رواية الحب أولا الفصل الثاني عشر 12 بقلم دهب عطية
رواية الحب أولا الجزء الثاني عشر
رواية الحب أولا البارت الثاني عشر
رواية الحب أولا الحلقة الثانية عشر
وقفت في صالة الشقة بمواجهة الجميع واولهم أبيها
الذي كان يشتعل في وقفته يحاول السيطرة على نفسه حتى يفهم أولاً لماذا رفضت عاصم الصاوي
بعد موافقتها عليه……بعد ان اتى عند بابها طالبا الحلال……..
“انا عايز افهم اي اللي انتي هببتي ده…..دانتي صغرتينا قدام الراجل…….اي اللي هببتيه ده…
انطقي….. ”
انتفضت شهد بعد صرخة تفوح بالكراهية والتوعد
لكنها لم ترتد للخلف بل تماسكت…وهي ترفع عينيها
المظلمة اليه قائلة بهدوء لا يوازي الموقف برمته…
“اي اللي انا هببته….مش عايزة اتجوز…. سهله يعني…..”
صاح عثمان بسوداوية وبملامح انقلبت
لشيطان لعين……..
“حد يرفض عريس زي ده….انتي كنت تطولي
واحد زيه يبص في خلقتك…..بوز فقر زي اللي جابتك….”
اسبلت شهد اهدابها ولم ترد……..فاقترب منها
عثمان يجذبها من شعرها فجأة صارخاً……
“اي اللي غير رايك يابت…. كنتي جايه منين… كنتي مع مين ردي……..”
تدخل حمزة حائل بينهما محاول ان يخلص
اخته من بين يدي والده…..وكذلك قمر وكيان
حاولوا التدخل وهم يصرخون بفزع……..
صاح حمزة بنفاذ صبر…….والهلع واضح
في عيناه القاتمة…….
“سيبها……… سيبها خلينا نفهم…..”
هدر عثمان بمقتٍ من بين تلك الدائرة
المكتظة بهم جميعاً…….
“اخرس مفيش حد فيكم محكوم…. كل واحد فيكم داير على حل شعره……..معرفتش تربيكم كريمة…
ماتت وسابتكم انجاس……”
شدد عثمان في مسكته على شعر شهد التي كاد
ان يقتلع بين اصابعه الغليظة…….شحب وجه
شهد وشعرت بان الهواء ينسحب من بين
رئتاها وقد خارت قوتها امام صلابته….
فلم تتحرك ذرة من الرحمة والانسانية بقلبه
عثمان بل تابع جذبها اكثر وهو يصيح
بغضب…..
“كنتي مع مين…….كنتي مع مين برااا…..”
خلصها اخيها باعجوبة من بين يده فاستقامت
تصرخ بعينين حمراوان من شدة الغضب
والبكاء…
“سيب شعري حرام عليك….سبني انا حُرة…..اتجوز ولا متزفتش…. انت هتغصب عليا… انا مش
صغيرة…….سامع…”
صاح عثمان يحاول الوصول لها……
“سمعتي الرعد يابنت الكلب…بتعلي صوتك عليا…
انطقي ياعرة كنتي تحت مع مين انطقي….”
تمردت شهد في رد عليه تلك المرة بطريقة
أحرقت الدماء في عروقة…..
“مش هريحك ومش هقولك حاجة ولي عندك
اعمله…وجواز مش هتجوز…….لا عاصم ولا غيرة……”
اندفع غضب عثمان دفعة واحده فصرخ
بمنتهى القسوة……
“مش بمزاجك ياروح أمك….دا انا ادفنك هنا…اللي بوظتي ده تصلحيه………ان شاء الله حتى تروحي لحد عنده وتبوسي ايده عشان يرضى يبص
في خلقتك العكرة دي تاني……….”
تسمرت شهد بعينين متسعتين بصدمة….وكذلك
الفتيات تلبسهن قناع الحيرة والدهشة…..ام
حمزة الذي كان يقف في مواجهة والده يمنع عن اخته البطش……فارة دماؤه صائحاً بغضب
ومروءة……..
“انت بتقول إيه….تبوس ايد مين…..مافي داهية….”
“اخراااس انت كمان….اللي بقوله يتنفذ…..سامعه…”
دفعهُ عثمان لكن حمزة لم يتحرك من مكانه….بل اظلمت عيناه واشتعل صدره شاعراً بان الخطوة القادمة لن تكون سالمة مع من يُدعى أبيه !!….
كانت أول شخصٍ لاحظ انفعالاته التي تنذر
بالخطر هي قمر فاقتربت منه ومسكت ذراعه
تترجاه بعيناها ان يتحلى بالصبر فالموقف لا
يحتمل كوارث أخرى……..
خلفهما صاحت شهد بعناد والدموع تغرق وجهها
الشاحب شحوب الأموات ترمقه بعينين
غائرتين بائستين…….
“لا مش سامعه….طلعني من حساباتك…..انا مش هتجوز لا عاصم ولا غيره….دور على طعم تاني
ترميه عشان توصل للي في دماغك……”
جفل حمزة من هذا الكلام المبطن فنظر لاخته ليجدها تتابع بكرهٍ شديد ها هو ينتشر في عينيها
بدلاً من الخوف…….الكره المخبئ في جوف
اعماقها…..
“انت اي ياخي….معقول تكون أبونا….بتستغلنا عشان
توصل للقرف اللي في دماغك…….ياخي ينعل ابوو
كده…….”
اتسعت عينا عثمان تليها الجميع فلم يتوقع احد
ان تلك الهادئة المتسامحة تحمل كل هذا الكره والغضب نحو من تسبب لها باذئ نفسي وجسدي عاشت به طوال عمرها صامته خانعة ناكسة
الرأس في حضوره !!……
هاج عثمان من تمردها وقلة ادبها
أمامه………
“يانعل ابو مين يابنت الكلب……”
لم يعرف الوصول اليها بسبب ثلاثتهما…فصاح
مهدداً اياها بشرٍ……..
“بطولي لسانك عليا…دا انا هقطعهولك….وهكسرلك رجلك اللي واقفه عليها دي قصادي…مش هرحمك لو منفذتيش اللي طلبته منك……مش هرحمك….”
عاد هذا الشعور الخطير يموج في حلق حمزة
بعد تهديد ابيه لاخته…….فاوقف والده بحزم
يهدده بالمثل……
“مش هتقدر تقربلها ولا هتقدر تلمسها……المرة اللي فاتت مكنتش موجود عشان ادافع عنها…لكن المرادي
على جثتي……سامع انا معاك هنا ياقاتل يامقتول…”
اتسعت عينا عثمان سريعاً ولم يفكر مرتين وهو
يهجم على حمزة من ياقة ملابسه صارخاً
بعدائية شديدة الخطورة……
“انت بتهددني…….انت عارف اني بمكالمة واحده اوديك ورا عين الشمس……اقول انك ارهابي….
وشغال مع جماعة متطرفة……ولو دخلت أمن
الدولة ياحلو مش هتشوف النور تاني…….”
ابتسم حمزة ساخراً مؤكد على الحديث
بالمثل……..
“اعمل كده….بس قبلها هكون موصلك للخلقك…..”
جز عثمان على اسنانه وهو يوزع نظرات
الكراهية على أبناءه الثلاثة…….
“عايز تقتلني……… اه ياولاد الكلب يا أوساخ….”
تلك المرة تدخلت كيان وهي تصرخ في ابيها
باكية بحرقة…….فقد تلفت اعصابه من هذه
الحياة وهذا المشهد المتكرر دوماً بينهما…
العراك الشتائم الكره……ورغبة في
القتل !!……….
“كفايه كفاية بقاااا…..امشي وسيبنا بقا…..كفاية االلي
بتعملوا فينا……كفاية حرام عليك…….”
تقدمت قمر أيضا تربت على صدرها راجيه
اياه بدموع……..
“علشان خاطري ياخالي…….سيبهم دلوقتي لحد مالنفوس تهدى………بالله عليك…..كفاية كده….”
أومأ عثمان براسه بعصبية وبوجهاً أسود من
شدة الغضب والضعف…..الضعف بعد ان فلت لجام ثلاثتهما….ابنائه تمردا عليه واصبحوا يتوعدا له بالقتل !….صاح بصوتٍ محترق وهو يكاد
يسحق أسنانه من شدة الانفعال…….
“ماشي ياحمزة…….ماشي ياشهد……حسابكم جاي…
اصبروا………..اصبروا ياولاد*****…..اصبروا
*****……”
سبهم باقذع الكلمات فاغمضت شهد عينيها بنفورٍ
وقد هبطت دموعها بحسرة مؤلمة على النفس…..
ام حمزة فوقف متشنج الجسد متصلب الملامح يشاهد خروج ابيه من باب الشقة بعينين شاخصتين ونظرات مجردة من الحياة……ام كيان فانحنت بضعف على الحائط تبكي بحرقة…..
اغلقت قمر الباب واستدارت تنظر اليهم….
فرأت مشهد لم تراه يوماً في حياتها…مشهد يحكي
عن انهزام حقيقي لثلاثة محاربين لم يحاربوا شيءٍ إلا أنفسهم……..هزيمة وحسرة محفورة بخطوطٍ
عريضة مؤلمه على وجوههم البائسة………ثلاثة اخوة لم ترى يوماً أشقاء يعيشوا معاً نفس الوجع والحب وأخيراً الهزيمة !!…..
……………………………………………………………
بعد ان ظل لساعات طويلة يدور بسيارتهُ عاد للمنزل مهموماً منهكاً من شدة التعب وكثرة التفكير بما حدث……مذاق كالعلقم المُر يموج في حلقه
يخنقه….
لم يتوقع ان تنتهي الزيارة هكذآ…..ورغم الغضب مزال يبحث لها عن الف عذر….ومن بين كل الأعذار
لا يجد عذراً يشفع لها ؟!…ويشفي غليلة…..
تم رفضة أمام الجميع…..
مزحة سخيفة ثقيلة ان كان أحد القاها عليه سابقاً
لكان سخر منه ضاحكاً بملء شدقتاه………
هل بكل ما يمتلك من مالاً وجاه ووسامة لا تنكر يُرفض بهذا الشكل السخيف ؟!….
ترفضة بهذا الشكل المهين….لماذا وافقت من البداية
ان كانت تنوي رفضه…..هل قصدت ان تهينه امام عائلتها……..
سينفجر راسه من كثرة التفكير…….الرفض وقع على
مسامعه كالسوط الحاد خدر حواسه و افقده جزءاً من ثقته في حالة ثم بها ؟!…
ماذا فعلتِ يا شهد…….هل لديكِ أسباب مقنعة…ام
ان أسباب رفضك واهيه لن تشفع لكِ عندي……
“انت جيت ياعاصم…….”
استدار الى جدته القعيدة بإبتسامة لا تمت
للمرح بصلة……”لا لسه شوية……..”
لم تبتسم الجدة (نصرة)بعد رؤية ملامحه الذابلة الحزينة….والفرحة المنكسرة في عيناه……..لم
يكن هكذا عندما خرج !!……..
كانت على علم انه ذاهب لمقابلة عائلة شهد والتعرف
عليهما قبل ان يلتقوا بهم في زيارةٍ رسمية…..
هزت نصرة راسها متسائلة…..
“مالك ياعاصم يابني…….اي اللي حصل…….”
لم يتحدث عاصم بل نظر للمكان الواقفين فيه…
فكانوا في الممر المتواجد به غرف نوم الجميع..
مما جعل نصرة تشير له بأن يسبقها على غرفتها وتحركت بمقعدها الكهربائيّ نحوها……
أغلق عاصم باب الغرفة خلفه وجلس على حافة الفراش ينظر الى جدته بصمت……
“احكيلي اي اللي حصل……..”
أجابها بوجوم…..
“مفيش نصيب ياحاجة………ماتوفقتش في مشواري…”
سالته نصرة بحيرة…….
“ليه….. ابوها رفضك هو مش عارف انت ابن
مين…”
لم يرد عاصم فقد شرد من جديد في كلمات الرفض
التي تلقاها منها كانت اشبه بسهام سامه تخترق
كبرياء رجولته……
فسالته نصرة بملامح
غاضبة…..
“اسمه إيه ابوها ده…….”
فاق من شروده ينظر الى جدته دون تعليق
فسالته نصرة مجدداً بنفاذ صبر…..
“ماتكلم ياعاصم اي اللي حصل في الزيارة دي….”
زفر عاصم وهو يخبرها بالهدوء المتبقي
داخله…….
“ولا حاجة اتكلمنا فا متفقناش…..فمحصلش نصيب….”
رمشت نصرة بعيناها بغير استيعاب……
“بالسرعة دي…..طب اتكلمت مع مين بقا……”
أجاب عاصم….. “مع أخوها وابوها….”
سالته بشك…… “وهما اللي رفضوك……”
زمجر عاصم قائلاً بصلابة…..
“محدش رفضني….انا اللي شايف ان الموضوع كله مش نافع……….”
لاح التعجب على ملامح نصرة….
“ليه بس يا ابني……دانت كنت ميال ليها اوي…”
اظلمت عيناه ثم اجابها بصوتٍ متحشرج….
“كنت بس دلوقتي…..لا……..”
سالته الجدة بمكرٍ…….
“يعني على كده…….هترجع بقا لـ……لرفيدة………”
اتى الرفض القاطع منه……
“لا رفيدة ولا غيرها….مش عايز خالص…….”
توجسة نصرة من ردة فعله المبالغة…فقالت
بعدم رضا………
“اي الكلام ده…..هتكمل حياتك كده……جرالك
اي ياعاصم……..”
يُشعر بالاختناق والصداع يتفاقم في راسه مما
جعله ينهض من مكانه قائلاً بصوتٍ مجهد….
“انا تعبان ياحاجه وعايز أرتاح في اوضتي……”
نظرت له نصرة بحزن وشفقة…وعادت تستفسر
منه بقلق الأم……
“انا مفهمتش حاجة برضو يا ابني…..انت ليه راجع
مهموم اوي كده……اي اللي حصل ياعاصم ريح قلبي…….”
رد عاصم بصبرٍ…..
“زي ماقولتلك ياحاجه…..ماتوفقتش……..”
ترقرقت الدموع في عينا نصرة فحاولت ان تراضيه
بحناناً قائلة بعطف……..
“طب ما تزعلش نفسك….هي اللي خسرانه……مع اني
شايفاها بنت كويسه ومحترمة…وتستحقك….لو بس تريحني وتقولي حصل إيه في زيارتك ليهم…..يمكن
يابني أصلح بينكم……..”
تقدم منها عاصم وانحنى يقبل قمة راسها قائلاً
برفق…….
“بلاش تتعبي نفسك الحوار انتهى من قبل ما يبدأ…
انا هروح ارتاح في اوضتي……تحبي انقلك على السرير ترتاحي……..”
رفضت الجدة نصرة وهي تمسح دمعة فارة
من عينيها…..
“متتعبش نفسك هنية طالعه دلوقتي بالعشا والدوا……اخليها تحضرلك العشا…. ”
امتنع عاصم قائلاً بخفوت….
“لا مليش نفس…..تصبحي على خير…….”خرج
من الغرفة مغلق الباب خلفه……..
تاوهت نصرة بحسرة على حياة حفيدها وعمره
الذي يضيع هباءاً بدون زوجة وأولاد يؤنسا
وحدته كمن في سنه……..
“آه ياحسرة قلبي عليك ياعاصم……ياترى اي اللي حصل قلب حالك كده……..”
عندما دخل غرفته بدل ملابسه سريعاً والقى نفسه على الفراش بتعب محاولاً النوم دون التفكير بها…..لكن كيف وعقله وقلبه يحترقا بسببها
هي !!……..
………………………………………………………………
دخلت الغرفة في الظلام واغلقت الباب سريعاً ثم تنفسة الصعداء……والابتسامة المتشفية مزالت
تزين ثغرها المنتفخ من كثرة حقن التجميل……
“كنتي فين يالهام……”قالها مسعد وهو يزيح غطاء الفراش عن وجهه……..
إبتسمت الهام وهي تقول بوداعة…..
“ولا حاجة ياحبيبي كنت بجيب مايه……..”
نظر مسعد ليداها الفارغة بشك….
“وهي فين الماية دي……”
نظرة الهام ليدها ثم لوجه زوجها الناعس
فقالت بمناورة…. “ها….آه شربتها…….”
زم مسعد شفتاه قانطاً……
“واضح انك مش معايا خالص…..انا هنام أحسن…”
عاد مسعد للنوم ودثر جسده ووجه أسفل
الغطاء….
رمقته الهام بقرف ثم غمغمت بضيق…..
“نام……..نام هو دا اللي انت فالح فيه……..”
ثم عادة تبتسم بانتصارٍ وهي تمسك هاتفها
وترسل رسالة مختصرة لاختها…..
(عندي ليكي خبر حلووو اوي يارافي……شهد
خلاص بقت بح…….)
اغلقت الهاتف وهي تزفر نفساً عميقاً بملامح
مرتخية سعيدة…..ثم حدثت نفسها
بصلف……..
“كويس انها جات منك بعدتي نفسك عن آذى
كبيييير أووي كان مستنيكي مني……برافوو ياشهد…..”اخرجت ضحكة رقيعة تليها ضحكات
أشد ميوعة وغرورٍ……….
…………………………………………………………….
كانت تجلس على الفراش تضم ساقيها الى صدرها
وترتاح براسها على ركبتيها وهي تنظر للبعيد بشرود
وحزن دفين…….
معدتها تتلوى من الوجع بينما صدرها يشتعل بقهرٍ وعقلها يحترق من كثرة التفكير به….نزلت دموعها
مجدداً بضعف شاعرة بطعم المذلة تشطر حلقها
لنصفين…..
يجب ان تفكر في مسكن اخر بعيد عن والدها…
حتى ان كان بالايجار……..عليها ان تتحدث مع شقيقيها عندما تهدأ الأمور….عليهما المغادرة
قبل ان تحدث كوارث آخر وفي لحظة تهور
فيضيع أحدهما بسبب رجلا لم ترى منه ذرة
أبوه بل كان دوماً متشبع بالقسوة والجفاء …
والمعاملة السادية وكانهما الد اعدائه…..
ارجعت راسها للخلف بتعب وبعينين غائرتين
بالحزن حاولة بجهد ان تتغلب على ذلك الألم
الذي ينحر في جوف قلبها…….
طرق حمزة على الباب ودخل عندما لم يجد منها رد
فوجدها جالسة على الفراش تضم ساقيها الى
صدرها في عناق مواسياً لمحنتها……
أغلق حمزة الباب واتجه اليها جالساً على حافة الفراش…. نظر لها بملامح متحجرة متجهمة…
ثم سالها أخيراً بصوتٍ غريب….
“فهميني ليه عملتي كده…. ابوكي للاسف عنده حق
انتي صغرتينا قدام الراجل……..”
همست شهد بملامح متجمدة…..
“اللي حصل……. غصب عني……..”
نظر اليها مقطباً الوجه ثم هتف بخشونة….
“إزاي….. انتي مش كنتي موافقة عليه ياشهد… دا انتي بنفسك اللي خلتيني اكلم ابوكي واقنعه يقابله…….”
لوت شهد شفتيها ساخرة…..
“أيوا…… بس مكنتش اعرف ان أبوك عاملني
طُعم عشان يوصل بيه لالهام……”
سألها حمزة بتعجب… “الهام ؟!…. الهام مين…….”
اخبرته بصوتٍ يقطر قهرٍ…….
“حبيبته القديمة……حبيبته القديمة تكون مرات
عم عاصم……..”
لم تتحرك عضلة واحده في وجه حمزة وكان
الخبر الحصري قديم بنسبة له !!……
“وعرفتي منين بقا…….”
اجابة بحرج….
“شوفتها يوم السنويه بتاعت جده….”
هز حمزة راسه مفكراً بصوتٍ عالٍ……
“يوم السنويه…. معنى كلامك انك عارفه كل حاجة من قبلها……”
قالت شهد بصوتٍ أجوف……
“عارفه ووفقت عليه ياحمزة….. بس مكنتش اعرف ان ابوك لسه بيفكر فيها… وان بيساومها بجوازي من عاصم……..يا يرفضوا ويبقوا سوا….. يا يقبلوا
ويقهرها خصوصاً ان عاصم كان جوز اختها…وطلقها من فترة…..يعني عاملني لعبه في ايده عشان يوصلها…. ”
ثم تابعت بغصة مختنقة …..
“انا مش عايزه اكون لعبة في ايده… ولا عايز ادخل
عاصم في كل العك ده…. رفضته لان ده أحسن ليا وليه……. مش عايزه اكون تحت رحمة ابوك… انا مضمنش اي اللي ممكن يعملو فيا لو الخطوبة
دي تمت……..”
عاتبها حمزة برفق وهو ينظر الى ملامحها
الحزينة…..
“بس انتي محكمتيش عقلك ياشهد….. مكنش ينفع
تحرجي الراجل قدامنا بشكل ده مهم كان….كان ممكن ترفضي بأسلوب أحسن من كده….. مش
على الملأ……..”
ثم لوى ثغره هازئاً مضيفاً بوجوم…..
“وبعدين الهام مرات عمه مش امه….. هو برضو ملوش ذنب…. ولا يعرف حاجة عن حكايتنا
القديمة… ولو كنتي فعلاً بوظتي الموضوع كله عشان ابوكي….. اسمحيلي اقولك…. انك هبلة……”
رفعت شهد وجهها مشدوهة مما
سمعت…..
“هبله؟!….بعد كل اللي حكيتهولك…بتقولي هبلة…”
وضح حمزة وجهة نظرة قائلاً بهدوء….
“طالما انتي مرتاحة لعاصم وشيفاه شخص مناسب
وهو طلع راجل وخبط على بابك طالب الحلال….
اي المانع انكم تبقوا مع بعض……”
حرك كتفيه مستنكراً……
“اي المشكلة ان الهام مرات عمه….. اي المشكلة ان ابوكي بيخطط عشان يوصلها…… خليه يخطط وانتي
كملي في حياتك وسبيهم يخبطوا في بعض….”
” طالما انتي مقتنعة بقرارك…… ومرتاحة ليه
وهو مرتاحلك ومتفاهمين ومع الوقت هتبقوا متمسكين ببعض اي اللي يمنع يابنتي…..مش
فاهمك…… ”
احتد صوتها وهي تخبره بملامح مرتابه من مجرد
التخيل………
” اللي يمنع اني مش عايزة مشاكل…. انا مش زيك ياحمزة…. انا مبحبش احارب عشان حد…. مش بحب المشاكل……. انا عايزة أبعد عن اي حاجة ممكن تأذيني…..انا مش حمل مشاكل واذى خصوصاً من ناحية ابوك والست اللي دمرت حياتنا زمان….
اللي انا عملته صح…….وكده أحسن لكل…..”
هز حمزة راسه متعاطفا معها فهي مرت بالكثير
في حياتها ولها الحق في ان تمنع نفسها عن
الأذى…….فربت على كتفها داعماً اياها
بمحبة………
“دي حياتك ياشهد…..انا مش هغصب عليكي في حاجة…..انا جمبك ومعاك في اي حاجة عيزاها
المهم تبطلي عياط وتهدي…..”
نزلت دموعها وهي تخبره بصوتٍ متعب…..
“انا آسفة ياحمزة حقك عليا انا عارفه اني السبب
في كل المشاكل اللي حصلت دي…. بس غصب عني
مقدرتش امنع نفسي……..”
القت نفسها في احضانه فربت على كتفها بحنان
وبعد لحظات من الصمت قفز سؤالٍ في
رأسه فجاة…..
“صحيح كنتي جايه منين وقتها……..”
اخبرته وهي تخرج من احضانه تجفف
دموعها….
“كنت مع مهجة مرات أبوك…. هي اللي حكتلي…
على كل حاجة……..”
أردف حمزة بسخرية قاتمة…..
“مش لله طبعاً….. أكيد خايفه يطلقها بعد ما الهام ترجعله…”
ضيقت شهد عينيها بتشكيك…..
“شكلك كنت عارف ان الهام تبقا مرات عم عاصم…”
أكد بابتسامة هازلة….
“عارف ومن زمان أوي……كمان…….”
تبدلا النظرات بصمتٍ حتى اضاف حمزة وهو
ينتصب واقفاً……..
“الفرق بيني وبينك انك بتدي الامور اكبر من حجمها
الحقيقي……..”
فغرت شهد شفتيها فأسترد حمزة حديثة بنبرة قاتمة….
“اصلها مش فرقه اتجوز مُهجة ولا الهام… مفيش
حاجة هتتغير في حياتنا….. احنا كده كدا لا طيلين
منه لا أبيض ولا أسود.. ومشاكلنا معاه مش بتخلص…..حسبتيها غلط ياشهد… كنت فاكر ان دماغك أكبر من كده بكتير…… ”
………………………………………………………………
خرج حمزة من الغرفة ورفع عيناه جانباً ليجد كيان
تجلس وحيدة على الاريكة…….حزينة الملامح شاردة
النظرات……..
زفر وهي يخفض اهدابه بتعب…..حتى لاحظ خروج قمر من المطبخ تحمل لهما اكوب من عصير الليمون
وعندما تلاقت عيناه بها اهتزت الصنية قليلاً بين يداها……..ثم تماسكت وتابعت طريقها امام عيناه النافذة حتى وضعت الصنية على الطاولة القريبة
من كيان…..فقالت لها برفق تحت انظارة…..
“اشربي ياحبيبتي كوباية اللمون دي هتهدي اعصابك..”
لم ترد عليها كيان بل ظلت ملامحها منكمشة
بالحزن…….
تناولت قمر بيدها كوب من العصير واقتربت منه بخطوات هادئة ثم وقفت امامه ناظرة لعيناه
وهي تقول بحرصٍ……
“أشرب دا ياحمزة……هيهدي اعصابك…….”
امتنع حمزة قائلاً…..
“مش عايز……دخليه لشهد……”
قربت منه الكوب مجدداً راجية…..
“عملتلها كوباية وهدخلها ليها دلوقتي أشرب
بس انت عشان خاطري……..”
نظرا لبعض بصمت وكم كانت بنيتاها الجميلة تبث مشاعر دافئة حنونة ربما لم يشعر بها يوماً إلا مع أمرأه واحده…. خفق قلبه بوجع واشتعل صدره فجأه فاخذ منها الكوب وتناولة دفعة واحده لعله
يطفئ ظمأ مشاعره……….
انزل الكوب واعطاه لها بملامح مبهمة
قائلاً….. “تسلم إيدك………”
تبسمت قمر بسمة لم تلامس عينيها وهي
تقول…. “بالف هنا……..”
اخذت قمر كوب العصير الثالث ودخلت به الى غرفة شهد امام عيناه….. حتى حانت من حمزة نظرة على شقيقته الصغرى كيان ليجدها في عالم اخر بعيداً
كثيراً عنهما باحزانها وافكارها…….
فأخرج نفساً ثقيلا وهو يتجه اليها جالساً بقربها
على الاريكة…….
ثم ساد الصمت بينهما لدقائق ومزالت هي تجلس كتمثال مجسم بلا حياة………فزفر حمزة وهو يناديها
بعطفٍ……
“مش واخدين عليك ساكت ياكيموو…..فين اللسان الطويل وخفة الدم اللي عمرها ما ضحكتني…”
لم تبتسم كيان ولم تنظر حتى اليه فلكزها حمزة
في كتفها عابساً…..
“اي تقل الدم دا ياكيموو….آآه انتي غيران من قمر….
تكونيش عايزني اجبلك بقلاوة زيها…..ليكي عليا
اجبلك علبة أكبر منها كمان….. بس فكي
التكشيره دي خلي الشمس تنور…… ”
أسبلت كيان اهدابها ونزلت دموعها بصمت….فعقد
حمزة حاجباه مبهوتاً لبرهة…..ثم حدثها معاتباً….
“انتي غلطي….وكدبك عليا استفزني وخلاني ارفع ايدي عليكي……..”
اكدت على كلامه بوجهاً منحني بحرج….
“عارفاه……”
مد حمزة يده ومسكها من ذقنها رافعاً
وجهها اليه ونظر لها بقوة قائلاً……
“وطالما عارفه مجتيش تعتذري ليه…….”
جففت كيان دموعها كالاطفال قائلة بشجن…..
“خوفت تتعصب عليا وتضربني تاني…. الفترة اللي فاتت دي حسيتك مبقتش بتحبني….. بقيت
بتكرهني….”
تعثر حمزة في ضحكة ذاهلة وهو يجذبها لاحضانه بعطف قائلاً……
“اكرهك….. ياعبيطة دا انا أكره الدنيا دي كلها ولا أكرهك….. انتي هبلة……تعالي في حضني وبطلي عياط……”
ارتاحت كيان على صدره واعتذرت
بخجلاً…..
“انا اسفة ياحمزة…..اوعدك مش هتتكرر تاني…”
اخرجها من احضانه قائلاً بحزم حاني….
“ياريت ياكيان….ياريت نكون صحاب بجد مش كلام……ولو في اي حاجة مخبياها عني تحكيهالي…
اتفقنا……..”
اومات براسها وهي تمسح دموعها بظهر
يدها….. “اتفقنا………حاضر…….”
ربت حمزة على وجنتها برفق مبتسماً وهو
يقول….
“متزعليش مني……تتقطع ايدي لو اتمدت
عليكي تاني…..”
“بعد الشر……..”صيحة أنثوية رنانة اخترقت
جلستهما فرفع حمزة عيناه على قمر التي تقف
عند باب غرفة شهد المغلق وكانت تتابع مايحدث
للتو……..ارتبكت قمر من نظراته المتعجبة فقالت
قبل ان تهرب الى المطبخ……..
“يعني….الحمدلله انكم اتصلحتوا……..ربنا يخليكم لبعض…….”
ابتعدت سريعاً عن انظارهما وهي تلعن غباؤها
فنظر حمزة الى اخته بتساؤل…..
“مالها دي…….”
برمت كيان شفتيها بغيرة….. “مجنونة…….”
صفعها حمزة على مؤخرة عنقها برفق موبخاً إياها
وهو يشير على كوب العصير……
“بس ياجزمه….دي عملالك عصير للمون حتى…”
عقدت كيان ساعديها امام صدرها…..
ممتنعة بحنق….. “مش بحبوا أصلا……..”
“قطعتي بعيشك…… انا عجبني أوي……”مسك حمزة كوبها وشرب منه على مهل متلذذاً بطعمه الغني الرائع………..
……………………………………………………………..
في منتصف الليل بعد ان دخل الجميع الى غرف
النوم….
كانت تستلقي شهد على الفراش وجوارها قمر نائمة
ام هي فجفاها النوم….ولم تعرف مذاق الراحة منذ
ان كسرة قلبها بيدها……..
لم تتوقع ان يعني لها اكثر مما ظنت…كيف ومتى استحوذ عليها محتلا قلبها ومستوطن مشاعرها……
زفرة بتعب وهي تحاول النوم حتى تتخلص من صداع راسها ومشاعرها المتضاربة….قد تلفت
اعصابها طوال ساعات اليوم وحتى الليل اتى
كي يهلك المتبقي منها………
بعد دقائق أضاءت شاشة هاتفها فجأه وكانت تضعه على الوضع الصامت……فالتقط الهاتف ونظرة اليها
لتتسع اعينها وتزدرد ريقها وهي تنهض جالسة
على الفراش تنظر للشاشة المنيرة بأسمه…..
أخر شخصٍ تتوقع اتصاله الآن….بعد كل ما حدث بينهما ؟!…
سحبت نفساً مضطرب لرئتيها…..ثم ابعدت الغطاء عنها…….وسارت لعند الباب بخطوات بطيئة حتى
خرجت من الغرفة واغلقت الباب خلفها بحرصٍ
ثم سارت نحو الشرفة على اطراف اصابعها حتى
لا تيقظ أحد…..
دخلت شهد الشرفة واغلقت بابها عليها وهي
تسحب نفساً بارداً لرئتاها….. ناظرة للهاتف مجدداً بحيرة فهذا الاتصال الثاني منه…. يبدوا انه مصر
على هذه المكالمة…………
تشبكت في سور الشرفة بيدها الحرة وفتحت الخط
ثم وضعت الهاتف على اذنها…….
ولم تجرؤ على التحدث ولو حتى بسلاما فاتر…
كان الأمر صعب ولم تاتيها الشجاعة بل على العكس
كلما حاولت تجد الكلمات عالقة في حلقها تأبى الخروج كما يأبى قلبها الخضوع للقرارات القاسية التي اتخذتها دون الرجوع اليه……فكان على غير هدى وهو يخفق في حضور الحبيب…
بلعت ريقها واغمضت عينيها وهي تترجاه بصمتٍ
ان يكون هو البادي بالحديث طالما هو من أتصل
في تلك الساعة المتأخرة………
(شــهـد……)
ستشتاق بشدة للفظ اسمها بهذا الشكل المميز الذي من شدة الإحساس به تستشعر بقشعريرةٍ لذيذة
تسير ببطء على عمودها الفقري يليها جسداً
باكمله في حالة إنهيار !!…….
عندما لم تتحدث سالها بصوتٍ غريب محمل بالكثير من الأسى……..
(ليه عملتي كده….طالما رفضة من البداية ليه خلتيني
اجي لحد عندك……)
أخيراً وجدت صوتها بين طيات الوجع فقالت
بصعوبة مبررة….. “اللي حصل كان غصب عني……”
على الناحية الأخرى… قطب عاصم حاجباه
متسائلا بخشونة….
(اي هو اللي غصب عنك……مش فاهم…..)
عضت على شفتها السفلى وهي تبرر الوضع
بوهن بينما قلبها يئن بوجع…..
“مش ضروري تفهم……عاصم انت تستاهل حد
أحسن مني……انا مش هقدر اسعدك…..انا حياتي متكعبلة وكلها مشاكل…..انت تستحق واحده تكون معاك طول الوقت بقلبها وعقلها…..تسعى انها تسعدك
وتبقا معاك…..لكن انا منفعش….صدقني منفعش…”
سالها عاصم بنبرة مظلمة المعاني….
(واي اللي غير رأيك……..)
هربت من سؤاله بعبارتها
الحمقاء…..
“ينفع مجوبش….. لو سمحت… ”
اندفع الغضب داخله فجأه فهدر متشنجاً….
(ينفع مجوبش ؟!!!….أمال مين اللي هايجوبني….انتي مش واخده بالك انك قليتي مني ازاي قدام اهلك…)
قالت شهد برفق…..
“عاصم ممكن تهدى صوتك عالي…….”
صك على اسنانه بغضبٍ متعجباً من وضعه الحالي
بسببها……..
(أهدى؟!… انتي مش عارفه انتي عملتي اي فيا….انا اترفض بعد ما جيلك لحد عندك……انا ياشهد…)
اغتاظت جداً من هذا الرد المتعجرف….فقالت
بصوتٍ حاد ولم تعلو نبرة صوتها عن الطبيعي..
بل كانت في أوج الهدوء عكسه تماماً……
“واضح انا الموضوع كله ملوش علاقة بيا…..كل
الحكاية ان ازاي الطباخة ترفضك…..ترفض عاصم الصاوي بجلالة قدره……إزاي.. واي واحده تتمنى
نظرة واحده من عنيه…..هو ده اللي فارق معاك
مش كده…. ”
سالها بصوتٍ قاتم…….(انتي شايفه كده…….)
لم ترد فأوما عاصم براسه غاضباً من نفسه بعد
ان انساق خلف قلبه وأجرى اتصال بها…….ليجد
الان ان هذا اغبى شيءٍ قام به …..
(تمام واضح اني غلط فعلاً اني أتصلت بيكي….مستكفتش بالكلام اللي سمعته في
بيتكم… حبيت اتأكد اكتر في التلفون…
تمام………)
“عااااصم…….”
قالتها بعد فوات الاوان فقد أغلق الهاتف سريعاً
دون ان ينتظر رداً منها……..
…………………………………………………………….
هبطت داليدا على الدرج ثم دخلت شقة عمها قائلة
“خلاص يامرات عمي حطتي للبط اكـ………..”
اتسعت عينيها بهلع وشحب وجهها متحولاً للون الرمادي وهي ترى والدة سلطان (حنان..) منبطحه
أرضا مصيبة بالاغماء………
وقع قلبها في قدميها وهي تهرول نحوها جاثية على
ركبتيها تديرها اليها وهي تحاول ايقاظها برهبة…
“مرات عمي……. يامرات عمي مالك فوقي……”
لكن لا حياة لمن تنادي…… نزلت دموع داليدا وهي تترك راسها على مهل وتتجه الى هاتفها وسريعاً اجرت اتصال بسلطان الذي أجاب بعد لحظات بملل……
(عايزه اي ياداليدا مش فاضي………)
اتى صوت داليدا متهدجاً وهي تبكي
بهستيريا……
“سلطان الحقني ياسلطان……امك واقعه على الأرض
ومش بتنطق………اتصل بدكتور وتعالى…تعالى بسرعة الله يخليك………”
بعد لحظات كانت كالدهر بنسبة لهم جميعاً فقد اتى سلطان سريعاً وعجل بالاتصال بالطبيب وكذلك
والده ثم نقل والدته الى فراشها…..
وعندما اتى الطبيب وفعل الازم استعادة امه وعيها بتدريج…..ثم عندما انتهى من فحصها…..سأله
سلطان باهتمام……
“خير يادكتور طمينا……..”
انتصب الطبيب واقفاً وهو يلملم اشياؤه
في الحقيبة قائلاً بعملية…….
“خير ان شآء الله الحاجة مريضة سكر وشكلها
لغبطت في الأكل والعلاج فعشان كده حصلها الاغماء
ولولا انكم لحقتوها كان ممكن ندخل في غيبوبة سكر لا قدر الله…………”
لاحت ابتسامة مجهدة على ثغر حنان وهي تنظر
الى داليدا بمحبة……
“الحمدلله داليدا لحقتني…….”
“كتر خيرك ياداليدا يابنتي….” قالها عبدالقادر بامتنان حقيقي وهو يتخذ مقعداً جوار فراش زوجته
ثم مسك يدها مربت عليها وهو يقول بعتاب
المحب……
“جرالك اي يأم أميرة…..احنا مش قولنا ناخد العلاج في معاده ونبطل لغبطه في الأكل……قلبي هيقف
في مرة بسببك……”
“بعد الشر عليك ياعبدو…..ان شاء الله انا وانت لا….”
لمعة عينا داليدا بسعادة وتخضبة وجنتيها بالحمرة
وكانها ترى مشهد رومنسياً مقتصاً من فيلمها المفضل……
فتنحنح سلطان بحنق شديد من عاطفية والديه
المتبادلة والتي لا تتوارى أبداً بينهما بل دوماً
تُكشف على الملأ……..
فاستدار سلطان للطبيب مشيراً له بالخروج قائلاً
بالباقة….
“خليني اوصلك لبرا يادكتور….وبالمرة اجيب العلاج
اللي انت كتبته……..”
“تمام……حمدلله على سلامتها…….”قالها الطبيب وخرج من الغرفة ولحق به سلطان……
فأخذت داليدا انفاسها بصعوبة وهي تحل وشاح راسها قائلة بحمد…..
“الحمدلله انك بقيتي احسن دلوقتي يامرات عمي
انا كنت هموت من القلق عليكي….ومكنتش عارفه
اتصرف إزاي….اول حد جه في بالي كان
سلطان……”
اومات حنان بابتسامة متعبة……
“طبعاً ياحبيبتي مش جوزك لازم يكون أول واحد تلجأي ليه……..الحمدلله انك عرفتي تتصرفي…
الحمدلله………”
حاولت حنان ابعاد الغطاء عنها باعياء… فمنعها
عبد القادر عابساً…….. “راحه فين ياحنان……..”
قالت حنان بخفوت……
“الاكل…….الاكل ياعبد القادر……….زمانه اتحرق…”
ردت داليدا سريعاً…….
“انا طفيت عليه يامرات عمي………هروح أكمل تسويته خليكي انتي مرتاحه…….”
زمجر عبدالقادر معنفاً زوجته…….
“أكل اي وشرب إيه…هو مش لسه الدكتور خارج من عندك وقالك ارتاحي……..انتي غاوية تعب…..”
قطبة حنان حاجباها كالاطفال معارضة…
“بس الدكتور مقاليش ارتاحي………”
احتد صوت عبدالقادر بحزم……
“اكيد نسي…..ادينا انا اللي بقولك اهوه….ارتاحي شويه ياحنان…….”
انزعجت حنان قائلة…… “هو انت دكتور…….”
“ااه انا دكتور عندك مانع…….”ثم استدار الى ابنة أخيه قائلاً برفق……..
“روحي ياداليدا انتي كملي سوى الأكل……”
نظرة حنان الى داليدا بحرج معتذرة بقلبٍ
طيب لم ترى يوماً حماة تضاهيها نقاءاً في
معاملتها الحسنة لها وللجميع !……
“معلش ياداليدا هتعبك معايا يابنتي…بس لو في اي حاجة واقفه معاكي تعالي قوليلي بلاش تكسفي…..
انا عارفه انك مش غاويه طبيخ زي بناتي….. ”
فتابعت حنان ترفع عنها الحرج…..
“تعرفي أميرة لحد دلوقتي بتتعلم مني وبتيجي تسالني كمان ……..”
تدخل عبدالقادر بالحديث بخوفاً
عليها…..
“ارتاحي ياحنان……..او نامي شويه………”
هتفت داليدا تؤمن على كلام عمها بمحبة….
“ايوا يامرات عمي فعلاً ارتاحي شوية وبلاش
تشغلي بالك بحاجة انا موجودة……..”
وقفت داليدا في المطبخ تتابع تطهي الطعام حتى شعرت بمن يدلف الى المطبخ بهمجيةٍ معروفة
عنه….ومن سواه……هذا الضخم الهمجي زوجها……
رفعت داليدا سودوايتاها عليه لتجده يفتح المبرد
ويسحب زجاجة من الماء يشرب من فواهة مباشرة
مرة واحده…..وكانه يطفئ نيران مستعارة داخله….
ثم انزل الزجاجة ووضعها جانباً وهو يحني راسه مخرجاً نفساً مضطرب يعبر عن مدى الهلع الذي أصأب قلبه في تلك المدة القصيرة……
عند انحناء راسه شعرت بألماً ينحر قلبها لذا اقتربت
منه بتراقب تلامس ظهره الصلب…….
“مالك ياسلطان انت كويس………”
مسح عيناه وانفه سريعاً ثم استدار لها يواجه تلك العيون السوداء الشقية مجيباً بخفوت…..
“مفيش حاجة ياداليدا……بتعملي إيه……”
قالت داليدا بهدوء……
“بسوي الأكل اللي مرات عمي كانت مولعة عليه….”
ثم استردت حديثها بعينين لطيفتين كالحمل
الوديع وهي تمرر كفها على ذراعه بحنو…….
“متزعلش نفسك هي كويسه والله……وانا بعد كده
هاخد بالي منها اكتر وهديها العلاج في معاده….
متخفش ياسلطان……”
مسك سلطان كفها الذي يتحسس ذراعه بحنان
ثم اتكأ عليه برفق هامساً بامتنان وهو ينظر
إليها….
“مش عارف اقولك إيه….بس لولا انك لحقتيها كان ممكن……”
اهدته أجمل ابتسامة حانية لديها وقالت
بمحبة……
“انا موجودة متقلقش……..المهم متزعلش نفسك
ولا تخاف……..”
ذابت عيناه وسلبت قلبه بهذه الكلمات البسيطة….
فرفع كفها الرقيق الذي يحتجزه بين قبضته الى
شفتيه وطبع قبلة ناعمة كالمسات آلورد داخل
كفها………حتى ذابت مفاصلها………
“سلطان…….”همست باسمه بضعف والشوق هدم
اي مقاومة تنوي فعلها الآن……هل اشتاقت لتلك الملمسات بينهما ؟……
اشتاقت بشدة….كما اشتاق هو بجنون…..وكلاهما ينكر حقيقية الأشواق المتبادلة بينهما……..
همس سلطان بصوتٍ أجش وهو يسحبها من
كفها لاحضانه…….
“محتاجلك ياداليدا……..محتاج لحضنك أوي….”
اغمضت عينيها وهي تسحق بين ذراعيه القوية شاعره بدفئا يسري في اعماقها….بادلته العناق
بحياء معانقه خصره الصلب بيديها…وكم كانت صغيرة كالدمية النحيلة امام ضخامة جسده
والقوة المشعة منه……
ابعد سلطان شعرها للجانب الآخر على كتفها
ثم مالى عليها ودفن وجهه في عنقها يشم
رائحة آلورد من خلالها…..يسحب أكبر
قدر من هذا العطر الزَكي……ملامساً بشفتيه
عنقها المرمري ولم يمنع نفسه من طبع عدة
قبلات رقيقة عليه……..
ضاعت في احضانه الدافئة ومن للذة الشعور
تأوهت هامسة بخجل………..
“سلطان………..حد يشوفنا……….”
رفع وجهه عن عنقها ناظراً اليها بعينين مظلمة ومشاعر محمومة من عناقاً كفيل بأثارة مشاعره
نحوها اكثر من ذي قبل…….
هبطت نظراته على شفتيها الحمراء والتي تعضها
بخوفا من ان يراهم أحد…….
فمالى على شفتيها محاولا سحقها بين أسنانه لكنها ارتدت خطوتين للخلف تأخذ انفاسها بصعوبة وهي تضع يدها على صدرها بوجل وخجل…..
“سلطان…… مش هينفع…. حد يشوفنا…..”
برقة عيناه وهو يسحبها من خصرها بكفيه القويتين
حتى وقعت على صدره شاهقة برعبٍ هامسة بتهدج
“سلطان…….. سلطان……..”
هسهس سلطان بخفوتٍ مهيباً بالقرب من وجهها المشع بخجل…….
“انا صبرت عليكي كتير ياداليدا… وانتي برضو مصممة تبعدي عني….. جوزنا مش هيفضل كده
كتير….. لازم تبقي مراتي بجد… وادخل عليكي
رسمي…… سامعة…. ”
اغتاظت من أسلوبه الفظ الخالي من اي عاطفه…وكانه واجب ويجب ان يؤديه…….
“احترم نفسك مش هيحصل……”
جرت عيناه على ملامحها الجميلة المشرقة
ثم هتف بتوله بينما يداه تتحسس خصرها
اللين ….
“هيحصل عشان انتي عيزاني…. زي مانا عايزك….”
باغتها بقبلة حارة سطحية على شفتيها المكتنزة… فتأوهت بتعب وهي تحاول التخلص من وثاقه المشدد فوق خصرها……
“سلطان ابعد عني….. وبطل تتحرش بيا….”
لم يبدو عليه انه سمع شيءٍ فقد مالى عليها
يقبلها من جديد لكنها ابتعدت مزمجرة
بحدة….
“هصوت…. والله هصوت اياك تكررها تاني…..”
تلك المرة تركت عيناه شفتيها وعاد لعينيها
يلقي واقع ينتظرها معه قريباً……
“هكررها بس في شقتنا… واحنا لوحدنا…. مش
هنا……”
فك وثاقها وظلا يتبادلا النظرات للحظات كانت
بنسبة لهما كالدهر… حتى رحم قلبها ناوياً المغادرة الآن فعدل ياقة قميصة أمام نظراتها المضطربة ثم خرج من المطبخ متنحنحاً بخشونة ينظف حلقه حتى لا يظهر على صوته اي آثر حميمياً مر به معها…….
انهارت كل مقاومتها فور خروجه فانحنت ساندة
على الرخامة جانباً بيدين ترتجفين…. شاعره بان ساقيها رخاوتين بينما انفاسها مسلوبة وقلبها
يؤلمها في خفقانه…….تحاول بصعوبة السيطرة على مشاعرها المنهارة وجسدها المحموم….. مجرد عناق
بينهما كان كفيل بان يخرج مشاعر رغم اللذة مرهقة ؟!…
……………………………………………………………..
بعد لحظات سمعت داليدا صوت ضوضاء بالخارج
فأطفأت على الطعام الذي نضج….واتجهت الى الخارج ترفع الوشاح على راسها بشكلاً عشوائي
عندما وصلت لصالون الشقة وجدت والدة سلطان
تجلس على الاريكة ترحب بـالجارة (أمال…)
الملقبة بأم دنيا والتي تجلس جوارها…..بينما
على الجهة الاخرى على المقعد يجلس سلطان….
عقدت حاجباها بحنق شديد مغمغمة
بالغيرة…..
“اي اللي قاعده مع الحريم ده ؟!…….”
اتكأت على اسنانها بقوة وهي تتقدم منهم بمشيتها
المائعة والتي لا أمل في تغيرها……تلونت شفتيها
بإبتسامة مصطنعة……
“انا طفيت على الاكل ياماما…..اي ده…..خالتي
ام دنيا….. اهلاً اهلاً وانا اقول البيت نور كدا ليه….اتاري خالتي ام دنيا عندنا…….”
جفلت آمال قائلة بدهشةٍ……
“خالتك ؟!!….اخص عليكي ياداليدا….دا كل الفرق اللي بينا سنتين…….”
جلست داليدا على مقعداً جوار زوجها……لتقول
بقلة تهذيب….
“إزاي سنتين….انا عندي عشرين وانتي بسم الله ماشاءالله داخله في الأربعين….تبقي خالتي
ولا مش خالتي………”
مطت امال شفتيها حانقة.. “ابقا ستك……”
ثم شهدت سلطان على الحديث بمسكنة……..
“اي رأيك في الكلام ده ياسي سلطان…..بذمتك
يبان عليا سن……..”
انتابه شعور شيطاني في اغاظتها فرد على
آمال باسلوب لبق سافر يتناقض مع أسلوبه
الفظ الذي يمطرها به دوماً…….
“الشهادة لله لا…… من يومك وانتي زي القمر….”
“والله………” رفعت داليدا حاجباها توزع نظرة
الاتهام عليهما بالتساوي……
ضحكت آمال بذهول….
“اي ده معقول……. انتي بتغيري………”
بنفس الضحكة والاسلوب المماثل اجابة
داليدا…..
“تصوري طلعت بغير على جوزي…….”
استلمت حنان والدته دفة الحوار فقالت
برفق…..
“داليدا بتهزر يا امال مانتي عرفاها…”ثم وجهت
الحديث كذلك لداليدا……
” وبعدين آمال مش غريبة ياداليدا دا هي
وسلطان متربيين سوا…..زي الأخوات…. ”
اكدت آمال على حديثها بلؤم وهي تنظر الى
داليدا…….
“آه اخوات…. لحد دلوقتي بس اخوات……”
لم يغلبها أحد في قصف الجبهات يوماً
لذلك كان ردها عليها قاطعاً……..
“وهتفضلوا اخوات بس اطمني…..”
ضحكت آمال بغل مكتوم وهي توجه حديثها
لسلطان كنظراتها……
“دمها خفيف اوي ياسلطان….. ماشاءالله عليها..”
أكد سلطان بابتسامة مبتذلة……
“من يومها دمها……. سُكر…….اهدى ياسُكر مش كده…….”همس باخر جملة بالقرب من اذنيها…
فالقت داليدا عليه نظرة نارية وهي تلكمه بغضب
في كتفه بقبضة يدها الصغيرة…….فبرق سلطان
بعيناه يحذرها إلا تتمادى عليه امام الناس فستكون العواقب وخيمة عندما ينفرد بها…….
بينما على الجهة الاخرى وجهة آمال حديثها
وكذلك نظراتها نحو حنان التي كان ظاهراً
عليها التعب والجهد…….
“انا أول ماعرفت انك تعبانه وان الدكتور لسه ماشي من عندك مكدبتش خبر وجيت علطول… الف سلامه عليكي يام أميرة……..خدي بالك من نفسك ياحبيبتي
وبلاش تتعبي نفسك…. وانا باذن الله هجيلك كل يوم اطمن عليكي وشوفك لو محتاجة حاجة…..”
تدخلت داليدا ترد بفظاظة مكتومة…..
“بلاش تتعبي نفسك ياخالتي…..انا موجوده معاها..
وهعملها كل اللي هي عيزاه…. مش عايزين نتعبك..”
بلعت امال هذا القب السخيف ثم ادعت الاهتمام وهي تنظر نحو سلطان بلؤم…..
“معلش ياحبيبتي بس اصل ام اميره غالية عليا اوي
قولها ياسي سلطان……. انا بعزكم كلكم قد إيه….”
أكد سلطان على حديثها وهو ينظر الى
داليدا……
“ام دنيا….. طيبه وقلبها كبير يساع من الحبيب
ألف……..”
صكت داليدا على اسنانه مبتسمة
بعصبية…..
“ياسُكر….وانت عرفت منين بقا ان قلبها كبير…..”
تنحنح سلطان وهو يبتلع الضحكة المتسلية بصعوبة…ثم وجه الحديث لامال وهو ينظر الى أكياس الفاكهة التي دخلت بها……
“احم….. بس ليه تعبه نفسك وشيله ومحملة…
هو احنا غرب……..”
ابتسمت آمال وهي تشير الى الاكياس بتملق
اشمئزة منه داليدا…….
“دي شوية حاجات بسيطه…. كام نوع فاكهة….ووانا بشتري الفاكهة لقيت عند الفكهاني خوخ……افتكرت
انك بتحبه فقولت اجيبلك معايا……..”
تدخلت داليدا في الحوار مردده وهي ترمقه
شزراً…. “خوخ…….. دا من امتى………”
أكد لعيناها المشتعلة بتسلية تلمع في عيناه
الماكرة….
“من زمان بحبه والله….. تسلم ايدك يام دنيا… بس
انا لسه واكل منه امبارح…….”
قالت آمال باهتمام مبالغ فيه……
“تاكل تاني ياخويا بالف هنا……. خدي ونبي ياداليدا
اغسليلوا منه وحطيهم قدامه…….”
مطت داليدا شفتيها…..
“مش وقته….. دا معاد غدى……..”
قالت والدته بمودة…..
“لازم تتغدي معانا يا امال……”
امتنعت آمال وهي تتبرم بحزناً دفين……
“كان بودي والله يا ام أميرة بس البت بنتي سيباها عند جارتي من الصبح…….. هروح اخدها واروح اكمل
اليوم عند اختي…… مانتي عارفة من يوم ما اطلقت وانا وحيدة في شقتي…… مليش حد يطل عليا…..”
قالت داليدا ببرود وبشفاة مقلوبة……
“طب ما تتجوزي بدل الوحدة اللي قتلاكي دي..”
“لسه ملقتش الراجل اللي يملى عنيا…..”قالتها
آمال وهي تنظر الى سلطان تلمح بخبثٍ……..
“عيزاه كده طول بعرض هيبة…..عضلات ماشيه على الأرض….. ابقى وانا جمبه كده حسى بالامان وراحة
يبقا ميتخيرش عن سي سلطان كده………”
فارة الدماء في عروقها أكثر…تلك المراة تستفزها بكل معنى الكلمة….الوقحة تتغزل في زوجها امامها ببجاحة وكانه حق مشروع ؟!…..لولا ذرة العقل المتبقية داخلها لكانت نهضت وجذبتها من شعرها لخارج البيت…….ورغم كل تلك المشاعر الهائجة
قالت ببرود مدعية الحسرة…….
“سي سلطان…..خسارة…. انتي كده هدوري كتير
اوي على ما تلاقي زي سي سلطان……”ثم عادت
بنظراتها النارية إليه……..
“ولا إيه ياسي سلطان ؟!…….”
ابتسم سلطان وهو يشيح بوجهه عنها ناظراً
الى آمال…….
“كلها هتيجي بتسهيل ربنا…..بس نتكا على الصبر…”
“ادينا صابرين……… ام نشوف……..” قالتها امال بتنهيدة حارة وهي تنهض عن مكانها قائلة…..
“طب فوتكم بعافية بقااا……”
قالت حنان بصوت متعب….
“يابنتي قعدي اتغدي معانا……”
“مرة تانيه يأم أميرة…. الف سلامة عليكي ياحبيبتي…..”مالت عليها لتقبلها….ثم
استقامت بعدها تأكد على زيارتها
القادمة……..
” هبقا اعدي عليكي تاني…….. أطمن… ”
ثم حانت منها نظرة على سلطان وهي
تبتعد…….
“سلام ياسي سلطان……”
ثم تجاهلت تماما داليدا عن عمد….فهم سلطان ناهضاً
من مكانه وهو يقترح ان يصطحبها حتى باب الشقة ذوقياً منه………
لكن داليدا نهضت خلفه وهي تقول بإبتسامة باردة……
“خليكي انت ياحبيبي….انا هوصلها بنفسي…..”
ثم نظرة الى امال الحانقة بعد تصريحها….مما
جعل داليدا تبتسم بتشفي……
“اصلك غاليه عليا اوي ياخالتي ام دنيا…تعالي تعالي……..”
اصطحبتها للخارج حتى باب الشقة…..فضحكت حنان
على تلك الشقية الماكرة…….فرغم صغر سنها والفرق الشاسع بينها وبين ابنها الا انها متأكده ان داليدا ستسعد ابنها وتحافظ على بيتها…….
فكيف تغفل عن حب ابنها لداليدا منذ ان كانت
ترقص وتتمايل في خطبته السابقة……
يومها نهض من جوار خطيبته وسحب ذراع داليدا
جانباً وظل يعنفها بالكلمات حتى سكنت ورضخت لأمره وتنحت جانباً تشاهد استعرض الفتيات بصمت
والتي كان من ضمنهن( جنة) ابنة اخته والتي لم يعترض أبداً على رقصها وصخبها وسط اصدقائها
كما فعل مع داليدا……
أسبلت حنان اهدابها مبتسمة وفي خاطرها تدعي لهما بقلب أم بأن تكون حياتهما مليئة بالرضا
وتدوم عليهما بسعادة الحب فما أجمل منها
سعادة….
ظل سلطان واقف مكانه غير مدرك بعد انه تأثر
كلياً……بكلمة فاترة خرجت من بين شفتي
غاضبة…..
حبيبي ؟!……
ولواقع الكلمة اثر جميل يستشعره فقط الظمأن
الى الهوى مثله تماماً………
………………………………………………………………
مر أسبوع عليها ولم ترى طيفه في اي مكان حولها…
يمر كل يوماً في العاشرة صباحاً بجوار المطعم بسيارته الفارهة ولا تراه ولا حتى من خلال
النافذة السوداء……….
أصبح قلبها يحترق كلما مر يوماً دون رؤياه…….
لا تفكر باي شيءٍ سواه منذ اخر اتصال بينهما
والذي لم يكرره أبداً….. حتى كبريائها منعها من
اعادة الإتصال به……..
الأمر خارج عن السيطرة هي من اختارت هذا
الوضع عليها ان تتحمل وكانه لم يكن…….
لم يكن ؟!!…..
كيف تقنع هذا القلب الملتاع شوقاً بان عاصم
الصاوي لم يكن…… كيف لم يكن وعقلها
مشغول به وخفقات قلبها تنتمي اليه…….
“شهد…… شهد انتي مش سمعاني…..”
رفعت شهد عينيها على خلود التي كانت تقف
جوارها تنظر اليها بحيرة عاقدة الحاجبين……
“بتقولي حاجة ياخلود؟…….”
لوحت خلود بيدها بتعجب…….
“بقول حاجة ياخلود ؟!!…. دا انا بقالي ساعة بكلمك… مالك…….”
هزت شهد رأسها بملامح
باهته….
“مفيش….. مفيش حاجة……”
جلست خلود امامها مستفسرة…..
“ازاي مفيش حاجة… بقالك أسبوع مش مظبوطه..
هو عاصم مجاش اتقدملك زي ما قولتيلي…..”
نفت شهد هاربة من عيناها……
“لا لسه…… لسه شوية….. كنتي عايزه إيه…..”
مطت خلود شفتيها قائلة……
“محتاجين كذا حاجة كده من السوبر ماركت…هبعت
حد من البنات يجبها………”
اومات شهد وهي تنهض من
مكانها…….
“تمام استني هجبلك الفلوس………”
“الله….. دا انا باجي على سيرتها بقا…….”هتف مرعي
بهذه الجملة وهو يدخل من باب المطعم بهيئةٍ غير
محببة للنفس…….حيثُ كانت نظراته كريهة ووقحة
وقسمات وجهه تحمل طابع همجياً خطر….ام ذراعه المكشوفة كثرة الوشوم بها كالندوب المعبرة عن حروبة الغير شريفة مع الغير…….
جزت شهد على اسنانها وهي تقترب منه بملامح
غير مرحبة بالمرة………..
“نعم عايز إيه…….”
رفع مرعي حاجبٍ متوجساً……
“لي الوش الخشب دا بس ياست البنات…..”
تدخلت خلود تقف جوار شهد قائلة بضيق
مكتوم….
“اخلص يامرعي عايز اي دا مكان اكل عيش
ومش ناقصين واقف حال……”
ابتسم مرعي هازئا ثم غمز بلؤم…….
“مش ناقصين….انتي بتبعدي العين عنك ولا
اي ياخوخه…. دا بصلى على النبي المطعم
شغال وزباين داخله وزباين طالعه……ودنيا
ماشيه معاكوا حلاوة……..”
صاحت شهد ملوحة له بنفاذ صبر……
“وانت مالك وعايز إيه أصلا…..انت مش بتاخد اللي انت عايزة كل أسبوع…..عايز اي تاني…….”
حك مرعي يديه ببعضها مبتسماً بطمع
وهو يقول….
“والله انتي وذوقك بقا….اصلي بصراحة شرقان..
ومش معايا فلوس لا انا ولا رجلتي…….”
رفعت شهد راسها اليه بحنق شديد……
“طب وانا مالي…..روح دور على شغلانه تاكل من وراها عيش بدل مانت داير تبلطج على الكل….”
اتسعت عينا مرعي قليلاً وهو يلوي شفتيه
محذراً اياها بشرٍ……..
“وليه الغبطه دي بس….انا من راي تدفعي وانتي ساكته…. عشان متخسريش اكل عيشك……..”
قالت شهد بغضب…… “انت بتهددني……..”
أكد على حديثها يتوعد لها بشرٍ…
“حاجة زي كده……بلاش تتعوجي عليا ياست البنات
عشان انا قرصتي والقبر………ما تقوللها حاجة ياخلوووود……..”
خشت منه خلود لذا ربتت على كتف شهد
تهدأها….”خلاص ياشهد……..ا.. ”
نفضت شهد يد خلود بغضب وقاطعتها
بصرامة…….
“لا مش خلاص……..مش خلاص……..”
ثم رمقته بشزراً متابعة بتجهم…….
“انا مش هديك فلوس تاني ولي عندك اعمله…فلوس
تاني مفيش…..وبيني وبينك بقا الحكومة…هي تعرف
تاخدلي حقي منك………”
رفع مرعي حاجباه بأقصى درجة بابتسامة
مستهينةٍ بها ثم سار خطوتين في صالة
المطعم يخبرها بتهديد صريح…….
“الحكومه…..دا انتي قلبك جمد اوي………ماشي
وانا معاكي…..تحبي بقا اقلبلك المكان دا على اللي فيه دلوقتي….عشان تبقا قضية كاملة من كله……..”
اغضمت شهد عينيها بقوة ثم فتحتهما وفي لحظة أقل من الثانية دخلت المطبخ وخرجت بسكيناً بين
يدها وقبل ان يلمس مرعي مقعداً كانت تشهر
السكين في وجهه دون سابق انذار…..
صرخة خلود بخوف…….”شهد……..”
لم تلتفت لها شهد بل هزت السكين امام وجه
مرعي بتهديد صارخة فيه بصرامة…….
“اطلع برا…….ياما اقسم بالله افتح كرشك دلوقتي…
واخليها قضية بحق وحقيقي…….اطلع براااا….”
رغم خوف مرعي البادي على وجهه إلا
انه ادعى العكس واستخف بالسكين بين
يدها………
“نزلي السكينة ياشاطرة لحسان تعورك…..”
هزتها شهد مجدداً بملامح متجمدة وعينين مشتعلتين خطيرتين………
“بقولك أطلع براااااااا…………..أطلع برااااااااا…….”
ابتعد مرعي خطوتين للخلف بظهره وبملامح تنبئ
بالشر توعد لها………
“ماشي……….بس مترجعيش تقولي ياريتني…انتي
اللي بدأتي…..والبادي اظلم……….”
خرج من المطعم ينوي اقتناص حقه منها….فالأول
مرة تجرؤ أمرأه على رفع السلاح في وجهه تهدد
بموته…….ستدفع الثمن غالي…….غالي…….
هتفت خلود بهلع…….
“اللي عملتي ده هيهد الدنيا فوق دماغنا وبكرة
تقولي خلود قالت……….”
تمتمت شهد بوجهاً أحمر من شدة الانفعال
وبانفاساً متسرعة….
“يعمل اللي يعملوا….المهم موطيش راسي لواحد
جبان زي ده………..”
غمغمت خلود بوجل…
“ربنا يستر……..انا مش مطمنة……..”
……………………………………………………………..
دخلت من باب المكتب امام عيناه المتربصة لها….
بخطوات مستقيمة تخطو على البساط… بل على
قلبه الذي يهفو اليها الآن كالمراهق الظمأن……
كانت مختلفة اليوم ليس لأنها جميلة… فكل يوماً
هي أجمل من سابقة بل لأنها حزينة….. وجهها رغم
انه طبيعياً إلا انه باهت قليلاً والهلات تحت عينيها تلاحظ من النظرة الأولى……حتى فيروزيتاها عند النظر كسيرتين شاردتين…..
ماذا بعصفورة الكناري الجميلة لم كل هذا الآسى..
اين صوتك المرح والثرثرة التي لا تنتهي….اشبه بزقزقةٍ صباحية مزعجة لكنها مقبولة للطافة
مغردها…….
اين حركاتك العشوائية هنا وهناك وكانك تملكِ
الكون دون قيود كعصفورٍ يحلق فوق الغيوم
يذهب أينما شاء……..
اين ابتسمتكِ ياصاحبة العيون الفيروزية…اين لطفاتكِ واشراقك الصباحِ مع كل ضحكةٍ منكهة
بالحياة تهديها إلي فـبها اتابع عملاً مضنياً ونهاراً
خانقاً……وحياة روتينية باهتة…….
هل سترحلين بعد اسبوعين فقط….لن أسمح لكِ
كيف تفعلي هذا بي……تعلقيني بكِ ثم ترحلِ
بهذه البساطه كالصوص سارقة جزء من قلبي
معك ؟!……..
كيف أهون عليكِ يا فيروزة العينين……عصفورِ الكناري اللطيف…..
عندما وصلت كيان إليه بالقرب منه بخطوةٍ مالت عليه تضع الملف قائلة……
“القضية اللي حضرتك طلبتها…..ولي بصراحة في حاجة فيها مش فهماها وعايزة اخد رأي حضرتك
فيها……..”
نزع سليم عيناه عنها بالإكراه عائداً الى صفحات الملف الذي صدقاً بقربها منه نسى أبجدية القراءة
فعلاً !!……
اغمض عيناه لثانيةٍ ثم سحب اكبر قدر من عطرها المميز…….الناعم كالياسمين……يذكره بأمه !!….
فهي كانت عاشقة لكل شيء مندمج بالياسمين
وهو مثلها !……
مالت كيان عليه تشير باصبعها المكتنز قليلاً شديد البياض على سطور عجزة عن فك شفرتها لذا تستشيرها بها وهي في حيرةٍ شديدة…….
وهو أيضاً في حيرة أشد عندما لمس وجهه شعيرات
بندقية اللون ناعمة الملمس عفوية القاء….. تسير على وجهه براحةٍ فيشم هو هذا البندق مكتشف عطره الزكي………
“ها يا استاذ سليم تتحل إزاي دي…….”
في ميلها الرقيق المفتقر لأي اغواء من اي نوعاً
مالت بوجهها نحوه فوجدته ينظر إليها بغرابة
اقرب للجمود وكانه عاد للتو من رحلة سافرة
أخذت منه الكثير…..وعاد فارغ الأيدي…….
“مش عارف…….”
نطقها وهو يبحر بين امواج عينيها الحزينة
الكسيرة……..
“امال مين اللي يعرف………دا انا قولت عندك الحل……”
ليس لدي الحل صدقيني فانا حتى هذه اللحظة
متخبط المشاعر مابين أمرأه أحبها بشدة وامرأة
اخرى منجذب لها بقوة تفوق الوصف !!…….
فأين الحل بين الحب والانجذاب……كيف اوفق
بين مشاعر تنتمي لأمرأتين ؟!……
“مالك يا استاذ سليم انت تعبان…. شكلك مش معايا…….”
افاق من شرده ناظراً الى عيناها ثم القى السؤال
في مرماها…….
“انتي إللي شكلك متغير عن إمبارح في حاجة حصلت معاكي…….”
ابتعدت عنه جالسة في المقعد المقابل له يفصلهما
المكتب الفخم……….
“عادي مشاكل في البيت….. متعودة على كده….”
تشنج فكه وهو يسالها…… “والدك……….”
تلونت شفتيها في ابتسامة
مضنية….
“اها…. والدي…. عثمان الدسوقي……….”
سالها بهدوء وكانهما يتبادلا اسرار حياتهما الشخصية منذ زمن………. “اي اللي حصل……..”
انعقد حاجبي كيان متمتمة…..
“ليه عايز تصدع نفسك بمشاكلي التافهة…..”
قال بنبرة حارة فضولية……
“اعتبريني صديق…… واحكيلي…. يمكن تلاقي
عندي الحل……..”
ابتسمت كيان ساخرة…….
“كنت حليت القضية اللي كلت دماغي دي…..”
تغضنت زاوية عيناه ليقول….
“بعدين ياكيان…… خلينا في المهم……”
ادعت الغباء…… “اللي هو…….”
“كيااان……” ناداها بحزمٍ حتى تريح قلبه المشغول
عليها……..فلم تتجاوب مع نظراته بل قالت……
“صحيح فاضل اسبوعين على وجودي هنا.. لقيت
حد يشيل الشغل مكاني…….”لم يرد سليم بل ظل ينظر اليها بملامح متصلبة….
“حاول تلحق…… الوقت بيجري…… وانا متفقه مع الاستاذ خليل اني هستلم الشغل في مكتبه أول الشهر الجاي……..”
سالها بلهجة غريبة… “يعني مصممه انك تمشي…….”
اكدت بإبتسامة جذل…..
“ايوا…… انا مش برجع في كلامي أبداً……”
أومأ براسه دون تعقيب وهو يفتح ملف القضية
ويفحصها بعيناه اما عقله وقلبه معها رغماً
عنه…….
“هو المستشار عامل إيه……..”
اتى سؤالها المتردد يطرب مسامعه فرفع عيناه عليها
مستفهماً بحاجبين معقودين……
فتابعت كيان ببسمة حياء……
“انا حبيتو اوي من أول يوم شوفته فيه…… هو كويس……..”
رد سليم بهدوء يرفع عنها الحرج…….
“الحمدلله بخير…….”
قالت كيان بابتسامة باهتة المعاني…..
“انت محظوظ اوي بيه يااستاذ سليم…..حقيقي
المستشار مصطفى اب بمعنى الكلمه…….”
أكد هو بإبتسامة مشعة بالحب والفخر لهذا الاب الرائع……..
“عارف…… على فكرة هو كمان بيسأل عنك أحيانا
وبيوصيني عليكي……..”
فغرت شفتيها بسعادة…… “بجد…….”
اكد مردداً…. “بجد……”
عضت على باطن شفتيها قليلاً ثم قالت….
“هو هيبقا طلب سخيف مني لو قولتلك اني عايزه ازور المستشار من تاني……..”
بابتسمة حانية كوالده تماماً عندما أستقبلها
أول مرة أجاب……..
“بيتنا مفتوح في اي وقت تعالي……هو كمان هيفرح
اوي بزيارتك ليه……..”
“شكراً……..”تألقت ابتسامتها بامتنان موجع للقلب
بينما فيروزيتاها تحتبس الدموع بأعجوبة….
فلم يغفل سليم عن تلك التغيرات كما لم يغفل عن حزنها ومزال هناك رغبة شديدة ملحة في معرفة
السبب…..لذا سألها مجدداً بلهجة رغم الهدوء
راجية………
“برضو مش هتقوليلي مالك…….”
“مشاكل في البيت…….” لم تمنع نفسها من
الاعتراف….لذا سالها هو بصبرٍ…….
“بسبب؟…….”
بعفوية مريرة افصحت عن الأمر……
“بابا عايز يغصب اختي على الجواز… فلما اعترضت
البيت ولع وكلنا مسكنا في بعض…….”
ارتفع حاجبي سليم بدهشة متشدقاً…..
“معقولة…….. يعني طالما أختك مش موافقة على العريس لي والدك يغصب عليها……”
قالت دون مواربة……..
“هو عايز يجوزنا على مزاجه للي يشاور عليه… من
غير ما نعترض…….”
عبس وجهه مستهجناً……
“وهو في حد لسه بيتجوز بالطريقة دي…..”
اجابت كيان بصوتٍ لا معالم له……
“أكيد مفيش……. بس كل بيت وليه قوانين… بتمشي على الكبير قبل الصغير……”
ضاقت عينا سليم ولم يمنع نفسه من السؤال…
“معنى كلامك انك ممكن تتجوزي غصب عنك
في يوم من الأيام……….”
“احتمال كبير……..”اكدت دون النظر اليه
ومن الأفضل انها لم ترى وجهه وهو يشحب
حتى قارب على الون الرمادي من مجرد تخيل
زواجها من أخر قسرا او حتى برضاها الأمر
يزعجه…. يؤلمه……. يشعله……
تابعت كيان بحاجب معقود بالألم وعينين
منكسرة وهي تنظر الى سطح المكتب باهتمام
شديد…….
“احتمال كبير انتحر….. قبل ما اسلم نفسي لراجل
مش مقتنعة بيه……..”
شعر بمخالب حادة مدببة نشبت في صدره
فجاءة وهو يقول……..
“افتكرتك هتقولي مش بحبه…….”
نظرت له كيان بمشاعر متبلده…..
“الحب اخر حاجة ممكن أفكر فيها…..”
“ليه……..” سالها باهتمام…….
فاجابت هي بمعادلة بسيطة……
“لانه مؤذي….. الحب بيأذي الشخص الضعيف…”
لم يعقب سليم فتابعت كيان بنفس المشاعر
المتبلدة………
“في كل قصص الحب هتلاقي شخص ضعيف قصاده شخص قوي…… الضعيف هو اللي بيتحمل بيكمل وبيصبر والقوي هو اللي بيقسى وبيعاند وبيقهر….
الحب مش بينصف…..الحب بيأذينا وبيكسرنا….. ”
قال سليم بخفوت دون ان تحيد عيناه
عنها……..
“لو كان الحب بالواحشا دي….مكنش ربنا زرعه في قلوبنا……..”
بايماءة بسيطه اكدت على كلامه بواقعية
شديدة……..
“صح بس البشر غيرو مفهوم الحب والحياة فبقت
كل حاجة يأما مؤذية بالمعنى الحرفي للاذى سواء
جسدياً او نفسياً……. ياما fake….”
ردد الكلمة مبتسماً بدهشة…”fake؟!!…””
بهزة بسيطه من راسها اضافت موضحة…
“تعاملتنا مع بعض… حبنا…. كلمنا…. نظراتنا…حتى تصرفتنا كل حاجة بقت fake يااستاذ سليم…
مش حقيقي……”
أطرق سليم بقلمه وهو يبتسم بتسلية مستمتع
بالحوار معها جداً……..
“مفهومك عن الحياة خطر على البشرية……”
نفت كيان قائلة بجدية……
“انا واقعية……..رغم اني بحب الهزار والضحك وواخده الحياة تخبيط الا اني واقعية وصريحة
جداً في تصريحاتي مع نفسي ومع غيري…
وهذا ما يسمى بالواقعية…….اللي للأسف
مفقوده عندك وعند ناس كتير…..”
قال سليم بفتور…….
“انا كمان واقعي بس مش لدرجة التشأم…….”
قالت بتحذلق مختصرة……
“التشأم بحد ذاته واقع ملموس يحدث بعد
ان نستشعر حدوثه…….”
اعجب بالجملة فقاده الفضول سائلاً…..
“عظيم… واي هي اكتر حاجة كنتي متشائمه منها وحصلت……..”
اندمجت اكثر بالحديث وهي تقول
بحزن….
“حاجات كتير………حسيت بيها وكنت متشائمه منها
وحصلت…..قبل ما ماما تموت بشهر كنت حسى انها خلاص هتبعد وتسبني……..فترة الثانوية والنتيجة
كان نفسي التنسيق يبقى في اي كلية غير حقوق
دخلت حقوق……”شردت اكثر وهي تتابع بندم
حقيقي……
“حتى نائل كان نفسي نفضل صحاب بس والموضوع
ميقلبش لحاجة اكبر من كده بينا لكن….قلب وحبني
هتف سليم بلهجةٍ خطرة…….
“حبك……..”
رفعت كيان وجهها مشدوهة من غباء
تصريحها…فسالها سليم بنظرات اشد
خطورة من اللهجة التي يتحدث بها..
“وانتي بتحبيه………”
نهضت عن مقعدها تقول بنبرة متعثرة
الاحرف….
“استاذ سليم احنا نسينا الشغل ونسينا نفسنا…انا هروح على مكتبي………عن اذنك… ”
فرت هاربة امام عيناه المشتعلة مريعة
النظرات كالتصريح الذي ليس له داعي
من قوله الآن…….غمغمت وهي تصل لمكتبها
لتلقي نفسها على المقعد بعنف مغمغمة من بين اسنانها المطبقة عليهم بانفعالاً…..
“اي اللي انا هببتو ده……..ليه وانا معاه بقول اي حاجة تخطر على بالي……..ليه مش حريصة في
معاملتي وكلامي معاه ليه….. ليه ؟!…….”
…………………………………………………………….
بعد بضعة ساعات دخلت الى المكتب من جديد تحمل صنية عليها قدح من القهوة….. تقدمت بخطوات شبه متعثرة وهي تحاول إلا تنظر
إليه…. وضعت قدح القهوة أمامه ثم الماء
ثم رفعت عينيها لثانية اليه تقول
بتهذيب….
“تحب اجبلك حاجة تاني يا استاذ…..”
لم تكن عيناه عليها منذ دخولها أساسا وهذا ما صدمها قليلاً ظنت انه مزال غاضباً…….لكن يبدو
انه نسى ماحدث وتجاهلها وهذا واضح وهو
يملي عليها تعلمياته……
“أجلي اي مواعيد بكره…..انا هقابل كام وكيل
وهمشي بدري……….”
سالته كيان في وقفتها المستقيمة….
“تمام اللي تشوفه……..بس خير يعني….أمورك
تمام….. “لم تمنع نفسها من الاطمئنان عليه
لذا رد هو بالامبالاة دون النظر إليها…..
“بكرة انا وايتن هنعمل بروڤل على البدلة
والفستان بتوع فرحنا………”
سقط قلبها مهشماً فألمها…..فقالت بغصة
مختنقة…….
” خلاص حددتوا الفرح……..”
اكد دون النظر لعينيها…. “آه آخر الشهر ده……..”
بلعت الغصة المسننة…..
“طبعتوا الكروت…….كروت الفرح……..”
رد وهو يترك القلم……… “قريب……..”
اغتصبت البسمة وهي تهنئة……
“مبروك يا أستاذ….أوعى تنسى تعزمني…….”
رفع عيناه عليها وها هو يواجه الوجع بوجعٍ
أكبر……….فرد بصوتٍ غريب……
“اول واحدة ياكيان…..انتي أول واحده……”
اهتزت الابتسامة على ثغرها بل ترددت
في صدرها بسخرية مريرة وهي تقول……
“دا العشم برضو…….تحب أعملك حاجة تانية
قبل ما أروح اكمل شغلي……..”
هز رأسه بنفي……فاولاته ظهرها سريعاً تجر ساقيها جراً عن الأرض….حتى ناداها هو سريعاً بصوتٍ متردد…….
“كيان……”
استدارت كيان اليه ووقفت أمامه بصمت منتظرة….
فبلع سليم ريقه بحرج وهو يرمقها بتمعن من أول
جواربها السوداء الشفافة الى التنورة السوداء التي
تصل لبعد الركبة بقليل والتي يعلوها سترة مماثلة أنيقة اسفلها قميص حريري أبيض….ثم جرت عيناه على ملامحها المشعة بالجمال دون ألواناً تحجب الرؤية……..حتى شعرها البندقي اللون جُمع على شكل ذيل حصان خلف ظهرها يتأرجح بدلالٍ………
كانت جميلة….. حقاً جميلة……انها أحد حوريات
البحر……سكنت الأرض ليحظا بها…..شخصٍ
رائع مثلها تماماً……..
ربما نائل….الذي اعترفت قبل ساعات انه مغرم
بها…….وهي لا تبالي ؟!!……
لن يلومه فمن الأحمق الذي تقع عيناه على تلك العيون الفيروزية البراقة ولا يكن أسير
الهوى…..
جميعاً يا نائل…..جميعاً أسرَى للهوى….وعذاب
الهوى………..
جلى صوته أخيراً وهو يقول……
“هي حاجة ممكن تكون قلة ذوق مني…بس انا مش قادر امنع نفسي عنها……”
رجعت خطوتين جافلة…….. “اي دي…….”
تحشرج صوته قليلاً وهو يتابع….فهو على دراية
انه يتمادى معها أكثر من الازم….
“هدومك…..خدي بالك من طريقة لبسك اكتر من كده……يعني شغلك في المكتب والمحكمة بيخليكي تقبلي ناس اكتر وتتعاملي معاهم…..وطبعاً الحشمه
مطلوبة طول الوقت……..”
نظرت كيان للزي بتعجب ثم لعينا
سليم قائلة……
“بس انا مش بلبس قصير ولا ضيق…….”
قال سليم بنظرة ضارية…….
“لا ضيق يا كيان….ضيق…….خدي بالك اكتر من كده……دي نصيحة من حد أكبر منك وفاهم عنك….”
انفعل قليلاً دون ان يطلع عن السبب الحقيقي
خلف هذا الانفعال كل ما يشعر به….نيران
تتوهج داخله تتغذى عليه بالبطيء….كلما
تصور ان هناك أشخاص غيره ستنظر
الى جسدها بشهوانية بسبب هذا
الزي الضيق…..
بصوتٍ كالجليد المسنن قالت كيان……..
“جربت تنصح الانسة أيتن نفس النصيحة دي وهي
مشيرا صورتها بالبكيني………”
رمش سليم بعيناه فجأه جافلاً فقد اصابت
الهدف ببساطه ونالت منه نيلاً عظيماً….ومع
ذلك كانت اشد ضراوة وهي تتابع……….
“طب دخلت على الكومنتس شوفت كام راجل
اتغزل في جمالها……….”
صاح منفعلاً عليها بقوة……. “كياااااااان…….”
لم تهتز من مكانها حتى بل اضافت بلهجة
شديدة التحذير………..
“ألزم حدودك يا أستاذ سليم….. مش انت اللي هتحدد البس إيه واقلع إيه….. كل اللي فضلي
هنا اسبوعين وهقدم استقالتي قبلتها او
لا…….. مش فرقه كتير…….”
“عن إذنك…..عندي شغل…….”وقبل ان تتحرك
من مكانها اضافت بهدوء عكس اشتعال عينيها
بالغضب…
“وطبعاً لو عوزت اي حاجة داخل أطار الشغل انا موجودة……..عن إذنك………”
خرجت من المكتب وتركت خلفها رجلاً يشتعل
بنيران مستعارة كبرياؤه محطم اسفل قدميه..
وقد نال درسٍ قاسي من فتاة حجمها أقل منه
بمرتين وتصغره بسنواتٍ عدة…وتتدرب على يداه……يالا السخرية فقط ببضعة كلمات واقعية قلبت كيانه وشتت أفكاره……
(جربت تنصح الانسة أيتن نفس النصيحة دي وهي
مشيرا صورتها بالبكيني………طب دخلت على الكومنتس شوفت كام راجل اتغزل في جمالها…….)
هل هو أعمى…..ام ان الحب الأعمى بداخله جعل
منه شبه رجل يتغاضى عن اشياءاً لا تغتفر ، لأجل الإستمرارية في زيجة نسبة نجاحها ضئيلة
كصلاحية حبها تماما ؟!….
…………………………………………………………..
أصبحت تدرك جيداً انها تكن له مشاعر تبغضها
كما تبغض تسلطه….والانانية التي يحيا بها…
كيف لرجلا محترم متعلم نشأ في بيئة نظيفة وتربى
بين واللدان سوياً فكراً ومضموناً وقلباً……..ان يكون
بكل هذه الانانية………يريد امرأتين في حياته…
حقيقية ملموسة منذ فترةٍ طويلة تحاول ان تتوارى عن عيناها لكنها مكشوفة….لذلك اتخذت قرارها
بالفرار….العمل في مكاناً اخر افضل من السقوط
في الهاوية دون رجعة…….
“اي يابنتي روحتي فين…….”
فاقت من شرودها على صوت صديقتها يارا.. والتي ترافقها للدخول الى النادي التي تاتي اليه بصحبة اصدقائها…. فهي للأسف لا تمتلك عضوية في
نادي فخم لا يتردد عليه الا صفوة المجتمع واولادهم…….
فـيارا فتاة مستواها أفضل بكثير منها هي وبعض الاصدقاء المقربين منهم والذين يحملون عضوية
هذا النادي وتاتي برفقتهم……..
“ولا حاجة يايارا…… مخنوقة…….”
تأبطت يارا ذراع كيان ومالت عليها
بمشاكسة….
“ماعشان مخنوقه جينا هنا… مالك ياكوكي…. حالك
مش عجبني…. اوعي تكوني بتحبي جديد…..”
مطت كيان شفتيها بمرارة……
“ولا قديم…. انتي عارفه رأيي في المواضيع دي…”
همهمت يارا تزم شفتيها باستسلام……
“مم…. ماشي اي رأيك نروح نشرب حاجة في الكافيه………”
تنهدت كيان بتعب……
” ياريت…….لحسان انا عطشانه أ…….”توقفت الكلمة في حلقها عندما خبطت بحاجز صلب…فرفعت عيناها
عليه بحنق شديد…….
“مش تحاسب انت إيه أعمى…..”
رفع الشاب نظارته السوداء اعلى رأسه معتذراً
برقة…….
“سوري جداً مخدتش بالي………”
رمشت كيان عدت مرات بعد ان نشط ذهنة سريعاً
وتذكرت ان هذا الاصطدام الثاني بينهما………
“هو انت…….”
ابتسم شادي بزهوٍ….. “معقول لسه فكراني…….”
لم ترد كيان بل تغضنت زوية عيناها بقرف…..
فمد هو يده لها معرفاً عن نفسه…..
“هاي انا شادي…. ابن خالة ايتن خطيبة استاذك…”
لم تضع يدها في يده الممدودة بل تظاهرت بالاشارة عليها وعلى صديقتها كتعريفاً……
“اهلاً وسهلاً تشرفنا…. انا كيان ودي صاحبتي يارا..”
“آه أهلاً يارا…..” قالها شادي وهو يوجه كفه المفرود
لصديقتها والتي بادلته السلام بابتسامة فاترة….
وعندئذٍ قالت كيان معتذرة وهي تخطو خطوةٍ للرحيل….. “تشرفنا يا استاذ شادي… عن أذنك…….”
اوقفها شادي وهو يختلق الأحاديث….
“استني ياكيان….. انتي عضوة معانا هنا في النادي.. أصلي أول مرة أشوفك……”
قالت كيان بنفي…….
“لا مش عضوة…… انا ساعات باجي مع صحابي
ومن ضمنهم يارا…… لي في حاجة……”
ارتبك شادي قليلاً امام نظراتها الحازمة لذا
قال بهدوء……
“يعني حابب اعزمك علي الغدى في مطعم هنا
في النادي يجنن……اهوه نتغدى ونتكلم شوية
سوا….. ”
احتدت نظرات كيان كحديثها…..
“نتكلم في إيه…. وبمناسبة إيه تعزمني على
الغدى…..”
تلبك شادي لوهلة من رفضها الغير متوقع…
فالأ احد يرفض عزيمةٍ منه…بل ان عرض
هذه العزيمة على اي فتاةٍ من محيطة
لكانت قفزت من شدة الفرح…….
ادعى اهمية الموضوع…..
“في حاجة مهمة جداً عايز احكيلك عنها……”
عقدت كيان ساعديها امام صدرها قائلة
بصرامة…..
“اتفضل احكي………انا سمعاك……”
نظر شادي لها قليلاً ثم لصديقتها التي توزع
النظرات عليهما كذلك لكن بحرج وتعجب….
فرفض شادي بصلف…..
“مش هينفع هنا ولا حتى دلوقتي لاني عندي
ميتنج مهم …….اكيد هقابلك تاني طالما بتيجي
هنا مع صحابك…..باي…….”
مطت كيان شفتيها بقرف بعد ان رحل
ثم تمتمت……
“وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته…..”
ضحكت يارا فجأه بقوة على نظرة صديقتها
وردة فعلها…… “انتي بتقولي إيه……”
قالت كيان بزفرة استياء…….
“النبي عربي…..مش ناقصة عوجت لسان……..”
ربتت يارا على كتفها قائلة…..
“طب خدي بالك بقا من نفسك… شكله عايز يوقعك……بيشقطك بالبلدي كده…. ”
اكدت كيان مستهجنة….
“واخده بالي حتى الشقط بتاعه قديم أوي… قفلني……..”
عادت يارا تضحك من جديد قائلة….
“والله انتي نكته……..مش قادرة… ”
تنهدت كيان بملل……
“بقولك إيه انا هموت من العطش…….”
رفعت يارا حاجباها قائلة…..
“انتي عندك املاح يابنتي…. كل ماتمشي شوية
تقولي عايزه اشرب……..”
سارت كيان برفقتها وهي تقول بأسى…..
“متفكرنيش يا يارا….. اخر مرة عطشت كده نيلت الدنيا……..”
سالتها يارا بمزاح…… “ليه شربتي خمرة……”
اتسعت عينا كيان بصدمة…. “عرفتي منين ؟!!…..”
“يالهووووي……” صاحت بها يارا بصدمة أكبر
فكمكمت كيان فمها سريعاً بيدها هامسة
بتوجش……
“هشش هتفضحيني……….. تعالي احكيلك واحنا بنشرب مايه….. ماية ها عشان انا عارفه دماغك
هتروح فين دلوقتي……..”
……………………………………………………………..
كيف تكون الحياة عند خصام الأحبة؟……..مضنية هي
بلا مذاق ايامها باردة والليالي حالكه……قلبٍ يحترق
شوقاً وكبرياءاً……مُنهزم هو في الفراق ويدعي الانتصار متأقلمٍ على الوضع…….
ومع مرور الأيام يزداد الحزن ويلتاع الفؤاد صارخاً
بأن الكتمان كسجن المشدد رغم الجوانب المظلمة
به تظل لديك رغبة قوية في العودة خارج الاسوار
من جديد……..
أسبلت اهدابها وهي تفتح أبواب المطعم صباح يوماً
جديد…….لأول مرة تدخل بمفردها……..فقد اتت مبكراً
وستلحق بها خلود والباقية……..
رفعت عسليتاها لتجد الاضاءة مشتعلة رغم انها تاكدت من اغلاقها أمس…….ولم تلبث كثيراً إلا
ووجدت عاصم جالساً على احد المقاعد بعينين
منتظرتين منذ مدة…..عينين شديدتين السواد
حانقتين غير متهاونتين في النظر لها……ووجهٍ
جامد متصلبٍ………
بلعت شهد ريقها وقد ذابت الصدمة من عليها
ولفظت اسمه بنبرة مشدوهة…….
“عاصم……..”
اهتزت حدقتاه قليلاً….باتت ترى تأثيرها عليه من خلال نظرة عيناه إليها……..فدوماً نظرات عيناه
نحوها استثنائية كـنبرة صوته تماماً معها……
(اشتاقت ياعاصم ولا أملك حق البوح….فلا تقسو
رجاءاً……لا تقسو أرجوك… فانا لن اتحملها منك…..)
رأى نظرة الترجي من عيناها فأخفض بصره يبحث
عن صوته بينا ظلام أفكاره……. وغضبه الذي لم
يقل بل يزداد بداخله مسبب فجوة في مشاعره نحوها….
نهض عاصم من مكانه يشرف عليها بطولة الفارع والهيبة المشعة من جسده الضخم الصلب…. كان يرتدي حلة انيقة فخمة تليق به بشدة ويزداد
وسامة بها….. ذقنة الكث غير مهندمة على
غير العادة….عيناه حمراوان قليلاً وكأنه لا
ينام لساعاتٍ كافية بادي عليه الارهاق
والتعب…..
اخرجت نفساً مضطرب…..وقلبها يخفق بوجع
لأجله……..
حالها لم يكن أفضل منه هي أيضا لا تنام جيداً
ومجهده وحزينة تشعر بالضيق بالحزن بالغضب
من أقل شيءٍ يقابلها في يومها وهذا فقط بسبب
انه اختفى عن محيطها لعشرة أيام كانوا بمثابة سنوات مضنية عليها….
بلعت غصة مختنقة وهي تسأله…..
“عامل إيه……”
اغبى عبارة ممكن ان تقال بعد ايامٍ من الخصام…
لذا ابتسم من زاوية واحدة بعصبية مكتومة ورد
بنبرة مظلمة….
“الحمدلله…..كويس أوي……”
اخر كلمتين كانوا بهم سخرية مريرة لذا نقلت الموضوع ببساطه لـ……
“مكنتش اعرف انك معاك نسخة من مفتاح المطعم…..”
رد عاصم بنبرة باردة…..
“طبيعي لاني هحتاجه كتير الفترة الجاية……”
توترت حدقتي شهد…..
“ليه يعني…….مش فاهمة…….”
دارت عيناه على المكان في لمحة خاطفة بينما لسانه يخبرها ببساطه…….
“انا هبيع المطعم….. اخر الشهر ده…..”
يبدو ان الصدمة كانت بمثابة لكمة جعلتها ترتد للخلف بعينين متسعتين قليلاً وبنبرة غير مستوعبة بعد……
“يعني اي تبيعوا….. مش فاهمة….هتبيعوا لمين…”
بصوتٍ قاسي دون النظر لعينيها…..
“لواحد محتاجة…… حاولي تلمي حاجتك دي وتشوفي مكان تاني تفتحي فيه…….”
تكاد تشعر بان اطرافها جمدت مع كلماته القاسية الجامدة مما جعلها تهمس بأسمه بعدم تصديق….
“عاصم انت بتقول إيه…….. امشي أروح فين
دا شغلي واحنا بينا عقد…….”
بنظرة مدققة اخبرها بفظاظة…..
“فسخته….. واي شروط في العقد انا هدفعالك.. خلاص……..”
اشتعلت عينيها من رده فقالت محتدة…
“مش مصدقة بجد…… ليه بتربط الأمور الشخصية بالشغل…. انت كده بتوقف حالي… وحال الناس اللي شغاله معايا….. قولي ألاقي فين مكان في الوقت القصير ده…….”
رد بغلاظة….
“مش مشكلتي يا آنسه اتصرفي……..”
فغرت شفتيها قائلة بذهول….
“اي القسوة دي…… معقول اللي بتقوله ده……”
ابتسم عاصم بسخرية……
“ليه مش معقول…. عادي جداً لما الواحد يرجع في كلامه من غير سبب….. دا انتي استاذه في ده…”
قالت شهد بحدة…..
“انت بتردهالي……. بتردهالي في شغلي فأكل عيشي………”
اظلمت عيناه وشعر بكبريائه يزأر…..فقال
بجمود……
“مش محتاج اردها….. ولا بقا الموضوع في
دماغي….. المطعم هيتباع…فبلاش توقفي حالي
بكلام لا بيودي ولا بيجيب….”
هوى قلبها ساقطاً اشلاء وهي تراه مصمم على
خروجها من المطعم بأسرع وقت….فلفظت شهد
بغصة مسننة في حلقها…….
“عاصم شهر قليل اوي…….. أصبر عليا شهرين
اكون شوفت مكان…….”
لم تلين ملامحه امام انكسار امالها وترجي
عينيها الحزينة بل اولاها ظهره قائلاً
بقسوةٍ….
“اخرك الشهر ده يا آنسة…..تفضي المكان
وتمشي…. ”
ذهلت من جمود قلبه والمعاملة التي انقلبت مائة
وثمانون درجة……هل هذا الشخص الفظ القاسي
كان مرجح في المستقبل ان يكون زوجها !!…
أشباه عثمان الدسوقي….لماذا ظنت انه مختلف
وأمن في الحب…….جميعهم مؤذون بأسم الحب
يلوثوا كل شيءٍ جميل بالفطرة……..وفي نهاية
يلقوا اللوم على النساء ؟!……
“استنا……”مسكت ذراعه بقبضتها الصغيرة
المرتجفة بالغضب ثم إدارته اليها بمنتهى العصبية…فنظر لها عاصم بدهشة بعد ان باغتت
بتلك الحركة….. فتابعت هي بصوتٍ جهوري غاضب لأبعد حد بينما وجنتيها وانفها عند الغضب تحولا
للأحمر القان…..
“انا كنت فكراك غيرُه…… بس طلعتوا كلكم عجينة واحده……. لا عندكم رحمة ولا ضمير……ولي يقف
قصادك رغباتكم تدوسوا عليه بأوسخ جزمه
عندكم……”
جفل عاصم بشدة ومزال ينظر لها بصمتٍ
غريب……فتابعت هي بثقة تنتقم منه…..
“انا هسيب المطعم….. وهسيب الشارع كله
وهريحك مني……وزي ما طردتني من مالك
حاول تطردني من قلبك وعقلك لو عرفت….”
سحبها لعنده فاطلقت شاهقة عالية واتسعت عيناها بغضب محاولة الفكاك منه……فهتف عاصم امام عينيها بشراسة……..
“مين قالك انك في قلبي وعقلي……جايبه الثقة
دي كلها منين……..”
اغمضت عينيها بخوف….شاعره بأنه سينطق الان شيء مهين في لحظة غضب عن اعاقتها لذا
قالت لنفسها بهمساً وصل لمسامعه ببساطه……..
“اوعي تهني…..حتى لو اللي قولتلوا مش حقيقي
اوعى تهني……….”
همسها الكسير وخز قلبه بشدة فتألم بصمت….عندما انتبه الى ما تعنيه…..شيءٍ لم يمر حتى امام عيناه
الغاضبه….
غبية……والاعاقة الحقيقية ليست في اذنها بل في عقلها…..وقلبها الفولاذي……….
“مش انا اللي أعمل كده……” لفظها بضيق وهو يتركها بحنق شديد…….
ففتحت عينيها واخذت انفاسها بصعوبة وهي
تقول بسخرية سوداء……..
“صح مش انت اللي تعمل كده…. انت بس
بتطرد…….. مش كده…….”
لم يرد بل ظل ينظر اليها طويلاً ولمحاتٍ من الغضب
بارزة على وجهه الحجري……
فصرحت شهد بصعوبة…..
“انا همشي……..همشي ياعاصم….”
لماذا كان قرارها الآن مؤلماً على قلبه….فهو من
أراد هذا…….شعر بان الهواء انسحب من أمامه
وحل الجو أكثر قتامة واشد حزناً…..فارتسم
على محياة كآبةٍ سوداء وهو ينظر لعينيها نظرة اخيرة قبل ان يرحل قائلاً……..
“ياريت….. بيقوله البعيد عن العين بعيد عن القلب..
امشي… وقدري كل اللي كان بينا محصلش…..”
خرج امام عيناها الامعة بالدموع… تارك قلبها محطم
في محجرة…. شعرت بان الأرض تميد بها فانحنت جالسة على أحد المقاعد تضع يديها على وجهها باكية وهي تلعن تعلق قلبها به…… بل تلعن الحب الذي جعل
مشاعرها تنتمي لرجلاً يلجأ للقهر حتى يبرد نار
قلبه…..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الحب أولا)
الروايه جميله جدا
بجد من احلي الروايات اللي قريتها
باقي الفصول فين
الفصل حلو جدا
أحداث الروايه مثيره وجميله خالص