بدموع الفرح….
“حامل ياحبيبتي ربنا يكملك على خير…دلوقتي هنطلع على الدكتورة اللي هتبعي معاها الفترة
دي نكشف ونطمن أكتر على النون….”
هزت كيان راسها وهي تفتح سحابة حقيبتها
بعجلة….
“لا استني انا هتصل بسليم….لازم أقوله….”
ابتسمت شهد بدهشة مقترحة عليها…..
“مستعجلة ليه اجليها لحد ما يرجع من شغله
وتقوليلو وهو قدامك أحسن….”
قالت كيان بلهفة……
“مش هقدر استحمل لحد بليل لازم أقوله دلوقتي…”
ضحكت شهد بعينين تلمع بالدموع واومات براسها
ثم تنحت جانبًا تعطي لاختها مساحة خاصة لأخبر
زوجها…..
وقد شرد ذهنها في اليوم الذي اخبرت عاصم
بحملها وكم تفاجئ وقتها بشكلا مضحك وبرقة
عيناه المظلمة بلهفة والسعادة.. وقتها قضت معه
ليلة تضوي بالحب ملتهبة بالمشاعر على فراش
بات الان فارغ وبارد دونهما……
رفعت كيان الهاتف الى اذنها وانتظرت رد سليم
الذي اتى بعد لحظات…..يقول بهدوء متعجبًا…
(انتي فين ياعصفورة….كل ده تأخير….)
قالت كيان بصوتٍ يرتجف على أوتار
السعادة والحب….”سليم أنا……..انا حامل…..”
ساد الصمت على الناحية الأخرى لفترة من الاستيعاب حتى عاد يسألها بحماقة…
(اللي سمعته صح…..انتي فين ياكيان؟!!…)
قالت كيان بتردد….
“في معمل التحليل مع شهد….النتيجة
طلعت واتأكدت اني حامل…..”
هتف سليم على نحوٍ مفاجئ….
(ابعتي العنوان بظبط…… انا جاي….)
نزلت دموع كيان وهي تضع يدها على بطنها تتحسسها بصدمة بلهاء….
“انا حامل…..بجد مش مصدقة….”
سالها سليم من بين تنهيدة طويلة غير مستوعب
بعد….
(كـيـان…عصفورتي….أوعي يكون مقلب…او بتمثلي
مشهد كوري من بتوعك….)
قالت كيان فجأة….
“انا هستناك في البيت……”
وقبل ان تنتظر الرد اغلقت الهاتف….اقتربت منها
شهد تسالها بعينيها…فقالت كيان بغباء….
“قفلت السكة في وشه….”
ضحكت شهد بذهول….
“ليه يابنتي كده هيزعل….”
هزت كيان راسها دون تبسم وقالت…..
“مش هيزعل هو مش مستوعب الخبر….زي مانا
لسه مش مستوعبة….”
احاطت شهد منكبي اختها بذراعها وهي تهزها بمشاكسة سعيدة….
“بكرة تستوعبي وتفرحي أول مايبدا يكبر جواكي..”
تاوهت كيان وهي تنظر الى بطنها
المسطحة… “ياربي…”
ضحكت شهد وهي تحثها على السير معها
للخروج من هنا….
“يلا…..يلا عشان نلحق الكشف…..”
سارت مع اختها ويدها على بطنها بينما شهد تحيط
منكبيها من الخلف وهي تثرثر معها عن خطط الغد
مع هذا الصغير….وأهم النصائح للحفاظ على نفسها
في فترة حملها….
وان سألوني عن الصداقة سأحكي عن اختي أولًا
ودائمًا وأبدًا…..فمن أحببتها قبل الجميع كانت
أختي ، ومن بقت معي للنهاية هي أختي….
فسلامًا عليكِ يامن جعلتي للصداقة معنى
ولا معنى لها بدونك !!….
………………………………………………………………
فتح عثمان باب الشقة الى المحامي زاهر الذي
دلف بوجهٍ عابس يسأله على عجلة…
“في اي ياعثمان جيبني على مالى وشي كدا ليه
إيه اللي حصل….”
قال عثمان بوجه مكفهر…..
“مصيبة يازاهر… مصيبة واتحطت فوق دماغي….”
أغلق زاهر الباب يسأله بصدمة…..
“اي ده انت عرفت دا انا كنت ناوي ابلغك… انا لسه
عارف الأخبار من عشر دقايق…..”
برقة عينا عثمان بأمل….
“عرفت منين؟!!… انت قبلتها….”
ساله زاهر متعجبًا….. “قبلت مين ؟!!…”
قال عثمان…… “مهجة……”
علت الحيرة وجه زاهر فتشدق…..
“مهجة مراتك؟!!… هقبلها ليه ياعثمان….مالي
ومالها… ”
ساله عثمان بضجر…..
“امال انت تقصد إيه بكُنت ناوي ابلغك….”
بلع زاهر ريقه قائلا بوجوم…..
“الأسهم اللي اشترناها من شهرين سوا في شركة (….)..”
سأله عثمان بقلق…..
“مالها ماهي شغاله كويس وبنكسب من وراها كمان..”
استرسل زاهر باقتضاب….
“كنا بنكسب لحد إمبارح بس…..الأسهم نزلت الأرض
والشركة المنافسة اشترت… وخسرنا….”
جحظت عينا عثمان بالصدمة وكأن الخبر بمثابة صاعقة رعدية هبطت فوق رأسه فلم يشعر بساقه وهي تهوى على أقرب مقعد جالسًا بعجز….وهو
ينظر الى زاهر بشحوب متكبد بصدره شعور
الخسارة الكبرى….
“يعني إيه خسرنا… ومين الشركة المنافسة دي…”
تافف زاهر وهو يخبره على مضض…
“اللي عرفته ان عاصم الصاوي ليه يد في خسارتنا
وانه اشترى الأسهم بسعر التراب عشان يخسرنا…”
ازداد إتساع حدقتا عثمان حتى اصبحتا جذوتان
مشتعلتين بلهيب الاسود وهو يقول بكراهية
وغضب…..
“ابن ال**….مكفهوش اللي عمله في مكتب الظابط
جاي يكمل عليا في شغلي ويخسرني…”
وضع عثمان يده على عنقه وهو يشعر بالاختناق
معترف بصوتٍ مقهور عاجز….
“الخسارة كبيرة اوي يازاهر دا انا كنت حاطت فيها
كل الفلوس اللي معايا…. خدت من البنك واشتريت
الأسهم بيها….”
تململ زاهر قائلا بقنوط….
“قولتلك بلاش تشتري بكل الفلوس اللي معاك…
دا سمك في ميه انت اللي طمعت أول ما شوفت المكسب…”
صاح عثمان بعصبية…..
“كانت شغاله كويس هو سبب الخراب ده كله…”
قال زاهر بجزع وهو يجلس على مقعد
مقابل له….
“اللي حصل حصل….. خلينا في المهم مراتك عملت
إيه خلاك تبعتلي زي المجنون….”
اخبره عثمان بملامح متجهمة….
“سرقت الأوراق اللي في الخزنة وعشر تلاف
جنية كنت حاطتهم فيها…..”
ساله زاهر بجدية….
“مش مهم الفلوس الأوراق اللي خدتها دي مهمة ؟!!..”
اوما عثمان براسه بخزي…..
“ورقة واحده فيهم هي اللي تهمنا…. وصل
الامانة اللي واخده على حمزة….”
فغر زاهر فمه بصدمة وهو يقول بتشنج….
“وصل الامانة اللي خونتني فيه ومرضتش تخليه
معايا ضيعته ؟!….”
أطرق عثمان براسه بغضب…بينما صاح
زاهر بانفعال…..
“وبتكلمني ليه… هعمل إيه انا دلوقتي….”
نظر له عثمان بعنف قائلا بصلابة…..
“تصرف تعمل محضر بسرقة….انا مطلقها من فترة
وهي عملت دا كله عشان تنتقم مني….”
ضيق زاهر عيناه بريبة سائلا….
“مش يمكن يكون ابنك ليه يد في اللي بيحصل…”
استبعد عثمان الفكرة ساخرًا…..
“وايه اللي هيلم الشامي على المغربي….”
قال زاهر بابتسامة خبير…..
“الفلوس… الفلوس تعمل إي حاجة وتجمع اي حد…”
نهض عثمان من مكانه متوعدًا
بشراسة…
“معقول؟!…. دا يبقا كده حفر قبره بأيده….”
ربت زاهر على كتفه يكبح شره مؤقتًا وهو
يقول بعقلانية……
“أصبر اما نشوف أكيد هيبان… اذا كان هو اللي زقها او هي اتصرفت من دماغها….. وعلى ما ده يحصل هعمل محضر بسرقة والحكومة اكيد هتجبها تحت رجلك….”
لمعة عينا عثمان بالقسوة وهو يقول بنبرة قاتمة
تسود بالوعيد…..
“اه لو شوفتها هشرب من دمها….ولو طلع حمزة
ورا اللي بيحصل….هطلع عليه القديم والجديد
هحسره على عمره ابن كريمة…..”
……………………………………………………………..
وضعت حقيبتها الباهظة على الطاولة ثم القت جسدها على الاريكة وهي تتأوه بتعب…
خرج مسعد من الغرفة وعندما راها ابتسم سائلا
بلهفة واهتمام…
“اي چيچي اتاخرتي كده ليه…عملتي التحاليل
اللي قولتي عليها..”
زمت جيهان شفتيها بقنوط قائلة….
“عملتها ومطلعش حمل زي كل مرة…. انا مش عارفه
اعمل إيه… انا عملت كل حاجة عشان أحمل ومفيش
فايدة… وكل التحاليل بتأكد اني سليمة….”
نظرت جيهان اليه قائلة بحنق بالغ….
“مسعد شوفلك حل انت لازم تكشف….”
على وجه مسعد الدهشة وهو يقول بثقة….
“هكشف على إيه ياجيهان ان صاغ سليم..ولا
ناسيه اني عندي ولد من مراتي الأولى…”
قالت جيهان بغيظ… وهي تكاد تنفث نارًا من
اذنيها….
“عارفه… بس انت مجبتش غيره.. وقولتلي قبل كده
انكم قعدته فترة طويلة لحد ما مراتك خلفت….”
اوما مسعد موضح….
“بس كانت المشكلة عندها مش عندي… وحصل
حمل بالحقن المجهري وخلفنا….”
قالت جيهان بنبرة ملتاعة ونظرة متلهفة لتجربة
الامومة….
“انا مستعدة أعمل عملية زيها.. بس تكشف الأول
وتعمل تحاليل يامسعد… مش يمكن بعد السنين دي
كلها حصلت مشكلة بسيطة موقفة حملي منك
عشان خاطري لو بتحبني أسمع كلامي وروح اكشف….ولا انت بقا مش عايز تجيب عيال مني…. ”
رمقته بنظرة مشككة….فاقترب مسعد منها وجلس
على الاريكة جوارها قائلا بحب وهو يلف ذراعه
حول خصرها مقربها منه….
“دا يوم المُنى ياحبيبتي لما اجيب منك ولاد..
خلاص هروح اكشف…..في اقرب وقت… انا
عندي كام جيهان….”
“حبيبي ربنا يخليك ليا…”مالت عليه وقبلته
برضا تام…ثم عادت تنظر اليه وهي تسأله
بغيرة…
“مسعد هو انت…انت بتتواصل مع الهام؟!…”
هز مسعد راسه بنفي…. “لا بتسألي ليه….”
نظرت للجهة الأخرى بكبرياء….
“عادي يابيبي…. مجرد سؤال….”
قال مسعد بنبرة هادئة تجلى بها الصدق….
“مبقاش فيه تواصل بينا ولا حاجة ينفع نتكلم فيها
كل اللي بينا يزن….وانا بتواصل مع ابني والحمدلله
علاقتنا اتحسنت عن الأول…البركة في عاصم شغل
يزن في الصاغة آثر عليه….وخلاه ينشف كده ويبقا
راجل بجد….”
غامت عيناه في نظرة حنين وهو يضيف…
“اللي خلف مامتش وكأن عبدالرحمن اخويا لسه
موجود وبيسندني….”
ربتت جيهان على كتفه قائلة برقة….
“ربنا يخليكم لبعض…عاصم انسان جميل ومحترم
ومن زمان شخصيته ملفته للكل من ايام ما كنت
بشوفه معاكم في النادي….فاكر الأيام دي…”
اعطته نظرة مشاكسة تذكره بما مضى بينهما
فقربها مسعد من احضانه قائلا….
“دي ايام تتنسي برضو….دي الأيام اللي خلتني
اقع في حبك ياجيهان…..”
قالت جيهان بالحاح…..
“لو بتحبني بجد هتحاول تفضي نفسك في اقرب
وقت وتروح تكشف على نفسك وطمني….”
ابتسم مسعد باستياء قائلا….
“حاضر هروح اكشف في أقرب وقت…وعـد…”
………………………………………………………………
كان ممد على الاريكة يخطَّ بالقلم على الدفتر
يرسم رسمة مميزة عن قطعة ماسية نفيسة
شكلا ومضمونًا…..
توقف للحظة ورفع عيناه الصقرية على بابٍ مغلق خلف هذا الباب أمرأه في غيابها زهّد متع الحياة بدونها أغلق جميع الأبواب إلا باب قلبه مزال
مفتوح ينتظرها !…
وهذا ما يشقي رجولته…انهُ في حبها مدله وهي
في الحب متباعدة…..متباعدة جدًا عن هذا
الشعور الخاص….
التنائي في الحب هو أصعب شعور ممكن ان
يختبره الطرف المتضرر…..وهو تضرر كثيرًا
منذ ان عشقها….
للأسف لم يجد في قلبها ما يروي عطش قلبه
قد وهبة له جسدها دون مشاعر وعاشت في
احضانه تنعم بالحب دون ان تذيق فؤاده قطرة
واحده من حبها….
مؤسف ان يقولها بعد كل ما كان بينهما لكنها
الحقيقة الظاهرة لكلاهما….ضنت في حبها
له بينما سخى هو بكرم في مشاعره…
فكانت النتيجة الحصول على اللاشيء….هذا اللاشيء الموجع في الحب لأنه ببساطه لا
شيء…..
فراغ موحش في الحب… فراغ قاتل….والوجع
متقرح من كثرة الإهمال والتحمل…..
شرد قليلا في أحد الذكريات الخاصة بينهما عندما
كانت في عيناه سيدة الحُسن والجمال…..ملكة على
عرش قلبه تتربع….كانت زوجته الحبيبة وأم طفلته التي كان يتوق لحملها بين يداه وتمتع بنظر الى وجهها الملائكي لكن ذهب كل شيء عند أول عاصفة ترابية هبت فجأة مدمرة عالمه الصغير وما ينتمي لهم….
دلف إليها في أحد الأيام في حجرة تبديل الملابس
الجزء الملحق في غرفتهما…فوجد الفوضى تعم المكان وملابسها ملقاه هنا وهناك بشكلا عشوائي
مغيظ بنسبة لرجلا يفضل النظافة والنظام في
كل شيء….
كانت منحنية على عقبيها تبحث بين الرفوف عن
شيءٍ ما تبعثر وتلقي بعصبية زائدة آنذاك سالها
بريبة….
(اي دا كله ياشـهـد… لي الدنيا مقلوبة كده…)
نظرت اليه بصدمة وكأنها لم تلاحظ وجودها إلى
الآن….فلم تتحرك من مكانها فقالت بتبرم وهي
تعيد البحث…..
(عشر دقايق بظبط وهتلاقيني فاضية….)
سالها وهو يقترب
منها….
(بدوري على إيه فهميني….)
قالت بتافف….(بنطالوني الجينز…..مش لقياه….)
وقف عاصم جوارها بطوله الفارع….وقال
بهدوء…..
(يمكن في الغسيل….)
هزت راسها وهي تبحث
بتشنج….
(بقالي فترة ملبستهوش أصلا….)
سالها عاصم وبدأت عيناه تبحث من حوله
بفطرة..(لونه إيه عشان أدور معاكي….)
قالت بحرج متجنبة النظر
إليه….
(متتعبش نفسك انا هلاقيه…)
لوى فمه بعدم رضا….
(هتلاقيه إزاي كده… انتي خليتي الدريسنج
سوق كانتو….)
ضاق خلقها فقالت….
(أوف بقا يعني اعمل إيه….)
ابتسم عاصم مقلدها بنبرة
مستفزة…..
(أوف بقا يعنيي اعمل اييي….)
لفظت اسمه من بين اسنانها….(عااااصم…..)
ضحك عاصم بتسلية فكلما ناكفها بتلك الطريقة يشعر براحة لا مثيل لها !!…مد كف يده لها قائلا
بعد ان انهى حصيلة الضحكات الخشنة…..
(طب قومي من على الأرض القعده دي غلط….كده زنقة على ست الحُسن الصغيرة…..)
وضعت كفها الصغير في يده قائلة بضيق
وغيرة……
(طبعا كل اللي يهمك بنتك….)
قال بحاجب مرفوع……(بدانا نغير…)
رفضت ان تفصح عن الأمر بكبرياء…
(مش بغير انا….بس اهتمامك زاد بيا من ساعة ما عرفت اني حامل…..)
ادعى عاصم الذهول قائلا دون
مقدمات…(انتي بجد ست ظالمة….)
ارتفع حاجبا شهد مع اتساع عسليتاها بريبة بينما
الغضب بهما تجلى وأصبح شرار ذهبي ملتهب…
فأكد عاصم دون تراجع بنبرة هادئة تجلى بها
شيءٍ من العتاب…..
(ايوا ظالمة وعايزة تضربي كمان….من يوم ما عرفتك وانا مهتم بيكي وبكل حاجة تخصك….ولا ناسيه معاد
الساعة عشرة….انا كنت بتحجج كل يوم الصبح عشان أشوفك….وفاكرة طبعًا كنتي بتعملي إيه…)
اضافت بصراحة دون ذرة ندم….
(كنت بهرب منك….)
وقتها سمع شيءٍ فرقع بين اضلعه وكأنه شرخ
جديد نال من قلبه ومع ذلك قال بمزاح….
(طول عمرك جبانه….)
قالت بنبرة صادقة…..
(كنت خايفة من اللي بحسه ناحيتك….)
اقترب خطوة منها حتى بات وجهيهما متقاربا
جدًا فسالها وعيناه تنطقان بالكثير..
(واي هو اللي كنتي بتحسيه ناحيتي ياست الحُسن….)
رفعت راسها تبادله النظر بصمتٍ واللهفة في
عيناه حكاية عشق جميلة اربكتها بعد قرأت
أول سطور بها…..
كان عنيف المشاعر في حبها بينما هي معه
خاوية باردة كجثة مجمدة في مبرد الأموات
تنتظر تصريح الدفن لترتاح ؟!!…
شيء معذب ان تظل امام الحب صامت وامام
من تحب باهت…..باهت جدًا وبعيد…..
سالها عاصم مبتسمًا بأمل….
(مالك سكتي ليه عايز أعرف ؟!….)
ابتعدت عنه خطوة قائلة ببسمة
باهته…(لما أعرف انا الأول…..)
اولته ظهرها وهي تلعن نفسها وعذاب الضمير
يدمي قلبها….لماذا لا تنطق هل الأمر صعب
الى تلك الدرجة…..
انها تقتل صبره بصمتها الغبي…
بلعت غصة مسننة في حلقها وهي تدير وجهها
اليه مجددًا لتراه يبحث عن شيء فسالته
بتردد…..
(بتعمل إيه ياعـاصـم….)
رد بهدوء يخفي ما سببته من الام….
(بدور على البنطلون اللي قلبتي الدنيا عليه…)
قالت بحرج وهو تقترب…(مش مهم بقا خلاص….)
سالها دون النظر لها…..(هو لونه اي صحيح….)
اجابت بهدوء….(أبيض….)
أعطاها لمحة سريعة وهو يقول
بحيرة…
(زي اللي انتي لبساه ده….)
اشار على بنطالها فنظرت الى ما ترتدي فاغرة الفم
بذهول قائلة…..(اي ده….دا هو…..)
انتصب عاصم واقفًا يسالها بحاجب
مرفوع….(هو مين؟!…)
تخضب وجهها بالحرج الشديد وتمنت ان تنشق الارض وتبتلعها افضل من مواجهة هذا الموقف السخيف الـ…..الكارثي……..اجابة بخفوت…
(البنطلون….)
رفض عاصم التصديق وهو ياخذ خطوة نحوها بغضب أسود……(لا…)
تراجعت وعلى محياها ابتسامة مرتجفة
متوترة….
(اه والله….إزاي مش واخده بالي اني لبساه….)
اعاد عاصم الكلمة وعيناه ترمقها شزرًا….(لا…)
وجدت ظهرها يستند على الحائط خلفها وكأنها
وصلت للنهاية فقالت بارتياع….
(عاصم بلاش تتهور انا لسه واخده بالي دلوقتي
اني لبساه…)
وضع عاصم ذراعه جوار راسها ومال عليها يحاصرها
بجسده الضخم دون ان يلمسها مجرد الوقوف امامها
حجب عنها العالم ولم يبقى من العالم بأسره سواه امام عينيها المتوجسة…….
قال عاصم بنبرة مغتاظة….
(قوليلي بجد الغباء ده بسبب الوحم… ولا دا
الطبيعي عندك !!..)
بللت شفتيها وهي تضع يدها على بطنها المنتفخة
قليلا…..مدافعه عن نفسها بمزاح……
(أكيد بسبب الحمل…ست الحُسن الصغيرة خطر
على مخي وهرموناتي بجد….)
هتف عاصم بصلابة….
(متظلميش بنتي انتي اللي خطر علينا….)
مسك ذراعها بقوة لتميل عليه متأوهه
بدلال…(عاصم آآه….دراعي…)
بعثر انفاسه الساخنة على وجهها مزمجر
بضيق….
(عايزة تضربي ياشـهـد….عشان مفيش حد عاقل
بيعمل كده…..)
قالت وهي تنظر اليه بالطافة القطط…
(أكيد مهونش عليك تضربني….وبعدين انا مخدتش
بالي والله….)
لم يلين وهو يسالها….(ليه عندك عمى ألوان…)
قالت بشفاه ممطوطه…..
(تقريبًا الفترة دي عندي كل حاجة…بس وعد بعد
ما أولد هخف من كل حاجة…)
ترك عاصم ذراعها قائلا بقتامة….
(ويمكن عقدة لسانك تفك كمان….يمكن بنتي
هي السبب؟!…)
اسبلت اهدابها بقلب خافق وهي تقول
بهروب….
(خليني ارتب الدريسنج وبعدين ننزل نتغدى
سوا..زمنهم مستنينا….)
اوقفها عاصم عن التحرك وهو يقول
في صبر…..
(سيبي كل حاجة الشغالين تحت يرجعوا كل حاجة
مكانها….انا عايزك تجهزي عشان هنروح نتغدى برا
النهاردة…..)
تهللت اساريرها سائلة…..(هنروح مطعم….)
ابتسم بعد ان رأى فرحتها بالخروج معه فاعطى
لنفسه الأمل من جديد وبعض الصبر وهو
يقول بعذوبة…..
(لا هناخد الغدا من هنا ونقضي اليوم على البحر
في المكان اللي بصطاد فيه…اي رأيك…)
اومات براسها مبتهجة….
(موافقة طبعًا…..بس هصطاد معاك….)
قالتها وهي ترفع اصبع الشرط فانزل اصبعها
قارص وجنتها بمحبة….
(علم وينفذ يامعلمة شهد يلا اجهزي….)
(علطول يامعلم عاصم….)طبعت قبلة سريعة على خده ثم سارت باتجاه الحمام تجهز نفسها لقضاء
أمسية جميلة على الصخور امام البحر وجوار
حبيبها….وطفلتهما ستشارك الطلعة وتستمتع
بالهواء النقي الرطب…..
عاد من ذكرياته بضحكة منه خافته ساخرة ومريرة
لفظ معلقًا بغصة مسننة…
“إزاي كنت بشحت منها الحب…..”
نظر الى الرسمة التي لم تتضح معالمها بعد
كحاله في تلك القصة تمامًا…سال نفسه
بصوت معذب مجروح…..
“إزاي عملت كده في نفسي وليه معاها لحد
دلوقتي؟!!..”
سؤال لديه إجابة مُفصلة عنه لكنه يأبى سماعها
فهي مؤلمه جدًا عليه….هو رجلا أحبها حتى
النخاع وضاع بعدها ضياع اليتيم في زحمة
الدنيا…
وان القلوب عند الحب حرون لا تطع أصحابها وتهفو بمشاعرها الى من تشاء…
فتح باب الغرفة وظهرت شـهـد أمامه في لحظة حرجة متخبط بها بين الوجع والحب…..
رفع عيناه عليها فتوقفت مكانها وكأن نظراته كسهام
رشقت في صدرها فجأة…
بلعت ريقها وهي تبادله النظرة بتردد من عسليتاها
فهي ولمدة ساعتين كاملين ترتب حديثها امام المرآه
وكأنها في مواجهة صريحة معه….
اللعنه انهُ بعثر كل شيء بنظرة واحده ماذا ان
أبدى رأيه في قرارها عن امتلك مطعم والعمل به…وان من ساعدها في هذا الأمر يزن….
يزن؟!!!!!……
لا شك بانها تحفر قبرها بيداها وتدفعه للجرم
بطريقة سخيفة بها نوع من البراءة المشكوك بصحتها !….
وضعت يدها على رقبتها متخيلة عنقها يُسحق
في كف يده……
اثناء هذا الصمت المريب كان عاصم ينظر لها عن كثب يتوغل الى اعماقها بنظرة مظلمة…..
كانت ترتدي قميص قطني بنصف كم يتخطى طوله
ركبتاها، أسود اللون…. تبرم شعرها فوق راسها مثل الكعكة لكنها شديدة الفوضى والجمال مع تناثر الخصل الرفيعة الناعمة حول اذنيها الحمراء….
حمراء !!….
حمراء اذنيها اذا فهي متوترة، محرجة، غاضبة
ايهما أصدق شعور تعيشه الآن…فلا تحمر اذنيها
وانفها إلا مع تلك الأسباب….
انتابته مشاعر غريبة في حضورها فهو يحفظها بصورة تصب الشوق والحنين إليها…..وهذا ما
يبغضه بشدة…..
اطلقت شهد نحنحة انثوية خشنة وهي تقوي نفسها
بالاقتراب منه…..ثم جلست على مقعد مجاور للاريكة فانحصر القميص القطني عليها كاشف عن ساقيها
البيضاء الناعمة وضاق على مفاتنها فضاق خلقه
وزفر بقوة مبعد عيناه عنها بصعوبة الى الرسمة
التي لم تكتمل بعد….
من يوم ان حاول التقارب منها وبعد تمنعها
المهين لرجولته وهما على هذا الحال يتباعدا
آلاف الاميال….
ورغم رغبته الشديدة بها آنذاك إلا أن عدم تجاوبها
معه كان بمثابة دلو من الماء البارد أثلج وجمد كل شيء بداخله…..
تنهدت شهد وهي تنظر اليه بين الحين والاخر
بتردد…ومع هذا يزداد احمرار اذنيها وانفها
سخونة حارقة…..
“عايزة تقولي حاجة…”
هون عليها بهذا السؤال فهو يشعر بما تعانيه الآن
فرمشت بجفنيها عدة مرات ثم حاولت التمهيد
للأمر بمقدمة طبيعية…..
“ولا حاجة زهقت من القعدة في الأوضة…انت
بتعمل إيه….”
“بشتغل…”قالها متجنبًا النظر إليها…
قالت ما خطر في بالها…..
“برضو مش ناوي تفتح براند بأسمك….”
سالها عاصم بجفاء….
“مش ناوي…..انتي ناويه ؟!!….”
جعدت جبينها بتوتر….
“ناويه لي إيه…..انا مش بفهم في الشغل ده…”
رفع عيناه عليها في لمحة خاطفة ثم عاد
الى الدفتر…..”اي اللي بتفهمي فيه؟!….”
قالت بإختصار…..”الطبخ….”
رد عاصم بلا تعبير….”كويس….”
ساد صمت كئيب بينهما لفترة…حتى قالت
شهد بحذر….
“في حاجة كنت عايزة اقولك عليها بس خايفة…”
كان يدعي الانشغال في الرسم بينما ذهنه وكل
عصب في جسده متحفز نحوها…وقلبه
ان مضخة قلبه تشتد صخبًا بقربها… غير قادر على
السيطرة عليها كما غير قادر على ألا ينبهر بجمالها
وحُسنها الأخذ…..
قالوا ان لحظة الانبهار تحدث مرة واحدة وغالبًا في
اللقاء الأول فكيف هذا وفي كل مرة اراكِ فيها تكوني
قادرة على خطف بصري قبل انفاسي فلا يبقى معك إلا الانبهار ، بكونك الحبيبة والقريبة من القلب….
سيدة الحُسن والجمال….آه لو تعلمين كم اشتقت لكِ…
خرج من دهاليز مشاعره بجملة ساخرة
باردة…..
“من امتى شهد بتخاف !!…”
إجابت بنبرة متزنة….
“مش خوف بالمعنى اللي وصلك…انا بس خايفه تفهمني غلط ويحصل سواء تفاهم أكبر بينا…”
رد عاصم بلا مبالاة…
“مش هتفرق كتير….أحكي لو عندك حاجة
تحكيها…”
تاففت بضيق قائلة….
“مبحبش الاسلوب ده في الكلام…ممكن تبص في عنيا…”
طلبت بكبرياء مهشم فبعد كل ما بدر منه في تلك
الليله مزالت تتعامل بسلاسة وصبر وكأن شيءٍ
لم يكن ؟!!…
ان رصيد الصبر عليك اتضح انه أكبر مما اظن !!….
قال عاصم بغلاظة….
“احنا بنسمع بودننا مش بعنينا…”
وكأنه يشرح لطفلة…فقالت بصبرٍ رغم اشتعل
صدرها غيظًا….
“عارفه بس انا حابه تبصلي ….”
رد بجفاء قاسٍ…. “وانا مش حابب…”
سالته بنظرة حزينة….”انت بتكرهني ؟!!….”
(بـعـشـقـكـ….وده عـذابـي….)
صرخ بها داخله بلوعة المُحب بينما وجهه جامد لم تتحرك عضلة واحده به ظل رصين بنظرات واجمه
متباعدة نحوها….
اسبلت شهد عينيها وهي تستنزف بقسوة
من هذه المعاملة الجافة…فقالت بغصة مختنقة بحلقها…
“تمام…..خليني اتكلم في اللي جيت عشانه…أصلا
بقت واضحه من اخر مرة….”
شملها بنظرة قوية بطرف عيناه بينما تابعت
هي دفعة واحده….
“انا ناويه اشتري مطعم جديد بفلوس المسابقة
اللي كسبتها….”
استأنفت الحديث متابعة….
“انا عارفه رأيك في شغلي…بس انا مش بعمل حاجة
حرام ولا شغلي تحت الاضواء…مجرد طباخة….”
علق عاصم بتهكم…..
“انتي عارفه انك بعد المسابقة مبقتيش مجرد
طباخة….ولا انتي نفس الطباخة اللي دخلت
شارع الصاوي بدور على لقمة عيش….”
قالت وهي تواجه عيناه الحادة كالصقور….
“اتغيرت شوية…ويمكن اتغيرت قناعتي بس
انا نفس الشخص….”
قارعها بنبرة صلبه…
“انا بقا متغيرتش لسه زي مانا مش موافق على
شغلك ولا راضي عنه….”
سالته بصدمة…. “ليه افهم؟!!…..”
زفر بقلة صبر قائلا…..
“قولت اسبابي أكتر من مرة ويمكن باكتر من
طريقة فهمتك…..ومش هكرر كلامي تاني….”
حاولت اقناعه وهي تقول بلهفة….
“طب ممكن أحكيلك عن تفاصيل المطعم يمكن
تغير رأيك…..انا عايزة اخد رايك في كام حاجة
تخص البيعة دي لاني قلقانه وعيزاك تطمني..”
ومن يطمئن قلبي أنا بعد ذلك ؟!!…..
قال بنفس النظرة المتباعدة……
قال بنفس النظرة المتباعدة……
“إتفضلي قولي اللي عندك….”
بللت شفتيها وهي تقول بحذر….
“بصراحة يزن هو اللي عرفني عن البيعة دي
بحكم ان صاحب المطعم يبقا ابو صاحبه…..”
ارجع راسه للخلف مندهشًا…. “يـزن…..تاني !!….”
صفعها هذا السؤال بأدب فقالت
بحنق…
“هو إيه اللي تاني ؟!!…انت بتشك فيا ؟!!.. ”
اجابها دون ان يرف له جفن…..
“لا بس عايز افهم ليه رجعتي تتكلمي معاه
بالبساطه دي…..”
قالت بدافع العاطفة…..
“أكيد مش سذاجة مني….بس حسيت انه بجد
أتغير وبقا احسن بكتير من الأول….ونفسه….نفسه
تسامحه…..”
لمعة عيناه بالغيرة فحثها على المتابعة
أكثر… “واي كمان……”
غافلها السؤال فنظرت اليه…..”عـاصـم….”
ابتسم ابتسامة باردة وهو يقول….
“احنا بنخرج عن الموضوع…..ليه وثقتي في يزن
بسرعة دي…مش يمكن عرضه ده وراه مصيبة
جديدة ناوي يوقعك فيها مثلًا….”
اجابته بالفطرة موضحة…..
“مش حتة ثقة…قد ما هي فرصة…فرصة أصلح
بيها علاقتي بيه….انا عارفه هو بنسبالك إيه…وانا
بعزه كأخ صغير وبحاول أصلح سوء التفاهم….”
“دا مش سوء تفاهم…دي مشاعره ناحيتك….”
قالها عاصم بنبرة باترة…كشفرة مسننة تمر
على الشريان فتقطع الرغبة الأخيرة في
الحياة !!….
قالت شهد بقناع جامد ملول….
“مبقتش موجوده ياعاصم…..اللي كان بيحسه
مبقاش موجود…لانها ببساطه مشاعر مراهقة…
وطيش شباب…وانت وصلك ده كويس وإلا
مكنتش خليته تحت عينك لحد دلوقتي…
بس كالعادة…لازم ترمي عليا اللوم…”
اغلق عاصم الدفتر والقاه جانبًا ثم استوى
جالسًا….جلسة المستعد للهجوم في لحظة….
“اي اللي مش مطمنك في البيعة؟!…”
قالت شهد دون تردد رغم هيئة المارد الغاضب
الذي يتلبسه كلما اجتمعا…..
“المطعم كويس وفي مكان شيك على البحر..بس
بس السعر غريب…تقريبًا ربع تمنه فانا مش مطمنه
رغم ان صاحب المطعم مريح في التعامل وفي الكلام عن المطعم بس…بس السعر قلقني أوي…”
اوما عاصم براسه بتفهم ثم سالها بثبات
انفعالي….
“هسألك سؤال وتجاوبيني عليه بصراحة…انتي
جايه تحكيلي عشان سعر المطعم مقلقك شوية
مش كده؟!….”
قالت شهد بخفوت…..
“من قبل سعر المطعم وانا كنت ناوية احكيلك..”
هتف عاصم باستخفاف يسخر من حاله
قبلها….
“والله كتر خيرك…واخيرًا اتكرمتي علينا وناويه
تشاركيني حاجة بتحصل معاكي….”
نظرت له شهد مبهوته….فتابع وهو ينهت من
شدة الانفعال…..
“عشان نقفل الموضوع نهائي اختاري بيني
وبين شغلك…..”
رفعت حاجبها بذهول….. “انت بتهزر صح؟!!….”
هز راسه بملامح جافية….
“مش بهزر اختاري بينا… واللي هتختاريه هيكمل
معاكي للاخر….”
خفق قلبها بهلع تسأله…”يعني إيه…”
قال عاصم بنظرة قاتمة….
“انتي اذكى من انك تسالي السؤال ده….”
لفهما الصمت المشحون وكلا منهما يبادل الاخر النظر
بغضب وعتاب…..حتى ابتسم عاصم في وجهها فجأة قائلا وهو ينهض من مكانه…..
“الإجابة واضحة…..”
اولاها ظهره وتحرك صوب الغرفة التي يمكث
بها فقالت شهد فجأة دون ان تتحرك من
مكانها…
“انت…..هختارك انت….”
توقف عاصم مكانه بملامح مندهشة فلم يتوقع انها
قادرة على التخلي عن عملها واحلامها لـ….لأجله….
استدار إليها ببطئ وعيناه تسبقه في النظر إليها
فرأى المتوقع شحوب وجهها ولمعان الدموع في
عينيها بكسرة نفس…. ارتجاف شفتيها الملحوظ بشهقات مكتومة تود الخروج للعلن…..
لم تعطيه إلا نظرة واحده وفي أقل من دقيقة
كانت قد اختفت من امامه مختبئه في غرفتها….
……………………………………………………………
في الصباح بعد ان تأنق وارتدى حلة سوادء فخمة
مصفف شعره الأسود الغزير للخلف، واضع عطره
الخاص…اقترب من باب غرفتها وطرق الباب عدة مرات منتظر….
لم يسمع رد فخفق قلبه بقلق عليها فمنذ أمس لم
تخرج من غرفتها ولم يسمع لها صوت…وقد تركها
وهو واثق انها ستغير رأيها في اي لحظة….
لكنها لم تفعل يبدو انه كان القرار الاخير رغم
سرعة وقوعه على أذانه…..
وضع يده على مقبض الباب ففتح معه…
دلف بخطوات حريصة وبحذاءه الأسود الامع
توقف امام فراشها…. سقط قناع الجمود عن
وجهه وهو يتأملها بعينين عاشقتين تنطقان
بالشوق ….
كانت نائمة في ثبات عميق تلف جسدها بالفراش
شعرها مزال يتكوم فوق راسها راسخ….
جلس عاصم على حافة الفراش ولم تحيد عيناه
عنها بل غرق في تفاصيلها هيمان قلبه في قربها
خافق بأنين متوسلا بالحب، بالحياة ، استعادت
امرأته….حبيبته سيدة الحُسن……
قد تعب ويريد هدنة….هدنة طويلة ربما تكون بداية
السلام والاستسلام….من يعلم !….
لم يقدر على مقاومة تلك الملامح الإبية بجمالا
أفتن سائر جسده فصرخ قلبه منادي عليها
بلوعة المحب…
لمس وجنتها الناعمة باصابعه ثم سار ابهامه الغليظ
على شفتيها الوردية….
أغمض جفونه بضعف وقلبه يتسارع بالخفقات فبلع
ريقه بنشوة وهي يلامس فكها الصغير وعنقها وكأنه يرسم وجهها باصابعه في مخيله لا تخلو منها منذ
ان وقعت عيناه عليها…..وأحبها…
عاد يلامس وجنتها…..صدغها الذي نال صفعه قاسية
منه اهانته قبلها وعذبهُ فؤاده كلما تذكر انهما وصلا
لتلك المرحلة من العداء……
انحنى عاصم على وجهها يطبع قبله صغيرة حانية على خدها ثم ابتعد ناظرًا الى وجهها المليح…
ومع انفاسها المنتظمة وسكونها في النوم
همس لها بصوتٍ خافت وكأنه يشي سرٍ
لقلبها….مجيبًا على سؤالها…
“مفتكرش اني بطلت أحبك….ولا لحظة عرفت
ابطل فيها حُبك…..كأنك ادماني….وعذابي…”
سحب عاصم نفسًا طويلا خشن وهو يضع يده
على صدره بتأثر…انه يتألم….يشعر انه من شدة
الألم سيموت في اي لحظة….
تمايلت شهد قليلا وشذايا عطره تتوغل الى انفها
بصورة مزعجة جعلتها تفتح جفنيها وهي تحك
في انفها…..
وعندما ابصرته بقربها رمشت عدة مرات بارتباك
وهي تستوي مكانها جالسة تساله بخفوت…
“في حاجة ياعاصم ؟!…..”
اوما براسه بملامح غير مقروءة وقال دون
مقدمات…..
“في مشوار لازم نروحه سوا….جهزي نفسك…”
وقف عاصم ثم ادار وجهه نحو الباب سالته
شهد باستفهام…..
“في اي تاني؟!….. مشوار إيه؟!….”
السؤال الأول كان يحمل قدر كبير من العتاب
والحنق…. والثاني امتعاض……
لم يستدير اليها فتح الباب قائلا
بهدوء…
“لما نوصل هتعرفي….”
خرج امام عينيها فاسبلت جفنيها بضيق وهي
تبعد الغطاء عنها مغمغمة بعدة كلمات تصب
جام غضبها عليه….
في رحلة قصيرة بسيارته ساد الصمت بينهما ابت ان
تسأله مرة اخرى الى اين سيذهبا وهو التزم الصمت
دون ان يفصح عن الأمر…..
سارت السيارة على طريق البحر لفح النسيم وجهها
مداعب غرتها ابتسمت بحزن وهي تأخذ أكبر قدر من الهواء وعسليتاها تطلع على زرقة المياة البعيدة وانعكاس الشمس عليها من خلال نافذة السيارة …
ومع هذا الجو الرائع تذكرت أحد الايام التي قضتها
على البحر مع عاصم….كان يتابع هوايته المفضلة
الصيد اخذها معه وتناولا وجبة الغداء على الصخور
امام البحر والأمواج العاتية…..
انذاك سعدت شهد بطلعة جدًا…. ابتسمت وقتها
مأسورة العينين بجمال المكان وهي تمد يدها
لعاصم بقطعة من التفاح وضعتها في فمه…فكانا
ياكلا الفاكهة بعد ان تناولا وجبة الغداء…
(المكان يجنن….)
قالتها شهد بسعادة….فرد عاصم وهو يميل عليها
قاطف القبل من خدها المتورد….
(دا عشان معاكي بس….)
نظرت الى الصنارة والى العلبة الفارغة….ثم
سالته بملامح عابسة…..
(لسه مصطدش حاجة؟!!…)
رد بهدوء مستمتع بالجو…….(لسه..)
زمت شفتيها بقنوط….
(بقلنا ساعتين قعدين معقول….)
ابتسم عاصم بمرح وهو ينظر الى عينيها التي
تلمع أسفل أشعة الشمس كحجر الكهرمان….
(واضح اني خدت عين معتبره من حكيم….)
سالته ببسمة مندهشة…..
(هو كان بيحسدك ولا إيه ؟!…)
ادعى الغيظ من رفيقة قائلا…..
(هو بيبطل قر متجوز تلاته ومش مبطل قر عليا…)
امتقع وجهها وهي ترمقه شزرًا…..
(ومالك بتقولها وكأنك نفسك تعملها زيه….)
استفزها بمكر قائلا بغلاظة…
(هو انا ناقص وجع دماغ….كفاية انتي عليا…)
ارتفع حاجباها بصدمة…..(والله ؟!!..)
ضحك عاصم فجأة بعد ان رأى احمرار اذنيها
وانفها غضبًا…..بينما عينيها تقدحان شررًا….
عانقها من الخلف بذراعه ضاحكًا وهو يقربها
منه فحاولت التملص منه بكبرياء فقال وهو يقبل
وجنتها عدة مرات بحرارة….
(عايزة الحق…مش هقولك انتي بالاربعة….انتي بستات الدنيا دي كلها….انتي في عيني ست
الحُسن الأولى والاخيرة….)
ابتسمت شهد بحنين وعينيها تنطقان بالشوق إليه…
بينما يدها توضع على بطنها الخاوية بوجع وتمني
مسحت دموعها وهي تنظر للطريق الراكض امامها بكسرة قلب قد تبخر كل شيءٍ جميل في حياتها
ولم يبقى إلا المرارة بمذاق الصدأ….مرارة الندم…..
حانت منها نظرة عليه لتجد ملامحه جامدة ونظراته
حادة يركز على القيادة بصمت….
عادت الى النافذة بعينيها تلفظ نفسٍ ثقيلا على صدرها ولم تلاحظ نظرة عيناه عليها بعد ان
ابعدت ابصارها عنه…
بعد دقائق أوقف سيارته الفارهة امام المطعم الفاخر
المطل على البحر…..
نظرت شـهـد من خلال نافذة السيارة بدهشة ثم
عادت بعسليتاها اليه بسؤال…
“احنا اي اللي جبنا هنا ؟!!….”
رد عاصم بهدوء وهو ينزع حزام الامان عنه…
“المحامي جوا والعقود جاهزة…..وصاحب المطعم
مستنينا من بدري….”
سالته شهد بحيرة أكبر…..
“انا مش فاهمة حاجة…انت قولت امبارح انك
مش موافق….وخيرتني بين شغلي وبينك…”
ترجل عاصم من السيارة فتابعته وهي تنظر
إليه منتظرة الرد…فاجابها بإيجاز….
“تقدري تقولي كان امتحان وانتي نجحتي بامتياز
فـدي هتبقا مكافاتك…..”
نظرت للمطعم ثم اليها
بوجوم….
“اي هي مكافاتي ؟!!…”
اجاب باختصار….. “المطعم……”
قالت بكبرياء…..
“انا معايا المبلغ اللي هشتري بيه المطعم….”
رد عاصم بنظرة ثاقبة….
“انا معرضتش عليكي فلوس…”
بلعت ريقها بحرج وهي
تخبره….
“بس السعر مش مريح….”
قال عاصم وهو يقترب من وجهة المطعم….
“اطمني انا جبت قرار المكان وعرفت انه في
السليم معلهوش مشاكل…..”
تعلقت عسليتاها به بشك بينما أشار هو على
باب المطعم الذي يخرج منه يزن مقترب
منهما بلهفة….
“واهو يزن كمان جه….”
نظرت بدهشة الى يزن الذي استقبل عاصم
بابتسامة واسعة مرحبًا بهما….
“اتأخرت ليه يا كينج…من بدري مستنيكم…”
ثم نظر لشهد مهنئًا…..”مبروك ياشهد….”
لم ترد عليه شهد بل ظلت تنظر اليه
بغرابة…
اقترب عاصم منها ومسك ذراعها يحثها على
السير معه وهو يقول…..
“يلا ياحبيبتي….الناس مستنية….”
حدث كل شيءٍ بعدها في لمح البصر قد تم البيع
برضا الطرفين وسيتم تسجيل العقود رسمي بعد
ان يستلم البائع باقي المبلغ أو ما تظن شهد انه
المبلغ بأكمله….
كانت خطة محكمة لكنها انكشفت أمام عينيها بعد
ان رأت ترحيب يزن الحار بـعاصم وقتها علمت انها
كانت تُضع تحت الاختبار من عدة جوانب مختلفة وهذا ما اثار غضبها وظلت صامته الى ان انتهى
الأمر…..
……………………………………………………………
لم يتوقع ولا حتى في أحلامه ان يعود للبيت يومًا
حامل باقة من الزهور الحمراء !….
الأحمر المستفز بخسائره المريعة أصبح اللون الذي
يميل اليه بعد ان رأى ثيابها القرمزيّة على قدّها تنساب محتضنه تفاصيلها الانثوية بنعومة ، فتصبح بالأحمر كتلة موقدة من الفتنة والجمال !!…
يُسعد قلبها كل ماهو مقترن بالأحمر….لونها المفضل خصوصًا ان كانت باقة زهور حمراء جميلة كتلك التي يحملها بين يده…..ابتاعها فقط لأجل ان يفرح قلبها
ويرى ابتسامتها القمرية تضيء وجهها الباهر…..
أغلق باب الشقة خلفه بهدوء ثم خطى خطواته لداخل الشقة المرتبة النظيفة برائحتها المعطرة….
شم مع العطر رائحة طعام شهي يطهو ياتي من المطبخ الذي يصدر منه صوت موسيقى شرقية
ودندنة أنثوية تشارك الإيقاع….دندنة تدغدغ
مشاعره بنشوة الحب…..
أقترب صوب المطبخ وفي يده باقة الزهور الحمراء واليد الأخرى تحمل علبة حلواها المفضلة
(لقمة القاضي.)
اشتراها لها ايضًا فهو على دراية كاملة وخبرة واسعه بأن النساء يجب ان يتم اشباعهن من جهتين الأولى تغذية مشاعرهن والثانية ملء بطونهن بما لذا وطاب !!…..
وقف عند عتبة باب المطبخ يطلع اليها وهي تقف في المطبخ تسمع عبر هاتفها موسيقى من الطراز الشرقي
الأصيل….
ترتدي ثوب طويل ملتصق على قدها الانثوي
من اللون الأبيض تتناثر عليه حبات من الكرز
الأحمر الفاقع….شعرها الغجري بموجاته السوداء
يتراقص خلف ظهرها….
يتمايل بدلال يفتن عيناه مثل خصرها الميال الان
كالكمنجة مع الموسيقى….تميل بنعومة وحرفنه لا
تخفق حركات الرقص ، وكأن جسدها تشرب من
الموسيقى حتى امتزجت بأوردتها فباتا كيان
واحد….
يشبه هذا المزيج الذي يحدث عندما يتوحدا حسيًا
وجسديًا على فراش واحد في ممارسة مشتعلة بالحب…
عند تلك النقطة ابتسم فمه بشهوانية وهو يأكلها
بعيناه المتيمة بها….وكأنها اخر نساء العالم وهي كذلك في قلبه الأولى والأخيرة…الام والحبيبة الصديقة والوطن الذي ينتمي إليه بروحه قبل
دمه…..
أدارت قمر ظهرها صوب الباب وهي مزالت تتمايل
بخفة ونعومة لتقف فجأة مكانها بخوف شاهقة
بعد رؤيته أمامها….
وضعت يدها على صدرها بوجه شاحب ثم رمقته
بوجل…..بينما اقترب هو منها بوسامة قائلا
بأسلوب ناغش….
“اي يابت شوفتي عفريت….”
بلعت قمر ريقها وهي تضربه في صدره….
“طب كح…..أعمل صوت بدل ما تفضل واقف مكانك
كده وتخضني بشكل ده….انا قطعت الخلف….”
مالى عليها يقطف القبل من وجنتاها
قائلا بمناكفة….
“ولم تقطعي الخلف هنجيب شهاب ونجمة
منين….اوعي تكوني بتفكري باللي بفكر
فيه….”
نظرت اليه بعدم فهم
سائلة….
“اي هو اللي انت بتفكر فيه….”
رد بغمزة مشاغبة….. “اتجوز مثلا ؟!!…”
رفعت حاجبها بشزر…”والله انت عايز تجوز ؟!..”
اوما براسه بمشاكسة….
“يعني… لو برضاكي ماشي….”
لكزته في كتفه بغيظ…فمجرد المزاح يشعل صدرها
بالغيرة كأتون حارق…..
“اتلم وبطل الهزار التقيل ده….”
ضحك حمزة بانتشاء وهو يطبع قبلة خاطفة
على ثغرها القرمزي قائلا وهو يطلع عليها
باعجاب….
“وحشتيني….اي الحلويات دي….”
ابتسمت قمر بوداعه وهي تأخذ منه باقة
الزهور تشم عطرها الفواح… “الورد ده عشاني….”
هز راسه بنفي قائلا بغلاظة….
“لأ طبعا…. دا للمدام الجديدة….”
تأتأت بشفتيها عابسة وهي تلكزه في صدره
مغتاظة…..فصفعها حمزة على رقبتها بخفة
قائلا……
“ايدك علطول سابقة لسانك كده….بطلي شوية…”
زمت قمر شفتيها وهي تنظر الى العلبة
التي في يده الأخرى….
“حمزة اي اللي في العلبة ده….”
أبتعد حمزة عنها خطوتين قائلا بلؤم….
“ملكيش دعوة بقا انتي مش خدتي الورد….”
لحقت به قمر تسأله وهي خلف
ظهره….
“أيوا بس العلبة دي لمين….”
رد ببلادة…..”ليا…”
قالت بضيق…”هات واحده…”
رفض ببرود…. “لا…”
قالت قمر بتذمر….
“بلاش غلاسة ياحمزة هات واحده بقا….”
استدار لها وقال بمراوغة….
“لازم تختاري يالورد يالقمة القاضي….”
قالت بظفر انثوي….
“الإتنين….عشان انت جايب الاتنين ليا…”
تبادل النظرات معها بتحدي لذيذ كالعسل يصب
على قلبه كلما ناغشها بتلك الطريقة…قال بعد
فترة صمت لئيمه…..
“طب انا ممكن اديكي العلبة كلها بس بشرط…”
وضعت يدها في خصرها وهي تستهوى
مشاكسته…
“اشرط ياسي حمزة اما نشوف اخرتها معاك….”
بعسليتان تلمعان بالنشوة
قال…. “ترقصيلي…..”
نظرت له قليلا بدهشة ثم ضحكت ضحكة انثوية رنانة وجد أثرها في صدره الذي أشرق إشراقة جديدة مليئة بكل ماهو جميل..
ابتسم حمزة وهو مأسور بجمال ضحكتها وعينيها
التي تضيق وتغلق مع الضحكات بصورة رائعة…
جعلت من ضحكاتها الرنانه بالانوثه مزيج من
الصدق والبراءة وهذا المفضل لدى الرجال…
خففت ضحكاتها وهي تقول بدلال يليق
بها….
“انا كل يوم برقصلك…..دا مبقاش رقص دي
بقت حكاية قبل النوم ؟!….”
اوما حمزة براسه غامزًا بوقاحة….
“أحلى حكاية بتبقا قبل النوم…بذمتك مش بتبقا النهاية سعيدة…”
عضت على شفتها توقفه بالقول
الركيك… “بطل سفالة…”
ترك العلبة جانبًا واقترب منها يقول
بعبث…..
“مقدرش….معاكي صعب ابطلها….”
قالت بخجلا….”وبعدين معاك ؟!….”
سالها وهو يحتوي خصرها بين يداه مقربها
منه…..
“انا مستني ردك…موافقة على شرطي..”
قالت وهي تنظر لعسليتاه بهيام والتي تبعد عنها
بوصلة واحده….
“موافقة على شرطك….هرقصلك لحد ما تزهق….”
قال حمزة وهو يتكأ على خصرها اللين
بوقاحة….
“مين يزهق منك….ومن الوسط ده….دا مزاجي..”
استنشق انفها أنفاسه المحملة بمذاق القهوة وعطره الرائع….وجفنيها ترتخي بثمل ناظرة الى فمه الذي ينطق بكل ما يضعف الفؤاد…. سالته بلوعة….
“يعني…. انا مزاجك ؟!….”
مالى عليها أكثر يعذبها بهذا القرب
الحميمي….
“ولسه بتسألي ياقمراية…”
“حمزة….”نادت عليه وهي تبعد وجهها عن مرمى
سحره…..فقرب حمزة وجهه منها هامسًا بخفوت..
“عيون حمزة….”
“الاكل على النار….”قالت أول ما آتى في رأسها
فقال هو بضعف وهو ينظر الى ثغرها المغوي…
“ومالو…”
قالت بتشتت…..”هيتحرق ياحمزة….”
قال حمزة بنبرة مغيبة….”مش مهم ياقمري..”
قالت بضعف…”ولما يتحرق هتاكل إيه….”
ابتسم وهو ينظر الى ثغرها بجوع….
“عيب تسالي السؤال ده وانتي موجوده…”
تاوهت بدلال…..”حمزة….”
“قلبه…”مالى على عنقها يطبع القبل
عليه بنشوة…
ابتسمت بضعفٍ وهي تحاول ابعاده
عنها….”ياحمزة الأكل….”
لكنه ابى تركها وأمرها بنبرة أجش مفتعله
بالكثير من المشاعر…..
“طفي عليه…وتعالي أقولك حاجة عالسريع….”
وقف خلفها منتظرها حتى اغلقت الموقد على
الطعام فحملها فجأة بين ذراعيه ودلف بها
الى غرفة النوم….
وسط اعتراضات واهية منها…. وقبلات حارة
منه تفسد اي خطة هروب تنوي فعلها…فهو
يريدها بشدة ولن يتركها حتى ينعم باحضانها…
“كان يومك حلو في الشغل….”
قالتها قمر وهي مرتاحة على صدره العاري تعبث
باصابعها بشعيرات الصغيرة…..
رد حمزة والسجارة في فمه بينما يده تداعب خصلات شعرها…..
“يعني ضغوطات وطلبيات.. ووقفه على راس العمال…زي كل يوم…..”
ربتت على صدره بحنان قائلة برفق…
“معلش ياحبيبي ربنا يقويك…الشغل كله ضغط ومسئوليات…بكرة لما صاحبك يقوم بسلامة تقسمه
الشغل بينكم وضغط أكيد هيخف شوية من عليك..
قولي صحيح هنروح لصاحبك امتى عشان نزوره…”
اجابها وهو يطفئ السجارة في المرمدة…
“بكرة ان شاءالله….انا كلمته وقولتله اني هعدي
عليك بكرة….”
اومات براسها وهي تمرغ وجهها في صدره
بدلال….فرفع حمزة كفها الى فمه وقبله
هامسًا….
“بحبك…..”
إبتسمت وهي تقول بحرارة….
“انا بموت فيك ياميزو…..انت قلبي….”
طبع قبلات على كل اصبع من كفها وهو يقول
بنبرة شغوفة…
“وانتي روحي وعمري وكل حاجة ليا ياقمرايه….”
سحبت قمر نفسًا طويلا وهي ترتاح على صدره
تعانق خصره بذراعها بهيام شديد….
قال حمزة بعد فترة من الصمت…..
“كنت عايز اتكلم معاكي في حاجة مهمة…”
فتحت جفنيها بقلق ثم رفعت راسها عن صدره
تنظر لعيناه بتساؤل…
“اتكلم ياحبيبي….خير…”
“خير ان شاء الله….”نظر لعينيها قليلا ثم استأنف
الأمر بـ……
“احنا لازم نمشي في اجراءات ورثك في العمارتين
ونرفع قضية بالورق اللي معاكي…”
اجفلها قراره للحظات وهي تنظر اليه ببلاهة
معقبة بصدمة…..
“إيه؟!!…هنرفع قضية على مين؟!….”
اجابها بايجاز….
“على عثمان الدسوقي مين غيره….”
سالته بهلع…. “وليه نعمل كده ياحمزة؟!…”
استوى حمزة في نومه فورًا جالسًا على الفراش
وهي فعلت مثله ثم أخفت مفاتنها أسفل الغطاء
بينما شعرها الطويل يرتاح على كتفها بصورة
متمردة جميلة يشاركها صدمة القرار…..
عقب حمزة بضيق بالغ….
“هو ايه اللي ليه انتي نسيتي حقك ولا إيه…”
قالت بتردد….
“منستوش بس مبقتش عيزاه….”
سالها بحيرة…..”مش فاهم….”
قالت بصوتٍ خرج من بين طيات القلق….
“انا مش عايزة حقي ياحمزة….انا مش عايزة من الدنيا دي غيرك والحمدلله انك بقيت جوزي
وحبيبي….ليه اضحي بيك عشان الفلوس…”
ظهر الانفعال على وجه حمزة وهو يقول
بنزق…..
“وانتي لما تدوري على حقك هتكوني بضحي
بيا دا حقك….”
قالت قمر بحنق…
“بس اللي هاخد حقي منه بالمحاكم ده يبقا أبوك..”
تشدق حمزة ساخرًا وهو يرمقها مليًا..
“أبويا ؟!!…خلي الكلام ده لحد من برا….مش انتي
اللي تقولي كده….”
رفضت قمر بعناد وقلبها يرتعب من
القادم…..
“عمر الدم ما يبقا ميه….وانا مش هقف قصاد
خالي في المحاكم…..”
نظر لها حمزة قليلا ليرى علامات الرفض
القاطع في عينيها….
فمسك كف يدها باحتواء واخبرها بما يعتمل
في صدره بنبرة صادقة….
“قمر دا حقك وانا لو مجبتهوش مش هبقا راجل
في نظر نفسي….ومع الوقت هتفكري اني اتجوزتك عشان مصلحتي وساعتها عمرك ما هتسامحيني….”
قالت بنبرة معذبة…..
“عمري ما هفكر فيك كده…انا خايفة عليك ياحمزة
ومستحيل أضحي بيك….”
لانت نظرة حمزة بحنو وهو يبث الطمأنينة
بها…..
“ليه ياحبيبتي هو انتي شيفاني داخل حرب
معاهم….احنا هنطلب حقنا بالقانون…”
قالت بعدم اقتناع…..
“وياترى خالي لما يعرف ان احنا هنقف قصاده في
المحكمة…هيسكت لنا…..”
قال حمزة بنزق…..
“ميقدرش يعمل حاجة…هيقتلني مثلا ؟!..”
قد نطق بمخاوفها فاتسعت حدقتاها
بالخوف قائلة….
“بعد الشر عليك…بس افرض حاول يأذيك…”
قال حمزة بعنجهية….
“مش هفرض هو أول ما يعرف ان احنا رفعنا
عليه قضية ومعانا الأوراق اللي تثبت حقك..
هيبعت ليا عشان نتفاوض ويديكي حقك….”
سالته قمر بشك… “بساهل كده ياحمزة ؟!!….”
قال لها في صبر…..
“مفيش قدامه حل تاني هيتفضح لو الموضوع
طول عن كده….”
ابعدت عينيها عنه في بريبة…..”مش مطمنه….”
قال حمزة بنبرة ثقة وطمأنينة…
“اطمني انا في ضهرك…ومفيش حاجة يمسكها
علينا…..حتى وصل الامانه اللي كنت كتبه على
نفسي عرفت اجيبه منه وحرقته….”
ضرب جرس الانذار داخلها وهي
تساله…. “جبته ازاي منه؟!!….”
التوى ثغره بلؤم مجيبًا….
“مهجة سرقته وخدت اللي في النصيب…
وهربت منه….”
ضربت على صدرها بهلع….
“استرها يا رب….ولسه عندك أمل انه مش
هيعملك حاجة….”
صاح حمزة مستهجنًا بنفاذ صبر….
“لا أمل ولا عفاف…انا واثق انه ميقدرش يعمل
معايا حاجة…اسمعي الكلام بكرة قبل ما نروح
نزور سلطان هتكوني عملتي توكيل للمحامي
عشان يبدأ يمشي في الاجراءات….
أوجل قلبها وازداد شحوب وجهها وهي تنظر
إليه دون تعقيب فقال حمزة وهو يمسك كلتا
يداها الإثنين…..
“قمر خليكي واثقة فيا شوية…. انا مش بضرك ياحبيبتي…. انا عايز ارجعلك حقك….اللي جيتي
لحد هنا عشان تاخديه….”
رفضت بنبرة مرتجفة
بالخوف…
“بس انا مش عايزة حاجة….”
رمقها بنظرة حادة محذرة……”قـمـر….”
قالت قمر بأنين متوسل….
“انا خايفه عليك…. أبعد عن الشر وغنيله…”
رفض حمزة قائلا بجسارة……
“انا طول عمري واقف قصاد الشر وفاتح صدري
ليه ياصابت ياخابت….وانا مع الدنيا للنهاية ياجبت
انا آخرها….ياجابت هي أجلي….”
اطلقت قمر شهقة ملتاعة وهي تنظر اليه بغضب مستنكرة بعتاب..
“حـمـزة !!…دا انت لو قاصد توجعني مش هتقول
كده…حرام عليك….”
ضحك حمزة وسحبها لأحضانه مناغشة
بالقول…
“يابت انتي قلبك رهيف كدا ليه انشفي شوية
مش كده….جوزك اسد بسبع أروح….”
زمت شفتيها وهي تتشبث به بلوعة…
“انا افتكرتها قط….”
صفعها على كتفها بخفة قائلا بمزاح….
“دا منظر قط برضو….يا أسد يا مش لاعب….”
ضحكت قمر رغمًا عنها….فشدد حمزة على ضمها
اليه أكثر هامسًا بعد تنهيدة حارة…..
“أيوا كده اضحكي خلي القمر ينور….”
اغمضت قمر عينيها بعذاب وهي تتمنى من قلبها
ان يمر الأمر مرور الكرام دون ان يحدث ما تخشاه..
…………………………………………………………….
“الف سلامة عليك ياصاحبي…”ربت حمزة على
ركبة صديقه وهو جالسًا على المقعد بجواره بقلب
صالون شقة سلطان….
ابتسم سلطان مرحبًا بصديق العمر بحفاوة…
“الله يسلمك ياحمزة…لازم اخد مطوة في جمبي
عشان تيجي تزورني…..”
قال حمزة بمودة…..
“ياجدع هو احنا بنسيب بعض ماحنا علطول
سوا….سيبك من الكلام ده وطمني عليك…إزاي
حصل ده….”
تافف سلطان على ذكرى هذا الحادث
المشؤوم….
“زي ما قولتلك في التلفون ياحمزة..مش
هقعد أحرق تاني…..”
عقد حمزة حاجباه متعجبًا….
“مالك خلقك بقا ضيق كدا ليه….”
أعتذر سلطان وهو يقول بوجه عابس…
“متأخذنيش ياحمزة…بس قعدت البيت خنقاني شوية…”
تبرم حمزة هازئًا…
“هانت بكرة تنزل الشغل وتطحن مستعجل
على إيه….”
ابتسم سلطان بمناكفة….
“وحشتني لمضتك يازملكاوي….”
تبرم حمزة متهكمًا….
“ومالك بتقولها من تحت سنانك كدا ليه ياهلاوي..”
ضحك سلطان مستلذ جلسته وهو يضرب على
كتف حمزة…
“ياخربيت فقرك….قولي اي اخبار المصنع…قادر
تسد لوحدك….”
عدل حمزة ياقة قميصة بزهو….
“عيب تسألني سؤال زي ده احنا في اي مكان
بنسد وبنملى مركزنا….”
ابتسم سلطان بارتياح قائلا….
“طب كويس….اسمع انت النهاردة هتتغدى معانا..”
رفض حمزة بالباقة…..
“لا اعفيني انا واعد قمر نتغدى انا وهي برا واخرجها
شوية….ولولا تعبك كنت قولتلك انت ومراتك تيجوا
معانا…”
اوما سلطان براسه متفهمًا….
“متعوضة ان شاء الله…المرة الجاية هنروح
من بعض فين…..”
في المطبخ كانت تقف داليدا تضع الحلوى في الاطباق بينما تساعدها قمر بصب العصائر في
الكؤوس….
كانت داليدا شاردة بذهنها وعينيها حزينة تبصر
ما تفعل بروح ميته من يوم ان سمعت حديثهما
وهي تحترق كل ليلة على فراشها قهرًا من مجرد
تخيلها للزيجة المتوقعة …وفي نهار اليوم الثاني
تصبح امامه كآلة كهربائية بلا إحساس تقوم
بخدمته على أكمل وجه… وطلبية احتياجاته
كمريض دون كلام كثير…
حتى انها توقفت عن طلب العفو منه…. توقفت
عن الشعور بندم والذنب نحوه ولم يعد يؤلمها
قلبها جراء هذا بل هناك شيءٍ آخر تقرح داخلها
من شدة الألم…. كرامتها….كبرياؤها كزوجة طعنها
زوجها بسكين بارد….زوجة مخدوعه مع من يمثل
دور المهان معها طيلة فترة زواجهما ؟!!..
بلعت غصة مسننة بالوجع وهي تسمع قمر
تسألها بابتسامة جميلة…
“وناوية تسميها إيه ياداليدا….”
ها قد نطقت قمر بما يزيد وجعها فنظرت الى بطنها
المنتفخة الى الجزء الذي سيظل يربط بينهما الى
اخر العمر….قالت وهي تضع يدها عليها بتلقائية الأم….
“هسميها مليكة….”
قالت قمر بلطف…..
“الله اسم جميل أوي…. ربنا يباركلك فيها…”
ابتسمت داليدا بحزن….
“تسلمي ياقمر عقبال ما نشيل عوضك…”
رات قمر الحزن الدفين في نبرة صوت داليدا
ونظرة عينيها مما جعلها تقترب منها باهتمام
شديد تسالها……
“مالك ياداليدا في حاجة مضيقاكي…شكلك
مش مبسوطة…”
هربت داليدا من وقع السؤال باجابة
مقنعة…..
“يعني شوية من قلقي على سلطان…”
اومات قمر براسها بتفهم قائلة بعطف….
“الحمدلله انها جت على قد كده… اطمني
ياحبيبتي بكرة يتحسن ويبقا احسن من
الاول…”
لمعة عينا داليدا بالدموع وخفق قلبها بالوجع فتداركت وضعها الواهٍ وغيرت مجرى الحديث
بسؤال فاتر……
“ان شاء الله…اي اخبارك مع حمزة صحيح…ومع
كيان وشهد….”
اجابتها قمر بنبرة حارة ممتنه…..
“دول اخواتي مش بنات خالي…ربنا يبارك فيهم
وحمزة الحمدلله كويس اوي معايا حنين وطيب
وبيحبني….ربنا يقدرني واسعده..”
ربتت داليدا على كتفها قائلة بمحبة….
“انتي طيبه اوي ياقمر وتستهلي كل خير….”
قالت قمر بنظرة مليئة بالعاطفة….
“الحمدلله….كنت جايه اسكندرية وطمعانه اخد
ورثي من خالي وارجع مكان ما جيت….فربنا عوضني واداني اللي أهم من الفلوس زوج وعيلة وصحاب بجد…..وده اللي انا كنت محتجاه بعد موت بابا وماما….”
حيال حديثها علقت داليدا….
“الحمدلله كرم ربنا كبير…واضح ان احنا مش بنعرف
قيمة الحاجة اللي في ايدينا غير لما بتضيع مننا وغيرنا بياخدها….”
سالت الدموع من عينا داليدا ولم تقدر على منعها
فانعقد حاجبي قمر تسالها بحيرة…..
“انتي بتعيطي ياداليدا…..اي اللي حصل لده كله..”
مسحت داليدا دموعها مغتصبة الابتسامة على شفتيها وهي تقول…..
“ولا حاجة اتاثرت بس بحكايتك….ومن حكاية تانيه
لواحده صاحبتي….”
سالتها قمر بفضول….”واي حكايتها صاحبتك…..”
قالت داليدا بغصة مختنقة….
“زي كل حكايات الحب…حبت أوي فتوجعت أوي..”
“العصير ياداليدا….طولتي كدا ليه…”
اتى صوت سلطان يأمرها بغلاظة….ازاء ذلك
مطت شفتيها وقالت لقمر…
“يلا بينا….اتاخرنا عليهم أوي….”
حملت داليدا صنية عليها اطباق الحلوى وحملت
قمر صنية عليها كؤوس العصير وسارا باتجاه
غرفة الصالون خلف بعضهن……
تلاقت عينا سلطان بها عند دخولها فاشاحت بوجهها
عنه بضيق واضح….
بينما ابتسمت قمر وهي تضع الصنية جالسة بالقرب
من زوجها الذي أستقبلها بنظرة شغوفة وكلمة مرحبة….
قالت داليدا بترحاب حفي….
“نورتونا والله… اعملوا حسابكم هتتغدوا معانا النهاردة……”
رفض حمزة بالباقة وحرج…..
“مش هينفع والله ورانا مشوار مهم….الحمدلله ان
احنا أطمن على سلطان…ربنا يكمل شفاه على خير..”
تدخل سلطان يرفع عنه الحرج قائلا ببشاشة…
“براحتك ياصاحبي بس الزيارة دي مش محسوبة
ليك زيارة تانية…وساعتها هتتغدى وتتعشى كمان..”
ابتسم حمزة قائلا بتودد ممازح…
“طول عمرك صاحب كرم….أكيد هزورك وانت هتزورني….احنا بقينا عيلة وانا حجزتها خلاص…”
ابتسمت داليدا وهي تضع يدها على بطنها…..بينما سألت قمر على مرأى الجميع بغيرة….
“هي مين دي اللي حجزتها ؟!!….”
اجابها حمزة بنظرة شقية….
“مليكة بنته…..عندك مانع ناوي اناسب سلطان…”
قالت قمر ببرود….
“لا معنديش مانع…. ابقى خدها ربيها بقا عنهم….”
قال حمزة بغمزة مشاغبة…
“ومالوا اربيكي انتي وهي…”
رفعت قمر حاجبها بصدمة فضحك سلطان وداليدا
على تلك المناغشات اللطيفة الشيقة….
مالى سلطان على حمزة قائلا بتحذير….
“خف تعوم ياصاحبي…..لسه قدامك غدوة برا
وخروجه متنكدش على نفسك….”
نظر حمزة الى قمر التي ترمقه شزرًا متوعدة
له… “عندك حق والله….”
ثم على صوته وهو يقول بتراجع….
“انا شايف برضو ان فرق السن كبير…هبقا احجزها
لعيل من عيالي….”
وافقه سلطان الرأي بمزاح….
“يازين ما فكرت والله….”
قال حمزة بجدية….. “مش كده برضو….”
كتم سلطان ضحكته قائلا
بنفاق……
“يعجبني فيك الثبات على المبدأ….”
اوما حمزة براسه باعتداد
بالنفس….
“امال يا جدع….انا راجل في بيتي أوي….”
ضحكت قمر بخفوت وهي تشيح بوجهها عنه
ملتزمة الصمت بينما ظلت داليدا في عالمها
الأسود تحاط افكارها بكل ماهو مؤلم ومرهق
لقلبها…..
وقد لاحظ سلطان تغيرها الجذري معه منذ زيارة
(امال) لهما….
…………………………………………………………….
حملت داليدا صنية الغداء التي تحوي على اطباق شبه فارغة بعد ان تناول سلطان وجبة الغداء التي
اعدتها لهما…
قد تناولت معه الطعام كالرجل الآلي صامته شاردة
أكلت بضع لقميات ثم اكتفت متحججة باعداد
الشاي…
الاسبوعين الذان مراوا بعد زيارة (أمال) لهما كانوا
الاصعب والاثقل على صدرها…
فهي بطبيعة الحال تكره الصمت عن حقها… تكره
عدم المواجهة بما سمعت في موقف لا تحسد
عليه اي زوجة في وضعها….
مزالت تتعامل معه بطريقة عادية رغم انها مبهمة ومتباعدة تظل تحت إطار العادي !!….
لم تشن الحروب عليه او تأخذ بثأر كرامتها المهانة منه بل ظلت صامته خانعة هادئة وهذا ما لا يُطاق أبدًا داخلها…
قد استعاد سلطان صحته كاملة في خلال الايام
الماضية ومن الصباح الباكر سيبدأ يباشر عمله
بصورة طبيعية….
وهذا بفضل ﷲ ثم عنايتها الشديدة به…واهتمامها
بكل شيء من بداية اطعامه حتى مواعيد العلاج المنتظمة……
كانت نعمة العون والزوجة رغم تلك الأحاسيس
المقهرة التي عاشتها في تلك الفترة العصيبة…
شعور الألم لا يوصف بداخلها تشبه حالتها كمن تم
اغتصابها قسرًا وأخذ أجمل ما بها ثم تركها في
رقعة منزوية عن البشر باردة مظلمة شديدة
العفن…..
زفرت بقهر وقلبها يحترق كجذوة بين اللهب لا
تخمد تزداد وهج….عادت عينيها تتابع ما تفعل
يداها بشكلا آليّ…
فكانت تقوم بغسل الأواني امام الحوض مهمة كئيبة
مرهقة تحتاج للوقت والصبر وهي تحتاج للهروب
منه فكانا ثنائي رائع في تلك اللحظة تحديدًا….
دلف سلطان الى المطبخ وبين يده كوب الشاي
قال دون مقدمات بغلاظة….
“الشاي ناقص سكر…..”
وضع الكوب على الرخامة منتظر ان تترك ما بيدها
وتضع له معلقة او اثنين لم يحدد بعد…فقد ظل صامتًا يتأملها بعينين ثاقبتين حادتين….
جزت داليدا على اسنانها وهي تنظر الى يداها
المليئة برغاوي سائل الغسيل ثم الى كومة الأواني
أمامها ثم لهذا الجلف المدعو زوجها المنتظر السُكر كي يحلي كوب شايه بينما هي تعيش مرارة الخزي والخيانة منه….
نفخت بصوتٍ عالٍ غاضب وهي تفتح صنبور الماء
وتغسل يداها بعصبية….مستغفرة عدة مرات
بصوتٍ عالٍ….
قال سلطان بجزع….
“اي لازمتها العصبية دي كلها…بطلب منك
المستحيل..”
قالت بتبرم وهي تمسك علبة السُكر….
“لأ….بس برطمان السكر قدامك كان ممكن
تحط لنفسك….”
قال بفظاظة…. “وانتي روحتي فين….”
قالت بقلة صبر وهي تكشر عن انيابها…
“بغسل المواعين لو مش شايف…..هو انت اشترتني
ولا إيه….أفهم؟!!….”
أكد بايماءة مهينة….
“آه اشتريتك حطي السكر وانتي ساكتة….”
توسعت عينيها بغضب وأوغر صدرها بالغيظ
فلم تشعر بنفسها إلا وهي تقذف كوب الشاي
برمية قوية في قلب حوض المطبخ ككرة
التنِس تمامًا….
تراجع سلطان خطوة للخلف مصدومًا هاتفًا
بغضب أسود….
“يابنت المجنونة….انتي اتهبلتي اي اللي عملتي ده…”
صرخت في وجهه وهي تلوح بيداها….
“انا مبقتش قادرة استحمل خلاص تعبت…تعبت…”
قبض على معصمها ينزل يدها وهو يقول
بمقت….
“اي اللي حصل لده كله…كل ده عشان قولتلك
حطي معلقة سكر في الكوباية….”
صاحت داليدا بجنون…..
“انت كمان بتسأل…خاين وكداب وكمان بتسأل…”
هتف بنبرة مشدوهة….
“خاين وكداب ؟!!….انتي اتجننتي ياداليدا….”
أعلنت بجنون مستسلمة…..
“ايوا اتجننت وعايزة أطلق…عايزة أطلق مش
قادره أعيش معاك مش قادرة تعبت….”
انعقد حاجباه بعدم استيعاب لنوبة جنون
لم يفهم دوافعها بعد….
“تعبتي !!….بتقولي كده بسبب خدمتك ليا
وانا تعبان؟!!…..”
لكزته في صدره هائجة….
“بقولك كده عشان انت بنادم كداب وخاين ومتستهلش اي حاجة….”
ظل سلطان متحفز ينظر اليها بملامح مظلمة
محذرًا من هذا التمادي الغير مقبول عنده….
هدرت داليدا بتشنج…..
“طلقني……طلقني ياسلطان….”
استنكر طلبها وهو ينظر الى بطنها
المنتفخة…..
“اطلقك؟!!…..طلاق إيه وانتي على وش ولادة…”
رمقته شزرًا صارخة….
“هي دي حجتك… خلاص تطلقني بعد ما اولد….”
عيل صبره فقال بعنف….
“حد قالك اني عايز اطلق انتي اتهبلتي…”
قالت بانفعال…..
“انا ابقى هبلة فعلا لو كملت معاك بعد ما
سمعتكم…”
عادت علامات الاستفهام تلوح في الأفق بينهما فسالها بتجهم….”سمعتينا ؟!!..بتكلمي عن مين…”
قالت بنظرة تبغضه….
“عنك وعن الست امال بتاعتك…وجوازك منها…”
رفع حاجباه للأعلى كعلامة على الفهم وهو ينظر
لها مليًا قائلا…
“جوازي منها !!….هو دا اللي مغيرك يعني الفترة
دي….”
سالته وهي تكاد تنفث نارًا من اذنيها….
“يسلام….ودي حاجة متغيرنيش…ولا تكونش
ناوي تعزمني على فرحكم….”
رد بأسلوب مستفز….
“والله لو عايزة تيجي تعالي انا مش ممانع….”
على صوت تنفسها بعصبية امام عيناه المراقبة
لها ثم بعد فترة صمت صعبة عليها…قالت من
بين اسنانها بتهدج….
“مش ممانع دا كرم كبير اوي منك بجد..بس انا مش هتقل عليكم…..انا هسبلك الجمل بما حمل….طلقني
ياسلطان….”
رفض وهو ياخذ خطوة بالقرب
منها….
“مفيش طلاق بنتي مش هتعيش بعيد عن
حضني….”
رفعت عيناها اليه بصمت حزين…فمد يده ولمس
وجنتها برفق متابع بصوتٍ أجش دغدغ قلبها المجروح…..
“ولا حتى انتي ياداليدا….”
نزلت دموعها بانكسار امام عيناه…..كانت هي
والحزن وجهين لعمله واحده في تلك اللحظة
تحديدًا مما جعل قلبه يلين لها ويمسح دموعها
بيده سائلا برفق…..
“هو ده اللي مغيرك الفترة دي…مش كده….”
تابع بعتاب طفيف…….
“مضايقة اني هتجوز….بس مش مضايقة بالمصيبة
اللي كنا هنقع فيها احنا التلاته بسبب غبائك…”
قالت بجمود….”انا مش غبية….”
احتوى خصرها بذراعه مقربها منه وهو يقول
بانفعال عاطفي….
“انتي اغبى ست قبلتها في حياتي….واحلى
واحده شافتها عنيا… ”
رمقته بنظرة خالية من الحياة ثم قالت
بجفاء….
“تفتكر الكلام ده هيفرحني ولا هيزعلني…”
مالى بوجهه عليها هامسًا بالقرب من
اذنها….
“هيرجعلك لعقلك…ودا اللي انتي محتجاه….”
ابعدته عنها بتمرد قائلة بعنفوان….
“مش هتلمس مني شعره ياسلطان…غير لما ترجع
عن اللي في دماغك…..”
رد بنبرة صلبة قاسية…..
“مش هرجع عن اللي في دماغي ياداليدا…”
ابعدت ذراعه عنها صارخة….
“يبقا تطلقني وكل واحد يروح في طريق….”
استند بجزعه على الرخامة ورمقها بعينين
قاتمتين غير متهاونتين…..ولفهما الصمت القاتل
حتى قال لها بنبرة توغلت الى أوصالها وهزمتها
شر هزيمة….
“طريقنا واحد يابنت عمي….لو مش مصدقة بصي
لنفسك في المراية….بصي كويس اوي هتعرفي
ان طريقنا واحد واني بجري في دمك وانك شايله
حته مني جواكي….”
وضعت يدها على بطنها بتلقائية وكأنها تحمي
ابنتها من إجابة السؤال التي لفظت اياه
بنظرة منكسرة مليئة بالدموع……
“ليه خونتني ياسلطان ؟!!….”
ألقى الكرة في ملعبها وسالها هو بنبرة
قاتمة…..
“ليه انتي كدبتي عليا….وخبيتي كل ده جواكي..
ليه سكتي….وخليتي واحد زي ده يلعب بينا…”
قالت بضجر محتدة….
“قولتلك انه غصب عني…اتصرفت بحسن نيه…
اما انت…. ”
صمتت فتابع عنها يقول بمرارة بطعم
الصدأ…..
“انا ايه….ان كل مشكلتي اني حبيتك…”
سالته بسخرية…..”ندمان مش كده؟!!….”
سالها هو بوجوم…..”انتي ندمانه ؟!!….”
اجابته بوجه ممتقع….
“بعد اللي عرفته….ايوا ندمانه اني حبيتك…”
وكأنه تلقى منها لكمة قوية دموية في قلبه
جعلته يرجع راسه للخلف ضاحكًا بملء شدقتاه
ضحكة جهورية مخيفة…..
ارعبتها لوهلة ثم تماسكت بشجاعة عالمة انها
ضربة الهدف بمهارة…..
خفف من ضحكته المنفعلة ثم مسح عيناه الدامعة
وهو يقول بسخرية…..
“دا بظبط الفرق اللي بيني وبينك…ياداليدا….”
سالته داليدا بسوداوية… “بتحبها صح….”
التوت ابتسامته في جانب واحد ولم يرد
فقالت بغضب مهددة…..
“احسلك تطلقني قبل ما ادخل أهلي في
الموضوع واعرفهم بجوازتك التانية… ”
رد سلطان باستهجان….
“لو عندك الشجاعة تحكي…روحي قوللهم….انا
مبتهددش….”
صاحت منفعلة بغيظ…. “بكرهك….”
خفق قلبها برعب وهي تراه يضع يده عند موضع قلبها فجأة….نظرت اليه بقوة بينما قلبها اختلج
بشدة أسفل كف يده وجسدها الخائن أوصل
ذبذبات فاضحة عن مدى تأثرها واشتياقها اليه
من مجرد لمسة عادية !!….
قال سلطان بسخرية…
“واضح….انك بتكرهيني….بتكرهيني اوي كمان….”
ابعدت يده عنها بعصبية ثم لاذت بالفرار الى غرفة الأطفال تختبئ خلف بابها بانفاس متهدجة وخفقات تعلو بارتياع وعينيها تسيل بدموع الوجع والخزي من
مشاعرها العارية أمامه…
………………………………………………
بعد هذه المواجهة بأسبوع تقريبًا وفي يوم الجمعة
مساءًا كانت تجلس في الصالون على الاريكة امام
التلفاز ممدة ساقيها تتابع احد الأفلام بملل…
بدت بطنها أكبر حجمًا من السابق منذ ان صار
حملها في السابع وهي تعاني من هذا الثقل
وعدم الراحة….
اخبرتها الطبيبة المتابعة معها انها ممكن ان تلد
في اي لحظة فالجنين ياخذ وضع الاستعداد
وربما صارت ولادة مبكرة….
لم تخبر سلطان بهذا الأمر الطارئ فهي ترفض التحدث اليه منذ ان أعترف لها بزواجه من
أخرى….
وقد اجلت كل شيء منذ ان علمت بولادتها… تريد
ان تستقبل ابنتها على خير ثم تنهي هذه المهزلة
بالانفصال عنه….. وهذا أسلم حل…
داهم انفها عطره… قارورة العطر التي اشترتها له يوم
الاحتفال بعيد ميلاده قد وضع منها ليس هذا فقط
انه تأنق على غير العادة بطاقم جديد عبارة عن
بنطال جينز وقميص يعلوه سترة سوداء….
ضفف شعره للخلف بوسامة وارتدى حذاء أسود
يلمع مع تلك الهيئة المرتبة….
“على فين العزم….”
سالته وهي تنهض من مكانها واقفه أمامه… كان هذا أول سؤال يوجه اليه منها بعد ان كان يسحب الكلام من بين شفتيها في الفترة السابقة…..
اجابها بفتور…..”عندي مشوار….”
“فين؟!!…”
سالته بنظرة قوية وعينيها الحانقة تجري على هذا التأنق البالغ ، وسيمات الوسامة التي اضحت الليلة عليه…. لحظة انه شذب لحيته وشعره ايضًا !!..
يبدو انها مناسبة سعيدة وخاصة جدًا…
رد سلطان بلا تعبير…..”مش مهم….”
ثم اولاها ظهره مغادرًا صوب باب الخروج من الشقة….فلحقت به تساله بنبرة متبرمة…..
“على كده هتتاخر في مشوارك؟!!….”
اجابها متجنبًا النظر اليها وهو يفتح الباب
للخروج……
“تقريبًا….بلاش تستني…نامي انتي وارتاحي..”
خرج امام عينيها المشتعلة بالغضب والغيرة
فغمغمت بسخرية وهي تنظر الى الفراغ الذي
تركه حولها..
“أرتاح كمان ؟!!!…..”
اتجهت سريعًا الى الشرفة ومدت رقبتها للخارج لتراه يذهب باتجاه البناية التي تقطن بها ( أمال) والتي تبعد عنهما بأربع بيوت فقط….
جاشت مراجلها وهي تتجه بسرعة وعصبية للداخل
فتحت خزانة ملابسها فورًا وهمت بأخذ أول عباءه
وقعت بين يداها ثم غمغمت بوعيد شرس وهي
تلف الحجاب حول وجهها المحمر بالغيظ والغيرة…
“دي هتبقا فضيحة بجلاجل يابن عمي…. هفضحك انت والحربؤة بتاعتك في الحته كلها… الشارع كله هيشهد على اللي هعمله فيكم…..”.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الحب أولا)
قصة جميلة جدا
الى الامام وقصص جديدة
بالتوفيق والنجاح للمؤلف