رواية الحب أولا الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم دهب عطية
رواية الحب أولا الجزء التاسع والثلاثون
رواية الحب أولا البارت التاسع والثلاثون
رواية الحب أولا الحلقة التاسعة والثلاثون
حاولت ان تتمايل في نومتها لكنها شعرت بتصلب
ظهرها وتشنج الفقرات به بعد نومها مقيدة بالحبال على هذا الفراش الصغير…مقيدة بشكلا مهين مذل
من قِبل رجلا يدعي الحب مفتخر بكونه حقير
أناني معها…
نزلت دموعها بتعب وهي تنام على جانبها وجسدها
بأكمله ينتفض بالوجع والخوف….
متعبة جائعة تريد الاستحمام تريد قضاء حاجتها
من الأمس وهي على هذا الحل….
مسحت دموعها وهي تدعي الله ان ياتي سلطان في الوقت المناسب ويخلصها من هذا المجنون….
فتح الباب فجأة بشكلا افزعها فجعلها تنتفض وهي ترفع عيناها عليه….
رأته يقترب منها بسرعة كمن يجري خوفًا من
شيءٍ قادم عليه….
“يلا ياداليدا…..لازم نمشي….هنسافر دلوقتي…”
بدا يحل المثاق من حول معصمها ثم ساقيها فنزلت
دموع داليدا وهي تتأوه بوجع ملامسة الخطوط
الحمراء اثار ربط الحبال….
سحبها من ذراعها بقوة حتى تنهض معه….فبدات تتملص من بين يداه صارخة برفض….
“مش همشي معاك في حته أبعد عني….سفر مش هسافر انت مجنون….”
سحبها خارج الغرفة أجباري….وهو يصيح
بغضب…..”انا بحبك…..بحبك افهمي….”
قالت داليدا وهي تبكي بوجع متألمة من سائر جسدها….
“انت مش بتحب حد غير نفسك…لو كنت بتحبني بجد كنت سبتني في حالي….”
هتف عادل كالمختال….
“هنسافر ياداليدا…واطمني انتي واللي في بطنك هتبقوا في امان معايا….”
كانت تسحب ذراعها بعنفوان منه وتثبث قدمها
بالأرض بقدر المستطاع وهي تقول بغضب….
“انا واللي في بطني هنبقا في أمان بعيد عنك…
انت بنادم مريض….مجنون…..سبني في حالي…انا عايزة أروح…عايز إرجع بيتي….”
سحبها عادل بعنف وهو يتجه بها صوب
باب الشقة….
“مش هيحصل احنا هنسافر….هنساااافر….”
انخرطت في بكاء مرير وهي تحاول
باستماته….
“انت مجنون…..سبني بقولك….سبني….”
هتف عادل بتحذير وهو يفتح باب الشقة….
“امشي معايا من سكات…دا لو عايزة تحفظي
على اللي في بطنك….”
توسعت عينا داليدا بعد ان رأته مشخصًا أمامها بجسده الضخم وعضلات وجهه المشدودة بتشنج ملحوظ…هتفت بشفاة مرتجفة بأسمه بوهن…
“سـلـطـان !!!…..”
ظنت انها تتوهم كالعادة فمنذ ليلة أمس تحلم بحضورة لهنا كالفارس المغولي ينقذها من براثن
هذا المختال…..
انتفض عادل بهلع وترك ذراعها بجبن حينها أدركت
انها الحقيقة….أجمل واصدق حقيقة عاشتها يومًا
هو سلطانها…..زوجها…..
لكمه متوقعه سددها سلطان الى عادل الذي ارتد للخلف جافلا للحظات….فاقترب سلطان منه ولكمه
مرة أخرى وركله عدة مرات فوقع الاخر ارضًا
متأوهٍ بوجع…..
أقترب سلطان من داليدا ومسك وجهها بلهفة وعيناه المشتعلة بالغضب تجوبان بتأني وعذاب على ملامحها الشاحبة المتعبة ثم الى عينيها الحمراوان كالدماء من كثرة البكاء…..حجابها الساقط قليلا عن
راسها كاشف جزاءا من شعرها….
مد يده ورفع الحجاب على رأسها مخفي خصلاتها
أسفله ثم مسح وجنتاها المبللة بالدموع برفق
وحنان ومالى على جبينها يقبلها هامسًا بقلق
وهو ينظر الى بطنها البارزة…
“انتي كويسة….لمسك….رفع ايده عليكي…”
هزت راسها بنفي وهي تبكي وتمسح دموعها بظهر
يدها عندها راى آثار الحبال الغليظة على بشرتها
ففهم انها كانت مقيدة منذ ليلة أمس حتى صباح
اليوم !……
جاشت مراجل صدره أكثر ناظرًا الى الطائح ارضًا الذي يمسح انفه من الدماء وهو يئن بوجع…..
أخرج سلطان لها مفاتيح السيارة اعطاها لها
قائلا بنبرة لا معالم بها…
“انزلي قعدي في العربية تحت واقفلي
على نفسك…. اوعي تخرجي….سامعه..”
رفضت وهي تنظر الى عادل ثم اليه
بخوف…..
“سلطان بلاش تعمله حاجة… مضيعش نفسك..
انا واللي في بطني محتاجينك معانا….”
دفعها نحو الباب برفق وعيناه شديدتا
القتامة…
“انزلي ياداليدا واسمعي الكلام….”
اعترضت داليدا بأنين متوسلة…. “سـلـطـان…”
صاح سلطان بعينان تنفثان
نارًا….
“دالـيـدا…. انزلي بقولك…..”
اومات براسها بخوف وهي تهبط على السلالم بخطوات متعثرة متعبة الى ان وصلت للشارع
حينها رفعت عيناها لترى سيارة سلطان
النصف نقل تصف جانبًا…اقتربت منها بسرعة و استقلت في المقعد المجاور للقيادة واغلقت الباب عليها وهي تبكي وابصارها معلقة على البناية المهجورة بملامح مرتعبة وقلب مذعور..
هجم عليه عادل وبدأ يسدد له الكمات فدافع
سلطان عن نفسه هو يرد له الكمات والركلات
بوحشية….وهو يصيح بعروق بارزة مشدودة….
“المرة اللي فاتت… سبتك بمزاجي حي… بس
المرادي هموتك…واخلص منك….”
قال عادل بشراسة…..
“انا اللي هموتك…. هموتك وهسافر واخدها
معايا….”
وقعا ارضًا وتشبثا في بعضهما بهجمية وغضب…..صاح سلطان بكلماتٍ نابية
والغيرة تنهش صدره…..
“تاخد مين يابن الـ******…… دي مراتي
مراتي يا*****….خروجك من هنا هيبقا
على نقالة…سامع مش هرحمك.. ”
ابتسم عادل بحقارة مستفزة بالكلمات….
“مراتك دي حبيبتي… زمان جيت خدتها من شقتي وبعدها اتجوزتها… والنهاردة جاي تاخدها بنفس الطريقة بس وهي مراتك لا وحامل كمان….هو
انت اي ياجدع زيرو رجولة…. ماسك في
واحده شـ……”
مسكه سلطان من ياقة قميصه وبدا يوجه اليه
الكمات العنيفة بعداء في انفه وأسفل فكه باتر
كلماتٍ لعينة كانت بمثابة قذائف نارية انفجرت
في صدره واحشاؤه….بصورة مفجعة مؤلمة….
صرخ عليه سلطان بعنف وهو كالوحش الثائر
يضرب دون توقف…..
“هقتلك….هقتلك يابن الكلب….انت صدقت الكدبة
يا***…صدقت الرسالة اللي بعتها….ولا شكلك
نسيت هدى…..والتمثلية الوسخة اللي دخلت بيها
عليها…عشان توصل لداليدا… ”
لكمه عادل بقوة وهو يمسح وجهه من الدماء
مجيبًا بوقاحة وخسة….
“حصل بس ده ملفتش نظرك لحاجة يارجولة…
ان بنات العيلة ملقوش حد يربيهم فمقضينها مع
اي حد وسلام….وان انا ضحكت على الاتنين مراتك
زمان هربت معايا من ورا أهلها….وبنت عمتك قدمت
تنازلات عشان اوافق اتجوزها…..”
توقف سلطان عن الضرب وهو ينظر اليه جافلا بملامح وحشية بينما جسده الضخم ينتفض
من شدة الانفعال وعيناه تنفثان نارا تكاد
تحرك هذا الخسيء….
تشفى عادل به وهو يرى نتائج كلماته المشينة
عليه….رجولته الآن تتلوى على الجمار….
تابع عادل بنبرة ساخرة قميئة…..
“حتى مراتك لو كنا سفرنا مكنتش هتاخد غلوة
في ايدي وهتنساك مسافة ما نوصل….بس انت
بقا بوظت كل حاجة…..”
تبادل سلطان معه النظرات بعدائية شديدة
الخطورة…فبلع عادل ريقه يخفي شعور
الخوف منه….
أبتعد سلطان عنه على نحوٍ مفاجئ منتصب
بجسده الضخم الفارع ليقف على بعد خطوات منه……قائلا بهدوء ما قبل العاصفة….
“دا عشان بناتنا بس ولاد حلال ربنا حافظ
عليهم….وبعتني ليك في كل مرة….”
وقف عادل هو ايضًا امامه ومسح وجهه من الدماء وقد ساد صمت مريب بينهما….صمت جعل عادل
قلق…..مستنكر حديثه البارد……
فقال سلطان بابتسامة باردة….
“بس متزعلش ملحوقة بعد ما تخلص عقوبتك
في السجن…هبقا ادورلك بنفسي على واحده
من نفس عينتك الوسخة…تكمل معاك الكام
سنة اللي فضلين من عمرك….”
رجع عادل خطوة للخلف مشدوهًا بسؤال
خرج بين طيات الغفلة….
“سجن ؟!!….سجن ايه وعقوبة إيه….”
اجابه سلطان بنبرة مسننة باترة…..
“مخدرات….انت مش هربان برضو عشان تهريبك
للمخدرات…..وناوي تسافر عن طريق البحر….انا
بقا بلغت الحكومة على مكانك مش بس كده
دا انا هروق عليك أكتر….الناس اللي انت كنت
شغال معاهم اتمسكوا…. وليا حد جدع كده في
السجن ربنا يفك ضقته كدب كدبة بيضه عليهم
وقالهم ان انت اللي بلغت عنهم….وكنت شغال
مرشد للحكومة…. ”
جحظة عينا عادل بهلع وانتفض جسده مرتد خطوة للخلف من مجرد تخيل المصير الأسود الذي ينتظره بحفاوة من نوع آخر !!….
ادعى سلطان الاسى وهو يقول….
“تخيل انت بقا معايا…حكم المحكمة هيبقا مؤبد
دي مش هنختلف فيها طبعا….وزنزنتك مع ناس
مستعدة تدفع عمرها كله بس عشان توصلك…
فانت تروح لهم برجليك…تخيل بقا استقبلهم
ليك هيبقا عامل إزاي…..”
على صوت تنفس عادل بخوف وتشنج
جسده بتوتر وهو يتجه بسرعة صوب باب
الخروج هاربًا…
فلحق به سلطان وعرقل سيره بساق واحده
فوقع عادل ارضًا…..فقال سلطان بملامح
جافية مستهجنة….
“رايح فين….مش كنت دكر من شوية وعمال تكلمني عن بطولاتك الوسخة مع بنات الناس…كمل لعب بقا
بالبيضة والحجر للآخر ووريني….هتضحك على
مين تاني….”
توسل عادل إليه بانفاس متهدجة
بالخوف…
“أبوس ايدك سبني لو الحكومة خدتني
مش هشوف نور الشمس تاني…..”
ابتسم سلطان بوحشية معقبًا….
“ودا المطلوب ياحيلتها…. ماهو لو الحكومة مخلصتش القديم والجديد عليك… هخلصه
انا بمعرفتي….”
سمعا فجاة بوق سيارة الشرطة تقترب من المكان…
في لحظة خاطفة تكاد لا تعد الثوان…اندفع عادل نحو المطبخ وسحب سكينة صغيرة هي اول شيء
وقع تحت يده….لحق به سلطان وهو يحاول تكبيلة
من الخلف…..لكن عادل كان الاسرع في طعن سلطان
بالسكين…..
احتقن وجه سلطان بالالم وهو يقع ارضًا متأوهٍ والدماء تسيل منه بغزارة….. بينما في اللحظة
التالية كان عادل يهرب بجبن خارج الشقة….
وقتها خرجت داليدا من السيارة تشاهد تقدم
سيارات الشرطة من المكان…فخفق قلبها بخوف
وهي تنظر الى البناية….
لتجد عادل يخرج منها بل ويركض نحوها ناظرًا
اليها بغضب مستهدف بكونها الوحيدة القادرة
على اخراجه من هنا….
تراجعت داليدا للخلف برهبة فلم يعطيها عادل
فرصة للهروب قد هجم عليها بكل وحشية بعد
ان رأى سيارات الشرطة تصف خلف بعضها
بالقرب منهما…
وضع السكين على عنقها وهمس بالقرب
من اذنها بتحذير…..
“اثبتي مكانك يادوللي…..اي حركه صغيرة منك….هتلاقي راسك مفصوله عن جسمك…”
تصلبت داليدا مكانها بذعر والدموع تسيل من عيناها بينما قلبها يرتجف بين ضلوعها….ويدها توضع على بطنها بتلقائية تحمي طفلها من القادم…..
خرج رجال الشرطة من السيارات بينما صاح
القائد بصوتٍ عال محذر….
“سيبها ياعادل وبلاش تعرض حياتك للخطر…
سلم نفسك…دا الاحسن ليك…سلم نفسك
وارمي السلاح من إيدك…”
قال عادل بنبرة غير متزنة….
“مش هسبها هنسافر انا وهي….ياما كده يا
هدبحها قدامكم….اختاروا بقا….”
نزلت دموع داليدا وهي تترجاه بشفاه مرتعشة
بوهن….
“سبني ياعادل…..بالله عليك كفاية كده…كفاااية
بقا…..دمرتنا بغبائك….انطق…انطق عملت اي
في سلطان ….عملت اي فيه… ”
هتف عادل بشرٍ…..
“حبيب قلبك مات….مات وشبع موت….”
خفق قلبها بقوة موجعة وهي تصرخ
بعدم تصديق…..
“لااااااا…..لااااااا…سلطان مامتش….كدااب.. ”
كبلها عادل بقوة محاول السيطرة على تشنجاتها
وتملصها منه….
“اثبتي لحسان تحصليه انتي واللي في بطنك…
انتي الأمل الوحيد ليا….انتي اللي هتقدري
تخرجيني من هنا….”
قالت بتهدج وهي تبكي بحرقة…
“على جثتي….لو خرجت معاك في حته….سامع
على جثتي….”
أرخى عادل ذراعه فجأة من حول خصرها ووقع
السكين من يده الأخرى..
فابتعدت داليدا عنه مستديرة تنظر إليه لترى الدماء تسيل من رأسه وقد طاح بعدها جسده ارضًا اسفل قدميها….
ابتسمت داليدا وهي ترى سلطان يقف امامها
يلقي الحجر من بين يده ارضًا باعياء وقميصه
مبلل بدماء الجرح… بعد ان تلقى طعنة غدر
من هذا الحقير…
اقتربت منه والقت نفسها بين ذراعيه وهي تبكي
منهارة على صدره….معتذرة بصوتٍ بين طياته
الندم….والألم……
ربت سلطان على ظهرها بوجه محتقن من شدة الألم….وعيناه المظلمة تتابع تحرك رجال الشرطة
وهم يقتربوا من عادل الذي اتضح انه مزال على
قيد الحياة ولم يمت بعد…..
لا بأس ان لم يمت بضربة الحجر…سيموت قريبًا
على أيادي أخرى تنتظر حضوره بضراوة….
………………………………………………………….
فتحت إلهام الباب لتتسع عينيها الزرقاء بتدريج
فور رؤيته يقف عند بابها….
تبادلا النظرات معًا بصمتٍ مشحون بالكثير من المشاعر المتأججة…وكأن السنوات عادت من جديد تطرق على بابها اتيه بالعمر الضائع والحب الأثيم الذي انتهى في زحمة الحياة وغمرة الرغبات….
في البداية باعت صديقتها وخانتها لأجل الحصول
عليه لها وحدها….ثم عند أول فرصة ذهبية اتتها
أدارت وجهها وتخلت عنه وعن ما بينهما…
لم تغيره السنوات كثيرًا حتى بعد ان خط الشيب
على ملامح وجهه وغزاه في لحيته الكثيفة
وشعره الناعم…..
مزال وسيم….وسامة خسة وقعت في سحرها
يومًا دون ان تحسب للعواقب…دون ان تعي انها
تحفر قبرها المستقبلي بيدها….قبرٍ ظل مفتوح
بصبرٍ حتى اتت ابنته ودفعتها به !!….
اشاحت إلهام بوجهها بضيق عند تلك النقطة…
وهي تتبرم قائلة ببرود….
“اي اللي جابك هنا ياعثمان……جايه ليه….”
اجابها عثمان باقتضاب…
“جاي لسبب مهم…ومش معقول هنتكلم
على الباب…..”
زفرت إلهام بتعجرف…..وهي تبتعد الى شرفة
الصالون تاركه إياه يقف عند الباب مكانه…
ابتسم عثمان بسخرية وهو يدلف الى الشقة
وكأنه مالك المكان….
دلفت الى الشرفة وجلست على المقعد واضعه ساق
على الأخرى بغرور منتظرة ان تعرف سبب مجيئه
لهنا…..
جلس عثمان في المقعد المقابل لها بهيمنة
وسادية قال بتشفي….
“مبروك….عرفت انك اطلقتي من مسعد…”
جزت إلهام على اسنانها بانزعاج…
“وانت بقا جاي تشمت مش كده…..”
التوى فم عثمان باستهانه….
“ماهو كله من قلة أصلك…..لو كنتي لينتي دماغك
زمان يالومي……كان زمانك كسبانه اكتر من اللي خدتي منه….”
هزت راسها بابتسامة هازئة معقبة بجذل….
“ومين قالك اني طالعه خسرانه…..انا طالعه
كسبانه أوي….غير الفلوس والمجوهرات…في
يزن ابني…الوريث الوحيد لمسعد الصاوي…دي لوحدها مكسب كبير….محدش خسر في الحكاية
دي غيرك انت ياعثمان….”
بهت وجه عثمان وضاقت عيناه فقالت الهام
بصفاقة وجه….
“شوف نفسك جوازه ورا التانيه…ولا قادر ترتاح
مع واحده غيري….لا عندك شغل ولا مستقبل
معتمد على المبلغ اللي بيجيلك من العمارتين والبنك….دا حتى ولادك كرهوك وكل واحد
شاف مصلحته….”
رمقها عثمان بنبرة عاصفة خطرة….فقالت
الهام بنبرة حاقدة حاسدة…..
“اللي بقت محامية ومتجوزه وشغالة في
مكتب جوزها….واللي فتح مصنع وعايش
حياته مع مراته….وشهد بنتك اللي قريب اوي
من كتر الشهرة والفلوس محدش هيعرف
يكلمها…”
مالت للإمام هامسة بشراسة وفحيح الافاعي….
“انت الوحيد اللي خسرت….ومقدرتش تحافظ
عليهم…”
اوغر صدره بالغيظ منفعلا….
“بسببك….بقيت لوحدي بسببك انتي….”
ضحكت الهام وهي تحرك كتفيها ببراءة….
“بسببي انا….طب وانا مالي….انا زمان سبتلك الجمل بما حمل…سبتلك الدنيا كلها وبعدت…سبتك لمراتك
وعيالك….”
شرد عثمان بعيناه معترف بنبرة قاسية
مظلمة…
“سبتيني بعد ما خليتيني احبك لدرجة خلتني
أكره عيالي….واكره مراتي…كرهت كريمة وقتلتها
باهمالي وقسوتي عليها… لحد ما خلص المرض
عليها…. ورحمها مني….”
زفر بتعب وهو يقول بخفوت قاسٍ….
“كنت بانتقم منهم كلهم…على حاجة ملهمش
ذنب فيها…. ذنب ان انا ابوهم….”
قالت الهام بحنق بالغ….
“برضو مليش ذنب….اللي عملته فيهم انا بريئه
منه….انا قفلت صفحتك من عمر بنتك من تمانية
وعشرين سنة….عارف حجم الرقم ده ولا لا…”
اخرجت إلهام علبة السجائر بعصبية ثم وضعت
واحده في فمها واشتعلتها ثم نفثت الدخان
بتهكم متابعة بنزق…..
“وياريتك استكفيت بده…تمر السنين وتجيب
بنتك وترميها في سكتي عشان تخرب عليا…
ونجحت فعلا فده….اديني اطلقت من مسعد
واتجوز عليا…… وابني الوحيد بقيت بشوفه خطف…وكأنه هو كمان كرهني زيهم ومبقاش
عايز يشوفني…..”
ارجعت شعرها الاشقر للخلف وقد عيل صبرها من تلك المقابلة المستنزفة لروحها وصبرها المتبقي
فقالت بحدة…..
“انت جاي ليه ياعثمان…..جاي عشان تقلب علينا
المواجع…..جاي ليه بظبط…..”
لم يرد عثمان فورًا قد أخذ وقتٍ طويلا في
التحديق بها والتفكير بالأمر حتى قال بنبرة
حاسمة….كسيفٍ باتر…..”تجوزيني يا الهام…..”
لم تندهش الهام بل ضحكت بسخرية مريرة وهي
تقول…..
“حتى الطلب ده بقا نكته بايخة….مبقاش ينفع… ”
سالها متعجبًا من ردة فعلها الباردة…
“وليه بقا مبقاش ينفع….عايزة كام عشان نتجوز
اكتبلك العمارتين بأسمك؟!….”
هبت واقفة من مكانها مشيرة بيدها على
باب الخروج بضجر…..
“أطلع برا ياعثمان…وكفاية لحد كدة…..”
سالها بنفاذ صبر وهو يقف امامها تفصل بينهما
طاولة صغيرة….. “يعني إيه كفاية؟!!..”
عقدت ساعديها امام صدرها مجيبة
بضغينة…..
“يعني انا لحد دلوقتي بدفع تمن غلطة زمان…
ومش مستعدة ادخل حرب تاني مع ولادك
التلاته….”
انعقد حاجبي عثمان بذهول…..
“انتي عايزة تفهميني انك خايفة منهم !!…”
اومات براسها دون تردد…..
“وليه لا….بنتك شهد لوحدها في ايديها
روحي…”
نعم بإمكان شهد ان تشكك العائلة بنسب يزن….حينها سيتم عمل تحليل بسيط للإثبات….وسيعلم الجميع وقتها أنهم عاشوا كذبة كبيرة عمرها أكثر من واحد وعشرون عام كانت من تأليفها…..ومسعد….مسعد سيقتلها ان علم ان الولد ليس من صلبه….وانه
عقيم وغير قادر على الانجاب…لا منها ولا
من اي امرأة أخرى !!…..
على وجه عثمان الشك وهو يسالها
بريبة….
“شـهـد ؟!!….تعرف إيه عنك شهد مخليكي
خايفه اوي كده انك تجوزيني….”
قابلت الهام السؤال برفض القاطع….
“الكلام انتهى بينا ياعثمان….وطلبك مرفوض….”
اشتدت ملامح عثمان ببغض….
“بترفضيني تاني يا إلهام…وعشان نفس السبب….شـهـد؟!!…”
اشارت الهام على الباب مجددًا تنهي النقاش
بنفاذ صبر…..
“شرفت ياعثمان…خد الباب في إيدك وانت
خارج….”
……………………………………………………….
نزلت دموعها وهي تميل على يده وتقبلها باعتذار
وندم….
كان مستلقي على الفراش مغمض العينين عاري الصدر يوجد على بطنه ضمادة آثار الطعنة التي تلقاها…
تم تخيط الجرح وعمل اللازم معه من فحوصات وعلاج وقد طمئنها الطبيب بان الوضع سياخذ
وقت وسيتم الشفاء عاجلا….
مسكت يده برفق وباليد الحرة بدات تمسد على
شعره بحنان وعيناها الباكية متعلقة بملامح
وجهه المجهدة…
كان من الممكن ان تفقده للأبد بسبب صمتها
وغباؤها المنقطع النظير…..
بامكانها ان تتخيل الوضع التي كانت ستعيشه ان
لم يأتي سلطان في الوقت المناسب…
اغمضت عيناها متاوهه بوجع دون صوتٍ….وهي تشعر بألم شديد في معدتها….
شعرت بسلطان يقبض على كفها برفق هامسًا
باسمها بظمأ…..”داليدا……داليدا……”
مالت عليه وقبلة خده هامسة بالقرب
منه…
“انا هنا ياحبيبي….حمدلله على سلامتك….”
فتح سلطان جفنيه ببطئ وتعب وهو ينظر اليها
عن كثب مطمئن قلبه القلق عليها….
فراى شحوب وجهها المرهق وعيناها شديدتا الاحمرار من كثرة البكاء يدها باردة ترتجف بين
يده وكأن الصقيع اجتاح جسدها من هول
صدمة ما تعرضا إليه معًا…
كانا على وشك الموت من قِبل مختال…هي سبب
اقحامه الى حياتهما مرتين متتاليتين ؟!!…
اشاح عيناه عنها ناظرًا الى سقف الغرفة وهو
يسالها بجفاء….
“كشفتي اطمنتي على نفسك…وعلى اللي في
بطنك….”
قالت داليدا بصوتٍ واهٍ من شدة الألم…
“كشفت أطمن…..الدكتورة علقت لي محاليل وادتني
إبرة…..وبقيت أحسن الحمدلله….المهم انت حاسس
بوجع…..”
سحب سلطان يده عنها قائلا باقتضاب دون
النظر اليها…..
“احنا لازم نروح….مش عايز حد يعرف حاجة…
قعدتنا في المستشفى هتعرف الكل باللي حصل..”
شعرت بقبضة فولاذية تعتصر قلبها جراء أبعد
يده عنها……
بلعت غصة مختنقة وهي تقول بقلق…
“مينفعش تخرج….الدكتور قال تقعد تحت الملاحظة
كام يوم….عشان يطمنوا اكتر…ويغيروا على الجرح..”
رد سلطان بوجوم….
“هبقا اعمل كل ده في البيت…”
سالته داليدا بوهن…
“طب وهتقول إيه للي في البيت أكيد. هيلاحظوا
ويسألوني… ”
دون النظر اليها قال بنبرة غليظة…
“لو حد وجهلك سؤال هتقوللهم ان في واحد طلع علينا وكان عايز يثبت سلطان وياخد اللي معاه ولما
سلطان مرضاش…. ضربه بالمطوة وجري….”
قالت بتردد وهي تنظر الى الضمادة الطبية
على بطنه….
“طب ما ممكن نقول كده….واحنا هنا….”
تبرم سلطان بقلة صبر….
“هيعرفوا من المستشفى احنا جينا منين وليه..
ممكن تسمعي الكلام وكفاية مناهدة….”
اومات براسها مذعنة… “حاضر اللي تشوفه….”
عاد اليها بعيناه قائلا بتهكم…
“يارب بس تكوني مرتاحة…… للمرة التانية…”
دهشت مرددة بحاجب معقود….
“للمرة التانية ؟!!…”
تشدق سلطان باستهجان…..
“آاه للمرة التانية…. للمرة التانية بتمشي بمزاجك
وكأن ملكيش حاكم…..”
توسعت عينا داليدا وهي تدافع عن
نفسها بـ…..
“انت فاهم غلط…دا كان خطفني انا مرحتش بمزاجي….”
صاح سلطان بنبرة عنيفة مؤنبًا…..
“ولما روحتي في الأول خالص تقبليه انتي وهدى
مكنش بمزاجك…ولما عرفتي انهم مع بعض خبيتي
برضو بمزاجك لحد ما وصلنا لهنا…عملتي كل حاجة تثبت اني بنسبالك******…مش مستعنياني خالص
مش راجل انا في نظرك مش كده….”
نزلت دموعها وهي تترجاه
بعذاب….
“بلاش الكلام دا ياسلطان انا….”
جز على اسنانه وهو يكبح الالم قائلا بتوعد
شرس….
“انتي اللي جاي عليكي هيبقا سواد….عشان بعد
كده تعرفي يعني إيه جواز ويعني اي راجل في
حياتك…..”
ازداد اتساع عيناها المليئة بالدموع وبهت وجهها
أكثر بالخوف…..بينما هو أكد بنظرة صارمة قاسية
انه لن يتنازل عن معاقبتها تلك المرة…..
اثناء هذا دلف اليهما الطبيب للأطمئنان على
صحة سلطان….
إلتزما الصمت معًا وقد ابتعدت داليدا وجلست
في مقعد بعيد عنه قليلا حتى يتمكن الطبيب
من فحصه….وتتمكن هي من التنفس فقد أطبق
على انفاسها بعد ما قاله وما ينوي فعله معها….
من غبائها ظنت ان الأمر بينهما سيمر مرور الكرام
كان عليها ان تفهم ان ما حدث سبب فجوة ثانية
أشد خطورة من الأولى ؟!!….
“حمدلله على سلامتك….”قالها الطبيب بعد ان
انتهى من الفحص…
قال سلطان بهدوء….
“الله يسلمك يادكتور…..بس انا كنت عايز اخرج النهاردة ….”
قال الطبيب باستغراب…..
“تخرج إزاي بس مش لما نطمن عليك…دا انت مبقالكش ساعتين على بعض هنا….”
اجابه سلطان بجزع…
“ظروف وحكمت ولازم اخرج النهاردة…ياريت تكتبلي على خروج…..”
هز الطبيب رأسه معقبًا بجدية…
“زي ما تحب….بس دا هيبقا على مسئوليتك….”
اوما له سلطان بالموافقة وهو يعود بعيناه الثاقبة نحو داليدا التي مالت بوجهها للجانب الآخر بعيدًا عنه دون تعبير او تعليق…..
………………………………………………………….
ترجلت من سيارة الاجرة امام مبنى صناعي… مصنع
خشب لإنتاج الأثاث والموبيليا….
تعالت خفقات قلبها وهي تنظر للمكان بتردد في الدخول…. دفعتها غيرتها اليوم لتذهب الى مقر
عمله الجديد….
كالعادة رفض تناول الإفطار متحجج بالعمل والهروب
منها…. انه يتهرب منها حتى بنظرة عيناه…الم تعد تثير مشاعره كأنثى…الم يعد يحبها ؟!!….
اغرقها السؤال في هوة مظلمة فظلت واقفه مكانها
قليلا تحسم أمرها بالدخول ام بالعودة للبيت…
خطت خطواتها للداخل ثم عرفت عن هويتها
لرجال الأمن فرحبوا بها بأحترام وأشار أحدهم
لها على مبنى الإدارة….
صعدت قمر على الدرج تقدم ساق وتأخر الأخرى حتى دلفت الى مكاتب الإدارة والحسابات…
كان المكان بسيط مريح للنظر فهو يحكي عن مشوار
نجاح سيبدأ للتو…سيبدأ بالصبر والمعافرة والرضا
انشرح صدرها بالسعادة إليه…داعيه الله ان ييسر
له الحال ويديم فضلة ونعمُ عليه…فهو عانى الامًا
لا توفيها السطور ولا تلخصها كلماتٍ…..
زفرت نفسًا حارٍ وهي تقف عند باب مكتبه والذي
عليه يافته تنير باسمه واسم شريكة في العمل…
كانت مترددة في البداية من الدخول ظنًا ان صديقه
معه طالما انهم يتشاركا نفس المكتب…..لكن الصوت
الانثوي التي سمعته جمدها كليًا.. أوغر صدرها بنيران مستعرة اندلعت من اللاشيء…..
اقتربت قمر من الباب تسترق السمع منه….
كان حمزة جالسًا خلف هذا المكتب البسيط يعيد قراءة أحد الأوراق الخاصة بالانتاج….بينما احد الموظفات في الحسابات تجلس على الناحية
الأخرى تنظر اليه تاره ثم الى الورقة تارةٍ
أخرى حتى قالت بعد فترة بتودد ملحوظ…
“فكر تاني ياحمزة… يمكن تكون جوعت…. انا والله عمله حسابك في الفطار معايا…”
رد مبتسمًا وعيناه على
الورقة….
“بالف هنا…لو جعان كنت فطرت….”
سندت الفتاة يدها على المكتب تساله
بتردد…
“هو انت….. انت عايش مع مين ياحمزة….”
رد مختصرًا…. “مع أهلي….”
سالته بفضول….. “يعني مش متجوز ؟!!…”
لوى ثغره بتهكم دون النظر
إليها… “عندك عروسة ليا…ياهناء… ”
ضحكة هناء بخجلا قائلة…..
“لا مشتغلتش خطبة قبل كده…. بس ممكن
ادورلك لو عايز….”
غير حمزة مجرى الحديث بعملية….
“الارقام بتاعت الإنتاج كويسه أوي…. إحسن من اليومين اللي فاتوا…. اي أخبار جودة الخامات
الجديدة اللي بنجبها…”
اجابته هناء بجدية كذلك تخفي خلفها
الأحراج….
“كله تمام أطمن جبنا المشرف على الخامات
وطمنا على الجودة…والعمال حاليا شاغلين
مفيش اي مشاكل الحمدلله….”
اوما حمزة براسه وهو يعطيها الأوراق…
“الحمدلله… طب ياهناء روحي انتي على شغلك وخدي استراحه عشان تفطري…..”
قالت هناء برقة….
“يعني برضو مش هتفطر….”
رفض حمزة بهدوء….
“لا والله مليش نفس….افطري انتي بالف هنا….”
نهضت هناء من مكانها تميل لتاخذ الأوراق منه
بينما في اللحظة التالية كانت قمر تقتحم الباب بعصبية وهي تشتعل غضبًا..توزع نظرات الاتهام الحانق عليهما…..
علت ملامح حمزة صدمة وجودها أمامه فهي
لأول مرة تدلف الى هذا المكان منذ إنشاءه…
بينما انعقد حاجبي هناء بذهول….
“حضرتك عايزة مين…وازاي تدخلي كده من
غير ما تخبطي… ”
احتدت نظرات قمر وكادت ان تسبها باقذع
الكلمات…..
لولا تدخل حمزة الذي أوقف الموظفة بنظرة
ونبرة حازمة…..
“هناء……حضرتها تبقا مراتي…. قـمـر….”
بهت وجه هناء واخذ الوقت منها دقيقتين للاستيعاب
حتى ظهرت بوارد الاحباط في عيناها ونبرة صوتها
وهذا ما جعل صدر قمر يضيق بعد ان رأت انه لا يرتدي الحلقة الفضية في بنصرة الأيسر….بل لا يرتدي في اصابعه شيءٍ يدل على انه مرتبط بأخرى….
يبدو انه احب ان يظهر امام الموظفات بصورة
الشاب الاعزب الوسيم….وهذا يزيد عروضهن
سخاء نحوه ؟!!……
“اه آسفه مخدتش بالي….” مسكت هناء الأوراق
بين يداها ثم قبل ان تخرج رحبت بـقمر
بفتور….
“تشرفنا يامدام…..اسفه اللي ما يعرفك
يجهلك…عن اذنكم….”
سمعت الباب يغلق من خلفها وهي تقف مكانها متصلبة بملامح جامدة ترمق حمزة بعينين ناريتين
ذاهلتين فقد عاد الى متابعة أعماله دون ان يعرها
إهتمام او إستقبال حفي !!..
أخذ الوقت منها دقائق حتى فارت الدماء في عروقها
وهي تندفع صوب الباب تنوي الخروج بكرامة متألمة مقروحة…..
“راحه فين ياهانم….ارجعي اترزعي مكانك لحد
ما أخلص…”
توقفت مكانها وهي توليه ظهرها تطحن
على ضروسها بغلا….
“واضح اني جيت في وقت مش مناسب….
انا مروحه….”
نداها حمزة من خلفها بنفاذ صبر….
“تعالي هنا ياقمر واسمعي الكلام….”
ثم استرسل بنبرة عابسة…
“وبعدين إزاي تخرجي من البيت من غير ما
تقوليلي…..”
قالت قمر بتبرم ساخرة….
“قولت اعملهالك مفاجأة…أكيد محبتش
مفاجئتي….كان نفسك تطول في القعدة معاها
أكتر من كده قطعت عليكم صح…..”
استرخى حمزة في جلسته وهو ينظر الى ظهرها المتصلب وثوبها الأنيق وشعرها الغجري
المسترسل حتى آخر ظهرها….
كبح نيران متأججة داخل صدره وهو يقول
بمناكفة….
“انا لو عايز أطول في القعدة هطول….مش
هتمنعيني يعني….”
ادارة وجهها اليه كفرسة جامحة ترمقه
شزرًا….
“والله ؟!!..طب مطولتش ليه معاها….اي اللي منعك..”
رد بهدوء وهو يفترسها بعسليتاه…
“اللي منعني اني بخاف ربنا…ومحبش أعمل
حاجة تغضبه……”
لوت قمر ثغرها بسخط هازئه….
“بركاتك ياعم الشيخ…دخل عليا انا بقا الكلام
ده مش كده….”
زفر حمزة بضيق وهو يشير لها
بالاقتراب….
“انتي عايزة اي يابت….جايه لحد هنا علشان
تتعاركي معايا… ما تتهدي وتعالي اتنيلي قعدي…”
“مش جايه قعد انا مروحه….”زمت قمر شفتيها
بحزن وهي تضع يدها على مقبض الباب تنوي الخروج….
لتراه في لحظة التالية معتقل خصرها من الخلف
مديرها إليه وهو يسند جبينه عليها هامسًا من
بين أسنانه بحنق….
“أفهم بقا جاية في إيه ومشيه في إيه….”
اغضمت قمر جفنيها بضعف بين يداه المحتلة
خصرها وكيانها…..لفظت بغيرة…..
“كنت جيبالك فطار معايا… بس واضح ان
الموظفة قامت بالواجب….”
قال حمزة وهو يداعب انفها بانفه
بشوق….
“وانتي شيفاني كلت معاها يعني….”
بلعت قمر ريقها وهي تنهار بين يداه وقلبها يخفق
بجنون…..وضع حمزة يده على شعرها يلامس
خصلةٍ خصلة بشغف وعشق…..
مضيفًا بنبرة عذبة…. مخدرة…..
“تعرفي اني ميت من الجوع… ووحشني اوي
الفطار من إيدك….”
“الصبح قولتلك افطر معايا مرضتش….”
رفرفت قمر باهدابها تنظر اليه عن قرب لتقع
في سحر عسليتاه الأخذة للمرة التي فشلت عدها…حمزة هو الهوى وعذابه ولا مجال لتغير
شعورها نحوه !…
انهُ ابن قلبها…..اتى من رحم الحب اتى ليكون
الحب بكل معانيه وصفاته،السيئة قبل الجيدة
اجابها حمزة وهو يداعب وجنتها الناعمة
باصابعه الخشنة…”عشان زعلان منك….”
قالت بخفوت….. “ودلوقتي….”
ابتسم مجيبًا وهو ينظر الى ثغرها….
“زعلان وجعان….فطريني وبعدين صلحيني…”
رفعت حاجبها بدهشة… “انا اللي اصلحك !!….”
اوما براسه بغرور معقبًا…..
“ايوا انتي ولو مكنتيش عارفه نفسك غلطانه مكنتيش جيتي لحد هنا…”
قالت بتبرم وهي تبتعد عنه خطوة
للخلف…
“دا قبل ما أشوفك معاها….”
زفر باستياء معلق بسخط…..
“وانتي دخلتي لقتيها في حضني ما احنا كنا بنشتغل…..”
جحظت عينا قمر بصدمة….
“في حضنك ؟!!…ساعتها كنت قتلتك وقتلت
نفسي وخلصت….”
“أحبك وانت دايب فيا…”
تقدم حمزة منها الخطوة التي ابتعدتها ثم اعتقل
خصرها من جديد وعسليتاه تزداد لمعة بقربها…
بينما حاولت قمر التملص منه وهي تقول بعتاب
محتدة…..
“ابعد عني….. بامارة ما كانت بتسالك انت متجوز
مهنش عليك تقول أيوا… لا بتحلو أوي..”عوجت لسانها محاولة تقليده…
“عندك عروسة ليا….وقال إيه عايش مع أهلي..
انت عايش مع أهلك ؟!!… ”
أومأ براسه ضاحكًا مستمتع بغيرتها….
“حصل ما انتي اهلي ودنيتي ياقمرايه….”
خفق قلبها فجأة بقوة تفوق الوصف….مما جعلها
تشيح بعيناها عنه مرتبكة…وهي تقول بتلعثم…
“انت مش سهل انت ا….”
اختفت الكلمات عن ثغرها بعد ان مالى عليها بقوة جسمانية يكبل جسدها وشفتيه تعرف طريقها الى ثغرها الفاغر بدهشة…..
لم يعطي لها مجالا للهروب كانت قبلاته متلاحمة
مضطرمة بالعواطف…..ويداه تجريان على جسدها
بجرأة وشوق يحكي عن رجلا متعب مشتاق الى
امرأته التي تحرم عليه لذة قربها….
أطلق سراح شفتيها ساند على جبينها وهو يلهث
بحرارة وشفتيه تتلون بإبتسامة جذابة وهو ينظر
الى وجهها المشع بحمرة فاتنة ككل ما في تلك الجنية الساحرة…..
كانت مثله تستند الى جبينه وهي بين ذراعيه
تأخذ انفاسها المسلوبة بصعوبة وقلبها يقرع
بسعادة وحب……
هتف حمزة بمداعبة بعد ان انتظمت انفاسهما
قليلا…
“انا لو مفطرتش دلوقتي وشبعت….هكلك
يـاقـمـر…وانتي حره بقا… ”
همست قمر بأسمه من بين طيات الإشتياق
والعشق…”حـمـزة…”
سحبها حمزة الى احضانه وضمها الى صدره ثم
بدا يقبل جيدها وكتفها قبلات متفرقة حارة
ويده تشدد في ضمها بقوة وهو يقول بعتاب ثائر
بالعاطفة…..
“وحشني حضنك ياقمراية….كده أهون عليكي طول
المدة دي منشفة ريقي….يعني حتى بعد ما بعتلك المكالمة….قلبه عليا…عملت إيه أنا…”
اغمضت عينيها وهي ترتاح على كتفه
مؤنبة اياه بضيق…..
“عملت انك ادتها فرصة تبعت رسايل ليا وليك
لو كنت وقفتها عند حدها من الأول مكنش ده
كله حصل لنا….”
تخلى عن الغرور قليلا وهو يعترف بخطاءه
مدافعًا عن نفسه….
“انتي صح…وانا غلط فده….بس مكنش في نيتي ارجعلها او أخونك معاها….صفحتها اتقفلت بنسبالي
مسافة ما سبتها….كل اللي كان فاضل منها شوية وجع وزعل وانتهى مسافة ما دخلتي حياتي وعلقتيني بيكي…..”
دفن وجهه في جيدها وهو يقول…
“انا بحبِك ياقمر….والله بحبِك وانتي اللي
في قلبي وعقلي….”
ابعدته عنها وهي تقول بضيق….
“مش باين…كنت بحاول أقرب منك الكام يوم
اللي فاتوا وكل ما كنت المسك تبعد ايدي وتبان
انك مش طايقني….”
هز راسه وهو يجيب بوجوم….
“مش حتة مش طايقك….بس محبتش أقرب
منك لتصديني بردك من تاني….زي ما بتعملي علطول..”
انعقد حاجباها متشدقة…
“وامتى بقا صديتك بردي….”
هتف حمزة بقنوط….
“من يوم ما عرفتك….وانتي بتهربي…وبتجريني
وراكي…هتنكري ده…”
اسبلت عينيها بحرج….
“لا….بس المرادي انا اللي جتلك…”
“مرة من نفسك…جيبالي فطار إيه معاكي….”ابتعد
عنها خطوتين محاول التعقل معها والصبر عليها
بقدر الإمكان..
“قبل الفطار فين دبلتك….”قالتها قمر بسطوة وهي تضع حقيبتها على سطح المكتب…
اجابها حمزة بارتياب…”في درج المكتب…”
قالت بوجهٍ عابس…
“بحد…. وحطتها ليه بقا في درج المكتب ؟!!…”
اجابها وهو يستند بظهره على حافة
المكتب….
“مضيقاني مبحبش البسها طول الوقت…”
عيل صبرها فقالت بحدة…..
“بس من هنا ورايح…هتضغط على نفسك وتلبسها…”
لوى فمه هازئًا….”وده من إيه بقا….”
التفت قمر حول المكتب وفتحت الجارور
لتاخذ الحلقة الفضية…..
“عشان الكل يعرف انك متجوز…ويبعدوا عنك..”
ابتسم بجاذبية مستفزة….
“هيقربوا أكتر كده….اسمعي مني….”
قالت بنظرة ونبرة تنبأ بالشر…..
“طب خليهم يقربوا كده… عشان اقرأ الفاتحة
عليك وعليهم….”
احنى حاجبيه بتأثر….
“اهون عليكي ياقمراية…..”
وقفت امامه مشيرة له بحزم الزوجة….
“تهون لو خيالك صورلك بكده…خد
البس الدبلة….. ”
هز حمزة راسه برفض وهو يداعبها
بعيناه….
“تؤ مش قبل ما ترشيني الأول…وتجيبي بوسة….. ”
ادعت الدهشة وهي ترجع راسها للخلف
ممتنعة بدلال… “حـمـزة….”
مزح معها بغلاظة مجيبًا….
“قولون وضغط حـمـزة من جوا…..”
لكزته في صدره ضاحكة…
“والله….طب البس الدبلة بقا واتلم….”
مسك حمزة قبضة يدها قبل ان تبعدها وهتف
بمناغشة شقية…..
“مش لما تتلمي انتي الأول وتجيبي بوسة تحت
بند الصُلح خير قوم نتصالح…”
ضحكت وهي تحاول نزع يدها من
قبضته…
“والله… طب واللي خدتها من شوية دي كانت إيه….”
سحبها إليه بتملك وعيناه تجوب ملامحها الجميلة وبنيتاها بشوق هامسًا بمراوغة……
“مش تبع الصُلح دي….دي عشان كنتي وحشاني
بس..”
مالى عليها من جديد يضغط بصدره الصلب على
صدرها وهو يقبلها قبلة أعمق واطول من السابقة
متعمق في تقبيلها بشغفٍ وشوق..متأني في تذوق
شفتيها وملامستها كما يحلو له…..
فأخيرًا مالى القمر اليه مسلم الحصون فـبأسم
الهوى آتاه ولأجل الهوى سيبقى معه للأبد…
حرر شفتيها وانفاسها المسروقة لتلهث قمر وهي ترتاح على كتفه قليلا…..
“يخربيت حلاوتك ياقمراية….”في غمرة الذة
والعشق قالها وهو يداعب شعرها بيده يشم
المسك به….
ابتعدت عن احضانه مبتسمة بوجهٍ جميلا مشع
بحمرة فاتنة….اعطاها حمزة الحلقة الفضية
وهو يمد كفه الأيسر لها….
اخذتها منه ووضعتها في اصبعه…ثم قالت
بتملك وغيرة….
“إياك تشيلها من إيدك….يلا عشان نفطر عملالك
سندوتشات….وجيبالك القهوة بتاعتك معايا…
بقالك فترة مشربتش القهوة من ايدي…أكيد وحشتك ؟!..”
قالتها بغرور وهي تنظر اليه بشقاوة….فأكد
بنظرة شغوفة بها…..
“كل حاجة فيكي وحشاني مش القهوة بس…”
فتحت قمر العلبة التي تحتوي على شطائر شهية
ووضعت الكوب الحراري امامه الذي يحوي على
قهوته المفضلة…(على الريحة..)رشة من السكر
وقهوةٍ مُرة مزيج رائع ومنفرد….
بدا ياكلا بنهم متحدثين معًا بشغف عالٍ عن ما حدث في الأيام السابقة…
كان للطعام للذة بقربها ونظر لبنيتاها يفتح شهيته
أكثر على الأكل….كانت جميلة حنونة مهتمه….حديثها مريح وابتسامتها بلسم يطيب جراح البعد وأيام الخصام…..
ارتشفت قمر من زجاجة الماء التي جلبتها
معها…..وهي تعقب برضا…
“بس هي بجد تستاهل واكتر من كده كمان..شهد
صبرت كتير أوي…..ربنا يوفقها…عرفت هترجع
امتى… ”
مسح حمزة فمه بالمنديل وهو ياخذ منها زجاجة
الماء يشرب بعدها…..
“لسه هكلمها اليلادي…..اي رايك في المصنع…”
لمعة بنيتاها بالفرح قائلة برقة….
“حلو اوي… ربنا يرزقك ياميزو ويبقا فاتحة
خير ليك….”
صحح جملتها وهو يحتسي من القهوة…
“لينا كلنا…حتى أخواتي البنات هيبقا ليهم نسبة من الأرباح…..ورث امي مش بتاعي لوحدي…هما كمان
ليهم فيه….”
هزت قمر راسها باستحسان….
“طبعا لازم تعمل كده عشان ربنا يباركلك في
شغلك…..وفي رزقك….”
لو تعلم ان حُسن خلقها وطيبة قلبها يزيدا حبها
في قلبه أضعاف….ضيك ساطع ياقمري أنار عتمة قلبي وطريقي حتى استدلّ على حبك فسكن كما يسكُن الوليد في حضن أمه بعد صرخة خوفٍ وبكاء……
قال حمزة بلهفة طفل…
“اي رأيك ياقمر ننزل نشوف المصنع من جوا…
عشان اوريكي المكن والشغل ماشي إزاي….”
ضحكت قمر وقلبها يخفق بسعادة….
“بس انا مش بفهم في الحاجات دي ياحمزة..”
نهض حمزة من مكانه والتف حول المكتب
قائلا بحرارة مصممًا….
“مش مهم ياقمراية… المهم تشوفي المكان والشغل
وبعدين ابقى اشرحلك على مهلنا ورانا إيه….”
“يلا بينا…” اقترب منها ومد يده لها….فنظرت قمر
اليه بدهشة من هذا التصميم ونبرة الحماس في صوته وكأن رأيها سيحدث فرق شاسع معه أكثر من اي شخصٍ آخر وكم اسعدها هذا الشعور الذي بثه
لها بعفوية دون ان يدرك اثره الجميل بقلبها….
نهضت من مكانها متعجبة…. “انت مصمم بقا….”
أومأ براسه وهو يمسك يدها خارجين من هذا
المكتب المتواضع الى الساحة الصناعية بالاسفل..
توقف حمزة وهو يخرج الهاتف من جيب بنطالة
ثم قال لها بعد ان نظر للشاشة…
“استني هرد على مكالمة الشغل دي…..”
ابتعد عنها عدة خطوات موليها ظهره مجيبًا على المتصل بينما ظلت قمر تطلع بعيناها على هذا
الطابق الإداريّ البسيط…
عندما لمحت الموظفة التي قابلتها عند دخولها
تمر بجوارها نادتها بنبرة رزينة…..
“آنسه هـنـاء…..”
توقفت هناء تنظر إليها فقالت قمر بابتسامة
باردة….”هناء مش كده….”
اومات هناء وهي تقترب منها
خطوة…
“ايوا يامدام…أأمريني….”
سحبت قمر نفسًا طويلا ثم زفرته على مهلا وهي
تحدثها بنفس البسمة الجامدة….
“الأمر لله وحده…انا بس مش عيزاكي تتعبي نفسك
وتعملي حساب جوزي في الفطار معاكي….”
بهت وجه هناء وتجمدت مكانها وهي تشعر
بانها تلقت للتو صفعة قوية مهينة من زوجة
تدافع عن ممتلكاتها !!…
تابعت قمر بتحذير وهي ترى تأثير كلماتها….
“انا كده كدا بعملوا الفطار بنفسي ولو ملحقش
يفطر معايا بجيب الفطار لحد هنا….زي ما حصل
النهارده كده….”
اشارت الى زوجها بعينيها والذي يوليها ظهره
مشغول في المكالمة…..
اومات هناء براسها مقتضبة ثم قالت بصعوبة
قبل ان تغادر الى عملها…
“تمام الرسالة وصلت….تشرفنا يامدام قمر….”
اكتفت قمر بابتسامة سمجة وهي تودعها
بيدها….ثم اقتربت من زوجها الذي انهى
المكالمة للتو واستدار اليها قائلا….
“يلا بينا ياقمراية….”
اومات براسها بعينين مبتسمتين وهي تسير معه
يده تحتوي يدها بحنان….
كانت جولة ممتعة رائعة بها رأت ان لهذا المشروع
نجاح باهر ومستقبل مشرق سيعلو يومًا بصبر والكفاح….
أحبت المكان والعمال به في قمة الأخلاق يعملا
بجد وتفاني…..رأت في أعينهم الحب والاحترام
نحو زوجها الذي كان يتعامل معهم كأصحاب
مكان وليس عمال به….كان حازم في عمله
لكن بذكاء مهاود في المعاملة لكن بحدود..
كان قائد رائع في إدارة العمل والمشاركة معهم
ايضًا في صناعة الأثاث الخشبي فتلك الحرفة
أكثر شيء نجح به واحب تفاصيله بعد مهنة
القيادة على رصيف البحر…..
اخبرته شهد يومًا انه لديه حس فني ومبتكر في
تلك الحرفة وحثت اياه على المتابعة لكنه رفض وتمسك بالقيادة وهواها أكثر من التقيد بين
ألواح الخشب والورشة كصديقه سلطان….
سلطان الذي نجح في هذا العمل ووسع مجالة وكسب زبائن أكثر في معظم المحافظات…والذي لم
يتردد ابدًا في دخول هذا المشروع معه فهو يعرف
جيدًا كيف يغتنم من الألواح الذهبية…..
وهو ايضًا اكتشف ان هذا المجال كنز لمن يركز عليه
ويضعه هدف أمامه….مزال يهوى القيادة على رصيف
البحر لكن ما المانع ان يستقل قريبًا مقعد سيارةٍ فارهة وليست خردة !!…
أحيانا نقطع آلاف الاميال للوصول الى طريق واحد
بينما مع كل خطوة نخطوها في رحال السعي يمد
لنا ﷲ أكثر من طريق ويدعونا برحمة وكرم ان نقترب لنأخذ الأرزاق….
…………………………………………………………..
أشعل شمعة على شكل قلب أحمر ثم وضعها في منتصف الطاولة المستديرة…..
تطلع على الاشياء الذي جلبها معه من الأسفل
وقد وضعها على الطاولة كذلك من كؤوس عصائر
الى انواع مكسرات تفضلها وطبق يحوي على حلواها المفضلة (لقمة القاضي..)
واخيرًا باقة زهور حمراء جميلة بانتظار صاحبتها بنفاذ صبر يضاهية…..
رغم بغضه للون الأحمر اضطر ان يشتري لها باقة زهور حمراء لأنه لونها المفضل !!…
التوى ثغر حمزة في إبتسامة جانبية وهو يطلع على
السفرة الذي اعدها إليها والاغاني الذي يسمعها عبر هاتفه والتي تشعل قلبه صبابة مشتاق الى رؤيتها الآن….
أصبح عاشق مرهف الإحساس بصورةٍ مضحكة
غريبة عليه…..
لكن الجنية الساحرة فعلت مالم يتوقع حدوثة
منها….اعادته للحياة بصورة اقوى واعمق مما
ظن….فأصبح الان يسعى للسعادة والحب
معها……
رفع حمزة عيناه الى باب غرفة النوم المغلق
والذي لم يفتح منذ أكثر من ساعتين….
وقتها تركها ونزل للأسفل لأحضار بعض الطلبات
للسهرة…على أمل ان يجدها بانتظاره لكنها لم
تنتهي من تجهيز نفسها بعد… فبدا هو باعداد
الأشياء الذي احضرها بوضعها في كؤوس
واطباق….مشعل الشموع تارك باقة الزهور
تنتظر معه حضورها..
لكنه مل من الانتظار وتقدم من غرفة النوم
وطرق الباب عليها مجددًا…..مناديًا بلفهة
حارة….
“يلا بقا ياقمراية اتأخرتي عليا أوي…”
إبتسمت قمر وهي مطمئنة بان الباب موصد
عليها من الداخل فقالت امام مرآة الزينة…..
“أصبر شوية كمان ياحمزة…..”
زم حمزة شفتيه بنفاذ صبر….
“انتي بتخترعي الذرة ؟!!..وبعدين أصبر أكتر من
كده إيه مانا بقالي أربع شهور ساكت وصابر…اطلعي بالذوق لحسان اكسر الباب على دماغك….”
تاففت قمر بجزع….
“بلاش غُشمية يابني واصبر شوية….”
رفع حاجبه مذهولا…..
“ابنك ؟!!…هي بقت كده قلبك بيجمد اوي من
ورا الباب…”
ضحكت وهي تطلب برقة….
“طب غمض عينك عشان انا طالعة أهوه….”
جادلها حمزة بمناكفة…
“اغمض عيني ليه….هو انا أول مرة أشوفك…”
قالت قمر بقلة صبر….
“المرادي تختلف….غمض عينك بقا وابعد عن
الباب شوية..”
“حاضر اما نشوف اخرتها….”قالها حمزة وهو
يبتعد قليلا عند الطاولة وعيناه مثبته على
الباب…متجاهل لعبة الغميضة تلك….
فتحت قمر الباب وخرجت على مهلا تخطو خارج
حدود الغرفة رافعه عينيها البنية الكحيلة إليه…
تسمر حمزة مكانه رافع حاجبيه معًا بدهشة والاعجاب يبرق في عسليتاه فاغر فمه وعينيه تجريان عليها بنشوة وافتتان…
كانت باهرة الجمال بصورة جفلة حواسه وقلبه…قد
ارتدت قميص نوم أحمر طويل يلتف على قدها الممشوق المغوي…..له فتحة من عند الصدر مغرية
واخرى من الخلف تكشف عن نصف ظهرها المشدود ببشرة تلمع تحت الاضاءة الخافته الساحرة..
عطرها يداهم انفه باغراء كهيئتها الفاتنة…زينة وجهها كانت لوحة فنية رسمت بدقة عالية…وشعرها الغجري
مسترسل بدلال وتمرد خلف ظهرها الى آخره….
وقع أسير لجمالها فظلت عينيه مأسورتين بها تجريان
على تفاصيلها بنهم…..وبروز عنقه يتحرك بصورة ملحوظة ومضخة قلبه صوتها لا يعلو عليها ايقاع…..
اقتربت قمر منه بخطوات متغنجة ووجهٍ مشع
بحمرة الخجل….تسأله بدلال بعد ان وقفت
أمامه…
“اي رأيك استاهل تستناني ساعتين كمان
ولا لا….”
وضع يده على خصرها مقربها منه أكثر والاخرى
على وجنتها مداعبها بحب وهو يقول…
“تستاهلي استناكي العمر كله…”
خفق قلبها وهي ترمش بجفنيها
بارتباك….
“بجد شكلي حلو ياحمزة ؟!!….”
“قـمـر….ويسلم اللي سماكي قـمـر……”مالى عليها يقطف من وجنتها القبل وعطرها الانثوي لحنًا
خطير اكتسح سائر جسده بشوق..
ابتسمت قمر باستحياء وهي تنظر خلفه الى
الطاولة الذي اعدها بنفسه….ابتعدت عنه بخفة وهي تلتقط باقة الزهور الحمراء تحتضنها وهي تقول
بسعادة….
“الله ياحمزة حلو اوي….البوكية دا عشاني…”
رد حمزة بغلاظة…..”لا عشاني أنا…”
لكزته في صدره وهي تشم عطر الزهور وعلى محياها أرقى وأجمل إبتسامة…..فظل هو واقف مكانه مستند
على حافة الطاولة يشاهد أجمل وامتع صورة رأتها
عيناه لأمراة غوته بتمردها وجمالها المنفرد فوقع
عن طيب خاطر في عشقها…..
مدت قمر يدها واخذت واحده من حلواها (لقمة القاضي….)قائله وهي تتلذذ بمذاقها..
“تعرف بقالي قد إيه مكلتهاش….”
رد مبتسمًا بوسامة… “بالف هنا ياحبيبتي..”
عادت تنظر الى الطاولة بحرج معقبة…
“اتاخرت عليك صح…كان ممكن تستنى
شويه وانا كنت حضرت كل حاجة…..”
ثم استرسلت بمناغشة….
“تعبت نفسك… شموع وورد…طلعت رومانسي ياميزو…”
رد حمزة بزهوٍ…..
“طول عمري انتي اللي واخده فكرة غلط عني..”
اقتربت منه خطوتين وبيدها اطعمته واحده
من الحلوى تساله بتدلل….
“واي هي بقا الفكرة الصح….”
مضغ الحلوى وهو ينظر إليها قليلا ثم مالى على
عنقها طابع قبلة طويلة بصوتٍ عالٍ متلهف…وعاد يرفع راسه اليها قائلا بجدية… “اني بحبك….”
مالت هي ايضًا تقبل خده مجيبة بنفس
الجدية….. “وانا بموت فيك….”
نظرا لبعضهما قليلا بدهشة ثم انفجرا في الضحك فجأة….
صدح من هاتفه أغنية جميلة اثارة انتباه قمر
فقالت بابتسامة واسعة تدعوه…..
“حلوة اوي الاغنية دي ياحمزة…اي رأيك نرقص سوا…”
اوما حمزة براسه وهما يقف امام بعضهما…
بدأت قمر تتمايل على الموسيقى بتناغم وخصرها يميل مع العزف كآلة وترية لا تخطأ ايقاع….
وهو أمامها يكاد يبتلعها بعيناه بينما ساقيه تخطو معها في دائرة مغلقة تصنعها خطواتهما المتلاحقة بخفة…يداه تشتبك بيداها وعيناه تتعلق ببنيتاها وقلبه هيمان….ظمأن الى هواها….
حتى بدأت كلمات الأغنية تعلن عن وصولها وهويتها في الحب….
(بكرة يا حبيبي يحلو السهر
بكرة يا حبيبي نحضن القمر
وبكرة يا حبيبي أنا وإنت يا حبيبي
هنعيش يا حبيبي حبايب، حبايب
الحب فينا دايب، دايب يا حبيبي بكرة يا حبيبي)
كانت جميلة وشعرها الغجري يتحرك معها بخفة
تشاركه الرقصة بانوثة ودلال…وشفتيها القرمزية تهمسان له بكلمات الأغنية بحب….وعينيها تحكي
قصائد عن الحب….
فبدأت الأغنية تشعلا قلوبهما مرددين معها وهما
يلفا في دائرة مغلقة وايديهما مشتبكه ببعضها
كعيونهما المشعة بالحب…وقلوبهما الخافقة
بالسعادة….
(يا قمرنا ، يا قمرنا، يا قمرنا
ضوي فوق شجرنا ضوي، ضوي يا قمرنا
خلي الدنيا وردي خلي الحب وردي، وردي
يا قمرنا
دا مهما يقابلنا في سكة سفرنا كله راح يعدي
الدمعة تعدي، البسمة تعدي واللي يفضل ليا حب حبيبي ليا، حب حبيبي ليا…حبايب، حبايب الحب فينا دايب دايب يا حبيبي بكرة يا حبيبي..)
احتوى حمزة خصرها بين يداه قربها منه أكثر
ساند راسه على جبينها وهي احتوت عنقه بكلتا يداها برقة ومالت معه بتناغم ناعم مع اوتار الموسيقى وهي تدندن مع الغنوة بصوتٍ ناعم
رقيق…
بينما هو شدد من ضمها اليه بانفاسٍ ونظراتٍ
ملتحمة ببعضها بحرارة…هائم قلبه في هواها
في تفاصيلها الجليه بجمالا فاق سماء الحب…
(وبكرة يا حبيبي حنرسم سوى ،سوى، سوى
طريق الأماني ومعطر بالهوى
(طريقنا والحب فيه، الحب فيه أحن من الحنان
وطريقنا اللي هنمشيه، اللي هنمشيه يا روحي
مهما كان.. أنا وإنت هنمشيه ونحب الحب فيه، ونحب الحب فيه حبايب، حبايب الحب فينا
دايب…..دايب ياحبيبي….بكرة ياحبيبي….)
حملها حمزة فجاة بين ذراعيه فصرخت قمر من
هول المفاجأة متشبثه في عنقه وهي ترمقه بتساءل…فاجابها حمزة بوقاحة
“كفاية كده عليا انا استويت…ومش هقدر
استنى لحد بكرة….”
ضحكت قمر بخجلا وهي تخفي وجهها في عنقه
سألها حمزة وهو يقف عند عتبة باب غرفتهما المفتوح….
“اوعي تكوني خايفة….”
رفعت عيناها إليه واربكتها نظراته المفترسة لها
وومض الشوق في عيناه اجفلها….فدفنت وجهها
في عنقه مجددًا بخجلا دون تعليق….
فقال حمزة وهو يدلف بها الى
الغرفة…
“على البركة السكوت علامة الرضا….”
دلف حمزة الى الغرفة واغلق الباب خلفه….
وضعها على الفراش منضمًا إليها ثم مالى على ثغرها القرمزي الفاتن مدللها بالقبلات الحارة متذوق رحيق
انوثتها وجمالها…يداه تجريان على جسدها الغض
الذي انصهر في احضانه بضعف…
تشبثت في رقبته برقة وهي تستقبل قبلاته النهمة
على حنايا وجهها هبوطًا الى جيدها ثم عظام الترقوة البارزة يفترسها بلسانه وشفتيه…..زادت لمساته جرأة حدة….
فحاولت التملص منه بتردد عذراء…فكبل حمزة ذراعيها فوق راسها على الوسادة بسطوة….مسيطر عليها وهو يشرف عليها بهيئة جذابة مهلكة…اختلج معها قلبها بين ضلوعها وارتجف جسدها اسفله…..
رمشت قمر باهدابها الكثيه بضعف وضياع ناظرة إليه….وتحت وطأة المشاعر الغريبة التي لأول مرة
تختبرها همست بأسمه….
“حـمـزة….”
مالى حمزة عليها هامسًا بنبرة حارة شغوفة….
“بلاش تبعديني عنك ياقـمـر….خليني في حضنك…
خليني في حضنك ياحبيبتي…انا بحبك ياقـمـري…”
سحرها بالكلمات وهيمن عليها بنظرات والمسات..
فضاعت في لذة القرب مندمجة معه حسيًا وجسديًا…ليصلا معًا الى أعمق نقطة حميمية
بينهما….
وعلى مرسى الهوى التقينا مرتين الأولى بقلوبنا والثانية باجسدنا ترى أيهما أعمق وايهما يتعلق
في الذاكره ؟!!….
……………………………………………………
عندما تحكي عن الحب تستهوى أجمل البدايات وتبغض النهايات الخبيثة…..
خبيثة النهايات في الحب فأذ أتت لا تعرف عن
نفسها حتى تصل بنا الى أخر محطة في الرحلة
تتركنا بصمت ملوحة لنا بالوداع الأخير….
لو كنا نعرف انها الرحلة الأخيرة ما كنا صعدنا على متن القطار….ما كنا تركنا للبدايات فرصة للاستحواذ
علينا…..وتقيدنا بأسم الحب…..
توهمنا البدايات وتخبرنا بأن الحب أولًا يبقى دائمًا
وابدًا وعندما نهبط من فوق السحب الوردية نكتشف
ان ثمة أشياء أخرى أعمق من الحب….
لا تقل أحبك…..بل اغرقني في عاطفة حنانك وحبك
وقتها سأعلم انك مُتيم بي….
لا تقل أثق بك…..بل أثبت لي الثقة عندما نُضع في إختبار حقيقي….
لا تقل انا بجوارك دائما….بل كن بجواري عندما أحتاجك….عندما أشتاق إليك….عندما أهرب من
العالم إليك انت….
لا تقل انا صريح معك….بل اجزم بهذا أولا فليس
هناك مرء خالٍ من الأسرار….أحيانًا نجد السر
كنز نفيس نود الاحتفاظ به وحدنا دون اطلاع
أحد عليه….
لكن كان سرك جزءًا مني…..كنت مخطط مهم
لتنفيذ انتقامك…كنت اداة باترة لقطع عدوك..
مؤلمة تلك القصة فانتِ كنتِ الحب وأنا كنت
وسيلة الوصول الى أهدافك !!….
الم أؤثر عليكِ يومًا…. الم أحرك مشاعركِ نحوي
الم يغنيكِ حبي عن افكارك السامة المدمرة…..
دمرتني حقيقتك ياسيدة الحُسن…سرك الذي كُنت
في السابق اسعى لمعرفته صفعني بقوة عند لقائنا الأول…. حتى الان انا عاجز عن الوقوف أمام سرك….مزالت لم اتعافى من الصدمة !!…
سحب نفسًا خشن الى صدره كاد ان يقتلع ازرار
قميصه من شدة حدته….عيناه القاتمة كانت تجول
في سماء داكنة باردة وعقله شارد في دهاليز الوجع
والحزن…والغيرة تضرم صدره كشعلة مقتدة ثائرة….
هل الليل طويل في بلاد الغرب ام هو الذي ينتظر شروق الشمس بفارغ الصبر ؟!!…..
كان جالسًا في شرفة غرفة الفندق التي مكثت به
لأكثر من شهرٍ حتى تنهي قواعد المسابقة….
فازت كما توقع…وتهاتف عليها الجميع وتبعتها
عدسات التصوير هنا وهناك….
قطعت اميال وصولا الى حلمها….سافرت مع رجلا
غريب تثق به أكثر منه !!….رجلا ظهر في حياتها فجاة مكتسب ثقتها في لمح البصر…..
اظلمت ملامحه وتطاير الشرار من عيناه والغيرة
لهيب يحرق احشائه….
خطت شهد بخطواتها بتردد نحو الشرفة ثم طرقت
على باب الزجاجي المفتوح….قائلة بتردد..
“عاصم…..لازم نتكلم….”
دون النظر اليه قال بهدوء باتر….
“مش هنتكلم هنا….لما نرجع بلادنا وشقتنا هنتكلم..”
ربما صفة الجمع كانت ستسعد قلبها في وقتًا لاحق لكن الان صفة الجمع تؤلم قلبها فهو يلفظها ببغض
مستهجنًا هذه الصلة….
سحبت نفسًا طويلا مرتجف الى رئتاها ثم دلفت
اليه متمسكة بشجاعة رغم انتفاضة جسدها في حضور سيدهُ…..
تعلم انها استنزفت صبره وحبه لها…لكنه يظلمها بصمته وبنظرات الاتهام بعيناه….
“بس انا مش هسافر معاك…..”
قالتها بنية الاستفزاز حتى يخرج من قوقعة الصمت
الباردة التي يجمدها داخلها….
هب عاصم واقفًا امامها بملامح تنذر بالشر مسك ذراعها معتصرة بين قبضة يده وهو يقربها
منه بضراوة…
“يعني ايه مش هتسافري معايا…متفقين ترجعوا
مع بعض زي ما جيتوا هنا مع بعض….”
ارتفع حاجبيها بصدمة وهي تهز راسها بنفي
تبرر الوضع…..
“مفيش حاجة بيني وبين طارق….سفري معاه
كان لسبب….وهو ان المسابقة عن طريقة وهو
اللي رشحني ليهم….”
التوى فكه بألم متشنج ثم علق بسخرية
مريرة…
“لا والله كتر خيره…جدع….بيسعى عشان يوصلك
للي انت عيزاه….اما انا…..انا راجل مفتري ظالم حرمتك حتى انك تشتغلي بعد الجواز.. مش كده ؟!!…”
قالت شهد بذهول….. “انا مقولتش كده….”
هتف عاصم بنبرة خشنة جافية….
“عنيكي قالتها قبل لسانك….هو مناسب ليكي
مش كده…..اطلع انا منها واطلقك صح…..”
بهت وجهها وهي ترمقه بغير استيعاب والحديث
كان بمثابة مطرقة حادة ضربت راسها بقوة….
لم يعطيها فرصة للتخيل قربها منه أكثر بشراسة
صائح بعنف…..
“مش هيحصل ياشـهـد…اللي عملتيه مش هينفع
يخلص كده بورقة طلاق….”
علت انفاسها بهلع وهي تساله بصوتٍ
يرجف بعذاب..
“انت عايز إيه ياعاصم بظبط….”
هتف بصوت جهوري قاطع…… “عـايـزك…..”
نظرت الى ظلام عيناه برهبة….. “انـتـقـام؟!!…”
التوى فم عاصم في إبتسامة هازئة باهتة
المعاني…
“أمـال حـب….ينفع أصلا يبقا فيه بينا حب؟!!…”
كلمات اشبه بلكمات متتالية جعلتها تقول
بأنين خافت….”كان في حب؟….”
ضعف قليلا بقربها وتأثر بنبرة صوتها المتألمة لكنه
لم يسمح لهذا الشعور بهزيمته أمامها….ترك عاصم
ذراعها بحنق…..
معلق بنبرة مذاقها كالصدى….
“من طرفي انا بس ومات بافعالك….مات بعد ما عرفت حقيقتك….سرك ياشـهـد…..”
نزلت دموعها وهي تقول بأسى….
“انت ليه مش قادر تصدق….ان كل ده كان في الأول
بس…بس بعد كده حبيتك….ورجعت عن اي حاجة
كنت بفكر فيها الأول…..”
استوطن عاصم عينيها بنظرة قوية وهو
يقول بتجهم…..
“واي دليلك….انتي عمرك ما كُنتي معايا بقلبك…
طول الوقت كنتي حاطه سور بينا..ولا هتنكري؟!!…”
اختلج قلبها بين ضلوعها جراء نظراته القوية عليها
مما جعلها تسبل جفنيها مرتبكة….
“مش هنكر…. بس ده ملوش علاقة باللي بنتكلم
فيه..”
اوما براسه بملامح واجمة….
“كل حاجة عشتها معاكي متوصلة ببعضها…واديها اتعرفت دلوقتي…”
رفعت عينيها الى تستجدي به
بيأس…
“انت ظلمني ياعاصم…..”
هز راسه بنفي وهو ينظر إليها بحيرة مستنكرًا
الأمر….
“إزاي قادرة تفكري وتحلمي وتسافري وتروحي وتيجي بعد كل اللي حصل….انا لحد دلوقتي واقف
في نفس المكان….انا لحد دلوقتي مش مستوعب
ان الضربة جت منك انتي…انتي ياشـهـد…”
ذبحها بنبرة صوته التي تقطر مرارة الخذلان….
فاقتربت منه خطوتين للامام تناديه برجاء…
“عـاصـم…..”
“ابـعـدي…”قالها عاصم بحزم وهو يرجع ثلاث خطوات للخلف رافع يداه الاثنين في اشارة
صارمة ألا تقترب منه….
مما جعلها تجفل بوجع ناظرة اليه بعدم تصديق..هل
ينفر من قربها ولمستها….بعد ان كان يستهوى قربها ويلقي القصائد لعينيها !!…
الى اين وصلنا ، هل نحن في قاع الجحيم ؟!!…
رفع عاصم سبابته وهو يقول بصوتٍ قاسٍ….
“اللي بقوله ده مش هيغير حاجة من ناحيتك…طلاق
مش هطلقك….وهتفضلي على ذمتي لا طيلة تبقي
معايا ولا مع غيري…..”
عاد للجلوس على المقعد قائلا بصلابة…
“ياريت تروحي تحضري شنطك….عشان عندنا
طيارة الصبح بدري….”
على تنفسها بالغضب وهي تلفظ
“بس انا مـ…..”
اوقفها بنبرة جادة صارمة….
“هششش….كفاية صداع…..روحي نامي…”
ضربت الأرض بقدميها بضيق وهي تبتعد عنه على مضض…القت نفسها على الفراش بعصبية ودفنت وجهها بين الوسائد تبكي بصمت…تتجرع مرارة خسارته وقسوة قلبه عليها…
بينما هو ظل طوال اليل مستيقظًا في الشرفة
يهدر في شرب السجائر حارق صدره واعصابه
بها والافكار السوداوية تلاحقه بضراوة كانت
بمثابة سوط يجلده بقسوة….
في صباح اليوم الثاني خرج من الشرفة بعد قضاء ليلة مضنية في هواء الليل البارد…ليلة موحشة
بالافكار مثقلة بالاحزان والهموم…
رفع عيناه عليها فوجدها منبطحة على بطنها تغط
في نومًا عميق…..تنام باريحية وشعرها الناعم يغطي
معظم وجهها مفترش الوساده من حولها كالوحة
فنية….
اقترب منها على مهلا غير قادر على السيطرة على هذا الشعور الذي يستحوذ عليه، يحثه على الاقتراب منها وتمتع بنظر اليها ولو قليل….
جثى على ركبتاه بالقرب من فراشها بقلب ولهان
ياتي عندها ويلهث متوقفًا منتظر القليل من
الإهتمام والقليل من الحب !!……
مد يده وازاح خصلات شعرها الناعمة عن جفونها المغمضة…
متأملا حنايا وجهها الإبي بجمالا…متشرب بعيناه حُسنها الملكي…حُسنًا امتنع عنه بصعوبة….مكبل مشاعره وشوقه لها بسلاسل من حديد….
تارك غضبه يقوده نحوها كقطار دون مكابح
يجري بسرعة الصاروخ مدمرًا كل شيء…..
تارك خلافهما يقف بينهما بالمرصاد يمزقهُ قبل
ان يخدشها بكلمة !!..
ثمة اسئلة تدور في راسه ومشاعر تمزق وجدانه…
لماذا متمسك بها حتى الان… لماذا لا يتحرر من
حبها….
انتزاعها من حياته يشبه أقتلاع الجذور من ارضها
كالهجر قسرًا…كالحرب عنفًا….كالموت بغتًا…كالحب
لعنة !!…
بالفعل حبها لعنة ولا يود تركها او ابطال مفعولها ؟!..
“شـهـد……. شـهـد….”
نداها بصوتٍ خشن وهو يربت على خدها ببعض الحدة…
فتحت عيناها بصعوبة وهي تئن بوجع… فبلع عاصم ريقه وهو يسيطر على رابط الجأش….
توسعت عسليتاها عند النظر اليه وكأنها تفيق على
أحداث الامس….فقالت بعد لحظة صمت…
“عـاصـم !!…”
تطلع الى هاتين العينين الجميلتين كشمسان متوهجتان في صباح مشرق…وشفتيها الجميلتان اللتين تهمسان بأسمه بنعومة وضياع…..
اسبل جفنيه وهو يبعد يده عن وجنتها ناهضًا
وهو يقول بأمر….
“قدامك نص ساعة تحضري نفسك…عشان نلحق
الطيارة….”
وامام عينيها الحزينة دلف الى الحمام الملحق
بالغرفة…وبعد ان اختفى عن مرمى عيناها وضعت يدها على صدرها الخافق بقوة تئن بتعب وقلبها يشتهي قربه !!….
بعد فترة كانت تقف امام المرآة بطاقم كلاسيكي
أنيق مصففة شعرها للخلف في ضفيرة سنبلة
قصيرة تترك غرتها الجميلة تداعب جبينها..وتضع
القليل من الزينة التي تخفي الارهاق والحزن على
وجهها الشاحب….
حملت حقيبتها على كتفها وهي تقترب من شرفة الغرفة قائلة باختصار….
“انا خلصت……”
استدار إليها يرمقها بنظرة سريعة ثم اشاح بوجهه عنها مقتضب….ثم اقترب منها قائلا….
“طب يلا….السواق مستني تحت….”
خرجا من الفندق معًا الى السيارة التى تصف جانبًا
استقلا بها ثم انطلقت بهما للمطار….ومن صالة المطار
الى متن الطائرة ودعت البلدة التي شهدت على حلمها وحققت على ارضها جزءًا منه…..
ساد الصمت في كلتا الرحلتين…صمت خانق مرهق على قلوبهما…وساعات طويلة دون كلمة دون نظرة
واحده….
رفضت ان تبلغ شقيقيها بمعاد عودتها فالوضع بينها
وبين عاصم متوتر…ويسوء ولا تريد ان تقحم عقولهما ومشاعرهما معها أكثر من ذلك….
يكفي الحزن والقلق التي سببته لهما في الفترة
السابقة….عليها ان تحذم أمتعتها وحدها دون
الاتكال على أحد…
…………………………………………………………
وقفا معًا امام باب الشقة الفخمة وامام عيناها المراقبة وضع عاصم المفتاح في المزلاج وفتح
الباب مدخل حقائبها الى الداخل….
دلفت بقدمها اليمنى الى الشقة التي تم تشطيبها
كما رغبة سابقًا وتم فرشها من قبل مصمم الديكور
أول شيءٍ استوقفها عند النظر الى زوايا الشقة
هذا الحائط المطلي بالون الاسود الفحمي في
ركن منعزل…قد رُسم في منتصف الحائط زهرة بيضاء تسقط اوراقها ارضًا بانسيابية حزينة
معبرة عن خيبات أمل كبيرة…..
تتذكر ان عاصم هو من أختار هذا التصميم وطلب
تنفيذة…..الى ماذا يرمز ؟!!…الى حلم هاجرها سابقًا
ام الى حب منزوي جانبًا !!…
بلعت ريقها وهي تقاوم غصة مختنقة بالبكاء….
بينما قال عاصم بنبرة غليظة…
“اوضة النوم على ايدك الشمال….أكيد لسه فاكرة
مكانها…..”
اكتفت شهد بايماءة مذعنه وهي تتحرك الى رواق الغرف وتجر خلفها حقيبة سفرها راقب عاصم ابتعادها بوجه متغضن بالألم وصدر مثقل
بالهموم….
بعد ان رتبة اغراضها في غرفة النوم وبدلت ثيابها لأخرى مريحة……خرجت من باب الغرفة تشعر بالاختناق في هذا السجن المشدد….بحثت عنه بعيناها لتراه يقف على بعد خطوات منها يوليها
ظهره وهو يتحدث عبر الهاتف….
توقفت مكانها مبهوته وهي تسمعه يتحدث
بصوتٍ رخيم حاني…..
(الله يسلمك ياحبيبتي….لا متقلقيش انا كويس….يمكن اعدي عليكي اليلادي….استنيني
بس بلاش تنامي زي كل مرة….)
سحب نفسًا عميق الى رئتاه متابعًا على
مضض….
(أيوا معاها….لا اطمني بعيد عنها….)
شعرت بان الأرض تمتمد اسفلها وهي تنظر إليه بصدمة محاولة فك شفرات تلك المكالمة….مع
من يتحدث ؟!!….
رفيدة ؟!!…
قفز الاسم في خاطرها كقذيفة انفجرت فوق راسها بعد حديثه عن الزواج بأخرى…أكان يستفزها ام انها
الحقيقة التي تراها الان بعيناها…
استدار عاصم اليها متفاجئًا بوجودها خلفه على بعد
خطوات….تبادلا النظر بصمت مخيف ولم تقدر على اخفاء غيرتها واستيائها فقالت بسخط….
“وصلت بيك البجاحة تكلمها وانت معايا…اي
وحشاك لدرجادي؟!!….”
خط عاصم خطوات ثابته نحوها ثم توقف معقب
بسخرية….
“بجاحه ؟!…انتي آخر واحده تكلمي عن البجاحه..”
زاد انفعالها شراسة وهي تصيح….
“ليه بقا هتمسك لساني هتحط دي قصاد دي…يعني
مكنش كلام وخلاص…انت فعلا عايز ترجع لها..”
هدر بنبرة مهيبة اجفلتها…..
“عاصم الصاوي مبيقولش كلام وخلاص…لما
بيقول حاجة بينفذها…”
برقة عيناها بغضب صائحة
بعنفوان….
“على جثتي لو فكرت تتجوزها….”
بملامح جافية وبسمة باهته قال….
“جوازي منها هيبوظ خطتك مش كده…هتبقا شريكتك في كل حاجة…..”
“خطت إيه ؟!!!….”وكأنه صفعها على حين غرة فرجعت خطوة للخلف مصدومة….
بينما هدر هو بعينين تنفثان لهب….
“خطتك ياهانم…..خطتك من أول ما أخوكي جه لحد عندي طالب يأجر المطعم…عشان يحطك في طريقي وتبدأ تمثليتك….”
صاحت شهد بلسان كسياط…..
“انت سامع انت بتقول إيه…مصدق نفسك بجد…
انا مش محتاجة اعمل خطط ولا انا بتاعت خطط
انت ناسي انك من أول يوم شوفتك فيه…وانت اللي بطاردني مش انا……”
عقب بنبرة مهيبة…… “بطاردك ؟!!….”
اضطربت من نظرة عيناه المخيفة فقالت
بتراجع…. “اللي اقصده انك مـ…”
اوقفها عاصم بنبرة باترة قاسية……
“مشيها اني كنت بطاردك ولسه بطاردك لحد دلوقتي مش حب فيكي…..دا عشان اندمك على اليوم
اللي فكرتي تقابليني فيه…”
قالت شهد بقلة صبر تبرأ نفسها….
“انا مكنتش مخطته لحاجة انا مكنتش اعرف
اصلا انها مرات عمك…..”
اوما عاصم براسه يسايرها بملامح واجمه…
“ولما عرفتي عملتي إيه…..قولتي الحقيقة حكيتي
اللي تعرفيه….فضلتي تخبي وداري عليا…كدبة ورا
كدبة لحد ما وصلنا لهنا…..”
وامام عينيه القاسية اسبلت جفنيها ارضًا بحرج
كتلميذة مذنبة أمام استاذها…كسرت الثقة
والاحترام بينهما….
فتابع عاصم وهو يأخذ نفسٍ مؤلم على
صدره….
“كان هدفك تعيشي في بيت العيلة راسك تبقا
براسها….وابنها….مخدتيش بالك قبل كده من
نظراته ليكي… طريقة كلامه معاكي….”
رفعت شهد عينيها اليه بصدمة…قد غافلها باتهام
يُقال بعيناه قبل لسانه…..اتهام دب في قلبها
كالخنجر السام….ولم تكن المرة الأولى !!…
ازدادت نظرة عاصم بغضٍ…..
“لو مكنتيش حاطه ابنها هدف في دماغك…كنتي
حكتيلي….على الاقل كنتي طلبتي نسيب البيت..”
قالت بغصة مختنقة غير مستوعبه بعد انها تبرر
هذا الامر له هو !!……
“يزن عمره ما كان هدف بنسبالي…ولا كان ممكن احارب إلهام بطرقتها…اني ادمر ابنها زي ما دمرتنا
احنا التلاته زمان….”
ثم قالت بصوتٍ خافت واهٍ…..
“وانت لحد دلوقتي مصمم… اني خونتك معـ…”
وقبل ان تكمل حديثها وجدت ظهرها يرتطم
بالحائط خلفها بعنف بفعل يداه القوية التي
دفعتها…..
نظرت شهد اليه بفزع لتراه يهدر من بين
أسنانه بشر….
“لو كنت متأكد من خيانتك ليا كنت دفنتك
من أول يوم….”
على صوت تنفسها خوفًا وهي بين يداه بينما
هدير انفاسه العالي يعلن عن ضراوة غضبه
بقربها….
لم تستسلم امام طوفان الغضب بل قالت
ببسالة…”واتهامك ده معناه إيه؟!!….”
جردها بنظرة قاتمة وهو يقول بجفاء….
“معناه انك انسانه مستهترة كنتي شايفه الحقيقة وبتنكريها ومكملة في طريقك عادي بحجة كرهك
لالهام وابنها…..”
تلك الصفعة كانت اقوى من سابقها فقد القت
بها في العراء…في رقعة منزوية عن العالم باردة
بلا مأوى….
تابع عاصم بقنوط….
“لو كنتي بتحبيني وبتحترميني كان أقل حاجة تطلبيها ان احنا نسيب البيت ونبعد عنهم…لكن انتي
معملتيش كده….انا اللي عملت ده بعد ما شوفت
نظراته واهتمامه بيكي…”
ازعجها الحديث بشدة لدرجة تمنت ان تبتلعها
الأرض وتنتهي تلك المأساة بينهما للابد….
قال عاصم بنبرة خافته متألمة…
“انا خسرت يزن ياشـهـد بسببك….وكان عندي استعداد اخسر الدنيا كلها عشانك بس تكوني
على حق مش على باطل…..”
سالت الدموع من عينيها وهي تنظر اليه
بلوعة قائلة بعذاب…..
“للمرة الألف هقولهالك… انا عمري ما خونتك ياعاصم…ولا حتى في خيالي…انا غلط…ودفعت
التمن لما خسرت اللي في بطني وخسرت حبك
ليا…كانت في الأول خطه عشان انتقام منها
واقهرها بوجودي معاها في نفس المكان….بعد
ما كانت السبب في تشميع المطعم….”
اضافت بنبرة تتجرع مرارة الحب….
“ودا مش دليل خالص اني وافقت على الجواز منك عشانها….انا وافقت عشان حبيتك…وارتاحت معاك
رفضي ليك قبل الجواز مكنش تمثلية عشان اقربك
أكتر مني….لا واللهِ كل لحظة عشتها معاك من أول يوم شوفتك فيه لحد دلوقتي….كانت حقيقية مفهاش كدب ولا تمثيل….”
مسحت دموعها بظهر يدها وهي تصمد امامه
كأمراة لا تقهر مضيفة…..
“لو فعلا نويت ترجع لرفيدة وتكمل معاها…ياريت
تنهي اللي بينا…عشان انا مقدرش أكون مجرد زوجة أولى….ترجعلها وقت ما يهف عليك الغرام…”
بعينين تقدحان شرار هتف بغيرة…..
“قولتلك اني مش هطلقك….وهتفضلي كده لا
عارفه تكوني معايا ولا مع غيري….”
صاحت بنفاذ صبر….
“ومين قالك اني عايزه أكون مع غيرك…طلع
طارق من دماغـ…”
قبض عاصم على فكها فجاة بقسوة وقربها منه
بعنف هادرًا بغضب….
“اياكي تنطقي اسمه تاني على لسانك…لا الكلب
ده ولا غيروا يقدروا ياخده حاجة ملكي….”
قالت بعنف وهي تلكمه في صدره محاولة
ابعاده عنها… “انا مش حاجة… ومش ملكك….”
ترك فكها الذي تخدر بين قبضته….وهجم فجأة
على خصرها يقربها منه بوحشيه…
“كل حاجة فيكي تخصني….كل حاجة فيكي
ملكي….ودي الحقيقة اللي مش هتقدري تغيريها
بينا….”
بث جسدها رجفة ملتاعة….وخفق قلبها بوجع وثقلت
انفاسها باضطراب…فقاومة بعنفوان مشاعرها الخائنة وهي تقول بسخط….
“وياترى بتقولها نفس الكلام ؟!…”
لم يرد عاصم عليها بل ظل مأسور بعسليتاها المرتبكة وخصرها الذي يبث على يداه رجفةٍ تهفو اليه خلسة….
سألته شهد بنبرة شجنة…..
“انت معاها من ساعة ما سبنا بعض مش كده…
اتكلمت معاها كام مرة؟!…لمستها؟!…خدتها في حضنك؟!… طب اتفقتوا هترجعوا امتى؟!….ولا
انتوا خلاص رجعتوا لبعض وبقت على ذمتك !!….”
ظلت عيناه متعلقة بها قليلا…حتى
قال ببرود….
“مش مجبور اجاوب على اسئلتك….”
حاولت شهد التملص منه مستهجنة…
“بظبط…انا كمان مش مجبورة أكمل معاك طلقني…”
شدد على وثاق خصرها وقربها منه وهو
يهتف امام وجهها بسطوة..
“نجوم السما اقربلك من الطلاق….”
قالت بزمجرة حادة….
“هطلقني ياما هرفع عليك قضية خلع….”
اشار بعيناه على الباب….
“لو عرفتي تخرجي من هنا….ارفعي القضية
اللي تعجبك….”
تركها اخيرًا وهو يضحك ضحكة باردة مبهمة
جعلت الرعب يدب في اوصالها….
وقفت تراقبه باعصاب مشدودة حتى انهى ضحكاته القاسية بتدريج فسالته بتلعثم…..
“يعني إيه…انا هفضل هنا لحد امتى…..”
اتجه عاصم الى اقرب مقعد وجلس عليه قائلا ببلادة….”ادينا قعدين انتي وراكي حاجة ؟!!…”
أوغر صدرها بالغيظ وهي تقول….
“ورايا شغلي فلوس المسابقة هفتح بيها مطعم
جديد وهشتغل فيه….ورايا عروض دعاية لازم اعملها…”
اظلمت عيناه وهو يعقب باقتضاب….
“لازم ؟!!…الغريبة انك عارفه رأيي في شغلك ومصممة عليه….”
قالت بجدية….. “عشان دي حياتي….”
هتف بنبرة باترة….”حياتك معايا أنا…”
ابتسمت بمرارة مستنكرة….
“بالوضع ده متبقاش حياة….دا بقا كابوس….”
اجابها بنبرة واجمه حازمة….
“كابوس انتي اللي اختارتي تعيشينا فيه..اتحملي
بقا نتيجة اختيارك…..”
كادت ان ترد رافضة حياة العبودية التي يمارسها
عليها بمنتهى التجبر لكن جرس الباب الجم لسانها
والطرق العالي الذي يليها جفل كلاهما فنهض عاصم
من مكانه يأمرها وهو يتجه صوب الباب…
“ادخلي جوا اما اشوف مين اللي بيخبط كده…”
لم تتحرك من مكانها بل ظلت واقفه تراقب بعينيها
ما يحدث عند الباب…..
عندما فتح عاصم الباب تفاجئ بوالدها عثمان يقف
عند الباب ومعه ثلاثة رجال من الشرطة أعلاهم
رتبة تحدث بسؤال حاسم…..
“انت عاصم الصاوي….”
اوما عاصم بنظرة ثاقبة…
“ايوا أنا…. خير ؟!!..”
هلل عثمان باسى متقن الدور….
“هيجي منين الخير وانت حابس بنتي عندك…”
ارتفع حاجبي عاصم….. “حبسها ؟!!….”
أكد عثمان بنظرة خبيثة….
“ايوا حبسها ولا انت مفكر عشان جوزها هتستعبدها وهتعمل ما بدالك فيها…إيه هي البلد مفيهاش قانون… ”
تدخل الضابط متحدثًا بعملية وحزم…
“السيد عثمان الدسوقي بيتهمك بحبس بنته
شهد الدسوقي وتعديك عليها بالضرب المبرح
حتى فقدت الجنين…وهو معاه أوراق وشهود
بتثبت الوقعة…”
تشنج فك عاصم وتضرم صدره بالغضب وهو
ينظر الى عثمان الذي أبتسم له بخساسة..
بينما كانت شهد تتابع ما يحدث من بعيد بصدمة
لم يتراجع والدها عن ما خطط اليه سابقًا….وقد
انتظر عودتها حتى يفجر الذخيرة في وجهها…
سمعت الضابط يأمر عاصم
بصرامة…
“فياريت تيجي معانا من غير شوشرة….”
خفق قلبها بهلع وهي تندفع نحوهم متشبثه
في ذراعه زوجها وهي تقول بخوف….
“يجي معاكم فين….مفيش حاجة من دي حصلت…
انا كويسه ومفيش اي حاجة….عاصم معملش
حاجة….”
صاح والدها بصوتٍ دق كنأقوس الخطر…..
“بتقول كده تحت التهديد ياحضرة الظابط…
مهددها انه هيقتلها لو طلبت الطلاق منه….”
جحظت عينا شهد بصدمة وهي
تقول بنفي…
“لا الكلام ده مش حقـ..”
اوقفها عاصم وهو ينزع يدها عنه برفق…قائلا
بنظرة قاتمة…
“خليكي هنا… دا إجراء قانوني ولازم يتعمل…”
وقبل ان ترفض صاح والدها من خلفهما
بلؤم….
“ازاي هتخليها هنا….دي لازم تشهد ضدك في
المحضر…ولا اي ياحضرة الظابط….”
اوما الضابط مؤكدًا بقلة صبر…
“أكيد المدام كمان لازم تيجي معانا….”
جز عاصم على اسنانه بقوة وفتيل صبره يحترق
ببطئ…فقاوم بصعوبة رغبته في القتل الان…..
رأت شهد عضلات وجهه تزداد تشنج خطر…محمر العنق منتفخ الأوداج بصورة ملحوظة….اما عيناه فمن شدة ظلامها المريع تبث في البدن الرعب
وكأنك وقعت للتو في قبو مظلم مخيف !!….
تستدل من انفاسه الهادرة بقوة بانه على
حافة الغضب…..
اقتربت شهد منه ومسكت ذراعه بحنان ترجوه
بعيناها ولمستها ان يهدأ قليلا…
فلم يستطع النظر لعينيها بل نظر للضابط
مكتفي بالموافقة باقتضاب…
“تمام…ممكن تستنونا تحت ربع ساعة بظبط
وهننزل….”
اوما الضابط براسه يأمر العسكري
بحزم….
“استنى يابني قدام الباب لحد ما يخلصوا….”
وبعد ان استقلوا المصعد اغلق عاصم الباب والعسكري ينتظر بالخارج…
دلف الى الغرفة دون تعليق فسارت شهد خلفه
تنادي برجاء…..”عـاصـم….”
توقف مكانه ودون النظر اليها أخبرها بنبرة صارمة
متوعدة….
“افتكري ان ابوكي هو اللي بدأ… والبادي أظلم….”
توقفت مكانها بصدمة مصعوقة كمن ضربتها صاعقة رعدية لتراه يتابع طريقة الى أحد الغرف الذي صفق بابها بقوة معلن عن بدأ الحرب مع الجميع وعلى رأسهم هي !!….
……………………………………………………
كانت تشاهد التلفاز بنظرة حزينة وذهن شارد فاقتربت منها أمها وجلست جوارها على الاريكة
قائلة بتبرم وهي تنقي الحصى الصغير من طبق الأرز…..
“هتفضلي على الحال ده كتير…”
زفرة نجلاء وهي تقول بمقت…
“عايزاني أعمل اي يعني يامه…. أولع في نفسي
عشان ترتاحي….”
لوت والدتها فمها ببغضًا وملل…
“ايوا ياختي…هو ده اللي انتي فالحه فيه… لكن
ترجعي لجوزك وتهدي الدنيا بينكم…لا إزاي لازم تعاندي وترفسي النعمة بايدك زيك زي اللي جابك…هو مات من شوية….كان فقري زيك
ونمرود…. ”
نزلت دموع نجلاء وهي تقول بشجن….
“الله يرحمه اهو أرتاح…..ومفيش حد تعبان
في الدنيا دي غيري…..”
تنهدت والدتها وهي تقول بجزع…
“انتي اللي تعبه نفسك لو تليني دماغك دي
شويه هترتاحي وتريحيني معاكي من حرقة
الدم دي……”
صاحت نجلاء بغضب وتمرد…
“مش هرجعله يامه…احنا خلاص اطلقنا رسمي يعني
مبقاش جوزي فضناها بقا….انا مش هرجع لواحد كداب…. كدب عليا وفهمني انه أعزب…وطلع متجوز
ومخلف كمان….انتي ليه عايزة ترميني الرمية دي بس… هو انا مش بنتك ؟!!… ”
هزت والدتها راسها بشك….
“بنتي….بنتي اللي خايفه عليها من اللي بيدور
في دماغها…..”
اهتزت حدقتي نجلاء
بتوتر….
“تقصدي اي يامه ؟!!..”
لوحت والدتها بيدها منزعجة…
“اقصد إيه؟!!…انتي هتعمليهم عليا يابنت بطني..
اقصد الشملول اللي ملهوفة عليه…حتى بعد
ما أتجوز غيرك….”
خفق قلب نجلاء بلوعة وهي تسبل اهدابها
مغمغمة بصعوبة…
“انا اللي اتجوزت غيره الأول وسبته كنتي عيزاه يعمل إيه….اهو خد أول واحده وقعت في سكته…بنت عمته….”
ابتسمت والدتها باستهانة….
“دا كلام بتضحكي بيه على نفسك…بالك هو مش مبسوط معاها يعني….ملهوف عليكي زي مانتي
هتموتي روحك عشانه….اعقلي يا نجلاء حمزة
نسيكي خلاص….”
سالت الدموع من عينا نجلاء وهي تقول
بانفعال….
“كله بسببك….انا خسرته بسببك…لو كنت صبرت
عليه كان زماني معاه دلوقتي….كان زماني مكانها
ضيعتي مني حب حياتي…مشيت وراكي مغمضة
لحد ما ضيعتيني….”
علت ملامح الصدمة وجه والدتها وارتفع حاجبيها
معًا بحدة وهي تقول بقسوة…
“بتلوميني بعد دا كله يانجلاء….دا انا عملت دا كله لمصلحتك دا كان واد صايع فاتح صدره ومش
بيهمه حد بيتنقل من موقف للتاني بحتة عربية خردة وطول الوقت هو وابوه في مشاكل العمارة
كلها كانت بتتفرج عليهم….قعدتي سنتين مخطوبة ليه يانجلاء مجبش حتى اوضة إيجار قديم تلمكم…”
اضافت بصلف مزمجرة…..
“انا اختارت سامح مش من فراغ…دا كان الجدع الوحيد اللي هيعيشك برنسيسة….”
ابتسمت نجلاء بمرارة….
“اه بامارة انه مد ايده عليا…وطردني من الشقة
ومرضاش يطلق غير لما ياخد كل حاجة جبهالي
جدع فعلا….وبقيت معاه برنسيسة… ”
قالت والدتها بجفاء مهاجمة….
“انتي اللي طولتي لسانك عليه يابت ومصبرتيش لحد ما تسمعي منه…وفي الاخر جه لحد هنا كذا
مرة وانتي اللي مرضتيش تقابليه….عارفه ليه…”
اجابتها نجلاء بكراهية….. “عشان مش طيقاه….”
قارعتها والدتها بالحديث…
“لا ياختي عشان مستنيه حمزة اللي عمره ما هيفكر
يبص في وشك من تاني….بذات بعد ما اتجوز وعاش
حياته….”
نهضت نجلاء من مكانها وهي تدب على الارض
بقدميها بعصبية وقهر…..
“حرام عليكي يامه…انتي بتعذبيني بكلامك ده..
حرام عليكي….ارحميني….”
نهضت امها من مكانها تقارعها بقسوة وتجردها
من وهم تلفه حول عنقها يومًا بعد يوم….
“حرمة عليكي عيشتك…. لازم تسمعي الكلام اللي هيرجعك لعقلك…اعقلي يانجلاء انا مش عيشالك العمر كله….ولا هفضل فرحانه بقعدتك جمبي كده وانتي مستنيه الشملول يحنن قلبه عليكي….”
اشاحت نجلاء بوجهها وهي تبكي بحرقة
وحسرة……
صدح جرس الباب في تلك الأوقات..وقبل ان تدلف
امها الى المطبخ لتتابع عملها أمرتها بنبرة جافة..
“كفاية عياط ياختي وروحي افتحي الباب…تلاقيه البواب جاب الطلبات من السوبر ماركت….”
مسحت نجلاء دموعها بانكسار وهي تقترب
من الباب….
فتحت نجلاء الباب ورفعت عينيها على الطارق لتقابل أبغض وجهٍ راته في حياتها….
من كانت تتولى دور الحماة بجدارة وتضايقها
بشتى الطرق….غيرةٍ على اخيها الغالي….أختٍ
صغيرة مدللة عنيدة تريد ان تكون محور إهتمام
الجميع….وهذا ما كانت تبغضه بها….
اما الأخت الكبرى فرغم تقاربها من حمزة وعلاقتهما المثالية كأخوة إلا انها كانت جيدة في اخفاء مشاعر غيرتها عليه…ومتعقله في التعامل والحديث مع
من يخصه….
عكس تلك العقربة كانت تبحث عن الكلمات المبطنة
المهينة لترميها بها كقذائف نارية…دون ذرة رحمة…
لهذا تبغضها و….وتخافها…..تخافها بشدة !!…….
بلعت نجلاء ريقها وهي تلفظ اسمها تحت تاثير
الصدمة….”كيان ؟!!…”
توسعت ابتسامة كيان بلؤم….
“وحشتك صح…. باين على وشك….”
بهت وجه نجلاء أكثر وهي ترى كيان تدلف الى الشقة
مغلقة الباب خلفها….وسارت باتجاه الاريكة وجلست
عليها دون دعوة !!…
ربتت كيان على الاريكة بجوارها قائلة بابتسامة
ودودة……
“تعالي يابت يانوجة قعدي جمبي….وحشني
النقير معاكي أوي….تعالي…. تعالي… ”
اقتربت نجلاء منها على مضض وجلست
بجوارها…فقالت كيان بتبسم….
“عامله اي مع جوزك صحيح..”
قالت نجلاء بوجوم….. “انا اطلقت….”
ادعت كيان التأثر……
“تؤتؤ ياحبيبتي…ودا من إيه بقا احكيلي…”
اتكأت نجلاء على اسنانها مغيرة الحديث
بحقد….
“اللي حصل بقا…..مبروك على جوازك
انتي….سمعت انه محامي معروف… وغني…”
ارتفع حاجب كيان بخبثٍ وهي تقول….
“اه بظبط….أبن ناس…. على العموم الله يبارك فيكي…. مع انها جايه متأخر بس انا عذراكي
من كتر الـغـل…قصدي الغلب يعني مقدرتيش
تحضري مش كده…”
ثم استرسلت كيان بمواربة لئيمة…
“ولا تكونيش مجتيش عشان كانت ليلتي مع اخويا
وكده….لا أزعل وربنا…..احنا جيران يانوجه… واللي حصل زمان ده قسمة ونصيب….”
امتقع وجه نجلاء بالغيرة والندم….فاضافت
كيان بنبرة متشفية…..
“واهو حمزة الحمدلله أتجوز واحده بيحبها..
بيحبها إيه أستغفر الله….دا بيعشق التراب اللي بتمشي عليه…..
والاجمل بقا انها مش غريبة عننا آه وربنا بنت عمتنا…بت جدعه وصفية كده من جوا…..مش
صفرة خالص….حلوة كده وبتحبنا….عوض ربنا
ليه بقا….ربنا يسعدهم…ويبعد عنهم خرابين
البيوت اصلهم كتروا اوي يانوجة….”
نظرت اليها نجلاء جافلة الملامح….فقالت
كيان بنظرة حادة كسهام…..
“الواحده من دول ياختي تلاقي الراجل متجوز وبيحب مراته…. يحلو فجأة في عنيها تقعد
تلف ودور حوليه تلف ودور….وشوفي بقا البجاحة مش مستكفيه انها بتمسح بكرامتها معاه الأرض
لا….دي بتبعت رسايل لمراته وبتوقع ما بينهم…
“قال ايه جوزك بيخونك….خلي عندك كرامه وسبيه
طب ما تخلي عند أمك انتي كرامه وتبعدي عنهم..”
احتقن وجه نجلاء بشدة وهي تطرق براسها
ارضًا فكانت كلمات كيان بمثابة طلقات نارية
تمزق صدرها وقلبها…..
اخرجت كيان زفرة مستاءة وهي تربت على
ركبة نجلاء مضيفة بأسى…..
“اسكتي يانوجه ياختي…. الناس اخلاقها بقت
في الأرض…..تقوليش بيلاقوا كرامتهم في
الشارع…. ربنا يعافينا من اشكالهم…. ”
نفذ الصبر لدى نجلاء فقالت
بحنق….
“انتي جايه ليه ياكيان….”
هتفت كيان بجمود دون مواربة أكثر….
“جايه اقولك ابعدي عن أخويا….وبلاش شغل الصعبنيات ده…أخويا بيحب مراته وهي كمان
بتموت فيه…..عايزة تسمعي أكتر من كده..ولا اسمعك..”
ارتفعا حاجبي نجلاء وهي تتشدق بذهول….
“جايه تدفعي عنها ؟!!..غريبة أوي….انتي الوحيدة
اللي مكنتيش عايزة اخوكي يتجوز عشان ميبعدش عنك….ويحب مراته اكتر منكم….”
ابتسمت نجلاء قائلة باعجاب رغم الضغينة التي تحملها بصدرها نحو غريمتها…..
“دي لازم بنت عمتك دي تاخد جايزة…انها خلتك
تحبيها وتدفعي عنها…لا وتخافي كمان على خراب بيتها مني !!..”
ساد صمت عنيف بينهن وهم يتبادلا النظرات
بعدائية وسخرية….فهم لم يكونا يومًا على
وفاق وهذا بسبب حمزة…واليوم لنفس السبب
تاتي لتدافع عنه كي يرتاح في حياته مع
أخرى ؟!!….
النتيجة واحده…..لكن الاختلاف شاسع…كسماء
والأرض تمامًا !!….
قالت كيان لها بنظرة حزينة ونبرة صادقة
متأثرة….
“اه خايفه عليها… عارفه ليه…. عشان هي عملت
اللي مقدرتيش انتي تعمليه معايا يانجلاء…بقت
اخت كبيرة ليا…اخت بجد مش كلام….وبقت هي وشهد دلوقتي عندي غلاوة واحده ولو حاولتي بس
تضيقيها تاني برسالة ولا بمكالمة ولا بحركة بايخة من بتوعك….مش هتكلم معاكي بلساني…وانا
محنونة ومعنديش مشكلة خالص اطلع عليكي جناني…”
قصف صوتٍ على بعد خطوات من جلستهن
يقول بضجر وعداء….
“كفاية لحد كده ياكيان واطلعي برا….أخوكي مبقاش يلزمنا خلاص اطمني.. بنتي هترجع لجوزها ولحياتها
من تاني…..”
نهضت كيان من مكانها تحمل حقيبتها باعصاب
تلفت من تلك المقابلة المستنزفة للكثير من
مشاعرها وصبرها….
قالت لوالدة نجلاء بتبرم تحذرها….
“يبقا احسن برضو يام نجلاء….خلي الكل يرتاح
بقا….عقلي بنتك ونبي….لحسان بالشكل ده
هتفضحك في العمارة كلها….”
خطت كيان صوب الباب وخرجت منه بخطوات
أنيقه منتصرة عليهن بذكاء….بعد ان سددت أكثر
من هدف ضدهن…..
وقفت نجلاء بخوف تواجه غضب
امها الجارف…..”يامه انا مـ….”
صفعتها والدتها تخرسها وهي تقول بقسوة….
“اخرسي وصل بيكي الحال يابت انك تتذللي ليه
عشان يرجعلك….وتبعتي رسايل لمراته توقعي بينهم….على إيه ياختي دا كله….على إيه…”
وضعت نجلاء يدها على خدها وهي تبكي
بحرقة قائلة بعذاب…
“بحبه يامه….بقولك بحبه….”
لوحت امها بيداها الاثنين مستهجنة من أفعال
ابنتها…..
“وهو مش عايزك ياختي ولا طايقك…دا باعت
اخته مخصوص عشان تحرق دمك بالكلام خلي
عندك شوية دم وكرامه بقا…. فضحتيني قدامهم كلهم…وبكرة العمارة كلها تسمع بينا لو فضلنا على الحال ده…”
رفعت امها اصبع التحذير بصرامة تأمر… قائلة
بنبرة باترة غاضبة…..
“اسمعي يابت…انتي هترجعي لجوزك…انا هتصل
بيه وهخلي يجيب المأذون اليلادي ويردك
لعصمته….لما ترجعي لجوزك هترجعي لعقلك….”
ابتعدت امها عنها مغادرة الى الغرفة لتجري اتصالا
هاتفي بسامح بينما وقعت نجلاء على الاريكة باكية بانهيار انها خسرت….خسارة جسيمة…
بعد ان فرطت في رجلا لن يعيده الزمن اليها ولن تعوضها الأيام بغيره…انها إنتهت…كما انتهى حبها
من قلبه وإستبدل بأخرى !!…
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الحب أولا)
السلام عليكم
شكرا
شكرا على نشر الفصول في وقت
متقارب
ارجوا نشر بقية الرواية قريب