رواية أوصيك بقلبي عشقا الفصل الخامس 5 بقلم مريم محمد غريب
رواية أوصيك بقلبي عشقا الجزء الخامس
رواية أوصيك بقلبي عشقا البارت الخامس
رواية أوصيك بقلبي عشقا الحلقة الخامسة
“أنا أحبك… أنت لا تعرف كم !”
سلاف البارودي
جلس يهز قدمه اليمنى بعصبيةٍ واضحة، بينما “أدهم” أمامه يمسك بهاتفه يضعه على أذنه، بعد أن دوّن رقم المدعو “عثمان البحيري” من هاتف ابن خالته، ها هو يخابره.. يتحدث على مرآى و مسمعٍ من “مراد” الذي كان أشبه بالقِدر المسوّد من شدة الغليان …
-أستاذ عثمان البحيري معايا.. أنا أدهم عمران. مراد صديقك يبقى ابن خالتي.. أهلًا بيك.. هو عندي هنا و أنا عارف كل حاجة يا أستاذ عثمان.. أكيد عاوزين نحل.. بس مش هاينفع الكلام على التليفون كده.. أنا بدعيك تشرفني هنا في القاهرة. أرض محايدة بينكم و بين ابن خالتي. إذا ماعندكش مانع.. تمام. إن شاء الله بكرة الساعة 8 مساءً هاكون في انتظارك.. العنوان …
و أنهى المكالمة معه على عجالةٍ، ثم إلتفت نحو “مراد” هاتفًا :
-خلاص يا عم. أديني هاجيبه لحد عندك نتفاهم و كلّمته بنفسي و عافيتك من المهمة دي.. مستريح ؟
تنهّد “مراد” بثقلٍ و مد جسمه للأمام ممسكًا رأسه بكلتا يديه :
-مافيش راحة يا أدهم.. أنا تعبان جدًا. عشان كده مش هقدر أحمّلكوا تعبي ده. أنا مش عارف أشكرك إزاي على استقبالك ليا هنا. أنا قايم أغير هدومي و ماشي …
-بطل هبل ياض إنت ! .. زجره “أدهم” و هو يشير له بالبقاء جالسًا بمكانه
-مافيش الكلام ده. انت مش هاتتحرك من هنا طول فترة وجودك في القاهرة. خلص الكلام.
أصر “مراد” على موقفه بجدية :
-يا أدهم من فضلك. مش هاينفع. أنا مقدرش أقعد و أقيّد حرية خالتي و إيمان لا أنا و لا هما هانكون مرتاحين !
أدهم رافعًا حاجبه :
-و مين قالك أصلّا إني كنت هاسيبك تقعد هنا مع خالتك و إيمان ؟ يمكن كان يحصل لو كانت إيمان متجوزة مثلًا. كنت هاتقعد مع خالتك عادي. لكن في وجود إيمان.. زي ما انت عارف جوزها مات و قاعدة هنا مع ماما …
عبس “مراد” متمتمًا :
-أمال انت تقصد إيه يعني مش هامشي إزاي كده !؟
شرح له “أدهم” و هو يعبث بهاتفه :
-انت هاتقعد في شقة عمتي راجية.
مراد بغرابةٍ : الله. و أنا أقعد عند عمتك ليه بس يا أدهم !!؟
تأفف “أدهم” بسأمٍ و صاح بنفاذ صبر :
-يابني الشقة فاضية. عمتي سابتها هي و عيالها بعد موت سيف علطول. سابتها و مش هاترجع تاني.
-إممم فهمت !
-الحمدلله إنك فهمت ياخويا …
ثم أضاف يحثه :
-يلا بقى قوم معايا نطلع نوضب لك أمورك. زي ما قلت لك الشقة فاضية. بس لحسن الحظ مراتي حبت تغيّر أوضة ولادنا بعد ما خلفنا انت عارف إنهم تلاتة ما شاء الله. ف احنا كنا جايبين سرير واحد ماكنش هاينفعهم. نقلنا الأوضة كلها شقة عمتي. هو السرير صغير شوية. بش معلش دبر نفسك الليلة دي بس و بكرة هاننقل أوضتي إللي في شقة أمي هنا عشانك فوق.
لم يتحمّل “مراد” كل ما سمعه فحاول الاعتراض :
-لأ أرجوك يا أدهم كده كتير. أنا مش جاي أتعبكوا. ماتخلنيش أندم إني جيت !!
أدهم بصرامة : مراااد. أنا مابحبش الكلام الكتير. انت لو وجودك مش مرغوب فيه هاقولك في وشك. عيب عليك إللي بتقوله. إحنا أهل يا محترم.. و لا انت شايف إيه !؟
ابتلع “مراد” ريقه و هو يتطلع إليه و لا يرى بعد كلماته سوى فعلته القديمة، تتجسّد أمامه، تحول بينه و بين ابن خالته، تشعره بفداحة غلطته الآن.. الآن …
*****
كانت لا تزال راقدة بفراشها، حزينة، مكتئبة، تحتضن طفلتها الغافية على صدرها
بينما زوجة أخيها تلج إلى الغرفة حاملة صينية الطعام و هي تهتف معتذرة للمرة العاشرة :
-حقك عليا يا إيمي. و الله الولاد مش عارفة جرالهم إيه إنهاردة. شابطانين فيا بطريقة غريبة. ما صدقت نايمتهم و نزلت لك.
تبسّمت “إيمان” و هي تقول بوهنٍ :
-طيب سبتيهم و نزلتي ليه يا سلاف. اطلعي أحسن يصحوا و مايلاقوكيش يتخضوا.
جلست “سلاف” و أسندت الصينية فوق الطاولة المجاورة للسرير، تنهدت و هي تسحب هاتفها مشيرة لشقيقة زوجها قائلة :
-ماتقلقيش. لو همسوا بس هاعرف ! .. ثم تناولت صحن الحساء و بدأت تطعم الأخيرة
-يلا بقى كلي عشان تعوضي الضعف ده. بالهنا و الشفا يا حبيبتي.
استجابت “إيمان” لها و أنهت الطعام على مهلٍ.. فاطمأنت “سلاف” لاستقرار حالتها بحلول الآن و بدأت تتحدث بحذرٍ :
-قوليلي بقى. إنتي حصل لك إيه فجأة ؟ حد ضايقك ؟
سألتها بوضوح أكثر :
-مراد ضايقك !؟؟
لعلها لم تتوقع ردة فعلها، لكن حرفيًا عينا “إيمان” امتلأتا بالدموع بغتةً و صارت غير قادرة على النطق.. توترت “سلاف” و هي تقول مجفلة :
-في إيه بس يا إيمان. إيه إللي وصلك للحالة دي.. ما كنا كويسين إنهاردة و أنا سايباكي زي الفل !
لا إراديًا، بدأت تجهش بالبكاء، فذعرت “سلاف” و اقتربت لتحضنها على الفور :
-بسم الله عليكي.. إيه ده كله. ليه. ليه يا إيمان !؟؟
تركت “إيمان” طفلتها و تشبثت بأحضان “سلاف” منتحبة بحرارة :
-مش طايقاه. مش طايقة أشوفه و لا أسمع صوته.. هو جه ليه ؟ رجع ليه يا سلاف أنا بموووت. مش قادرة أستحمل خلاص !!!
أخذت تربت عليها و تهدئها قدر ما استطاعت :
-طيب اهدي. لا حول و لا قوة إلا بالله. اهدي يا حبيبتي …
لم تساهم مواساة “سلاف” في التخفيف عنها إطلاقًا، إنما كانت تزداد بؤسًا كلما تذكرته و ترددت صدى كلماته في أذنيها.. إن كان لا يزال يحب زوجته
فما الذي جاء به بحق الله !!!!
*****
تركه “أدهم” لدقائق حتى يعتاد على الشقة المهجورة، في الحقيقة كانت شقة فاخرة كثيرًا و ذوقها رفيع، صحيح أنها خالية من الأثاث، و لكن تشطيبها كان غاية في الجاذبية العصرية.. تلك العمّة “راجية” أو أيمّا كان الذي يسكن معها لديه تنسيق جيد
انتبه “مراد” حين عاد “أدهم” حاملًا على ذراعيه بعض الأغطية و المفروشات :
-اتفضل يا عم. شوية فرش و بطنية و كوفرتة و لحاف كمان.
ضحك الأخير معلّقًا و يحمل عنه :
-إيه ده كله يا أدهم.. انت عاوز تردمني بقى !
-الجو برد يا حبيبي و أنا مش مستعد أشيل ذنبك لو جرى لك حاجة عندي. أنا واخدك سليم ف لازم أسيبك سليم بردو.
-إيه الجو دهز محسسني إني عمر ابن أختك !
أدهم عابسًا : هي عائشة خلّفت تاني من ورايا ؟ مين عمر ده يابني !؟
قهقه “مراد” بمرحٍ كبير :
-مش ممكن. يا أخي بهزر.. القافية جت كده.
ابتسم بتهكمٍ : ماشي ماشي.. هزر.
و مضى يساعده في افتراش حيّزٍ له كي ينام به، بمرور بعد الوقت سمعا نقتين على الباب، ثم علا صوت “سلاف” الرقيق :
-مساء الخير !
إلتفتا كلًا من “مراد” و “أدهم” معًا و نظرا إليها …
وقفت على مقربةٍ منهما في حلّتها السوداء و نقابها مسدل، لا يظهر منها سوى عينيها الفيروزيتان و رموشها الكستنائية الكثّة.. على الفور أبدى “مراد” ترحيبًا شديدًا بها :
-أهلًا أهلًا. مساء الورد. ياااااه انتي بقى سلاف ؟
بجواره كان “أدهم” يحدجه بنظرات مستنكرة حانقة، فهو لم يكن يحترم كينونتها و المغزى من حجابها الصارم، و أخذ يتفرّس فيها رغم ذلك ؛
على الطرف الآخر بانت ابتسامة في صوت “سلاف” و هي ترد عليه :
-إزيك يا مراد. أيوة أنا سلاف.. بنت خالك إللي عمرك ما سألت عنها. بس أنا كنت بشوف صورك مع بابي الله يرحمه على فكرة.
أخجلته بملاحظتها، فقال بصوتٍ خاضع :
-أنا بعتذر لك طبعًا. بس صدقيني الوضع ماكنش بإيدي و لا بإيدك. هما الاخوات دول إللي قرروا يبعدوا و يسيبوا كل حاجة. هما إللي فكوا الشمل. أنا لو كنت أعرف طريقك أكيد ماكنتش سيبتك !
-نعم ! .. ندت صيحة الاحتجاج الغاضبة عن “أدهم” فجأة
-تقصد إيه يا مراد بيه ماكنتش سيبتها إزاي يعني !؟؟؟
أدار “مراد” رأسه نحو ابن خالته و قال مبتسمًا :
-الله مالك يا أدهم.. أنا بتكلم عادي. ماتقولش إنك ممكن تغير عليها مني.
أدهم بخشونة : و ماغيرش ليه سيادتك مش راجل ؟
حاول أن يُبرر بأريحية :
-مش قصدي أنا كنت بتكلم من المنطلق إنها بنت خالي و تخصّني. و فعلًا لو كنت أعرف طريقها ماكنتش سيبتها يعني كنت هسأل عليها و أزورها باستمرار. بس. هو ده كل قصدي يا عم الشيخ.. أو يا دكتور. إللي تحبه يعني !
كان يعرف على وجه اليقين كم هو صعب طبع ابن خالته المتزمت، و هكذا بذل جهده ليخفف من حدة الموقف، أما “أدهم” فمشى ناحية زوجته و أحاط خصرها بذراعه، ثم قال محدقًا بعينيّ “مراد” باكفهرار :
-مبدئيًا كده سلاف دلوقت ماتخصش حد غيري يا مراد بيه. و بعدين لو كان أي حد فينا يعرف انها موجودة أساسًا ماكنش حد سابها لوحدها. بدليل أول ما خالي اتوفى لاقت البيت ده مفتوح لها.. و دي كانت أجمل هدية و أحلى حاجة حصلت في حياتنا و حياتي أنا بالتحديد. سلاف !
نظرت “سلاف” إلى زوجها بأعين دامعة من شدة العاطفة التي أثارتها كلماته الأخيرة
أمالت رأسها ليلامس ذراعه، بينما قال “مراد” مبتسمًا بحبورٍ :
-ربنا يحفظكوا لبعض.. و يديم الحب ده بينكوا.
فارقا الزوجين ضيفهما أخيرًا
و فضلا أن يرتقيا الدرج بدلًا من إتخاذ المصعد، صعدا معًا متشابكي الأيدي و قد تشبثت “سلاف” بيدها الأخرى بمعصم زوجها، كانت كأنما تحتضنه …
-سلاف. أنا مش هاطير منك !
أفاقت على صوته من ثمالتها العاطفية، ظلت كما هي تتمسك به و هي ترد بخفوتٍ :
-عمري ما سمعتك بتتكلم عني كده قصاد حد. علطول بسمع منك أحلى كلام بيني و بينك و بس لما بنكون لوحدنا.. فاجئتني يا أدهم !!
-يسلام.. مبسوطة يعني من كلامي و لا من كلام سي مراد !؟
كان في صوته نزعة الغيرة الضارية تبعث على الضحك، لكنها تحدثت بجدية :
-أنا مقدرة انك بتغير عليا و بتحبني. بس الحق مراد ماقالش حاجة. بالعكس كان لطيف.
أدهم بنزقٍ : لطيف !!؟
طيب اسكتي بقى و قصّري الحوار ده عشان مانَّامش متنكدين الليلة دي يا سلاف.
كان جسمه يتشنج و قد نجح في زعزعة استقرارها العاطفي، فزفرت بضيقٍ و هي تبتعد عنه مغمغمة :
-مافيش فايدة فيك. غيرتك كل مادا ما بتزيد. انت ماكنتش كده أول ما عرفتك و قربنا لبعض …
و أضافت مذكّرة إيّاه بامتعاضٍ :
-الحكاية دي بدأت معاك من ساعة المشكلة إللي حصلت بيني و بين سيف الله يرحمه !
انتفض “أدهم” صائحًا و قد وصلا أمام شقتهما الآن :
-و كمان بتترحمي على الو××× ده !!؟؟؟
سلاف بذهولٍ : أدهم انت بتقول إيه ؟ سيف مات.. ماتجوزش عليه غير الرحمة مش أنا إللي هاقولك كده !!
تجاهل حقيقة ما تقول و قبض على ذراعها غارزًا أصابعه في لحمها بقسوة :
-انتي ناسية كان عايز يعمل فيكي إيه ؟ أنا كنت هاموته !!!
تأوهت “سلاف” بألم شديد :
-آه آه. أدهـم انت اتجننت.. سيب دراعي يا أدهم بتوجعني !!!!
لم تخمد النيران في عينيه، لكنه تركها مذعنًا لارادتها، فابتعدت عنه فورًا و سددت له نظرة متخاذلة من أسفل النقاب و هي تدلك موضع قبضته، و بدون أن تنطق سحبت سلسلة المفاتيح من جيبه و توجهت نحو الباب
فتحته بعصبيةٍ و ولجت غير عابئة له …
*****
جافاها النوم و خاصم جفونها الليلة، كانت تتقلّب فوق فراشها كالمحمومة، لا تهدأ، الحرب اندلعت بداخلها و ما من نهايةٍ لها… لن تنهتي قبل أن تراه
قبل أن تواجهه
فقد ساقه القدر إليها أخيرًا، ما الذي تنتظره الآن، مِمّ تخاف ؟
ماذا سيحدث أكثر من الذي حدث لها منذ تركها و أدار لها ظهره !؟؟؟
هبت “إيمان” من فراشها فجأة، تلهث و تنهج و هي تتحسس جبينها و عنقها الملتهب، هرعت إلى النافذة و فتحتها على مصراعيه تشهق الهواء ملء رئتيها، غمرها ضوء الليل ببدره المنير، و كان الصمت يخيّم على الأجواء،صمت يدعم الوحش الذي أخذ ينهشها من الداخل و إلى الخارج ؛
لا يمكن أن تدعه يقهرها هذه المرة، ستكون بموتها إن تركته يفعل… حسمت أمرها
و ليكن ما يكون
خرجت من غرفتها في هدوة الليل، اجتازت أروقة شقة أمها و استلّت المفتاح في يدها، خرجت إلى الدرج و صعدته بخطى صامتة، حتى وصل إلى الطابق المنشود، وقفت أمام الشقة تتهيأ للحدث الجلل
أخذت نفسًا عميقًا مغمضة عينيها.. ثم طرقت الجرس مرةً واحدة و بقيت في الانتظار …
لحظات و إنفتح الباب و رأته كما توقّعت، جمدا الاثنان مقابل بعضهما، كتمثالين.. لم ينبسا ببنت شفة لمدة دقيقة كاملة ؛
ليخرج صوت “إيمان” فجأة مشحونًا بكل لآلام و معاناة السنوات الماضية كلها.. كانت الدموع في عينيها و نظرات الاتهام تتحدث أيضًا :
-إيه إللي جابك.. رجعت تاني ليه يا مراد !؟
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أوصيك بقلبي عشقا)