روايات

رواية أو أشد قسوة الفصل العشرون 20 بقلم سارة مجدي

رواية أو أشد قسوة الفصل العشرون 20 بقلم سارة مجدي

رواية أو أشد قسوة الجزء العشرون

رواية أو أشد قسوة البارت العشرون

أو أشد قسوة
أو أشد قسوة

رواية أو أشد قسوة الحلقة العشرون

عادت من أفكارها عن تلك اللحظة المؤلمة والتي أستمر أثرها معها طوال ذلك اليوم كانت حزينة ولا تعرف ماذا تفعل أو تقول؟ .. لكنها حين عادت الي بيت ألقت بنفسها بين ذراعي والدتها تبكي بصوت عالي .. وكأنها تريد أخراج ذلك الالم الذي يعتصر قلبها وروحها مع تلك الدموع التي تغادر عينيها .. ظلت والدتها تضمها الي صدرها وتربت على ظهرها بحنان .. وتسألها بقلق:
-مالك يا بنتي فيه أية؟ ليه كل الدموع دي؟
-أحضنيني بس يا أمي محتاجة حضنك محتاجة أحس بالامان بين أديكي وبس
قالت من بين شهقاتها وهي تتشبث بملابس أمها بقوة .. لتضمها فاطمة بحنان وبدأت في تمسيد ظهرها برقة وهي تقرأ بعض أيات الذكر الحكيم .. وبعد القليل من الوقت قالت سليمة بصوت مختنق تحاول طمئنة والدتها:

-متقلقيش يا امي كل الحكاية حصلت مشكلة كبيرة النهاردة في الشغل .. وكنت خايفة أوي ومكنتش عارفة أتصرف .. علشان كده لما خلصت وكل الامور اتحلت حسيت أني محتاجة أعيط في حضنك واحس بالامان
لتربت فاطمة على وجنه أبنتها وهي تقول بأبتسامه حانية:
-حبيبتي الصغيرة البريئة .. الشغل كده يوم فوق ويوم تحت ضغط ومشاكل .. ولازم تبقي قد المسؤلية اللي أنتِ شيلاها
وأبعدتها قليلًا عن حضنها وأكملت وهي تربت على صدرها بثقة .. وتنظر الي عينيها بحنان وحب:
-لكن كمان هنا مكانك وقت ما تحتاجية … هنا عيطي وأفرحي هنا بيتك ومكانك ليوم ما أموت
لتضمها سليمة بقوة وهي تقول
-بعيد الشر عنك يا أمي .. ربنا يبارك في عمرك وصحتك وتفضلي ديمًا منورة حياتي وبركة بتنورلي طريقي ودعوة بتحميني من كل شر
وبعد بعض الوقت جلستهم بين ذراعي والدتها تتمتع ببعض الدفىء والأمان
تركتها ودخلت الي غرفتها تحتمي فيها من كثرة التسائل ونظرات القلق .. ولتكون فيها على طبيعتها حزينة حائرة
صوت حركة من إتجاه الشرفة جعلها كالمنومة تتوجه إليها لترى ما هذا الصوت .. امن الممكن ان يكون أدهم أتى الي هنا حتى يعتذر لها عما فقاله … بخطوات مترددة وقلب متلهف فتحت أبواب شرفتها تنظر الي الخارج بحذر
لتجده يجلس على سور شرفته وساقية الي الخارج عاري الصدر وببنطال بيتي اسود … وشعر مشعث ينظر الي السماء بشرود … لتشهق بصدمه وخوف وبلهفة وقلق دخلت سريعًا الي شرفتها وهي تقول:
-أنت قاعد كده ليه هتقع .. أحنا في الدور الرابع .. انزل بسرعة انزل ابوس ايدك
نظر لها بعبث وحاجبين مرفوعان وقال ببعض الغرور:
-معتقدش إنك خايفة عليا بجد ولا حتى مهتمة أنتِ مش بتحبيني .. وبعدين أنتِ مالك أصلًا؟!
حاولت أن تهدء .. وتبحث في عقلها على ما تقوله له حتى يتعقل ويعود لوعية وينزل عن السور ان من يجلس امامها الان هو ثامر بكل غروره وعناده .. لكنها ظلت لثوان عديدة تنظر اليه بعيون متسعة والكلمات حشرت داخل حلقها .. وكأن عقها أصبح خاوي تمامًا من الكلمات
لينظر لها بطرف عينيه وقال بنزق:
-أدخلي أدخلي ومتعمليش فيها مهتمة .. أصلًا أنا حياتي مش مهمة لحد .. لا ليا أصحاب ولا أهل .. ولا حبيبة .. أعيش لمين
-ليك
اجابته سريعًا وبلهفة .. لينظر لها بصدمة لتكمل كلماتها وهي تقترب من سور شرفتها:
-عيش ليك أنت .. مش لازم تعيش علشان خاطر حد .. أنت مهم لنفسك .. ده غير بقا أن الانتحار حرام .. وأكيد مش عايز تقابل ربنا وأنت عامل الذنب الكبير دة

كان ينظر اليها ويستمع الي كلماتها بصوتها الحاني المرتعش .. يلمس ذلك الشيء الموجود في تجويف صدرة ويجعله ينبض دون سبب .. والأكثر الان انه ينبض بلهفه للأستماع أكثر وأكثر لصوتها وكلماتها
وكأنها كانت تشعر برغبته وتسمع صوته الداخلي .. أكملت بهدوء
-مش كل الحاجات اللي بتروح مننا بتكون خسارة .. ممكن يكون خسارتنا ليها مكسب لينا .. ربك عالم ومطلع وعارف وهو أدرى بالخير فين .. أرضى وهتلاقي كل حاجة حلوة بعد كده
ظل ينظر اليها طويلًا حتى ظنت أنه يفكر في كلماتها وقد أقتنع به لكنه أبتسم بسخرية وهو يقول:
-ذنب أني أموت نفسي ده هيكون أبسط الذنوب اللي انا أرتكبتها .. أنا زنيت .. سرقت وأفتريت .. خربت بيوت ناس كتير أوي يا قطة .. ف دور الواعظ ده أعملية مع حد تاني غيري .. أنا أبواب الجحيم مكتوب عليها أسمي
لاشهق بقوة من قسوة التشبية والخوف الذي يسكن قلبها من أن يكون قد فعل كل هذا فعلًا .. لكن عاد ذلك الصوت يخبرها من جديد .. “ده ثامر مش أدهم .. ثامر الشخصية اللي أدهم ملوش تحكم فيها ولا في تصرفاتها .. أدهم مريض يا سليمة .. مريض ومحتاجك هو قالك كدة .. قالك محتاجك .. هتسبية يا سليمة ؟ ” لتجد نفسها تجيب بشكل قاطع “لا”
لتبتسم وهي تقول:
-أن الله غفور رحيم .. تقدر تتوب .. وترجع لربنا عارف هحكيلك قصة
نظر لها بأهتمام وعلى وجهه أبتسامة صغيرة متسلية .. لكنها لم تهتم … انها فقط تريد أن تشغل عقله عن فكرة الانتحار:
-في قصة عن سيدنا موسى عليه السلام انه ســأل ربـه يومـاً يـارب.. مـاذا تجيـب عبـدك العــاصي إذا نـاداك قـائلاً يــارب ؟؟ فقـال المـولى سبحـانه وتعـالى لنبيّـه مـوسى يـا مـوسى.. أقــول: لبّيـك عبـدي لبّيـك عبـدي لبّيـك عبـدي ..ثـلاثـاً ثم سـأله مـوسى: يـارب..ومـاذا تـرد إذا نـاداك عبــدك الصــالح قـائلاً: يـارب ؟ فقـال المــولى سبحــانه وتعــالى: يامــوسى.. أقـول: لبّيـك عبـدي فقـال مــوسى عليـه الســلام: يـارب.. نـاداك عبـدك العـاصي فقـلت لبّيـك عبـدي ثـلاثاً.. ونـاداك الصـالح فقلـت لبّيـك عبـدي واحــدة ؟ فقــال المـولى عـز وجـل: يـامــوسى.. حينمـا نـاداني عبـدي الصـالح اعتمــد على عملـه.. وحينمــا نـاداني عبـدي العــاصي اعتــمد على رحمـتــي ؟ وفيه أحاديث كتيرة عن النبي صلى الله علية وسلم زي مثلا عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فيأس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد يأس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح. وقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم. رواه مسلم من حديث أبي هريرة. وقال الله عز وجل في حديث قدسي: يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي… الحديث رواه الترمذي. شوفت بقا أن رحمة ربنا ملهاش حدود .. ومينفعش ان تقنت من رحمة الله .. مهما عملت مهما كانت ذنوبك أستغفر ربنا بقلب صادق وأرجعله هتلاقية فاتح لك بابه ومرحب بيك وفرحان كمان .. ودع مش معناه إنك مش هتغلط تاني .. لا هتغلط وتتوب وربنا يغفرلك ويسامحك.

اختفت تلك الابتسامة المتسلية التي كانت ترتسم على شفتيه وحل محلها أبتسامة رائقة هادئة ودون شعور منه وجد نفسه يستغفر بصوت مسموع .. ليقشعر بدنه برهبه وبدء يدرك أين هو ولماذا صعد الي هذا المكان؟ .. كان عائدًا من الخارج يشعر ان هناك شيء ما يخنقه .. يشعر أن هناك شئ حدث معه يضايقه لكنه لا يتذكر .. أعد قهوتة الخاصة ومن شده غضبه الغير مفهوم سقط الكوب من يدع واعاد إعدادها من جديد وتناولها علها تهدء من ذلك الالم الذي يحتل صدره لكنه لم يشعر بالراحه توجه الي الشرفه ينظر الي خاصتها .. يريد أن يراها لكنه وجد الشرفة مغلقة .. وبدون لحظة تفكير صعد ليجلس في ذلك الشباك الصغير لقد حشر جسده حرفيًا فيه وليزيد خطورة الامر أخرج رأسه وذراعيه للخارج أيضًا .. بتلك الوضعية الخطيرة وكأنه كان يشعر إذا فعل هذا سيراها تحرك ونفذ دون تفكير ولم يخب أحساسه لكن الان وبعد حديثها هذا بدء يعتدل وأنزل قدمه اليمنى وخلفها اليسرى وحين استقام واقفًا تنهدت هي براحة واضعة يدها فوق خافقها متمتة بالحمدلله … ليبتسم بسعادة لا يفهم سببها … لكنه نظر لها عبر فتحات الارابيسك وقال بصدق أستشعرته كل خلاياها
-شكرًا أنا اول مرة حد يكلمني كده واحس بخوف حد عليا كدة .. طول عمري لوحدي .. حتى انا مش فاكر مين أهلى ولا أي حاجة عن طفولتي ولا شبابي .. تجاهلت كل ده وعشت بالطول والعرض .. تعرفي يمكن أنا محتاج حد في حياتي يقولي ده حلال وده حرام .. كده صح لا كده غلط
أدار وجهه للجه الاخرى وهو يقول بخجل رجولي غريب على شخصية ثامر التي تعرفها جيدًا
-شكرًا يا سليمة
وتحرك ليغادر الشرفة حين سمع رنين هاتفه .. لتتحفز كل حواسها لذلك الاتصال .. وكأنه شعر بها أو أراض أن يريحها هو لا يجد تفسير لذلك الشعور الذي اجتاحه حين قرأ اسم نفس الفتاة التي حدثته يوم كان في المؤسسة وجعله يتصرف بتلك الطريقة .. وقف عند باب الشرفة و أجاب بصوت حاد بعض الشيء:
-قولتلك متتصليش تاني
وأغلق الهاتف ودون أن ينظر إليها دخل الي شقته .. لتبتسم ببعض الراحة وعادت الي غرفتها من جديد
في صباح اليوم التالي وصلت الشركة لتجده هناك حضر باكرًا ومن مكتبها كانت تستمع لصوت سقوط شيء ما .. أو كسر كوب يلحقه بدخول عامل المطبخ للتنظيف .. إذًا هوعصبي بعض الشيء لكن السؤال هنا … من الذي بالداخل ثامر ام أدهم؟ ومهما كان لماذا هو غاضب؟ .. أبتسمت ببعض الشقاوة وهي تدخل اليه .. ف من مهام السكرتيرة أن توفر سبل الراحه لمديرها مهما كانت شخصيته … الهادىء الرزين … او العابث المشاغب
ودون أن تطرق الباب دلفت اليه لتجده يقف أمام النافذة الزجاجية الكبيرة يتطلع الي الشارع .. يديه معقصوة خلف ظهره .. شعرت بتحفزة لحظة دخولها .. لكنها ظلت صامته تتأمل وقفته لعده لحظات ثم قالت ببرود:
-أدهم بيه حضرتك عندك معاد بعد نص ساعة مع شركة(..) أأكد المعاد ولا الغيه
التفت ينظر اليها بنظرات مبهمه لكن الغضب أحد تكوينات نظراته هي تشعر به .. وهناك شيء أخر لكنها لم تستطع تحديد ماهيته بالتحديد هل هو حزن أم خوف؟
ظل الصمت سيد الموقف لعده لحظات حتى قال بهدوء ظاهري
-الغيه
-تحت أمر حضرتك
أجابته بعملية شديدة .. لكن نظراتها كانت تحمل حزن أستشعره بكل ذلك الحب الذي يسكن قلبه من اجلها .. تحركت لتغادر ليتحرك خطوة واحدة مصاحبه لرفع ذراعه وكأنه يحاول الامساك بها .. لكنه لم يكمل ظل واقف في مكانه ويذكر نفسه إنها تستحق شخص سوي بلا عقد نفسية.. لكنها هي توقفت عند الباب قبل أن تفتحه لثانية واحدة فقط ثم عادت تنظر اليه وهي تقول بصوت حيادي
-أنا أتكلمت مع ثامر أمبارح
ظهر القلق على وجهه وكاد أن يبرر أو يوضح .. حتى أنه كان يريد الاعتذار .. لكنها قالت سريعًا
-كان عايز ينتحر من بلكونه شقته اللي جمب شقتي .. كان حاسس انه مضايق وفيه حاجة نقصاه ..حتى قالي أنه مش فاكر أهله مين أو حاجة عن حياته اللي فاتت .. مفتقد حد يعرفه الحلال والحرام والصح والغلط .. شكرني لأني أتكلمت معاه ونصحته .. يعني تقدر تقول بقينا أصحاب .. حتى البنت ايها دي لما أتصلت بيه زعق لها وقالها متتصلش بيه تاني

أنهت حديثها وهي تشعر بالاستمتاع وهي ترى نظره الاندهاش والصدمة على ملامحه وأكملت ببعض المشاغبة
-يعني اي حاجة بين وبين ثامر تخصني انا وثامر وبس يا باشمهندس أدهم بيه
القت كلماتها الاخيرة بلوم واضح … يشوبه كبرياء .. تخبره انها لا تبالي إذًا أرادت ان يتراجع فيما قاله لها
كانت تستمتع كثيرًا بتعابير وجهه المصدومة .. لكنها لم تنتظر لوقت طويل حتى يقول اي شيء لها … دارت بهدوء وعلى جهها أبتسامه صغيرة .. ها هي فجرت قنبلتها وعليه الان أن يكون بشجاعة ثامر … ظل صامت وابتسامة صغيرة ترتسم على ملامحة انه بشخصياته الإثنين وقعا في غرامها وذلك حقًا يسعده .. جلست خلف مكتبها وهي تفكر ماذا سيفعل الان؟ لكنه صدمها فيعد خروجها بدقائق قليه غادر مكتبه ودون ان ينظر لها قال:
-الغي مواعيدي كلها النهاردة
وغادر المكتب بل والشركة بأكملها .. وحتى موعد انتهاء العمل لم يعود .. شعرت بحزن شديد وألم قوي في قلبها لقد تعلقت به .. قلبها الذي كانت تخبئة داخل علبه مغلقة أستطاع هو بهدوء أن يتسلل داخل تلك العلبة ليلمس قلبها برفق .. وبكل قوة وشجاعة كانت تراه يحارب هاجس مرضه لكنه الان .. الان .. شعرت بالعجز من إجاد كلمة مناسبة تليق بوصف حالته .. بداخلها صوت يقول ” ما يمر به ليس هين” وصوت أخر يقول “لابد أن يكون قوي .. من أراد الحب عليه أن يكون فارس فوق صهوة حصانة لايخاف الموت”
كان طريق عودتها الي البيت ثقيل .. لقد ظلت طوال اليوم تفكر ماذا عليها أن تفعل وكان القرار الاخير هي ان تترك العمل .. وهذا القرار رغم انه يريح كرامتها .. الا أنه يؤلم قلبها جدًا .. طرقت على باب بيتها طرقات متتالية تريد ان تفتح امها الباب حتى تختبئ داخل غرفتها .. تبكي بحرية .. رفعت رأسها الذي كان محنى حين فتح الباب لتصدم به يقف أمامها .. أدهم .. بوجهه المشرق وابتسامته التي تعشقها .. وهيبته التي تضغى على كل شيء وتجعل من ينظر اليه يهابه دون سبب .. لكنها تفهم السبب .. ظلت نظراتها معلقه به .. والغباء في ابهى صوره يرتسم الان على محياها .. هل من يقف أمامها ثامرأو أدهم؟ ليقول بهدوء قاطع عنها حيرتها .. ومجيبًا على سؤالها غير المنطوق:
-هتفضلي واقفة كده كتير مش ناوية تدخلي ولا أيه يا آنسة سليمة عمي وطنط مستنيك جوة
-أدهم
لم يكن همسها بأسمه نداء ولكنه أجابه السؤال الذي كان يدور في رأسها .. صوت والدها أخرجها من صدمتها حين قال برفق وابتسامة سعادة:
-تعالي يا سليمة .. الباشمهندس ادهم جه النهاردة علشان يطلب إيدك .. وكنا مستنين رجوعك علشان نعرف رأيك طالما رفضتي تبلغيه بيه في الشركة
نظرت الي أدهم بصدمه واستفهام لتتسع أبتسامته المشاغبة .. وهو يبتعد عن الباب والتفت الي والدها وقال
-أدهم على طول يا عمي أن شاء الله أنا هبقا أبنك بعد ما نسمع موافقة آنسة سليمة أن شاء الله

وبسبب صدمتها من الموقف وتلك الحركة غير المتوقعة .. خاصة بعد تفكيرها السلبي طوال اليوم .. لم تستطع الرد لتتكفل والدتها بإنهاء ذلك الموقف وهي تضمها الي صدرها بحنان وتقول ببشاشة:
-السكوت علامة الرضا
ولحقتها بزغروطة تحمل الكثير من السعادة والفرح .. بعد ذلك تحول الموقف لجلسة ودية رقيقة .. وسعيدة .. بها الفة غريبة .. لقد وجد أدهم في والدها شيء كان يفتقده .. وجد والده رحمه الله .. وشعر براحة وحب بسبب طبيعة أمها الحنونة… ولم يغادر قبل تحديد موعد لزيارة أخرى يحضر فيها عائلته .. وحينها تم تحديد موعد الخطبة بعد خطبة ظلال ومراد لرفض سليمة أن تكون خطبتها معهم في نفس اليوم ليس لشيء سوا خوفها وخجلها من جو الاعلام والصحافة والصور الذي سيتسم به حفل خطبتهم .. وأحترم أدهم رغبتها وبكل حب
عادت من أفكارها على صوت والدتها تخبرها أن تذهب اليها لتأخذ رأيها في الضيافة .. ف أيضا لم تريد سليمة حفل صاخب وأجلت ذلك لعقد القران والعرس وأدهم رغم رغبته في إسعادها بحفل يليق بها لكنه لم يعترض أيضًا
……………..
خرج من الباب المطبخ لذلك المطعم البسيط يحمل بين يديه حامل كبير فوقة بعض صحون الطعام وكذلك بعض المشروبات .. يدور على الطاولات يضع المطلوب عليها بأبتسامه بشوشة ويغادر للطاولة الاخرى
حتى ينتهي كل ما فوق الحامل ويعود من جديد الي المطبخ .. لكن حين دخل اتسعت أبتسامته وهو يراها تقف هناك تشرف على إحدى الفتايات وهي تعد أحد الصحون وتعدل عليها بهدوء رغم ان هناك بعض الضيق داخل عينيها لكنها هادئة رغم كل شيء
أسبل جفنيه وهو يتذكر كل ما حدث معهم خلال الثلاث شهور الماضية وبالتحديد بعد يومين من قتله للجوكر .. فتح عينيه صباحًا ليجد الطبيب يقوم بمعاينته وخلفه يقف ضابط شرطة وعسكري .. ابتلع ريقه ببعض الخوف وهو يهمس ” كنت عارف” .. لكن لا يهم يكفي أنه أنهى معاناه زيزي حتى لو كان الثمن حياته .. هي تستحق وهو كان نذل كبير وافق على سقوطها في الوحل ظناً منه انه يقلل المسافة بينهم .. ولهذا لا يهم أي شيء .. بمجهود مضني حاول الاعتدال .. ليساعدة الطبيب ثم غادر الغرفة ليقترب الضابط وجلس على الكرسي القريب من السرير وقال بهدوء
-حمدالله على السلامة .. المستشفى بلغت أنك أصيبت بطلق ناري .. تفتكرمين اللي عمل فيك كده؟
شعر بالغباء للحظات من السؤال غير المتوقع .. لكنه تدارك الموقف وقال بهدوء صادق
-معرفش .. أنا في حالي من شغلي للبيت
ليومئ الضابط بنعم لكنه سأله من جديد

-أيه علاقتك بخميس السيد الشهير بالجوكر؟
أبتسم بيبرس بسخرية وقال بضيق واضح
-كنت شغال جارد في الملهي بتاعة .. لكن هو كان عايز مني أعمل حاجات تانية غير الحراسة .. وعلشان كده سبت الشغل من فترة
أومأ الضابط بنعم وقال بهدوء مستفهمًا
-كان ليه أعداء كتير؟!
-هو مين؟
سأله بيبرس بأندهاش مصطنع لم يلاحظة الضابط.. ليجيب تسأل بيبرس موضحًا
-الجوكر
هز بيبرس رأسه بلا معنى وهو يجيب بإرهاق
-أنا كل شغلي كان حراسة باب الملهى .. وأنا والجوكر مش أصحاب علشان أعرف تفاصيله او علاقاتة الشخصية أو حتى خلافاته مع مين حتى لما طلب مني اني اوصل بنات للزباين واستناهم علشان ارجعهم رفضت وسيبت الشغل هو صحيح قعد يزعق ويقولي مش هلاقي شغل وهلف الف رهرجعله وساعتها لو بوست جزمته مش هيرحمني .. لكن انا لو هموت من الجوع مش هبقى قرني لمؤاخذة
صمت لثواني ثم قال بأستفهام
-هو ايه اللي حصل علشان كل الاسئلة دي يا بية؟!
ليجب الضابط بتوضيح:
-أمبارح تم قتل الجوكر وعامل عنده اسمه ترتر في مكتب الاول .. وكان فيه صور بتدل على وجود علاقة محرمة بين الجوكر ورجل الاعمال المعروف بالباشا اللي أتقتل في نفس اليوم صحيح أنت بعيد عن الشبهات لكن كان لازم أسألك
ليرسم بيبرس تعابير الصدمة والاندهاش على ملامحه ولم يعلق .. ليقف الطبيب وهو يقول
-حمدالله على سلامتك .. وأكيد هنبلغك بنتائج التحقيق .. وأن شاء الله نوصل للجاني اللي عمل فيك كده
تنهد بيبرس براحه حين غادر الضابط .. أبتسم وهو يقول براحة لم يكن يومًا يحلم أن بشعر بها … أن الله يعطيه فرصة جديدة
-الحمدلله .. يارب أقبل توبتي .. وأغفر ذنبي وأرحمني .. صفحة جديدة يارب .. صفحة جديدة ومن اول السطر
مر يومان وخرج بيبرس من المستشفى .. ومباشرة من المستشفى الي بيت زيزي .. ولكن لم ينسى أن يأخذ معه شيخ الجامع بعد ان تحدث معه أكثر من ساعة يخبره عن توبته ورغبته في الزواج من زيزي .. وبالفعل خلال طريقهم الي بيت زيزي .. قابلوا والد حنان في طريقهم … ليطلب منه الشيخ الذهاب معهم .. كنوع من تعويض ورد لأعتبار زيزي وبيبرس التي حاولت ابنته تشويه سمعتهم .. جلسوا في غرفة الاستاذ حليم يتحدوث اليه وهو ينظر اليهم بنظراته الحزينة طوال الوقت منذ ما حدث معه .. لكنه حين دخلت زيزي الي الغرفة أقتربت من السرير وجلست جوار والدها وقالت بصوت هامس جوار اذنه
-بيبرس راجل حقيقي يا بابا .. تاب عن الطريق الوحش وعايز يعيش حياة نظيفة .. وأنا كمان عايزة اللي يحميني من الناس ويقدر يقف في وش أي حد أنا تعبت يا بابا .. تعبت وأنا بحارب الدنيا لوحدي .. وكل من هب ودب بيحاول ينهش فيا … ده غير انه بيحبني وهيصوني ويشيلك معايا
كانت الدموع تتجمع في عينيه وهو يستمع لكلماتها التي كانت تجلد روحه كل ليلة .. لا يحمل هم شيء أكثر من همها وخوفه عليها .. حين كانت تقوم بخدمته ورعايته ويرى الدموع تتجمع في عينيها .. حين كان يستمع لصوت بكائها وهي تظن أنه نائم .. حين كان يستمع لنواحها وهي تتوسل لله أن يسترها وأن تستطيع أن تجد المال حتى تأتي بعلاجه .. أدار عينيه في اتجاه بيبرس الذي ينظر في أتجاههم بوجل وخوف .. القلق يرتسم على محياه .. ترقب للموافقة ورجاء وتوسل الا يغلق بابه في وجه .. ليغمض عينيه ويفتحها أكثر من مرة .. ليقول والد حنان بسعادة
-مبروك يا بيبرس .. الف مبروك يا زيزي يا بنتي
ووجه حديثه للشيخ قائلًا:
-أحنا يوم الخميس الجاي نكتب الكتاب .. ما هو مينفعش يبقوا مخطوبين وهي تعتبر عايشة لوحدها بردك
ليومأ الشيخ بنعم ليقول بيرس بشر وهو ينظر لوجه والد حنان
-انا داخل البيت من بابه .. والست زيزي مقامها عالى .. ومحدش يجرء يقرب منها غير بحلال ربنا .. وأنا أكثر واحد في الدنيا عارف قيمتها كويس واللي هيجيب سيرتها هقطع حسه من الدنيا كلها مش بس هقطع لسانه
ليبتلع والد حنان ريقه بخوف وقال بأبتسامه مرتعشة:
-اه اه اه طبعًا أومال ايه .. هو أنا قولت غير كده
ليبتسم بيبرس بجانب فمه ثم نظر الي الشيخ وقال
-يوم الخميس بعد العصر نتجمع هنا علشان كتبت الكتاب .. وانا هتكفل بالفراشة والزينة وفستان العروسة وكافه شيء
قال أخر كلماته وهو ينظر الي زيزي التي تنظر اليه بسعادة مخلوطة بقلق .. وعدم فهم .. ليقفوا الرجال حتى يرحلوا ليشير لها ان تقترب وقال بهدوء وصوت منخفض
-هاتيلي تليفوني .. أول ما أطلع بيتي هكلمك وهفهمك كل حاجة
أومأت بنعم وركضت الي غرفتها لتحضر هاتفه .. وعادت وهي تقول:
-كان فصل وأنا شحنته .. كلمني هموت من القلق
أبتسم لها وقال بصدق
-متخافيش ربنا معانا .. أروح أخد دش كده وأصلي وأكلمك
وغادر سريعًا لتبتسم بسعادة .. هل قال سيصلي؟ هل ما سمعته حقيقة .. أنها تحتاج أن تشكر الله لكن أولا .. نظرت الي غرفه والدها وتوجهت اليها جثت جوار سريرة تنظر اليه بأبتسامة صادقة وحقيقة .. أبتسامه غابت عنها منذ سنوات .. يراها الان بوضوح .. أبنته تحب بيبرس هذا واضح .. تفتقد الي الامان .. تحتاج الي من يسندها في تلك الحياة .. وهو قادر على هذا لقد لمس حبه لها في نظراته الصادقة الموجه اليها بلهفه وشوق .. لينتبه من أفكاره على صوتها وهي تقول بصدق وسعادة
-قالي هيروح يصلي يا بابا .. قالي متخافيش ربنا معانا .. بيبرس بيتغير .. عايز يبقى نظيف .. أنا فرحانة أوي أوي
وأنحنت تقبل يد والدها وهي تقول برقة
-ربنا يخليك ليا يا حبيبي .. هروح أصلي ركعتين شكر لله وأرجعلك على طول
حين انتهت من صلاتها سمعت رنين هاتفها .. لتقف سريعًا تلملم أطراف أسدالها تمسك بالهاتف وهي تجيب بلهفه ليصمت لثواني يستمع الي صوتها المتلهف له .. والسعادة الرنانه به .. ليرفرف قلبة بسعادة لا مثيل لها .. أبتسم حين قالت:
-طمني بقا عايزة سعادتي تكمل
ليقص عليها كل ما حدث دون أن يغفل عن اي جزء .. وكانت هي تستمع بوجا وترقب وفي نهاية حديثة .. قال بصدق
-أنا نويت أتوب يا زيزي .. وهعمل كل حاجة علشان ربنا يغفرلي ذنوبي كلها .. أنا عملت كتير وقتلت الجوكر والباشا وترتر .. لكن لو مكنتش عملت كده كانوا هما اللي هيقتلونا يا زيزي .. تفتكري ربنا هيقبلني والله كانت نيتي اني احميكي واكفر عن ذنبي في حقم
كانت دموعها تغرق وجهها وهي تستمتع لكل ما قام به من أجلها .. أن قتل النفس شيء لا يستهان به .. وأن لهدم الكعبة أهون عند الله من قتل النفس لكن ماذا كان سيفعل؟ أنه كما وصفه بالتحديد .. ان لم يقتلهم لكانوا قتلوه واصبحت هي تحت رحمتهم وكانت وقعت الي الابد في وحل لا طهارة لها منه
عاد من أفكارة حين سمع صوتها وهي تقول ببعض الغضب
-هو أنت واقف كده ليه ولا عجباك البنات وهي رايحة وجاية قدامك
ليبتسم وهو ينظر اليها بحب وقال بصدق
-أنتِ عارفة كويس أوي أن مفيش واحده غيرك تملى عيني وقلبي … وبعدين أنا كنت سرحان بفتكر اللي كان
ليرتسم على وجهها أبتسامة رقيقة وهي تقول
-مين كان يقول أن ربنا يكرمنا الكرم دة كله
تمتم بالحمدلله وهما يتذكران ما مضى بأبتسامة رضى رغم الالم
يوم الخميس وبعد صلاه الظهر بدء بيبرس وبعض رجال الحي بتجهيز شادر كتب كتاب زيزي وبيبرس .. اليوم وأمام الجميع سوف يرفع شئنها وسط الجميع .. سوف يكيد الاعداء ويفرح قلبها في كل لحظة بهذا اليوم .. وها هو يعلق بيديه كل الاضواء التي سوء تضيئ ليلتهم اليوم .. وكل من يمر عليه يحيه ويبارك له والنساء تتهامس على العريس الذي يعلق “كهارب” فرحة بيده .. وكل هذا لم يسق تلك الهدية الكبيرة التي أحضرها ل زيزي اليوم .. فستان عرس مميز .. وكل الاغراض التي ستحتاج اليها .. والاكثر فتاة متخصصة من مركز التجميل حتى تزينها وتدللها .. وتكون اليوم في أبهى صورها ..
لكن وسط كل هذا كان هناك عيون حاقدة تشاهد ما يحدث بغل وكره .. تنظر الي ما بين يديها وأبتسامة شر واضحة ترتسم على محياها الذي تحول من جمال بريء الي وجه قميئ
تركت نافذتها وتوجهت الي خزانتها تخرج تلك العبائة الملونه ووضعت وشاحها فوق رأسها وتوجهت الي بيت صديقتها القديمة وعدوتها اللدودة وهي ترسم أبتسامة واسعه .. وعند باب بيت زيزي بدات تزغرط بسعادة واضحة للجميع .. صعدت الي الاعلى والزغاريط التي تطلقها تردها بعض نساء الحي والفتايات الموجودات في البيت يساعدون زيزي ويرتبون البيت ويجعله جاهز لأستقبال العريس المنتظر
ظلت تدور بعينيها في المكان وهي تفكر .. لماذا؟ سؤال كان يأورقها طوال حياتها ولا تجد له إجابة ما الفرق بينها وبين زيزي؟ ما الذي يميزها ويجعلها دائمًا تتفوق عليها؟ لماذا يتحقق لزيزي كل ما تمنته هي لنفسها وكأن قدرها قد كتب لزيزي ولم يتبقى لها سوا الفتات وفقط .. تأكدت أن كل الفتايات مشغولات ويعملون بجد واجتهات أقتربت من غرفه زيزي وفتحت الباب وهي تبتسم بسعادة كبيرة .. قائلة بمبالغة:
-الف مبروك يا صاحبة عمري ألف مبروك يا حبيبتي .. تستاهلي كل خير والله
نظرت لها زيزي عبر المرآة وهي تقول بهدوء حذر رغم الابتسامة الصادقة على وجهها
-الله يبارك فيكي يا حنان .. عقبال ليلتك يا حبيبتي
أقتربت منها وضمتها بقوة وهي تربت على ظهرها ببعض الخشونة وأكملت قائلة:
-احلى عروسة في الدنيا والله .. يا بخت بيبرس بيكي
لتقول زيزي بسعادة وخجل
-يا بختي أنا بيه
لتقول الفتاة التي كانت تقوم يتزين زيزي
-لو سمحتي يا آنسة بس علشان أخلص شغلي انا متأخرة أساسًا
لتبتعد حنان قليلا وهي تقول بأبتسامة واسعة مبالغ فيها
-اه يا حبيبتي ومالو .. معلش بقا أصل فرحتي بصاحبة عمري متتوصفش
ووقفت بجوار الكرسي الخاص بزيزي تتابع ما يحدث أمامها عن كثب .. وفي لحظة غادر الفتاة حتى تحضر بعض الاغراض من الخارج .. وكل شيء تحول في لحظة من زغاريط فرح وسعادة ليرتفع صوت صراخ زيزي الذي جعل بيبرس يترك ما بين يديه ليسقط أرضًا متهشمًا وصعد الي الاعلى ساقية تسابق الريح .. ليجد الفتايات مجتمعون أمام باب غرفة زيزي التي مازالت تصرخ
ليخترق ذلك الجمع دون مراعاه لاي شيء ليجدها ممده أرضًا تخبئ وجهها بكفيها والفستان من أول الكتف قد أختفى تمامًا وأثر حرق كبير يحتل مكانه .. ليسقط قلبة أسفل قدمية والصورة بالكامل تتضح أمامه .. لقد خسر

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أو أشد قسوة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى