رواية أنا والطبيب (قدر قيس) الفصل التاسع 9 بقلم سارة أسامة نيل
رواية أنا والطبيب (قدر قيس) البارت التاسع
رواية أنا والطبيب (قدر قيس) الجزء التاسع
رواية أنا والطبيب (قدر قيس) الحلقة التاسعة
[أنا والطبيب]
الفصل التاسع -٩-
قالت بصوت مصبوغ بالحزن وقلب منفطر:-
– شوفت يا رضوان، فات سنين وهو حتى مش هان عليه يشوف أبوه وأمه ولو من بعيد..
زي ما يكون صدق يبعد عننا .. يعني إحنا مش وحشناه خالص كدا يا شيخ رضوان، مش بيفتكر أبوه وأمه خالص .. حسرة كبيرة في قلبي على تحجر قلب ابني..
تنهد الشيخ رضوان بثقل وأردف بينما يربت على ظهرها بحنان:-
– هو الخسران يا رحيمة، هو مكانش راضي بعيشتنا وبهدلنا وعيشنا في مشاكل كتير..
وهو ابن غير بار وغير صالح وأنا عملت إللي ربنا أمرني بيه وأحسنت تربيته بس مكانش فيه فايده .. عادي يا رحيمة ما ابن سيدنا نوح عليه السلام كان كافر وهو نبي..
حاولت معاه كتير وجاهدنا معاه يا رحيمة لكن هو تمرد ووصل الموضوع للمخدرات والتحر’ش ببنات الحارة وسرق بيوت الحارة ومسابش حاجة حرام وغلط ألا ما عملها وفقدنا السيطرة عليه، إللي زي ده مكانش ليه قعدة في بيتي وأنا عندي بنات وهو إللي ما صدق وطفش علشان يخلص من تحكماتي زي ما كان بيقول..
متزعليش يا رحيمة مسيره في يوم هيفوق حتى وإن كان اليوم ده بعد سنين طويلة، هيعرف قيمة كل حاجة كانت معاه وقيمة أبوه وأمه بس هيكون بعد فوات الأوان..
تنهد تنهيدة مطوله وهو يرفع أعينه للأعلى قائلًا:-
– الدنيا دي غريبة أوي يا رحيمة، ولد كان تحت إيده كل سُبل الراحة والصلاح وطلع فاسد..
وعندك قيس .. أبوه رماه وهو طفل واكتفى بالبيت إللي سابه قاعد فيه ومصاريف بيبعتها كل فين وفين ليه ونسى أنه طفل محتاج رعاية وتوجيه بس هو كان متأكد إن أهل الحارة مش هيسبوه ولغاية النهاردة محدش يعرف عنه حاجة، وربيت أنا قيس نفس التربية إللي ربيتها لطاهر بس ما شاء الله شوفي قيس ربنا يبارك فيه يارب … بس بذرة قيس من البداية بذرة صالحة وربنا عوضنا بيه ونعم الولد الصالح..
قالت رحيمة بغصة مريرة كالأشواك عالقة في حلقها:-
– ربنا يبارك فيه يارب، أم قيس الله يرحمها كانت ونعم الجارة وست صالحه وزرعت جواه الطيبة والصلاح..
علشان خاطرها ربنا بارك في قيس وصفاته كلها منها .. ربنا يشهد أنا حبيته قد أيه وفعلًا ربنا عوض بيه..
وطاهر ابني ربنا يهديه أيًّا كان هو فين، أنا مش ببطل أدعيله بالهدى والصلاح..
**********
هيئته مستشيطة ويصيح بينما يجلس جعفر فوق مقعده متكئًا وينظر له بثبات:-
– أنا مش عارف أنت إزاي صابر على عزيز .. خلصنا منه بقاا هو السبب في إللي بيحصلك وإللي بيحصلنا ده..
كان يروح ذهابًا وإيابًا وأوداجه منتفخة فقال جعفر بثبات وهدوء مريب:-
– إهدى يا فهد .. هو ميقدرش يتحرك خطوة من غيري أنت ناسي إن رقبته في إيدي ولا أيه، هو مجرد لعبة وكارت محروق بإيدي وميستهلش العصبية دي كلها..
أنا أهم حاجة عندي أنت وفارس وإنكم تفضلوا نضاف وبعيد عن أي حاجة..
رفع فارس أنظاره نحو فهد وابتسم بشماته فهذا عزيز ليس المفضل لوالده كما يظنون، هتف فهد بهمس:-
– دا مجرم ويستاهل كل إللي يجراله..
ارتفع رنين هاتف جعفر فأجاب بوجه مكفهر:-
– نعم..
قال عزيز من الجهة الأخرى بشر وأنفاس لاهثة:-
– الحقير المسؤول عن كل المصايب دي بين إيديا أهو في المخازن القديمة بتاعتنا، وموضوع الشرطة والبضايع حطيت كبش فدا شال الليلة..
استقام جعفر بأعين مليئة بالشر وقال بتوعد:-
– أنا جاي…
وبمجرد أن أغلق الهاتف تسائل فهد بترقب مسرعًا:-
– في أيه .. أيه إللي حصل..
أجابه بتعجل قبل أن يرحل:-
– عزيز وصل للي مسؤول عن المصايب إللي بتحصل دي .. دكتور في مستشفى السبيل كان بيساعد البت إياها وبينتقم لها..
وخرج وأقدامه تدك الأرض دكًا متوعدًا بالويلات لعدوه الجديد هذا غير مدركًا ما ينتظره من صدمة ستبدد غضبه هذا وتخلق غضبًا جديدًا أشد نارية…
************
استفاق من تلك الغفلة القصيرة يفتح أعينه ليقابله الظلام الدامس إلا من ضوء خافت يتخلل أنسجة قطعة القماش الموضوعه فوق رأسه بإحكام، تململ متحرك ليجد ذاته مُكبل من جميع الجهات .. ذراعيه مثبتة للخلف ومقيدة على هذا المقعد الجالس عليه وأقدامه ذات الوضع حتى سائر جسده يلتف عليه أحبال ثقيلة..
لم يتأثر ثبات قيس وبقى جامدًا ليقول باشمئزاز وهو يعلم أن هذا المريض عزيز يتواجد من حوله:-
– مش قولت مش راجل وجبان، إللي أنت عملته ميعملهوش ألا الجبان الضغيف وبس يا بتاع الفراخ، مش عندك الجُرأة تواجهني ومربطني..
لو راجل واجهني وجهًا لوجه بس أنت للأسف مش عندك ريحة الرجولة ولا تعرف عنها حاجة..
حديث قيس كان كالوقود على غضب عزيز والمِلح على جراحه ..وعُقدة نقصه الذي يسعى لإخفاءها واكتمالها بالتسلط وفرض سيطرته على الغير وأذيته وكان أعظم ضحاياه قدر…
انقض عزيز على وجه قيس القابع خلف قطعة القماش السوداء باللكمات القاسية المُحملة بالغضب وهو يصرخ بجنون وتغيّب:-
– أنا رااااجل غصب عن الكل .. أنا مش فاشل .. أنا نجحت وعملت اسم إللي بيسمعه بيترعب .. أنا عندي عيلة كبيرة ومبقيتش بتاع شوارع أنتوا فاهمين … أنا مش متشرد أنتوا فاهمين..
نفّس عن غضبه بوجه قيس الذي لم يتأثر بجنونه إلا أن الكلمات التي باح بها أثارت تعجبه وتساؤله، فيبدو أن عزيز هذا خلفه أمرٌ ما…!!
وأكمل عزيز صياح وهو يرى ثبات قيس المستفز له وعدم تأثره حتى لم ينبث بتأوهٍ واحد:-
– قدر ليا .. بتاعتي أنا ومحدش يقدر ياخدها مني، ومحدش يقدر يمس عيلتي ويتلاعب بينا..
أنت مين علشان تقدر تتغلب على عزيز البحيري..
أنت ولا حاجة ولا حاجة .. سامعني..
ضحك قيس ثم وجم وجهه وهدر بصوت مُحتدًا بالغضب:-
– ولا تقدر تعمل أي حاجة، أما بالنسبة لكلامك المريض عن قدر وبتاعتي وملكي ونطقك لاسمها فأنا هدفعك تمنه غالي يا عزيز الكلب..
متقدرش تعمل أي حاجة يا بتاع الفراغ.
اقترب منه عزيز بتمهل ثم انحنى أمام وجه قيس وهمس بنبرة حادة وهو يبتسم بشكل مريض ووميض الشر والجنون يطفو بأعينه:-
– حقك تقول كدا علشان متعرفنيش يا دكتور المجانين، تعرف أنا ممكن أعمل فيك أيه وبدون لحظة تردد واحدة…
هقتلك هنا وادفن جثتك في المكان المقطوع ده أو قطيع الكلاب بتوعي أولى بيك.
ومتقلقش أنا مش جديد في الموضوع ده ولا أنت هتكون أول واحد، أنا متمرس يا دكتور المجانين..
ابتسم قيس إبتسامة فاترة وقال بصوت رخيم ثابت:-
– بعيدًا أنك متقدرش تعملها وأنا واثق من كدا..
أحب أقولك أنت متقدرش تمسّ شعره مني بأذى .. في قوة كبيرة وحماية عُظمى أنت متعرفش عنها حاجة .. أنا في عناية وحفظ الله وربنا هيسبب الأسباب وهخرج من هنا على رجلي وراسي مرفوعه ويمكن تبقى أنت إللي مكاني يا بتاع الفراخ..
كاد عزيز أن يُجيبه بسخرية لكن قاطعه دخول جعفر وحوله رجاله المنتشرين، هطل كسحابة سوداء على المكان والشراسة والشرّ تنبعث من طلته المرعبة للقلوب..
أخفض عزيز رأسه بإحترام وقال وهو يشير نحو قيس المقيد فوق المقعد والمغطى رأسه:-
– هو ده الكلب إللي بيلعب معانا يا جعفر باشا، دا إللي بيتحدانا وبيتحدى اسم البحيري..
بيقول محدش يقدر يعملي حاجة…
اقترب جعفر وهو ينظر لقيس نظرات قاسية جحيمية فأردف قيس بعدم إهتمام وبصوت رجولي خشن:-
– ومين هو جعفر دا كمان .. كلب من كلابك يا بتاع الفراخ .. ولا أنت إللي كلبه..
بس المهم أكيد نفس عينتك…شخص مريض وضعيف شبهك..
توسعت أعين عزيز بصدمة وأعين جميع الرجال وأخفضوا رؤسهم برعب، بينما جعفر فأسود وجهه وتشنجت ملامحه وظل يطحن أسنانه بشراسة بينما يسير ويزداد إقترابه من قيس وانتشرت دقائق من الصمت الثقيل وأيقن جميع من في المكان أن القتل فقط سيكون نهاية رحيمة لهذا الذي جنى على نفسه بالوقوع مع وجه من وجوه الشيطان..
موته سيكون بطُرق جعفر البحيري الذي القتل بها رحمة كثيرة عنها..
أصبح جعفر أمام قيس، ضيق أعينه لبُرهة ثم رفع كفه خلف رأس قيس وقبض على خصلاته يلويها بين أصابعه بقسوة حتى كاد أن يقتلعها ثم بيده الأخرى أخرج سلاحه وهو منحنى أمام قيس وبقسوة وشراسة ضرب وجه قيس ورأسه بقاعدة السلاح..
وغمغم وقد قطب ما بين حاجبيه:-
– إزاي .. يبقى عيب في حقى لو معرفتكش على جعفر البحيري وأخدت كرم الزيارة يا دكتور..
وبمجرد أن سمع قيس هذا الصوت حتى توسعت أعينه بشدة وسقط في بئر مظلمة تتخبطه أمواج الصدمة العاتية شاعرًا أنه بعالم أخر ولم يعد يشعر بما يدور من حوله، حتى أنه لم يشعر بفوهة سلاح جعفر التي غُرزت بكتفه بقسوة…
وقبل أن يضغط جعفر على الزناد حدث ما لم يكن متوقع، هذا الفعل الذي فعله سيظل يحمد ربه عليه مرات لا تعد ولا تحصى..
لو لم يحدث ذلك لم يكن ليكفيه عمره ولا عشرات أضعافه ندمًا….
*****************
في ظلمة هذا الليل وبهذا المكان المهجور إلا من مخزن قديم متهالك كان يركض ياسين بلهفة وخلفه تركض كُلًا من قدر ومرح…
وكلمات هذا الشخص الذي له الفضل بالكثير والكثير وقد أرسله الله له ولعائلته طوق نجاة..
“ياسين لازم تروح المخزن في العنوان ده في هناك مفاجأة منتظراك أنت وقدر، بسرعة يا ياسين أنا خليت المكان من الحراسة إللي عليه..”
اقتحم ياسين المكان يضرب باب المخزن المتهالك بقدمه وبجسده وقلبه يخفق بشدة حتى كُسر الباب وهجم ياسين للداخل يبحث بجنون ومن خلفه قدر…
توقفوا أمام أحد الغُرفة المتهالكة التي لا تصلح للعيش فتسمرت أقدامه وأصبح يشعر بخفقان قلبه بعنقه وهو يرى ما لم يخطر على عقله…
تجمدت أوصال قدر وتوسعت أعينها التي تجمدت دموعها بها وجفّ حلقها…
وبالكاد طاوعتها الكلمات وخرجت من بين ثنايا الحناجر تهمس ببكاء بدون تصديق وأعينها تجرى فوقهم متسلسلين مقيدين:-
– بابا … ماما .. رائد .. رائف..!!!!
ولم يصحوا من صدمتهم إلا عندما اقتحم المكان أخر شخص متوقع، بل درب من دروب المستحيل إذا حسبته ضمن القائمة، حتى عندما وقعت أعين قدر فوقه شهقت برعب وجحظت أعينها ثم بحركة دفاعية وقفت أمام الباب الذي به عائلتها بحماية….
ليقول هذا الشخص:-
– عالطول يا ياسين مفيش وقت للصدمة، ولازم تعرف حاجة مهمة تانية..
*****************
وما فعله جعفر أنه رفع الغطاء بعنف عن وجه قيس وهو يهتف:-
– خلينا الأول نتعرف على الجريء ده والمرحووو….
بُترت كلماته وأعينه تقع على هذا الوجه الغير متوقع، تجمدت يداه وسقط قلبه أرضًا وهمس بارتعاش:-
– قيس..!!!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أنا والطبيب (قدر قيس))