رواية الحب أولا الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم دهب عطية
رواية الحب أولا الجزء الثاني والأربعون
رواية الحب أولا البارت الثاني والأربعون
رواية الحب أولا الحلقة الثانية والأربعون
كانت تستلقي بظهرها على الفراش على الاضاءه
الخافته لم توصد الباب ككل ليلة تتركه مفتوح
موارب بانتظار ان تراه عند العودة بلمحة سريعة
ثم تنام بقلب ينزف حسرة من الفراق….
ليالي مضنية تعيشها في هذه الشقة التي كانت
يومًا مسقط للاحلام الوردية…..والحب….
رسمت هنا كل شيء جميل ونسيت قوانين الحياة
بمقدار الفرح ستجد الحزن….بمقدار الحب ستجد
الكراهية….
انها الحياة فمن رَحِمها تخرج الكلمة ونقيضها ثم
يعيش الإنسان في دوائر متتابعة من اختبارات
مكثفة لا تنتهي ، وعلى قدر الصبر سينال..
مرت ثلاثة أسابيع منذ ان اشترت المطعم…..بدأت
في العمل به وتغيير بعض الاشياء التي أضحت
تغيير جذري في المكان فبات أفضل وتكاثر عدد
الزبائن بفضل بعض الاصناف التي اضافتها
والتغير في النمط المعتاد….وبطبع الديكور
والاسم…..
ثلاثة أسابيع لا يتحدثا ابدًا ياتي الى الشقة ليلا
في وقت متأخر ثم يذهب في الصباح الباكر…
وهذه هي حياتهما كئيبة مملة….مؤلمة وثقيلة
على كلاهما ، فالبعد زاد عن الحد المسموح
وبات التنائي محور علاقتهما…..
انهُ عنيد وقاسٍ لا يلين معها ولا تعرف اهو
مزال في حبها متيم ام أصبح قلبه بكرهها
مُعبئ !!..
لم تتوقع ان تكون بهذا الضعف معه منذ ان
عادت من السفر وهي تتحول الى امرأة مثيرة
للشفقة…
ترجو الحب والسماح منه…
الى هذه الدرجة أخطأت وماذا عنه هو فمزال
على تواصل مع طليقته السابقة.. ومع هذا
لم تأخذ خطوة جادة حازمة في تلك المسألة
ولانهُ يضعها في منتصف الطريق ويشتت عقلها بتصرفاته باتت لا تعرف وضعها الحقيقي في حياته
وهذا ما ينشب نيران الغيرة في صدرها….
مسحت دمعة فارة من عينيها ويدها توضع على بطنها الخاوية فلو كانت طفلتها هنا الان لكانت
مُسكن للألم ، وملجأها من غربة المشاعر….
لكن كل شيء انتهى سريعًا ولم يبقى إلا الالم
الندم والحيرة…..
سحبت نفسًا متهدج الى رئتاها وهي تغمض عينيها
بعذاب لمدة ثانية فقط ثم سمعت باب الشقة يفتح ويدلف عاصم الى الداخل…..
من يصدق انها حفظت عدد خطواته عند الدخول…
وحفظت عبق عطره على ظهر قلب…
أننا في الفراق نصبح أكثر إدراك واحساس بمن نحب
ورغم غربة قلوبنا تظل المشاعر مشتبكة ببعضها كخيوط العناكب…..
اغمضت عينيها موليه ظهرها للباب بعد ان شعرت
به يقترب من غرفتها…ولم يكن الوضع غريب بنسبة
لها فعند عودته يمر على غرفتها بنظرة سريعة عند الباب ثم يبتعد مغلق الباب خلفه….
وكأنه يحارب لقطع المسافات بينهما وكبرياؤه
يأبى ذلك….
لذا اعتمدت ان تترك باب غرفتها موارب حتى لا تصعب عليه المهمة فهي تعلم كبرياؤه العظيم
في الحب وعند الخصام…..
خفق قلبها بين اضلعها بقوة وهي تشعر بصوت انفاسه خلفها عند الباب تشعر بنظراته تخترق
ظهرها تتوغل ملامسة جزءًا يصرخ بعذاب
منادي عليه برجاء…
مزالت تحت سطوة عقابه تذبح بسكين بارد…غير
قادرة على كبت حرمانها منه…والسيطرة على
هذا الشوق المضطرم….
الرحمة أرجوك…
حتى هي تابى الاقترب منه خطوة قد تعبت من الرفض ونظرة العتاب في عيناه باتت تخنقها
وتمتزج بالكوابيس لديها…
سمعت اغلاق الباب بهدوء فتنفسة الصعداء وهي
تترك لقلبها حرية البوح بالخفقات العالية..
وسالت دموعها على وسادتها وهي تتمنى بلوعة
ان تعرف مصير علاقتهما الحقيقي فلو كان الانفصال
هو نهاية المطاف بينهما فليكن شجاع إذا ويخبرها..
بعد فترة….
اضطرب جسدها اسفل الغطاء وهي تشعر بالباب يفتح مرة ثانية على غير العادة ثم إنارة الغرفة لدقيقة وانغلقت الأنوار مجددًا وبعدها اغلق
الباب….
خفق قلبها بقوة وتوقفت انفاسها لبرهة من الخوف
وهي تشعر به ينضم اليها على الفراش ثم سحبها اليه مقيد خصرها بكلتا ذراعيه واضع راسه على صدرها يضمها بكل قوته…هامسًا بصوتٍ
متحشرج..
“انا عارف انك صاحيه….زي كل ليلة….”
فغرت شهد فمها مخرجة انفاسها المكتومة بصعوبة مؤلمة وهي تفتح عسليتاها لتواجه بصيص نور خافت يتسرب من عقب الباب..ترى من خلاله ما
يدور الان….
وران الصمت وظلا على وضعهما فوق الفراش يتشبث بها بكلتا ذراعيه ينام على صدرها وهي
في المقابل مسالمة لم تبدي رفضٍ او حتى قبول
بعد….
“لحد امتى هنفضل كده ياشـهـد….”
سالها بخفوت ولحيته توخز بشرتها الناعمة ومع
ذلك كان شعور العناق خرافي…..اعجبها و روى
قدر بسيط من شوقها له…..
قالت بوهن مذاقه كالصدئ
في فمها…..
“حاسه انك بقيت بتكرهني…”
أردف بصوتٍ أجش تجلى به مرارة البعد
عنها….
“لسه متعرفيش اللي جوا قلبي ناحيتك…”
لم تجد ردًا قد انسابت دموعها بحزن على وجنتاها وهي تنظر الى السقف الشبه مظلم امام عينيها…
بينما هتف عاصم بنبرة محارب….
“مشكلتي معاكي اني مش قادر اسامح… على
قد حبي ليكي على قد زعلي منك….”
“وبعدين ؟!!….”سالته بروح باهته فهذا يعني
نقطة النهاية….
“مش عارف…”رد بحيرة وهو يمرغ وجهه في
صدرها الغض مستنشق عبق عبيرها الأخذ….
اغمضت عينيها بضعف وقلبها يحثها على الاستسلام
له واخذ قسط راحه بين ذراعيه وعقلها يدق كناقوس
الخطر ، بان الخلاف لن ينتهي بهذا الشكل…
فالمتعة تنتهي سريعًا ام الحب يبقى للدهر !!…
حاولت التملص من اسفل جسده الضخم الذي يشل
حركتها… منعها عاصم بصوتٍ عميق ارتجف جسدها
على أثره بضعف….
“بلاش تبعدي….خليني اليلادي في حضنك… اليلادي بس ياست الحُسن…”
ضعف الفؤاد وتوقفت عن الحراك مغمضة العينين بعذاب وهي تتنفس بصعوبة وسرى الدفء الى أوردتها ببطئ حين سمعت انفاسه المنتظمة
على صدرها…..
ازدردت ريقها بشوق وهي ترفع يدها نحوه مداعبة
خصلات شعره الكثة السوداء باصابعها….غاصت
بها باشتياق بينما يدها الاخرى تسير على ملامحه برقة….وقلبها مشتعل بالعواطف….
همست بصوتٍ شاجن….
“انت كمان متعرفش اللي جوا قلبي ناحيتك….”
اغمضت عينيها وهي تستسلم لسلطان النوم كما استسلم قلبها للحب وعذابة…..
……………………………………………………..
في اليوم التالي صباحًا….
استقل مقعد القيادة وانطلق الى وجهة معينة
وعقله لم يستوعب بعد ما حدث أمس قد اتاها كطفلا صغير بائس متشبث بها بضعف مطالب
بعناق يهون عليه مرارة بعدها ؟!!…
جن عقله آنذاك….فقد المتبقي من صبره….
فأيقن….
أيقن انهُ استكفى من هذا الهجر ويريد استعادتها
في اقرب فرصة…فهو بدونها شخصٍ فاقد الشعور
بالحياة…..
انها ترياق الحياة بنسبة له…غربة قلبه عنها
أقسى انواع العذاب……
زفر نفسًا مثقل بالهموم وهو يخرج هاتفه من جيبه
بعد ان صدح باتصالا مفاجئ…..
عندما راى اسم المتصل عبس وجهه حانقًا وهو
يرفع الهاتف على اذنه….
“ايوا يارفيدة…..”
انتظر سماعها على الخط الاخر بملل وعندما
طالت ثرثرتها قال مقاطعًا بجدية….
“تمام عارفه….نتقابل هناك….”
اغلق الخط وهو ينظر الى الحقيبة المجاورة في لمحة سريعة ثم تابع الطريق بعقلا عاصف بالافكار
دلف الى احد الكافيهات الراقية….وراها من بعيد
تنتظره على المقعد امام طاولة مستديرة امامها
فنجان قهوة ترتشف منه وهي تعبث في خصلة
من شعرها الكستاني….
كالعادة كانت ملابسها جريئة هيئتها ملفته..تدل على
الرفاهية المبالغ بها…..صورة باتت تثير نفورة نحوها
أكثر من اي وقتٍ مضى….
نظر الى الحقيبة بين يده ثم اليها وتقدم منها
وهو يشحذ العزم نحوها….
“اهلا يارفيدة….”
قالها عاصم ثم جلس في المقعد المقابل لها بينما ابتسمت هي عند رؤيته بسعادة منتصرة…
“هاي ياعـاصـم…واخيرا اتقبلنا….وحشتني..”
امتقع وجه عاصم قائلا وهو يقدم لها علبة
المجوهرات…..
“رفيدة مقابلتنا شغل مش اكتر…دا الطقم اللي طلبتي اعملهولك…اتفضلي….”
رفضت رفيدة فتح العلبة وهي تقول
بصوتٍ رقيق….
“كده علطول مش هتشرب حاجة الأول….”
رد باقتضاب….”شربت قبل ما اجي….”
رمقته بجرأة متملقة ثم اشارات للعامل
بيدها…..
“لو سمحت فنجان قهوة سادة….”
ثم عادت اليه تقول بنعومة…..
“تشرب قهوتك وبعدين نتكلم في الشغل اي
رأيك….”
اوما براسه دون تعبير ثم ادعى انشغاله في النظر
الى ديكور المكان….فرمقته رفيدة باعجاب وحسرة
وهي تقول بنبرة تجلى منها الحقد….
“قولي صحيح اي أخبار مراتك….انا عرفت انك
لسه معاها حتى بعد ما سفرت من وراك…..
معقول مش ناوي تطلقها بعد كل اللي
عملته ؟!!..”
رمقها عاصم بنظرة حادة قائلًا بثبات انفعاليّ
يستحق جائزة عليه…..
“مع ان ملكيش انك تدخلي في حياتي الشخصية
باي شكل من الاشكال بس انا هجاوبك….مش ناوي
اطلقها يارفيدة…..هتفضل مراتي لحد اخر يوم
في عمري…..”
اشتعل صدرها بالضغينة فقالت بغل أسود….
“اشمعنا ؟!!..وليه…انت ناسي السبب اللي طلقتني
عشانه….هي عملت اسواء من كده…ولسه معاها متمسك بيها !!…وانا وقتها طلقتني بسهولة وكأنك
ما صدقت….اي الفرق اللي بينا…..”
رد بجاوب باتر….”الفرق اني بحبها……”
تهدل وجهها في صدمة مؤلمة مشيرة على
نفسها تسأله…. “وانا….عمرك ما حبتني ؟!!….”
رد عاصم بصوتٍ خشن…..
“سؤال فات أوانه بينا…..علاقتنا انتهت من قبل
حتى ما شـهـد تدخل حياتي….”
قالت رفيدة بحدة…. “انت بتهرب من سؤالي….”
رد عاصم بصوتٍ متزن…..
“عشان الاجابة عن السؤال بأه او لأ معناها
خيانة ليها….”
ترقرق الدمع في عينيها وهي تقول بابتسامة
باهته المعاني…..
“يااه لدرجادي…..لو كنت حبتني نص الحب اللي
بتحبه ليها…مكناش سبنا بعض….”
رد عاصم عليها بنظرة باردة….
“لو كنتي اختارتيني انا….قبل ما تختاري نفسك
والفلوس وتمشي على خطط اختك يمكن كنا
كملنا…..يمكن مش أكيد….”
ثم أضاف بلا مبالاة…..
“بس كل اللي حصل خير لينا كلنا…مش كده…”
استأنف مشير على علبة المجوهرات
بعينيه…
“تحبي تشوفي الطقم….”
قالت بكبرياء ممتنعة…. “لا انا مش هاخده…..”
“زي ما تحبي…”سحب عاصم العلبة بهدوء ووضعها
في الحقيبة…..
قالت رفيدة بتبرم…..
“انت عارف انه كان حجة عشان اشوفك…ونرجع
نتكلم….”
اوما براسه مضيف بنبرة كصقيع
جمدتها فجأة….
“عارف….وعارف كمان انه مش ترتيبك….”
جفلت رفيدة وارتدت بظهرها للخلف مبهوته
الملامح شاخصة العينين….فتابع عاصم بحزم
وهو يغلق سحابة الحقيبة…..
“وفري على نفسك يارفيدة…. نصيحه مني بلاش تمشي بدماغ حد ولا تسمحي لحد انه يرسملك حياتك…حتى لو كانت أختك…..”
قالت رفيدة بتردد..”هي خايفة على مصلحتي…”
رفع عاصم حاجبه قائلا برجاحة عقل…
“انتي اللي لازم تخافي على مصلحتك وتفتحي عنيكي شوية…..ساعتها هتعرفي مصلحتك
الحقيقيه فين….”
بلعت رفيدة ريقها باضطراب وهي تشعر بان الحديث
لمس جزءًا حساس داخلها….فقال عاصم بنبرة متينة
مهيبة….
“اسمعي يارفيدة الحب مش سلعة بنشتريها…والجواز مش مؤامرة وخطط…فوقي الحياة أبسط من كده
بكتير….انتي محتاجة تدوري على نفسك اكتر من كده..”
نهض عاصم من مكانه مغلق زر السترة وهو
يقول بهدوء….”انا لازم امشي…..”
قالت رفيدة بغصة مختنقة…..
“يعني مفيش امل…..نرجع تاني ؟!!….”
هتف عاصم بلكنة حازمة….
“فكري في كلامي كويس يارفيدة….يمكن تفوقي
من الوهم ده بسرعة وتفهمي اللي بيدور حوليكي..”
لم تفكر في منعه مرة أخرى فكرامتها اصبحت
في الوحل من خلف خطط أختها العظيمة
بالفشل !!….
لكن الحديث حرك شيء داخلها وكأنه كشف جزءًا كبير امام مرآة المنطق…ثمة حقائق غريبة تتوارى خلف الاقنعة ، وقناع الرغبات ازداد وحشية على وجه اختها التي تحركها بالخيط كالعرائس !!…
قالت رفيدة بعد لحظة صمت….
“تعرف مراتك محظوظة ان في فحياتها راجل
زيك…بيحبها…..”
قالت اخر كلمة بمرارة…مرارة كالعلقم افقدتها
الشعور باي شيء سواها !!….
ابتسم عاصم لها بمجاملة قائلا بصدق…
“بكرة انتي كمان تبقي محظوظة بالاحسن مني…
أكيد هتقبلي اللي يقدرك ويحبك بجد…مين
عالم…..”
اشار لها بالوداع الأخير ثم رحل دون الالتفات للخلف…”مع السلامة…..”
ام هي فظلت مكانها تتابع خروجة بعينين حزينتين نادمتين على خروج رجلا مثله من حياتها للأبد…..
صدح هاتفها برنين من اختها فرفعت الهاتف قائلة
باقتضاب…..”ايوا يالهام….”
سألت الهام بنبرة متلهفة…..
(عملتي إيه خدتي الطقم…. اتفقتوا على معاد جديد..)
قالت رفيدة على مضض…
(لا مخدتش الطقم ومتفقناش على حاجة..)
صاحت الهام بشراسة…..
(ليه ياغبية… بضيعيه من ايدك ليه مش قولنا هتحاولي تأثري عليه….باي طريقة….)
تشدقت رفيدة بذهول…..
“باي طريقة ازاي حتى لو ههين نفسي
وكرامتي معاه؟!!..”
قالت الهام بجفاء…(ومالوا المهم النتيجة….)
كانت الاجابة بمثابة طعنة غدر تلقتها منها
فقالت رفيدة بتهكم….
“انتي ازاي كده يالهام انا أختك….”
خففت الهام من حدتها قائلة بتملق….
(ما عشان اختي بفكر في مصلحتك يارافي….)
قالت رفيدة بغضب محتد….
“انتي مش بتفكري في مصلحتي…انتي بتفكري
في نفسك وبس….”
تشدقت الهام بصدمة……(انا يارفيدة ؟!!…)
اكدت رفيدة وهي تقول بانفاس عالية
منفعلة…..
“ايوا انتي لو كنتي بتحبيني بجد….كان اقلها خالص
تسبيني أسافر دبي وامضي على الشغل اللي جالي
من شركة (….)اللي بعتتلي مخصوص عشان اكون
وجه اعلاني ليهم..”
قالت الهام باستخفاف…
(مش هيدوكي قد اللي هتاخديه من ثروة
عاصم الصاوي…)
احتدت عليها رفيدة لأول مرة قائلة برفض
قاطع…..
“وانا مش هفضل ربطه نفسي وعمري بخططك عن الجواز والثروة المهولة بتاعت عيلة الصاوي….انا هشوف مصلحتي يالهام…..”
سالتها الهام بريبة….(يعني إيه ؟!!…)
قالت رفيدة بنبرة صارمة…..
“يعني هسافر وهشوف مصلحتي….وكملي انتي بقا في خططك العظيمة…وبدل ما بتحاولي اوي كده ترجعيني لعاصم من تاني…الأولى ليكي تخطتي
ازاي ترجعي لجوزك من تاني….”
قالت الهام بنفسٍ حاقدة….
(عاوزاني ازل نفسي لواحد طردني من البيت وطلقني….)
ارتفع حاجب رفيدة بصدمة
ساخرة….
“ياسلام كرامتك عزيزة اوي…وكرامتي انا تداس بالجزمة عادي مش كده….”
قالت الهام بنبرة ناعمة جدًا تبخ سمها
كالحية…
(افهمي يارافي رجوعك لعاصم نقطة في صلحي
وقتها هعرف ادخل البيت من تاني وأأثر على
مسعد بوجودي…..ويمكن احنن قلب امه الحرباية
واخليها تقف في صفي….وبكدة يبقا احنا الاتنين رجعنا لمكانا من تاني….)
رفضت رفيدة وهي تقول بجفاء…
“عمره ما كان مكاني يالهام ولا هيكون…..انا هوافق
على العرض اللي جالي وهسافر يا إلهام….ولو حابه تسافري معايا مش همنعك…..”
صرخت الهام بغضب…..
(انا مش هسافر ولا هسيب مكاني…لو مش عايزة تساعديني ومتنازلة عن حقك اوي كده..انتي حُرة
سلام…..)
اغلقت الهاتف في وجهها بقسوة…فالتوى ثغر
رفيدة بسخرية مريرة وهي تنظر الى شاشة
الهاتف بحزن…..
“إزاي كنت مخدوعه فيها الفترة دي كلها….”
تكبدت شعور الالم وهي تلمس شاشة الهاتف
باصابعها قائلة بعزم…..
“بس مش مهم كفاية اني قولتلها لا…..لأول مرة
في حياتي أرفض واقول لأ…..”
رفعت الهاتف على اذنها مجددًا برقم سكرتير
الشركة التي ستعقد معهم عقد العمل والتي به ستقيم في بلد أخرى مستقلة وبعيدة تمامًا
عن الجميع….وهذا ما تحتاج إليه…..
…………………………………………………………..
“شيف شهد اي رأيك في الصنف ده…..”
قالها طاهٍ يكبرها بسنوات عديدة له خبره واسعة
في مجال الطهي…..
ابتسمت شهد له وهي تقف بقلب المطبخ الشاسع تباشر العمل عليهم وتعمل معهم كذلك ككل يوم..
توقفت امام الطاه باحترام وببشاشة وجهٍ بدأت تتناول من الطبق الذي قدمه لها ثم بدى على
محياها علامات الرضا وهي تقترح بهدوء….
“هايل بجد… بس انا شايفه انه محتاج شوية
روز ماري…وتقلل الملح عن كده الطعم
هيبقا خرافه….”
ابتسم لها الطاهي موافق على الاقتراح ثم ابتعد
لاكمال عمله….
بدت تسير في المطبخ الكبير في ممر ممتد تتابع
العمل وتتوقف عند هذا تتذوق من ذاك تبدي رأيها
في هذا الصنف واعجابها بصنف آخر…..وبعض التعليمات البسيطة….
كانت كنسمة عطرة في صيفٍ حار بينهم…لم تكن
شخصٍ متسلط خنيق بل كانت ملكة متوجة تسير
باريحية وحب بينهم تتعامل بأصول ملكية مبنية
على الإحترام والتقدير و….التواضع…..
خرجت من المطبخ فرغم الأجهزة الحديثة المتواجده به والتي تساعد على امتصاص السخونة والروائح
إلا انها شعرت بالاختناق وان الجو حارًا به….
فقررت ان تتخذ طاولة منعزلة عن باقي الطاولات التي تعج بزبائن…..
طاولة تطل على البحر ، ونسائم اليود المنعشة تداعب وجهها وغرتها الناعمة وتملئ رئتاها بها..
تجلس على المقعد باناقة بثوب كلاسيكي انيق
ترفع شعرها للأعلى وغرتها تنساب على جبينها بجمالا…أسفل الطاولة تضع ساق على الأخرى
بغرور انثوي يليق بها…
عينيها الكحيلتين شاردتين في البحر البعيد واصابعها الرقيقة تسير على (الانسيال)الذهبي في رسغها.. قلبها مشتاق لمن اهداها هذا الاسوار يومًا…
تشتاق لتلك الأيام ليتها تعود لربما رسمتها أفضل
مما سبق واتقنت فنون الحب والسعادة معه…..
تنهدت بحيرة وهي غارقة في التفكير به بينما
عسليتاها تلمع بالحزن وبـكلمة….ياليتني….
كان يدس عاصم كفيه في جيبي بنطالة على بعد
مسافة قليلة منها… يرصد بعيناه العاشقة أقل
حركة تصدر منها متأمل حُسنها الأخذ ، مراقب
صورة فائقة الجمال عن إمرأة عملية بامتياز
واثقة بقدراتها ، طموحة ولديها أهداف لا
يُستهان بها….
وقد اضحت ثمارها الآن بهذا المطعم الفخم
الذي يعج بالزبائن…والطهاة الذين يعملوا
حسب تعليماتها…..وباشارة منها…..
صورة راقت له للحظة ، او ربما تروقه منذ ان راها
تقف على السلم الخشبي تطلي جدار المطعم بعينين
تبرقان بالاحلام….
اين هم الان بعد كل ما طرأ بحياتهما…تسلق كلاهما الأمواج العالية بعناد فأصبح الأمر على المحك
لا شيء مستقر ولا شيء دائم….
شعرت شهد انها عرضة للمراقبة فرفعت عسليتاها الكحيلة إليه مباشرةً…..ثم تبادلا النظرات بصمتٍ وهي رغم دهشتها بوجوده هنا في ساعة مبكرة كتلك ، إلا انها اهدته ابتسامة صافية وكأنها ترفع
عن كلاهما الحرج بعد ليلة أمس….
اقترب منها عاصم بالحلة الفخمة المرتبة وبهالة الوسامة والهيبة التي تزعزع ثباتها وتدغدغ
قلبها عند حضوره….
نهضت شهد تستقبله بأحترام ولم تزول الإبتسامة
عن محياها بينما قلبها يرتجف بين اضلعها
بخوف….
تخاف في كل مرة يتقابلا ان تسمع ما يقطع
اخر خيطٍ بينهما !!….
عندما وصل اليها وقف امامها بقامة طوله المربكة
لعينيها.. وبنظرة من عيناه القادرة على بث رجفة
قوية بسائر جسدها….قال بتعريف وهو يرفع كف
يده نحوها….
“خلينا نبدأ من جديد….عاصم الصاوي…..”
بلعت ريقها متوجسة رافعه حاجبيها معًا بعدم تصديق تسأله بعينيها عما يدور في راسه الآن ؟!…
فاسترسل عاصم بصوتٍ أجش موضح…..
“تعالي نقفل الصفحة دي خالص… ونبدأ من تاني….
انا اكتشفت اني مقدرش استغنى عنك ولا انتي
كمان مش كده ؟!!….”
وامات براسها سريعًا ولمعة عيناها بالدموع وابتسامتها تزداد إتساع حتى ظهر صف
اسنانها الناصع…..
كانت ردة فعلها خارجة عن سجيتها المعروفة كانت
عيناها تنطقان بالشوق….بالعشق….وابتسامتها مصاحبة بالامتنان…بالفرح……
وخزة ضميرة وقلبه معًا فهو جعلها تنتظر كثيرًا
حتى فقدت الأمل في العودة….
وقبل ان تزول الصدمة من ردة فعلها الغير متوقعة
وجدها تقفز عليه فجاة بكامل جسدها متشبثه في
عنقه كطفلة تعانق ابيها بعد غياب ، ساقيها تتأرجح فوق الأرض لفارق الطول بينهما…
لم تهتم بالنظرات الفضولية المحاطه بهما انها لم ترى شيءٍ سواه وهي تطبع قبلة عميقة على خده هامسة
من بينها بعذوبة….
“بحبك ياعاصم…..”
ارتفع حاجباه جافلا بينما يداه كانتا تدعمها من وقت
قفزها عليه محتوي خصرها بذراعيه حتى لا تسقط من احضانه….
عندما سمع اعترافها المشتعل بالشوق شدد في ضمها اليه مبادلها العناق بقوة وهو يدفن ووجهه في جيدها مستنشق عبيرها الأخذ باشتياق يفوق الوصف……
طبع قبلة على جيدها جعلتها تفيق بحياء من جمال اللحظة مدركة وضعهما الحالي في مقر العمل…
نزعت نفسها من بين ذراعيه بهدوء ولامست قدماها
الأرض دون ان يتركها بينما عسليتاها ظلت اسيرة عيناه….واخيرًا راته يبتسم لها وعيناه تشعان ببريق الحب نحوها….
“سامحتني؟!!….”
سالته بنظرة مترددة فداعب وجنتها باصبعه
هامسًا باعتذار…..
“المهم تكوني انتي مسمحاني يـا شـهـد…..”
قالت بلهفة دون ادنى شك…..
“مسمحاك… وعمر قلبي ما شال منك…”
ابتسم عاصم مرتاح وهو يقول بمرح….
“حضنك نساني.. خلينا نبدا من جديد احب اعرفك بنفسي عاصم الصاوي….المعلم عاصم الصاوي….”
نظرت شهد لكف يده الممتد لها فتبادلت معه المصافحة قائلة ببسمة جميلة…
“شهد الدسوقي….الشيف شهد….”
بنظرة شغوفة قال باعجاب….
“تشرفنا…..عيونك حلوة على فكرة اوعي
تكون عدسات…..”
ضحكت برقة ومزالت أيديهم متشبثه
ببعضها…
“لا عنيا……انت متجوز ؟!!….”
أضفى حس الدعابة سؤالها….فقال عاصم
بمناغشة….
“طبعا…… متجوز من ست الحُسن….”
ادعت التفكير قائلة…..”حلو الإسم….”
اتكأ عاصم على يدها قائلا بغمزة
شقية….
“ميلقش غير عليكي…..”
اطرقت براسها بخجلا متوردة الوجنتين وقلبها يقرع
بجنون متفاعل مع جمال اللحظة….
جلسا على نفس الطاولة في مقاعد مقابلة بدا
يتبادلا أطراف الحديث بشوق اعينهما ماسورة
ببعضها الحديث مفتوح لا ينتهي يشتهيا الكلمات
بينهما وكأنها وجبة دسمة تمر على معدة خاوية…
“وبنسبة لرفيدة….”
قالتها شهد بغيرة تدب في اعماقها بعد ان انساق الحديث نحوها في عتاب صريح منها على تواصله
معها عبر الهاتف…..
اجابها عاصم بصبرٍ هادئ….
“قولتلك اللي كان بينا شغل….وانتهى النهاردة…”
انعقد حاجباها بحيرة وتشكيك….
“انتهى إزاي ؟!!…يعني مش هتتواصل معاها تاني..”
أجاب عاصم بصوتٍ رخيم…..
“هتواصل معاها ليه….طالما شغلي معاها خلص….”
سالته شهد بتبرم….
“انت كنت بتتواصل معاها عشان تضايقني؟!…”
ارتفع حاجب عاصم متعجبًا وهو يدافع عن
نفسه بحزم…
“مش انا اللي اعمل كده يا شـهـد….مش معقول
هلعب بمشاعرها على حساب اني اضايقك او اخليكي تغيري…لو عايزها هاخد خطوة ناحيتها بالحلال..”
ضاقت عينا شهد بشراسة…. “نـعـم !!!…”
تنحنح بحرج قائلا بملاطفة….
“مجرد مثال بوضحلك فيه طبعتي دا لو عايز كده
زي ما خيالك صورلك….”
سالته بغيرة…. “يعني انت مش بتفكر فيها….”
رد بنظرة تشع سحرٍ خالص…..
“هو انتي ادتيني فرصة افكر في غيرك…”
اسبلت اهدابها بقلب خافق ولم تقو على التعليق
بينما قال عاصم بصوتٍ عذب…..
“بلاش تشكي فيا….المفروض تكوني واثقه اني
عمري ما اخونك ولا حتى في خيالي…”
رفعت شهد عيناها عليه قائلة بلمحة
من التردد….
“ممكن اسألك سؤال محيرني بقاله فترة….”
رد بصوتٍ حاني بث الدفء الى اوصالها….
“سلمتك من الحيرة….اسألي …”
بللت شفتيها وهي تقول بنبرة خافته….
“يزن…..ليه خليته طرف في انه يعرفني ان المطعم
ده معروض للبيع…. مع انك كان ممكن تقولي بنفسك….دا كان إختبار ؟!!…”
اوما براسه بمنتهى الصراحة….
“بظبط….كنت عايز اعرف لسه فكرة الانتقام
مسيطرة عليكي ولا بداتي تتعالجي منها…”
قالت شهد بدفاع…..
“على فكرة يزن مكنش هدفي….”
اوما عاصم براسه متفهمًا…..
“عارف بس سكوتك كان اكبر انتقام لينا كلنا…”
ران الصوت بينهما فجأة وتبادلت معه النظرات
بحزن معاتب…..
سحب عاصم نفسًا طويلا كاد ان يقتلع ازرار
قميصة من شدة المشاعر العاصفة بصدره….
ثم أوضح بهدوء…..
“انا خليت يزن طرف عشان اكسبه من تاني في
صفي… وفي نفس الوقت أختبر ردة فعلك ناحيته هتبقا عمله إزاي خصوصًا بعد ما اعتذرلك عن
اللي حصل…”
سالته شهد بوجوم….
“وانت كنت مفكر ردي هيكون عامل إزاي معاه….”
رد عاصم بصوتٍ خشن….
“لو كنتي محملاه ذنب بعدنا واللي حصلك أكيد
مش هتقبلي اعتذاره ولا هتصفي من ناحيته
..مش كده ؟!!….”
قالت شهد بسرعة محتدة…..
“لانه ملوش ذنب في اللي حصل…مشكلتي عمرها
ما كانت معاه…..كانت مع أمه إلهام….وبنسبة للي
كان بيحسه ناحيتي….فاظن انه فهم مشاعره
كويس الفترة اللي فاتت…..”
أمن عاصم على حديثها قائلا…..
“صح يزن اتغير وعقل….ولما عاشر الناس اللي بجد
عرف قيمة اللي حوليه…وقيمة العيلة…وانتي
واحده من العيلة دي ياشـهـد…..”
ارجعت شهد ظهرها للخلف على المقعد وهي
تاخذ انفاسها بارتياح قائلة بلكنة هادئة طغى
عليها الإعجاب به….
“رغم المشاكل والخلافات اللي كانت بينا…بس
انا حقيقي احترمت اوي موقفك مع يزن…واثبت
اكتر انك تستحق تكون كبيرة العيلة دي من
بعد عمك مسعد….”
ابتسم عاصم لها وهو يميل على الطاولة قليلا
ساند ذراعيه عليها….
“كمان انتي اثبتي للعيلة كلها انك تستحقي
تكوني فرد منها….”
سالته بشك…..”تفتكر ياعاصم….”
أكد عاصم بجذل….
“متعرفيش جدي يونس فخور بيكي قد إيه من
بعد المسابقة وافتتاح المطعم….”
سالته بابتسامة مندهشة….
“بجد ؟!!… انا افتكرت ان الموضوع هيضايق عيلتك…”
قال عاصم بصوتٍ هادئ متأني…..
“عيلتي بتحب الانسان الناجح وبتقدره أوي…وبذات
لو بيسعى وطموح زيك…..”
سألت شهد بفضول…..
“طب وبنسبة ليك انت….بتحب مين….الست العاملة الناجحة في شغلها….. ولا ربة منزل ناجحة في بيتها..”
رد عاصم بعاطفة جياشة….
“بحبك انتي…وانا متأكد انك هتكوني ناجحة
في الإتنين….”
سالته بسعادة….
“يعني مش معترض على شغلي….”
رد بجدية يعاتبها باسلوب راقي يليق
بهما…..
“اعتراضي كان على سفرك ياشهد وانك تخبي
عني انك هتشتركي في مسابقة زي دي….وسفرك
مع راجل غريب دي كانت أكبر اهانه ليا…..ودا كان
سبب زعلي منك الفترة اللي فاتت….”
قالت شهد بحرج شديد…..
“صدقني طارق انسان كويس ومحترم…وكان بيساعدني بحكم الجيرة والصحوبية القديمة..
عرض عليا المسابقة….ومقبلتي بيه في الاول
كانت صدفة مكنش مترتب لها….”
كان هادئ في النظر اليها لم يرد وظلت ملامحه
ساكنة بتعبير غير مقروء….فقالت شهد بتوتر…
شاعرة بالذنب يلتف حول عنقها…..
“انا عارفه اني غلط ووجعتك بتصرفاتي..بس.. ”
اوقفها عاصم بصلابة دون انفعال….
“مفيش بس… كل حاجة ليها حدود يابنت
الناس…..وانا مش عايز يكون ليكي علاقة
باي راجل غريب…وانا مفهمش في حتة
جيرة وصحوبية قديمة….
“الصحوبية القديمة إنتهت بعد ما كبرتوا وكل
واحد شاف حياته….”
بنظرة صقرية شديدة الجدية أضاف بأمر….
“زي مانا بحترمك وبحاول ارضيكي…انتي كمان
لازم ترضيني ومتعمليش الحاجة اللي تضايقني
وتبعدنا عن بعض…..”
اومات براسها موافقة فهو زعزع ثباتها وبعثر
كيانها بنظرة واحده..ماذا ان تصرفت عكس
المنتظر منها…..
عاصم محق في غيرته عليها وان كانت في وضعه
لربما فعلت أكثر من هذا….لكن شعورها نحو طارق
به نوع من الامتنان بعد ان ساندها وساعدها في
خوض مسابقة كبيرة كتلك اضحت ثمارها الان
ومع الوقت…
كيف لها ان تغلق الابواب في وجهه ان أراد التحدث
معها او الاطمئنان عليها….ليست من طباعها التخلي
او النذالة… وعاصم يجبرها على الوقوف عند إطار
لا يناسبها ابدًا ؟!!..
وبما انها جلسة عتاب وتصفية لعلاقتهما من شوائب الماضي والحاضر…..جلسة تقام بين زوجين ناضجين يفهما انهُ العتاب الأخير ومن بعدها ستسلق علاقتهما
الدرب الصحيح…..لذا سالته بجدية…..
“انا عرفت من يزن ان كل اللي دفعته في المطعم
كان ربع تمنه الأصلي…وباقي المبلغ كان من جيبك…..ليه عملت كده.؟!!… ”
رفع عاصم حاجباه متفاجئًا…..متوعدًا
بالقول….
“فتن عليا يعني…… طب لما أشوفه….”
قالت شهد منزعجة….
“متهربش ياعاصم من سؤالي…ليه عملت كده…”
اجابها عاصم بعينان مبتسمتان….
“حابب أكون شريك في المطعم…عندك مشكلة…”
قالت شهد بنظرة شقية تجاري
كذبته….
“على كده لازم نتقاسم الأرباح….”
ضحك عاصم قائلا بمحبة…..
“أكيد….بس انا متنازل عن الارباح العشر
سنين الجايين….”
لفظت اسمه بصيحة مستنكرة….. “عـاصـم…..”
رد وهو يميل نحوها…..”عيون عـاصـم…”
سارت رجفة قوية بسائر جسدها فتوهج وجهها بحمرة خاصة وهي تنظر اليه مبتسمة برقة….
بينما فرد عاصم ذراعه لها على سطح الطاولة
التي تفصل بينهما ثم فتح كف يده لها وعيناه
لا تحيد عنها يكاد يبتلعها بتلك النظرة الشغوفة
جعل الدفء يسري بين جوانحها واختلج النبض
بين اضلوعها وهي تضع يدها في كفه برقة ناظرة
الى عمق عيناه بعشق خالص…..
أطبق عاصم على كفها برفق قائلا بصوتٍ
أجش….
“فلوس إيه اللي بتكلمي فيها ياشـهـد…فلوسي
هي فلوسك نفسي تستوعبي الكلام ده ولو مرة واحده… وتفهمي اننا بقينا شخص واحد.. ”
اومات براسها بتأكيد وهي تمط شفتيها
ناظرة للمكان…
“عارفه…..بس شكله كلفك كتير…..”
أكد عاصم بمزاح غليظ….
“طبيعي مانا من ساعة ماعرفتك وانتي مغرماني…”
رفعت حاجبها مصدومة….فضحك عاصم بخشونة وهو يرفع كف يدها الى فمه مقبلها بحب…
………………………………………………………..
كانت تجلس على المقعد الهزاز تراقب عقارب الساعة
ويدها على بطنها عينيها الفيروزية شاردة في البعيد
في محاولة لاستيعاب خبر حملها….
حياتها القادمة كأم لطفلا او طفلة كيف سيكون شكله هل سيحبها أكثر من الجميع… كيف ستقوم بالاعتناء به كي يحبها جدًا….ويتعلق بها… تخاف ألا يحبها !!..
هل هناك طفلا لا يحب أمه ، اخبرتها شهد ان الحب بينهما يولد بعدد دقائق عمره ويزداد يومًا بعد يوم داخلها ومعها حتى يلتقيا اللقاء الأول يعرفها من رائحتها يطمئن عند سماع صوتها ينام على صدرها فوق نبض قلبها يغفو…
قالت ايضًا ان الامومة تولد داخلنا بالفطرة عكس الرجال الابوة مكتسبة بعد ان يحمل اطفاله على
يداه اما الام تصبح امًا في كل مكان وزمان…..
كانت تسمع شهد بقلب يرفرف بسعادة ورهبة من المسؤولية القادمة والمشاعر التي ستختبرها مع طفلها وفي نفس الوقت كانت حزينة على أختها الكبرى التي عصفت بها الحياة فجاة حتى وصل حالها الى هنا…..
تتمنى لها العوض القريب بحياة زوجية كاملة مليئه بالحب والسعادة والأطفال فهي تستحق….شخصية ماسية قلبها صنع من الماس ، يومًا ما سيكونوا اطفالها محظوظين بأم مثلها…
سمعت صوت المفتاح يليها دخول سليم إليها اتى كما
أخبرها بعد نصف ساعة بضبط….
من وقت ان سمع الخبر وهو يلح بالاتصالات والرسائل حتى انهت الكشف عند الطبيبة
واخبرته عبر الهاتف انها ستعود للشقة وستكون بانتظاره…..
من وقتها وهي تنتظر بقلب يرتجف قدومه ليشاركها
فرحة الخبر وبعد الذهول عن استيعاب هذا الضيف
الصغير……
نهضت عن مقعدها تنادي عليه بلهفة….
“سـلـيـم…..”
تقدم منها سليم ووقف أمامها بملامح واجمه واعصاب مشدودة بالغيظ من تصرفاتها الطفولية معه….هدر بحنق سافر…..
“انتي ازاي تقفلي السكة في وشي وانا بكلمك…وليه مش بتردي على اتصالاتي ورسايلي….كان مقلب صح…بتمثلي مشهد كوري من بتوعك….”
انعقد حاجبيها بشدة متعجبة ، ومعقبة بضيق….
“سؤال بس قبل اي حاجة… عشان كررت الكلام
ده كده مرتين مرة في التلفون ومرة دلوقتي….امتى مثلت مشهد كوري عليك…جبت منين الجملة دي ؟!!….”
قال بعصبية غريبة….
“مانا حاسس انه اثر عليكي…بقيتي بتألفي….”
وضعت يدها في خصرها
محتدة….
“مين قالك انه تأليف انا فعلا حامل….”
وكأنه لم يسمعها بعد فسالها
بنزق….
“اسمه إيه بقا المسلسل ؟!!…..”
قالت بصيحة مستنكرة….. “بقولك حامل ياسليم…..”
هز راسه ساخرًا بتهكم….
“دا اسم مسلسل تتفرجي عليه !!…”
ضحكت كيان ومسكت ذراعه بكلتا يداها قائلة
بهدوء وتأني….
“ممكن تهدى وتركز أكيد الفرحة لغبطتك…انا
ككيان شايفني ازاي.. ”
رد وهو ينظر لعينيها الفيروزية…”عصفورة….”
قالت كيان بصبرٍ مبتسمة….
“تمام….انت الوحيد اللي مقتنع بكده….غير
عصفورة…. شايفني إزاي… ”
قال سليم ببلاهة…
“مش فاهم….شايفك كيان عادي….”
اطرقت براسها ضاحكة بنفاذ صبر….
“يا ربي هيشلني….انا بعلن استسلامي….”
ابتعدت عنه خطوة ومالت تفتح سحابة حقيبتها
وامام عيناه المنتظرة مدت يدها اليه….
“طب شوف الصورة دي يمكن تصدق…”
مسكها سليم بين يده يطلع عليها ، صورة مشوشة
قليلا بالون الأبيض والاسود لكن في المنتصف
يوجد شيء واضح رأس جنين…..صغير….صغير جدًا…..
اختلج نبض قلبه وهو يلامس الصورة مبتسمًا مستوعب اخيرًا جمال اللحظة…..
قالت كيان وهي تقف جواره تنظر الى الصورة
مبتهجة…..
“دي صورة البيبي بالسونار…..عمره شهر وكام يوم….”
سالها وعيناه تدمع….. “انتي كشفتي….”
اومات براسها مبتسمة بسرور….
“اه بعد ما تاكدنا من نتيجة التحاليل طلعنا على عيادة الدكتورة وكشفت…. شهد ما سبتنيش لحظة ووصلتني لحد باب الشقة…..”
وضع سليم الصورة جانبًا واستدار لها بكليته
سائلا بملامح مشدوهة وعينين تلمعان
بالدمع
“بجد حامل ياعصفورة…”
اكدت كيان وهي تقول بقنوط….
“والله حامل…حامل ياسـلـيـم انت كنت فاقد الامل فيا ولا إيه…..”
مسك سليم ذراعيها مقربها منه…..
“بعد الشر عليكي….دا اليوم اللي كنت بحلم بيه..
انك تكوني ام ولادي…. ”
قالت بشقاوة وهي تقبل صدغه
الخشن….
“امال اي بقا…. مفيش مبروك….اقولك انا تشوكاهي….تشوكاهي يوبو… ”
سالها سليم…..”يوبو ؟!!!…”
قالت بغمزة عابثة…..
“يعني حبيبي….تشوكاهي بقا….”
“تشوكاهي علينا كلنا…تعالي في حضني يامجنونه
نشفتي دمي…”
قالها سليم وهو يضمها الى صدره مقبل كتفها ودمعه
الفرح تهبط من عيناه مسحها قبل ان تراها……
أشرق صدره بسعادة لا مثيل لها فحبيبة قلبه تحمل الان بذرة منه….عصفورته الصغيرة ستكون أم قريبًا…
قالت كيان بتبرم وهي بين ذراعيه….
“أول مرة اشوف الاستيعاب عندك زيرو…فين
المتر اللي بيفهمها وهي طايرة…..”
ابعدها عنه قائلا بعتاب خشن….
“المتر اتغابى بسبب قفلك للتلفون….جننتيني….”
مطت كيان شفتيها بأسف معتذرة….
“شهد قالتلي بلغيه لما يرجع من الشغل بس انا مقدرتش اصبر….عودتني تكون أول واحد أجري
عليه واقوله على كل حاجة بتحصل معايا…..آه
ياسليم بحبك….”
عاد يضمها الى صدره قائلا بتوله…
“وانا بموت فيكي…. معقول حبيبتي هتبقا حامل…مبروك ياعصفورتي……. ”
قبل وجنتها بحرارة عدة مرات فقالت كيان
بتمني….
“الله يبارك فيك ياحبيبي…تعرف نفسي يطلع
ولد ويبقا نسخة منك….”
رفض سليم قائلا بفرحة غامرة….
“انا بقا نفسي في بنت….شبهك….او شبه جدتها….هالة…”
نظرت كيان خلف كتفه الى برواز والدته المعلق على الحائط… صورة لأمرأه جميلة راقية الحضور تشع عينيها بالحب والحياة ، من يصدق ان المرض انهى حياتها مبكرًا…وخطفها الموت من وسط عائلتها الصغيرة…..
مال ثغر كيان في ابتسامة حزينة وهي تنظر
الى سليم بتساؤل….
“فين باباك صحيح مجاش ليه لحد دلوقتي….”
رد سليم وهو ينظر الى ساعة يده…
“اتصلت بيه قال انه جاي في السكة كان قاعد
مع ناس صحابوا…..”
قالت كيان بحرج شاجنة….
“مبقاش بيقعد في البيت خالص… واضح ان
وجودي مضايقه…. مش عارف ياخد راحته زي الأول….مش كده ؟!!…”
شرد سليم قليلا وهو يقول بتفكير…
“هو بيعمل كده عشان انتي اللي متضايقيش من وجوده وتاخدي راحتك….. بس كده كدا انا لقيت
حل يرضي الطرفين وبرضو مش هنبعد عنه….”
قالت كيان بحزن……
“انا عمري ما اضايق من وجوده دا عندي في
مكانة الأب….”
ربت سليم على كتفها بملاطفة
قائلا….
“عارف ياحبيبتي….وعشان كده فكرت ا…..”
توقف سليم عن الحديث بعد ان سمع باب الشقة
يُفتح ويظهر منه والده المستشار……اشار سليم
عليه بابتسامة واسعة…..
“وادي سيادة المستشار وصل…..”
وزع المستشار نظراته عليهما متعجبًا سائلا
بتريث….
“مالكم واقفين في صالة كدا ليه….”
اطرقت كيان براسها بحياء متوردة الوجنتين بينما أقترب سليم من والده قائلا بمزاح….
“والله وكبرت يادرش…..وهتبقا….”
نظر الى زوجته بتلاعب
ممازح….
“هتقوليلو انتي ولا أقوله أنا….”
ضحكت كيان وهي تتراجع خطوة
للخلف…
“لا انا هسيب المهمة دي عليك…”
تساءل المستشار بجزع…..
“في اي ياولاد….انتوا كويسين قلقتوني…”
وضع سليم يده على كتف أبيه قائلا بسعادة
تبرق في عيناه كالالعاب النارية…
“ربنا ما يجيب قلق…. انا عندي خبر حلو ليك…”
ساله المستشار بتوجس….”قول يامتر….”
توسعت ابتسامة سليم حتى ظهرت اسنانه
البيضاء…..”كيان حامل….”
أخذ المستشار دقيقة لاستيعاب الخبر المفرح
ثم نظر لكيان سائلا……
“بسم الله ماشاءالله….حامل بجد….”
اومات كيان براسها بحرج شديد….
“أيوا ياعمو….مبروك هتبقا جدو قريب….”
تهللت اسارير وجهه بسعادة وهو يقترب
منها مهنئًا اياها بعناق أبوي حار….
“الف مبروك ياحبيبتي…..مبروك….”
لمعة عينا كيان بتأثر وهي ترتاح
على كتفه هامسة….”الله يبارك فيك….”
فصل العناق بينهما ثم نظر الى ابنه قائلا
بسعادة…..
“مبروك ياسليم…..”
تعانق الاب وابنه…واجابه سليم
بامتنان…..
“الله يبارك فيك ياحبيبي…..”
فصل مصطفى العناق ناظر لابنه
بمحبة….
“يتربى في عزكم يابني….”
ابتسم سليم…..”وفي حضن جده كمان….”
اقتربت كيان منهم تمد يدها له
بالصورة….
“دي صورة البيبي ياعمو بالسونار….”
مسكها المستشار بمشاعر أبويه ونظر الى الصورة بدقة وعينيه تلمع بدموع الفرح ثم عقب بمزاح…
“الصورة مش واضحة أوي….بس انا ملاحظ
انه شبهي…”
ضحك سليم قائلا بفخر…..
“احنا نطول اصلا يبقا ابننا شبه سيادة المستشار….”
قالت كيان بتمني…..
“ياريت ياعمو….دا هيبقا اوسم من أبوه….”
زم سليم شفتيه فجاة مدمدم
بغيظ….”منافقة….”
لكزه والده بضجر….
“قصدك إيه ياولد ان انا وحش…..”
تراجع سليم قائلا بمرح….
“وحش إزاي بس انا اقدر دا انت عنوان للوسامة..”
ضحك مصطفى مستحسن
الرد….
“ايوا كدة اظبط كلامك..”
“انا هروح احضر الغدا بقا….” قالتها كيان
وهي تتحرك خطوة للامام….
اوقفها المستشار مستنكرًا….
“عندك غدا إيه اللي تحضريه خليكي مكانك…
وانا وسليم هنطبخ النهادرة….”
رد سليم وهو يدس يده في
جيبه….
“انا من رأيي نطلب أكل من برا….”
رفض والده بحزم يأمر….
“البنت حامل هتاكلها أكل من برا إزاي….يلا ورايا
على المطبخ….”
حاولت كيان منعه بحرج….
“ياعمو بلاش تتعب نفسك… انا هطبخ…مفيهاش حاجه يعني…. لو تعبانه هقولكم… ”
تحدث المستشار بصبرٍ….
“مفيش الكلام ده ياكيان ارتاحي انتي الفترة دي
الراحة مهمة ليكي بذات في أول شهور حملك…”
ثم أشار لابنه بصرامه…..”يلا ياسليم…..”
تذمر سليم بكسلا….
“بس انا جاي تعبان من الشغل….”
اتجه المستشار للمطبخ منادي عليه…
“يلا ياولد…”
عندما اختفى والده عن ابصارهما مالى سليم عليها
وخطف قبلة من ثغرها الشهي على أثرها شهقت
كيان محاولة الافلات منه بخجلا صارخ….
وعندما تركها رمقته بقوة معاتبه لتراه يتبع والده
الى المطبخ بخطوات متثاقلة متافف بقنوط…..
ضحكت كيان بعينين تشعان بالحب والسعادة
لكونها فرد في تلك الاسرة الصغيرة وهناك
فرد سيضاف الى القائمة قريبًا…
وضعت يدها على بطنها تتأوه بحبٍ….
دلفت إليهم في المطبخ بعد دقيقتين تراقب ما يحدث باهتمام وفضول…
رأت والده يخرج الخضروات من المبرد بينما سليم يفتح خزانة المطبخ العلوية…هتف والده بأمر….
“البس المريلة خلينا نشوف هنعمل إيه….”
اوما سليم براسه وهو يسحب المريول ويرتديه
فلمح كيان تقف عند باب المطبخ وقبل ان
يسألها….
سألها والده عابسًا…..
“اي اللي جابك ياكيان….احنا مش قولنا ترتاحي.”
قالت كيان بأنين متوسلة….
“عشان خاطري بلاش تتعبوا نفسكم… انا هخلص الغدا في وقت قياسي صدقوني انا مش تعبانه..”
اقترب منها سليم واجلسها على مقعد امام
طاولة المطبخ….
“اسمعي كلام المستشار دي أوامر عُليا…. قعدي
هنا اتفرجي على الرجالة لما تطبخ….”
ابتسمت كيان وهي تشعر ان دللهم لها يصيبها
بالحرج الشديد….
اعطاها سليم ثمرتان من الخيار…قائلا
بحنو…
“خدي دي…. واحده ليكي وواحده للي
في بطنك…. ”
ضحكت كيان وهي تقضم منهم على مضض متابعة بعينيها الفيروزية ما يفعلا…
امره والده وهو يقلب المكونات في
القدر….
“هات الدقيق ياسليم….”
قال سليم مقتضبًا… “احنا هنخبز ولا إيه ؟!!….”
رمقه والده بصرامة فأوما سليم براسه يعطيه
علبة القمح….”اتفضل….”
بدا يعملا بصمتٍ وتعاون حتى بدأت رائحة الطعام الشهي تفوح في ارجاء المطبخ…..
تحدث المستشار وهو يجلس بجوار كيان منتظر
ان ينضج الطعام على الموقد….
“عارفين يوم ما عرفت ان هالة حامل… مخلتهاش تلمس الارض برجليها غير للضرورة…. جبت حد يساعدها في تنضيف البيت…. والغدا كنت بعمله
انا وهي سوا…..”
كان سليم يجلس على المقعد المقابل يقطع الخضروات لاعداد طبق من السلطة وكانت
كيان جالسة بجواره تساعده في التقطيع..
عقب سليم على حديث والده بمحبة مفتخر بوالديه وحبهما الاسطوري….
“عشان كده غاوي واقفه في المطبخ….”
قالت كيان بعينين مبتسمتان
بتأثر…
“قصة حبكم جميلة أوي ياعمو…..”
اوما المستشار براسه قائلا بمودة….
“انتوا كمان ياكيان حبكم جميل وهيقوى أكتر
بالطفل الجاي في السكة…..”
زمت كيان شفتيها بدلال…
“بس انا متاكدة انك هتحبه أكتر مني….”
اجابها المستشار سريعًا….
“مين قال كده….انا مش هحب حد غيره….”
ضحك سليم وهو ينظر اليها بشماتة فخبطة
ساقه من أسفل الطاولة بغيظ منزعجة…..
فقال المستشار بمحبة لهما…..
“كلكم حبايبي بس هو غلاوته تختلف…ودا
عشان منكم انتوا الإتنين…..مش بيقولوا
أعز من الولد ولد الولد….”
اومات كيان براسها وهي تنظر الى سليم مبتسمة
بمحبة فنظر لها سليم وغمز لها بشقاوة وهو يركز على تقطيع الخضروات….
……………………………………………………………
اتعبها دلال حتى سكنت بين يداه تئن بتعب فكان شغوف بها لدرجة تفوق الوصف….
ارتاحت على صدره ثملة بالحب بانفاس لاهثه بحرارة ، بدا عاصم يطبع قبلات متلاحقه على حنايا وجهها وشفتيها المنتفخة باحمرار قانئ اثار هجومه عليها…
يهدأها ويدللها بالقبلات والهمسات العاشقة وهي تلهث بين ذراعيه محاولة مواكبة مشاعره الجياشة…
لم تصدق انه هو نفس الشخص الذي كان يتناقش معها بصبرٍ وهدوء….من كان ينظر اليها بثبات جاد…وهالة الوقار وشكيمة تشع منه…حتى
حتى سرقها من مكان عملها الى شقتهما وعندما انغلق الباب عليهما لم يعطيها فرصة لترك الحقيبة
من يدها بل قضم شفتيها باسنانه مشتهي قطرةٍ من الشهد، مقبلها بقوة ناهم ، دمغ قبلاته على بشرتها مبعثر اشواقه على جسدها…..
حتى سحبها الى الفراش حاملها بين ذراعيه وهي معه مسالمة ساكنة تعبر عن اشواقها برقة لا توزاي جموحة في التعبير فكانت المقارنة صعبة فكأنها عصفورة محبوبة بين يدي عملاق…..
كان من بين كل قبلة ولمسة بينهما يخبرها
بالقرب من اذنيها بحرارة..
“بحبك ياشـهـد…..”
“وحشتيني ياست الحُسن….”
عاد سخيًا في الحب…عاد وكأنه لم يمتنع عنه يومًا..
وهي تستقبل بقلب ظمأن ، ترتوي بين يداه متفتحة
كـوردة عادت تزدهر في موسم الربيع……
كانت بين ذراعيه مسالمة تحيا حلم وردي دافئ يفيض بالحب والشغف…..
“بحبك أوي…..”
همست بها شهد وهي تغمض عينيها بتعب على صدره
داعب عاصم شعرها باصابعه مجيبًا بصوتٍ أجش..
“وانتي عارفه اني بعشقك…”
قالت بنبرة معاتبة قانطة….
“كنت فاكرة اني مبقتش بأثر فيك…..”
داعب عاصم بشرة كتفها وهو يعترف….
“ازاي بتقولي كده….انا كنت بتعذب وانا بعيد عنك…
مش لاقي راحتي في بعادك ….”
راقها الرد بشدة فقالت بتنهيدة حارة….
“كانت فترة صعبة أوي…..كنت حاسه ان احنا
خلاص كده…..انتهينا…..”
ضمها عاصم الى صدره هامسًا بتوله….
“صعب حبك ينتهي جوايا ياشـهـد…انتي عارفه…”
زمت شفتيها قائلة بنبرة مثخنة…..
“عارفه…. وفكرة كمان كلامك عن جوازك للمرة
التانية والتالته والرابعة….. فاكر انت قولت إيه….”
ضحك عاصم ضحكة خافته سائلا
بذهول…..
“مش فاكر…..هو انا كان غضبي عميني اوي كده….”
اكدت بنبرة حزينة….
“كنت صعب اوي حد تاني معرفوش…..”
طبع قبلة على وجنتها مبررًا بأسى…..
“كنت موجوع ياشـهـد…..وبعدها غيرتي عليكي كملت عليا وعمتني عن كل حاجة….”
سالته بدلال…..”بتغير اوي كده ؟!!….”
قال عابسًا……”دا سؤال ولا إجابة….”
قالت مبتسمة……”سؤال….”
هتف عاصم بحبٍ جارف….
“اكيد بغير مين يحبك وميغرش عليكي…..”
سندت على ذراعها تطل عليه بوجهها الجميل
قائلة….
“وحشني كلامك اوي ياعاصم….”
ابتسم غامزًا بوقاحة….
“طب وبنسبة للافعال اي نظمها معاكي…..”
لكزته في صدره بخفة……”بلاش تحرجني…..”
طبع قبلة على شفتيها هامسًا بشرود….
“كنت هتجنن عليكي…. إزاي بعدت عنك كل ده….”
رمقته بعتاب قائلة بتبرم….
“اسأل نفسك يامعلم عاصم…..”
قرص عاصم وجنتها قائلا…..
“اسألك انتي يامعلمة شـهـد ازاي طوعك قلبك تسبيني ابعد عنك كل ده…..”
انحنى حاجبي شهد بحزن شاردة…..
“مش عارفه…. غبية اني ضيعت كل ده من عمرنا..
وخسرنا بنتنا…..”
قال عاصم برفق….
“انسي اللي فات ياحبيبتي…احنا ولاد النهاردة…ويمكن ربنا يعوض علينا….مين عالم…..”
اومات شهد براسها مبتسمة ثم مدت يدها تسحب مئزرها مبتعدة عنه وهي تلفه حول خصرها….
“انا هروح اخد شور…. وبعدها هحضر حاجة سريعة
ناكلها سوا…انا جعانه أوي….حاسه اني مكلتش بقالي
سنة… وانت….”
سالته وهي تدور حول الفراش ثم وقفت عند
الباب بالقرب منه…….
“انا كمان جعان أوي…..”
قالها عاصم وسحبها فجاة….واجلسها على ساقه فبدات تتملص منه وهي تضحك ممتنعة…..
“عاصم وسع كده خليني الحق احضر حاجة ناكلها ميته من الجوع…..”
طبع عاصم عدة قبلات على وجنتاها وشفتيها وهي
تحاول الفرار من بين يداه ضاحكة ضحكات انثوية
سعيدة تشع دلال من نوع آخر…..
عندما اكتفى قليلا حل وثاقه من حولها وحررها
وهو يقول بحرارة…..
“خلصي بسرعة وتعالي عشان نكمل كلامنا…..”
غمز لها بشقاوة فضحكت وهي تخرج من الغرفة ركضًا….
عندما ابتعدت شهد خارج الغرفة انار هاتفها برسالة
من رقم مسجل بأسم ( طارق عياد)
لمح عاصم الاسم ولم يتجاهل الأمر بل مسك الهاتف
بدافع الغيرة والغضب وفتح الرسائل…ليقرأ رسالة
ودودة من هذا الصديق الغير مرحب به في حياتهما….
(وحشاني ياصديقة الطفولة….انا راجع مصر كمان
يومين عايز أشوفك ابعتيلي عنوان المطعم ناوي
انفعك واتغدى عندكم…..)
يبدو انه على تواصل معها منذ فترة ويعلم بأخر تطورات حياتها !!…..
اندلعت النيران فجأة في اعماقه هائجة بصورة مرعبة وتوترت عضلات جسده متشنجة ، بينما ملامحه اظلمت بشكلا مخيف…..قبض على الهاتف بقوة بين يده كاد ان يهشمة….ونظرة عيناه الغاضبة تزداد خطورة….
………………………………………………………………
تخطو باقدامها الدرج الممتد أمامها بعينين تشعان بغضًا وقلب يتسارع بالنبضات الخائفة كأرنب مذعور… اذانها تكاد تصم من صوت الزغاريد المتلاحقة من شقة المدعوة (امال..) هل عقد
القرآن عليها ؟!!..
توقفت وهي تضع يدها على بطنها تنهت بصوتٍ عالٍ
كمن يتسارع مع جيش كامل في معركة ربحها خسارة
وخسارتها ربح !!….
فمن يكون لتضع نفسها في هذا الموقف وتهين نفسها
امام الجميع بصورة المرأة المسكينة المطعونة في
كرامتها من زوج يعقد الزواج على أخرى دون ان
يعطيها حق الرفض أو القبول…..
لو كانت متعقلة ولو قليل لتركت له البيت واخبرت والديها بزواجه من غيرها وهم قادرين على الوقوف في وجهه…..
ستفعل هذا بعد ان تقلب العرس الى جنازة وتشفي غليلها من الخائن المخادع…وخطافة الرجال
…المرأة المشعوذة…..
جزت على اسنانها وهي تتابع صعودها للأعلى متحملة والالم ينخر في ظهرها بقسوة…
وقفت امام باب الشقة المفتوح والمزين بفروع
من الأنوار ومقاعد الافراح ترص خارج الشقة وداخلها…بعضها فارغ والاخر ممتلئ بالنساء والرجال….
بلعت ريقها بصعوبة كمن يبلع جذوة من لهب وعيناها تبصر أبشع كوابيسها على أرض الواقع…..
كانت تظن يومًا انها ستكون أسعد مخلوقه بزواج سلطان عندما كان ابن عمها اخًا كبير….لكن الان بعد ان اصبحت تحمل قطعة منه وبعد الحب بينهما كيف ترى هذا إلا جحيم مجبورة على الصمود امامه…..
توقفت مكانها مبهوته وهي ترى شقيقة سلطان تخرج من الغرفة المكتظة بالمدعوين بالداخل…نادت عليها
بصدمة وعيناها تلمع بالدمع….
“أميرة…..أميرة…..”
توقفت اميرة مكانها واستدارت بكليتها مصدومة
من رؤيتها هنا…. ثم اقتربت منها بلهفة وهي تبتسم
أحقًا تتبسم لها !!…
“انتي جيتي ياداليدا….احنا سألنا سلطان عنك قال
انك تعبانه شوية…..”
سالتها داليدا بنبرة مطعونة
بالوجع…..
“انتي إيه اللي جابك هنا يا أميرة ؟!!….”
قطبة أميرة جبينها متعجبة….
“دا كتب كتاب أمال ازاي مش هاجي ؟!!….”
بهت وجه داليدا وتراجعت خطوة للخلف شاعرة بالأرض تهتز اسفلها وبان هناك حلقة مفقودة في
هذا الامر…..
سالتها أميرة بقلق….
“مالك ياداليدا….وشك مصفر كدا ليه في إيه؟!…..”
سالتها داليدا بخفوت
واهٍ…
“هي….أمال كتبت الكتاب…..”
اشارت أميرة على الغرفة التي خرجت منها
للتو…..
“لسه بيكتبوا جوا…..تقريبًا بتمضي دلوقتي
على القسيمة هي والعريس…”
سحبتها أميرة من يدها
بعفوية….
“تعالي عشان تباركالها….”
“لا انا هروح….”رفضت داليدا وهي تنزع يدها
برفق شاعرة بدوار……
انعقد حاجبا أميرة بغرابة….
” تروحي ايه هتيجي لحد هنا وتروحي ميصحش
تعالي بس…”
حاولت مرة أخرى سحبها لكن داليدا لم تتحرك معها
وظلت مكانها كجثة المجمدة……بعينين غائرتان
تبصران حقيقة الوضع…..
تحسست أميرة يد داليدا الباردة بقلق
سائلة…..
“مالك ايدك متلجة كدا ليه…انتي شكلك ميطمنش انتي كويسة….”
سألت داليدا بنبرة غريبة….
“أميرة هي امال بتجوز مين ؟!….”
قالت أميرة بثرثرة عفوية معتادة عليها
مع ابنة عمها الصغيرة……
“واحد صاحب سلطان الروح بالروح…..اسمه كمال أرمل وعنده ولد….. كان بيدور على وحده بنفس ظروفه أو حتى تقبل بظروفه…..فسلطان رشح أمال ليه…وأول ما شافها عجبته وكانوا ناوين يكتبوا الكتاب بس لولا الحادثة اللي حصلت لسلطان…
أجله شوية عشان يحضر كتب الكتاب ويكون
شاهد عليه….”
بهت وجه داليدا وهي تنظر لها بعينين متسعتين
جافلتين…..وللحظة شعرت بانها تلقت فوق راسها
دلوٍ من الماء البارد جعلها صامدة مكانها تسمع
دون حراك…..
تابعت أميرة بحرج ولم تلاحظ ردة
فعلها….
“أمال كانت عايزة تعزمك…اصلها عارفه انك بتغيري
على سلطان منها كانت عايزه تطمنك ان مفيش حاجة من ناحيتها…”
شردت داليدا متذكرة حديث أمال وقتها….
(مش هتقول لداليدا على كده….)
(يعني لو عرفت هيكون أحسن لينا احنا الإتنين….)
كيف وضعت نفسها في هذا الموقف….وبمنتهى القسوة استغل الأمر ليؤلمها منتقمًا منها على ما
حدث سابقًا…..
جلست داليدا بانهزام على أقرب مقعد في ركن متباعد عن الزحام والناس…..
“داليدا انتي كويسه مالك…..”سالتها أميرة وهي
تميل عليها بقلق ولم تجد منها ردًا فكانت جامدة
الملامح شاردة العينين بوجع….
“طب ارتاحي على ما اجبلك حاجه تشربيها..وشك
لونه مخطوف….”
دلفت أميرة الى اخيها الذي كان يهنئ صديقة والعروس بعد ان تم عقد القران وعلى صوت
زغاريد النساء من حولهم……
مالت أميرة عليه بهمسًا
قلق….
“سلطان داليدا برا…..وشكلها تعبانه أوي…..”
خرج سلطان من الغرفة إليها وعندما ابصرها تجلس
على المقعد مائلة براسها بتعب اقترب منها وجلس
بجوارها يسالها بلهفة وهو يتفحصها بيداه
وعيناه…..
“داليدا…..انتي كويسه….مالك ياحبيبتي…”
ابعدت يده عنها بكرهٍ واضح…..
“ليه مقولتليش انه صاحبك مش انت….”
جفل سلطان وهو ينظر لها فاضافت هي
بغضب مكتوم…..
“كنت عايز تعذبني صح…. بتنتقم مني عشان
خبيت عنك موضوع عادل وهدى…”
حذرها بصوتٍ خافض….
“وطي صوتك نتكلم في بيتنا….”
رفضت وهي تنظر إليه بعينين حمراوان
كالدماء…..
“طلقني ياسلطان انا بكرهك…. ومتفكرش عشان جيت واكتشفت انك مش العريس يبقا انا كده مسمحاك..وانت مظلوم…..انا عمري ما هسمحك
انت كنت قاصد تعيشني الاحساس ده….”
هتف سلطان على نحوٍ مفاجئ صدمها….
“كنت قاصد ياداليدا….كنت قاصد احسسك باللي حسيته وقتها…. وانا شايفك بتديله فرصة يستغلك للمرة التانية….”
كانت ستدافع عن نفسها لكنه اوقفها باستنكار
محتد…..
“ومفيش حاجه اسمها غصب عني وخايفة… مخك
كان فين وقتها….مكنش عندك ذرة ثقه فيا..مفكرتيش
فيا لما أعرف ساعتها هحس بإيه…..”
قالت بانفاسًا عالية منفعلة…..”طلقني بقولك…..”
رفض سلطان بنبرة باترة…
“هششش مفيش طلاق….انا لا خونتك ولا اتجوزت
عليكي ولا اديتك امارة بده…. انتي اللي بتألفي بدليل
انك جيتي لحد هنا ولقيتي حاجة تانية خالص غير اللي انتي مستنياها….”
لمح سلطان اخته الكبرى تقترب منهما وفي يدها
كوب من العصير….التزم الصمت بملامح جافية..
بينما مدت أميرة الكوب لها قائلة
بحنو….
“خدي ياداليدا اشربي ده….”
هزت داليدا راسها رافضة بعصبية فانعقد حاجبا أميرة وهي توزع النظرات عليهما بتساؤل….
فتدارك سلطان الموقف بتحفظ وأخذ الكوب
من اخته قائلا بهدوء…..
“هاتي ياميرة وروحي انتي…..خليكي معاهم….”
ابتعدت أميرة عنهما بهدوء فمد سلطان يده
لداليدا بكوب العصير…..
“اشربي….”
“مش عايزة أطفح….”صاحت منفعلة بتمرد وهي تدفع الكوب بعيدًا عنها مما جعل قطرات منه
تتناثر على يد سلطان…..
كبح انفعالة عليها قائلا بصبرٍ…..
“اعقلي واشربي….عشان هندخل نسلم عليهم
ونبارك لهم…..”
نظرت اليه شزرًا هاتفه بغيرة….
“مش عايزة أبارك لحد…..كفاية انك باركت
لهم وشهدت على القسيمة كمان….”
رد سلطان يقارعها بالحديث….
“شهدت عليها طبعا هو مش صاحبي وهي
بنت حطتي…”
وضع الكوب جانبًا وهو يقف بجسده الضخم
الشامخ يأمرها بغلاظة….
“اتصرفي زي اي واحده عاقلة وقومي معايا
نبارك لهم…..”
رفضت وهي تتألم بصمت….
“مش قادرة اتحمل أكتر من كده انا تعبانه وعايزة أروح…”
نهضت من مكانها تنوي المغادرة فرفض سلطان
بصلابة….
“خمس دقايق مش هيأثروا معاكي في حاجة…..”
دلفت معه وهي بالكاد تجر قدميها جرًا من شدة الالم الذي يفتك في امعائها….
دخلت الى الغرفة الواسعة لترى( أمال) تتأنق في ثوب أبيض بسيط بجوارها زوجها كان يوزاي سلطان ضخامة وشباب عند ساقه يقف ابنه الصغير متأنق بحلة رائعة كأبيه وجوار أمال كذلك تقف ابنتها دنيا ترتدي ثوب أبيض….
كانت صورة توحي ببعض الأمل لعائلتان يندمجا ببعض للبحث عن الكمال والسعادة الاسرية….
شعرت بالحرج مما كانت تنوي فعله منذ قليل..
فكانت ستسبب كارثة حقيقية وتدمرهما جميعًا لولا
مقابلتها لأميرة عند الباب وثرثرتها عن الأمر بمنتهى
العفوية المعتادة….
حمدت الله سرًا وهي تنظر الى زوجها بحنق بالغ فهو
من قادها الى الجنون عندما تمت المواجهة لم ينكر ولم يؤكد حتى فاوقعها في هوة موحشة من الشك
والغيرة…
ابتسمت امال لها بخبثٍ وهي تنظر الى زوجها
بفخر…فخورة بالقوة والوسامة التي يحظى بها
والتي تنافس سلطان كذلك…
جزت داليدا على اسنانها وهي تغمغم
بقرف…
(شوف الوليه بتبص ازاي… قال وانا اللي زعلانه
اني ظلمتها…)
قالت امال بتغنج……
“اهلا ياداليدا….مش مصدقة انك جيتي…..”
عانقتها داليدا بملامح منكمشة بقرف……وهي
تتكأ على الكلمات بغيرة….
“وانا هاجي لأعز منك ياخالتي ام دنيا….مبروك
ياحببتي…..”
همست داليدا في اذنها باسلوب
كياد….
“يارب تكون آخر مرة…..”
إبتسمت أمال ببرود قائلة بغرور….
“هتكون ياحبيبتي….انتي متعرفيش كمال بيموت
فيا إزاي…..”
فصلت داليدا العناق قائلة بابتسامة
مغتصبة…
“ربنا يهدي سركم…..ياخالتي ام دنيا….”
باركت داليدا للعريس كذلك بكلماتٍ خرجت من وراء
قلبها ، ممثلة دور الجارة الودودة مع أمرأه كانت
تحاول سرقة زوجها في السابق !!…
“الف مبروك خد بالك منها….حطها في عنيك دي غالية علينا أوي…..”
ابتسم الرجل لها مجيبًا بنبرة تشع
بالحب….
“امال في عنيا…اطمني يامدام….”
خجلت امال مطرقة براسها كصبية في العشرون بينما لوت داليدا شفتيها بغيرة مغمغمة بعدة كلمات سمعها سلطان جيدًا لذا اضطر ان يستأذن منهما وانسحب من الغرفة المكتظة وهي بين يده…
خرجا من الغرفة وكانا في طريقهما للخروج من الشقة بأكملها لكن أميرة اوقفتهما بعد ان خرجت
من المطبخ تحمل كؤوس الشربات…
“اي ياسلطان رايح فين الفرح لسه مبدأش…”
اشار على داليدا بملامح مقتضبة….
“داليدا تعبانه شوية… مش هتقدر تستنى أكتر….”
نظرت أميرة اليها ثم قالت بشفقة بعد ان رات
الاجهاد يعلو وجهها الباهت…..
“باين عليها التعب تحبي اجي معاكي ياداليدا…”
رفضت داليدا متبرمة كالاطفال….
“لا خليكي انتي مع صاحبتك…. انا هروح لوحدي…”
ابتسمت أميرة بدهشة معقبة برزانة كمن
تحاكي طفلة…..
“ومالك بتقوليها وانتي مضايقه كدا ليه…. هي صاحبتي اه بس انتي أختي الصغيرة وبنت عمي ومرات اخويا مين الاولى بقا عندي انتي ولا هي ياعبيطة…..”
لانت نظرة سلطان قليلا نحو أخته…
بينما قالت أميرة بهدوء…
“هدخل الصنية دي وهاجي معاكي….”
رفضت داليدا قائلة…..
“خليكي ياميرة انا بجد كويسه… محتاجة بس
أنام على ضهري شوية وهبقا أحسن….”
أقنعها سلطان كذلك….
“خليكي يأميرة لو في اي حاجة هبقا أكلمك….”
ابتسمت أميرة موافقة وهي تنظر اليهما
بمحبة….
“تمام زي ما تحبوا…. على مهلك ياداليدا….”
عندما خرجت داليدا من الشقة كان الالم يفتك بها وازداد عن حد التحمل فبدأت تئن بتعب وهي
تتشبث بكتف سلطان من الخلف….
نظر سلطان لها بقلق سائلا بعد ان توقف
أمامها…
“مالك ياداليدا…في إيه وشك أحمر كدا ليه….”
قالت بنبرة متهدجة من شدة الألم….
“الحقني ياسلطان…..انا شكلي بولد….مش قادرة الوجع هيموتني الحقنييي…..”
صرخت بصوتٍ عالٍ جعل ساقيه من الخوف عليها تتخبط ببعضها وأخذ الأمر منه ثواني للاستيعاب حتى بدا عقله يعمل وهو يحملها على ذراعيه هابط بها على السلالم بسرعة قصوى…..
متجه بها الى سيارته قادها منطلق الى المشفى
وهي بجواره بدأ صراخها يزيد من شدة الألم….
أجرى سلطان اتصال بالطبيبة المتابعة لحالتها وتفاجئ بانها بلغت (داليدا)في الزيارة السابقة
بتوقع حدوث ولادة مبكرة في السابع…
نظر الى داليدا بغضب وهو يجز على اسنانه ضارب عجلة القيادة بقوة وهو يطلق السباب على الزحام والسيارات التي تقف امامه…..
اخبرته الطبيبة انها ستجهز غرفة العمليات….فانهى الإتصال بها واتصل باخته الكبرى لتحضر اغراضها الخاصة واغراض الصغيرة……
وبلغ والديها ايضًا بعد الحاح شديد من داليدا وهي تتألم مطالبة بهما قبل ان تدخل الى غرفة العمليات..
أوقف السيارة امام المشفى وترجل من السيارة النصف نقل ثم توجه اليها حملها بين ذراعيه بقلق وسار بها للداخل بخطوات اشبه بالركض وقلبه يتجرع مرارة الخوف عليها لحظة بلحظة….
وضعها على الفراش المتحرك واخذتها منه الطبيبة وطاقم المساعد حتى يتم تجهيزها قبل دخول
غرفة العمليات….
توقف العالم امام عيناه المرتعبة وهي تبتعد عنه خلف هذا الباب المغلق صارخة من شدة الألم…
صرخات تكاد تمزق قلبه أشلاء…..
ضرب على الحائط بغضب من نفسه….اين كان عقله
وقتها كيف قاده غضبه الى تلك النقطة السوداء
معها كيف اطاع شيطانه وتسبب في ايلامها وهي
في هذا الوضع…
ظل يسير امام الغرفة ذهابًا وايابًا بوجل تمر الدقائق ببطئ شديد وهي بداخل تصرخ مستنجدة بأسمه وتبكي شاهقة دون توقف والوجع يمزقها اربًا دون هوادة مزالت تحارب وحدها ألم الولادة…
الألم قوي كمن ينفصل جسدها الى نصفين بمنشار
كهربائي وهي مسلوبة الإرادة مقيده تصرخ باكية
تتمنى النجاة بيأس ام الموت او فقدان الوعي فهي
لا تظن ان ينتهي الألم فجأة كما بدأ…..
فلا أحد معها وحدها تخوض المعركة بروحها قبل
جسدها….وقلبها يخفق بالرحمة يحثها على الصمود
حتى تأتي من لأجلها تحملت عناء شهور الحمل والان
ألام الولادة القاتلة…صغيرتها…مليكة….لأجلها فقط
ستضغط على نفسها أكثر…..
اطلقت داليدا صرخة قوية جلجلة في أنحاء المشفى
بأكملها على أثرها انتفض جسد سلطان بالخارج في
خوف وهو يكور قبضتاه بقوة جبارة ، وفتيل الصبر يحترق داخله ، غير قادر على تحمل هذا العذاب
يريد نزعها من بين أيديهم….يريد ان يسكن آلامها….
فهي صغيرة…صغيرة ومدلله لا تتحمل كل هذا الوجع
يصعب على جسدها الهزيل تحمل كل هذا التعب بهذا
القدر الكبير والمؤلم….
ذعرت والدتها كذلك وهي تقرأ من المصحف بين يداها وتصلبت أقدام جميع من ينتظرها خارج غرفة العمليات بل ان انفاسهم توقفت لثواني من القلق عليها….
مرحلة عصيبة مرت على الجميع وهم ينتظرون
بالخارج وقد توقف صوت داليدا فجأة ودوى
صوت صراخ وليد خرج للدنيا للتو…..
وأول من أستقبلها بوجهًا متعرق محمر ومجهد
كانت أمها….داليدا التي قبلت راس صغيرتها بعد
ان وضعتها الطبيبة على صدرها لتهدأ من روع
الصغيرة وتشعرها بالأمان…
سكنت الصغيرة في أحضان امها مغضمة العينين بينما ابتسمت داليدا بحنان شاعرة بالدفئ والراحة فاغمضت عينيها ايضًا ذاهبة في سبات عميق مع
طفلتها….
نامت من شدة التعب بعد تحملها لساعات طويلة عسرة مؤلمة ، تحاول بها النجاة هي وصغيرتها
حتى كتب الله لهن عمرًا جديد ، وحياة قادمة…
………………………………………………………….
كان يجلس على مقعد مجاور لفراش المشفى التي تنام عليه بعد ان خرجت من العمليات….
ولمدة ساعتين وهو على تلك الجلسة يخفق قلبه
بلوعة المحب عندما يصاب بهلع ، عيناه لا تحيد
عن وجهها الشاحب المرهق يداه تعانق كف يدها
الصغير….يناديها بقلب خافق ان تعود الى وعيها
بسرعة ليرى مرة أخرى عينيها وسِعة الفضاء بهما
تلمع بالشقاوة المغوية…..ان تقفز مجددًا هنا وهناك
ضاحكة بسعادة ودلال….
تفعل كل ما كان يزعجه منها في السابق تعود الى
الشقاوة والعفرته فهو اكتشف انه أحبها لأجلهم
وسعادته وتقاربه منها لانها كانت عكس ما يريد…
طفلة شقية متمردة مرحة، معها تعلم كيف تكون
الحياة بها وكيف تصبح دونها…..
كان رجلا روتيني ممل حتى اتت ابنة عمة الصغيرة
وقلبت موازين حياته راسًا على عقب، يومًا بعد يوم
حتى تعلق بها و أصبح رجلا هائم في سِعة حبها
وبدون حبها محال !!…
اغمض عيناه متنهدًا تنهيدة عميقة يريد ان تستيقظ من رقدتها تلك فصورتها وهي تصرخ وتتلوى من شدة
الالم تلاحق راسه الذي قارب على الانفجار من كثرة ضجيج الأفكار البشعة به….
عاد يفتح عيناه متأملها عن كثب وبحيرة
متسائلا…..
عن متى كبرت داليدا حتى أصبحت في ليلة وضحاها زوجته وأم ابنته…متى كبرت الأميرة
المدللة واصبحت لها صغيرة ستدللها وتهتم بها كما فعل معها الجميع في صغرها حتى صباها…..وهو أولهم…..
كانت لعبته الصغيرة المفضلة….الأقرب الى قلبه من بين بنات العائلة في صغرها حتى صباها….جميلة وحلوة عفوية وتدخل القلوب دون استئذان
متربعة بها دون مجهود يذكر……
شعر باصابعها تتحرك بين قبضة يده فابتسم
وهو يلامس وجنتها بحنو قائلا بخفوت…..
“داليدا…..حبيبتي…حمدالله على سلامتك….”
همست بحلق جاف وهي ترمش بجفنيها عدة
مرات تطلع على المكان من حولها بتيه….
“الله يسلمك…..فين مليكة….”
مسك يدها وطبع قبلة على كفها عدة مرات
قائلا بقلق….
“كنت هتجنن عليكي…كان فاضل شوية وادخل أوضة العمليات اشيلك على دراعي ونروح….”
تجاهلت الحديث بملامح جافية متخاصمة
وصدرها يشتعل بالغيرة والغضب منه….
“داليدا….”
اشاحت بوجهها عنه قائلة
باقتضاب…
“عايزة أشوف بنتي ممكن تجبهالي….”
هتف بتملك…
“مش لما اطمن عليكي انا الأول….”
نظرت اليه داليدا مدمدة بمقت وهي تستوي
جالسة بتعب….
“مش عايزاك تطمن عليا بلاش تمثل انك دايب فيا وكنت هتموت نفسك من القلق عشاني…موضوعنا منتهي ياسلطان وانا لسه عايزة أطلق ومش
هسامح في اللي عملته…و…”
اسكتها سلطان بقلة صبر وهو يضع وسادة
خلف ظهرها….
“هشش خلاص فهمنا انك عايزة تزفتي….لما تقومي
بسلامة نبقا نشوف الموضوع ده….”
توسعت عينيها بصدمة
معقبة…
“اي ده هطلقني بجد ؟!!….”
راتفع حاجبيه وهو ينظر إليها بقوة مبتسمًا داخليًا
بعد ان راى علامات الرفض والصدمة مرتسمة على
محياها….
أكثر كائنات الأرض سخافة ودلال هن الإناث
هرمونات متقلبة بصورة غير طبيعية تدفع
الرجال أحيانًا لدق عنقهن في أقرب لوح
خشب….
ضرب سلطان كف على الاخر متاففًا
بملل….
“لا إله إلا الله…. هو مش انتي اللي عايزة كده…”
رفعت ذقنها بكبرياء وعيناها تلمع
بالدموع….
“ايوا عايزة….ولسه عايزة….”
اردف سلطان بخشونة….
“ماشي هعملك اللي انتي عيزاه…. هنمهد لهم الموضوع الأول…مش معقول هقولهم دلوقتي
اننا هنطلق….”
بكت داليدا دون تعليق وشع الندم من نظرة
عيناها الحزينة…
فضمها سلطان الى صدره هامسًا بملاطفة…
“اهدي عشان انتي لسه ولده وتعبانه هعملك
اللي انتي عيزاه بس أهدي….”
بدأت داليدا تتملص من بين ذراعيه القوية
بحنق…
“ابعد عني احنا كده خلاص متحرمين على بعض…. الحضن ده حرام….”
كبلها سلطان بكلتا يداه هاتفًا بسطوة…
“الحضن حلال والبوسة كمان انتي لسه
على ذمتي….”
طبع قبلة على وجنتها ثم شفتيها فهمست وهي
مغمضة العينين……
“هطلقني صح ؟!!….”
هتف سرًا بلوعة العاشق…..
(انا اقدر أعيش لحظة من غيرك ياداليدا….دا انتي
روحي يابت…. وحتة من قلبي…..آه لو تعرفي….)
سكنت داليدا بين ذراعيه القوية متنعمة بهذا
القرب الحاني ، قلبها خضع له باشتياق وجسدها
خانها وانصهر في احضانه بضعف…..
اثناء ذلك طرق على باب الغرفة فابتعدا عن بعضهما
بصعوبة وتقابلات أعينهما لثواني معدودة كانت كفيلة بان تكشف المكنون…..
ابتسم سلطان فاشاحت داليدا وجهها عنه بحنق بالغ….وحمرة وجنتاها تكشفها…..
دلف والديها الى الغرفة ومن خلفهما والديه
كذلك…..
قالت والدتها وهي تضمها بلوعة الأم…..
“داليدا…. حمدلله على سلامتك ياقلب امك…”
ابتسمت داليدا وهي تبادلها
العناق….
“الله يسلمك ياماما….”
قبلة امها وجنتها قائلة….
“عاملة اي ياحبيبتي… كنت هتجنن عليكي….”
“الحمدلله ياماما بقيت أحسن….”قالتها
داليدا ثم نظرت الى والدها….
“بابا….”
اقترب منها والدها مقبل راسها بمحبة….
“الف سلامة عليكي يانور عيني…. طول عمرك مطلعه
عيني وجت بنتك تكمل عليا….”
سالته داليدا بعينين تلمع
بالدموع…. “شوفتها يابابا….”
قالت حنان مبتسمة….. “نسخة منك ياداليدا….”
سألت داليدا بلهفة…..”هي فين يامرات عمي….”
قالت حنان بجذل……
“أميرة خدتها من الممرضة وجايه ورانا بيها…حمدلله على سلامتك ياحبيبتي تتربى في عزكم… ويجعلها ذرية صالحة ليكم…”
هتف عبدالقادر بمحبة….
“حمدلله على سلامتك يام مليكة…..”
ردت داليدا….. “الله يسلمك ياعمي….”
ثم ربت على كتف ابنه مهنئًا…..
“حمدلله على سلامتهم ياسلطان…. مبروك يابني…..”
قبل سلطان يد والده
قائلا….
“الله يبارك فيك ياحاج…..”
بارك له والدها ايضًا….
“الف مبروك يابني تتربى في عزكم….”
رد سلطان عليه مبتسًا بسعادة….
“الله يبارك فيك ياعمي….مبروك علينا كلنا مليكة…”
قالت والدته برضا….
“هتسموها مليكة… والله اسم جميل….”
“مليكة سلطان عبدالقادر…. حلو ده….”دلفت أميرة وهي تلفظ الإسم بروح مرحة مسرورة وهي تحمل
الصغيرة بين يداها….قالت وهي تنظر الى داليدا
“حمدلله على سلامتك ياديدا…. والله وبقيتي
مامي ياصغنن….”
هتفت داليدا بلهفة حارة…
“هاتيها يااميرة عايزة اشلها….”
رفضت أميرة وهي تقول بتريث…..
“اصبري لازم حد يكبر جمب ودنها ويقرا المعوذتين
وبعدين….ابوها يشوفها… لحد دلوقتي مشفهاش كان
كل همه يشوفك ويطمن عليكي قبلها…عشان تعرفي
الرجالة لما تحب… انا جوزي يوم ما ولدت كان كل
همه يطمن على التوأم وانا مهمتي انتهت لحد هنا…”
نظرت داليدا الى سلطان بدهشة فبادلها النظرة
دون تعبير صريح…..
قالت سهير ضاحكة….
“يوه جتك إيه ياميرة هتحسديهم… قولي ماشاءالله….”
قالت اميرة بنفسٍ صافية…..
“انا هحسدهم برضو يامرات عمي.. دول أخواتي معزتهم في قلبي كبيرة….بذات داليدا انا هقولك يعني… ”
قالت سهير بحرج تحفظ ماء وجهها…..
“عارفه ياحبيبتي ربنا يسعدكم ويديم المحبة بينكم…”
قالت حنان وهي تنظر الى ابنها….
“سلطان طالع حنين لابوه…عبدو برضو عمل اكتر
من كده كل مرة كنت بولد فيها….”
تافف عبدالقادر وهو يرنو اليها بنظرة خاصة
لم تنضب مع مرور السنوات بينهما…..
“أربع مرات ياحنان… تلات بنات وولد نشفتي
دمي فيهم وكأني انا اللي بولد…..”
ضحك الجميع على التشبية الصائب والذي عاشه
سلطان بالفعل وهو ينتظرها خارج غرفة العمليات
نظر سلطان الى داليدا مبتسمًا…..
بينما قالت حنان شاهقة بطيبة…
“اسم الله عليك ياخويا…يعني هو بخاطري ما كانت
الولادة زي داليدا كده طبيعي….”
ثم نظرت الى داليدا وخصتها بالحديث…
“بس على ايامي بقا ياداليدا كانت الداية بتيجي البيت مفيش دكاترة ومستشفيات….كانت ساعة متيسرة من عند ربنا…بعدها الواحدة بتقوم زي الرهوان…..”
قالت أميرة بشفقة وهي تنظر الى جسد
داليدا النحيل…..
“بس داليدا جسمها ضعيف وتعبت اوي هتاخد كام
يوم على ما تتحسن….”
قالت حنان بارتياح….
“بس احسن من القيصري ياميرة…انتي مشوفتيش
نفسك في ولادتك للتوأمين كنتي عاملة إزاي…فتح
البطن صعب برضو يابنتي….”
وافقتها اميرة الرأي….
“عندك حق والله ياماما…الطبيعي مفيش أحسن
منه…. ساعة وجع…. ولا وجع كل ساعة….”
تمتمت داليدا بشرود….. “الحمدلله….”
بينما اقتربت أميرة من أبيها قائلة….
“يلا يابابا خد كبر في ودنها خلي سلطان يشوفها ويديها لداليدا عشان تاكلها…..”
هتفت داليدا بتردد…… “أأكلها ؟!!…”
اومات أميرة براسها مبتسمة وهي تطمئنها بنظرة
حنونة……
وامام عينا داليدا حملها والد سلطان مقبلة قبلة صغيرة وهو يكبر في اذنها بهمسًا خافت قارئ بضع سور قرانية تحصنها من العين والحسد ثم لفظ الشهادتان وهو يقبلها للمرة الأخيرة…..
نظر عبدالقادر الى ابنه قائلا….
“خدي ياسلطان مليكة الصغيرة……”
ابتسمت داليدا بسعادة ممتنة لهما جميعًا بينما حمل
سلطان الصغيرة بحرصٍ شديد والتي كانت بحجم
الريشة…
تطلع اليها سلطان من خلال تلك اللفه المحكمة
حولها والتي كانت تبتلعها كما تتبلعها الملابس
التي ترتديها…..
فكانت صغيرة جدًا نحيلة بشكلا ملحوظ حمراء البشرة راسها صغير أملس يداها صغيرة و ناعمة
جدًا تحرك اصابعها وهي تنظر اليه لم تبصره بعد يعلم لكنها أكيد تشعر بانه والدها أليس كذلك؟!….
لمعة عينا سلطان بالدموع وهو يشعر بعدة مشاعر متضاربة مختلطة في أول لقاء بينه وبين طفلته
التي كانت نسخة من أمها فهو يتذكر جيدًا ملامح داليدا يوم مولدها….
قد حملها هكذا كان أصغر في العمر مراهق مفتول العضلات بشعرٍ أطول وعينين براقة مشاغبة…..
مرت السنوات بعدها سريعًا وتغير ونضج لكن
اللحظة مزالت محفورة في ذهنه كأجمل ذكرى
مرت عليه….
مالى على صغيرته يقبلها مستنشق رائحتها الطيبة أفضل رائحة ممكن ان تمر على الأنف رائحة المولود
وكأنها اتت من الجنة من شدة الفطرة والنقاء بها..
همس سلطان وعيناه لا تحيد عن طفلته الجميلة
الساكنة معه دون ملل…
“أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة
ومن كل عين لامة….نورتي الدنيا ياحبيبة ابوكي….”
طبع قبلة صغيرة على جبينها ثم أقترب من زوجته التي كانت تشاهد القاء الأول بعينين تلمع بالتأثر والسعادة…
وضعها بين يداها قائلا
برفق…
“خدي ياداليدا…..مليكة….”
مسحت داليدا دموعها بظهر يدها وهي تأخذها منه بحذر مبتسمة ثم ضمتها الى صدرها برفق مستنشقة رائحتها الطيبة التي ستصبح ادمانها قريبًا…..
خرج الجميع من الغرفة عدا سلطان وشقيقته الكبرى
أميرة التي جلست على حافة الفراش جوار داليدا
تساعدها على ارضاع الصغيرة التي كانت ترفض
ثدي امها ببكاء….
نزلت دموع داليدا بقلق قائلة….
“مش راضيه ياميرة…تفتكري هترضع صناعي….”
قالت أميرة بسرعة مستهجنة…
“تفي من بؤك مفيش احسن من الطبيعي بلاش تيأسي واحده واحده هتاخده وتتعود عليه….”
نزلت دموع داليدا شاعرة بالعجز وهي تنظر الى
طفلتها التي تبكي جوع….
قالت أميرة وهي تحاول مساعدتها….
“بلاش تعيطي ياداليدا اهدي وسمي الله تاني….”
“بسم الله الرحمن الرحيم….”قالتها داليدا ببعض
الأمل وهي تقرب الصغيرة من ثديها….
“يلا يالوكه….مليكة ماما….خدي بقا بلاش
تعذبيني من أولها….”
انفجر سلطان ضاحكًا عنوة عنه وهو يشاهد هذا
العرض الجبار الغير متوقع…..
رمقته داليدا شزرًا منفعلة عليه….
“بتضحك على إي ياسلطان….اطلع برا لو سمحت…”
ابتسمت اميرة بصدمة بينما اقترب سلطان
منها قائلا…..
“وسعي كده ياميرة…انا هحلها….”
نهضت أميرة مربته على كتف اخيها….
“حلها ياخويا ورينا همتك….يمكن بنتك تسمع كلامك…….”
جلس على حافة الفراش بالقرب من داليدا ثم لمس ثديها مهدهد الصغيرة باليد الأخرى حتى تتوقف
عن البكاء……
خص داليدا بالحديث والتي كانت محمرة الوجه
بخجلا متوترة من هذا التقارب في حضور أخته..
“براحه اهدي وطولي بالك….هي متعرفش اي ده
لسه….الصبر…”
اخذت الصغيرة ثدي امها بعد عدة محاولات اغلبها
ناجحه حتى سكنت بين ذراعي والديها تسحب
رزقها من ثدي امها…..
همست داليدا بزفرة ارتياح…..”أخيرًا…..”
بينما عقبت أميرة بلؤم….
“جدع ياخويا عقبال ما تتعلم ازاي تغيرلها…”
ابتسم سلطان دون حرج وهو ينظر الى عينا داليدا
وسِعة الفضاء بهما تأسره….
……………………………………………………………
انكمشت ملامحها بانزعاج مع رنين الهاتف المستمر
عند اذنيها اقتحم احلامها وايقظها من نومها فتحت
جفنيها ببطئ حانقة وهي تنظر حولها بعينين ناعستين لترى نفسها على الفراش بقميصها الناعم الحريري وشعرها الغجري المشعث بجنون يوزاي جنون ليلة أمس معه…..
لانت شفتيها في ابتسامة ناعمة وتخضبة وجنتيها
بالحمرة بعد ان إدراكت انها هبطت على أرض الواقع
بعد ان قضت ليلة رائعة فوق الغيوم تستقل بين
ذراعيه تنعم بالحب ويلتهم هو عشقها قبل جسدها…
وقح حبيبها ولديه قدرة غريبة على اذابة جسدها
كله بهمسة واحده… وآه ان أقترب وعانقها وقبلها بنهم تصبح رخوة بين يده خاضعة الى تلك المشاعر المجنونة التي يغرقا بها….
مطت ذراعيها للأعلى متمايلة بدلال وهي تستوي جالسة وتفاصيل الامسية بأكملها تغزو مخيلتها
بقوة منشطة نبضات قلبها ومشاعرها…
قد توقف رنين الهاتف بعد ان استيقظت بدقائق
ولم يعاود الإتصال….
قد ذهب حمزة الى العمل دون ان ييقظها واكتفى بقبلة حارة على شفتيها مودعها ثم خرج من
الشقة….
قد اتعبها أمس دلال واغرقها في مواجاتٍ حميمية
واحده تلو الأخرى حتى نامت على صدره منهكة
لاهثة من قوة المشاعر بينهما بعد ليلة حارة كانت عبارة عن ملحمة عاطفية حميمية كلاهما أراد ان يثبت للاخر كم يعشق وكم يرغب…..
حركت قمر جفنيها عدة مرات بعدم تصديق بعد
ان رأت على الفراش ثوبٍ أحمر مفرود كالعرض
للمطلع….
ابعدت قمر الغطاء عنها ونهضت مقتربة من جانب
السرير الاخر حيث الفستان التي تتأمله بدقة
دون لمسه…
كان فستان من اللون الأحمر الساطع ، الدرجة المفضلة لديها كان طويلا بتصميم رائع عاري
الاكتاف (توب..)معه قفازات كلاسيكية طويلة حمراء…
زالت صدمتها وابتسمت وهي تلتقط الثوب الاحمر
بيداها الاثنين وتنظر اليه ثم جرت الى المرآة برشاقة
تضعه على جسدها وهي تنظر الى صورتها المنعكسة
في المرآة ضاحكة بسعادة….
“بجد حمزة جايب الفستان دا ليه….بس دا عريان…”
قالتها بشك فالغيور مستحيل ان يقبل بخروجها هكذا
من عتبة الشقة أكيد سترتديه هنا…..
زمت شفتيها باحباط فكانت تتمنى ان تخرج به وتقضي معه أمسية رائعة خارج جدران هذه
الشقة….
عاد الهاتف يعلن عن اتصال منه وهذه المرة لم
تجعله ينتظر كثيرًا رفعت الهاتف على اذنها
قائلة بلهفة….
“حمزة….”
اتى صوته الحار بشقاوة….
(عمري وحياتي كلها….صباح الخير ياقمري….)
قالت بتورد مبتسمة….
“صباح النور ياحبيبي….ليه مصحتنيش الصبح
وانت ماشي كده تمشي من غير فطار….”
اردف بلؤم…(متشغليش بالك فطرت….)
لمعة بنيتاها فجاة بشرارة الغيرة….
“والله ومين الحنين اللي فطرك معاه اوعى تكون البت الملزقة دي…..”
قال بخبثٍ…..(لا لا واحده تانية…..)
هتفت قمر بصدمة…..”نعم….واحده تانية؟!….”
عقب حمزة بصدمة متقنة….
(انا قولت واحده….ليه سوء الظن ده….)
دبت الارض بقدمها مغتاظة من تلاعبه
بها…..
“متهزرش ياحمزة انت قولت واحده… مين..”
علق بعد لحظة صمت متافف بملل….(بدأنا تحقيق…)
قالت بنفاذ صبر… “حـمـزة….”
اجابها باقتضاب…..
(فطرت مع العمال تحت…. ارتحتي…)
سالته بحاجب مرفوع…. “فيهم بنات؟!!…”
علق حمزة بجدية شديدة……
(يابنتي شوية ثقة مش كده…أمال لو مكناش مقطعين بعض حب إمبارح كنتي عملتي إيه….)
خجلت بشدة فقالت…. “بطل بقا….”
ضحك حمزة قائلا بشقاوة وقحة…
(ابطل إيه….كل يوم من ده….دا انا يتيم ومحتاج
حنان وشوية دلع….ولا مش معايا على الخط….)
وضعت الثوب على الفراش
وقالت…
“معاك…..قولي بقا الـ….”
قاطعها عن المتابعة متنهدًا بحرارة وهو
يقول بهيام…..
(اقولك…. بصراحه جننتي امي إمبارح…كنتي
حلوة حلاوة ياقمرايه… تتكلي أكل…)
فغرت قمر شفتيها وتسارع نبض قلبها مع هذا الإطراء الـ….السوقي…
“ممكن تديني فرصة اكمل كلامي….”
قال بصوتٍ أجش….
(كملي ياقمراية معاكي للصبح….)
سالته قمر متعجبة..
“ليه معايا للصبح….انت معندكش شغل؟!….”
قال حمزة بجدية….(الشغل أهم ولا مكالمتك؟….)
قالت بابتسامة واسعة….”مكالمتي !!….”
هتف حمزة بصوتٍ خشن اجفلها….
(غلط الشغل طبعا أكل العيش أهم…..اخلصي عشان
مش فاضي وانتي معطلاني…)
تلاشت ابتسامتها بتدريج وهي تقول
بحنق بالغ….. “اي قلة الذوق دي؟!!….”
قال حمزة بعنجهية الذكور…..
(اخلصي بقا….عارف اني وحشك بس مش لدرجادي
مشغول على فكرة…)
قالت قمر بضحكة عذبة….
“عرفنا انك مهم يا مغرور…..بس بحبك…”
ظنت انه سيرد بغلاظة عليها لكنها سمعت بوضوح تنهيدة عميقة لرجلا عاشق حتى النخاع يقول
دون تردد…..
(وانا دايب…..والله دايب في حبك….)
“حمزة…..”نادت عليه ويدها على صدرها الخافق
بجنون…..ثم سألت بهدوء….
“هو الفستان الاحمر ده…دا ليا….”
رد بغلاظة…..(دهنه…)
زمت شفتيها مستهجنة…
“بلاش استظراف ياحمزة….”
عقب حمزة مستنكرًا….
(مانتي اللي اسألتك غريبة اكيد شارية ليكي…)
ابتسمت سائلة…. “بجد….بمناسبة إيه…”
اخبرها بهدوء….
(هنخرج خروجه حلوة النهاردة….)
قالت بذهول…
“هخرج بالفستان ده….انت متأكد…”
سالها بحيرة….(آه مالو مش عاجبك….)
نظرت للفستان بعينين ذاهلتين…
“لا دا عاجبني اوي… ذوقك ياجنن….بس….بس
دا توب ياحمزة….”
قال بهدوء…..(بس طويل….)
عادت تسأل بعدم اقتناع…
“يعني هخرج كده بيه…متأكد….”
سالها بنبرة غريبة….(انتي عندك مشكلة….)
اكدت دون تردد….
“أكيد عندي مشكلة لانه توب….”
أغلق حمزة الجدال بـ…
(خلاص البسيه ولما اشوفك بيه نشوف المشكلة فين..)
سالته قمر بخفوت حذر….. “انت كويس؟!…”
اجابها متعجبًا….
(واي اللي مش هيخليني كويس….)
سالته بنفس الخفوت…. “انت شارب حاجة؟!….”
رد باختصار….
(لسه…. بس بفكر أشرب قهوة….)
توسعت عينا قمر ثم ضحكت ضحكة خافته تليها
اخرى رنانة صداها أبهج قلبه عند سماعها فقال
دون تفكير…..
(يخربيت ضحكتك….بعشقها…)
قالت قمر بتورد….. “قولي هتيجي امتى…..”
اجابها بنبرة خافته…..
(كمان ساعتين هتلاقيني قدامك….يدوبك تلحقي تجهزي نفسك….عشان نتغدى برا….)
قالت قمر بتذكر…
“بس انت مقولتش صحيح هنخرج فين…”
اجابها بنبرة مشتاقة….
(مكان هيعجبك….الصبر ياقمراية لحد ما أشوفك
قدامي بالاحمر…)
قالت بانتصار انثوي….
“بقيت ميال اوي للون الأحمر….الله يرحم….”
تابع عنها متهكمًا بسخرية….
(الله يرحمه ويبشبش الطوبة اللي تحت راسه…كان
زملكاوي اصيل لحد ما حب بقا مبقاش فاهم هو
مع مين بظبط….)
قالت بغرور…..”معايا انا أكيد….”
وافق حمزة مناغشًا….
(معاكي معاكي المهم ننول الرضا…..بت…)
قالت بتذمر…. “اسمي قمر على فكرة….”
مط حمزة شفتيه بتبرم…
(طب ياقمر هانم….سلام بقا عشان مش فاضي…)
سالته قمر…
“بس انت كنت هتقول حاجة….”
عقب بفظاظة….(قطعتي بعيشك بقا…. سلام….)
حركت كتفيها بقلة حيلة قائلة….”سلام….”
(قــمــر….) هتف باسمها بعمق قبل حتى ان تفكر
في ابعاد الهاتف عن اذنها…
اكتفت بهمهمات ناعمة منتظرة….. “مممممممم….”
(بـحــبــكـــ أوي…..)قالها بصوتٍ أجش عميق نابضًا
بالحياة بالحب…..
“وانا كمان ياحمزة بموت فيك……”قالتها وقلبها يحترق صبابة….
وضعت الهاتف على صدرها وهي تلقي ظهرها على الفراش متنهدة بهيام وعينيها تضوي بالحب ، تنظر الى سقف الغرفة بتأني كمن يتأمل النجوم ويعدها في السماء…..
ادارت وجهها للناحية الأخرى وهي تنظر الى الثوب الأحمر الزاهي جوارها ولاح السؤال في عقلها
بملامح منكمشة عابسة…..
“ازاي هطلع بيه كده… دا توب….هو مش
بيغير ولا إيه ؟!!…”
………………………………………….
وقفت أمام مرآة الزينة بصورة مختلفة…امرأة
جميلة تراها اتت من من العصر الفيكتوري تانقت بصورة منمقة وهيئة كلاسيكية تشع حُسنًا
واغواء…
الثوب كان مرسوم على قدّها الممشوق الفارع
بلون الاحمر كدم الغزال يلمع ،شعرها كان ملفوف
للخلف في تسريحة تلائم وجهها الذي زين بريشة فنان بالكحل الصريح على حدود بنيتاها والحمرة القرمزية على شفتيها…
مررت يداها على قدها باعجاب متأمله شكلها
عبر المرآة بدقة….
“اي رايك ياحمزة….”
همست بسؤالها هذا لمن يقف خلفها على بعد
خطوات قد نسى أبجدية الكلام بعد رؤية جمالها المتكامل كالقمر في تمامة… بالثوب الأحمر ، عاري الاكتاف بالقفازات الحمراء في يداها حتى منتصف معصمها…..
شعرها… زينتها….عطرها…عينيها بالكحل سلبت
قلبه….ان كل ما بها سرق انفاسه من الوهلة
الاول….
بعد ان راها بالثوب الذي فاق حدود الخيال
جمالا…..
ان الثوب على قدّها كـحكاية مثيرة تفتن المرء
ما ان يقع على أول أحرف بها ثم يغوى مستلذ
بتفاصيل متعمق بين السطور واحده تلو الأخرى
حتى يقع المحظور وتصبح القصة إدمان والبطلة فتاة الأحلام…..
ازداد وهج عسليتاه وهو يخطو نحوها دون ان
يحيد عيناه عنها علق على الأمر…..
“يسلم من سماكي قـمـر…..ويسلم الطريق اللي
جمعنا…..”
عانق خصرها من الخلف ونظرا معًا الى صورتهما
في المرآة وكلاهما ينظر لوجه الاخر بعشق مدمنًا
عليه…..
مرر حمزة شفتيه وانفه على طول عنقها ببطئ مستنشقًا عبيرها العطر……
“والحب اللي قربنا…..”
خفق قلبها وهي تذوب بين ذراعيه بضعف
محاولة المقاومة وهي تساله بخفوت…..
“يعني الفستان حلو ياميزو…..”
فتح جفنيه ثم ابعد فمه عن عنقها لاصق صدغه بوجنتها ناظرًا للمرآة وهو يقول….
“مش محتاجة سؤال….بصي كويس هتعرفي….”
قالت مبتسمة…. “احب برضو اسمعها منك….”
ادارها اليه برفق قائلا ببحة
خاصة….
“احلى واحده شافتها عنيا…”
قالت باستنكار….. “قديمة على فكرة….”
هتف حمزة وهي تسبح في بنيتاها….
“جديدة عشان دي الحقيقة دلوقتي على الأقل…”
قالت بحاجب مرفوع….
“يعني انا احلى واحده في عنيكي…”
“بصي في عنيا وهتعرفي….”قالها وهو يسند جبينه
على جبينها ثم بدا يطبع القبل على ثغرها القرمزي
الفاتن…..
بدأت قمر تتملص منه وهي
تئن بدلال….
“حـمـزة…..هنتأخر كده….”
مسك ذرعها قبل ان تفلت من بين قبضة يده
ثم قال بسرعة….
“استني بس…. قبل ما انسى….”
توقفت مكانها لتراه يخرج من جيب السترة
علبة صغيرة…..ابتسم وهو يدير جسدها برفق
الى المرآة مجددًا وهو خلفها مباشرةٍ….
“غمضي عنيكي….”
ابتسمت قمر برقة وهي تغمض عينيها
دون جدال…
وضع حمزة العلبة على طاولة الزينة ثم نزع من
حول رقبتها السلسال الفضي الذي لم يفارق
عنقها منذ ان ارتدته….
عبست قمر سائلة…..
“ليه بتقلعني السلسلة….سبها….”
“أصبري بس ياقمراية….”قالها حمزة وهو يخرج من العلبة الصغيرة سلسال ذهبي رقيق….
احاط عنقها به ثم بدا يغلق القفل الصغير
بتركيز شديد بينما لامست قمر باصابعها قلبٍ
ذهبي رقيق يرتاح أسفل ثغرة نحرها…
فتحت قمر عينيها مندهشة ثم على وجهها الانبهار
وهي تتأمل لمعة السلسال الذهبي في عنقها
والقلب الرقيق في الوسط…..
“اي رأيك….”
سالها حمزة بعد ان انتهى ثم عانق خصرها من
الخلف جاعل ظهرها يستند على صدره العريض
وبين ذراعيه سكنت شاعرة بالدفء بالسند ما ان يتعانقا بهذا الشكل تشعر انهما كيان واحد لن
ينفصلا ابدًا…
قالت بحرارة ممتنة….
“حلوة اوي ياحبيبي….ورقيقة جدًا…..تسلم ايدك
ربنا يخليك ليا….”
طبع قبلة على وجنتها قائلا…
“ويخليكي ليا ياقمري….المرة الجاية تبقا الماظ…”
استدارت اليه تواجه عيناه معاتبة….
“انت ليه بتفكر كده…الهدية مش بقيمتها…بقيمة
الشخص اللي جايبها….وانت قمتك ومقامك كبير
اوي عندي ياحمزة…..”
ادارة قمر وجهها لطاولة الزينة ثم التقطت السلسال
الفضي الذي وضعه حمزة جانبًا… لمست دائر القمر
الناصع باصابعها بحبٍ مبتسمة ثم خبئته بحرصٍ في علبة الحلي الصغيرة التي كانت مع حمزة ثم وضعت
العلبة في درج طاولة الزينة……
سالها حمزة وهو يتابع ما تفعل…”بتعملي إيه….”
قالت قمر وهي تغلق الدرج…..
“بشلها مستحيل افرط فيها الهدية دي غالية
عندي أوي حتى لو جبت مكانها الماظ هتفضل
غالية على قلبي دي أول هدية تدهالي…”
عقب حمزة بمناغشة… “غلط….ناسيه البقرة….”
“ومين قالك اني نسيتها….لسه موجوده عندي..”
اتجهت قمر الى احد الاركان وسحبت الدمية
من على الرف كي يراها قائلة….
“مستحيل أفرط في حاجة تخصك…ما بالك
انت بقا…..”
دس يده في جيب بنطالة متبادل معها النظرات بتساؤل….
“ليه النظرة دي ياقمر….لو عندك حاجة قوليها….”
وضعت الدمية مكانها واقتربت منه
قائلة بقلق…
“انا خايفة العبه تقلب جد…وعثمان ينتقم منك…”
اظلمت ملامح حمزة وهو يقول…
“انا مش بلعب ياقمر دا حقك…..واحنا اتكلمنا قبل
كده واتفقنا اننا هنجيب حقك بالمحكمة…وخلاص القضية اترفعت وأكيد وصلهم خبر….”
“وتفتكر هيكون اي رد فعلهم…”استوطن الخوف
نبرة صوتها….
فنظر حمزة الى ساعة يده
قائلا….
“إحنا اتأخرنا على فكرة….”
قالت قمر بضيق….. “بلاش تهرب مني ياحمزة…”
عقب حمزة بنظرة عابثة…..
“اهرب إزاي وانا جمبك…. يلا بينا عشان انا عايز
اهرب بجد بس معاكي….”
سألته قمر….. “هنروح فين….”
قال حمزة بزهو….
“مكان هيعجبك اوي….. برتب ليه بقالي أسبوع….”
اتجه حمزة الى الخزانة واخرج منها معطف أبيض ناعم قد ابتاعه لها مع الثوب الاحمر…..
لوت قمر شفتيها بسخرية….
“انا قولت برضو مش هتفوتك حاجة زي دي…”
قال حمزة مبتسمًا وهو يساعدها على ارتداء
السترة البيضاء الناعمة كالفرو…..
“الفستان عجبني والمكان اللي هنروح فيه
مش هيبقا في حد غيرنا…فـهتبقي براحتك
بس أكيد مش هتنزلي كده….عشان كده
جبته مع الفستان….”
ابتسمت قمر وهي تخرج معه من الشقة دون تعليق
فهي كانت تعلم من البداية انه يتلاعب بها وتدرك
جيدًا المباح والغير مباح معه…….
………………………………………………………….
وصلا بالسيارة بعد فترة الى شاطئ خاص وفي
رقعة منزوية عن الأعين والناس دخلا…
لترى قمر بعينيها على شاطئ البحر مباشرة خيمة بيضاء منصوبة بشكلا شاعري رائع مضاءة بالشموع بها طاولة قصيرة تضم وجبة العشاء ، جلسة عربية دون مقاعد وسائد مريحة تحيط الطاولة من الجهتين ……
والانوار الخافته أعلى الخيمة تعطي رونق مميز للمكان الساحر الذي يطل على البحر مباشرة بين صوت الأمواج الثائرة ورذاذ الماء المنعش مع
نسائم البحر الرطبة….
ومن جمال المفاجاة توقفت مكانها مشدوهة فاغرة الفم بذهول وقد لمعة عينيها بسعادة ، حقًا فعل كل هذا لأجلها هي ؟!!….
سارت يدها على القلب الذهبي الرفيع وبنيتاها في
تأمل تام للمكان من حولها….
بينما حمزة وقف مكانه واخرج الهاتف من جيبة وهو
يلتقط لها صورة جانبية موثق لحظة الدهشة والانبهار في بنيتاها البراقة…
نظرت له قمر بحاجب معقود وابتسامة ذاهلة فالتقط
صورة اخرى على هذا الوضع فقالت قمر ببعض الإزعاج…
“بتعمل إيه ياحمزة…على فكرة انا مش بحب
اتصور….”
التقط صورة اخرى عن بعد…قائلا بنظرة
متيمة….
“انا بقا بحبك اصورك…..”
نظرت للهاتف قائلة بتردد…
“طب وريني الصورة شكلها مش حلو أكيد….”
وضع الهاتف في جيبه قائلا….
“بعدين….اي رأيك في المفاجأة…..”
نظرت الى عسليتاه القادرتين على اذابة قلبها
بين اضلعها هوسٍ به….
“تحفة…. بحبك ياميزو….”
مالت قمر عليه مقبلة خدة قبلة رقيقة…
اشار حمزة الى خده الاخر بغمزة
خبيثة…
“وبوسة هنا كمان….اشمعنا يعني…”
مالت قمر على خده مبتسمة وفي لحظة خاطفة
غدر بها مهاجم شفتيها في قبلة عميقة مستلذًا
بمذاق الرفض وهي تضرب صدره بقبضتاها
ممتنعة….
عندما فصل القبلة ضحك حمزة منتشيًا…بينما
قالت هي في غيظٍ شديد…
“حد يشوفنا يا مجنون….”
هتف حمزة بزهوٍ……
“محدش يقدر يقرب من هنا… منطقة محظورة
طول ماحنا فيها…..”
سألت بحاجب مرفوع…
“أوعى تقول اننا هنبات هنا….”
“دا اللي هيحصل…..”اجابها حمزة بايماءة
وهو يمسك يدها……
“احنا هنفضل هنا لحد الصبح….تعالي….”
سحبها معه نحو الخيمة وهي سارت معه مبتسمة بسعادة وهي تتأمل المكان…
وفي الهواء الطلق بدا يتناولا وجبة العشاء على الشموع الساهرة برومانسية…
تخلصت قمر من سترة الفراء وبقت بثوبها الأحمر
تبادلا أطراف الحديث وهما يضحكا ويتشاكسا حتى
انتهت وجبة العشاء اللذيذة والحديث الممتع….
انساب صوت الموسيقى الهادئ بينهما مشعل مشاعرهما وقلوبهما بالحب…
لأول مرة يتعانقا ويرقصا على رمال الشاطي بتلك الطريقة الكلاسيكية على صوتٍ ناعم يبث بينهما الدفئ…..
ارتاحت قمر على كتفه وهي تضمه اليها بقوة
ناعمة هامسة بلوعة…
“بحبك اوي ياحمزة….”
اتكا اكثر على خصرها مقربها منه ثم طبع عدة قبل على كتفها العاري صعودًا الى عنقها فتراجعت هي للخلف قليلا تعطي له حرية تقبيلها كما يحلو له فسمعت همسة الثائر بالعواطف…
“وانا بعشقك ياقمري…..انتي الحته بتاعتي…”
ضحكت وهي تقبل خده مغمضة عيناها براحة
وهناء… تتراقص معه بخطوات مدروسة ومزال العناق حار بالقبلات واللمسات…..
في جوٍ رائع ، البحر يشارك صخب المشاعر شاهد
على حبهما ولحظاتهما الخاصة…
صدح هاتف حمزة في جيب بنطالة فابتعد عنها
دون ان يتركها ثم اخرج الهاتف من جيبه ليرى
الشاشة تنير بأسم…(زاهر المحامي..)
خفق قلب قمر بهلع بعد ان رأت الاسم كذلك لكن
حمزة لم يعطي لها فرصة للابتعاد عنه قد أغلق الهاتف نهائيًا واعادة الى جيبه ثم عانقها مجددًا
لكن تلك المرة تختلف…
فقد تجمد كلاهما وتوترا….
حمزة الذي اخفى مشاعره تحت قناع اللامبالاة والهدوء يعلم جيدًا انه اقدم على حربٍ شعواء ستاخذ في طريقها الاخضر واليابس….
وقمر ظهر الرعب على وجهها وعينيها بوضوح
متخيلة بعقلا مشتت مدى انتقام (عثمان) الأسود نحو زوجها الذي عبث معه بشكلا صريح عدائي
وعما قريبًا سياخذ حكم بأمر من المحكمة…..
فما هو العقاب الذي ينتظر زوجها من رجلا قاسٍ
وحقير كوالده…..
لم تقدر على السكوت سألت بخفوت
متوترة…
“تفتكر عايزك في إيه…..”
تابعا الرقصة بمشاعر مختلفة ورغم انطفئ شعلة
الرغبات بقت الرقصة مستمرة بين زوجين مهددا
بالخطر ، يشعرا بان النهاية قادمة لا محال !!….
قال حمزة بنبرة حرص ان تكون
غير مبالية…
“أكيد عايز يتفاوض معايا….”
ضمها اكثر اليه قائلا بمداعبة….
“سيبك منهم….بكرة هبقا أشوف هو عايز إيه….”
قالت قمر بذعر….
“أكيد عايز يقابلك….اوعى تروح ياحمزة….”
واجه حمزة عيناها الخائفة بقوة قائلا
بصلابة…
“لازم أروح ياقمر مش يمكن نتفق….ماهم بعد
القضية اللي رفعناها مفيش قدامهم حل تاني….”
قالت قمر مستنكرة وقد اوشكت على
البكاء…..
“مش معقول ياحمزة….انت عارفهم اكتر مني…
انت بتلعب بنار….ويمكن….”
“هششش اهدي انا جايبك هنا عشان نقضي ليلة حلوة مش هنقبلها نكد وكلام عنهم….”
اوقفها حمزة وهو يحملها بين ذراعيه بخفة متجه
بها الى الخيمة وضعها على الوسائد الناعمة واغلق الخيمة عليهما من الجهتين ثم انضم لها وبدا ينزع
القفازات الحمراء عن ذراعيها….
سألت قمر بدهشة مستنكرة….
“انت بتعمل إيه ياحمزة….”
حل عقدة شعرها الغجري الذي انساب حولها بتموج
مجنون سحر عسليتاه واذاب قلبه فلم يقاوم ومد يده يمسك خصلة منه مستنشق عبق عبيره وهو يخبرها بصوتٍ أجش ضعيف…..
“عايز انسيكي….. وانسى معاكي…..”
قالت بنبرة معذبة وهي تستقبل أول
قبلاته….
“انا خايفه اوي ياحمزة…..”
اجابها حمزة بخفوت….
“طول مانا جمبك اوعي تخافي…انا افديكي
بروحي وعمري…..”
لم يعطي لها فرصة للرد قد جذبها الى عالمهما الخاص فوق الغيوم استقلت الاجساد متعانقة
بحرارة اما بالخارج فالأمواج ثائرة تندفع نحو
رمال الشاطئ بقوة….
……………………………………………………….
جلس حمزة على المقعد في مكتب المحامي
زاهر الجالس جوار والده على الاريكة…..
والده الذي يرسل له نظراتٍ حاقدة كارهة كفيلة
بان تحرقة حيًا في جلسة مشحونة بالكثير من
العداء والغضب….
اشعل زاهر الجلسة بمقدمة لئيمه….
“لعبتها صح ياحمزة….مكنتش اتوقع انك بذكاء
ده خصوصًا بعد ما مضيت على وصل الامانة
بنفسك….”
هتف عثمان ببغضٍ…..
“ماهو اشترى الرخيصة اللي بعتني ليه بكام
مليم….”
تأهب حمزة لاي هجوم منه وهو يميل للأمام
قائلا بسخرية سوداء….
“اديك قولت رخيصة…. المرة الجاية استنضف
واحمد ربنا انها جت فيا مش في حد تاني…”
احتدم الأمر لدى عثمان الذي قفز من مكانه ثائرًا
كالثور الهائج وهو يمسك بياقة حمزة جاعله ينهض
معه بالقوة والشر يتطاير من عيناه القاسية بالفطرة…..قسوة لم تقدر السنوات على محوهَا…
صاح عثمان بشراسة متوعدًا…..
“عايز تحبسني يابن الكلب بعد ما خدت كل
ده مني….”
نزع حمزة يداه عنه بقوة وهو يقول
بتهكم…..
“انت مش مجبي عليا انا خدت حقي ورث امي.. والشقتين التمليك دول تعويض بسيط عن الايام السودة اللي شوفناها معاك….”
“تعويض بسيط انت لاهف مني ملايين
يابن ال******…..”
سبه عثمان وهو يحاول صفعة لكن حمزة امسك
يده بقوة قائلا بقتامة مخيفة…..
“ايدك متترفعش عليا… وبلاش تلبخ في الكلام
اكتر من كده انا كمان لساني طويل وبعرف أرد
فبلاش تستفزني واهدى كده وخلينا نتفاهم….”
صاح زاهر من خلفهم يقول بنبرة صارمة يشوبها تهديد صريح….
“مفيش تفاهم ياحمزة….عثمان مش هيدفع مليم زيادة…زي الشاطر قد تتنازل عن القضية اللي
رفعتها ضده…وتجيب تنازل من مراتك على ورثها
زي ما كنا متفقين وساعتها ابوك هيسامحك على العك اللي عكيته…ومش هيطلبك باي حاجة لا
بشقق ولا بفلوس..”
اظلمت ملامح حمزة وهو ينظر اليه بغضب
قائلا برفض قاطع….
“وانت جيبني لحد هنا عشان تسمعني الكلام
ده….لا يفتح الله…..مراتي مش هتتنازل عن حقها
ولا انا هتنازل عن القضية اللي رفعتها….حقها
هيرجع بالمحكمة او من غيرها… انتوا بقا
اختاروا الطريقة اللي تريحكم….”
هدر الغضب كبركان ثائر في جسد عثمان الذي
اخرج السلاح من جيبه وشهره في وجه حمزة
هادرًا وهو على حافة الجنون…..
“انت فاكرنا بنتحايل عليك يالا…هتنفذ ولا
تحصل اللي جابتك في تربتها….”
ضاقت عينا حمزة المًا تشنج فكه وتصلب
جسده من هول الصدمة مبهوتًا مكانه دون حراك….باهت الملامح حتى قارب على اللون الرمادي….
وهو ينظر الى والده مبتسمًا بوجع….وسخرية
مريرة……
التوى ثغر حمزة في ابتسامة ساخرة محتقرة
ولم يعلق بكلمة قد انتظر طلقة الخلاص بشجاعة
انها الطلقة الأخيرة منه !!..
هل يظن انه لم يفرغ الزخيرة في وجوههم
يومًا ؟!!….
هل يظن ان يده نظيفة من دمائهم….احلامهم
حياتهم…..مستقلبهم……
قد اراق دماءهم منذ سنواتٍ عديدة ونال منهما
وأخذ بثأر حبه الضائع…..نال منهم ولم تنال
الدنيا منه بعد….
من الغباء ان يظن انه لم يفعل…ومن الساذجة
ان ينصدم هو من فعلته فالأمر محسوم بينهم
منذ زمن……
تدخل زاهر بينهما حائل قائلا بصرامة…..
“اهدى ياعثمان….ونزل سلاحك….انت اتجننت
انت في مكتبي…..بلاش فضايح….”
سحب زاهر السلاح منه ثم نظر لحمزة
قائلا…..
“أسمع ياحمزة…..”
اوقفه حمزة بتهكم قائلا بنظرة نافذة
جادة……
“اسمعوا انتوا الاتنين اعلى مافي خيلكم اركبوا..
انا جيت هنا ومفكر ان احنا هنتفاوض وهترجعوا الحق لصحابه…هترجعوا ورث واحده يتيمة اتغربت
من بلد لبلد عشان تدور على حقها..سنتين بحالهم
وهي مستنية حقها يرجع بالحسنة……والبعيد جبلة
ماشي ورا كلام محامي بيدور على نسبة ارباحة
بعد كل عملية نصب….”
اتسعت عينا عثمان بصدمة وهو ينظر الى ابنه الذي يضرب بالكلمات دون رادع……
بينما صاح زاهر بغضب…..
“انا مسمحلكش…..احترم نفسك والمكان اللي
واقف فيه…”
تبرم حمزة قائلا بصفاقة…
“ولا تسمح….مش فارقة كتير يازاهر….”
هتف زاهر من بين اسنانه بغيظ….
“الاستاذ زاهر….”
ابتسم حمزة هازئًا……
“على نفسك….الكلام خلص بينا…نتقابل في الحكمة والقانون يحكم بينا….”
لوح لهما بسلام عسكري وابتسامة باردة تخفي
خلفها اطنان من الوجع والخذلان وهو يلمح
السلاح في يد زاهر للمرة الأخيرة….
جلس عثمان على المقعد قائلا بانهزام….
“لو الأوراق دي وصلت المحكمة هتسجن….
هتسجن يازاهر….”
“مفيش قدمنا غير حل واحد ياعثمان…..”قالها زاهر وهو يغلق المكتب عليهم جيدًا……
قال عثمان ببعض الأمل…..”لايمني عليه…”
قال زاهر بخفوت…..”نخلص من إبنك….”
انتفض عثمان ناهضًا من مكانه
بتردد… “اقـتـلـه ؟!!….”
رمقه زاهر بنظرة مستهينة قائلا بلؤم….
“ومالك مصدوم كدا ليه مانت كنت ناوي تخلص
عليه من من شوية….”
بلع عثمان ريقة وهو ينظر الى زاهر بتردد….
هذا التردد جعل زاهر يتشجع راسم خطة الموت ببساطه متحالف مع الشيطان….
“على العموم انت مش هتوسخ ايدك…حادثة عادية
على الطريق بتحصل….تريلا سواقها سكران شالت
عربية ابنك في طريقها…..حدثة وارد انها تحصل
مش كده…..ومحدش هيشك فينا…”
اولاه عثمان ظهره قائلا بعقلا مشتت متردد…
“بس….بس….”
لمعة عينا زاهر بشرٍ محاول الاقناع بخبثٍ……
“بس إيه…مسافة مابنك يموت مراته مش هيبقا ليها
ضهر تتسند عليه….ساعتها هناخد اللي احنا عايزينه منها ونرملها قرشين….وقتها بقا هترجع شققك وفلوسك….مانت اللي هتورثه…شوفت سهلة إزاي….”
رفض عثمان وهو لأول مرة يشعر بفادحة
الأمر….
“سهلة إزاي…اقـتـلـه إزاي…دا ابني… ابني يازاهر ؟!!..”
لوى زاهر فمه ساخرًا…..
“ابنك هيحبسك ياعثمان فوق…لازم تتغدى بيه
قبل ما يتعشى بيك…..”
بلع عثمان ريقة بخوف…. “مفيش حل تاني….”
عيل صبر زاهر فقال بضجر….
“ولا تالت….يا يموت يا انت تتسجن…..أختار
وانا هستنا ردك عشان أنفذ العملية قبل جلسة
المحكمة…..”….
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الحب أولا)
هو الفصل مش ناوي ينزل ولا ايه
روايه جميله جدا