روايات

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل التاسع 9 بقلم مريم غريب

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل التاسع 9 بقلم مريم غريب

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الجزء التاسع

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك البارت التاسع

كرسي لا يتسع لسلطانك
كرسي لا يتسع لسلطانك

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الحلقة التاسعة

الفصل التاسع _ عشق يفوق احتمالي 1 _ :
لم يتحدث معها طوال الوقت الذي قاد فيه السائق سيارته الخاصّة ..
و لم تجرؤ هي على النطق بكلمة.. إنها شبه فقدت النطق أصلًا.. بقيت هادئة و هي تجلس إلى جواره بالمقعد الخلفي.. تسترق النظر إليه بين الفينة و الأخرى ..
عقلها لا يكفّ عن تكرار الحدث الرهيب الذي عايشته قبل دقائق ..
لحظة ظهوره المفاجئ بينما يضايقها ذلك الشاب.. حرفيًا ذعر الشاب عندما سأله “عثمان” إن كان يعلم بأن السيدة التي يغازلها تكون زوجته هو !!
لم تتسنّى له فرصة الرد.. تلقّى لكمة عنيفة من رئيسه أطاحت به في الحال.. لولا الجدار الرخامي من خلفه و الذي كسر سقوطه.. أطلقت “سمر” صرخة غريزيًا ..
لكن صرختها لم تمنع “عثمان” حين إندفع نحوه دون ترددٍ..حاصره بجسده الضخم بينه و بين الجدار.. أحكم قبضته حول عنقه الهزيل يعتصره بقوة كادت تخنقه ..
لا زال صوت الشاب يتردد بأذنيها ضعيفًا متوسلًا لزوجها بأن يتركه.. لم يتوقف عن الاعتذار منها و منه في آنٍ.. لكن “عثمان” لم يرحمه أبدًا و كان يسكته بقبضته التي كادت تحطّم وجهه و قد أسال منه الدماء ..
لم تتحمل “سمر” رؤية هذا العنف كله.. لتوليه ظهرها مرتعشة من رأسها لأخمص قدميها.. في نفس اللحظة يحتشد بعض الموظفون فجأة.. يهبّوا لنجدة الشاب و محاولة إنقاذه من بين يديّ “عثمان”.. و مع ذلك لم يجرؤ أحد على التدخل مباشرةً.. فقط نائبه و المكلّف من بعده بإدارة شئون الموظفين ..
تقدّم ناحيته مبقيًا على مسافة آمنة بينهما.. طلب منه بكل هدوء و دبلوماسية بأن يترك الشاب و سيتولّى أمره بنفسه ..
لم تسمع “سمر” أيّ صوت آخر.. فقط شعرت بعد ثوانٍ بقبضة تحيط برسغها.. علقت شهقة بحنجرتها.. بينما تكتشف بأنه هو الذي يمسك بها ..
سمحت له بأن يسحبها معه إلى الخارج.. و لم تنكر امتنانها له.. لأن برغم غضبه حرص على أن تكون تصرفاته أمام الناس إزائها تميل إلى الاحترام و التقدير التام.. و كأنها حقًا شيء خاص جدًا.. لا تُمس !!
-إنزلي !
أفاقت “سمر” من شرودها على صوته الآمر ..
بالكاد لمحته قبل أن ينزل من السيارة.. لقد نزل فور أن توقفت ..
أطاعت أمره و ترجلت بدورها من السيارة.. الطقس مائل للبرودة و الهواء يعصف قليلًا.. نظرت حولها فإذا بها بمرفأ قوارب.. مجرد رصيف يفصل بينها و بين قارب معين ..
بالنظر إليه و إلى أيّ مدى وصلت فخامته.. لا يمكن أن تراه سوى يخت.. يخت كبير.. لامعٌ.. مذهل ..
-عدّي !
أخرجها صوته للمرة الثانية من أفكارها.. إلتفتت نحوه.. لتراه قد تخلّص من سترته و شمر عن ساعديه.. كان يقف عند حافة الرصيف.. يحل الوثاق بين اليخت و المرسى ..
سارت “سمر” تجاه الجسر الخشبي الصغير.. و مرّت بحذرٍ فوقه حتى عبرت إلى و حطّت قدميها على اليخت.. لحظات و تبعها “عثمان”.. قبض على رسغها و شدّها ورائه إلى طابق الاستقبال المقابل ..
وقفا أمام باب جانبي.. مد “عثمان” يده و اجتذب مقبضه المعدني.. تبيّنت “سمر” بأنه مصعد.. و قبل أن تستوعب شيئًا آخر.. دفعها “عثمان” بداخله قائلًا باقتضاب :
-اطعلي الدور التاني.. استنيني في الجناح بتاعنا
هاخلص شوية حاجات و جايلك !
و بدون كلمة أخرى أغلق باب المصعد عليها بعد أن ضغط لها زر الطابق الثاني ..
لحظات و انفتح باب المصعد.. لتسارع “سمر” بالعدو إلى الأمام و هي لا تنفك من أول وهلة تتأمل المساحة الواسعة من حولها ..
كانت عبارة عن جناحٌ.. جناح متكامل بالفعل.. الأرض تحت قدميها كلها من الخشب المصقول.. كذا الجدران.. أمامها مباشرةً يقع سرير عريض مكدّس بالوسائد الصغيرة و الشراشف النظيفة ..
أخذت تدور حول نفسها ببطءٍ مستكشفة.. رأت في جهة شرفة زجاجية عريضة تطلّ على البحر يقابلها صالون مزوّد بركنٍ أشبه بمطبخ يضم ثلّاجة صغيرة و رفّ به آلات صنع القهوة و “المايكرويف” و موقد كهربائي ..
و في الجهة الأخرى كابينة استحمام مكشوفة.. يليها باب جانبي موارب بدا إنه يفضي إلى قاعة حمامٍ صغيرة ..
سرت رعشة في أوصالها و هي تفكر قياسًا على كلمته “جناحنا”.. هذا يعني بأن هذا المكان لم تزوره للمرة الأولى.. و إنها هنا.. كانت تمارس دورها كزوجة لـ”عثمان البحيري”.. هناك فوق هذا السرير تحديدًا.. و لمدة أربعة عشر سنة ..
أخذ جسمها كله يرتعش الآن بشكلٍ مزري.. و هي تتخيّل نفسها معه.. بين ذراعيه كما كانت ليلة أمس ..
لقد كان يعرفها.. و هي.. أحبّت ما حدث.. و ما من تفسير.. فقط الحيرة.. و الضياع.. الضياع هو كل ما تشعر به ..
جمدت “سمر” بمكانها.. حين أصدر المصعد صوت ينبّه لوصول أحدهم.. و قد كانت تدير ظهرها له.. لم تتحرك.. حتى سمعت صوته يصجمها بقربه الشديد منها :
-سمـر !
أغمضت عينيها بقوة.. في نفس اللحظة التي شعرت بيداه تمسكان بها.. قبضة على كتفها.. و أخرى فوق خاصرتها ..
حبست أنفاسها.. بينما يلف ذراعيه حولها فجأةً.. يضمّها إلى صدره بإحكامٍ.. يشعرها بدفئه.. و سيطرته.. يبث لها مشاعر الثقة و هو يهمس فوق أذنها مباشرةً بصوتٍ خشن :
-محتاجة أثبت لك كام مرة إنك ليا أنا ؟
ملكي.. انتي كلّك ملكية خاصة بيا أنا.. عايزاني أعمل إيه تاني عشان تتأكدي
ردي عليا ..
أرخى قبضته من حولها.. ليلفها في مواجهته.. لا زالت مغمضة العينين.. أفرجت عن أنفاسها المعتقلة بصدرها ما إن أحسّت بلمسة إبهامه على شفتها السفلى.. و سمعت صوته من جديد يقول آمرًا :
-بصيلي !
مرةً أخرى لا يسعها إلا الإذعان له ..
باعدت بين جفنيها بتثاقلٍ لتنظر إليه.. مستضعفة تحت وطأة تسلّطه.. حضوره القوي برمته ..
يرفع يده ليخلع وشاح رأسها خلال لحظاتٍ.. يسقط أرضًا عند قدميها.. بينما يمسح كفّه مفرق رأسها إلى نهاية أطرافه و هو يقول بزمجرة مكتومة :
-هاتفتكريني يا سمر.. هاتفتكريني غصب عنك !!
و لم يمهلها فرصة الفهم حتى ..
أخذها على حين غرّة.. أخذًا قويًا لا يشبه البتّة ما كانا عليه ليلة الأمس …
**
عندما عادت “رحمة” من المرحاض.. لم تجد ابنتها على الطاولة.. و لم يكن هناك ما يشير إلى وجودها ..
لقد اختفت …
-ماشي يا شمس ! .. غمغمت “رحمة” من بين أنفاسها
إلتقطت حقيبة يدها و استلّت جزدانها.. ألقت ببضعة أوراقٍ نقدية فوق الطاولة.. ثم اتجهت إلى الخارج و هي تضع الهاتف على أذنها ..
وصلت إلى مرأب السيارات المفتوح حين تلقّت ردًا على اتصالها.. استقلّت خلف المقود و هي ترد بنزقٍ :
-إبراهيم.. أنا هتأخر شوية
بليز خد غداك و ماتستنانيش ..
انبثق سؤال “إبراهيم” قلقًا عبر السماعة :
-خير يا رحمة حصل إيه ؟
انتي فين ؟؟
زفرت “رحمة” بحنقٍ و هي تشغل محرك السيارة و تنطلق على الفور و هي ترد عليه بلهجةٍ عصبية :
-شمس هانم هربت مني تاني.. أنا هاوريها شغلها
بس لما أشوفها ..
-طيب اهدي.. ممكن تهدي ؟
كلّميها ..
-مش هاكلمها.. أنا هاعرفها أمها ممكن تعمل إيه
هاروح قصر البحيري و هاجيبها من هناك غصب عنها و تبقى توريني نفسها ..
بدا الغضب في صوته و هو يقول :
-لأ يا رحمة.. إوعي تدخلي البيت ده لوحدك
انتي سامعة ؟؟؟
لم تكن في وارد السماع لأيّ من زاجراته.. طغى تصميمها على غضبه و هي تقول بصرامةٍ :
-أنا مش هاسيب لهم بنتي يا إبراهيم.. حتى لو شمس عندها حق بخصوص عثمان
أكيد ماعندهش حق بخصوص أمه.. أنا مش هاسيب لهم بنتي و لا هاسمح لحد إنه يمّس منها شعرة !!!
**
أول إدراك بعد إنقطاع الوعي فجاةً.. كان الأقسى مطلقًا.. كان أول شيء بدر منها هي آهةٍ ..
-على مهلك !
يديه تمسكان بها.. تلمسان جسمها برفقٍ و لطف شديد ..
حاولت “شمس” فتح عيناها.. لكن هذا كان صعبٌ للغاية.. ربما نجحت بعد برهةٍ و هي تحاول حشد قوتها لتتحرك من مكانها ..
إلا إنها شعرت بيده تثبتها بكتفها.. بينما يقول بصوته القوي :
-شمس.. خلّيكي مرتاحة.. ماينفعش تترحكي و لا تقومي فورًا
هاتدوخي و تقعي !
عبست “شمس” جاهلة قصده.. ما زال عقلها مشوّشًا.. كما رؤيتها و هي تعاود اغماض عينيها بقوةٍ ثم تفتحهما من جديد.. ليستقر بصرها عليه بوضوحٍ …
-رامـز !
أحسّت بألم رهيب ما أن تكلّمت.. فأصدرت أنينٍ قوي.. في نفس الوقت جالت بعينيها أرجاء المكان.. فإذا بها غرفة نوم ..
إن لم تكن مخطئة.. فهي نفسها تلك الغرفة التي استفاقت مرة فيها بعد أن عمد إلى خطفها.. يبدو أنه كرر فعلته !!
-أنا فين ؟؟
نطقت “شمس” بصعوبة و هي تتحامل على نفسها لتجلس فوق ذات الفراش ..
جاوبها “رامز” بفتورٍ دون أن يتزحزح إنشًا من مكانه :
-انتي معايا.. مش هاتخرجي من هنا المرة دي إلا لما كل حاجة تتم زي ما أنا عايز !
كان يتحدث هكذا.. بينما عقلها لا يكف عن التفكير.. آخر لمحة من الأحداث قبل فقدانها الوعي ..
عندما ظهر أمامها فجأة بالمطعم أثناء غياب أمها داخل الحمام.. ساومها لتخرج معه في هدوء و إلا سيطال أمها غضبه.. أطاعته و ذهبت معه.. ركبا سيارته.. و لم تفلح معه أيّ محاولة منها للتحدث.. في خضم كل محاولاتها المختلفة ..
ضغط مكابح سيارته و أوقفها بشكلٍ مفاجئ أرعبها ..
ما كادت تستوعب شيئًا.. اندفعت يده صوب وجهها مسددًا لها صفعةٍ عنيفة أفقدتها الوعي في الحال …
-انت ضربتني !؟
لم يكن سؤالًا بقدر ما كان تقرير مصدوم ..
استطاعت الشعور بدموعها تنهمر على خدّيها الآن.. بينما ترفع يدها متحسسة جانب فمها المكدوم بفعل صفعته.. كان ألم قلبها من ذلك الاكتشاف أقوى بكثير من الألم المادي.. و قد تجلّى هذا واضحًا في نظراتها إليه ..
لم يبدو عليه أيّ تأثر.. تجاهل جملتها و مضى يقول بهدوء مخيف :
-أنا مش هاقرب منك و انتي بالشكل ده طبعًا.. هاديكي وقتك عشان ترتاحي
انا طلبت أكل و زمانه على وصول.. و هانزل أجيب لك علاج و مسكن.. في الوقت ده نامي شوية.. و لما أرجع لك هانحل كل إللي بينا سوا يا شمس !
قام من مكانه على مهلٍ ..
تعلّقت عيناها به في وجلٍ و هي تزدرد ريقها بخوفٍ.. لأول مرة تخاف منه هكذا.. إلى هذا الحد.. تراه بنظرةٍ مختلفة ..
راقبته و هو يسير تجاه باب الغرفة.. و قبل أن يخرج تمامًا.. نظر لها من فوق كتفه قائلًا باقتضاب :
-نصيحة.. ماتحاوليش تهربي يا شمس.. أنا واخد كل الاحتياطات إللي ممكن تتخيّليها
غير كده.. هاتتعبي نفسم على الفاضي.. و بردو هاعمل إللي أنا عايزه.
و لم يضيف كلمة أخرى..
خرج و غادر تاركًا إيّاها وحيدة.. مجرّدة من كل دفاعاتها ..
و إرادتها …

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كرسي لا يتسع لسلطانك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى