رواية أيغفر العشق الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم ناهد خالد
رواية أيغفر العشق الجزء الثاني والعشرون
رواية أيغفر العشق البارت الثاني والعشرون
رواية أيغفر العشق الحلقة الثانية والعشرون
اقترب خطوه فأصبح أمامها تمامًا رفع وجهها بأصبعه وهتف وهو ينظر لعمق عيناها بنبره دافئه بعدما أصدر تنهيده محمله بالمشاعر المرهقه:
_تتجوزيني؟
تصلبت قدماها في الأرض وتخشب جسدها وهي تنظر له بتفاجئ لم تتوقع أن يطلب منها الزواج الآن! في منتصف الشارع وبغتةً دون مقدمات! الأمر آثار أرتباكها بالفعل.. تحركت شفتاها أكثر من مره تنوي الرد ولكن تتوقف الكلمات علي لسانها وكأنه عُقد!!
تأفأف يامن يضيق وقال :
_هو أنا بسألك ليه؟! احنا نكتب الكتاب بكره ان شاء الله والفرح نبقي نحدده بعدين…
اتسعت عيناها بذهول وهي تقول:
_ايه أصله ده هو سلق بيض! كتب كتاب ايه الي بكره! وأصلاً هو أنا وافقت! وفرضًا وافقت مش هتتقدملي ولا ايه؟
رفع حاجبه باستنكار مرددًا :
– فرضًا وافقت؟ ده أنا أتاويكِ هنا ومحدش يعرفلك طريق واحنا لوحدنا أصلاً محدش شايفنا، بعدين أنا معنديش مانع اتقدملك بكره ونكتب الكتاب بعد بكره..
رفعت حاجبيها برفض وهي تضع يدها في خصرها وقالت :
_ أنا ممكن أوافق تتقدم بكره لكن كتب الكتاب ان شاء الله لما ملك ترجع من شهر العسل ، والفرح لم…
رد باستنكار :
_ لما لينا تولد صح؟!
ابتسمت بمرح وهي تقول :
_ الله ينور عليك.
امتعضت ملامحه وهو يقول بجديه :
_بطلي سخافه.. إن شاء الله نخلي الفرح علي آخر الشهر.. يعني باقي ٣ أسابيع حلوين..
كادت تعترض ولكنه قاطعها بحده:
_ مش عاوز أسمع كلمه.
ضيقت ما بين حاجبيها في ضيق وهو تقول:
_ايه ده هو أنت هتفرض عليا اتجوز امتي!؟
رد ببرود ساخر :
_ معلش، أصل معنديش وقت استني سعادتك ٤ سنين كمان، أنا قربت علي ٣٢ سنه مش هستني لما اوصل الأربعين وأنا مستني جنابك.
رغم نبرته البارده المختلطه بالسخريه إلا أنها لمحت الألم والعتاب في حديثه.. يعاتبها علي إضاعة سنين من عمرهم ويتألم لمرور العمر بهِ وهو ينتظرها.. كمنزل تركته وسافرت وحينما عادت وجدته كما هو ينتظرها ويحتويها.. وكم يمقت الأمر حينما يُفكر فيهِ لذا يحاول قدر الإمكان إبعاد تفكيره عن العوده للماضي والبكاء علي أطلاله يكفي ما مضي منهِ، يكفي النظر للخلف فليلتفت للمستقبل الذي يطمح أن يكون أهدي وأجمل مما مضي..
تنهدت بألم وهي تسأله :
_ يامن أنت سامحتني؟!
تجمدت نظراته عليها لثواني قبل أن يرد :
_ مكنتش زماني واقف بعرض عليكِ الجواز لو مسماحتكيش.. عارف أنك بتقولي كده عشان كلامي بس أنا مش قصدي حاجه.. واوعدك أني من النهارده مش هفكر في الي فات.. هقفل الكتاب القديم بكل الي فيه وهفتح كتاب جديد وفي أول صفحه فيه وأول كلمه هتتكب..
اقترب يهمس لها بأعين تفيض حبًا بكلماته الخاصه القادره دومًا علي إذابة قلبها :
_ عارفه ، قلبي عمره مالامك ولا زعل منك، تخيلي، يمكن كرامتي وعقلي هم الي غضبوا عليكِ لكن قلبي دايمًا كان مشتاق ليكِ وكتير اوي كان بيبقي عاوز يسأل احمد علي مكانك عشان يجري عليكِ ويرتاح في حضنك.. بس كرامتي واحساسي بالغدر منعوني، أنا بحبك ياتالا… عارفه يعني أيه بحبك.. يعني مهما عملتي هلاقي روحي بتشتقالك وقلبي بيصرخ بأسمك..
التقط انفاسه وهو يهمس لها بقصيده مشهوره للشاعر الأكثر شهره ( نزار قباني) مستعيدًا ما فعلته معه سابقًا حينما كان فاقدًا للبصر :
_ أشهدُ أن لا امرأة ً
تشبهني كصورة زيتية
في الفكر والسلوك إلا أنتِ
والعقل والجنون إلا أنتِ
والملل السريع
والتعلّق السريع
إلا أنتِ ..
أشهدُ أن لا امرأة ً
قد أخذت من اهتمامي
نصف ما أخذتِ
واستعمرتني مثلما فعلتِ
وحررتني مثلما فعلتِ
أشهدُ أن لا امرأة ً
تعاملت معي كطفل عمره شهران
إلا أنتِ ..
وقدمت لي لبن العصفور
والأزهار والألعاب
إلا أنتِ ..
أشهدُ أن لا امرأة ً
كانت معي كريمة كالبحر
راقية كالشعر
ودلّلتني مثلما فعلتِ
وأفسدتني مثلما فعلتِ
أشهد أن لا امرأة
قد جعلت طفولتي
تمتد للخمسين .. إلا أنتِ
أشهدُ أن لا امرأة ً
تقدر أن تقول إنها النساء .. إلا أنتِ
وإن في سُرَّتِها
مركز هذا الكون….
ابتسمت بحب وهي تتذكر عشقه للشعر وقرآته ومؤخرًا الإنصات إليه منها هي فقط.. تذكرت حينما كان فاقدًا للبصر ويطلب منها أن تجلس أمامه وتجلب أحد كتب الشعر من مكتبته الخاصه لتقرأه له بصوتها الناعم الذي يتسلل لداخله فيبعث الدفئ والسكينه اللذان كان يبحث عنهما في تلك الفتره العصيبه..ومن كثرة قرأتها له حفظت بعض القصائد التي علقت بذهنها حينما أعجبتها..
ابتسمت وهي تستعيد تذكر أحد القصائد المُحببه لها وبدأت في قول جزء منها لهُ بنبرتها القديمه التي كان يحبها دومًا :
_ قل لي
كيف تصير المرأة حين تحب
شجيرة فل ؟
قل لي
كيف يكون الشبه الصارخ
بين الأصل , وبين الظل
بين العين , وبين الكحل ؟
كيف تصير امرأة عن عاشقها
نسخة حب .. طبق الأصل ؟..
قل لي لغة …
لم تسمعها امرأة غيري …
خذني .. نحو جزيرة حب ..
لم يسكنها أحد غيري ..
خذني نحو كلام خلف حدود الشعر
قل لي : إني الحب الأول
قل لي : إني الوعد الأول
قطر ماء حنانك في أذنيا
إزرع قمراً في عينيا
إن عبارة حب منك ..
تساوي الدنيا …
يا من يسكن مثل الوردة في أعماقي
يا من يلعب مثل الطفل على أحداقي
أنت غريب في أطوارك مثل الطفل
أنت عنيف مثل الموج,
وأنت لطيف مثل الرمل ..
لا تتضايق من أشواقي
كرر . كرر اسمي دوماً
في ساعات الفجر .. وفي
ساعات الليل قد لا أتقن فن
الصمت .. فسامح جهلي ..
فتش . فتش في أرجاء
الأرض فما في العالم أنثى
مثلي…
أنت حبيبي . لا تتركني
أشرب صبري مثل النخل ..
إني أنت ..
فكيف أفرق ..
بين الأصل ,
وبين الظل ؟
أمسك كفها بكفه ورفعه لفمها يطبع قبله عميقه عليهِ أصابتها بالخجل ورفع عيناه لها وهو يردد بلكنته العربيه الفصحي المتمكن منها بإجاده :
_ أنتِ الحب الأول. أنتِ الوعد الأول.. ولا يوجد أنثوي في العالم تشبهك..
لمعت عيناها وهي تنظر له بحب جارف، طالعها ثواني ينظر لعيناها كما تفعل ثم قال بلوعه :
_ماتيجي نتجوز دلوقتي!
انطلقت ضحكاتها بدلال وهي تنظر له بعدما امتعضت ملامحه بضيق وكأنه كان يتحدث بجديه!، ثواني وابتسم هو الآخر وهو يطالع ابتسامتها بهيام وعشق لم يحسب أنه سيستوطن قلبه تجاه امرأه ما يومًا.. لذا يشهد أن لا امرأه إلا هي…
________( ناهد خالد) _____
قبعت بين أحضانه تتمايل معه بدلال لا يليق إلا بها وهما يترقصان الرقصه الافتتاحيه الهادئه.. عيناه تقتحم عيناها وذراعيهِ يحصران خصرها بقوه مقربها له حتي اختلطت أنفاسهما، تململت قليلاً بخجل وهي تقول :
_ غيث! ابعد شويه أنت مقرب أوي كده ليه أنت بتكسفني..
انتشلته من عالم الأحلام الذي كان يطير فيهِ وهو ينظر لها لا يشعر بمن حولهم.. يتخيل أن الكوكب بأكمله لا يحمل سواهما.. وبالأخص لا يحمل سوي عيناها اللامعتان وخصلاتها التي تتمايل في دلال كتمايل خصرها بين يديهِ و قربها المهلك و أنفاسها التي تصتدم بأنفاسه.. ولكن انتشلته هي من بين كل هذا بحديثها الملول من وجهة نظره.. زفر ببطئ وهو يقول :
– أنا مش شايف غيرك أصلاً، وبعدين هم مالهم.. ده بعيدًا طبعًا عن كونك مراتي مش مصاحبك مثلاً لاسمح الله!
أنهي حديثه بسخريه واضحه، جحظت عيناها وهي تنهره قائله بتحذير :
_ بطل تريقه، ثم إن كوني مراتك مش هتمشي تحب فيا وتقرب مني قدام الناس في حاجه اسمها علاقه خاصه يا حضرت.. يعني علاقتنا ببعض وتعاملنا خاص بينا احنا بس مينفعش يظهر قدام الناس.. وده من باب الحياء برضو.
لوي ثغره بتذمر وهو يبتعد أنشًا واحدًا وقال :
_ اهو ياستي يابتاعت الحياء.
رفعت حاجبها باستنكار وقالت:
_ كده بعدت!
ابتسم ببرود وقال:
_ إن كان عجبك ولا نسيب الفرح ونمشي وأنا نفسي بصراحه وبتلكك.
_ لا خلاص يا ساتر..
قالتها بامتعاض لتستمع لصوته يقول :
_ احنا مش هنقول كلام العرسان الي بيقوله في رقصة السلو ولا ايه؟
رفعت أنظارها له وتسائلت ببلاهه:
_ بيقولوا ايه؟
احني رأسه لليمين قليلاً وقال :
_ لا مش عارف.. بس أكيد مبيتكلموش في الهبل الي بنتكلم فيه ده!
ما إن أنهي جملته حتي انتهت الرقصه فهتف بتحسر :
_ أحسن برضو.
ابتسمت وهي تهز رأسها بيأس علي تذمره للمره التي لا تذكر عددها اليوم..
وجدت تالا تقترب منها ومعها يامن مصاحبًا لها..
وقفت تالا أمامها وهي تقول بابتسامه واسعه :
_ مبروك يا لوكه ربنا يتمملك بخير ياروحي.
احتضنتها الأخري في سعاده وهي تهمس لها:
_ عقبالك يانحس.
ابتعدت قليلاً تنظر لها وهمست بابتسامه شقيه:
_ لا مهو اتفك.
قالت ملك بسعاده وصوت مرتفع قليلاً :
_ بجد! لاده أنا فاتني كتير هكلمك بعد الفرح احكيلي.
_ ايه؟
صرخ بها غيث الذي ابتعد عن عناق يامن وهو ينظر لها نظره حارقه مرددًا :
_ تت ايه؟ تكلمي مين قولتيلي؟
أخفضت تالا بصرها بحرج وكبت يامن ضحكته وهو يقول:
_ اهدي ياغيث صحتك.
_ صحة ايه بقي دي هتضيع علي ايدها.. هموت مجلوط والله!
قالها بغيظ وهو يضغط علي أسنانه محاولاً كبح لجام عقله الذي يحرضه علي رفعها بين يديهِ والهرب بها فورًا من الجميع..
رفعت تالا رأسها تهتف بخجل طفيف وهي تنظر لملك :
_ خلاص يا ملك نتكلم بعدين.
أشارت لها ملك بكف يدها أن تتوقف ونظرت لغيث بقسمات وجه غاضبه وهي تعترض :
_ أنا هضيع صحتك يا أستاذ غيث! أنا هموتك ليه إن شاء الله واخده ورثك!
التفت تالا حولها بحرج وهي تهتف :
_ ملك الناس هتاخد بالها خلاص الموضوع مش مستاهل.
مال يامن علي غيث الذي اكتسب معه صداقه جديده مؤخرًا بعدما كان يزوره يوميًا في المستشفى بحكم كونه زوج صديقة تالا.. هتف وهو يذم شفتيهِ بضيق مصطنع :
_ أنا لو مكانك هاخدها فورًا وامشي.. دي بعد شويه هتقولك اروح مع أهلي يا راجل دول أفعالهم متتوقعهاش!
اشتعل صدر غيث من حديث يامن المائل للسخريه وهو يهز رأسه له بإيجاب وقال :
_ معاك حق..
ودون كلمه أخري وأثناء ماكانت ملك انغمست في الحديث مع تالا التي أخذت تهدأها وجدت نفسها ترتفع عن الأرض بين ذراعيهِ فجأه.. شهقت بخضه وهي تدرك ما يفعله وهو ينزل بها من مكان جلوس العروسين..
أخذت تهتف بفزع :
_ غيث.. يخربيتك الناس بتتفرج علينا…
دفنت رأسها في صدره وهي تولول بنبرة بكاء :
_ يالهوي علي الفضيحه الي أنا فيها الناس هتقول علينا ايه الله يسامحك..
قاطع حديثها استماعها لصوت عمه يوقفه علي باب القاعه وهو يهتف :
_ الله! علي فين ياولدي وشايل مرتك اكده ليه؟
التفت برأسها تنظر لمحسن تقول :
_ عمي الله يكرمك خليه ينزلني منظري بقي زفت قدام الناس..
قطب الأخير حاجبيهِ في تعجب وهو يقول :
_ ليه يابتِ! أنا بس مستغرب أنه هيخلص الفرح بدري اكده جبل فقرة التورته .
اتسعت عيناها بدهشه وهي تردد :
_ تورته! هو ده كل الي همك؟!، ومش همك ابن أخوك الي شايلني زي العيله الصغيره قدام الناس! هيقولوا ايه دلوقتي هيقولوا خدني وسبنا الفرح ليه؟!
أتاها رد غيث البارد :
_ هم عارفين احنا سايبين الفرح ليه..
ضربته في صدره بغيظ وهي تقول :
_ بطل قلة أدب بقي.. نزلني يا غيث نزلني أنا هروح مع جدو.
تمتم بين نفسه بسخريه:
_ مكدبش يامن لأ..
نظر لعمه وقال:
_ بعد اذنك ياعمي..
نظر له عمه وهو يذهب وقال :
_ اما ادخل اجولهم يلغوا فقرة التورته..
_____( ناهد خالد) ______
خرجت من الغرفه بعدما بدلت فستانها وهي تطلع للجالس فوق الفراش بأريحيه ماكره بغيظ.. أخذت الفستان ودلفت بهِ غرفة الملابس ووضعته بالداخل ثم أخذت نفس عميق قبل أن تخرج للغرفة مره أخري واتجهت للفراش بصمت متسطحه فوقه ودثرت نفسها بالمفرش بصمت مطبق.. نظر لها الجالس بجوارها ببهوت.. ماذا تفعل هذه الحمقاء؟!، منذُ دلفوا وهي تتجنب الحديث معه حتي أنها رفضت تناول العشاء فتناوله هو بأريحيه وهي بالداخل تغير ثيابها.. مد يده يرفع المفرش عن جسدها وهو يهتف بضيق :
_ ده اسمه ايه ده بقي؟
انتفضت فجأه جالسه علي الفراش حتي أنه فُزع من انتفاضتها وقالت بحده:
_ بقولك ايه أنا عفاريت الدنيا بتتنطط في وشي ابعد عني احسنلك.
اقترب بوجهه منها وهو يهمس لها بنظره بريئه:
_ وأهون عليكِ تسبيني لوحدي وتنامي؟ ده أنا حتي أهبل وبحبك..
ابتلعت ريقها بتوتر وهي تتراجع للوراء قليلاً وقالت:
_ غيث اتمسي وقول يامسا.
_ يامسا..
هتف بها ببرود فنظرت له بضيق وقررت العوده للتسطح ولكن قبل أن تفعل وجدت نفسها بين أحضانه حين جذبها له في سرعه ماكره وهو يقول بصدق :
_ النهارده بدايه جديده لينا، حياه جايه أهم بكتير من كل الي عدي.. حياه مليانه تحديات ولازمها أساسيات زي الثقه والحب والتفاهم.. اوعديني أن عمرك ما هتحكمي عليا في اي حاجه غير لما تسمعيني وتثقي فيا اكتر مابتثقي في نفسك.
تنهدت بهدوء وقالت بصدق مماثل :
_ اوعدك ياغيث.. أنا بحبك ومش هسمح لحياتنا تفشل عشان مش هقدر ابعد عنك في يوم.
رفع رأسها له وهو ينظر لعمق عيناها بصدق قائلاً :
_ وأنا بعشقك..
وبدأت صفحه جديده في حياتهما.. صفحه تحمل بين طياتها الكثير..
______( ناهد خالد) _______
في اليوم التالي..
_ ها يا يامن حصل ايه؟
تسائلت بها تالا وهي تحدثه عبر الهاتف بعدما خرج من محاكمة رودينا:
_ خدت حكم بالإعدام.
وضعت تالا كفها فوق فمها تمنع شهقه كادت تصدر منها وقالت بحزن:
_ مفيش نقض؟
تنهد مجيبًا :
_ لأ، خدت اعدام في قضية مرات ابوها، ومؤبد في قضية السواق و٢٠ سنه في قضيتك… وطبعًا كل ده ملوش لازمه مادام خدت اعدام.
_ لا حول ولا قوة إلا بالله.
أراد تغيير الحديث فقال:
_ بقولك هجيلك أنا وماما وبابا النهارده الساعه ٨.
_ ماشي وانا كلمت خالي الي في بورسعيد الي كنت حكتلك عنه وهيوصل كمان ساعتين كده.
_ تمام ياحبيبتي.. سلام.
_ مع السلامه ياحبيبي ..
أغلقت المكالمه وتنهدت بآسي، لما علي الإنسان أن يكبح نفسه في المحظور! لما يودي بنفسه للتهلكه؟؟..تنهدت بخفوت وقالت :
_ يارب..
_____( ناهد خالد) ______
عامان مروا بأحداثهم السعيده والأخري البائسه.. بيوم مُر ويوم حسِن.. براحه وشقاء.. فهذه هي الايام تتوالي علينا بكل المشاعر المختلفه وما بين يوم وآخر تتبدل المشاعر بمشاعر أخري.. فرُبما بت ليلتك حزينًا وأصبحت سعيدًا.. بين ليله وضحاها يحدث الكثير، فلا حال يستمر..
فتح باب الغرفه بهدوء يخشي افاقة ابنه النائم بعد حرب ضاريه مع والدته التي كادت تشق ملابسها من طفلها العنيد ذو العام وشهر واحد فقط.. دلف ببطئ يسير علي أطراف أصابعه فالصغير يشعر بحركة النمله كما يقولون.. تنفس الصعداء حينما وصل للحاسوب دون أن يستيقظ الصغير.. رفعه ببطئ من فوق المكتب والتف ليعود للخارج ولكن دون قصد منهِ داس بقدمه علي لعبة الصغير فأصدرت صفير مزعج استفاق علي أثره الآخر.. تعالي بكاء الصغير ( عُمر) كما أسموه ليصبح ( عُمر غيث الراوي).. ركض غيث تجاه بنبره يكاد يبكي وهو يرفعه بين يديه :
_ بس.. هش.. هش.. بس وحياة أمك، أبوك هينام علي الكنبه النهارده بسببك ..
انتفض علي صوتها الصارخ بغضب وهي تدلف للغرفه :
_ غيـٓث.
التف لها يبتسم ببلاهه وهو يجيب بتوتر :
_ نعم ياحبيبي.
أشتعلت عيناها الجاحظه وهي تشير لابنها:
_ صحيته؟ صحيته ياغيث حرام عليك بقالي ساعتين بنيمه ومكملش خمس دقايق حراااام..
صرخت بالأخيره في غضب فقال بارتباك وهو ينظر لها وكأنه هو الصغير وليس ولده :
– والله صحي غصب عني اعمل ايه؟
ابتسم الصغير لوالدته وهتف ببهجه :
_ مامي.. ما.. مي.
نظرت له لتلين نظراتها وتختفي ملامحها الشرسه وحلت أخري حانيه وهي تقول :
_ ياروح مامي ياخراشي علي الحلوين..
فرغ فاه غيث علي آخره وهو يطالع طريقتها مع ابنه فقال بضيق حقيقي :
_ هو ياروح ماما وأنا بتزعقيلي؟
نظرت له لثواني قبل أن تتنهد بتعب فغيث منذُ قدوم الصغير أصبح أصغر عقلاً من ابنه.. يُغار إن فرقت في المعامله بينهما أو شعر أنها تدلل أبنها أكثر.. ويحزن بصدق إن شعر أنها تميل لعُمر أكثر رغم محاولاته لمدارة كل هذا لكنها تلتقطه بوضوح فمن أدري حالاً بهِ غيرها!
اقتربت منهِ بهدوء وقالت بابتسامه ويدها ترتفع لتحيط بعنقه من جهة اليمين بعيدًا عن ابنهما :
_ ازعقلك.. هو أنا اقدر!، أنا بس اتضايقت لما لقيته صحي عشان كنت ناويه أقعد معاك شويه علي رواقه بعيد عن زن الواد ده.. ولا هو يعني مليش حق أنفرد بجوزي حبيبي شويه.
زال ضيقه.. بل تبخر وكأنه لم يكن، وملامحه تستكين براحه وتسائل بهدوء :
_ كنتِ ناويه تعملي ايه؟
_ هعملك الكيكه الي بتحبها ، واشغل فيلم اجنبي نازل جديد بيقولوا تحفه، ونقعد علي الكنبه كيكتنا في ايدنا وفيلمنا قدمنا ونعيش…
عاد يتسائل بخبث :
_ نوع الفيلم؟
ابتسمت بدلال وهي تقول:
_ رعب.
اتسعت ابتسامته وهو يغمز لها قائلاً :
_ لا ده نقطة ضعفي الرعب ده… روحي جهزي القعده، هنيم عُمر واجيلك..
ابتسمت برضا لنجاحها في إرضاءه كما تفعل دومًا واتجهت للخارج وهي تتذكر ما يحدث دومًا في أفلام الرعب تلك وكيف تكون قريبه منه حد الملاصقه.. حد؟!.. بل تلاصقه بالفعل وأحيانًا تجلس فوق قدمه من شدة رعبها ويقابلها هو بضحكاته العاليه علي خوفها المبالغ كما يري!.. وكم يحب التصاقها بهِ وتمرمغها كالقطه في أحضانه وترفض تمامًا أن تنام بعدها إلا وهو معها.. وتقبع في أحضانه وكل تخيلتها التي رأتها في الفيلم تصاحبها ليلاً…وقليل الحياء يكون أكثر من مستمتع بالأمر!!!
______( ناهد خالد) _______
في اليوم الثاني.. وتحديدًا مساءً..في فيلا الشعراوي..
وقفت ترتدي عبائتها الفضفاضه كما طلبت منها والدة زوجها بلونها الأبيض الناصع ومدت يدها تجلب المجفف الكهربائي لتصفف شعرها حين وجدت يد تسبقها وتلتقطه.. نظرت للمرآه لتجد زوجها الحبيب يقف خلفها تمامًا بصدره العاري وشعره المُبلل فقد انتهي من استحمامه للتو.. ابتسمت له بصفاء حينما وجدته يُجلسها برفق علي المقعد المقابل للسراحه مراعيًا جرح بطنها آثر الولاده وهو يقول باهتمام :
_ مرتاحه كده؟
أومأت بابتسامه فشغل المجفف وأخذ يجفف شعرها بتركيز في حين تنظر هي له عبر صورته المنعكسه في المرآه.. حبيبها وزوجها الحنون الذي تنعم بدفئ أحضانه وجنون حبه منذُ عام و ثمانية أشهر بالتمام.. ومنذُ أسبوع واحد رُزقت ب يحي ” ثمرة حبهما”، أتي ليزيد حياتها بهجه وحب.. تذكرت تلك المعركه التي نشبت بينها وبين يامن حينما أخبرته في رغبتها بتسمية مولودهما ب اسم ” يحي “…
_ومين يحي ده أن شاء الله؟!
خرج سؤاله بنبره تحمل الكثير من الغيره، اقتربت منهِ ببطنها البارزه بوضوح، جلست جواره وهي تحتضن ذراعه بذراعها وتميل برأسها علي صدره وقالت :
_ هحكيلك بس بلاش غيرتك دي عشان بتقلب نكد في الآخر.
رد بامتعاض:
_ اهو أنا كده غيرتي والنكد باكيدج علي بعضه إن كان عجبك.
تنهدت بيأس منهِ وقالت متجاهله نبرته الحاده :
_ يحي كان مريض عندي في مستشفي روسيا..
وسردت له قصتها كامله مع يحي منذُ رأته ووعدها له إن أنجبت ولد يومًا ستسميه يحي.. ( روايه وجوه خادعه فيها القصه كامله)…
_بس يا سيدي…
هدأت ثورته وقال :
_لولا وعدك مكنتش وافقت برضو، بس ماشي يحي يحي بقي.
رفعت رأسها تطبع قبله سريعه بجانب شفتيهِ وقالت :
_ هو أنا قولتلك إني بحبك النهارده؟!
عادت من شرودها علي بكاء صغيرها فاتجه يامن له يحمله بهدوء وهو يهمس له:
_ أنت طالع قمر لمامي صح؟
وقفت تتجه لهم وقالت بابتسامه وهي تحتضنه من ظهره تلف ذراعيها حول خصره وقالت:
_لأ، طالع وسيم لبابي.. وإن شاء الله لما يكبر ياخد كل صفاتك..
التفت لها يستقبلها في أحضانه وهو يسألها بأعين ضيقه:
_ كله متأكده.. حتي غيرتي؟
ابتسمت بمرح علي مشكلة حياتهم الاساسيه ألا وهي غيرته الغاضبه كما تسميها وقالت:
_ حتي غيرتك.. ده دي أكتر حاجه بحبها فيك.. ربنا يسامحني بقي…
همست بالأخيره فضحك وهو يستمع لها وقبل رأسها بعمق ضامًا إياها لصدره من الجهه اليسري ومن الجهه اليمني يضم إبنه البِكر.. يحي…
_____(ناهد خالد) _____
بعد ساعه…
ترجلوا ومعهم يحي المقرر إقامة حفلة بلوغه اليوم السابع الآن ( السبوع)…
اقتربت ملك تحتضنها هي ولينا التي تمسك في يدها ابنتها ” مسك” وانفردوا بأحاديث جانبيه في حين اتجه يامن الذي يحمل الصغير يحي رافضًا آن تحمله تالا طوال الأسبوع خوفًا علي جرحها الجديد.. وقف مع غيث الذي توطدت معه العلاقه كثيرًا وأحمد صديقه القديم وأصبحوا الثلاثه كالمثلث المترابط أضلعه…
بعد قليل بدأت الاحتفالات المعتاده وأتت لحظه إضاءة الشموع.. وأخذوا يغنون الأغاني المعتاده..
( حلاقاتك برجالاتك حلقة دهب فى وداناتك
يارب ياربنا
تكبر وتبقى قدنا
تكبر وتروح المدرسة وتصاحب شلة كويسة
وتشوف عيون امك وابوك فرحانة بيك
حلاقاتك برجالاتك حلقة دهب فى وداناتك)
قاطعهم صوت أحمد المرح الذي حمل ابنته ذات العام ونصف وهو يدخل في وسط دائرة النساء ويقف أمام الصغير الموضوع في يد والدته التي تنتصف الدائره وقال بغناء :
_ انا عايزك تطلع واد مجدع
وفي عز الشدة تكون اجدع من اي حد
صوتك بيسمع ويلعلع
اخلاق قوي قوي ورجولة ولازيك حد
ضحك غيث الذي يحمل عُمر المبتسم ببلاهه رغم عدم فهمه لما يحدث حوله واتبع أحمد واقفًا أمام الصغير وأخذ في الغناء بدوره:
_ وانا عايزك تطلع شيك
صحباتك بتموت فيك
تهرب من دي وتسبت دي
والكل بيجروا عليك
تسرح وتبيع حكايات
ولافارقه معاك رنات
دي بتشكيلك ودي تحكيلك
وانت مقضيها مسدات…
ضحك الجميع ثم نظروا ليامن، فنظر لهم برفعة حاجب وكأنه يرفض ما يريدوه بنظرتهم المنتظره..
نظرت له تالا بأعين ضيقه وكأنها تخبره صراحةً إن لم تفعل فستكون خاتمة اليوم شجار قوي ينتهي بنومك خارج الفراش…
ابتسم مغتصبًا وهو يقترب منها حتي حمل ابنه بين يديهِ ونظر له متناسيًا من حوله وأخذ يقول بغناء :
_ اوعي تسمع كلام لدول
دي عيال شقاوة وانا مش مسئول
هيغرقوك وانا قلبي عليك
وتبقي نمرة ويلعبوا بيك
قال ايه عايزينك تتروش..
تيجي تطلب من أبوك..
هتفوا سريعًا في صوت واحد..
” هيطنش”…
تعالت ضحكاتهم وامتلأت الفيلا بأجواء سعيده مبهجه للقلب والنفس..
احتضن يامن تالا وهو يهمس لها :
_ ربنا يديمكوا ليا..
ارتفعت نظراتها بعدما طبعت قبله علي رأس الصغير وهتفت:
_ بحبك يا يامن… بحبك أوي ومش لاقيه كلمه أكبر منها أوصف شعوري ليك بيها..
ابتسم وهو يميل قليلاً هامسًا :
_وأنا مهووس بيكِ وبحبك…
عادت لأحضانه في صمت وتنهدان براحه وحب يغزوهما أكثر وأكثر يومًا بعد يوم…
__________( ناهد خالد) ______
_ بقولك يا لوكه…
_نعم يا حبيبي..
سكن المكر عيناه وهو يهمس لها :
_ماتيجي نعدي عُمر علي هند واحنا مروحين.
اتسعت عيناها باستنكار وقالت:
_ هند ايه يا غيث حرام عليك دي لسه متجوزه من اربع شهور عاوز توديلها الواد يطلع عينها!
رد بامتعاض :
_ ماهي كانت بتاخده يبات معاها قبل الجواز وكانت بتصمم كمان ايه.. ايه الجديد؟
رفعت حاجبها باستنكار وقالت:
_ هو أنت معرفتش.. مش هند اتجوزت وبقي جوزها عايش معاها.. يعني مينفعش نوديلها ابنك يقرفها ويعطلها عن جوزها..
_ طب ما كانت عاوزه تاخده امبارح.
_ وأنا مرضتش.. وكمان هي أصلاً تعبانه بقالها كذا يوم وقولتلها تروح تكشف لأني شاكه انها ممكن تكون حامل..
_ خلاص قفلتيها..
قالها وهو يشيح بوجهه بعيدًا، فقالت بتساؤل هادئ تسايره كطفل لتراضيه:
_ طيب عاوز تسربه ليه؟
_ اسربه! هو قطه؟
هتف بها رافعًا حاجبه في اعتراض ثم أكمل :
_ بعدين معتقدش جريمه إني عاوز أخرج اتعشي مع مراتي بره ونرجع نقعد قعده حلوه مع بعض علي رواقه.. الخروجه الي محصلتش من سنه ونص تقريبًا.. ولما ننام يبقي في شوية هدوء منصحاش في نص الليل..
_ أنت بتتكلم ياغيث وكأنه مش ابنك؟
قالتها ملك باستغراب وهي تنظر له وتري حنقه الواضح.. فهتف مبررًا :
_ لا ابني.. وبحبه أكتر من نور عيني،كفايه أنه حته منك، ومقدرش استحمل أنه يبعد عنا يوم كامل أصلاً، بس أنتِ برضو وحشتيني ونفسي اقعد معاكِ براحتنا..
أمسكت بكفه وهي تبتسم له وقالت :
_ خلاص نعديه علي مرات عمي ايه رأيك؟
تململ في وقفته وهو يفكر في الأمر.. سيعودون من القاهره حيثُ إقامتهم في الاسكندريه ثم يتركونه ويذهبون للعشاء وبعدها للبيت… الأمر سيصل لطلوع الصباح رُبما.. إذًا لن يحصلوا علي عُمر إلا اليوم التالي عصرًا!..
_هتبقي كتير اوي..
همس بها وهو يحسب مدة ابتعاد صغيره عنه، فتراجع عن الفكره وقال:
_لأ خليها يوم تاني نبقي في اسكندريه عشان يقضي الليل بس مش معظم اليوم بره.
ابتسمت وهي تهز رأسها بيأس هذا هو غيث يقرر أن يتخلوا عن عُمر لبعض الوقت حتي يري اعتراضها فيتذمر متهمًا إياها بتفضيلها للصغير عليهِ وما إن توافق يتراجع هو في قراره خشيةً علي وجود الصغير بالخارج لفترة طويله فهو حينما كان يبيت مع هند كان يستيقظ في السادسه صباحا ويذهب لجلبه غير قادرًا علي تحمل بعده أكثر!! وكأنه لم يكن يفضله ليلاً!!!
_ ملك..
قاطع شرودها فنظرت له بابتسامه حينما وجدته يقول :
_ بحبك… عشان نسيت أقولها النهارده.
ضحكت بخفوت وقالت:
_ لحقت نفسك، كنت مرقدالك وكنت هتبات علي الكنبه النهارده..
اقترب محاصرًا كتفيها بذراعه وقال:
_ هو أنا أقدر!، بعدين لو مقولتهاش بحس بحاجه ناقصه في يومي لحد ما افتكرها واقولها وبعدها يومي بيكمل.
ضمت نفسها له أكثر وقالت بتنهيده وابتسامه محبه تزين شفتيها:
_ بعشقك يا غيث..
أيغفر العشق؟!.. يغفر.. يغفر حينما يعظم الحب ويقوي طاغيًا علي كل المشاعر السلبيه التي عشناها يومًا.. يغفر حينما تُحسن التكفير عن ذنبك.. حينما تلح من أجل الغفران وتتمسك بحبل علاقتكما رافضًا تركه إلا بطلوع الروح، من يحب يستطيع الغفران.. قاعده ثابته.. ولكنها ليست مطلقه فلكل قاعده شواذ.. وليست كل الذنوب تُغتفر فهناك ذنوب مهما حاولنا لن نستطيع غفرانها…ورغم تلوينا بنيران البعد والهجر يكن هو الحل الأمثل والوحيد القادرين علي اتخاذه ويكن الغفران كلمه مُحيت من القاموس ولم يعد لها أثر… الحب.. نقي عن كل المدنسات ، مُغذي للروح، وممتع للقلب.. فمتي حافظت علي نقائه ومقامه واحترمته بأفعالك يبقي لك مُغذيًا وممتعًا.. ومتي ارتكبت ما يدنسه فسيكون لك شعله من النيران التي ستحرق فؤادك وروحك تاركه خلفها… رماد الندم!!
تمت…
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أيغفر العشق)