رواية أنا لها شمس الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم روز أمين
رواية أنا لها شمس الجزء السابع والثلاثون
رواية أنا لها شمس البارت السابع والثلاثون
رواية أنا لها شمس الحلقة السابعة والثلاثون
اتسعت أعين نصر بذهولٍ لما استمع إليه من حارس المزرعة ليصيح بهلعٍ وهو يوبخ الرجل:
-يومك مش باين له ملامح، إيه اللي بتقوله ده يا غراب البين على الصُبح؟
هتفت إجلال بصوتٍ حاد أرعب الرجل وهي تسأله بحدة:
-مين القتيلة دي يا واد؟!حد من البلد؟
اجابها الرجل بصوتٍ لاهث وصدمة بعينية:
-مش هتصدقي يا ست الناس،القتيلة تبقى نسرين مرات الواد عزيز إبن غانم الجوهري
شهقت جميع نسوة المنزل اللواتي نزلن خلف أزواجهن عندما استمعن للطرقات العالية لتضع سُمية كف يدها على فمها وهي تهمس إلى ياسمين بذهول:
-يا نهار إسود،نسرين إتقتلت!
تطلعت عليها ياسمين والرُعب ملئ عينيها لينتشلها صوت نصر الغاضب:
-ودي أنهي مصيبة حدفتها ناحية مزرعتي،يعني من بين أطيان البلد ومزارعها مختارتش تتنيل إلا جنب مزرعتي
هتف الرجل ليعلم سيده:
-غير هدومك وتعالى بسرعة يا حاج، الدنيا مقلوبة هناك وزمان الحكومة وصلت
قطب نصر جبينه وقبل أن يطرح سؤاله أجاب عليه الأخر ليسترسل بإبانة:
-أصل الحاج سعد أبو حمدان كان معدي بعربيته رايح يشق على أرضه،قوم لما لقى الناس ملمومة نزل يشوف فيه إيه،ولما شاف القتيلة إتصل بظابط المركز وبلغه،وزمانه على وصول
استدار نصر وهتف وهو يهرول للداخل كي يرتدي ثيابه:
-أنا قلبي كان حاسس إن الإنتخابات دي مهتعديش على خير
واستطرد وهو يوجه أنجاله الثلاث:
-غيروا هدومكم وتعالوا معايا نشوف المصيبة دي كمان
رفعت إجلال حاجبها لتنطق بما لاح بمخيلتها:
-يكونش الواد عزيز شاف عليها حاجة كدة ولا كدة وقتلها وتاوا جتتها عند المزرعة علشان يبعد عنه الشبهة
لتسترسل بافتراء وتشكيك بسمعة إمرأة سارت في ذمة الله دون الخشوع لحرمة الموت:
-البت دي أصلها غريبة كده ومش سالكة
هتفت سُمية باندفاع:
-تسلم دماغك يا ستهم
واسترسلت وهي تدق بقبضة يدها على باطن كفها الأخر:
-هو أكيد ده اللي حصل
نظر لها طلعت لينطق مشككًا:
– وهو عزيز هيسيب البلد كلها وييجي يقتلها جنب المزرعة بتاعتنا ليه؟!
-إنتوا لسه هتحكوا وتحققوا في اللي قتل واللي اتقتل،ملعو…. أبوهم الإتنين؟!…نطقها نصر وهو يرمق ذكوره الثلاث ليسترسل ساخطًا وهو يرمقهم بحدة:
-إنجر منك ليه على فوق وخمس دقايق تبقوا قدامي هنا
رمقت زوجها بنظراتٍ كارهة وانتظرت حتى خرج الرجال من المنزل لتلج إلى غرفتها وتقوم بغلق بابها وتسرع على الهاتف الجوال وتلتقطة،ضغطت على زر الاتصال وانتظرت إجابة ذاك الأبله الذي مازال غافيًا بتخته،زفر بضيقٍ وسب المتصل بلفظ نابي قبل أن يسحب الهاتف الذي ما أن نظر بشاشته حتى انتفض جالسًا ليهتف سريعًا بعدم تصديق ولهفة ظهرت بحرف كلماته:
-ست الستات بتتصل بيا بنفسها،أنا مش مصدق نفسي يا ولاد
هتفت بعينين تطلقان سهامًا نارية تنم عن مدى اشتعال قلبها من غدر من فضلته على الجميع ورفعته لمكانة لم يكن بيومًا يحلم بها وما كان منه سوى مقابلة المعروف بالنكران :
-بطل رغي يا هارون وقول لي عملت إيه في الموضوع اللي كلفتك بيه؟
تذكر عندما هاتفته منذ يومين ليأتي لها بعنوان شقة بالقاهرة مسجلة باسم زوجها،فقد عمتها الغيرة وأرادت أن تستعلم عن المكان الذي اشتراه بمالها وأفضال والدها وعائلتها عليه ليأتي بإحداهُن كي يتنعم بداخل أحضانها وتتنعمُ هي بمالها،أرادت أن ترى من هي تلك الحقيرة التي استطاعت إغوائه وجعلت منه خائن لعهد من منحته كل شئ وصل إليه مقابل الولاء،أرادت أيضًا أن تنتقم منها أشد انتقام لتجعلها عبرة لمن تقترب على رجلها،نطق هارون بارتباك:
-مهو، أصل
بلهجة غاضبة صاحت هادرة:
-إنتَ لسه هتمأمأ لي،قول لي لقيت الشقة اللي باسم نصر ولا لسه؟
نطق سريعًا يعلمها بخطوات سيره كي يُهدأ من حدة غضبها الثائر:
-هلاقيها،أنا مش ساكت يا ستهم، بعت محامي يدعبس لي عند موظف في الشهر العقاري بس لسه الراجل ملقاش حاجة، الصبر
واسترسل مستفسرًا بجبينٍ مقطب:
-بس لو أعرف إيه اللي في دماغك وترسيني على الحوار
واستطرد بدهاء:
-هو أنتِ شاكة إن نصر يعرف عليكِ واحدة يا ستهم؟!
-إنتَ هتخيب وهتنسى روحك ولا إيه يا هارون…قالتها بحدة لتسترسل بنبرة تحذيرية:
-متخلنيش أغضب عليك واسحب وعدي اللي ادتهولك وأشوف حد تاني غيرك ياخد كرسي المجلس
ارتبك لينطق متلبكًا:
-إهدي يا ستهم واديني يومين بس، وكل اللي عوزاه هيكون عندك
فُتح الباب لتظهر من فتحته أزهار التي كانت تعد طعام الفطار هي وزوجات أنجالها لتتحدث إليه بهدوء:
-يلا يا هارون علشان تفطر
هز رأسه ليتفاجأ بتلك الـ إجلال تغلق الهاتف دون أن تعيره أي إهتمام ليرمق هو زوجته قائلاً بعدما ألقى بالهاتف بعنف فوق الفراش:
-روحي وأنا جاي وراكِ
********
أما داخل منزل غانم الجوهري،كانت تجلس أمام أحد أفران الغاز تصنع الخبز لعائلتها تجاورها نوارة التي تساعدها ومازال جميع أفراد المنزل نائمون،استمعتا لطرقات شديدة فوق الباب لتهتف منيرة بصوتٍ مرتجف:
-يا ستار يارب،مين اللي بيخبط علينا كده من النجمة،دي الشمس لسه مطلعتش
هتفت نوارة وهي تهرول باتجاه الباب:
-هروح أشوف مين،إستر يا ستار
وصلت إلى الباب وتعجبت حين رأت ذاك الترباس مفتوح،لتهز كتفيها بلامبالاة ثم فتحت الباب لتجد إمرأة جارة لهم تهتف والفزع يظهر على وجهها المذهول وجميع المارة ينظرون عليها ويهرولون في إتجاهٍ واحد:
-إلحقي يا نوارة،البلد مقلوبة وبيقولوا لاقوا نسرين مقتولة عند المزرعة بتاعت الحاج نصر البنهاوي
قطبت جبينها لتسألها بعدم استيعاب:
-نسرين مين يا أم خالد؟!
-نسرين سلفتك يا بت…قالتها المرأة لتنطق الأخرى بنفيٍ قاطع:
-نسرين مين يا ولية يا مخرفة إنتِ، نسرين نايمة فوق في شقتها
أكدت المرأة بحديثها الذي أخبرها به زوجها وطلب منها إخبار جيرانهم:
-وأنا يختي هكذب عليكِ ليه،ده جوزي بنفسه اللي شافها واتعرف عليها، كان رايح هو والأنفار يرووا أرض الحاج سعد ابو حمدان ولقوها متكومة جنب سور المزرعة ولما عدلوها لقيوها مضروبة بسكينة في بطنها كذا مرة وسايحة في دمها، وجوزي عرفها على طول
هرولت نوارة لتخبر والدة زوجها و صعدت لتخبر زوجها فهرول يطرق الباب على شقيقه الذي تحدث بذهول بعدما سأله عن زوجته:
-نسرين مش موجودة، مع إنها نايمة قبل مني بالليل؟!
ابتلع وجدي لعابه وتحدث وهو يضع كفه على كتف شقيقه كنوعٍ من المؤازرة:
-غير هدومك وتعالى معايا يا عزيز
قطب جبينه وهو يتطلع لنظرات شقيقه ووالدته الحزينة:
-فيه إيه يا وجدي؟
تنهد بألم لينطق بصوتٍ حزين:
-فيه ناس بتقول إنهم لقيوا جثة نسرين عند مزرعة نصر البنهاوي،وواضح إنها مقتولة من بالليل
أمسك بتلاليب أخيه ليصرخ بحدة مدافعًا عن رجولته في المقام الاول:
-إنتَ اتجننت يا وجدي، إيه اللي هيودي مراتي في حتة مقطوعة في وقت زي ده؟
نطقت منيرة بصوتٍ حازم وهي تبعد كف نجلها عن شقيقه:
-سيب أخوك وادخل إلبس لك جلبية وروح معاه شوفوا حكاية المصيبة دي إيه
تطلع على والدته بتيهة ليهرول للداخل بعد أن شعر بصحة حديثها،بعد قليل حضر نصر وانجاله وجد الشرطة قد حضرت وحاوطت الجثة وبدأت في استجواب الشهود، اقترب نصر من الضابط لينطق بصوتٍ جاد وهو يتطلع على الجثة الملقاه على الأرض بجانب السور ومغطاه بشرشف جلبه أحد الحضور ليستر به القتيلة،مد يده للمصافحة قائلاً:
-إزيك يا باشا
طالعه الرجل لينطق وهو يمد خاصته:
-اهلاً بيك يا سيادة النائب
سألهُ مستفسرًا:
-خير يا باشا،إيه اللي حصل؟!
بنبرة متهكمة تحدث إليه الضابط:
-المفروض إنتَ اللي تقول لنا إيه اللي حصل،البلد بلدك وإنتَ كبيرها والجريمة حاصلة جنب مزرعتك
توزعت نظراته على من حوله ليجد نظرات الناس الشامتة به لتقليل الضابط منه ليرتبك وهو يتحدث:
-البركة في معاليك يا باشا، إنتَ اللي هتجيب القاتل من قفاه إن شاءالله
حضر عزيز بصحبة وجدي ومنيرة ليهرول عزيز على الجثة متخطيًا رجال الشرطة وكاد أن يكشف وجهها فهدر به الشرطي بحدة:
-إبعد يا راجل من هنا
-أنا جوزها…قالها بجنون لينطق الضابط وهو يشير للعسكري:
-سيبه يشوفها ويتأكد إن كانت هي ولا لاء
رفع عزيز الغطاء عن وجه القتيلة لينكمش قلبه حين رأى وجهها وأثار أظافر محفورة بطول وجهها لتشوهه،ابتلع لعابه واهتز جسده لتلك الكارثة التي حلت به فاق على صوت الضابط حيث هتف بقوة:
-هي دي مراتك؟!
أغمض عينيه يعتصرهما بقوة ليهز رأسه بإيجاب لينطق الضابط مرة أخرى بلهجة أمرة:
-تعالى هنا
تحرك إلى الضابط الذي بدأ باستجوابه ليخبره أنه تفاجأ بشقيقه يخبره بذاك الخبر المشؤم وأن أخر مرة رأى بها زوجته حين صنعت لهُ كوبًا من الشاي الساخن ثم ولجت لغرفة النوم الخاصة بهما وغفت ليلحقها هو سريعًا بعد أن شرب المشروب وشعر بثقل شديد برأسه ليغفو بسرعة عجيبة بمجرد وضعه لرأسه على الوسادة ولم يشعر بشئ سوى صباحًا على خبطات شقيقه،
حضر أيضًا والداي نسرين وشقيقتها التي صرخت عندما كشفت وجهها أما والدتها فباتت تصرخ وأمسكت بتلابيب عزيز قائلة:
-مين اللي قتل البت يا عزيز، إنطق
-وكتاب الله ما أعرف حاجة،أنا قومت على الخبر زيي زيكم يا ناس…قالها بهلع من مظهر الأم لتصرخ قائلة:
-يعني البت هتمشي من جنبك وإنتَ نايم ومش هتحس بيها؟!
صاح مدافعًا عن حاله من نظرة الشك التي بعينيها:
-والله ما اعرف خرجت إمتى وازاي،إحنا كنا قاعدين بالليل لقيتها عملت لي كباية شاي ودخلت نامت على طول، وانا شربت الشاي وراسي تقلت دخلت نمت جنبها محسيتش بنفسي اللي الصبح
صاح الضابط لينطق بحدة أمرًا رجاله بعدما حضرت سيارة الإسعاف:
-خد لي جوز القتيلة واهلها على القسم علشان نستجوبهم في محضر رسمي يا ابني
انفض الجميع ونقلت الجثة إلى المشرحة لتحديد سبب الوفاة
********
في مزرعة أخرى ولكن مختلفة كليًا، مزرعة الخيول الخاصة بعائلة الزين والتي تحتوى على أندر وأغلى أنواع الخيول العربية الأصيلة،توجد بالمزرعة إستراحة كبيرة مجهزة على أعلى مستوى من الأثاث والمفروشات والاجهزة التي تليق بعائلة الزين حيث يأتون إليها من الحين للأخر لقضاء العطلات الرسمية وسط الحديقة بمساحتها الشاسعة والمليئة بأشجار ثمار الفواكة المتنوعة والنخيل والزهور أيضًا مما أعطاها مظهرًا خلابًا ومكانًا مناسبًا لقضاء عطلة مريحة
حضرت عائلة علام بناءًا على دعوة من شقيقه أحمد الذي أصر على الدعوة للإحتفال بزواج إبن شقيقه بتلك الفاتنة وتقدم بالدعوة أيضًا إلى أيهم شقيقها الذي بدأ بالعمل معه بالشركة
وصلت الثلاث سيارات بالتوالي إلى المزرعة، علام وبصحبته زوجته الراقيه ثم ماجد وزوجته ونجلاهما بسيارة ماجد الخاصة، وبالأخير توقف ذاك العاشق بالسيارة الخاصة به وبصحبته زوجته وأيهم يجاوره صغير شقيقته،ترجل سريعًا ليتوجه للجهة الأخرى ليفتح الباب لأميرة قلبه الذي توجها على عرش قلبها، مد يده لتضع خاصتها ليحتويها وهو يقول بصوتٍ حنون:
-إنزلي براحتك يا بابا
تطلعت لعينيه وباتت تشكر الله على تلك العطية الثمينة الذي وهبها لها كهدية على صبرها على الإبتلاءات التي تعرضت لها طيلة سنواتها،أسرعت عليها عصمت لتسألها بلهفة أم:
-إنتِ كويسة يا حبيبتي،الطريق كان مريح بالنسبة لك؟!
بادلتها بابتسامة ممتنة وهي تخبرها:
-أنا بخير يا ماما الحمدلله
كان أحمد واقفًا في استقبالهم هو وعائلته وسميحة حيث إكفهرت ملامحها وهي ترى إهتمام الرجل التي لم تعشق سواه بأخرى،تبادل الجميع التحية ووصل فؤاد إلى سميحة التي تحدثت بابتسامة سعيدة وصوتٍ هائم وهي ترى حبيبها:
-إزيك يا فؤاد
كادت أن تحتضنه كالسابق كي تُشعل نار إيثار فصدها بهدوء حيث ارجع جسده للخلف ومد يده باستقامه قائلاً بابتسامة هادئة:
-إزيك إنتِ يا سميحة، أخبارك إيه
سحب يده سريعًا تحت ذهولها ثم عاود ليحاوط كتف حبيبته التي شعرت بكمٍ هائل من الراحة والحبور لتتطلع عليه بعينين ممتنتين هائمة في عشق رجلها الفريد،بادلها الإبتسامة باخرى مغرمة ليتحدث أحمد وهو يُشير للجميع:
-إتفضلوا يا جماعة واقفين ليه
ثم استرسل مازحًا وهو يحاوط كتف شقيقه ويتحركان باتجاه الطاولات المعدة للجلوس في الهواء الطلق:
-اللي يسمعني وأنا بعزم عليكم بقلب جامد بالشكل ده يقول إن المزرعة ملكي وإنتوا ضيوف عندي
ربت علام على ظهر شقيقه ليبتسم قائلاً بنبرة حنون:
-كل حاجة تحت رجليك يا حبيبي،كفاية بشاشة وشك ومقابلتك اللي تشرح القلب
ربت كلاً منهما على ظهر الاخر بحنو لتزفر نجوى بضيق فهي لا تطيق عائلة زوجها ولا تحبذ الوجود معهم بمكانٍ واحد،جلس الجميع لتتحدث بنبرة متعالية وهي تطالع إيثار بتقليل:
-سمعت إنك روحتي المالديف مع سيادة المستشار
إممم…هكذا ردت عليها إيثار بابتسامة صفراء ردًا على نظراتها المقللة لتتابع الاخرى بتعالي:
-أكيد دي أول مرة تزوريها
كادت أن تجيبها ليقاطعها أحمد الذي سأم إسلوب زوجته المستفز والمتعالي مع أفراد عائلته لينطق بما أفحم نجوى وجعل النار تشتعل بداخل قلبها:
-على أساس إنك روحتيها قبل جوازنا مثلاً، المالديف معروف معظم الزائرين بيكونوا أزواج
إبتسمت له ليسألها بملاطفة كي يزيل أثار كلمات تلك المستفزة المسمومة:
-مقولتليش يا إيثار،الباشا بتاعنا خرجك هناك وشرفنا ولا حبسك في الشالية وعمل فيها الفرعون المصري
ابتسمت بسعادة لتنطق وهي تنظر لحبيبها الجالس بجوارها:
-الباشا على طول مشرفكم يا عمو
واسترسلت وهي تحتضن كفه برعاية:
-أنا أكتر ست محظوظة في الدنيا كلها
-حبيبي…همس بها وهو يتعمق بعينيها تحت اشتعال سميحة وضيق نجوى التي تتحسس من رؤية أي شخص سعيد،تحدث أحمد بنبرة ودودة إلى أيهم:
-منور يا أيهم
-ده نورك يا أحمد باشا…نطقها الشاب على استحياء ليوجه له علام حديثه كي يجعله يندمج بالاجواء:
-إيه رأيك في المزرعة يا أيهم
نطق بلباقة:
-حلوة قوي يا سيادة المستشار وأحلا ما فيها إنتم
-تسلم يا حبيبي ده من ذوقك…قالها علام ليتايع:
-عندنا خيول حلوة قوي هنا هتعجبك لما تشوفها
هتف يوسف الجالس بجوار الصغيرة بيسان بأخر الطاولة تصاحبهما المربية:
-مش هتوريني الحصان ونركبه زي المرة اللي فاتت يا جدو؟
نطق علام بصوتٍ حماسي:
-إنتَ بالذات محضر لك هدية حلوة قوي يا چو
سأله بفضول:
-هدية إيه؟!
لما ناكل هوريها لك بنفسي…قالها علام ليتابع بملاطفة لشقيقه:
-فين يا سيدي الفطار،من إمبارح وإنتَ واكل دماغي في الكلام عن الفطير المشلتت اللي هتخلي البنات يعملوه من النجمة والعسل اللي جاي من الخلية مباشر والجبنة ومعرفش إيه
واسترسل تحت ضحكات الجميع:
-وأدينا قاعدين لينا ساعة لا شوفنا فطير ولا حمام
أجاب شقيقه بنبرة مرحة:
-الفطير هناكله حالاً لكن الحمام والذي منه على الغدا يا سيادة المستشار
نطقت عصمت بملاطفة:
-إهدى شوية على الباشمهندس يا سيادة المستشار،وبعدين هو أحنا لحقنا ناخد نفسنا
رد على زوجته مشاكسًا شقيقه بطريقة لطيفة:
-مش هو اللي أصر يشيل الليلة كلها وقال أنا عازمكم، يتحمل بقى
قهقه فؤاد ليقول لوالدته:
-إطلعي من بين بابا وعمي يا ماما،ده الداخل بينهم خارج
تحدث بسام نجل أحمد إلى إيثار:
-بتعرفي تركبي خيل يا إيثار؟
نطقت بابتسامة بشوش:
-بصراحة مجربتش
رد عليها بنبرة راقية وزوجته تجاوره الجلوس:
-جربي بعد الفطار،متأكد إن الموضوع هيعجبك جدًا
ابتسم فؤاد ورفع كف يدها يقبله قبل أن ينطق وهو يتعمق بساحرتيها:
-إن شاءالله نجرب، بس بعد تمن شهور
ضيق الشاب عينيه بعدم استيعاب لتهتف نجوى بنبرة حادة بعد أن فهمت مغزى جملته:
-هي مراتك، حامل؟
تطلعت عصمت إلى نجوى لترى حقدًا دفين داخل عينيها لتردد المعوذتين بسريرتها وتدعوا الله أن يحفظ حفيدها الغالي من عيني تلك الحاقدة،أما فؤاد فهز رأسه لينطق بنبرة أظهرت كم السعادة التي غمرت روحه منذ استماعه لخبر حياته:
-الحمدلله،إيثار حامل في الشهر الأول
-مبروك يا فؤاد…قالها الشاب بسعادة لإبن عمه الخلوق وتحدثت زوجته إلى إيثار:
-مبروك
شكرتها باحترام أما سميحة فنزل الخبر عليها كصاعقة كهربائية هزت كيانها بالكامل لتحول بصرها سريعًا إلى فريال ترمقها بنظراتٍ لائمة قابلتها بأخرى أسفة لتسحب عنها بصرها سريعًا لينطق العم بسعادة بالغة:
-الله اكبر بسم الله ماشاء الله، مبروك يا حبايبي
واستطرد مفخمًا من نجل شقيقه الذي تزوج من شهرين على حد علمه:
-يعني الباشا يا دوب عدى شهر العسل وأثبت جدارته
قهقه والدهُ لينطق بمفاخرة:
-وحياتك أثبتها من ليلة الدخلة
ليتابع شارحًا الوضع أمام الجميع:
-أصل إيثار قعدت شهر في أوضة لوحدها علشان والدها الله يرحمه كان لسه متوفي من أيام، فحبت تاخد وقت تحزن فيه على بباها
نطق أحمد متفاخرًا هو الاخر بفؤاد:
-“زيني” على حق يا باشا،إبن علام بصحيح
شعرت بالخجل يعتريها من تلك الإيحاءات ليمسك هو بكفها غامزًا بطرف عينيه ويميل عليها هامسًا دون أي حسابات للأخرين:
-إعملي حسابك، هما أربعين يوم بعد الولادة وندخل على اللي بعده على طول
اتسعت عينيها وهي تتطلع إليه ليهمس مبررًا:
-يرضيكِ أكسف أبويا وعمي وهما نازلين تطبيل ليا بالشكل ده
همست بملاطفة:
-على فكرة بقى،إنتوا عيلة قليلة الأدب
قهقه رُغمًا عنه ليلتفت إليه الجميع ليرفع كفيه للأعلى قائلاً:
-أسف للأزعاج
نطق أحمد بمداعبة:
-براحتك يا باشا،إنتَ تعمل اللي إنتَ عاوزه،هو بعد اللي حصل ده حد هيقدر يقول لك تلت التلاتة كام
ضحك الجميع بسعادة ما عدا سميحة ونجوى،حضر العامل لينطق بنبرة وقورة:
-الفطار جاهز يا بشوات
تجمعوا حول طاولة الطعام وبدأوا يتناولون بشهية عالية لجودة الطعام وأنواعه المختلفة التي تناسب جميع الاذواق،أمسك لقمة من الفطير وغرسها بصحن العسل ليقربها من فم مالكة الفؤاد وهو يقول متابعًا شفتيها الشهية بعينيه:
-إفتحي بُقك يا بابا
همست باعتراض وقد تلونت وجنتيها بحمرة الخجل فجعل منها شهية حد الجنون:
-بلاش الحركات دي قدامهم يا فؤاد انا بتكسف
-حبيبي اللي بيتكسف يا ناس…قالها بدلال ليتابع وهو يضع اللقمة بفمها:
-طب إيه رأيك إني بعمل كده مخصوص علشان أشوف خدود حبيبي اللي بتحمر وهو مكسوف
برغم خجلها وعدم راحتها إلا أنها لم تتحكم بشعور السعادة الهائلة وهي تتملك من روحها لتسحبها إلى سماء العشق لتتراقص على أنغام كلماته المغرمة،همست وكأنها مغيبة أمام سحر عينيه:
-بحبك يا فؤاد
-وأنا بموت فيكِ يا حياة فؤاد…قالها بصوت رجلاً عاشق حتى النخاع وتابع تناول طعامه،لتنطق عصمت وهي تناولها صحنًا:
-خدي يا حبيبتي كلي من الجبنة القريش،مفيدة ليكِ وللبيبي
-تسلم إيدك يا ماما…أخذت من يدها الصحن وبدأت بتناول بعض القطع منه لتباغتها فريال هي الأخرى التي وقفت لتمدد جسدها وهي تناولها كأسًا من الحليب الطازج:
-ودي كباية لبن من عمتو
ابتسمت وتناولتها من يدها لتنطق بصوتٍ مرح:
-تسلم إيدك يا عمتو
تطلع لشقيقته ليغمرها بابتسامة ونظراتٍ ممتنة لتبادلهُ بأخرى شديدة الحنان،بعد قليل كانت تتحرك بجانب شقيقها الذي تحدث بنبرة حنون:
-مش هتبلغي ماما بخبر حملك
-تفتكر هيفرق معاها؟…سألته بعينين لائمة لتشق صدره تنهيدة حارة لأجلها لتتابع بغصة مرة وقفت بحلقها:
-إوعى تفتكر إني مبسوطة ببعدي عنها ومقاطعتها
رفعت كتفيها للأعلى لتتابع بألمٍ ظهر بمقلتيها:
-بس للأسف، مسابتليش خيار تاني،البعد عنها فيه راحتي يا أيهم
تخيل…قالتها بأعين مغيمة ليتألم شقيقها لألمها،جذبها ليشدد من احتضانها لتنظر عليها من بعيد نجوى التي تحدثت بتعالي إلى ابنتها التي تتحرك بجوارها للتنزه وسط الأشجار:
-شايفة الأشكال اللي عمك ومراته دخلوهم في وسطنا،لا وجبرونا نقعد معاهم على سُفرة واحدة
زفرت سميحة لتتابع الاخرى وهي ترمق عصمت المندمجة بالحديث مع أحمد وعلام:
-طول عمرها عاملة لنفسها برستيج والدكتورة راحت والدكتورة جت،كل ده علشان تظهر بشكل الست المثقفة وتثبت إنها أعلى من الكُل
واستطردت ساخرة:
-وفي الأخر جايبة لنا واحدة من الشارع تقعد على سفرة أسيادها اللي كان اقصى حلم ليها تخَدم عليهم وهما بياكلوا
هتفت سميحة وهي ترمق غريمتها بنظراتٍ يملؤها الغل:
-دي حملت من أول يوم يا مامي، تخيلي
ابتسمت الأخرى لتهتف ساخرة:
-طبعاً لازم تحمل بأسرع وقت علشان تضمن بقائها، هي كانت تطول
أما أمجد فكان يتحدث باقتضاب إلى والدته عبر الهاتف الجوال:
-وعوزاني أعمل إيه يعني يا ماما
هتفت الام بحدة مبالغ بها:
-إنتَ السبب يا أمجد،لو كنت طاوعت مراتك وسبتها تطفش البنت من البيت مكنش حصل اللي حصل
لتسترسل بنبرة لائمة:
-البنت حملت وهتجيب الوريث اللي هيقُش كل حاجة يا دكتور،وحلم إن كل أملاك علام هتبقى ليك ولأولادك اتبخر خلاص
هتف بعدما فاض به الكيل من أحلام والدته:
-خلاص يا ماما،وجعتي دماغي من ساعة ما فريال كلمتك علشان تفرحك بخبر حمل مرات أخوها،حلم وكان حلو بالنسبة لنا، لكن ربنا ما أردش إنه يكمل، مش هنموت يعني
واسترسل بنبرة هادئة:
-الراجل قرر يتجوز وربنا أراد إن يكون عنده طفل يمد في جذور عيلته، هنعترض على إرادة ربنا ونكره الخير للناس ولا إيه؟
هتفت الاخرى بغضبٍ عارم:
-إنتَ مالك واخد الامور ببساطة كده ليه، إنتَ عارف ثروة علام زين الدين اللي ضيعتها بغبائك دي قد إيه
زفر بحدة ترجع لعدم تقبله لحديث والدته،فهي من ادخلت بعقله فكرة أن فؤاد إذا أكمل بمقاطعته للزواج وعدم الإنجاب فسيكون هذا بصالحه وستنتقل أملاك عائلة علام بالمستقبل له ولحفيديها، هتف من بين أسنانه:
-يا ماما أرجوكِ إرحميني من كلامك ده،لو حد سمع كلامك ده يقول علينا إيه، عصابة؟!
كادت أن تتحدث ليغلق معها سريعًا وهو يقول:
-سلام يا ماما علشان مراتي جاية عليا
أغلق ليزفر بقوة ويحتقر حالهُ عندما استحسن حديث والدته السابق ليعود لرشده حامدًا الله على كل ما أنعم به عليه،إهتز جسده وهو يستمع لصوت فؤاد من خلفه:
-واقف لوحدك ليه يا دكتور؟
إبتلع لعابه ليلتفت وهو يقول:
-لقيت كل واحد منكم اتحرك في جهة وجالي تليفون من ماما قولت أتكلم معاها شوية
ابتسم فؤاد ليربت الاخر على كتفه متابعًا بصدق:
-مبروك يا فؤاد، فرحت لك من كل قلبي
-تسلم يا دكتور…قالها بابتسامة ليتابع بذات مغزى:
-مهو ده العشم،ده أنا خال ولادك، واللي هييجي ده هيبقى عزوتهم
أجابهُ بهدوء:
-أكيد طبعاً
تحركت فريال نحو كلتا الحقودتين لتقول بطريقة مرحة:
-ممكن يا طنط أخد منك سو خمس دقايق بس
-خديها على طول يا حبيبتي…قالتها بوجهٍ قاسي لتتحرك مبتعدة،لتنطق الأخرى بنبرة أسفة:
-أنا عارفة إنك زعلانة مني وليكِ حق طبعاً،بس والله ما كنت أعرف إن فؤاد بيحبها بجد وبإن إيثار شخصية كويسة
واسترسلت تحت استشاطة الأخرى:
-أكيد لو كنت أعرف مكنتش حطيتك ولا حطيت نفسي في الموقف البايخ ده
اتسعت عينيها بصدمة لتهتف بحدة:
-هو ده تفسيرك للي حصل يا فيري،موقف بايخ؟!
واسترسلت بنبرة متألمة:
-ده أنتِ إدتيني أمل بعد ما كنت فقدته ووعدتيني إنك مش هتستسلمي ولا هتسيبي إيدي غير وأنا مرات فؤاد
نطقت على استحياء:
-وربنا أراد إن إيثار تكمل معاه وتكون أم أولاده
مالت برأسها لتنطق بأسى:
-أنا أسفة
زفرت الأخرى لتقول بحدة:
-مبقتش تفرق يا بنت عمي
نطقتها بحدة لتنسحب من امامها تاركة إياها للندم يتأكلها،وقف علام واحتوى كف الصغير وتوجه به إلى الإسطبل وهو يخبر الجميع:
-الكل ييجي ورانا علشان يشوفوا هدية جدو علام لـ حبيبه چو
تطلعت لشقيقها بابتسامة سعيدة وتوجهت صوب الإسطبل بجواره ليلحق بهما زوجها ويحاوط كتفها بعناية،وقف الجميع ينتظر ليخرج العامل بفرسة صغيرة حديثة الولادة مظهرها رائع ولونها بني يسر الناظرين لينطق علام وهو يُشير إليها:
-دي هديتي ليك،الفرسة اللي اتولدت من إسبوعين
صفق الصغير بكفيه وبات يقفز بقدميه للأعلى من شدة سعادته وهو ينطق:
-يا سلاااام
ثم تابع وهو ينظر إليه بعينين متسائلتين:
-بجد الحصان ده بقى بتاعي يا جدو؟
-بجد يا حبيبي…قالها بسعادة وهو يرى فرحة الصغير الذي احتضن ساقين علام وهو يقول بامتنان:
-ميرسي يا جدو ميرسي بجد
انحنى ليحمله ويثبتهُ بأحضانه ثم قبل وجنته وهو يقول بسعادة لسعادته:
-ألف مبروك يا قلب جدو
انتشى قلبها بسعادة وهي ترى صغيرها بهذا الحماس والسعادة ليبتسم لها فؤاد ويهمس بملاطفة:
-أبويا شكله بيستعيد طفولته مع يوسف
ابتسمت بعينين سعيدتين لتنطق بنبرة تطيرُ فرحًا:
-أبوك ده أعظم راجل في الدنيا
-وإنتِ أجمل ست في كل الدنيا…نطقها ليحتوي كتفها ويقربها منه ليدفنها بصدره، اقتربت عصمت من الصغير المحمول داخل أحضان زوجها لتقوم بتقبيله وهي تقول بمداعبة:
-مبروك الفرسة يا چو
-ميرسي يا نانا…قالها مثلما تلقبها بيسان التي هتفت وهي تصفق بسعادة:
-مبروك يا چو،كده أنا وإنتَ عندنا فرسة زي بعض
لتُشير على تلك الفرسة بيضاء اللون وتتابع:
-بس الفرسة اللي جدو عطاها لي لونها أبيض
ابتسم لها بسعادة ليقول بلباقة:
-ميرسي يا بوسي
اقترب الجميع وهنأوا الصغير واقتربت هي لتحتضنه وتهنأه ثم نظرت لذاك الحنون وتحدثت بعينين تفيض بالكثير من الحنان والشكر والعرفان:
-إنتَ أعظم أب في الدنيا كلها،ربنا يخليك لينا
ربت على كتفها واكتفى ببسمة حنون قالت ما لم يستطع الكلام في التعبير عنه، حمل فؤاد الصغير عن والده لينطق بحماسٍ:
-مبروك يا چو وعقبال ما تكبر وأجيب لك عربية
-عربية حقيقية يا أنكل؟!…هكذا سأله ذاك المشاكس ليجيبه بملاطفة:
-أمال لعبة يا چو
اتجه به نحو الفرسة ووضعهُ فوق ظهرها لتهتف إيثار برعبٍ ظهر بعينيها:
-حاسب ليقع من على الحصان يا فؤاد
التفت صوبها ليطمئنها:
-متخافيش يا حبيبي،أنا ماسكه كويس
وقفت فريال بجوارها لتتحدث وهي تحثها على الحركة:
-تعالى إرتاحي شوية ومتخافيش على يوسف طول ما هو مع فؤاد، إنتِ واقفة من بدري
-حاضر يا حبيبتي…قالتها بهدوء لتتحرك بجوارها نحو المقاعد تحت نظرات سميحة الحادة
وقف أيهم بجوار الصغير ليتمسك به من الناحية الأخرى ليقول بنبرة حنون:
-مبروك يا يوسف
ميرسي يا خالو…قالها الصغير ليتابع برجاء:
-خالو، ممكن تصورني وتوري الصورة لبابي، قول له إنتَ وحشت چو قوي وهو بيحبك
نزلت كلمات ذاك الملاك على قلبي فؤاد وأيهم لتشطرهما لنصفين، تنهد فؤاد وتبادلا النظرات بينه وبين أيهم الذي تحدث لإرضاء الصغير:
-حاضر يا حبيبي
أخرج هاتفه وبدأ بالتقاط بعض الصور وبعد الإنتهاء وجد سبع مكالمات فائتة من وجدي لم يستمع إليهم لوضع هاتفهُ على وضع الصامت،تعجب وابتعد قليلاً وأعاد الإتصال ليستمع لصوت أخيه يهدر بحدة:
-إنتَ فين يا أيهم مبتردش عليا ليه؟!
-فيه إيه يا وجدي،صوتك ماله؟!…هكذا سأله بعدما شعر بريبة من صوت شقيقه المهتز ليجيبه الاخر بصوتٍ يحمل من الهموم ما يكسر ظهر الرجال:
-مصيبة وحطت علينا يا أيهم،لقينا نسرين مرات عزيز مقتولة عند مزرعة الحاج نصر والبوليس خد عزيز وبيحققوا معاه
اتسعت عينيه لينطق بذهول:
-يا نهار إسود،حصل إمتى كل ده؟!
أجابه باستفاضة:
-الناس لقيوها مقتولة الساعة ستة الصبح، بس البوليس قال إن شكلها مقتولة من بالليل لأن جسمها متخشب، ومحدش عارف أي حاجة
سأل شقيقه بهلعٍ ظهر بصوته:
-إوعى يكون عزيز ليه يد في الموضوع يا وجدي؟!
أجاب شقيقهُ ليطمئنه:
-لا متقلقش، أنا بنفسي اللي طلعت لعزيز بلغته،وأنا أدرى بعزيز لو كان عملها كان هيبان على وشه، المهم لازم تسيب اللي في ايدك وتيجي حالاً علشان نشوف هنعمل إيه في المصيبة اللي إحنا فيها دي
تحرك الشاب واستأذن من الجميع ليذهب لتسأله شقيقته بارتياب:
-فيه إيه يا أيهم؟
أجابها بمراوغة كي لا يفسد عليها الجمع وأيضًا حفاظًا على شكلها أمام عائلة زوجها الأرستقراطية:
-مفيش حاجة يا حبيبتي،ده واحد صاحبي عمل حادثة ولازم أروح أشوفه
انسحب في هدوء،بعد قليل تحركت مع فؤاد لتقف في الإسطبل أمام حصان أسود مظهرهُ رائع،وضع كفه على رأسه وبات يتحسس شعره الجميل بحنان ليتحدث وهو يقوم بتعريفها عليه:
-ده بقى يا ستي يبقى الحصان بتاعي من وأنا في الكلية،إسمه فرحان
-فرحان…قالتها بابتسامة لتتحدث إلى الحصان بوجهٍ بشوش:
-إزيك يا استاذ فرحان
-السلام ميبقاش كده،السلام لازم يكون حار…قالها بجدية ليتابع وهو يغمز بعينيه بوقاحة راقت لها:
-أنا بعرف الحصان بتاعي على الفرسة بتاعتي
جحظت عينيها لتنطق بنبرة حادة:
-إتلم يا فؤاد ومتنساش إننا بين الناس
قهقه بمرح واحتوى كفها بين خاصته لينطق بنبرة حنون:
-هاتي إيدك وحطيها على راسه بحنيه علشان ياخد عليكِ بسرعة
جذبت كفها بارتياب لتنطق بصوتٍ مرتعش:
-بلاش يا فؤاد، أنا بخاف قوي من الحيوانات
أجابها وهو يحتضن كفها من جديد:
-متخافيش،أنا جنبك، وبعدين الاحصنة مبتخوفش، دي حيوانات أليفة
أخذت نفسًا عميقًا لتستعيد هدوئها وسلمت حالها لحبيبها الذي قرب كفها من رأس الحصان وبدأ بتحريكه بين عينيه وبدأ يتحدث بصوتٍ حنون:
-دي إيثار اللي كلمتك عنها يا فرحان،خلاص سامحتني وبقت مراتي وشايلة جواها حتة غالية مني
قطبت جبينها لتسألهُ متعجبة:
-كلمته عني إمتى؟!
-لما كنتي زعلانة مني وعملتي لي بلوك…قالها بتأثر ليعود للحصان وينطق من جديد:
-يومها جيت اشتكيت له نار بُعدك،وركبته وفضلت ألف بيه طول اليوم
نظر للحصان لينطق بتفاخر:
-مقولتليش يا فرحان، إيه رأيك في الفرسة الجامحة بتاعتي
رفع الحصان رأسه ليصدر منه صهيلاً مرتفعًا أرعب تلك التي تراجعت للخلف وهي تصرخ بهلع من المفاجأة لينتبه الجميع لها،أحنت جسدها وأمسكت أسفل بطنها لتتسع عينيه وهو يسألها بهلعٍ ظهر بصوتهٍ المنتفض وهو يقول:
-مالك يا بابا، فيه إيه؟
أغمضت عينيها وباتت تنظم أنفاسها لتهرول عليها عصمت التي انحنت بمستواها لتسألها والفزع تملك من ملامحها:
-مالك يا إيثار، حصلك إيه
رفعت قامتها وأسندها هو بجسدٍ منتفض لتتحدث إليه سريعًا:
-متخافش يا حبيبي أنا كويسة،أنا بس إتخضيت من صوت الحصان وافتكرته هيهجم عليا فمعدتي كركبت
تنفس أخيرًا لينطق بهدوء:
-يا حبيبي ده بيرحب بيكِ
-خلاص يا فؤاد أبوس إيدك…نطقتها عصمت بحدة مبالغ بها لتتابع والغضب ظهر فوق ملامحها:
-بلا يرحب بيها بلا يسلم عليها
سحبتها بجوارها لتنطق وهي تتحرك بها للأمام:
-هي أصلاً خايفة منه فسيبها بقى وخلي الموضوع يتم على خير
أسندها من الجهة الأخرى ليقول لوالدته:
-إهدي يا ماما محصلش حاجة تستدعي خوفك ده كله
-يا حبيبي خلي ربنا يتم فرحتنا على خير…قالتها والهلع مازال يسيطر عليها حتى وصلوا للمقاعد وساعداها بالجلوس ليجلب هو كأسًا من الماء ويناولها إياه
بعد حوالي ساعة تحدث إليها بهدوء:
-حبيبي،هروح ألف شوية بالحصان أصله وحشني
-تمام،بس بلاش تتأخر عليا…قالتها بعينين مترجيتين ليجيبها بصوتٍ حنون:
-حاضر يا قلبي،ساعة بالكتير وهتلاقيني قدامك
إنحنى لمستوى جلوسها ليهمس بجانب اذنها كي لا يستمع إليه فريال ووالدته وزوجة عمه وسميحة:
-على فكرة،شكلك يجنن النهاردة
شعرت بالسعادة تغزو روحها لتشملهُ بنظراتٍ هائمة أشعلت نار قلبه المغرم،ذهب وامتطى حصانه وانطلق به تحت نظراتها الحنون لتقف سميحة وهي تقول بذات مغزى كي تشعل الاخرى:
-هروح ألف شوية بحصاني أنا كمان، من زمان ما اتمشيناش أنا وفؤاد بالاحصنة
ذهبت وامتطت حصانها وانطلقت بأقصى سرعة خلفه لتختفى عن بصرها لتشتعل روح تلك العاشقة،شعرت بنار الغيرة تسري بأوردتها حتى أنها لم تشعر بصوت عصمت التي تناولها المشروب قائلة:
-العصير يا إيثار
التفتت لها لتنطق بصوتٍ خافت:
-مش عاوزة أشرب حاجة
باتت النار تتزايد بقلبها كلما تخيلت تلك الحية وهي تحاول التقرب من رجلها،فكرت بأن تهاتفه كي يعود ويطفئ لهيبها المشتعل لكنها تراجعت لاجل الحفاظ على شكل زوجها وشكلها هي أيضًا، فما كان عليها سوى الصبر لحتى عودتهما
*********
داخل كفر الشيخ، عاد عزيز بصحبة ضابط الشرطة وبعضًا من رجاله،صعد إلى مسكنه الخاص بصحبتهم بعد أن قرر الضابط تفتيش المسكن علهم يعثرون على دليل إدانة لعزيز وذلك لشكوك الضابط به بعد توجيه والد القتيلة تهمة القتل إلى زوجها، بات الرجال يبعثرون محتويات المكان بأكملها حتى وصلوا إلى خزانة ملابسها ليعثر أحد الرجال على حقيبة سوداء فتحها ليجد بها مبلغًا كبيرًا من المال وهاتفًا حديث ليذهب إلى الضابط ويقول بجدية:
-تمام يا افندم،لقيت الشنطة دي في وسط هدوم القتيلة
فتحها الضابط وأخرج رزمتان من الاموال ليوجههما إلى عزيز متسائلاً:
-بتاعت مين الفلوس دي يا عزيز؟
اتسعت عينيه بذهول لينطق بكلماتٍ خرجت بصدمة:
-معرفش يا بيه، أنا أول مرة أشوف الشنطة دي
أخرج الهاتف لينظر به وتسائل:
-بتاع مين التليفون ده كمان؟
هز رأسهُ مصدومًا لينطق:
-معرفش،ده مش تليفون نسرين
__________________________
أمسك الضابط الهاتف وحاول فتحه لكنه كان مغلقًا بأرقامٍ سرية فنظر إلى عزيز وتحدث:
-تعرف الرقم السري بتاع التليفون ده؟
نطق بلسانٍ يرتجف من شدة خوفه:
-يا باشا هعرفه منين بس،والله العظيم أنا ما أعرف أي حاجة لا عن الفلوس دي ولا التليفون
رمقه بنظرة حادة قبل أن يهتف بغضبٍ:
-يعني الحاجة موجودة في شقتك ومتعرفش عنها حاجة، إيه مراتك كانت مقرطساك ولا إيه يا روح أمك
ابتلع غصة مرة من حديث الضابط المهين لرجولته ثم تذكر زوجته وكل علامات الإستفهام التي تدور حول مقتلها لتشتعل النار وتسري في جميع أوردته ليسألهُ الظابط من جديد:
-طب فين تليفون مراتك؟
طأطأ رأسهُ وأجاب بصوتٍ ذليل:
-معرفش يا باشا
نظر الضابط إلى أحد رجاله وقال:
-هاتي لي أي حد من بتوع التليفونات يفتح لنا التليفون ده يا ابني علشان نشوف حكايته إيه ده كمان
ونظر إلى عزيز لينطق أمرًا وهو يتحرك للعودة إلى قسم الشرطة:
-وهات لنا الواد ده لحد مانشوف أخرتها معاه
-يا باشا والله العظيم ما قتلتها، هقتلها إزاي وأنا طول الليل نايم زي القتيل…هكذا كان جوابه ليتوقف الضابط ويلتفت إليه بعدما تذكر حديثه عن دخوله في سباتٍ عميق فور ارتشافه لمشروب الشاي،ضيق عينيه وسأله مستفسرًا:
-فين كباية الشاي اللي مراتك إدتها لك يَلا ؟
أجابه سريعًا:
-برة في الصالة يا بيه
تحرك الضابط صوب الخارج ليجد منضدة صغيرة موضوع عليها صينية وفوقها كوبًا زجاجيًا به بقايا شاي،تحرك ليقف أمامه ثم أشار لأحد رجاله قائلاً:
-شوف لي يا ابني أي كيس جوه في المطبخ
واسترسل امرًا:
-وعاوزكم تقلبوا لي الشقة على أي قزازة دوا أو برشام تلاقوه، أي حاجة تلاقوها هاتوها علشان نبعتها للطب الشرعي تتحلل
أتي الرجل بكيسًا شفاف فأمسك به الضابط الكوب واحتفظ به داخله منعًا لضياع البصمات، ثم ناوله للعسكري وشدد على الاحتفاظ به وانصرف بصحبة عزيز مع جميع الادوية التي عثروا عليها،كانت منيرة تنتظر أسفل الدرج وما أن وجدت إبنها مازال مكبلاً من رجال الشرطة حتى صرخت متأذية من المنظر:
-واخدين إبني تاني ليه يا باشا،إبني معملش حاجة،إبني كان نايم فوق وأنا واخوه اللي صحيناه بنفسنا
أجابها الضابط بعملية وهو يترجل من فوق الدرج:
-لو إبنك برئ هيخرج بعد ما نتأكد من خلال التحقيقات
-خلي بالك من عيالي يا أما…قالها برجاء بعدما وجدها تحتوي الصغار بكفيها لتنطق وهي تشدد من ضمتها لهم:
-العيال في عنيا يا عزيز،متشلش همهم وخليك في نفسك إنتَ
بات يتطلع من حوله بعينين زائغتين حتى عثر على شقيقاه يقفان وسط التجمع من أهل البلد ليهتف بنبرة اظهرت كم رعبه وهلعه:
-شوف لي محامي يا أيهم،متسبنيش إنتَ ووجدي
نظر له أيهم بقلبٍ ينزف دمًا وهو يرى شقيقه الأكبر مكبلاً بأصفادٍ حديدية كالخارجين عن القانون يُجر من قِبل رجلين بمظهرٍ مهين لأدميته لينطق سريعًا كي يزرع بقلبه الطمأنينة:
-متخافش يا عزيز،أنا كلمت محامي شاطر، وأنا ووجدي جايين وراك على القسم ومش هنسيبك
تطلع على شقيقيه بعينين تكسوهما غشاوة دموع ليجذباه الشرطيين ويخرجا من الباب ليهتف وجدي كي يبث بروح شقيقه الطمأنينة:
-متخافش يا عزيز،إحنا معاك ومش هنسيبك
أما نوارة فكانت تبكي وهي تحمل إبن عزيز الصغير والذي يبكي منذ أن استيقظ منذ الصباح إلى الأن وكأنه تعلم بما حدث لوالدته،ولجت ألاء وأخذت الصغير منها لتعود به للمنزل حيث طلبت منها والدتها جلبه إليها
*********
عودة لمزرعة الخيول
كان يسرع بالجري بحصانه الذي يرمح بقلبٍ سعيد، ولما لا وقد شعر باكتمال سعادته،فقد رزقه الله حب الزوجة التي تمناها وأصبحت لقلبه وروحه الخليلة،ويعيش الأن بين أحضانها أزهى عصوره،ورُزق بخبر حملها وبعد أقل من ثمانية أشهر سيحمل بين يديه قطعة غالية تشكلت من دمه وخصالٍ مشتركة بينه وبين مالكة الفؤاد،ماذا سيتمنى اكثر من هذا
قطع اندماجه صوت تلك التي لحقته وهي تناديه:
-فؤاد
شد لجام الحصان كي يهدئ من سرعته ثم إلتفت عليها بجبينٍ مقطب لتتابع وهي تسرع باتجاهه:
-من زمان ما جريناش بالخيل مع بعض
ضيق بين عينيه متعجبًا تصرفها لكنهُ يفهم جيدًا محاولاتها المتكررة للتقرب منه لذا أراد أن يقطع عنها أمل الإنتظار لينطق بنبرة هادئة وهو يتحرك للأمام بحصانه الرياضي الرشيق:
-كان نفسي أتمشى معاكِ بس حابب أجري بالحصان
واسترسل بذات مغزى علها تفهم وتكفيه شر الحرج:
-وللأسف لا لياقتك ولا لياقة حصانك تقدر على المنافسة
إكفهرت ملامحها من ذاك الحبيب الذي لم يشعر بها أبدًا فقررت أن تلعب على وتر الغيرة لدى زوجته وبالمرة تتقرب منه،فكت السرج لتجعل وقوعها سهلاً ثم أخرجت من جيب بنطالها سكين يدوي للنحت والقطع ذو شفراتٍ حادة”قطر” وفتحته لتمرر شفرته على جلد الحصان ليصهل بأعلى صوته ويقفز للأعلى فأفلتت حالها لتسقط من على ظهره ليستقر جسدها أرضًا مع إطلاقها لصرخاتٍ مستنجدة،استمع لصرخاتها فالتفت ليجد الحصان يرمح بقوة للأمام وكأنهُ هاربًا من شئٍ يلاحقه،شد لجام حصانه ليعود للخلف يبحث عنها فوجدها متكومة على نفسها تأن بصوتٍ مكتوم،قفز من فوق ظهر حصانه سريعًا وبات يتفحصها وهو ينطق بنبرة هلعة على إبنة عمه التي يعتبرها كشقيقته:
-سميحة ردي عليا، إنتِ كويسة؟!
تحدثت بصوتٍ خافت يرجع لتألمها حقًا فقد تأذى جسدها من إثر إحتكاكه بالأرض وتأذى وجهها أيضًا:
-أنا تعبانة قوي يا فؤاد،أرجوك وديني عند مامي وبابي بسرعة
-طب قومي معايا نتمشى…نطقها لتقاطعه بصوتٍ يئن كي تستدعي تعاطفه:
-رجلي شكلها إتلوت،واكيد مش هقدر أمشي عليها كل الطريق ده
تنهد بحزنٍ لأجلها ثم تحدث وهو يساعدها على الوقوف:
-طب تعالي أساعدك تركبي الحصان تروحي بيه وأنا هرجع مشي
تعلقت برقبته لتصيح بفزعٍ ظهر على ملامحها اتقنت صنعه بمهارة عالية لدرجة أنه مر على رئيس النيابة:
-مش هقدر أركب الحصان لوحدي يا فؤاد
واسترسلت بدهاء:
-وبعدين هو أنتَ ناسي إن حصانك مابيقبلش حد غيرك؟
زفر بضيق، كيف له أن يغفل عن تلك النقطة الهامة ليتنهد بقلة حيلة،والان لم يعد لديه خيارًا أخر، حملها بين يديه ووضعها على ظهر الحصان الذي صهل فوضع كفه سريعًا بين عينيه وبدأ بتمريرها وهو ينطق:
-إهدى يا فرحان وأثبت
وكأن هذا الفرحان قد فهم عليه فهدئ وتسمر بوقفته،إمتطى فؤاد خلفها وهو متأذي كثيرًا لسببان،أولهما أن في هذا التقرب ذنبًا عظيم والاخر هو زوجته الغيورة التي ستجن بالتأكيد إذا رأت هذا المشهد المؤلم لقلبها المغروم،ابتعد بجسده للخلف وشد لجام الحصان ليتحرك للأمام صوب المزرعة، تحدثت بصوتٍ متألم افتعلته بجدارة:
-ميرسي يا فؤاد، مش عارفة لو مكنتش موجود كان هيحصل فيا إيه
تطلع للأمام وتجاهل حديثها فهو بالنسبة له مجرد هراء،كل ما يشغل باله الان هو ما ينتظره من جنون خليلة القلب وغيرتها المُرة عليه،اقتربا من الوصول فألقت عديمة الحياء بجسدها عليه ولفت ساعديها حول عنقه بعدما هزت جسدها عن قصدٍ لتوهمهُ أنها كانت على وشك الوقوع من فوق ظهر الحصان،هتف الحارس بصوتٍ عال لينتبه الجميع صوب هرولة الحارس:
-خير يا باشا، هي الهانم وقعت من على حصانها ولا إيه؟!
اتسعت عينيه لسرعة الأحداث وتوجه سريعًا ببصرهِ نحو خليلة القلب التي انصدمت وركزت بمقلتيها على تلك المحاوطة لعنق زوجها ورأسها موضوع على صدره دون أي رد فعل من الأخر وكأن يداه تربطت،أسرع بسام ووالده وعلام عليها ليسأل أحمد ذاك المذبهل:
-إيه اللي حصل يا فؤاد؟!
مالها سميحة؟!
وكأنه مغيب لا يرى لا يسمع لا يتكلم،فقط عينيه مثبتة على تلك التي تنظر عليه بصدمة ممزوجة بألم وغضب لو خرج لاحرق الأخضر واليابس بطريقه،فاق على صوت والده وهو ينبهه:
-عمك بيكلمك يا فؤاد
انتبه لينطق بصوتٍ خافت:
-نعم يا بابا
اسندها شقيقها لينزلها ليكرر أحمد السؤال عليه:
-إيه اللي حصل لها؟!
-وقعت من على الحصان معرفش إزاي…جملة قالها بقلبٍ يئن لأجل نظرة الإنكسار التي لمحها بعين زوجته،أسرعت نجوى وفريال وزوجة بسام وماجد ليطمأنوا عليها،إلا عصمت التي أمسكت كف تلك العاشقة المذهولة لتنطق بمؤازرة:
-متضايقيش نفسك علشان البيبي ميتأثرش
واسترسلت بإيضاح:
-سميحة زي أخته ولو فيه أي مشاعر بينهم مكنش اختارك واتجوزت
تطلعت عليها لتتابع الاخرى بعينين صادقتين لتهون عليه تأثير الصدمة:
-فؤاد مش بس بيحبك،ده بيعشقك، أنا أول مرة أشوف عيون إبني بتلمع من الحب
وقفت لتنطق وهي تحثها على النهوض:
-قومي معايا نطمن عليها واتصرفي طبيعي علشان تحافظي على شكلك وشكل جوزك قدامهم
نظرت إليها بعينين متألمتين لتسترسل الاخرة كي تمنحها القوة:
-إوعي تخلي حد يشمت فيكِ،إنتِ مرات فؤاد علام
نطقت بانكسار ظهر بصوتها:
-مش قادرة أتخطى اللي شفته يا ماما، دي كانت في حضنه؟
حزنت لأجلها،تعلم أنها عاشقة وصعب عليها تقبل ما حدث لكنها مطالبة بالقوة،تحركت بجوارها ليترجل سريعًا من فوق ظهر الحصان وتحرك صوبها لتتخطاه بوجهٍ كاشر ليزفر بقوة ويسحب شعر رأسه للخلف من شدة غضبه كاد أن يخلعه من جذوره،وصلتا لتلك الجالسة فوق المقعد والجميع يلتفون من حولها للإطمئنان عليها وما ان لمحت طيفها تحدثت عن قصد:
-لولا فؤاد كان موجود معرفش كان ممكن يحصل لي إيه يا بابي،أول ما وقعت جري عليا ونزل بسرعة وشالني،وطول الطريق كان خايف عليا لاقع علشان كده أخدني في حضنه
رمقها والدها بحدة لحديثها الثائر لمشاعر زوجة فؤاد التي نطقت بصوتٍ حاربت بكل قوتها ليخرج هادئًا:
-حمدالله على سلامتك
-ميرسي…قالتها بدلال لتنطق بنبرة حنون:
-لولا فؤاد…
لتقاطعها عصمت بنبرة حادة لاحظها الجميع:
-بلاش تكبري الموضوع وتدي له أكبر من حجمة يا سميحة، فؤاد طول عمره بيعتبرك زي فريال بالظبط
لتسترسل بصوتٍ حازم:
-وأكيد لو فريال هي اللي وقعت مكنش هيسيبها مرمية في الارض ويكمل جري بالحصان
-حمدالله على سلامتك…قالتها لتمسك كف إيثار مسترسلة:
-تعالي إقعدي يا حبيبتي علشان متتعبيش
أفلتت يدها بهدوء لتقول بابتسامة مصطنعة:
-هروح الحمام
هزت رأسها لتنطق فريال التي اقتربت منها:
-هاجي معاكِ
اشارت بكف يدها لتوقفها:
-خليكي أنا عارفة المكان
تحركت سريعًا إلى مبنى الإستراحة لتختفي خلفه تحت نظرات ذاك العاشق،أقبل والده عليه لينطق ساخرًا:
-ليلتك مش فايتة النهاردة يا سيادة المستشار
تطلع إلى أبيه ليسترسل الأخر بمشاكسة:
-يعني كان لازم الحصان،ماكنت قعدت جنب مراتك بكرامتك أحسن
بنبرة جادة هتف بحدة كصقرٍ جريح:
-حضرتك بتتريق،يعني عاجبك اللي الهانم بنت اخوك عملته؟!
واستطرد بحدة وجنون:
-دي نامت على صدري قدام مراتي يا بابا!
حاوط كتفه برعاية لينطق برزانة وهدوء:
-إهدى يا فؤاد علشان عمك ما ياخدش باله،وبعدين إيثار عاقلة
قطب جبينه لينطق باعتراضٍ حاد:
-هي مين دي اللي عاقلة، دي لما شافتني قاعد معاها في الجنينة بالليل إتحولت لغول وساعتها مكانش لسه حصل بينا حاجة،تخيل بقى رد فعلها وهي مراتي قدام الكل وكمان حامل في ابني
-هو الباشا خايف ولا إيه؟!…قالها علام بملاطفة كي يسحب صغيره من تلك الحالة ليجيبه الاخر بعينين صارخة بالعشق:
-أه يا بابا خايف،خايف أخسر حياتي اللي ماصدقت إني لقيتها،خايف على إستقرار نفسيتي وراحتي اللي لقيتها في حضن مراتي، وبنت اخوك جاية بكل بساطة تضيع كل ده بتفاهتها
أخذ نفسًا عميقًا حاول به تدأت حاله، لأول مرة يتحدث بتلك اللهجة مع والده، لام حاله ليتطلع إليه قائلاً باعتذار:
-أنا أسف يا بابا، أنا مش عارف إزاي سمحت لنفسي اتكلم بالعصبية دي قدامك
-ولا يهمك يا حبيبي…قالها بتفهم ليتابع كي يطمئن قلب صغيره:
-ولو على إيثار أنا هكلمها
-لا يا بابا لو سمحت،مراتي أنا هعرف أراضيها…قالها سريعًا ليسترسل وهو يستعد للذهاب:
-بعد إذن حضرتك
تحرك صوب الإستراحة ليدخل من بابها وتوجه لباب الحمام لينشطر صدره حين استمع لصوت شهقاتها الخافتة،اعتصر عينيه بقوة وألم لأجلها ثم دق الباب لينطق بصوتٍ حنون وكأنهُ يحدث صغيرته وليست زوجته:
-حبيبي،إفتحي الباب يا بابا
كانت تقف أمام المرآة الموضوعة خلف الحوض ساندة بكفيها على حافته لتشهق بغصة مرة بعد استماعها لصوته،تدفقت دموعها كشلالاتٍ منهمرة من أعلى الوديان،قرب فمه من الباب لينطق من جديد:
-إفتحي يا بابا علشان خاطري
إختارت الصمت فقط صوت شهقاتها الذي يعلو ويصدح ليغلي قلبه غضبًا ليدق الباب بقوة من شدة هلعه عليها وعلى جنينه الساكن ببطنها:
-إيثار،إفتحي الباب بقولك
قررت الخروج عن صمتها لتهتف بصوتٍ يشتعل غضبًا:
-متعليش صوتك وإمشي من سكات
أجابها بغضبٍ عارم لو خرج لأشعل المكان برمته وهو يحاول لف المقبض دون فائدة:
-لو مش عايزة صوتي يعلى يبقى تفتحي الباب حالاً
لأول مرة تحدثه بتلك الفظاظة،وترجع الأسباب للغبطة الهرمونات:
– مش هفتح ومش طايقة أشوف وشك قدامي،إمشي بقى
-طب إفتحي الباب…قالها بنبرة كالثلج لتنطق بحدة:
-قولت لك مش فاتحة
فتحت صنبور المياه لتقوم بغسل وجهها لينطق هو بكلماتٍ تهديدية خرجت من بين أسنانه بطريقة مخيفة جعلتها تتراجع للخلف:
-قسمًا بالله لو مافتحتي الباب حالاً لاكون كاسره وخلي بقى الفضايح على العلن
تنفست ووقفت تنظر على الباب لينتفض جسدها حين استمعت لخبطة قوية مصاحبة لصوته الهادر:
-إفتحي الزفت ده
ابتلعت لعابها لتتحرك صوب الباب وتلف مقبضه لينفتح ويظهر هو بحدة عينيه التي اختفت بمجرد ظهورها أمامه ليهرول عليها ويجذبها لتسكن بين أحضانه لتباغته بدفعها القوي لجسده ليتراجع للخلف على أثره،تطلع عليها بذهولٍ لتهتف هي من بين أسنانها وهي تحذره بسبابتها:
-إوعى تلمسني
لتنطق وهي ترمقه باشمئزاز:
-ريحتها لازقة على جسمك يا سيادة المستشار
-ريحة مين؟!…قالها بجبينٍ مقتطب لتصيح بعينين تطلقان قذائف نارية:
-ريحة الهانم اللي كنت واخدها في حضنك ويا عالم إيه اللي حصل بينكم هناك
اتسعت عينيه ذهولاً لينطق بحروفٍ متقطعة:
-لا ده أنتِ إتجننتي رسمي
أسرعت عليه لتدفعه بقبضتيها بصدره العريض ليرتد للخلف على إثرها لتهتف بجنون تحت صدمته من مظهرها:
-ولما أنا مجنونة إتجوزتني ليه؟
لتسترسل بعصبية مفرطة:
-على العموم ملحوقة جنابك،تقدر تطلقني وتروح تتجوز بنت عمك العاقلة
أشار بكفيه ليخرج بصوته:
-إششششش،خلاص إهدي، تعالي نروح ونكمل خناقتنا في البيت بدل الفضايح دي
رفعت قامتها للأعلى لتهتف بقوة:
-ومين المغفلة اللي هتروح معاك البيت أصلاً
اتسعت عينيه بصدمة ليقول بعدم تصديق:
-لااا،ده كده تاتش الهبل زاد وفاض عن الحد
كادت أن تتحدث فأشار لها بعينين تطلق شزرً ليعلن عن نشوب حربٍ قادمة إذا ما تراجعت:
-كلمة زيادة وقسمًا بالله هتتفاجأي براجل عمرك ما قابلتي في غبائه
كانت هيئته غنية عن الشرح جعلتها تبتلع لعابها ليهتف بحدة وهو يشير إليها:
-إسبقيني على العربية على ما أروح أجيب الولد
رمقته بحدة لتنطلق بسرعة الصاروخ ليلحق بها جاذبًا يدها ليتشابكها رُغمًا عنها،ثم مال على اذنها هامسًا:
-إفردي وشك وخليكِ طبيعية علشان محدش ياخد باله
أخذت نفسًا عميقًا لتستعيد هدوئها نظر عليها وتمنى أن يحتويها ويدخلها بين ضلوعه لكنها الأن غاضبة كالفرسة الجامحة وعليه الحزم بقوة لكبح جماحها، فقد بات يحفظ طبعها عن ظهر قلب،تحرك بها للخارج،وجد الجميع جالسون ويتحدثون بطبيعية وكأن شيئًا لم يحدث لتتجه أنظارهما على تلك السميحة ليجداها تضحك بوجهٍ سعيد بعد أن أزالت أثار التراب بمحرمة معطرة ليزفر بقوة بعد أن تأكد من أن ما قامت به ليس إلا خطة حقيرة نسجتها ببراعة ليقع هو فريستها،حقًا لا تأمن كيد النساء ومكرهُن
تحدث أحمد إليهما بهدوء كي يمحي أثر ما قامت نجلته بفعله ولامها عليه بحدة:
-هات مراتك وتعالوا كلوا فاكهة يا فؤاد
-معلش يا عمي مضطرين نمشي…قالها بهدوء ليتابع بزيفٍ كي لا يدع الشك يساورهم:
-إيثار عندها متابعة مع الدكتورة وكانت نسياها،والسكرتيرة لسه مكلمانا حالاً كانت بتأكد على الميعاد
سأله عمه بنبرة حنون:
-طب مش هترجعوا تتغدوا معانا،ده أنا موصي الطباخ وعامل لك كل الأصناف اللي إنتَ بتحبيها
نطق باعتذار لطيف:
-معلش يا عمي سامحني،إيثار بترجع من المتابعة تعبانة
واستطرد متعللاً:
-حضرتك عارف الحمل في أوله بيبقى مُتعب
أضافت على حديثه بنبرة هادئة بصعوبة استدعتها:
-أنا أسفة إني لغبطت لحضرتك اليوم
تحدث الرجل بلباقة:
-ولا يهمك يا بنتي، تتعوض الأيام جاية كتير أهم حاجة صحتك
ابتسمت سميحة بخبث لتنطق بنبرة حنون كي تثير غضب تلك المجاورة له:
-ميرسي مرة تانية يا فؤاد
لم يعير لحديثها إهتمام ليتحدث إلى الصغير بتجاهل تام لتلك التي اشتعلت نيرانها:
-يلا يا چو علشان نروح
مط الصغير شفتيه ليتحدث إلى فؤاد بعينين متوسلتين:
-بس أنا عاوز أفضل هنا مع بيسان وجدو
ردت عليه والدته باعتراض:
-مش هينفع تقعد وأنا مش معاك يا حبيبي
-بليز يا مامي…نطقها بحزنٍ في عينيه لتنطق عصمت بهدوء:
-سبيه معايا يا إيثار، أنا هاخد بالي منه
كادت أن تعترض ليهمس بهدوء:
-خلاص سبيه،خلينا نمشي
استقلا السيارة لينطلق متجهًا نحو القصر،نظر بجانب عينه يتطلع على تلك الصامتة التي تنظر من النافذة،همس بهدوء وصوتٍ معتذر:
-إنتِ كويسة
لم تعير لحديثه اهتمام ليزفر بقوة قائلاً:
-وبعدين معاكِ،بلاش تستغلي حبي ليكِ وتزوديها
-ممكن تسكت…قالتها بحزمٍ جعله يُذهل من فظاظتها المستجدة لكنه أسند حدتها المفرطة إلى هرمونات الحمل فاتخذ من الصمت نصيبًا حتى وصلا إلى القصر
*********
داخل قسم الشرطة، يجلس الضابط أمام أحد الرجال الماهرون بفتح الهواتف، تحدث الرجل وهو يمد يده بالهاتف نحو الضابط لينطق باحترام:
-إتفضل التليفون اتفتح يا باشا
استلمه منه واخبر العسكري بأن يستدعي عزيز من المحبس ليأتي بعد قليل مطاطأ الرأس وقد بدا الإعياء على وجهه وجسده فتحدث بنبرة هادئة:
-التليفون إتفتح،مش عاوز تعرف إيه اللي مراتك كانت بتعمله من وراك؟
ابتلع غصة مُرة بحلقة وشعر بكرامته كرجل تدهس تحت أحذية الجميع،للحظة شعر بالريبة من معرفة المجهول وكشف المستور،هل كانت زوجته خائنة،هل تعرفت على أحدهم وجعلته يدوس على شرفه،أفكارًا كثيرة لاحت بمخيلته لينطق الضابط وهو يشير بكفه حين رأى حيرته ورعبه:
-إقعد
جلس وأخرج الضابط سيجارتين واحدة له والأخرى أعطاها لعزيز وأشعل كلاً منهما سيجارته،ضغط الضابط زر التسجيلات ليظهر صوت نسرين
-خير، عاوزة إيه تاني؟
بدون مقدمات سألتها الاخرى بقلبٍ يشتعلُ نارًا:
-إيثار عندكم في البيت ولا غارت في داهية؟
-والمفروض بقى إن الهبلة نسرين ترد وتطمنك؟!
صاحت سمية بغلٍ أوضح وصولها للمنتهى من الصبر:
-نسرين، انا على أخري ومش طايقة نفسي، جاوبي من غير خُبث
-واريحك بمناسبة إيه!..لتتابع مؤنبة إياها:
-ده أنتِ بعتيني واتخليتي عني بعد ما خسرت كل حاجة
اتسعت عيني عزيز بذهول لتكمل سمية بلهفة:
-هديكِ الفلوس اللي إنتِ عوزاها بس انجزي وقولي
سألتها نسرين بريبة:
-وأنا إيه اللي يضمن لي إنك مش هتاخدي اللي عاوزة تعرفية وبعدها ترجعي لأصلك وتتخلي عني تاني؟
بعجالة أجابتها لتقطع الشك الساكن بقلبها:
-المصلحة هي الضامن يا نسرين،أنا وانتي مصلحتنا واحدة وعدوتنا واحدة، ودي النقطة المشتركة بينا
اقتنعت لصحة حديثها لتقول بنبرة هادئة:
-إيثار إخواتها حابسينها وبكرة بعد صلاة العشا عمرو هييجي هو واخواته ومعاهم المأذون
-حاولي تهربيها وهديكي مية ألف جنية…جملة نطقت بها سُمية لتهتف الأخرى بارتعاب:
-إنتِ إتجننتي يا سُمية، إنتِ شكلك ناوية على طلاقي
بنبرة هادئة تُظهر تخطيتها لكل شئ أجابتها:
-محدش هيعرف، وإيثار نفسها هتشيلها لك جميلة ومش بعيد تكافأك بفلوس إنك خلصتيها من إيد إجلال اللي مستحلفة لدخلتها البيت
-المفتاح مع عزيز يا سُمية،ومستحيل يسلمهولي، وحتى لو معايا،ههربها إزاي من اللي في البيت…كلمات منطقية قالتها نسرين لتنطق الاخرى بكلماتٍ بعدما امتلئ قلبها بالحقد ولم يعد للخشية من الله مكانًا به:
-بسيطة،تخلصينا منها خالص
استعلمت نسرين مستفهمة:
-قصدك إيه؟
-حطي لها سِـ.ـم في الأكل يخلصنا منها،ولا من شاف ولا مِن دِري…قالتها بهدوء لتصرخ نسرين بارتياب:
-الله يخرب بيتك، إنتِ عاوزة تخلصي مني أنا كمان،أقتلها أنا واتعدم وانتي تعيشي مع البيه وتتهني بفلوسه، لا ناصحة يا بِت
-إسمعيني بس،محدش هيعرف حاجة…قالتها لتهدأة الأخرى لتسترسل بإبانة:
-أنا عندي برشام قوي الدكتور كان مديهولي وكان محذرني منه، قالي ابعده عن الاطفال لأن ثلاث برشامات منه كفيلة تقتل بني أدم كبير،قابليني كمان ساعة عند التِرعة الغربية علشان اديهولك،حطي لها سبع أقراص منه في الاكل وسيبي العلبة جنبها،أول ما يشفوها هيقولوا إنها انتحرت علشان غصبوها لرجوعها لـ عمرو
واسترسلت بدهاء:
-وهيخافوا يبلغوا ليدخلوا في سين وجيم،وهيدفنوها من سُكات ويدفن سرنا معاها ونرتاح،أنا اعيش مع جوزي وبنتي في أمان، وإنتِ تاخدي الـ مية ألف جنية تجيبي بيهم دهب بدل اللي راح
تعجبت من صمتها لتسألها:
-قولتي إيه؟
بنبرة متعجبة نطقت بصوتٍ مرتعب يغلفهُ الذهول:
-قولت إني مش هنفذ ولا كلمة من التخريف اللي إنتِ لسة قيلاه ده، إنتِ شكلك ست مجنونة، عوزاني أقتل عمة ولادي علشان خاطر الفلوس، ده ولا مال قارون كله يخليني أفكر أأذيها
لتتابع بقوة وكأنها تحولت لشخصٍ أخر تعجب له عزيز والضابط:
-الكلام اللي قولتيه ده تنسيه،وبردوا هتديني الـ مية ألف جنية، مش بس كدة، ده أنا كل ما احتاج فلوس هطلبها منك وإنتِ زي الشاطرة هتديهم لي
هتفت سُمية باستغراب وعدم استيعاب لحديث نسرين:
-إنتِ اتجننتي يا بِت ولا شاربة حاجة مخلياكِ مش واعية للي بتقوليه
اجابتها نسرين بهدوء لا يتناسب مع الحدث:
-هديكِ فرصة خمس أيام بحالهم،تجمعي لي فيهم مية ألف جنية، أظن كدة عداني العيب… نطقت كلماتها التهديدية لتغلق الهاتف سريعًا قبل ان تُعطي لها حق الرد
نظر عزيز امامه بشرو وذهول وعدم استيعاب ليضغط الضابط على التسجيل الذي يليه ليظهر صوت نسرين من جديد بنبرة ماكرة:
-كنت عارفة إنك هتتصلي علشان كده استنيتك ومنزلتش تحت
لتصيح الاخرى بغضبٍ عاصف:
-بتسجلي لي، هي حصلت يا بنت الـ
وقبل أن تُكمل سبها قاطعتها الأخرى بقوة لما تمتلك الأن بما يزج الاخرى داخل السجن:
-إوعي تنطقي بكلمة واحدة وإلا هندمك،الفلوس تكون عندي الإسبوع ده وإلا التسجيل الحلو ده هيوصل للحاج نصر بنفسه
لتصمت الأخرى مستغلة خوفها:
– الراجل داخل على انتخابات ومش محتاج شوشرة،شوفي بقى ممكن يعمل فيكِ إيه لو عِرف إن مرات إبنه بتخطط لقتل ضُرتها
بعد صمت وتفكير نطقت سمية بهدوء:
-هجهز لك الفلوس يا نسرين، بس تقابليني بنفسك وتديني التسجيل أمسحه بإيدي
أجابتها الأخرى بنبرة باردة كالثلج:
-جهزي الفلوس وبعدين نبقى نشوف هنعمل إيه
أغلق الضابط الهاتف لينطق عزيز بذهول:
-يعني مراتي كانت متفقة مع ضرة اختي عليها وكانت بتاخد فلوس منها علشان مترجعلوش؟!
هتف الضابط بصوتٍ حاد:
-إتصل لي يا ابني بوكيل النيابة المسؤل معانا عن القضية علشان يستخرج لنا أمر بالقبض على مرات ابن نصر البنهاوي
ليسترسل وهو يحك ذقنه باستغراب:
-خلينا نشوف حكايتها إيه دي كمان
***********
ليلاً
انضمت لتخت صغيرها بعدما تشاجرت مع زوجها حين عودتهما ليتركها تهدأ ويهبط إلى الاسفل ليقضي يومه داخل المكتب حتى حضرت عائلته من عزيمة عمه،ولج لجناحه ليجده غارقًا في الظلام ليغمض عينيه متألمًا،تحرك إلى غرفة الصغير وقام بفتحها بهدوء كي لا يُزعجه ليجدها ممدة بجواره تحتضنه وتدفن أنفها بعنقه وكأنها تختبئ من أحزانها داخل حضنه الصغير،ولج بهدوء وتحرك حتى وصل إليها ثم انحنى بجذعه ليهمس بجانب اذنها:
-إيثار،يلا علشان تنامي في أوضتك
لم تجيبها بل تظاهرت بالنوم ليتابع بدهاء:
-أنا عارف إنك صاحية
ليخرج صوتهُ بنبرة تقطر من الغرام ما يجعل روحها تهيم بسماء عشقهما الفريد:
-يلا علشان مش عارف أنام لوحدي
كظمت أنفاسها واتخذت من الصمت ملاذًا ليتحرك للخارج ويغلق خلفه الباب لترفع رأسها سريعًا تتطلع عليه لتجد الحجرة خالية،شعرت بالمهانة واخترق صدرها ألمًا عظيمًا،لم تستوعب انهُ تركها ورحل بتلك البساطة، ألهذا الحد لم تعني له شيئًا،ألقت برأسها فوق الوسادة وتركت العنان من جديد لدموعها التي لم تتوقف طيلة اليوم، بكت بقهرٍ وغصة مُرة وقفت بحلقها كادت أن تخنقها لتتوقف حين استمعت لفتح الباب من جديد وصوت أقدامٍ تتجه صوبها،شعرت بأنفاسه تقترب حتى وضع كفه على كتفها ليتمدد بجسده بعد أن ذهب وبدل ثيابه بأخرى مريحة تصلح للنوم،إحتضن خصرها ودفن أنفه بثنايا عنقها ليهمس بما جعل السكينة تشمل روحها:
-مش هقدر أنام بعيد عن حُضنك
-إنتَ مش بتحبني…قالتها بدموع ليجيبها هامسًا:
-أنا فعلاً مش بحبك
ليتابع بصوتٍ زلزل كيانها وأنفاسه الحارة تلفح بشرتها:
-أنا عاشق لكل نفس داخل وخارح منك
إستدارت قليلاً لتنظر بعينيه قائلة:
-وهو اللي بيحب حد كده يعرف يحضن حد غيره
همس بنبرة توحي لمدى عشقه لتلك الانثى التي بدلت حياته وزادتها جمالاً:
-اللي يدوق دفى وحلاوة حضنك لا يُمكن يقدر يستغنى عنه ولا يجرب غيره
و ضع شفتيه على عنقها ليتلمسه بنعومة أثارتها لينطق بدلالٍ على حبيبته:
-على فكرة،أنا زعلان منك قوى
-ليه؟…قالتها مسحورة بعينيه ليجيبها بهيامٍ:
-علشان أنا طلبت منك قبل كده إنك متسبيش حضني مهما حصل وإنتِ وعدتيني
أجابته هامسة بشفاه مرتعشة أثارته:
-إنتَ اللي اضطرتني لكده
كاد أن يتحدث حتى قاطعه صوت الصغير الغاضب الذي مل كثرة ثرثرتهما حتى انه فاق من غفوته عليها:
-يوووو بقى،يلا روحوا أوضتكم واتكلموا هناك، أنا عاوز أنام
شهقت بخجل ليسأله هو باستفسار:
-إنتَ صاحي من إمتى؟!
هتف بحدة طفولية:
-من بدري، ومش راضي أكسفكم بس إنتوا مش مبطلين رغي، وأنا دماغي صدعت
قهقه فؤاد ليقول لها عاتبًا:
-شايفة يا هانم، من خرج من سريره إتسف عليه من العيال
كظمت ضحكتها وانتفض هو ناصبًا ظهره لينحني عليها يحملها بين ساعديه لتصرخ معترضة:
-إنتَ بتعمل إيه يا مجنون
هتف مبررًا بملاطفة:
-رايحين جناحنا، ولا عاوزانا نقعد لحد ما البيه يطردنا من أوضته
ثم حول بصره إلى الصغير لينطق بمشاكسة:
-وإنتَ بقى هبعت لك عزة، وده هيكون أحسن عقاب ليك علشان تعرف إن الله حق وإن رغي ماما وعمو فؤاد زقزقة عصافير جنب اللي هتعمله فيك عزة
قهقه الصغير بسعادة ليتحرك هو بحبيبة حبيبها صوب الباب ليفتحه ثم التفت للصغير وهو يقول بمداعبة:
-تصبح على خلقة عزة يا حبيبي
وصل لجناحيهما ليغلق الباب بقدمه ويستند عليه ناظرًا على شفتيها وهو يقول عاتبًا:
-جالك قلب تطلعي من أوضتك وتسيبي حبيبك لوحده؟
تعلقت بعنقه لترفع وجهها لأعلى وتطبع قبلة ناعمة بجانب شفته وتبتعد لتنطق أمام عينيه:
-علشان حبيبي زعل حبيبته
-ولا يقدر على زعلها دقيقة واحدة…قالها ليميل عليها يلتقط شفتيها بقبلة راغبة ليبتعد مسترسلاً بأمر من عينيه:
-متسبيش أوضتك تاني، مفهوم
-حاضر…قالتها بطاعة اثارت مشاعره ليتحرك بها نحو الفراش ويضعها برفقٍ وكاد ينقض عليها فتحدثت لتذكره:
-إتصل بعزة تطلع ليوسف الاول
اومأ لها وهاتف عزة التي كانت قد غفت لتصعد للصغير وعاد هو ليغوصا داخل عالمهما الساحر ليحيا بداخلهُ ويتذوقا شهد عشقهما الحالم،إنتهى من جولتهما العشقية التي حولت قلبيهما ليرفرفا من شدة السعادة ثم دفنت حالها داخل أحضانه الحنون ليغفا كلاً منهما بسلام داخل أحضان حبيبه.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أنا لها شمس)
تسلم ايدك
الروايه شدتني كتير
رواية سيطرت على تفكيري
احسب الايام حتى أقرأها
والله الروايه ما حصلتش
اول ما تنزل اقراها ما يهمنيش الزمن والمكان