رواية الحب أولا الفصل الحادي عشر 11 بقلم دهب عطية
رواية الحب أولا الجزء الحادي عشر
رواية الحب أولا البارت الحادي عشر
رواية الحب أولا الحلقة الحادية عشر
استيقظت في الصباح تنوي شرب الماء والعودة للفراش لتكمل نومها…….. لكن أثناء ذهابها للمطبخ
انتبهت لوجود سلطان في ردهة الشقة……
نظر لها سلطان وعقد حاجباه متراقباً هيئتها
بدهشة… فكانت اشبه بـالداب…. الكسلان والذي يقضي ساعات يومه في النوم وان خرج من جحرة يخرج مضطراً للبحث عن طعام او ماء…..
كانت مزالت بالمنامة القطنية منذ أمس… لكن شعرها
الان مشعث ويلتف حول وجهها يكاد يرى عينيها
المنتفخة آثار النوم… بصعوبة من حول خصلاتها الطويلة…. كانت تسير ببطء شديد اشبه بساحرة مشعوذة…….
هل فزعت من الشبح في الفيلم ليلة أمس…
يجب ان تنظر للمرآة بهذهِ الهيئة لربما
اتعظت !!…..
“لا حول ولا قوة الا بالله……”
تمتم بها وهو ينظر لوجه داليدا التي القت عليه نظرة
قانطة ثم اتجهت الى المطبخ بخطى متعثرة بطيئة…
لحق بها سلطان قائلاً…..
“داليدا اسمعي…….”
اوقفته داليدا بيدها بحركة تعني….
(انتظر…… صبرك بالله…..)
سند بكفه على الرخامة مراقبا الخطوة القادمة
منها…..
فتحت داليدا المبرد واخذت أول شيء قنينة ماء مثلجة وارتشفت منها مرة واحدة…..
ضيق سلطان عيناه متابع مايحدث بارتياع….
فوجدها تغلق القنينة وتلقيها في الدرج بمنتهى الإهمال الفوضوي المعروف عنها…. ثم سحبت
قنينة من المياة غازية وارتشفت منها رشفة
كبيرة….. جعلت سلطان يجفل وهو يعقب
مستهجنا….
“على الفكرة الحاجات دي غلط على الصبح…..”
اغلقت القنينة ونظرت اليه بضيق…ولم تتحدث
بل اكتفت بنفس الحركة بيدها والتي تعني….
(انتظر… صبرك بالله…..)…
رفع حاجبٍ وبالفعل انتظر الخطوة التالية حتى تتعطف الأميرة المدللة عليه وتطربه بصوتها
المائع كمشيتها…..
فعادت داليدا للمبرد المفتوح امامها وبحثت بعينيها
عن الطعام لتجد غايتها فبدأت تمد يداها الاثنين
بعشوائية داخل المبرد وتاخذ مايقابلها وتضعه في فمها سريعاً…
حتى امتلأت وجنتيها من الناحيتين ومزالت
تاكل بنهم……. وكانها كانت تعاني من المجاعة
ليلاً…….
“دا انتي لو شايلة اللوز خالص مش هتعملي
كده…….”
قالها سلطان وهو يشيح وجهه خارجاً من المطبخ مكتفي بهذا العرض الجبار……..
عاد الى الردهة يسحب مقعداً ويجلس عليه منتظراً
معاليها……
خرجت داليدا من المطبخ بعد لحظات وقد بدات تفيق من النوم بتدريج بعدما أكلت مايكفيها…..
ارجعت داليدا شعرها الطويل للخلف ومزال بيدها
قنينة صغيرة من المياة الغازية تشرب منها على
مهل عندما رأت سلطان ابتسمت له قائلة
برقة بعيدة كامل البعد عن المرأة التي
كانت تفترس الطعام منذ دقائق…
“صباح الخير ياسلطان……..”
زم سلطان شفتاه وهو ينظر الى شكلها والى ما تشربه…….
“صباحوو…….”
جلست داليدا على أحد المقاعد وثنة احد ساقيها اسفلها وهي تقول……
“مالك قرفان مني كدا ليه……..”
ضرب سلطان على ركبته متشدقاً بسخرية
مريرة……..
“قرفان…..حد يشوف الخلقة دي على الصبح ويقرف…..دا انا يابختي بيكي…..لا بجد
يابختي بيكي….”
حركت داليدا حدقتاها مشككه…..
“شمه ريحة تريقة من بعيد….بس على فكرة…انا مبحبش اتكلم الصبح قبل ما اغير ريقي باي حاجة……”
اوما براسه سائلاً…… “وغيرتي على كده…….”
اخذت رشفة من القنينة ثم قالت بجذلاً…..
“آآه كده تمام……صباح الخير…..رد بقا خليك
جدع…….”
هز سلطان راسه امام سوداويتاها الراجية… فدللها قائلاً بحنان…… “صباح النور يادودا…..حلو كده……”
لم تفارق الابتسامة شفتيها وهي تسأله…..
“أحلى صباح……قولي بقا منزلتش الشغل ليه…ولا
انا اللي صاحيه بدري……”
اجابها بهدوء……
“هنزل كمان شويه….عندي شغل برا……..”
نهضت داليدا متسائلة باهتمام……
“فطرت……..اعملك فطار معايا… ”
أبتسم سلطان ساخراً بغلاظة…..
“هو لو فيه فطار بعد اللي عملتيه جوا ده…
يبقا الحمدلله………اعملي… “ثم استرد
حديثه متعجباً………
“بس هو كل ده انتي لسه مفطرتيش……”
اكفهر وجه داليدا بقنوط…..
“انت هتنق عليا ولا اي ياسلطان……لسه مفطرتش..
بقولك بغير ريقي بس بالقمتين كده….”
القى سلطان عليها نظرة شاملة ثم
عقب هازئاً……
“هنق عليكي ليه…. هو أصلا باين عليكي حاجه… اللي يشوف جسمك ميصدقش ان انتي بتاكلي كل ده……..”
رفعت كفها في وجهه واجمة…..
“الله اكبر…. دا انت بتقر مش بتنق بس…. هغسل وشي واعملنا فطار……..”
اوقفها سلطان وهو ينظر لشعرها المشعث
بنفاذ صبر…..
“وسرحي شعرك ده……. متبقيش منكوشة كده قدامي………”
استدارت اليه داليدا قائلة بضجر……
“واي فيها يعني…. لما أكون منكوشة مش لازم تشوفني بكل حالاتي….اغشك يعني…. ”
هز راسه مستهنياً معلقاً…….
“فات وقته الكلام ده…. انا كده كده مغشوش
فيكي من زمان……..”
رفعت داليدا حاجباها مشدوهة ثم رفعت
انفها تستعيد الثقة في نفسها وهي تقول
بترفع أهوج………
“مغشوش؟!… بذمتك فيه في جمالي وفي
حلاوتي…..”
هز سلطان راسه مجيباً وعيناه على شعرها….
“بنكشه دي مفيش………”
“ههي….ظريف……..”اخرجت لسانها بضيق شديد ثم
ابتعدت الى الحمام…..
فضحك سلطان من خلفها وهز راسه بقنوط….
بعد نصف ساعة وضعت الطعام امامه على السفرة
والذي اغلبة كان معلبات…..لكن كالعادة بعد أول لقمتين سالته بحماسية مفرطه…..
“اي رأيك في الفطار…….”
نظر سلطان للطعام ثم لعينيها وادعى السعادة
والرضا التام……..
“ماشاءالله على الفطار وجمال الفطار وحلاوة الفطار……لا لا بجد تسلم إيدك انك فضيتي الجبنة
من العلبة وحطتيها في الطبق…….”
امتعضت داليدا وهي تشير على الاطباق
امامهما……
“على فكرة قطعت خيار شرايح….. وعملت
اومليت…..”
نظر لها سلطان بعدم فهم…..
“طب مانا قولت تسلم ايدك…. اقول إيه اكتر
من كده………..”
رمقته بطرف عينيها وهي تمضغ
اللقمة بغضب….
“انت أصلا بتتريق……”
اشار على نفسه مؤنباً إياها…..
“بذمتك انا اقدر اتريق عليكي……بس انتي اللي اسالتك غريبة دا فطار يعني مش محمر
ومشمر…….”
لم ترد عليه بل اشاحت بوجهها تمضغ الطعام
على مضص…….فمد سلطان يده لها بلقمة
غمسة بالجبن وقربها من فمها….قائلاً بمزاح….
“يلا افتحي بؤك خلينا نشوف القطر رايح فين…”
لوت داليدا شفتيها من زاويا واحده ناظرة اليه بسخط……فعاد سلطان أمراً بخشونة…..
“افتحي بؤك واستهدي بالله……مش ناقصين
نكد…….”
اخذت منه اللقمة على مضض قائلة
بتبرم…..
“بطل تعاملني كاني عيله صغيرة……..”
ابتسم سلطان مداعباً اياها بعيناه…..
“كبرتي يعني……..الله يرحم زمان مكنتيش بتقومي من على رجلي…ولازم أأكلك بايدي…..فاكرة…..”
احمرت وجنتيها عند تلك الذكرى فقالت….
“وفاكره كمان انك كنت علطول بتغلس عليا وتاكل اكلي…….”
اشار على نفسه بصدمة……. “انا………”
ذكرته داليدا بتبرم وبنظرة نارية……
“آه…….فاكر رغيف الحواوشي……اللي اكلته
مني قال اي حراق عليكي……..”
اكد بضحكة خشنة….. “ماهو كان فعلاً حراق…….”
وضعت اللقمة في فمها ومضغتها بضيق….
“واي فيها يعني مانا باكل الحراق……انت غريب
أوي………”
هز راسه ضاحكاً باستمتاع…. “قلبك أسود أوي…….”
حركت كتفها موضحة…. “عادي انا بفكرك بس…….”
ثم وضعت لقمة أخرى في فمها…واتسعت عينيها
فجأه متلألأة بشكلاً أسحر حواسه فانجذب لها
اكثر ليجدها تنظر اليه قائلة بتقريع……
“وفاكر يوم خطوبتك…..وزعوا على الكل جاتوة ونسيوا يدوني…ولما قولتلك قعدت تبرقلي بعنيك…”
تعثر سلطان في ضحكة مفاجاة وهو يبراء
حالة…..
“مانتي جايه تقوليلي قدام ام العروسة وبنتها
عايزاني ارد عليكي إزاي…..”
ثم استرد حديثه متذكراً احداث تلك
الليلة………
“وبعدين واحنا راجعين جبتلك علبة جاتوة
بحالها وكلتيها لوحدك……..بتاكلي وتنكري ليه…. ”
اومات داليدا براسها مستعدة لاخراج
كل الملفات السوداء للإدانة به…..
“طب بلاش دي…..يوم ماخدتها وخرجتم روحت السينما….وانا وجنة كنا معاكم جبتلها البوب
كورن حجم كبير وانا وجنة حجم صغير…….”
رد ببساطه وهو يتابع تناول فطورة شاعراً
باللذة جوارها…..”عشان كنت باكل معاها……”
“يسلام…..عملي فيها رومانسي……”اسبلت داليدا
اهدابها مضيفة بنزق…….
“أصلا مكانتش حلوة ودمها تقيل……”
ضيق سلطام حاجباه مذكرها بلؤم…..
“تقريباً كانت صاحبتك وانتي اللي اخترتهالي…….”
ردت عليه بابتسامة متشفية……
“آآه انا اللي اخترتها…..بس انا من الاول عارفه انكم
مش هتكملوا…….”
وبخها سلطان بنبرة خشنة……
“واختارتيها ليه من الأول ….وعملتلي فيها الخطبة
ويبخت من وفق راسين في الحلال…… ”
ابتسمت داليدا بهزل وهي تنظر اليه……
“اللي حصل……شوف في الآخر بقيت فين
مراتك……..عمر جه في بالك اني اكون مراتك….”
هز راسه بنفي وهو يقول بصوتٍ أجش……
“ولا في احلامي……..حكايتنا دي بتحصل كل مية سنة مرة………”
اندمجت معه في الحديث مؤكدة بجدية…
“الحكايات اللي من نوع ده بتخوف صح…يعني
البداية مش بمزاجك…..بس ممكن النهاية تكون بمزاجك……….”
“مش فاهم……..”رفع راسه اليه منتظر توضيح….
فطرحت هي سؤالٍ يحير كلاهما منذ البداية……
“يعني……احنا هنكمل مع بعض صح…….هنكمل
كده علطول……..”
أجاب هو مؤكداً بنظرة قوية ونبرة
معبرة……
“اه احنا هنكمل علطول……بس اكيد مش هنكمل كده…….”
سالته داليدا بتردد….. “مش فاهمه……..”
بنظرة اشد خطورة اوقع قلبها اسفلها…..
“لا هي وصلالك…..بس انتي مش عايزة تفهميها….”
نهض سلطان من مكانه….. شاعراً بان معدته اكتفت
بهذا القدر من الطعام والحديث………
عندما ابتعد عدة خطوات امام عينيها الحزينتين
اوقفته مناديه……
“سلطان…..”
وقف سلطان يوليها ظهره ومالى للجهة الأخرى
ينظر لها من فوق اكتافه العريضة…….فقالت
هي بنبرة تقطر مراراً كالعلقم……….
“لو مع الأيام اكتشفت…. ان احنا مختلفين عن بعض في حاجات كتير…ومش قادرين نفهم بعض….بسبب
فرق السن والتفكير……..هتعمل إيه…. هتقرر تكمل برضو حتى لو احنا مش مبسوطين سوا……”
استدار عند تلك النقطة ناظراً لعمق
عينيها….سائلا بنبرة غريبة….
“انتي هيكون اي قرارك……… هتكملي…..”
هزت راسها سريعاً بحسم……. “أكيد لا……..”
اوما هو براسه مجيباً بحسماً يضاهيها…..
“بس انا بقا هكمل حتى لو انتي مش عايزة
تكملي…..”
تجمدت مكانها غير مستوعبة بعد وضعها
الحالي……..فاقترب هو منها مذكرها بمنتهى
القسوة………
“انتي ناسيه انا اتجوزتك ليه…… عشان تبقي تحت عيني…….مسئولة مني……..عشان احميكي من
نفسك…….”
خفق قلبها بوجع واهتزت حدقتاها وهي تقول
بغصة مختنقة……..
“قصدك اني مضطرة اقبل بالحياة دي…. حتى لو
احنا مش مبسوطين سوا…. ومش بنحب بعض….”
لماذا شعر بوخزة شديدة تداهم صدره بعد
اخر جملة لها وكانه سهم ناري أصابه……فاتكأ
على اسنانه يصرح بصعوبة…….
“ايوا ياداليدا مضطرة تقبلي…..انتي اللي اختارتي الحياة دي……. ”
رفعت سبابتها بتشنج امام عيناه
صائحة باهتياج…….
“غلطه واحده….. غلطة واحدة هدفع تمنها العمر كله……..غلطه واحدة…… ”
اظلمت ملامح سلطان وظل ينظر اليها بصمت ولم يبدي اي رايا في حديثها….فأحمر وجهها من شدة الغضب مضيفة
“طب بلاش…… انت إزاي هتكمل كده معايا….. يعني
انت راجل اكيد محتاج ست بجد تشاركك حياتك صح… وتديك حقوقك الشرعيه……وتكون ام
لاولادك…. ”
صحح سلطان بخشونةٍ……..
“وليه مخدشي حقوقي الشرعيه منك انتي…..”
انطلق رفضها في وجهه كرصاصة
طائشة…..
“مستحيل….. لاني مش بحبك…….”
بابتسامة باردة لم تصل لعيناه اجابها……
“عارف…. ولا انا بحبك…… بس الحاجات دي مش شرط خالص يكون فيها حب……”
عقدة ساعديها امام صدرها قائلة
بقوة…….
“آسفه وانا مقدرش اعمل كده من غير حب……”
سخر سلطان من تلك المشاعر الوردية
الحالمة….
“لسه بعد كله اللي حصلك بتفكري في الحب.. محرمتيش…….”
رفعت عينيها للأعلى بجزع….
“انت ليه مش فاهمني ياسلطان……”
هز هو راسه بملامح جامدة……
“انتي اللي مش فاهمه انتي عايزة إيه…..”
ثم بنظرة ثاقبة تابع بصرامة……
“بس انا هريحك….. بنسبة اني راجل ومحتاج ست في حياتي………وانك متقدريش تديني حقوقي الشرعيه……. فانا يوم ما افكر في ده…. هاتجه
لأبسط الحلول…… بنسبالي……..”
اعطاته كل تركيزها متوجسة… “اللي هي ؟…….”
بأجابة قاطعة…….. “اتجوز…….”
وكان دلوٍ من الماء البارد هبط فوق رأسها…فظلت
لفترةٍ تنظر اليه بعدم تصديق…….حتى تمتمت
متسائلة بعيون غير مستوعبه بعد………
“والله ؟!……تجوز !!…..”
هز راسه ببساطه…..وفي عيناه نظرة المتشفي
وكانه نال منها بهذا الجواب……..
فارة الدماء في عروقها…..وتوهجة سودوايتاها
ببريق مخيف نحوه صارخة باعصاب مشدودة……
“يعني انت تتجوز عليا….. وتعيش حياتك…. وتخلف
وتفرح وتنبسط….. وانا افضل كده..زي البيت الواقف
محبوسة بين أربع حيطان…. المهم اكفر عن ذنبي…”
جنت بشدة وعلى هدير انفاسها متابعة…..
“ذنبي اللي هو إيه….. اني هربت مع اللي بحبه…”
اشتعلت عينا سلطان فصرخ بها يرهبها…..
“اخرسي ياداليدا…..”
هزت داليدا راسها ونزلت دموعها ولا تعرف
لماذا كل هذا الغضب انتابها في لحظة بعد
تصريحة السخيف عن الزواج من أخرى….
“مش هخرس….. زي مانت بتكلم بكل بساطه
كده معايا عن جوازك من واحده تانيه….واني
هفضل في السجن ده مدى الحياة…. انا كمان هتكلم عن الظلم والافترى اللي بعيشه بس عشان هربت مع اللي بحبه…… انا مش ندمانه ياسلطان….”
لا تعرف ماذا تفعل انها تستفزة كي
يضربها……
تابعت داليدا وهي تبكي بحرقة…..
“لانه مأذنيش…….. انت واهلي اللي أذتوني….”
لوحت بيدها بعصبية والدموع تتسابق على
وجنتيها…..
“انتوا غصبتوني على الجواز……وبقيت معاك غصب عني…. قبلت وسكت وفضلت في السجن ده… أسلوبك معايا زي الزفت…….. تحكمات وشخط
ونطر….. دا ميتلبسش وده يتلبس….تبهدلني
وتزعقلي وتعمل مابدالك وفي الآخر ترضيني
بحاجة حلوة زي العيال………”
“داليدا…….”حذرها سلطان بعينين قاسيتين….فلم
تهابه وقاطعته وهي ترفع اصبعها بتهديد صريح
وعينين تشتعل بجنون……..
“أسمع…. لو في يوم فكرت تجوز عليا انا هقتلك
وهقتل نفسي بعديك سامع…..”
رجع سلطان براسه للخلف غير مصدقاً…..
فتابعت داليدا ببطئ شديد وهي تقترب منه خطوة أخرى وتشير له باصبعها مهددة…….
“مش انا اللي يبقالها ضرة…..وانسى ان حد يشاركني فيك…..ودا مش حب…. دي كرامتي وبحافظ
عليها…… منك…….”
لم يعقب سلطان بل ظل ينظر اليها عن كثب…….
انفعالها الظاهري المرسوم على وجهها….انفاسها المتسرعة من الغضب….ونظرات عينيها النارية..
ورغم الغضب المتأجج داخل صدره بسبب
حديثها……
مد سلطان يده ومسح دموعها قائلاً
برفق….
“اهدي…….كفاية عياط……..”
ضربة داليدا يده وهي تبتعد عنه بنفور قائلة
بدموع حبيسة في حدقتاها…..
“عايز تجوز الباب مفتوح روح اتجوز…….مش همنعك…… ”
ثم دلفت الى غرفتها تختبئ خلف بابها….فنظر سلطان لما حدث مرتابٍ…….تلك هي أول ساعات الصباح التي انتظرها معها !!…….
…………………………………………………………..
كانت تطهو الطعام بذهن شارد……تقلب الطعام في المقلى بالمعلقة الخشبية ثم تفرغ محتواه في أحد
الطواجن ولم تنتبه للمرة المائه وحرقة اصبعها
مجدداً….
فالقت المقلى في الحوض بضيق وهي تضع يدها تحت صنبور المياة الباردة متاففة بألم……..
اتت عليها خلود بعد ان انتبهت لما حدث فوقفت جوارها تسألها بحيرة….
“مالك ياشهد….. مش مظبوطه النهاردة يعني….”
هزت شهد راسها بنفياً….
“ولا حاجة ياخلود…… عادي……”
سالتها خلود بدهشةٍ….
“عادي ازاي انتي مش معايا……. علطول سرحانه حتى وانتي بتطبخي كام مرة حرقتي إيدك…..”
مسكت خلود يدها فوجدت حروق متفرقة في كفها
الأيمن وخصوصا عند الأصابع……..
“معندناش هنا مرهم حروق……..”
قالت شهد بتململ……
“مش مستاهله ياخلود………مش وجعاني…..”
نظرت لها خلود بحنق ثم عادت لكفها
المفرود……..
“ياشيخه اتقي الله…… ايدك كلها ملسوعة… شايفه
احمرت إزاي…….”
“شايفه…..بس مش وجعاني……”قالتها شهد بنبرة
غريبة تثير الشك مما جعل صديقتها تسالها مجدداً
بقلق ملموس………
“مالك ياشهد….انتي مش طبيعيه النهاردة…احكيلي
دا احنا صحاب……”
نظرة لعينا خلود ثم قالت بنبرة مثقلة
بالهموم….
“عاصم…….عايز يتجوزني ياخلود…….”
تهلل وجه خلود فرحاً…….
“ياختي ودا يخليكي تعملي في نفسك كده…
يا اختي يالف نهار أبيض…….”رفعت خلود يدها بجذلاً فاوقتها شهد بصدمة…….
“هتعملي إيه……”
اجابتها على الفور بسعادة بالغة….
“هزغرط…..دا يوم المُنى……..”
امتنعت شهد وهي تخبرها
بمخاوفها…..
“انا مش مطمنه ياخلود……مش مرتاحة……”
انزلت خلود يدها مستفسرة بحيرةٍ…….
“ليه بقا كفى الله الشر………هو المعلم عاصم يترفض..
دا بسم الله ماشاء الله…..جمال واخلاق ومال…عايزه
ايه اكتر من كده…….”
اجابة بتيه…… “شغلي ياخلود….. حياتي……”
لكزتها خلود موبخه إياها…….
“اي حياة دي….. متضحكيش على نفسك ياشهد…
دا انتي من يوم ماوعيتي على الدنيا… وانتي شايله
همك وهم اخواتك…….” ثم مصمصت بشفتيها
بطريقة شعبية اصيلة وهي تضيف بتحسر…..
“وبعدين شغل ايه اللي ماسكه فيه اوي ده…. هو المطعم بيجيب اي يعني……. اللي هتكسبيه من
المطعم بعد شقى ومرمطه هتلاقيها تحت
رجلك بعد ماتبقي مرات عاصم الصاوي…..”
تعجبت شهد معلقة باستهجان…..
“وانا بقا هتجوزه عشان فلوسه……انتي شيفاني كده…… ”
ارتفع حاجب خلود معارضة……
“امرك عجيب ياشهد….ياختي هي الواحده لم تجوز
واحد مقتدر تبقا طمعانه فيه وعايزة تسرقة……….”
تلجلجت شهد موضحة……
“انا مقولتش كده……بس انا مش عايزة دا يكون السبب اني اوفق عليها……..”
اكدت خلود بفطنة ضاحكة……
“دا سبب…والسبب الأهم انك ميالة ليه وهو كمان
شكله واقع لشوشته………ياختي انا مش عارفة
اي اللي قلقك اوي كده……”
افصحت شهد متوجسةٍ…….
“حاجات كتير……انا معرفوش ياخلود….معرفوش كويس……وحتة انه مستواه أعلى مني دي مش
مطمناني….. بالعكس دنيا جديدة وحياة جديدة
تخوف……… حتى طلقته واختها…… كل حاجة
حوليه مش مطمناني…..”
سالته خلود بدهاءٍ أنثوي…..
“طب و بنسبة لقلبك……مياله ليه ولا عادي……”
نظرة لخلود لبرهةٍ ثم قالت….. “مش عارفه……..”
ابتسمت خلود ساخرة…….
“إزاي مش عارفه بصي لنفسك في المرايه…هتعرفي
انك وقعتي…….وقعتي ياشهد……”
صمتت شهد من جديد شاردة…….فقالت خلود
بضحكة خبيثة……..
“الكلام خدنا….انا هروح اجبلك كريم للحروق…
عشان تعالجي ايدك دي……..”
خرجت خلود وتركتها في حيرتها….فوقفت مكانها للحظات…..هل حقاً وقعت في الحب….ام مزالت على
وشك السقوط……….هل هي على الحافة……ام انها
تتوارى عن الخطر………
حانت منها نظرة على مرآة الموقد الكهربائي…لتجد
وجهها شاحب ووجنتيها متوهجتين…….ام هاتين العسليتين هائمتين ضائعتين في عالم آخر….عالم خطفها اليه عنوة عنها ومزالت تأبى الاعتراف بانها أسيرة هذا العالم…….اسيرة عالمه !………..
……………………………………………………………
في المساء….تجمع الجميع على سفرة الطعام….
جلس والدهم على رأس الطاولة……..ام حمزة
بجواره على الناحية الأخرى وشقيقتيه بجواره
كذلك……وقمر تجلس وحيدة في الناحية الأخرى امام حمزة…………
نظر عثمان الى شهد عدة مرات…….فوجدها صامته
تقلب في طبقها بشرود…..
مضغ الطعام بقوة وهو يحرك حدقتاه الى كيان
التي تاكل بشكلاً طبيعي بهدوء….متجاهلة وجوده كالعادة….
رجعت عيناه الى شهد فوجدها على حالها فعاد
الى حمزة الجالس بجواره…..فوجده يقلب في
طبقه عابس الوجه شارداً الذهن…….
فحانت من عثمان نظرة أخيرة على قمر التي كانت
تأكل بحرج وعيناها في أغلب الأوقات تقع على
حمزة دون إرادة منها……
فابتسم عثمان ابتسامة سميكة….وهو يعود
بعيناه الى شهد من جديد قاطعاً الصمت
بسؤالٍ فاتر……
“واي اخبار المطعم ياشهد……..”
ارتفعت الأعين جميعها اليه محدقة به……حتى شهد نظرت اليه بتعجب…….فقال هو بإبتسامة حانية تتناقض مع شخصٍ مثله……..
“إيه….فكراني مش عارف انك فاتحة مطعم في شارع الصاوي……..”
بلعت شهد ريقها شاعره بشيء يطبق على انفاسها
يكاد يخنقها كلما نظرة لعيناه القاسية…..
انها ترى عزرائيل……مهما ادعى غير ذلك يظل
عزرائيل الدنيا بنسبة لها……
فإن العيون كالستار المكشوف….تكشف خواطرنا…
مهما أتقنا الدور……وهو بارع في الخداع لكن
عيناه متناقضتين فالقسوة تشتعل كالجمار
الملتهبة في حدقتاه……….
ردت شهد بهدوء…..
“المطعم شغال كويس الحمدلله…….”
سالها عثمان بنبرة تفوح منها
الحقد……
“وبتكسبي كويس على كده……..”
اومات برأسها وهي تشعر بالاختناق…..
“آآه…….لو دي بس البدايه يبقا انا بكسب كويس
اوي……الحمدلله……….”
لفظ عثمان بنبرة جافة…….. “وعاصم…………..”
نظر الجميع له بدهشة أكبر….وقد برزت خطوط الغضب على وجه حمزة وهو يضيق عيناه بشك
بعد سؤال والده………
رغم اضطرابها الظاهري الا انها ادعت
عدم الفهم……. “مش فاهمه……..”
فلانت شفتا عثمان بلؤم……….
“عاصم الصاوي اللي مأجرة منه المطعم…..اي اخباره
معاكي……..”
ردت شهد بسلاسة…..
“بنسبة للشغل تمام…….مفيش مشاكل…….”
سالها دون مواربة…….. “وبرا الشغل……….”
نظر حمزة لاخته بقوة فاهتزت حدقتيها مبررة
له………لتتابع الرد على والدها الذي يحدق بها
بهيمنة مهينة……..
“مفيش بينا كلام برا الشغل…….”
سالها عثمان بنبرة تفوح منها
الشك…. “متاكدة………”
قبض حمزة على كفه محاولاً تمالك اعصابة
حتى لا يقلب الطاولة عليهم جميعاً…….
فسالته شهد مستفسرة……
“في حاجة انت عارفها ومش عايز تقولها……”
عاد حمزة لوالده منتظر اجابته على أحر من
الجمر…..
فنظر عثمان لشهد للثوانٍ كانت أطول من عمراً
مر أمامها…… تشعر بالاختناق وألم يداهم
امعائها……
فابتسم عثمان ساخراً….وهو يبعد عيناه
عنها الى قمر التي كانت تتابع بصمت
واغلب تركيزها كان الى حمزة وانفعاله
الواضح……
“واي اخبارك ياقمر…..مرتاحة هنا…….”
اهتزت حدقتي قمر وقبل ان تبعد عيناها
عن حمزة نظر هو لها….وكانه انتبه لوجودها
بينهم الآن……فقالت بهدوء
“الحمدلله ياخالي….بس انا كنت…..عايزه اعرف هنقاعد امتى عشان نشوف موضوع الأوراق
والورث……..”
أردف عثمان بتفهم شديد……بنسبة لأبناءه
مريب !!…
“قريب…..حضريلي انتي بس صورة من الأوراق
عشان اوريها للمحامي بتاعي….ساعتها بقا هنقعد
معاه ونفهم كل حاجة……..”
قالت قمر بارتياح….
“تمام ياخالي……هبقا احضرهم…….”
نهض عثمان من مكانه امراً باحضر فنجان قهوة
الى غرفته فكانت قمر المتطوعة باعداده واحضاره له…….
زفرة شهد بعد ابتعد ابيها….وقمر…….فسالها حمزة
بشكٍ……..
“في اي ياشهد…..ابوكي يقصد إيه بالكلام ده…..”
هزت شهد كتفها…… “معرفش……..”
لم يقتنع حمزة بل سالها من بين اسنانه
المطبق عليها……
“شهد في حاجة بينك وبين عاصم……..”
امام نظرات اخيها الغاضبة…. ونظرة كيان التي
تتابع مايحدث بارتياب…… قالت مستسلمة لهذا
الخبر الحصري……….. “عاصم عايز يتجوزني………”
انقلبت ملامح حمزة بدهشة مشبعة
بالحنق الشديد…”إيه ؟!….. يتجوزك !!…….”
اما كيان فأنبسطت اساريرها هاتفه
بفرح…….
“بتهزري…..بجد هو قالك كده………”
………………………………………………………….
بعد مرور يومين………كانت تستلقي ليلاً على الفراش في غرفتها وحيدة……
تنظر للسقف في الظلام وعقلها مشغول به…… غيابة ليومين بعيداً عن عينيها أمراً مزعج يولد الشوق واللهفة اليه مشاعر لا تحبذها……..ومزالت تنكرها…
حتى الان لا تعرف هل هي موافقة على هذا الارتباط
ام انها ستقابل طلبه بالرفض…….
وماذا ان حزن منها وابتعد اكثر عنها ؟…..
يالهي !!…..
أصبحتِ تخشي عليه من الحزن……. او الغضب
منكِ……هل حقاً مازلتِ على الحافة ولم تنهاري
وتسقطِ ؟!……….
صدح هاتفها في تلك الأوقات فجن قلبها بين ضلوعها…..هو بدون شك……
وعدها ان يبتعد عنها ويعطيها فرصة للتفكير في ارتباطهما ثم يسمع ردها عبر الهاتف…. وفى بعهده
وها هو يتصل بها الان…….
اضاءة المصباح جوارها……. ثم نهضت عن الفراش
تغلق بابها بالمفتاح……ثم عادت للفراش جالسة
والهاتف في يدها والشاشة تنير باسمه…..
متردده بالرد……حتى انتهى الإتصال…فعضت على شفتها منتظرة مرة أخرى…..فلم يعاود الإتصال
فشعرت بالاحباط والقت جسدها على الفراش
زافرة بأسى……فعاد الهاتف ينير باسمه من
جديد….
فانتفضت جالسة تفتح الخط وهي تتنحنح
بهدوء قائلة…….
“السلام عليكم……..”
لم تجد رداً لم يقابلها الا الصمت على الجهة
الاخرى فبللت شفتيها مردده بهدوء…..
“الو……..عاصم…….”
(شــهــد………)
لحناً اخر يعزف على حروف اسمها عندما ينطقها
بهذا الشكل……كيف يشبع حروفها الثلاثة بتلك الطريقة المميزة…..وكانه يعرف اهميتهم معاً….
يالهي أرحم فؤادي ياسيدي…..فانا وقلبي عذارى
في الهوى………
اتى صوته الأجش مجدداً يطرب اذانها ويسرق
انفاسها……واخيراً يسلب قلبها…….
(وحشتيني……)
اغمضت عينيها ورجفةٍ لذيذة تتخلل اصولها……
(شــهــد……مش هتردي عليا……..ساكته ليه…)
وهل ان قادرة على مواكبة كلامك ورد بالمثل…..
“عامل إيه……..”
من الغباء قولها الآن لكن هي لا تجد غيرها بديل….
سمعت منه صوت تنهيدة خشنة…… وهو
يجيب بهدوء….
(الحمدلله…. وانتي عامله اي من غيري…….)
ضائعة…… وكأنك القيت عليا سحرٍ أسود جعل
مني أمرأه بلا مذاق من دونك……….
“الحمدلله….. تمام……..”
لم يعقب فهو يعلم انها اصعب أمرأه تعامل معها
يوماً والقدر جعله مغرماً بها……
(احكيلي……حصل اي معاكي في اليومين دول…)
رمشت بعينيها عدت مرات ظنت انه سيأخذ قرارها
الأخير في ارتباطهما…….لكنه قرر تأجيل الأمر
لذا ردت عليه بفتور…….
“عادي يعني……زي كل يوم شغل واردرات….
وزباين داخله وزباين خارجه….”
سالها بخشونة…….(حد ضايقك…..)
ردت بثقة…… “لا طبعاً…محدش يقدر……..”
سالها عابسا…….(ليه محدش يقدر…….)
رمشت عدت مرات جافلة وهي تردد
كالببغاء…. “عشان محدش يقدر……..”
اجاب عاصم بثقة وهو جالساً على الفراش
يخطط في دفتره بالقلم الرصاص…….
(هو فعلاً محدش يقدر……لانك بقيتي تخصيني دلوقتي……..)
احمرت وجنتيها وجف حلقها وهي تغير مجرى
الحديث…..
“وانت اي اخبارك في اليومين اللي فاتوا…شغلك تمام……..”
اجابها بلهجة معبرة…..
(كله تمام……الا حاجة وحده……)
ادعت الغباء……. “اي هي…….”
رد بحرارة وعيناه مثبته على الرسمة التي
يخطها بقلمه……..
(اني مكنتش بعدي عليكي زي كل مرة…..بدخل الصاغه علطول……..كنت حاسس ان نقصني حاجة
مهمة في يومي……..)
زاد خجلها فاصدرت همهمات……. “مممم….”
تعجب عاصم فابتسم معلقاً…..
(هو ايه اللي ممم……بكلمك انا……ردي عليا……….)
قالت بحرج صارخ…. “اقول اي بس ياعاصم…….”
لم يرأف بحالها فقال بحرارة تربك كيانها…..
(قولي انك موفقة……… قولي اني وحشتك زي
مانتي وحشاني………)
أرحم قلبي يامعذبي……….
كان قلبها يتجاوب معه بالفطرة لكن عقلها أملى
عليها الرد بصعوبةٍ….
“مش دلوقتي………. لما احسها……..”
لفظ عاصم بزفرة ثقيلة……(آه ياشــهــد…….)
خفق قلبها فنادت عليه بضعف….. “عاصم……..”
لاسمه مذاق كالشهد عندما تلفظه
بهذه النعومة……فرد عليها بحرارة…..
(قولي ياشـهـد……… قولي انا سمعك……)
عضت شهد على باطن شفتيها وهي
تخبره…….
“انا موافقة…….. موافقة نعمل فترة خطوبة
ونقرب من بعض أكتر…….”
تنهيدة اشد حرارة اخرجها وهو يقول….
(واخيراااا…… حنيتي عليا…….)
وبخته شهد على حين غرة……
“بطل كلامك ده…. ليه محسسني اني بعذبك….”
مط عاصم شفتيه ساخراً……
(بحسسك ؟!…..لا خليكي متاكده انك بتخلصي
ذنب ناس………)
“مين هم الناس دول…….” شعرت بنيران تندلع في صدرها…..
فرد عاصم مستهيناً…..(اهم ناس وخلاص……)
اعادت شهد السؤال بتصميم…….
“احب اعرف هما مين…….”
رد عاصم بصوت أجوف…
(ناس كانت بتجري ورايا وانا كنت مديهم الطناش………)
زمت شهد شفتيها مزمجرة……
“ممم ياحرام…. وليه ما ترجع ليهم…. بدل ما انا
معذباك اوي كده…….”
ابتسم منتشياً وهو يقول
ببطء….
(متقلقيش بكرة هيطلع عليكي…….)
سالته بحاجب معقود…… “مش فاهمه……”
اجاب بغلاظة……
(لما تحبيني……..انتي اللي هتجري ورايا ….)
“مستحيل…. حتى لو بحبك مش هجري وراك….” كانت اجابتها أسرع مما جعله يصمت…….وعندما
لم تجد رداً نادت عليه…..
“سكت ليه…… سمعتني……..”
رد مختصراً بمرارة………(ماعشان كده سكت………)
صمتا معاً وقد ضاع الكلام للحظات…حتى تذكر
هو شيءٍ هام فسالها…….
(أول امبارح كانت خلود بتشتري مرهم
للحروق……. كان ليكي……)
اكدت شهد تخبره……
“آآه….. اتلسعت كذا مرة وانا بطبخ……. فخلود صممت تروح تجبلي كريم………. ”
انزعج عاصم وهو يسالها…
(ومش تاخدي بالك…… اللي واكل عقلك…..)
هزت كتفها وهي توضح……
“الحاجات دي بتحصل عادي في المطبخ… وانا واخده عليها من زمان……”
(وتحرقتي في ايديكي الاتنين……)استفسر بملامح
واجمة……فاجابة شهد بهدوء…….
“اليمين بس……”
شاكسها قائلاً بجمود……..
(كده هنضطر نلبس الدبل في الشمال…..)
ابتسمت بدهشة…….. “يسلام……”
ابتسم عاصم كذلك مؤكداً باستراتيجية
شديدة…………(مفيش حل تاني صدقيني…..)
اومات شهد براسها تناكفة كذلك…..
“مصدقاك طبعاً…. بس انا عندي حل احلى… نأجل
الموضوع لحد ما ايدي تخف….. اي رأيك….”
هز راسه مستبداً…..
(لا مش موافق….. مفيش تأجيل……انا لولا الملامه
اجي اتقدملك دلوقتي…..)
ضحكت شهد فأشرق صدره مع رنة ضحكتها
المشبعة بالرقة والحياء…….. ضحكة خجولها
تتوارى بعيداً عنه كصاحبتها……
“انت رومانسي اوي على فكرة…….”
سالها وهو يبتسم……
(وياترى دي حاجه حلوة ولا وحشة……)
ردت رده التي تحفظه على ظهر قلبها…….
“في الحالتين ترجعلك……”
عبس وجهه سائلاً وهو يترك القلم قليلاً….
(يسلام……ازاي بقا……هو انا هبقا رومانسي مع
مين غير معاكي……)
اختلج قلبها فجأه.. لذا قالت هاربة….
“على فكره الكلام ده مش اوانه خالص……”
(امتى أوانه……..)سالها فلم يجد رد فقطب حاجباه
مردداً…
(سكتي ليه ياشــهـد…….)
كانت جادة تلك المرة وهي تخبره برقتها
المعهودة……..
“انت بتحرجني بكلامك ياعاصم…..وانا مش بعرف أرد على الكلام ده………فبلاش لو سمحت……”
أومأ براسه متفهماً وضعها وتسرعه
معها………
(بلاش ياشـهـد……قوليلي ايدك لسه تعباكي….)
اجابت بنفي مطمئنة اياه……
“لا الحمدلله أحسن…… كانت شوية حروق بسيطه والكريم هداها شوية…….”
امرها برفق…….(ممكن تاخدي بالك بعد كده……)
اتى صوتها الموسيقي……. “حاضر…..”
سالها عاصم بابتسامه حانية……
(كنتي بتعملي إيه قبل ما اتصل بيكي……)
كنت افكر بك…….فالحقيقة انتظرت اتصالك
بكل شوق ولهفة………..أردت ان أطلب منك
الا تحرمني من رؤياك…..فانت اصبحت مهماً
بنسبة لي……….مهماً جداً……
أرادت قول أشياء عديدة لكن حياؤها
والوقعية إمتناعا بشدة…….فقالت بهدوء….
“المفروض اني كنت هنام……انت بتعمل إيه…..”
رد بهدوء……(برسم……)
انعقد حاجباها سائلة…..
“بجد ؟!….انت بتعرف ترسم…….”
(يعني حاجات معينة……..بس أغلب رسوماتي بتبقا
تصميم للشغل…….)اجابها عاصم ببساطه وهو ينظر للرسمة التي لا ينقصها سواء الألوان حتى تزدهر
امام عيناه فتعطي له إلهامٍ لصنعها كما يريد…….
فسالته شهد بفضولاً…. “وضحلي ازاي يعني……”
اوضح لها عاصم بهدوءٍ…….
(يعني انا برسم تصاميم زي خواتم انسيالات
سلاسل حلقان….او مش شرط ممكن طقم كامل
فبعمل بقا ديزاين معين على حسب الزبون ماعايز……وبنفذه……)
سالته شهد مشدوهة… فتلك المعلومة جديدة
بنسبة لها…… “بتصنع الحاجات دي بنفسك……”
اوضح عاصم مجدداً ببطء…..
(حاجات و حاجات…. يعني مثلاً في حاجات بتيجي جاهزه بس معلهاش شغل….فانا بشتغل فيها وبشكلها زي مانا عايز….كده يعني….)
ابتسمت شهد باعجاب ….
“طب والله دي حاجة كويسة جداً…وعندك معرض
بقا باسمك…….”
ردد الكلمة بأستغراب…….(معرض…….)
اكدت شهد بإبتسامة مشجعة….وكانه يراها !….
“ايوا…تعرض فيه شغلك….ولا أكيد بتعرض شغلك
في محل الصاغة……”
نفى عاصم موضحاً الأمر…….
(لا طبعاً الحاجات دي بتاخد وقت وبتطلع بطلب…
وبعدين موضوع المعرض ده…مفكرتش فيه قبل
كده…….يعني ملوش لازمه……)
تلبسها هذا الطموح الانثوي الذيذ رغم سخافته
في عيناه………فقالت له بحماسية حالمة….
“إزاي يعني انت المفروض تبدأ تعمل كمية كويسه من تصاميمك وتعرضها للناس تشوفها وتتفرج عليها ولو فعلاً فيهم فكرة وابداع هتنجح…..وبعيداً خالص
عن الفلوس….بس انت ممكن مع الوقت يبقا ليك
براند خاصة بيك بأسمك ويبقا ليك زباين من
كل مكان في العالم……..”
رد عاصم بصوت أجش……
(ساعتها هسمي البراند شـهـد…….)
قالت شهد بنضالاً واضح……
“بتتريق صح……على فكرة بقا الانسان من غير احلام
ميقدرش يعيش…….لازم يكون عندك حلم وهدف
تعيش عشانه…..”
سالها عاصم بهدوء…..(انتي اي حلمك……)
تلألأت عينيها وياليته كان معها ليرى كم كان
يضوي كهرمان عينيها وهي تخبره بصوتٍ
حارٍ مشبع بالاماني…..
“انا….انا حلمي اني انجح في مجالي…..لأني
اشتغلت كتير على نفسي……..وتعبت كتير لحد ماوصلت للمستوى ده……..حلمي يكون عندي مطعم في احسن مكان في اسكندريه…..يبقا ليه كذا فرع
ويبقا عندي زباين كتير….بتحب تاكل من عندي….امممم……اي تاني ياشهد….اه اني اتعرف
وبقا مشهورة في مجالي……وطبعاً اتمنى
اطور من نفسي أكتر…… ساعتها احلامي
هتبقا أكبر وأكتر……… ”
صمتت قليلاً بحرج وهي توضح……
“بص يعني هي احلامي كتير بصراحة….بس كلها داخل اطار الطبخ…….لان دي الحاجه الوحيدة اللي بحبها وشاطره فيها……انت بقا اي احلامك بس من غير تريقه….. ”
اجاب عاصم بصوتٍ أجش……
(لحد دلوقتي…..انتي الحلم الوحيد اللي عايز اوصله………)
سلب قلبها وخطف انفاسها فسالته
بتردد……. “متأكد…….”
انعقد حاجباه بتساؤل…..(عندك شك……..)
قلبها سيتوقف أكيد…..الرحمة……….
هربت كالعادة قائلة بتلجلج…….
“عاصم……..انا لازم أقفل… ”
اوقفها عاصم قبل ان تغلق الهاتف…..
(شـهـد…..استني……..احنا لسه مكلمناش كلمنا….)
أحمر وجهها بشدة وهي تفصح
بخجل….
“انا مش هعرف أرد على الكلام ده……”
تحلى بالصبر بالقدر الكافي وهو يقول…..
(بلاش تردي على الكلام ده…ردي عليا…..هجيلكم
البيت امتى….)
سالته بصدمة…… “تجيلنا البيت……”
اكد متعجباً ردها……
(طبيعي….انتي مش قولتي انك موافقة…يبقا لازم اجي اتقدملك……..هاجي امتى…..)
قالت بصوت خافت…….
“لم اكلم حمزة الأول……عشان يكلم بـ….بابا…..”
هز عاصم راسه موضحاً بهدوء…….
(انا كده كدا…..هاجي أول زيارة لوحدي…اتعرف على والدك واخوكي….وبعد كده في الزيارة التانيه هجيب
الحاجة نصرة وعمي…ونقرا الفاتحة ونتفق على معاد الخطوبة….. اي رأيك…….)
ردت شهد بفتور…..
“تمام……اللي تشوفوا………اكلم حمزة الأول……”
(خدي وقتك……..)صمت عاصم قليلاً ثم
سألها…..(هتنامي……)
إجابة بسؤال….. “ايوا…….وانت……”
رد عاصم وهو ينوي الإغلاق معها……
(لسه شوية……هخلص الرسمة اللي في ايدي….يلا عشان مطولش عليكي…..تصبحي على خير…)
قادها قلبها لعنده فقالت باهتمام…..
“وانت من أهل الخير…..بلاش تطول في السهر….
عشان متتعبش…….”
بغلاظه ذكورية رد عليها مذعناً……
(حاضر ياماما……..تحبي اشرب اللبن واغسل سناني قبل ما انام……)
مطت شهد شفتيها متبرمة….. “غلس…….”
سالها عاصم بدهشة حقيقية….
(ايه قولتي إيه…..سمعيني…….)
كبحت ضحكتها بشقاوة….
“ولا حاجة متخدش في بالك…….”
ردد بشفاه مقلوبة……..(جبانة……)
سالته بحدة…….. “بتقول ايه…….”
اخبرها دون مواربة……
(احلى واحده جبانه قبلتها في حياتي…..)
قالت شهد بوجوم…..
“تبقا غلطان لو مفكر انك كده بتقول كلام
حلو……..”
احرجها بفظاظة……
(ومين قالك اني عايز اقولك كلام حلو…….)
اغاظها بشدة فنادت عليه……. “عاااصم…..”
قال هو بعذوبة وببسمة دافئة تشع جاذبية…..
(هتوحشيني ياشـهـد……هتوحشيني لحد بكرة…….)
كالطفلة هي يرضيها بقطعة حلوى……وكلماتهُ العاطفية تمثل حلوتها المفضلة مهما انكرت…..
بلهفة سألته…..
“هشوفك بكرة…….”
أكد عاصم بنبرة عميقة المعاني…..
(هعدي عليكي بكرة الصبح في معادنا الساعة
عشرة….. تكوني كلمتي حمزة……اتفقنا…..)
لم ترد عليه فقال هو بنبرة رجولية
عذبة……
(تصبحي على خير……..ياشـهـد..)
“وانت من اهله…….”
اغلقت شهد الهاتف متنفسة بصعوبة…..وضعت الهاتف على صدرها النابض بجنون…وانفاسها عالية متهدجة من شدة المشاعر المموجة بينهما……مابين شد وجذب وتحدي أحمق…..الى انسيابية ناعمة تختبرها لأول مرة مع رجل….. كانت معه تحلق
فوق سحابةٍ وردية ناعمة………تذوب داخلها كما
ذابت مشاعرها مع نبرة صوته المميزة………
………………………………………………………………
في صباح اليوم الثاني……
كانت تجلس على رمال الشاطئ ترتدي ثوب برتقالي اللون بشريطٍ ابيض حول الخصر…..ام شعرها
جمعته بلفةٍ أنيقة للخلف وربطته بوشاح من
اللون الأبيض تتناثر اسفله خصلات غرتها الناعمة السوداء مرتاحة على جبينها……وفي اذنيها
ارتدت اقراط مماثلة للون الثوب متدلية قليلاً
على شكل شريحة برتقال…..
كانت جميلة على نحوٍ خاص….رائعة ناعمة هادئة
هكذا هي دوماً تراها ترنيمة خالدة في الاذهان…
وردة نادرة الظهور………قطعة فنية ثمينةٍ لا تقدر
بمال……..
كانت امرأة قيمتها الحقيقية في صمتها……في
رقتها………في جمالها الهادئ……..
لطالما كان سحرها يكمن في عينيها يأسر
ضحاياها……..فكانت عسليتاها محور ايقاع
للكثيرين في الهوى لكنها لم تلتفت الى
أحد……لم يشد انتباهة غيره…..هو فقط
هو فقط……رأت في ظلام عيناه دفئاً يتسرب
إليها…….رأت في حضورة المهيب أمناً يستوطن
قلبها…….في صوته الخشن لامست الحنان……
ام في لمست يده استشعرت احتياج كلاهما
للآخر…..وكانهما اتخذا عهداً منذ زمناً بعيد…..
ضرب رذاذ الماء وجهها فابتسمت بحب تستنشق أكبر قدر من الهواء المنكه بالبحر المالح….. اترى صديقها بدأ يغار منه…….
نظرة للبحر تخبره انها ستاتي به يوماً الى مكانها المفضل كما احضرها هو الى مكانه المفضل
والذي كان أمام البحر كذلك باستثناء أماكنهما
المختلفة لكن يبقى البحر الحبل الموصل
بينهما ؟!…….
“انا جيت…….”
سمعت صوتٍ شقياً لشابٍ أصبح يتعامل مع الدنيا
وكانها صالة قمار………ام الفوز او الخسارة…..في
الحالتين سيظل يقامر مع الدنيا…..حتى تخضع
له !!……..
جلس حمزة جوارها ونظر للبحر لثانيتين ثم عاد
اليها متسائلاً…….
“كنتي عايزة تكلمي معايا في إيه……واي الموضوع اللي مش عايزانا نتكلم فيه في البيت….انتي
كويسة…….”
سحبت نفساً مضطرب ثم نظرة الى اخيها
وقالت بدفعة واحدة…….
“عاصم ………عايز يجي يتقدملي ياحمزة….”
نظرة غريبة ظللت عسليتاه
بتساؤل….
“آه………وانتي موافقة……….”
فركت شهد في يديها امام عينا اخيها الشاخصة
وملامحه الرصينة………
“هو شخص كويس………ومحترم و……….”
قاطعها حمزة بحزم……
“شهد….انا بسألك انتي موافقة عليه مقتنعة بيه…”
واجهة سؤال اخيها بأجابة واقعية…..
“انا موافقة عليه مبدئيا….انا معرفوش كويس…
فيمكن لو عملنا فترة خطوبة اقتنع بيه
أكتر………”
تصلب فك حمزة وهو يسالها…..
“يعني متفقين سوا على فترة خطوبة…..”
تهاب نظرة عيناه جداً عند الغضب فكان لها بريق إجرامي حادا يهدد بان العبث معه غباءاً….
“حمزة…….بلاش البصة دي……”لم يرد بل ظل
صامتاً بملامح متصلبة بينما الانفعال كله يصب
في عيناه المشتعلة……..
“انا هبقا صريحة معاك…..زي ماتعودنا من صغرنا نكون سند وضهر لبعض…….”
“انا اتكلمت معاه كام مرة في التلفون…..صدقني اغلبهم كان عن الشغل لكن اخر مكالمة كان مستني
ردي على طلبه……ردي مبدئياً قبل مايجي يتقدم…”
بللت شفتيها متابعة…..
“وانا اديته موفقتي………وهو عايز يجي يشوفك ويشوف بـ……بابا……ويتعرف عليكم…قبل ما يجيب اهله…….انت شايف إيه……”
رفعت عينيها على اخيها برجاء…..فلم يقسو
عليها اكثر في صمته بل أجاب…….
“شايف انك طالما موافقة وهو داخل البيت من بابه
يبقا يجي…وساعتها نشوف……..”
أرتاح قلب شهد لكن سريعاً تغضنت زاويا عينيها
مخاطبه اياه بقلق……..
“طب وابوك…..تفتكر هيوافق…..انا حتى لحد دلوقتي
مش عارفه هقوله إيه…….ينفع تمهدله انت الموضوع……..عشان خاطري ياحمزة…..”
تعجب من خوفها الملموس فقال
بيسرٍ…
“مش مستاهله كل ده….هكلمه حاضر…….”
ابتسمت شهد ممتنة له…..
“ربنا يخليك ليا ياحمزة….انا مش عارفه من غيرك كنت عملت إيه……..”
شعر حمزة بلسعة في عيناه فاطرق براسه
يسمح مابين عيناه سريعاً……قبل ضبطه
لكن شهد انتبهت له فلمست كتفه سائلة
بدهشة…..
“انت هتعيط……….حمزة…….”
رفع حمزة عيناه مبتسماً بسخرية….
“حاسس اني اناني…..مش عايز حد يخدك مني…
حاسس انك بنتي…بنتي الوحيدة اللي مش هقدر افرط فيها بسهولة………”
تلك المرة شعرت هي برغبة قوية في البكاء
وتماسكت مثله وهي توبخه بلكزةٍ حانقة….
“ومين قال ان حتى لو حصل واتجوزت عاصم او غيره هبعد عنك وانساك انت وكيان……في حد بينسى اهله….اخواته وصحابه…….انتوا كل حاجة بنسبالي ياحمزة……..انا اللي مستحيل افرط فيكم…..مهما خدتني الدنيا…….مستحيل تبعدني عنكم…..بس بقااا…….”
ضحك حمزة واشاح بوجهه ساخراً
بمرارة….
“حاسس ان احنا في فيلم عربي قديم…..”
اكدت شهد مبتسمة…. “قول لنفسك…….”
صمتا معاً والابتسامة لا تزال معلقة على
محياهم تابى تركهما…..
سالته شهد بهدوء….. “وصلت كيان للشغل……”
أجاب بفتور…….. “اه وصلتها…….”
عاتبته شهد بحزن……
“مش ناوي تراضيها ياحمزة….تهون عليك…….”
تعنت حمزة مجيباً….
“مش وقته ياشهد……..سبيها شوية…….”
نهضت شهد من مكانها قائلة بهدوء…..
“انا لازم اقوم أروح المطعم اتاخرت عليهم…وخلود
زمانها محتاسه هي والبنات…..ماتيجي معايا……”
نهض هو ايضاً يخبرها بنفي……
“لا انا هرجع البيت أنام ساعتين وانزل الموقف الضهرية…..وهبقا اعدي عليكي بليل عشان
اخدك…. ولو حصل معاكي اي حاجة ابقي رني
عليا….. ماشي….. ”
طمئنة اياه وهم يرحلا معاً……
“تمام………متقلقش لو في حاجة هكلمك……”
………………………………………………………………
عندما دخلت من باب المطعم……تفاجئت بعاصم
ينتظرها على أحد المقاعد امام الطاولة……
قد اتى مبكراً……..
حتى ان المكان كان فارغاً باستثناء خلود والفتيات
اللواتي يعملوا معها….وكانوا جميعاً في المطبخ
يباشرا اعملهن…
لانت شفتيها في إبتسامة ناعمة…..وتسلل الدفئ لقلبها عند رؤيته…….فكم اشتاقت اليه بشدة…لكنها
تنكر هذا الشوق……..
ام عاصم فقبل دخولها اخبرهُ عطرها المميز انها
اتيه……عطرٍ خفيفٍ على الأنف مسكر للحواس…
لم يتحرك من مكانه بل ظلت عيناه تناديها دون حديث………
لبت الطلب واقتربت منه بخطى ثابته…..ومع كل خطوة تخطوها باتجاه سيدها تتسع عيناه وكأنه يحاول ابتلاعها بنظراته المفترسة……..
كانت جميلة أليوم على نحوٍ جذاب….فتنة ناعمة
دون ان تعي تنجذب لها عن طيب خاطر…….ازدرد عاصم ريقه بتعب……وعيناه أسيرة الشهد…..وجمالها
الأخذ……….
تلونت عينيها وشفتيها بابتسامة مسكرة……وهي
تقول بنبرة مشرقة……..
“صباح الخير يا عاصم…….”
قلبه…….قبله ياعالم يضيع…….تلك التحية الصباحية الجميلة قاردة على ادخاله الإنعاش ؟!………
استغربت شهد صمته ونظراته الغريبة عليها…
هل هناك شيء يزعجه…….
“مالك……ساكت ليه في حاجة مضايقاك……”
حقيقةٍ انتِ الشيء الوحيد الذي يستفزني…ويختبر
صبري………
“ولا حاجة….اتاخرتي ليه…….”
عندما دخلت من باب المطعم……تفاجئت بعاصم
ينتظرها على أحد المقاعد امام الطاولة……
قد اتى مبكراً……..
حتى ان المكان كان فارغاً باستثناء خلود والفتيات
اللواتي يعملوا معها….وكانوا جميعاً في المطبخ
يباشرا اعملهن…
لانت شفتيها في إبتسامة ناعمة…..وتسلل الدفئ لقلبها عند رؤيته…….فكم اشتاقت اليه بشدة…لكنها
تنكر هذا الشوق……..
ام عاصم فقبل دخولها اخبرهُ عطرها المميز انها
اتيه……عطرٍ خفيفٍ على الأنف مسكر للحواس…
لم يتحرك من مكانه بل ظلت عيناه تناديها دون حديث………
لبت الطلب واقتربت منه بخطى ثابته…..ومع كل خطوة تخطوها باتجاه سيدها تتسع عيناه وكأنه يحاول ابتلاعها بنظراته المفترسة……..
كانت جميلة أليوم على نحوٍ جذاب….فتنة ناعمة
دون ان تعي تنجذب لها عن طيب خاطر…….ازدرد عاصم ريقه بتعب……وعيناه أسيرة الشهد…..وجمالها
الأخذ……….
تلونت عينيها وشفتيها بابتسامة مسكرة……وهي
تقول بنبرة مشرقة……..
“صباح الخير يا عاصم…….”
قلبه…….قبله ياعالم يضيع…….تلك التحية الصباحية الجميلة قاردة على ادخاله الإنعاش ؟!………
استغربت شهد صمته ونظراته الغريبة عليها…
هل هناك شيء يزعجه…….
“مالك……ساكت ليه في حاجة مضايقاك……”
حقيقةٍ انتِ الشيء الوحيد الذي يستفزني…ويختبر
صبري………
“ولا حاجة….اتاخرتي ليه…….”
ردت وهي تجلس على مقعداً امامه وبينهما
الطاولة المستديرة…..
“انت اللي جاي بدري…وبعدين انا كنت بكلم
حمزة……زي ماتفقنا…….”
بانت اللهفة في صوته…… “وقالك إيه…….”
خفق قلبها مع سؤال فردت والخجل
يفترسها…….
“هيمهد الموضوع لبابا………اي اللي جابك بدري…الساعة لسه تسعة……..”
اطرق بأصبعه على سطح الطاولة…
“اللي حصل…….”
سالته بحاجبين معقودين….. “مالك ياعاصم……..”
غير مجرى الحديث وهو ينظر لأقراط
اذنيها….
“حلو الحلق اللي في ودنك ده…….”
ابتسمت شهد باستياء….
“بتقلب الموضيع في ثانية…..شكراً……”
سالها وعيناه تطوف على وجهها المحمر
والمشرق كذلك…..
“مستغرب انك بتلبسي الحاجات دي…..”
ضحكت شهد وهي تلامس القرط باصابعها
قائلة بحرج……..
“أحياناً يعني بلبسها……بحب الاكسسوارات
البسيطه……”
سالها بانتباه….. “بتحبي الدهب ولا الالماظ……..”
رغم علمها بما يقصد الى انها ادعت
الغباء… “ليه السؤال ده……..”
هز راسه بفتور……… “عادي سؤال عادي…….”
عضت على باطن شفتيها وتلعثمت بخجلاً….
“مش عارفه بصراحه بس يعني عادي….كلهم عندي زي بعض……..مش حاجه معينة….على حسب شكلهم وذوقي…….. ”
لم يعقب عاصم بل ظلت عيناه تأسرها…. حتى
ارجعت خصلة خلف اذنيها قائلة بتوتر…
“مالك بتبصلي كدا ليه……”
لم يحيد عيناه عنها وهو يجيب
بخشونة…. “بحب بسطك دي……”
ابتسمت شهد…..ففرد عاصم كف يده على سطح
الطاولة ناظراً لعسليتاها قائلاً…..
“وريني إيدك اليمين……..”
رمشت بعينيها عدت مرات متوترة…….
“ليه…….”
قال ببساطه…. “عايز اشوفها خفت ولا لا…….”
قربتها منه قليلاً دون ان تضعها في
كفه….
“اهيه……مش لازم تمسك أيدي شوفها كده…..”
انبسطت ملامح عاصم بلمحة تسلية…..
“شهد ارحميني……مش هنقصك صوبع يعني….
وريني…….”
نظرت لباب المطبخ متوجسة….
“حد يدخل……… على فكرة خفت……..”
مسك طرف اصبعها ونظر لكفها بدقة مجيباً
بعد رضا……..
“لسه شوية……ادهني من الكريم عشان تخف….
وخدي بالك بعد كده….. ”
“خلاص ماشي…… سيبي أيدي بقا……”سحبت
طرف اصبعها من بيد يده……ثم نهضت شهد من مكانها قائلة بحرج………
“بما انك جاي بدري…. اي رأيك نفطر سوا……انا
لسه مفطرتش……تحب تفطر معايا….. ”
هز عاصم راسه موفقاً بترحيب……
“احب طبعاً……. بس لو الفطار من إيدك…….”
“اكيد هعمله بنفسي………استناني نص ساعة
بظبط…….”ابتعدت شهد بخطى واسعة مبهجة
الى مطبخها……..
فردد عاصم بعد ان اختفت عن مرمى
عيناه…….
“هستناكي………مفيش قدامي غير اني استناكي
ياشـهـد…”
بعد نصف ساعة تقريباً وضعت امامه
الفطور وتشاركا الطعام وسط ثرثرة من
كلاهما…
ثرثرةٍ هادئه كنسمة عابرة بين الزهور…….فكان
بينهما إندماج يفوق الوصف….يختلقا الأحاديث
دون شعوراً منهما…..
حتى إنتهى الفطور ولم ينتهي الحديث بل طال
وطالت معه نظرات أعينهما المتلألأة بالحب…..
……………………………………………………………
صف سيارته جانباً وصعد على السلالم بعدما اخبره
البواب ان المصعد في صيانة…..
عندما وقف امام باب الشقة يخرج المفتاح من جيبه فُتح الباب واندفع جسد انثوي في احضانه…….
مسك حمزة كتفيها وابعدها عنه قائلاً
بدهشة…
“في اي يابنتي ما براحه……..”
تراجعت قمر خطوتين للخلف بوجها متخضب بالحمرة ثم قالت بحرج وهي تمرر يديها على ثوبها……..
“معلش ياحمزة مخدتش بالي…….”
نظر حمزة الى ملابس الخروج التي ترتديه….ثم لشعرها الغجري التي تتركه حراً على ظهرها……ثم
لهاتين العينين البنيتين الكحيلتين…….ولشفتيها المكتنزة القرمزية دون حمرة…….لاحظ الآن
انها جميلة ؟!…..جمالاً شعبياً مغوي يجذب
المرء من الوهلة الأولى ان دقق النظر به….
تنحنح بخشونة وهو ينظر لعينيها
مشاكساً….
“راحه فين على الصبح كده…….”
اطرقت براسها مجيبة…… “هجيب فطار…..”
انعقد حاجباه مستفسراً…..
“ليه مفيش فطار في البيت……..”
هزت راسها وهي تخبره بخجلاً….
“لا فيه…بس انا نفسي اكل فول وطعمية…….”
مط شفتاه محاولاً مناكفتها
قليلاً….
“طعمية !!….اسمها فلافل……..”
زمت قمر شفتيها مكفهرة……
“ياسيدي على ثقافة……هتفرق يعني فلافل من طعمية ماكلها واحد…….”
اوما براسه بسماجة……. “تفرق معايا……”
ثم حانت منه نظرة على معصمها والاسورة
ذات الخرز الأحمر التي ترتديها اليوم……فعقب مستهجناً كلما رأى هذا اللون الذي يذكره بالخسائر الفادحة لفريقة المفضل في كرة القدم……..
“أحمر على الصبح كده…..انا مش بتفائل بيه…..اي البتاع اللي لبساه في ايدك ده…….”
نظرة قمر للسوار بتعجب…. “دا…..انسيال…….”
بان الإزعاج على وجهه مردداً…..
“اه انسيال جايباه أحمر ليه برضو…….”
زاد تعجبها مع هذا المختال….فردت ببراءة
مصرحة……
“اي فيها يعني…….الأحمر حلو…. ”
زفر حمزة قائلاً بوجوم…..
“بنسبالي انا مش حلو…..بيفكرني بحاجات مش
عايز افتكرها……..فيها إيه لو جبتيها لونها أبيض
مثلاً او اي لون تاني محبكش أحمر يعني…….”
“ليه يعني…….”نظرت اليه بحيرة…فزمجر
هو قائلاً…..
“متجدليش اسمعي الكلام……”
مطت شفتاها مغمغمة…..
“ربنا يهديك…حاضر المرة الجايه ان شاء الله……”
وضع حمزة المفتاح في جيبه وسحب الباب من خلفها قائلاً……… “طب يلا بينا……”
سالته بدهشة……. “على فين…..”
نظر لعيناها قائلاً ببساطه……
“مش عايزة تفطري……..فول وفلافل….هفطرك…”
برقة عينيها فرحاً وهي تساله…. “فين يعني…….”
اولاها ظهره وهو ينزل على السلالم…..
“في أحلى حته فيكي يا اسكندرية…حته مبيدخلهاش غير ولاد الذوات……..”
ضحكت قمر بتشكيك…… “يا سلام……”
نداها وهو يهبط درجات السلم
قبلها…..
“تعالي بس وهتشوفي……..”
هبطت على الدرج خلفه بدرجتين ثم سالته
وهي ترافقه للأسفل……..
“ليه مخدناش الاسانسير……”
رد حمزة عليها وهو ينظر
للأمام….
“الاسانسير متعطل في الصيانة……”
شعرت بنبضات قلبها ترتفع بشدة أثناء
مرافقته لها…فحاولت فتح حديث بدلاً
من هذا الصمت…….
“افتكرت انك هتطلع على الشغل بعد ما توصل كيان……”
نظر لها لثانيةٍ ثم عاد وهبط على الدرج بخطواتٍ
واثقه………
“كنت راجع أنام ساعتين……بس لما لقيتك خارجه تجيبي فطار قولت انزل أفطر برا معاكي…تغيير…”
صمت قليلاً ثم تابع وكانه يحدث نفسه…..
“هفطر بقا ووصلك وبعدين أروح الموقف…شكلها مفهاش نوم……”
ساد الصمت بينهما من جديد ومزالوا في رحلة
النزول على الدرج………حتى شاكسها حمزة
بسؤال مرح…….
“وانتي عامله اي ياقمراية…….مبسوطه معانا….”
اومات براسها مبتسمة بتأكيد…..فأردف حمزة
بغرورٍ………
“لازم تنبسطي طبعاً…..طالما انا موجود في حياتك…..”
لم ترد قمر بل امتعضت بقرف…..فأكد حمزة
بزهوٍ وهو يدير وجهه اليها…..
“ااه والله………بذمتك في زيي……”
تعثر حمزة وهو يهبط على الدرج وكاد ان يسقط
لولا انه تماسك في اللحظة الأخيرة………فضحكت قمر عليه بشدة وقالت بتشفي……..
“حاسب بس ياللي مفيش منك اتنين انت…لحسان
لو اتكسرت رقبتك مش هنلاقيلك للأسف قطع غيار…….”
عدل حمزة ياقة قميصة بتكبر يخفي الحرج
وهو يخبرها بخشونة…..
“حصل خير قعبلت السلمه…….”
فغرت قمر فمها ساخرة…..
“السلمه برضو اللي قعبلتها…..طيب……”
خطت درجتين وكانت ستقع هي الاخرى لولا انها سندت على ظهره……. “حاسب……..”
قالتها برهبة بينما هو كان قد استدار يراى مابها
وعندما وجدها تكاد تكون في احضانه بعد ان
تعثرت قدميها واندفع جسدها نحوه فألتقت
أعينهما ببعضها وكانت عينيها البنيتان لونهما
أقرب لفنجانين من القهوة يقدما في ليلةٍ شتوية
مشتعلةٍ بالحبّ……..
تسمرت عينيها عليه هي أيضاً بضياع فكم هي
معجبه بتفاصيل وجهه الوسيم وهاتين العينين
المحتالتين……..
فقطع حمزة وصلة التأمل بتعليق فظٍ…
“انا شوفت المشهد ده في كام فيلم قبل كده…..”
ذأبت لحظة الصدمة داخلها…فاعتدلت في
وقفتها أكثر قائلة بتردد……..
“فيلم ؟!…انا بعمل فيلم…..”
اوما براسه مضيفاً بفظاظة……
“وقديم كمان………امشي عدل وبطلي مرقعه… ”
أحمر وجهها بخجل أكبر… فهي لم تقصد كل
هذا … “انت قليل الذوق…. والأدب كمان……”
اكد ببجاحة وهو يتابع سيرة…..
“مانا عارف…… حد قالك اني امام جامع……..”
عندما وصلا لأحد الأدوار تعلقت عينا حمزة باب
شقةٍ معينة…. لاحظت قمر كم ان لون عيناه بات داكناً ووجهه متصلبٍ مظلمٍ…….. وكان حزن العالم
كله وقع فوق راسه فجأه فتبدل حالة…. للاسواء…
علقت قمر عينيها على الباب لتجد في اللحظة التالية
الباب يُفتح وتخرج منه شابة قصيرة القامة بشعر اسود ناعم….وبملامح انثوية رقيقة…ترتدي عباءة بيتي بنصف كم…….وبين يداها كيس من القمامة……
القته في السلة المجاورة للباب……
وهي أيضاً قد انتبهت لوجودهما فرفعت عينيها عليهما… نظرة نحوها لثانيتين نظرة مدققة مشبعة
بالغيرة…..ثم طارت نظراتها الى حمزة وقد تعلقت
به لوقتٍ أطول من الازم…….
نظرت قمر لحمزة والذي كان معلق عيناه عليها أيضاً
بنظرة مختلفة… نظرة لما تراها في عيناه أبداً… نظرة
خاصة…… نظرة العاشق لمعشوقته………
انها خطيبته السابقة….علمت منذ النظرة الاولى
انها هي دون شك…ونظراتهما المتبادلة أكدت…
تنحنحت قمر التي تقف خلفه عن بعد خطوتين
ام نجلاء فكانت تقف امامه على بعد خطواتٍ
بسيطة………..
نظر حمزة الى قمر بعد تلك النحنحة الخشنة……
فنظر لها لبرهة بصمت……
حتى لانت ملامح وجهه وتبسم لها وهو يمد ذراعه نحوها فارد كفه أمامها !!……
جفلت قمر من تلك الحركة لكنها لم تفكر مرتين وهي تخضع لطلبه…. وتضع يدها في كفه… ربما أرادت ان تساعده حتى يتخطى تلك الأزمة العاطفية…. او تلبستها روح شريرة فأرادت ان تكيد المدعوة نجلاء لسببٍ لا تعلمه ؟!……
اتكأ على يديها ساحبها معه برفق….حتى هبطا على الدرج سوياً امام عينا نجلاء الحارقة…والتي تكاد
تخرج من بؤرها من شدة صدمتها وغيرتها عليه
هل نساها بتلك السرعة….ثم من تلك التي يشبك يده
بيدها……من تلك القادرة على ان تكون دواءٍ لداء حبهما……..من؟!….
عندما اختفيا عن دائرة عيني نجلاء…ترك حمزة يد قمر بهدوء…….ثم تابع نزول الدرج بسرعة أكبر من السابق وكانه يهرب منها….او من نفسه……..
شعرت قمر بوخزة شديدة تداهم قلبها…..بعد تلك الحركة الجافة……..القاسية…….
يستغلها تعرف….ومع ذلك وافقت، ورغم ذلك انزعجت عندما ابتعاد عنها…..لماذا تهلك نفسها
في تلك القصة….ما دخلها هي به او بمن يحب….
يجب في أسرع وقت ان تنهي أمر الورث وتاخذ اموالها وتذهب الى حال سبيلها….هذا أفضل
للجميع ولها قبلهم……..
………………………………………………………………
الخيانة كالسم تظل تتوغل في العروق حتى
الموت…..الخداع كالسهم يخترق ظهر المطمئن المتغافل….اما الكذب فهو كقطعة رديئة مستعملة
في أيدينا……..
ظلت تطلع عليه من بعيد ، جالسة هي على أحد المقاعد البسيطه امام عربة خشبية بسيطه
تقدم فطور مصري أصيل……به كل مالذا وطاب
العربة كانت تقف جوار الرصيف تاخذ مساحة
بسيطه وامامها عدد قليل من المقاعد الخشبية
والطاولات البلاستيكية……..
لا يأتيه إلا أولاد الذوات !!……..
ابتسمت قمر بأسى…..هكذا هو حمزة مزاحة الثقيل ماهو إلا سخرية مريرة……ومقت غير قابل
للمراوضة داخله………
ظلت عيناها معلقة عليه للحظات…..قد طلب الفطور
من الرجل والذي يبدو انه يعرفه جيداً فقد رحب
به بحرارة وعاتبه على غيابة عن المكان…….
اتضح بعد السلامات المتبادلة انه كان يعمل معه
في صغرة….وان صاحب عربة شطائر الفول…يدعى
العم (عيسوي…..)وهو رجل كبير في عمر والده
لكنه بشوش و ودود جداً مع حمزة يعامله وكانه
أحد ابناؤه…..
قد طلب لهما الفطور ووقف جانباً يدخن بشراهة
تكره المدخنين……ولا تحبذ التعامل معهم….وحظها
السيء اوقعها مع ابن خال آله تدخين متحركة…..
زمت شفتيها تشيح عيناها عنه بضيقٍ لتجد ان البحر
قريب من هنا…..على مسافةٍ بعيدة قليلاً فابتسمت
وتعلقت عيناها في البقعة الزرقاء البعيدة لعلها
تشغل عقلها وقلبها بعيداً عنه…..
لكنه قد اتى بعد ان انهى السجارة الثالثة ؟!…..
“ساكته ليه يا قمراية….اوعي يكون المكان مش عاجبك……..”
قالها وهو يجلس على المقعد المقابل لها…..فعادت
بعينيها الكحيلة اليه قائلة بصدقاً……
“المكان حلو اوي….وعجبني…….”
ابتسم حمزة قائلاً بمزاح……
“مش قولتلك هوديكي مكان مش بيروحوا غير ولاد
الذوات……..”
زمت شفتيها باستياء….. “بطل تريقه……”
نظر للعربة ثم لعيناها قائلاً…..
“فين التريقه….تعرفي انا كنت شغال هنا وانا صغير…..تقريباً وانا عندي اربعتاشر سنة…..”
هزت راسها قائلة…..
“خدت بالي وانتوا بتكلموا……..”
شرد حمزة قليلاً وهو يخبرها بنبرة تقطر
شيءٍ مؤلمًا……..
“انا اشتغلت حاجات كتير أوي….نجار مسلح….
واشتغلت صبي في المحارة……اشتغلت مع كهربائي
وكمان وقفت في فرن عيش….. بس الحاجه اللي حبتها اكتر نجارة الموبيليا…..”
كانت كل حواسها منتبهة معه حتى انها حديثه
فسالته بتعجب……
“طب ليه مكملتش فيها طالما بتحبها…….”
اجابها بهدوءٍ…….
“عايزة صبر….وانا خلقي ضيق…..وبزهق بسرعة….
السواقة أحلى بنسبالي أسهل……”
قطبة حاجباها موضحة…. “بس ملهاش مستقبل…….”
يبدوا انه انزعج من تعليقها لذا رد عابساً…..
“ازاي يعني ناس كتير فاتحه بيوت من وراها…وفيه اللي عاش طول عمره فيها…..شغلانا زي اي شغلانه……”
وضحت قصدها بتمهل……
“عارفه بس انت ممكن تشتغل حاجة أحسن…مش شيفاها لايقه عليك…تستاهل الأحسن……”
غير مجرى الحديث قائلاً بصوتٍ أجش…..
“وانا شايف ان انا وعربيتي نستاهل بعض…..المهم
اي رايك في البحر…هو بعيد شوية بس الهوا من هنا
يرد الروح…..وفطار عم عيسوي يرم العضم……”
في اخر جملة قالها حمزة كان قد حضر العم
عيسوي بالفطور وبدأ يوزع الاطباق الصغيرة
على سطح الطاولة امامهما………لذلك رد عليه
الرجل بمحبة……
“ربنا يكرمك ياحبيبي……بالف هنا…..لو فيه اي
حاجة ناقصة ياقمر يابنتي قولي متكسفيش… ”
هزت قمر راسها بنفي وقالت بحياء…..
“لا ياعمو……كله تمام تسلم إيدك…الأكل شكله
يفتح النفس……..”
“بالف هنا يابنتي……”
قالها الرجل ثم أبتعد….. فمد حمزة يده ووضع امامها الخبز ثم اخذ حصته وبدا يأكل قائلاً……
“كلي قبل مالفلافل تبرد…. مش ببتاكل غير
سُخنه……..”
ابتسمت قمر وبدأت تاكل معه……..وكان الفطور في الهواء الطلق المفعم برائحة البحر يفتح الشهية
على الطعام ويزداد لذة………
“خدي دي……” مد حمزة يده لها بشريحة من البيض مسلوق وكانت مطبوخة ومتبلة بطريقة خاصة تسيل لعاب الجائع ولا يكتفي بشريحةٍ واحدة……….
فتحت فمها واخذتها من يده وقبل ان ترجع راسها للخلف في حركةٍ عفوية مسح أسفل شفتها السفلى
من قطرة من الفول…..
جفلت للحظةٍ ورمشت بعيناها عدت مرات وقد
خفق قلبها مضطرباً فنظرت اليه لبرهة فوجدته
ياكل بهدوء وكان شيءٍ لم يحدث…….
لماذا هي ترصد بعينيها وقلبها أقل حركة تصدر منه
سواء معها او مع غيرها وتدقق بها وتحللها ألف مرة
ام هو….. فلا يبالي……..صدقاً لا يبالي……
جزت على اسنانها تتغاضى عن هذا الأمر متابعة الأكل فالطعام شهي ويستحق ان تنسى كل شيءٍ امامه حتى ولو كان وسيم بعيون ضارية…….
وبريق اجرامي أخذ…………
انتهى الطعام وسط صمتاً من كلاهما… وقد اتت أجمل فقرة بنسبة لها الشاي بالنعناع بعد الإفطار……
مزيج من الحب مع القليل من الدفئ… يولدا كوب
شاي ساخنًا في منتصفه يقف عود نعناع أخضر
مترعرع يعزف لحنًا خاص معه…….
ارتشفت قمر من الكوب على مهل متلذذة بطعمه…
العم (عيسوي..)يجيد طهي أفضل فطور مصري
لكنه ممتاز جداً في إعداد افضل مشروب في العالم
الشاي بالنعناع…..
تنهدت قمر بسعادة وهي تخبر حمزة بجذلاً…
“حبيت المكان أوي…..أول مرة افطر وانا مبسوطه
اوي كده………”
مط حمزة شفتاه قائلاً بزهوٍ….
“عدي الجمايل عشان تعرفي قمتي……”
من زاويا واحدة ابتسمت هازئة….
“عرفاها طبعا متقلقش…..بأمارة السلمة اللي قعبلتها…….”
ضيق حمزة عيناه بخطٍ حاد….وقال بنبرة
متشفية…..
“ماهو عشان سواد قلبك اتقعبلتي انتي كمان وكنتي
هتكفي على وشك……”
تلونت شفتا قمر بابتسامة صفراء….
“بس انا قلبي مش أسود….انا قلبي أبيض وبيضخ
دم……”
“بيضخ تلج……..”قالها بغلاظة…….
فادعت هي عدم الاهتمام وهي ترتشف من
الكوب على مهل…….
“مش هرد عليك….مش هعكر مزاجي وانا بشرب الشاي……مش هعكر مزاجي…….”
شعر حمزة بالحنق فتشدق بجزع…..
“خلاص عرفنا انك مش هتعكري مزاجك…خلصي كوباية الشاي خلينا نروح……”
رفضت قمر وهي تنظر للمكان بحب…..
“لا انا قاعده شوية…لو انت عايز تروح شغلك روح….
انا قاعده شوية…….”
انقلبت ملامحه مئة وثمانون درجة…..فقال
بضراوة……..
“يعني إيه قاعده شوية انتي طالعة مع سوسن..
خلصي عشان أروحك……..وبطلي مرقعه وشربي
الشاي عدل…… مش بنصور إعلان هنا…..”
جفلت قمر من هجومة الضاري….. فامتقع وجهها
متبرمة….
“لا حول ولا قوة إلا بالله….هو انت يابني بحالات مرة
تهزر…. ومرة تتريق….. ومرة تبقا كويس… ومرة تبقا قليل الذوق وتتغاشم…..انت مين فيهم……..”
أجاب بجمود….
“انا كلهم…… خلصي عشان اروحك……”
زفرة مغتاظة من اوامره الغليظة……فقالت بقلة صبر….
“حاضر خمس دقايق ممكن……”
“ممكن…….” قالها بتهكم وهو يخرج علبة من السجائر
من جيبه…..وعندما لمحتها قمر قالت بحنق
شديد….
“بلاش تشرب سجاير بتخنقني……. وعندي حساسية……”
عند تلك النقطة تافف حمزة وهو يعيد العلبة
لجيبه قائلاً بسخرية سوداء…….
“لا إله إلا الله….. بلاش سجاير خالص… اهم حاجة سلامة الست قمر…….”
“شكراً…….”ابتسمت قمر ببرود قاصدة استفزازه…..
فقال هو بهماجية دون تردد وهو يجز على
اسنانه…
“وشك بيستفزني أوي ياقمر……حقيقي نفسي اضربك……”
لم تتراجع ولم تزول الابتسامة بل تابعت بها
مجيبة باسلوب أهدى…..
“نفس إحساسي والله من أول يوم شوفتك فيه…”
اسودت نظراته فذكرها بصوتٍ محتد
منفعل…….
“دا بجد من أول يوم…….. شكلك نسيتي اللي
عملته عشانك……..”
اسرعت قمر تقاطعه مكتفيه بهذا
القدر……..
“لا لا متبدأش…….. خلاص سكت…. سكت……”
رد حمزة بتشفي……. “ايوا كده……اتعدلي……..”
احمر وجهها بشدة وهتفت بصيحة
غضب ذاهلة…..
“اي اتعدلي دي شايفني معوجة…. لا بقولك اي ياحمزة إلا كرامتي……..”
سألها حمزة بعدم فهم…….
“هي فين كرامتك دي لمؤخذه……”
اتسعت عينيها وكانها تلقت اهانة
كبرى……
“إيه…. قصدك اني معنديش كرامة؟!…..”
كان دوره هو بان يندهش مصححاً……
“اي الهبل ده…. هو انا جيت جمب كرامتك أصلاً
انتي بتألفي…….”
قالت قمر بصرامة……
“لا مش بألف……. بس انا معدولة غصبا عن عينك……..”
اوما براسه مبتسماً وهو يراضيها قائلاً
بقنوط…..
“بهزر معاكي بلاش تقفشي كده……يلا بينا عشان نروح…..”
نهضت من مكانها حاملة حقيبتها على كتفها وهي تقول بحياء…….. “ماشي…… شكرا على الفطار……”
ادعى الدهشة مجيباً بمزاح……
“انتي لسه فكرة……. دا عم عيسوي بيلم العدة وماشي……..”
ضحكت قمر وهزت راسها باستياء من هذا الرجل والتركيبة الجبارة به…….استقلت السيارة بجواره
وانطلق حمزة بها عائداً الى البيت حتى يوصلها
ويتابع عمله……..
……………………………………………………………..
لم تصدق بعد انها اليوم تجهز نفسها لأجل استقبال
خاطب في بيتها……..آتى حتى يطلب يدها من أبيها….
استغربت جداً موافقة أبيها السريعة على الأمر
حتى انه بعد ان علم من اخيها لم يجلس معها
كي يستشيرها في الأمر او يستفسر منها عنه
كأي اب يفعل مع ابنته………بل بالعكس عجل في
طلب عاصم وطلب أيضاً منه ان يحضر اليوم ليراه ربما يتفقا ثم ياتي المرة المقبلة بباقي أفراد عائلته
لقراءة الفاتحة والاتفاق على الخطبة…….
رغم انها تشعر بشيءٍ مريب من ناحية أبيها إلا انها
ارتاحت من تسهيل أمر الزيارة…… فهذا أول شيءٍ
كان يقلقها….. لقاء عاصم بوالدها……
تتمنى ان يمر الأمر مرور الكرام….. طالما ان والدها
وافق سريعاً على طلب الزيارة……
يبدو انها بالفعل عائق كبير في حياته… لذلك يسعى
للتخلص منها مع أول خاطب يطرق بابه ؟!……
أسبلت اهدابها بحزن وخفق قلبها بوجع…….وهي
تقف متسمرة امام باب خزانتها تبحث عن شيءٍ مناسب ترتديه أليوم…….
فلم تلبث إلا قليلاً ووجدت من يقتحم الباب عليها
بالطبل والغناء والزغاريد…….مهللين بفرحاً…..
رفعت شهد عينيها مبتسمة….وهي ترى كيان تمسك
طبق بلاستيكي وتطبل عليه بينما قمر تطلق
الزغاريد وهي تغني مع كيان…..
(هو اللي خطبها، هو اللي نقاها
راح وقال لأبوها أنا دايب في هواها…..خد أبوه
وأمه وخاله ويا عمه والشبكة قدمها للي
بيتمناها…..)
ضحكت شهد بقوة وقد أحمر وجهها من شدة الخجل……..
اتجهت إليها كيان وقمر وكلا منهن سندت على
كتفيها من الجهتين…….
قالت قمر بمحبة وهي تقرص وجنتها….
“مبروك ياشوشو…….عقبال الفرحة الكبيرة….”
لم تزول ابتسامتها وهي ترد على قمر
بود….
“الله يبارك فيكي ياقمر…….. عقبالك ياحبيبتي……”
سالتها كيان بحماس…
“قوللنا بقا……قررتي هتلبسي إيه…..”
عادت شهد للخزانة المفتوح على مصراعيها….
“لسه بفكر………”
ابتعدت قمر عنها قائلة بتطوع وهي تلامس
اثواب شهد المعلقة والمرصوصة على
الشماعات……
“اي رايك اطلعلك حاجة على ذوقي……..”
جزت كيان على اسنانها بغيرة….
“نطلعلها سوا…..دي اختي برضو وانا عارفه هي بتحب إيه……..”
وقفت كيان جوار قمر بتحدي…..فاغاظتها
قمر بإبتسامة باردة…….
“ذوقي انا وشهد واحد متقلقيش…….”
رفعت كيان حاجبها ساخرة وهو تشملها
بنظرة مقيمة…….
“يسلام مش باين خلاص ان ذوقكم واحد…”
زفرة شهد الواقفة خلفهما بجزع……
“انتوا هتتعاركوا ولا إيه….بلاش صداع…هتساعدوني
ساعدوني بشويش……..انا لسه هطلع الهدوم وهكويها……”
اقتربت منها قمر تطمئنها بـ…….
“متقلقليش ياشوشو…..انا هكوي الفستان اللي هتلبسيه…….”
استحسنت كيان الفكرة لذا قالت هي
ايضاً……..
“وانا هفردلك شعرك بالمكوى……وهحطلك ميكب…”
هتفت شهد بجدية…..
“قبل ده كله…….حمزة جاب حاجة حلوى عشان
نحطها قدام عاصم…….”
ردت عليها قمر وهي تبحث عن ثوب
مناسباً…
“اه حمزة نزل من شوية……ربع ساعة وهيجي…..
وابوكي كمان زمانه على وصول…….”
ثم اخرجت واحداً ورفعته
امامها……
“يلا انتي بس عشان تجهزي……..اي رايك في ده… ”
رفضت شهد بحرج منها…..
“لا لا ياقمر…..انا عايزة حاجة هادية عن كده…”
ضحكت كيان ضحكة صبيانية خبيثة…..
“ذوقنا واحد…..باين أوي…..قولتلك انا عارفه ذوق أختي……شهد بتحب الالوان الهادية الرقيقة….”
اتجهت كيان الى الخزانة ودفعت قمر في كتفها
ثم بدات تبحث عن ثوب يليق باختها……فاخذت
واحداً منهم ورفعته امامهن قائلة بجذلاً…….
“اي رايك في ده ياشهد……”
رفضت شهد سريعاً مستهجنة…..
“لا طبعاً ياكيان…. دا هيبقا ضيق اوي عليا…..”
ضحكت قمر بشماته وهي ترمق كيان بطرف
عينيها……
“معلش أصل اخلاقه ضايقه زي ناس……”
هاجت كيان غاضبة…… “احترمي نفسك ياقمر……”
تخصرت قمر قائلة بمياعة
مستفزة….
“حد كلمك ولا اللي على راسه بطحه……”
اشتعلت فيروزيتاها فخطت خطوتين نحوها
تنوي العراك……..
“لا دا انتي عايزة تضربي بقااا………”
اتسعت عينا قمر وكانت سترد عليها باقذع الكلمات لكن صياح شهد القوي اوقفها…..
“بس انتوا الإتنين………بس……”
نظرا الفتيات لبعضهما ثم لشهد التي إشارة على باب غرفتها بنفاذ صبر……..”اطلعوا برااااا……..”
قالت قمر بدفاع…… “ياشهد هي اللي بدأت……”
اصرت شهد بصيحة قوية ووجهاً
مكفهر…..
“اطلعوا برااا انتوا الإتنين…….لو سمحتوا…..”
خرجت قمر سريعاً….ام كيان فاشارة على
نفسها بمسكنة….
“بتطردي اختك ياشهد من اوضتك……”
اومات شهد بصرامة ومزالت سبابتها معلقة على الباب في اشارة صريحة…….
“انا معنديش خيار وفقوس……براااا ياكيان……”
زمت كيان شفتيها وخرجت من الغرفة بغضب وهي تبرطم بكلمات غير واضحة…..
اغلقت شهد الباب عليها وزفرة بارتياح……مستحيل
ان يجتمعا سوياً انهما كالضرائر……..ومشاكلهن
معاً تافهة وتزعجها……..
وضعت يدها على راسها الصداع يتفاقم…يكاد يفجر
رأسها…..كثرة التفكير وقلة النوم اوصلها لهنا…..
اذا كانت اعطت كل هذا الوقت والتفكير والمجهود
في أمر الخطبة….ماذا عن الزواج……ان تم التوافق
بينهما بالفعل……هل ستتزوج فعلاً وتبقى تحت
رحمة رجلاً ؟!….
عادت الى خزانة الملابس وبعد لحظات اخرجت
ثوب انيق هادئ الالوان يليق بها وباليوم……
القت الثوب على الفراش فوجدت هاتفها ينير باسمه……. خفق قلبها وهي تمسك الهاتف
مترددة في الرد……
ماذا يريد…. هل هو قادم الآن….. مزال الموعد بعد ساعتين من الآن……..
قادها قلبها ففتحت الخط ووضعت الهاتف على اذنها……
(كنت هزعل لو مردتيش……)
ابتسمت وهي تشاكسه
برقة…….
“مكنتش ناويه أرد أصلا……..متصل ليه….خير… ”
اخرج تنهيدة ثقيلة وهو يدعي الحيرة…..
(اكيد خير…كنت محتار البس إيه بصراحة….فقولت اخد رأيك……)
نبض قلبها مستجيب له بكل
جوارحه…”في ايه بظبط……”
قال عاصم بصوتٍ رخيم مفكراً……
(يعني البس بدله كحلي ولا سوده…ولا رمادي….)
اقترحت بصوتها الموسيقي الناعم…..
“البس كاجول أحلى…..بلاش تكون رسمي اوي…”
لمعة عيناه على الناحية الاخرى
متسائلاً…..(انتي شايفه كده……)
اكدت بوجها متخضباً بالحمرة…..
“آه…..وطبعاً زي ماتحب….دا مجرد اقتراح…..”
هتف عاصم بمراوغة…….(حبيتوا أوي……)
ازدردت ريقها بتساؤل……..”اي ده…..”
ابتسم عاصم بخبثٍ…..
“الاقتراح طبعاً…….هيكون إيه… ”
عضت شهد على باطن شفتيها وتلألأت عسليتاها….فسمعت عاصم يخبرها بمرح….
(باقي من الزمن ساعتين إلا عشر دقايق….)
تلك المرة فلتت الضحكة من بين
شفتيها…..
“كويس يدوبك تلحق تلبس……”
لم يود الإغلاق معها الان لذا سالها
بتطفل….(بتعملي إيه……)
جلست على حافة الفراش جوار
ثوبها…. “ولا حاجة قاعده………”
صرح عاصم بصوتٍ أجش……
(تعرفي اني مبسوطه اوي اني باخد الخطوة دي ناحيتك……..)
ارتبكت وانعقد لسانها فلم تجد رداً إلا….
“آه……..”
هز عاصم راسه مستاءاً……..
(آه……..هو ده الرد……..ماشي….المهم تحبي اجبلك اي معايا وانا جاي…….)
رفضت سريعاً بخفوت…..
“ولا حاجة متتعبش نفسك…….”
سالها مستفسراً برفق……..
(بتحبي نوع ورد معين……يعني قصدي لون معين…)
لم ترد احراجه فقالت برقتها المعهودة…..
“جيب على ذوقك…..انا بحب الورود عمتاً…معنديش
نوع معين……….”
سالها مجدداً…..(طب بتحبي نوع شوكلاته معين……)
تلك المرة لم تجاريه في سؤاله بل قالت
بحرج…..
“عاصم…..قولتلك متتعبش نفسك بوكية ورد كفاية…….”
(تمام……هشوف الأول………..)
اغلقت معه الهاتف ثم رمته على الفراش وهي
ترجع خصلاتها للخلف بابتسامة تشع خجلاً
وسعادة………
ولم تمر الثواني وتاتيها مكالمة اخرى من رقم غريب
انعقد حاجبيها وهي تنظر للرقم قليلاً…..ثم فتحت
الخط ووضعت الهاتف على اذنها بتراقب…….
“الو…..السلام عليكم……..”
(انا مُهجة ياشهد……مراة ابوكي………”
نهضت من على الفراش واقفه وكان اصابها
ماس كهربائيّ…… شاعره بتشنج في اعصابها…..
وهي تسالها بحنق شديد…….
“جبتي رقمي منين…..وبتتصلي ليه أصلاً……..”
اتى صوت مُهجة بهدوء شديد….
(عيزاكي في موضوع مهم يخصك…….ويخص العريس اللي جاي يتقدملك النهاردة…….)
عبست شهد بنفور متمتمه بضيق …..
“انتي عرفتي منين….آه اكيد جوزك قالك…..انا مش عايزه اسمع حاجة معلش مش فاضيه…..”
قالت مُهجة بصلابة….
(الموضوع اللي هحكيهولك مهم…..مهم اوي ياشهد……….)
سخرت شهد وهي تقول بتبرم…
“مهم إزاي بقا………انتي تعرفي ايه عني…او عن العريس اللي هيتقدملي…….”
قالت مُهجة بلؤم…..
(أعرف انه عاصم الصاوي….وعرفت لما الهام جت شقة ابوكي التانيه انه ابن اخو جوزها…….)
لاحت التساؤلات على وجهها
الشاحب….
“الهام……جت عندكم…..إزاي وليه…….”
اتى صوت مُهجة بلهجة شديدة الخطورة….
(دا بقا اللي عايزة اعرفهولك………في حاجات كتير انا سمعتها بينهم…..وليكي حق تعرفيها……)
لم تطمئن شهد للامر بُرمتة لذا قالت
بتشكيك….
“وايه اللي يثبتلي ان كلامك صح…مش يمكن تكوني بتشتغليني………”
القت مُهجة اخر كارت رابح معها وقالت
بمكر…….
(براحتك انا عملت اللي عليا وحبيت احذرك من ابوكي…..لاني عارفه انكم كلكم على خلاف معاه..
ومستحيل تتفقي معاه على عاصم…….عشان تاخدوا فلوسه…….)
رمشت بعينيها مذهولة مما تسمعه……لذا تمتمت
بصدمة………
“إيه فلوسه……..اتفاق ايه وفلوس ايه….انتي بتخرفي يامُهجة……..”
زفرة مُهجة على الجهة الاخرى بنفاذ صبر……
(انا مستنياكي في *****….اكيد عرفاه…..نص ساعة
لو مجتيش انا همشي…….سلام….)
أغلقت الهاتف معها….فوقعت شهد على حافة الفراش
متسعة الأعين شاحبة الوجه…….لم تستوعب بعد
المخطط القائم من خلف ظهرها…….لذا سريعاً لم
تفكر مرتين اتجهت الى أقرب ثوب خروج من خزانتها حتى ترتديه وتذهب لمقابلتها… ربما
تفهم ماذا يحدث معها……
بعد دقائق خرجت شهد من غرفتها مرتدية ثوب خروج حاملة حقيبتها فوق كتفها….
ابصرتها كيان وكذلك قمر…..فاقتربت منها
اختها بتساؤل……
“في اي ياشهد…..راحه فين كده…….”
“مشوار…….ربع ساعة ورجعه…….”قالتها شهد وهي تتجه الى خزانة الأحذية وتخرج منها حذاءها…..
تدخلت قمر في الحديث مستنكرة….
“مشوار اي ياشهد….حمزة وخالي زمانهم على وصول…….افرضي جم قبلك…. ”
اتفقت معها كيان محذره شقيقتها…..
“ابوكي لو دخل البيت وملقكيش فيه… هيطربق البيت فوق دماغنا…….”
صاحت شهد بغضب…..
“قولتلك ربع ساعة مش هتاخر…..” ثم فتحت الباب وخرجت منه مغلقة اياه بمنتهى العصبية…….
فتحت كيان الباب خلفها ونادت
عليها بضيق…..”ياشهد….. شااااااهد……”
عندما لم تجد رداً زفرة بقوة وهي تدخل الشقة وتغلق الباب خلفها…..
“ركبت الاسانسير……. يومنا منيل بنيلة النهاردة……..”
قالت قمر بوجل….. “ان شآء الله ترجع قبلهم……”
هزت كيان راسها متوقعه الاسوء…..
“لا انا مش مطمنه ياقمر…. شكلها أصلا كانت معيطه……في حاجة وحشة حصلت.. انا مش مطمنه……..”
……………………………………………………………..
تحولت عينيها الى كورتين مشتعلتين من الجمر القاتم…..بينما تجلس امام مُهجة تسمع كل مادار
في زيارة إلهام….وكم ان والدها اخذها كطُعم لصيد الهام والوصول الى أهدافة من خلال مساومتها
بزواجها من عاصم………
أسبلت اهدابها بغضب وهي تسمع الكلمات تخرج
من لسان مُهجة كقذيفة من لهب تضربها بصدرها
بقوة…….أحمر وجهها من شدة الغضب…..
سالتها شهد بعد لحظات بملامح متجمدة…..
“واي اللي يضمني ان كلامك صح….يعني استفدتي
إيه انك قولتيلي…….”
قالت مُهجة بمسكنة…..
“استفدت اني احافظ على جوزي….ابوكي…..
وان اوعيكي…… برضو مهم كان احنا ولايه
زي بعض…. ”
لم تعقب شهد بل ظلت تنظر اليها بملامح
جامدة غير معبرة….مما جعل مُهجة تسألها
بلؤم…
“ساكته ليه……..ناويه تعملي إيه……”
نهضت شهد من مكانها قائلة بجمود…..
“ملكيش فيه بقا…..انتي مش قولتي اللي عندك….”
سالتها مهجة بقلق في جلستها……
“طيب يعني……..هتقولي لابوكي ان انا اللي قولتلك………انتي عارفه انه ممكن……”
أبتسمت شهد بببرود……مشمئزة من كل شيء
حولها ينتمي لعثمان الدسوقي……
“اطمني……….بس ياريت تكون اخر مرة اشوفك
فيها…….”
احتقن وجه مهجة وهي تنهض كذلك قائلة
بعتاب……
“بقا كده ياشهد…..دا بدال ما تشكريني…….”
فلتت ضحكة باردة من بين شفتي شهد….
وتكلمت بسخط……..
“أشكرك….هو انتي عملتي كده لله يامُهجة…مانا وانتي عارفين انك عملتي كده عشان تحافظي
على جوازك من ابويا وفلوسه……..”
لم ترد مهجة بل ظلت تنظر اليها بسوداوية…..مما
جعل شهد ترفع يدها مودعة اياها ببرود….
“سلام يامراة أبويا…….”
…………………………………………………………….
“يعني ايه خرجت……..هي مش عارفه ان عاصم
الصاوي جاي النهاردة….هي بتستهبل…….مشوار
ايه اللي تروحوا دلوقتي……..”
صاح حمزة في الفتيات بقوة……فجز عثمان كذلك على أسنانه وهو يتوعد لها بأشد العقاب……
صدح جرس الباب في تلك الأوقات….. فاشار حمزة
لهن بدخول الغرفة…….ثم نظر الى والده فاشار اليه
بعيناه القوية ان يفتح الباب……..
اتجه حمزة الى الباب بملامح مكفهرة… ليجد عاصم
الصاوي في وجهه متأنق بطاقم كاجول فخم… مصفف شعره الأسود للخلف…يقف امامه بوسامة وشموخ وهو يحمل بين يديه باقة من الزهور الجميلة المتنوعة وعلبةٍ من الشوكلاته الفاخرة………..
بلع حمزة ريقه بتوتر…….وحاول السيطرة على اعصابه المتشنجة وهو يقول بهدوء……
“أهلا يامعلم عاصم نورت…….”
تنحى حمزة جانباً وهو يشير له بالدخول…..ففعل
عاصم ودخل بهيئة الخاطب الوسيم……
وعندما أبصر عثمان ابتسم مرحباً به….فارتدى عثمان
هذا الوجه البشوش الودود مع كل الاغراب…….
واتجه اليه مرحباً به بحفاوة…..
“أهلا أهلا ياعاصم يابني…….نورت…..اتفضل اتفضل من هنا……….”
أشار على غرفة الجلوس فدخل عاصم ولحق به
عثمان… فوقف حمزة في منتصف الردهة لا يعرف
ماذا يفعل الآن… خصوصاً ان شهد لم تاتي وهاتفها
خارج التغطيه……….
خرجت قمر من الغرفة فوجدته يقف مكانه منحني
بغضب وكانه يحمل هموم العالم على عاتقه….
عندما ابصرها حمزة سالها بوجوم….
“مردتش عليكي برضو…….”
هزت قمر رأسها….وهي تخبره برفق…..
“زمانها جايه متقلقش………”
أمرها حمزة بصوتٍ أجوف……
“روحي اعملي قهوة ليهم……وخبطي على الباب وانا هاجي اخدها منك…..متدخليش…… ماشي……”
قال آخر كلمتين بتحذير وهو ينظر الى عينيها……
فهزت راسها خاضعة لأمره………
دخل حمزة غرفة الصالون وتشاركا بعض الأحاديث
مع عاصم…….حتى أتت اللحظة الحاسمة عند عاصم
ودخل في صلب الموضوع حيث قال بهدوء…..
“طبعاً انا جاي النهاردة عشان اتعرف عليكم…قبل ما اجيب عمي وجدتي عشان يطلبوا ليا ايد شهد رسمي منكم……”
نظر عثمان وحمزة لبعضهم بصمت….فتابع عاصم بصوتٍ خشن حازم…….
“طبعاً شهد شغاله في المطعم اللي اجره حمزة مني…
وحقيقي هي انسانة محترمة ومؤدبة…….وحاسس
ان ممكن يحصل نصيب بيني وبينها………”
اقتحمت الغرفة فجأه شهد هاتفها بصرامة
وعيناها المشتعلتين لا تحيد عن والدها في
نظرة متحدية…….
“للأسف ياعاصم بيه…..مش هيحصل اي نصيب بينا……..”
نهض عاصم من مكانه ونظر الى وجهها الباهت الحزين والى عينيها الحزينتين الحبيستين
بالدموع…. فعلم ان هنا ما يسوء… لذا لم يمنع
نفسه عن سؤالها امامهما بقلق……
“في اي ياشهد….. مالك……..”
انتفض قلبها بوجع وهي تعلم ان تهورها سيدفعها
للمزيد من الكوارث مع والدها….لكن لا بأس….ربما
اتى اليوم التي تقف فيه امامه وتخبره بـ(لا…)
حتى ان كان على حساب رجلاً تكن له القليل
من المشاعر………
تابعت شهد بنبرة باهته مهتزة……
“انا مش عايزة اتجوز…….طلبك مرفوض يا عاصم
بيه…….. انا آسفة…..”……
تعتذر؟!….
تخسف بكرامته الأرض امام عائلتها ثم تعتذر…. ترفضه بعد موافقتها…..ثم تعتذر ؟!…….
اي عبث هذا؟!….هل هي مختالة………
ظل ينظر اليها للحظات غير مستوعب بعد ما حل
بها….
كانت عينيها قاتمتين حادتين…..وكانها تحارب وحدها تحارب الجميع حتى تربح ؟!….
ماذا ستربح؟!….
ظلت النظرات النارية بينهما قائمة للحظات كانت تشتعل بحربٍ ضارية ، حرب من نوع آخر……ولكلا منهما وجهةٍ خاصة…..
حتى قطع عثمان الصمت قائلاً بحدة وهو يعنف
ابنته بقسوة…..
“اي قلة الادب اللي انتي فيها دي ادخلي على اوضتك………من امتى والحريم بتدخل في كلام
الرجالة………….وبعدين انا معنديش بنات تقول رأيها انا هنا اللي أأمر وانهي…..سامعه…. على اوضتك……”
لم تهابه بل وجهت نظراتها وحديثها نحو عاصم
قائلة بقوة بها لحمة من الجمود………
“انا قولت اللي عندي ياعاصم بيه…. ولو في اي حاجة تمت بعد ما اخرج من هنا….. هتكون غصب عني….. واكيد كرامتك مش هتسمحلك خالص
تاخد واحدة غصب عنها……. ولا إيه……”
رفعت وجهها اليه بكبرياء مسنن….لم يرى يوماً
أمرأه جافة المشاعر مثلها……فاوما عاصم براسه
بملامح متصلبة مظلمة ونظرات خالية من الحياة…..
“عندك حق…. واضح اني غلط في العنوان……….”
حاول عثمان ايقافه بكل الطرق الممكنة لكن
عاصم اصر على المغادرة وخرج من غرفة
الصالون يتخطاها دون النظر اليها وكانها لم تكن !….
بعد رحيله اغمضت شهد عينيها وتركت العنان لدموعها وقد خارت قوتها فوقعت أرضاً ودخلت
في نوبة صامته من البكاء مرير…..شاعرة بانها
فقدت شيءٍ داخلها قيم…..
ذي قيمة منحهُ لها شخصٍ رائع كان بمثابة قارب
نجاة لها فبدلاً من الصعود إليه اختارت الغرق
فهُلكت مختنقة حتى الموت ؟!…وزال كل
شيءٍ حلوٍ بعدها…….
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الحب أولا)
الروايه جميلة
فوق الرائعه
فين باقي الروايه
كل رواياتك تحفه
فين باقي الفصول