رواية استقلال غير مقصود الفصل السادس 6 بقلم شمس محمد
رواية استقلال غير مقصود الجزء السادس
رواية استقلال غير مقصود البارت السادس
رواية استقلال غير مقصود الحلقة السادسة
“استقلالٌ غير مقصودٍ”
“الفصل السادس_ نهاية الاستقلال”
يُقال دومًا على لسان الحُكماء
“إن العِبرة دومًا بالخواتيم” فالنهايات دومًا هي ما تُحدد عبرة التجربة والدرس المُستفاد منها، وفي قوانين الفلاسفة القُدماء لولا التجربة ما استدل العلماء ولا استنبطوا شيئًا، فكيف يعلم المرء النتائج وما فيها إذا لم يقم بالتجربة؟.
________________
(6)
في اليوم التالي بمنتصفه..
تجهزت “علياء” وأرتدت تنورة سوداء اللون فضفاضة وفوقها كنزة صيفية باللون الزيتوني وحجاب الرأس باللون البيج المُزركش بزهورٍ صغيرة بنفس لون السُترة ووقفت تُتمم على مظهرها في المرآة ثم خرجت من غرفتها لتتقابل مع عريسها بوجهٍ جامدٍ يُشبه الآلة المُبرمجة، وقد ولجت تمسك الحامل وفوقه العصير ثم وضعته فوق الطاولة ليصلها صوت المرآة تهتف بفرحٍ غلفه الحماس:
_الله أكبر، عروسة زي القمر، يا زين ما اختارت يا “قُـصي” طول عمرك سوسة، طلعت مش سهل.
توسعت عيناها ووضعت الحامل فوق الطاولةِ ورفعت رأسها تُناظره فوجدته يبتسم لها ثم هتف بثباتٍ بريءٍ كأنه لم يفعل أي شيءٍ غريبٍ:
_طبعًا يا ماما، ودي مش أي حد، دي عروسة بنت ناس مستقلة، ومميزة زي ما حضرتك شايفة كدا، إيـه رأيك يا عروسة؟..
فرغ فاهها وهي تُطالعه ذاهلةً لا تصدق أنه يتواجد أمامها وبصفته عريسها؟؟ هل يُعقل أنه أتى لأجلها أم أن عقلها هو من يوهمها بذلك رأفةً بحالها الغريب، وحالتها الأصعب؟ فهل يعقل أن فارس الأحلام المُنتظر يأتي لعندها فاردًا كلا ذراعيه لكي يصنع لها بُساطًا تُحلق به فوق سماء أحلامها، من المؤكد هي تحلم، فكل الاستدلالات تشير أنها رُبما تكون داخل حُلمٍ جميلٍ وقد استقامت في وقفتها تُطالعه بتعجبٍ مذهولة من تواجده أمام مرآى عينيها فوقف هو الآخر يهتف بنفس الأسلوب السابق:
_مش موافقة ولا إيـه؟ آخد الجاتوه وأمشي؟.
أنفرجت شفتاها بذهولٍ وهي تُطالعه أمامها وقد أبتسمت أمـه وأشارت لوالدتها التي قالت بنبرةٍ ضاحكة:
_طب نسيب العرسان شوية مع بعض بقى، يلا يا مدام “صفية” تعالي وربنا يقدم اللي فيه الخير، أتفضلي معايا.
تحركت معها الأخرى نحو الخارج وفرغ المكان عليهما وحينها تعالت نبضات فؤادها وهي تُناظره وتملأ عينيها بقسمات وجهه ووسامته الهادئة وتلك البسمة المستفزة التي زينت ملامحه وقد سألته هي بلهفةٍ:
_أنتَ بتعمل هنا إيـه؟ هو أنتَ العريس؟!!!.
أومأ موافقًا عدة مرات ثم أضاف باستمتاعٍ مرح يمازحها:
_آه أنا هو العريس، يرضيكِ أكسر كلام عم “خلف” السواق بعدما شك فيا وفكرني مزعلك؟ أنا عمري ما أزعل حد، بعدين أنتَ زعلانة ولا إيـه؟ أوعي تكوني مش موافقة.
رفعت عينيها نحوه من جديد وقد قرأت القلق في نظراته نحوها وكأنه يخشى الرفض منها بينما هي فأرادت أن تخبره بما تظه، أرادت أن يعلم أنها تراه فتى أحلامها وأكبر بكثير من ذلك وخاصةً بعد مواقفه معها تِباعًا وهو يتولى مهمة حمايتها والدفاع عنها وتحصينها بالأمان..
صمت كلاهما عن الحديث وقد هتفت هي أخيرًا تخبره عما يجول في خُلدها بصدقٍ:
_أكيد موافقة، علشان أنتَ مينفعش تترفض بس أنا عندي عزة نفس، مقبلش حـد يشوفني قليلة أو حتى بنت مش كويسة، وأنا معرفش أنتَ شايفني إزاي، بس أنا مش بنت قليلة الأدب ومش بدور على حل شعري زي ما الناس فاكرة، صوابعك مش زي بعضها، وأكيد بعد مواقفك معايا يهمني أبرأ نفسي قدامك.
أبتسم هو لها وهتف بضحكةٍ خافتة رافقت كلماته:
_مش محتاجة تبرأي نفسك قدامي، علشان لو أنا عندي شك في أخلاقك ماكنتش هاجي هنا علشان أطلب إيدك وأختارك تكوني شريكة حياتي، أنا مش هكدب إني استغربتك في الأول بس أنتِ مميزة، فيكِ حاجة مميزة ويمكن مختلفة كمان، ومنكرش إني حاسس ناحيتك بمسئولية كبيرة أوي، كأنك بنتي، وبصراحة حلاوتك دي وإختلافك دا بيتي أولى بيهم.
كادت أن تضحك له على طريقته فوجدته يتنهد بعمقٍ ثم أقترب منها أكثر يقف في مواجهتها مُسيطرًا عليها بطلتهِ الرجولية المُهيمنة:
_بصي يا “عـاليا” وأسمحيلي أقولك كدا علشان أنتِ مقامك عالي عندي وكبير ومش قليلة، حكم الدين في استقلال المرأة دا موضع خلاف بين العلما فلا أنا ولا غيري هيقدر يفتي في الموضوع دا، بس ربنا سبحانه وتعالى أمر الست تعف نفسها وتسترها وتحافظ عليها، وأنا بجيب حقك من “عبده” وبسلمهُ، السؤال اللي كان موجود هو إنك واحدة عايشة لوحدك مفيش واحد بس وجه إعتراض ليه، الكل قال إنك مستبيعة، تفتكري مجتمع زي دا هتقدر بنت فيه تعيش لوحدها وتقف في وش حد؟ إحنا مجتمع شرقي وليه حدود، وأنا مش ضد إنك تنجحي وتطوري نفسك، بس بحدود للحرية دي…
توقف هُنيهة عابرة يلتقط أنفاسه ويرى تبدل ملامحها، ثم تابع مُكملًا حديثه من جديد بقوله:
_صاحبتك “رنـا” دي استغلت حريتها غلط، هي ست منفصلة وطبيعي إن فيه زيها كتير أو غيرهم أتفرض عليهم انهم يستقلوا بنفسهم، بس واجب عليهم يراعوا المكان والمجتمع، هي مقدرتش نفسها ولا قدرت إن هي صورة قدام المجتمع بالتالي بقت محطوطة في صورة مش كويسة زي ما سمعتها وهي عندك رايحة ديسكو، أنا حكمت عليها إنها مش كويسة وحكمت عليكِ بكدا، بس أنا لما شوفتك وأتعاملت معاكِ عرفت إنك بنت مؤدبة ومحترمة ومش زي حد، وفي زيك كتير والمجتمع هو اللي غلطان، بس مش هتقدري تعالجي بلد كاملة وتعاديهم، الحل إنك تمسكي في أحلامك صح وتنجحي في أي مكان، وتتنعمي في بيت أهلك اللي فيه غيرك معندهوش زيه، وبعدها يجيلك واد حليوة زيي كدا ياخدك على الموتوسيكل بتاعه وتستقلي في بيته، ياكش ترقصي هناك، براحتك محدش هيقولك حاجة مع إني أرجح دا جدًا بصراحة.
هتف جملته الأخيرة بنبرةٍ ضاحكة جعلت وجهها يتورد خجلًا مما هتف به وقد أدرك أنه تمادى كثيرًا فعدل حديثه قائلًا بمرحٍ كأنه يُمازحها:
_ها يا ست موافقة ولا لأ؟ عاوز أسمع أمي بتزغرط.
ضحكت له وهزت رأسها مومئةً بخجلٍ فطري جعله يضحك لها وقبل أن يلتفت مُناديًا لأمه وأمها أوقفته هي بقولها:
_على فكرة بقى أنا ماكنتش عاوزة النوع دا من الاستقلال، أنا وافقت علشانك أنتَ بس.
رفع حاجبيه ساخرًا ثم غمز بعبثٍ وهو يشاكسها قائلًا:
_وماله؛ اعتبريه استقلال غير مقصود.
أنهى جملته مُناديًا على الإمرأتين وقد تلى ذلك صوت الزغاريد عاليًا وتبادل الأحضان بينهن، ثم عقب ذلك جلسة رسمية بينهم يتم خلالها الإتفاق على كل شيءٍ بينهم وعلى أمر الزواج بعد التعارف بينهم بشكلٍ أوسع، وفي تلك اللحظة جلست “علياء” تُطالعه بغير تصديق وحتى تلك اللحظة لم تصدق أنه هو بذاته الذي يجلس قُبالتها يتفق مع أمها أن تكون زوجةً له، بينما هو فكان يتمتع بلباقةٍ كُبرى وطريقةٍ في الحديث جعلت يحظى بمكانةٍ هنية لدى أمها التي منذ رؤيتها الأولى له وقد أطمئنت على ابنتها وهي تراه يُطالعها كما لو كانت نجمة عالية في السماء.
__________________________________
“قد لا أكون رفيق موعدك الأول، أختياراتك الأولى،
أو حبك الأول، ولكني أريد أن أكون الأخير”
بعد مرور ستة أشهر..
بداخل قاعة الزفاف تأهب الحاضرين لدخول العروسين معًا يمسكان بذراعي بعضهما وقد فُتِح الباب لتطل منه هي بفستانها الأبيض المُزين بحباتٍ ساطعة وقد أكسبها الرقة فوق مظهرها الهاديء وهي تسير بجوارهِ مُمسكة بذراعهِ وهي توزع ابتسامات هادئة في وجه الحاضرين وخاصةً حينما عانقتها أمها باكيةً وبكت معها هي الأخرىٰ على ارتفاع صوت الكلمات من حولهم يُرافقها إضاءة تأثيرية:
_ألف الصلاة.. ألف السلام
على الحبيب خير الآنام..
أرتفع صوت الزغاريد عاليًا عند طلتها البهية من رفيقاتها بالعمل وشقيقاتها وزميلاتها وفتيات الجيران، ثم بعدها تم الارتصاص حول المائدة الزجاجية لعقد القران بين الحاضرين وقد جلست في بقربه وأمسك هو كفها يعانقه، وقد وضع كفه في كف زوج شقيقها الأكبر الذي عاد من سفره لأجلها خصيصًا، وحينها أمسك المأذون مكبر الصوت يخطب أمام الناس بمحاضرةٍ لأجل العروسين:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تلك اللحظة هي الأسعد في حياة المرء، لحظة الإقتران بشبيه الروح ورفيقها، وفطرة الإنسان دايمًا البحث عن الونس والسكون، إيه هو السكون؟ يعني السكينة والسكن، ومكانهم فين؟ في الزواج، ربنا سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز “وجعلنا لكم من بين أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها” يعني سكنك في الدنيا هنا، يبقى ربنا يكرمك وتراعي ربنا في بنت الناس اللي معاك، تراضيها وتسعدها وتكون زوج صالح، قوام عليها، معنى القوامة إنك الراجل المسئول عنها، مش معنى كدا إنك تهينها ولا تشوف نفسك عليها، لأ قوامتك إنك أمين عليها ومسئول عن أمانها وحمايتها، مسئول عن إنك تكون نور طريقها علشان زي ما ربنا جمعكم في الدنيا، يجمعكم في الجنة مع بعض، أنتَ دورك يا “قُـصي” إنك تحافظ عليها وتحميها حتى من نفسها، تكون الرفيق الصالح والطريق الصح ليها لما تكون هي تايهة في طريق غلط.
أومأ “قُـصي” له بعينين لامعتين التمعا بالشغف للحديثِ وقد أضاف المأذون تلك المرة لها هي يوجهلها الحديث:
_وأنتِ يا عروسة، ربنا يكرمك ويراضيكِ مأمورة بطاعة الزوج، ومش طاعة عمياء والعياذ بالله، بس واجب عليكِ إنك تحترميه وتقدريه قدام الكل سواء في بيتك أو قدام الناس أو في أي مكان، الإحترام واجب وفرض بين الزوجين، أتعلمي تحافظي على بيتك من الفتن والمشاكل والنفوس الخبيثة، مشاكلكم جوة بيتكم متخرجش براه، محدش من الأهل يعرف لأن غصب عنهم بيزعلوا ويشيلوا في قلوبهم، والزوجين رغم كدا بيروقوا مع بعض، لأن بينهم مودة ورحمة فطبيعي قلوبهم تنصف بعض، أنتم كزوجين بدأتوا المرحلة الأهم في حياتكم، وربنا يبارك في بيتكم ويغدقه بالإيمان والطاعات..
توقف يلتقط أنفاسه ثم أضاف بحكمةٍ أكبر:
_ربنا سبحانه وتعالى أختص النساء في آية قُرآنية بقوله “وقرن في بيوتكن” هنفضل نقول إن البيت هو المساحة الوحيدة في العالم الآمنة للبنت ،. ولإستقرارها ونفسيتها واستقلالها وحتى إن كل إمرأة عاملة لو اتيح لها البديل إنها تقعد بالبيت لفعلت لأن العالم برة موحش وقاتل، وقد جُبلت فطرة الأنثى حتى على الشوق الدائم لبيتها “مملكتها الخاصة تفرشه كيف تشاء وتجعل فيه ذوقها الدال عليها”
البيت نعمة عظيمة وأمان واستقرار وعصمة من الفتن للمرأة المؤمنة، تقدري تتسلحي بالعلم وتأخذي دينك حتى أثناء وقفتك بالمطبخ، أثناء ترتيب البيت، تطبيق الملابس وتجددي نوايا وترسخي وتأسسي أسرة مسلمة
وإن البنت مهما وصلت في طموح الدنيا، وفشلت في تكوين أسرة وبيت مستقر لها فهي مسكينة، وتذكروا قول الحبيب ﷺ في خطبة الوداع حينما قالَ ﷺ في خطبةِ الوداع:
“و إنِّي مُبَاهٍ بِكُمُ الأُمم يوم القيامة ”
يعني دوركم تسعوا لتكوين أسرة مسلمة صالحة تكون نصرة لكم ولدينكم يوم القيامة عند رسول الله ﷺ مبارك عليكم الزواج وبالرفاء والبنين وبارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما المولى في خير..
تعالى صوت الزغاريد تزامنًا مع انتشار البهجة في المكان وتبادل العناق بينهما وقد آن الوقت له وهو يضمها بين ذراعيه وفي تلك اللحظة وقع أسيرًا فيها، في تلك اللحظة تفاقمت مشاعره نحوها وهي بين يديه، لحظة لم يظنها بتلك الحلاوة وخاصةً حينما بادلته العناق وهمست له بنبرةٍ خافتة:
_على فكرة أنا بحبك أوي.
رجع للخلف لكي تتنسى له رؤيتها ووقتها أبتسم لها بعينيهِ يضمها بين الجفون ليحفظ ملامحها الرقيقة وهو يسكن بين عينيها وداخل قلبها وقد ضمها هو من جديد يمسح فوق ظهرها وهتف بنبرةٍ خافتة هو الآخر:
_يا بختي بِحُبك يا “عاليا” اسمًا ومقامًا في قلبي.
حركت رأسها لليسار تقابل عينيه بعينيها وهتفت تمازحه بقولها:
_خلي بالك أنا أتضحك عليا لحد ما جيت هنا، أنا كنت إمرأة مستقلة، معرفش جيت هنا إزاي.
أقترب هو يهمس تلك المرة بمراوغةٍ:
_ما أنا قولتلك دا القصد من الحكاية، حكاية استقلال غير مقصود، جايز النية من الأول مكانتش كدا، بس الصح إنها تكون كدا، وأنتِ معايا وليا، وأنا هنا علشانك في الدنيا.
من جديد تتوحد النظرات وتتألف الأفئدة وتسكن الأرواح، من جديد يجد الإنسان مستقره حتى وإن كانت الطريقة غير مقصودة، من جديد يعلم الإنسان مساراته الصحيحة من بعد تيهٍ في طرقاتٍ ضائعة وتستقل الأعين الاستقلال الغير مقصود.
__________________
تمت بفضل الله النوفيلا،
لقراءة الرواية اضغط على : (رواية استقلال غير مقصود)