روايات

رواية أنا لها شمس الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم روز أمين

موقع كتابك في سطور

رواية أنا لها شمس الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم روز أمين

رواية أنا لها شمس الجزء الرابع والأربعون

رواية أنا لها شمس البارت الرابع والأربعون

أنا لها شمس
أنا لها شمس

رواية أنا لها شمس الحلقة الرابعة والأربعون

تطلع إليها بعينين متعجبتين ليسألها مستفسرًا بغرابة:
-دِين؟! دِين إيه ده اللي عليكِ يا إيثار؟!
صمتت لبرهة ثم أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تنطق بنظراتٍ متأثرة:
-هرجع لـ إخواتي حقهم،هتنازل لهم عن ملكيتي للبيت والأرض وهوزعهم عليهم بشرع ربنا
واسترسلت وهي تهز رأسها:
-ومش هاخد من الورث أي حاجة علشان يرتاحوا
ضيق عينيه ليسألها:
-وتفتكري لما تتنازلي عن حقك أبوكِ هيرتاح؟!
تنهدت لتجيبه متأثرة لذكر اسم والدها الحبيب:
-بابا الله يرحمه كان أكتر واحد بيحس بيا،وأكيد وهو في دار الحق هيحس ويفهم أنا عملت كده ليه
تحدث بصدقٍ وهدوء:
-بصي يا حبيبي،إنتِ أكيد عارفة ومتأكدة إن ولا يعني لي أي مبلغ هتاخديه من ورث بباكِ، ومهما أخدتي هتكون بالنسبة لي ملاليم
واسترسل مستشهدًا بالمال الذي وضعه باسمها في أحد البنوك كي يشعرها بالأمان وبأنها أصبحت زوجة لرجُلٍ ثري وترك لها حرية التصرف في المال كيفما شاءت دون الرجوع إليه،وقد عارضته كثيرًا حينها لكنه أصر على قراره وما كان منها سوى الإنصياع لرغبته فبالنهاية هي زوجته ويحق لها التمتع بماله:
-أنا حطيت لك في حسابك اللي يكفيكِ عمرك كله واللي لو صرفتي منه ليل ونهار مش هيخلص،بس أنا بتكلم علشان تراجعي نفسك، لأن قرار زي ده محتاج تفكير علشان مترجعيش تندمي
أمسكت يده وتحدثت بنبرة حنون:
-أنا عارفة إن كلامك من باب لفت الإنتباه مش أكتر،بس قراري أنا أخدته بعد تفكير عميق
واسترسلت بإبانة:
-وعلى فكرة،أنا من اليوم اللي بابا الله يرحمه سلمني الورق وأنا ناوية إني هرجعه أول ما إبني يتم السِن القانوني وقلبي يطمن عليه،وقررت بيني وبين نفسي إني مش هاخد أي حاجة من الورث ده،لأني الحمدلله ربنا كان رازقني ومُرتبي من شركة أيمن الأباصيري كان مكفيني أنا وإبني وعزة
واسترسلت وهي تنظر إليه بعرفان:
-وبما إنك حليت لي مشكلة الحضانة فمفيش داعي إني أحتفظ بالورق معايا أكتر من كده
واسترسلت متأثرة بحنين:
-هما محتاجينه علشان يطمنوا،وكمان عزة قالت لي إن نوارة كلمتها وقالت لها إنهم كانوا محتاجين يبيعوا حتة أرض علشان يوسعوا على نفسهم وأولادهم،لكن طبعاً هما ميقدروش يتصرفوا طول ما كل حاجة بإسمي
حاوط وجنتيها بكفاه وتطلع عليها بفخرٍ ثم تحدث بقلبٍ سعيد ببراءة وأخلاق زوجته نقية القلب:
-لو أقول لك أنا فخور بيكِ قد إيه مش هتصدقي،إنتِ جميلة قوي يا إيثار،وجمال قلبك طاغي وزود من جمال ملامحك
ابتسمت بسعادة ليفتح لها ذراعهُ يدعوها كي تسكُنه وكأنها كانت تنتظر لترمي حالها سريعًا فقد أصبح حُضنهُ ملاذها الأمن الذي تتحامى به من جميع ما يؤرق روحها،تنهدت وهي تتنعمُ بين أحضانه الحانية وتستمتع بلمساته الحنون الذي ينثرها فوق ظهرها وشعر رأسها مما أدخلها بحالة من الإسترخاء والسعادة اللامتناهية،نطقت بصوتٍ مرتخي جراء حالتها:
-فؤاد
-إيه يا حبيبي…قالها مستمتعًا بضمتها لتسألهُ مستفسرة:
-هنروح إمتى كفر الشيخ؟
نطق ببرود وهو يستنشق عبير شعرها:
-ومين قال إننا هنروح كفر الشيخ يا عمري
نزعت جسدها من بين أحضانه وهي تنفض ذراعيه لتسألهُ بعينين متسعتين:
-هو احنا مش إتفقنا خلاص
طالعها بهدوء لينطق مفسرًا:
-إحنا أه اتفقنا إنك هترجعي الورق لاخواتك وتتنازلي لهم عن حقك في ميراثك الشرعي
واسترسل وهو يُشير بكفه على حاله:
-لكن أنا قولت لك ولا حتى لمحت إننا هنسافر كفر الشيخ؟!
ضيقت عينيها بعدم استيعاب لتسألهُ متهكمة:
-وهتنازل لهم إزاي إن شاءالله؟!
تنفس بهدوء قبل أن ينطق بثبات وجدية:
-هكلم المحامي بتاع العيلة ييجي النهاردة يكتب لك التنازل وتمضي عليه وهبعته لهم مع السواق
-وبالنسبة لزيارتي لقبر أبويا…قالتها باستفهام لتتابع ساخرة بتهكم:
-هتبعت تجيبه لحد هنا هو كمان يا سيادة المستشار ؟!
أغمض عينيه محاولاً تهدأت حاله قبل ثورتها المتوقعة فقد بات يحفظ طبعها عن ظهر قلب:
-حبيبي،موضوع زيارتك لقبر عمي الله يرحمه مضرين نأجله لبعد الولادة إن شاءالله
كانت تستمع إليه وهي تهز رأسها مستنكرة لحديثه ككل وقبل أن تنطق قاطعها برفضٍ قاطع:
-إنسي، أنا مستحيل أضحي بأمانك وأمان ولادي علشان خاطر أي حد
نطقت بنبرة متأثرة علها تستطيع إقناعه:
-بس دول أهلي يا فؤاد
أجابها بحدة وصرامة:
-على راسي من فوق إكرامًا ليكِ ولـ يوسف،بس مش على حساب ولادي
ثم استرسل بنبرة متعجبة لأمرها:
-أنا مش فاهم إنتِ بتفكري إزاي،بسهولة كده بتعرضي نفسك وولادك للخطر علشان خاطر ناس عمرهم ما فكروا فيكِ ولا يوم كنتي من أولاوياتهم؟!
نزلت كلماته على قلبها كـ خنجرٍ مدبب غرسهُ بمنتصف قلبها بدون رحمة،هي تعلم صحة حديثه بل والأكثر من هذا،لكنهم بالنهاية عائلتها
علت أصواتهم ليقطعها طرقًا قويًا فوق الباب لينتفض ويقف أرضًا وينتزع قميصه كي يستر به نصفه العلوي العاري،إرتداه على عجالة ليتحرك نحو الباب وقام بفتحه لتنطق تلك الثرثارة سريعاً:
-مالكم يا باشا كفانا الشر، صوت خناقكم جايب أول السلم
أشار لها ليغلق الباب وهو يتحدث بحدة:
-إدخلي شوفي الهانم وعقليها يا عزة،الأستاذة عاوزة تروح كفر الشيخ
دبت فوق صدرها لتنطق بغرابة:
-يلهوي،كفر الشيخ إيه اللي عاوزة تروحها،هي نسيت اللي حصل لها أخر مرة من عرة النسوان أمها والمواكيس إخواتها اللي محسوبين عليها رجالة؟!
كانت تتحدث وهي تتحرك للداخل حتى وصلت إلى حجرة النوم وتحدثت باستغراب لتلك التي تتوسط بجلوسها الفراش:
-إنتِ عاوزة تروحي كفر الشيخ بجد؟!
نطقت بحدة وصرامة:
-عزة، خرجي نفسك من الموضوع ده علشان ما اطلعش كل غضبي فيكِ
هتفت معترضة:
-أخرج نفسي إزاي ومحدش بيشيل همك في الأخر غيري،حرام عليكِ يا إيثار
واسترسلت بنبرة لائمة وهي تشيح بكفيها نحو بطنها:
-طب يختي لو مش خايفة على نفسك خافي على عيال الناس، دول ما صدقوا ربنا راضاهم وطايرين بيكِ وشايلينك من على الارض شيل
واسترسلت ناصحة:
-إستهدي بالله كده واعقلي يا بنت عم غانم
كان واقفًا شابكًا ذراعيه أمام صدره يتطلع عليها وعلى وجههِ علامات الضيق من أفعال تلك العنيدة التي ستصيب قلبه بالتوقف يومًا ما،لينطق مؤكدًا على صحة حديثها:
-قولي لها وفكريها يا عزة،الهانم شكلها نسيت اللي إتعمل فيها هناك
تطلعت عليه بعينين تغشوها دموع الألم لتنطق بنبرة مكسورة:
-هو أنتَ إزاي مش قادر تحس بيا يا فؤاد،أنا نفسي أزور بابا وأرد الامانة لأصحابها
قالت كلماتها الأخيرة ودموعها تسيلُ فوق وجنتيها بعدما فقدت التحكم بها،وبرغم تأثره الشديد بدموعها إلا أنه تحكم بمشاعره ليتحدث بقوة وثبات كي لا يضعف أمام رغبتها:
-أنا مش قادر أفهم إنتِ إزاي مش عاملة حساب للمجنون اللي إسمه عمرو ورايحة لحد بلده
ليتابع بجنون:
-ده خطفك من قلب القاهرة وكان عاوز يسفرك إنتِ ويوسف،إنتِ متخيلة ممكن يعمل إيه وإنتِ في قرية حجمها محدود وهو دارس مخارجها ودواخلها كويس قوي
نطقت بشهقاتٍ قطعت بها نياط قلبه:
-ما أنتَ مراقبه وعارف كل تحركاته هو وإخواته
بسطت عزة ذراعها لتربت على كتفها بمؤازرة لينطق هو مفسرًا علها تقتنع:
-مراقبه هو يا حبيبي،لكن إيه اللي يضمن لي إنه مش مأجر حد يراقبنا من بعيد ويستغل الفرصة اللي سيادتك عاوزة تقدميها له على طبق من دهب؟
رفعت كفيها لتجفف دموعها بعنفٍ وهي تسألهُ بحدة وكأنها لم تستمع لكلماته الأخيرة:
-من الأخر كده يا فؤاد،هتوديني ولا لاء؟
نظر لها لتتقابل أعينهم وهم يتبادلون نظرات التحدي لينطق بصرامة:
-مفيش سفر لكفر الشيخ قبل الولادة يا إيثار
واسترسل سريعًا وهو يشير بسبابته:
-وده علشان خاطر تزوري قبر عمي غانم الله يرحمه وبس
وتابع بغيرة تنهش داخل قلبه كلما تذكر أنها قضت بتلك البلدة سنواتها الفائتة وتزوجت من غيره وعاشت ببيته الملعون وداخل أحضانه لسنوات:
-لولا كده كان لايمكن أسمح بإنك تنزلي البلد دي تاني إلا على جثتي
رفعت رأسها بشموخ وتحدثت:
-تمام،ممكن تطلعوا بره إنتوا الإتنين علشان تعبانة وعاوزة أنام
قالت جملتها لتُمدد جسدها فوق الفراش من جديد وتسحب الغطاء حتى دفنت رأسها تحته،نظر إلى عزة وهز رأسه يمينًا ويسارًا بإحباط لتنطق وهي تجذب الغطاء لتكشف وجهها:
-قلبتوا دماغي ونستوني أنا كنت جاية في إيه
واسترسلت:
-قومي يلا علشان تفطري،الباشا الكبير والدكتورة مستنينكم على الفطار تحت
جذبت الغطاء من يدها لتنطق بحدة وهي تعيد تغطية وجهها من جديد:
-قولت لك تعبانة وهنام
كادت أن تتحدث فأشار لها فؤاد وتحدث بهدوء:
-إنزلي وإحنا هنحصلك يا عزة
تنهدت بأسى لتنطق وهي تتحرك للأمام:
-أوامرك يا باشا
أخذ نفسًا عميقًا ثم تحرك ليجاورها الفراش ثم سحب الغطاء ليتفاجأ بدموعها التي تسيل على الخدين كشلالاتٍ ليسألها بنبرة حزينة:
-ليه يا بابا دموعك دي،ليه بتعملي كده في نفسك وفيا؟!
شهقت لتنطق بحدة ونبرة ساخطة:
-مش عارف دموعي دي ليه بجد،دي دموع قهر على حالي واللي وصلت ليه معاك
اتسعت عينيه ذهولاً لتتابع هي بألم:
-من يوم جوازنا وإنتَ قاصد تفرض رأيك وهيمنتك عليا في كل شئ يخصني، شغلي خروجي حتى أكلي عامل لي بيه قايمة ممنوعات ومديها لسعاد بتنفذها بدون نقاش، كل ده ليه، علشان ولادك؟!
-طب وأنا؟… نطقتها بغضبٍ حاد وهي تشير على حالها…أنا راحتي فين،كياني واستقلاليتي فين يا فؤاد؟!
لم يستوعب كم الإتهامات الباطلة التي تلقيه بها بهتانًا لينطق مذهولاً:
-يــاه يا إيثار،إنتِ للدرجة دي شيفاني شخص ديكتاتور وظالم؟!
أشاحت بوجهها بعيدًا عن عينيه لتتنهد ثم نطقت بصوتٍ متألم شطر صدره لنصفين:
-أنا تعبانة ومحتاجة أنام،ياريت تطفي النور وتدخل تلبس جوه لأن أعصابي تعبانة ومش هتحمل إضاءة جنبي
حاول بسط ذراعيه كي يجذبها لأحضانهِ عله يساعدها على الاسترخاء لكنها صدته سريعًا ووالته ظهرها بحدة أظهرت كم غضبها منه،ليزفر بضيقٍ من حالهِ قبلها،هب واقفًا ليطفئ لها الأنوار ويختفي خلف باب الحمام كي يحصل على حمامه الدافئ اليومي ثم خرج بعد قليل ليرتدي ثيابه ويقوم بصلاة الضحى قبل أن يتجه صوب فراشها،وقف يتطلعُ على ملامحها وهي غافية وقلبهُ يتألم لحالها،لم يوافقها على جنونها ذاك وبالتأكيد لن يرضخ لتنفيذ طلبها ليس تعنتًا كما تظن هي بل خوفًا ورُعبًا عليها وصغيراه اللذان لم يرا الدنيا بعد،لم ولن يسمح لها ولا لحاله أن يُمس طفليه بسوء ويُحزن بل ويؤلم قلبي والداه حيث أصبح شغلهما الشاغل هو انتظار قدوم مولودي نجلهما بفارغ الصبر
هز رأسه بيأسٍ وتحرك نحو مرآة الزينة،إلتقط ساعة يده وارتداها لتزيد من أناقتهِ المعتادة وأمسك قنينة عطرهِ الرجولي لينثر منه على عنقة وذقنه ليضعها من جديد وتطلع على حالهِ بنظراتٍ خاطفة قبل أن يحمل حقيبته الجلدية ذات اللون الأسود والتي يحتفظ بأوراق عمله داخلها ويتركها أمامها دون خوفٍ من تكرار الماضي اللعين،هو سلم لها روحهُ وانتهى الأمر بعدما تيقن من طهارتها ونقائها،ألقى عليها نظرة وكاد أن يخرج لكنه لم يقوى دون توديعها ككل يوم،ساقته قدميه ليتجه صوب الفراش،مال عليها بطوله الفارع ليلثم شفتها السُفلى في قُبلة سريعة نعم لكنها شغوفة حنون،مسح على جبينها بنعومة ليهمس أمام وجهها باعتذار:
-أنا أسف
قالها وتنفس بصوتٍ مسموع ليخرج على عجالة كي لا يتأخر على موعد عمله،استمعت إلى صوت خافت لغلق الباب ففتحت أهدابها،لم تكن غافية وتعلم أنه تيقن من ذلك لذا تأسف لها، أجهشت ببكاءٍ مرير وغصة مرة توقفت بمنتصف حلقها،تعلم أنهُ محق بشأن مخاوفهُ المشروعة على جنينيه،لكنها اشتاقت لرؤية لحد أبيها،تريد الجلوس بحضرة روحه الطاهرة كي تطمأنهُ عن حالها وأنها أصبحت بخير،اشتاقت لان تتحدث معه وقد أوصلها حثها أنها لو جلست أمام قبره وتحدثت سوف تشعر بالأرتياح،لذا هي مُصرة على الذهاب،إشتاقت أيضٕا لرؤية شقيقاها وأنجالهما ووالدتها وتلك الـ نوارة ذات القلب النقي،فبرغم ضراوة قسوتهم عليها إلا أنها لم تكن يومًا بكارهة لهم،يراودها شعورًا يلح عليها بإرجاع الحق لأهله كي تستريحُ ويهدأ ضميرها،يعتريها رُعبًا من إقبالها على الولادة قبل عودة الحق لاصحابه، تريد تخليص روحها من جميع القيود قبل دخولها بعملية الولادة تحسبًا لوفاتها أثناء الولادة،فلو لا قدر الله توفت تكون قد سددت جميع ديونها الدنيوية،إنها معضلة لكنها متأكدة بأن فارسها يستطيع فكها لكنهُ يتبع معها إسلوب التعنت،هذا ما استشفته من حديثها معه
***********
بالأسفل، ولج لغرفة الطعام بوجهٍ صارم يتطلعُ على والديه وهما يتناولان فطورهما قبل أن يذهبا كُلٍ منهما على وجهته لينطق هو بجدية:
-صباح الخير
رد والداه التحية ليتحدث وهو يبحث بعينيه عن الصغير:
-أمال فين يوسف؟
أجابهُ علام بابتسامة ترتسمُ على محياه كلما أتت سيرة ذاك الصغير الذي استحوذ على جزءًا ليس بالقليل من قلبه واهتمامهُ:
-فطر معانا وعزة عملت له السندوتشات بتاعته وخرجته للباص بنفسها
هز رأسهُ بتفهم، نظرت له والدته متعجبة نزوله لحاله دون زوجته كـ كل يوم، فمنذ إنتقال فريال وزوجها وأولادها للعيش بمنزلهم الجديد وهي تحضر معهما الفطار اليومي كي لا تشعرهما بالوحدة وفقدان مكان ابنتهما الحبيبة،لذا سألته عصمت باهتمام:
-فين مراتك يا حبيبي؟!
نطق وهو يجذب مقعده ويجلس فوقه باستسلام:
-تعبانة شوية ونايمة
بلهفة سألته:
-تعبانة إزاي يا فؤاد،لو حاجة تخص الحمل هتصل بالجامعة وأخد أجازة وأوديها للدكتورة بتاعتها تعمل لها سونار ونتطمن على الاولاد
تنهد بضيق ظهر فوق ملامحه ولن يخفى على والداه لينطق وهو يبتلع الطعام بمرارة:
-مش مستاهلة،دول شوية إرهاق ولما تنام هتصحى كويسة إن شاءالله
-مالك يا فؤاد؟…جملة قالها علام كي يطمئن على نجله لينطق الأخر بتهرب:
-مفيش يا باشا،سلامتك
نطق الأخر ساخرًا:
-مفيش إيه يا حبيبي بوشك الكِشر ده
نظر إلى أبيه ليتابع علام بنبرة ساخرة:
-قول يا حبيبي قول وفك عن نفسك
وكأنه كان ينتظر الإشارة لينطق بنبرة خرجت حادة رُغمًا عنه:
-الهانم عاوزة تروح كفر الشيخ،قال إيه عاوزة تزور قبر بباها وترجع لاخواتها عقد الأرض والبيت
سألته عصمت بجبينٍ مقطب لعدم علمها بقصة الأرض والمنزل:
-عقد إيه ده يا فؤاد؟!
اجابها باقتضاب:
-بباها الله يرحمه كان كاتب لها كل اللي يمتلكه علشان يحميها هي ويوسف،ويمنع أمها واخواتها من رفع قضية ضم حضانة الولد
تفهمت لتهز رأسها بهدوء فسألهُ علام مستفسرًا:
-وإنتَ قولت لها إيه؟
-رفضت طبعاً…نطقها بثبات وقوة ليتابع بحسمٍ:
-أمانها هي وولادي أهم من أي حاجة في الدنيا
تنهد علام لينطق برزانة وتعقُل:
-بس هي من حقها تشوف أهلها يا فؤاد
استمعوا لصوت تلك التي ولجت للتو من الباب لتتحدث وهي تحمل دورقًا زجاجيًا ملئ بعصير البرتقال الطازج واستمعتهم بالصدفة وكعادتها الثرثارة تدخلت بالحديث:
-لا يا باشا متأخذنيش في الكلام،فؤاد باشا عنده حق،اللي اسمه عمرو واهله دول مجرمين ومبيخافوش ربنا
واسترسلت تستعرض قوة وجبروت إجلال لعدم علمها بالتطورات الأخيرة التي حدثت ولم تمدها بها نوارة كالعادة:
-إمه دي ست قادرة والبلد كلها خدامين تحت رجليها،ومش بعيد لما تعرف إن إيثار في بيت أهلها تبعت لها ناس يأذوها هي واللي في بطنها
وتطلعت إلى عصمت التي تلون وجهها بعدما هربت منه الدماء هلعًا على أحفادها الغوالي لتتابع وهي تشيح بكفيها بطريقتها المعتادة:
-دي نوارة مرات أخو إيثار كانت بتحكي لي عنها حكايات تشيب،طب دي في مرة…
قاطعها صوت فؤاد الصارم الذي سأم ثرثرتها وأراد ان يوقفها في الحال:
-عزة،مش وقتك،إتفضلي على المطبخ وعلى الساعة عشرة تطلعي لها فوق وتصحيها علشان تنزل تفطر
وأشار بتأكيد:
-لازم تاكل كويس وتاخد الفيتامين،مفهوم
هزت رأسها عدة مرات متتالية لتنطق مرددة:
-مفهوم،مفهوم يا باشا
وانصرفت وهي تهمس ببرطمة:
-يا ساتر على قلبتك،دي بنت منيرة الله يكون فى عونها منك،الراجل عليه قلبة تقطع الخَلف، الحمدلله إني مقررة من زمان إني مخلفش، وإلا كانت تبقى مصيبة
أما علام فسألهُ بعقلانية:
-هتعمل إيه يا فؤاد؟
رفع كتفيه وتحدث وهو يُمسك بكأسه الزجاجي الفارغ ويقدمه نحو والدته التي بدأت بسكب بعض العصير الطازج له:
-هخلي المحامي يكتب عقد تنازل وتمضي هي عليه وأبعته مع السواق
نطق والده بقلبٍ لين:
– طب ومراتك يا ابني، دي ممكن تزعل جداً والدكتورة قالت إن الزعل غلط عليها
هتفت عصمت متبنية قرار نجلها الحكيم:
-مراته هتزعل لها يومين وفؤاد في الأخر هيعرف يراضيها يا علام،إيثار طيبة وهتفهم وهتهدى مع الوقت،أهم حاجة أمانها هي والأولاد
كان يستمع لحديث والديه بعقلٍ شارد في حبيبته الشرسة،يعرف أنها شرسة عنيدة لكنه يستطيع ترويضها بكل براعة، فهي أنثاه الطائعة المحبة حتى ولو جُنت لبعض الوقت إلا أنها ستعود لرشدها سريعًا وترتمي داخل ملاذها الأمن،”حضنه الدافئ”
ارتشف أخر قطرات العصير ليقف يهندم من ثيابه وهو يقول:
-موضوع إقناع إيثار هياخد وقته وفي النهاية هتهدى وتقتنع،المهم عندي إن صحتها ما تتأثرش من الزعل
نطقت عصمت بهدوء لتريح قلب نجلها من ناحية حبيبته:
-متقلقش يا حبيبي،أنا قبل ما اتحرك على الجامعة هوصي عزة وسعاد عليها،وكده كده فريال شوية وهتجيب فؤاد وتيجي لها، وانا لما أرجع هقعد معاها ومش هسيبها
أومأ لها وتحدث وهو يلتقط حقيبته:
-أنا لازم اتحرك
نهضا والديه ليتحدث علام:
-خدني معاك أنا كمان
تحرك ثلاثتهم لتذهب عصمت إلى المطبخ قبل الذهاب كي تملي عليهم تعليماتها الصارمة بشأن إيثار وإدارة المنزل وتوجهت هي الأخرى للخارج ليفتح لها السائق باب السيارة وينطلق بطريقه إلى الجامعة.
***********
داخل إحدى المستشفيات العامة،وبالتحديد داخل إحدى الغُرف الخاصة، تحركت الممرضة إلى العسكري الواقف أمام الباب لحراسة المريضة لتنطق الممرضة:
-صباح الخير يا دُفعة
-صباح النور… نطقها بصرامة ليكمل حديثه الحاد:
-تخلصي معاها وتطلعي فورًا
أجابته بارتباك لصرامته الحادة:
-حاضر
ولجت للداخل لتجد تلك المرأة فوق التخت المعد للمرضى،فقد أجريت عملية لاستئصال الرحم بالأمس وتمت العملية بنجاح،تحدثت الممرضة وهي تفرغ لها أنبول الدواء داخل المحلول المعلق:
-عاملة إيه النهاردة
أجابتها سُمية بصوتٍ خافت وجسدٍ واهن وملامح باهتة شاحبة كشحوب الموتى:
-تعبانة،بقول لك إيه
نطقت الأخرى بتمعن:
-قولي
لتتابع الأخرى بعرضٍ حقير كحقارتها:
-أنا عندي فلوس كتير شيلاها في مكان محدش يعرفه غيري، لو ساعدتيني أهرب من هنا هديكي نصهم
واسترسلت كي تزرع الطمع بقلبها:
-الفقر هيفارقك عمرك كله ومش هتشوفي خلقته تاني
تطلعت عليها الممرضة قبل أن تنطق بجدية:
-أنا هعتبر اللي سمعته ده من تأثير البنج عليكِ ومش هبلغ بيه العسكري، بس لو كررتيه تاني هتضريني أبلغ الظابط بنفسه
كادت أن تذهب لتتمسك الأخرى بكفها مستعطفة إياها وهي تتمسك بفرصتها الأخيرة للنجاة:
-أبوس أيدك ساعديني، أنا لو خرجت من هنا على السجن هيعدموني،
وتابعت بزيف كي تستجدي تعاطفها:
-بنتي اللي عندها خمس سنين ذنبها إيه تتيتم في السن ده
جذبت الممرضة كفها بقوة لتنطق بنبرة جادة:
-بنتك دي كان لازم تعملي حسابها قبل ما تعملي عملتك وتقتلي الست المسكينة، واللي بردوا عيالها اتيتموا واتحرموا من امهم بسببك
واسترسلت وهي تهز رأسها بأسى:
-كل واحد لازم يدفع تمن أخطاءه،علشان الكل يتعظ
تركتها وأغلقت خلفها الباب لتسبها الأخرى بألفاظٍ نابية وهي ترمق الباب بنظراتٍ ساخطة
***********
داخل منزل عمرو،كان اليوم الموعود الذي انتظره كثيرًا حيث اليوم هو اليوم الأخير لخروج الأثار من المقبرة حيث وصل الرجال بالحفر للبوابة واليوم ستفتح البوابة ويخرجوا منها القطع الأثرية النادرة،على أمل أن يسلمهم إياها ويقوم الرجل بخطف إيثار والصغير ويتبني سفرهم عبر البحر كما أوهمهُ،كان يتناول الطعام مع حسين الذي وجد عملاً مناسبًا في إحدى الشركات وتم توظيفهُ بشهادته الجامعية بمرتبٍ ضئيل لكنه اكتفى به كبداية لطريق الكسب الحلال،أقدم عليهما طلعت الذي تحدث بنبرة جادة:
-أنا رايح أتابع الرجالة يا عمرو، وإنتَ استريح في البيت النهاردة
وقف عمرو لينطق باعتراض:
-مينفعش يا طلعت،أنا لازم أكون موجود عند التسليم
-أنا ورأفت صاحبك هنكون موجودين…قالها في محاولة منه لاقناعه ليتابع بزيف:
-وبعدين المفروض إنك الكبير بتاعنا، عمرك شفت كبير بيروح يسلم البضاعة بنفسه، زي ما الخواجة قاعد في مكتبه مستريح، إنتَ كمان تقعد هنا زي الباشا
رفع عمرو قامته للأعلى مستحسنًا فكرة شقيقه التي جعلته يشعر بالتفاخر بحاله،ليسترسل طلعت كي يبعد عنه أية شبهة:
-امال الفلوس هتستلمها إزاي يا عمرو؟
اجابهُ الأخر بمراوغة:
-هستلمها من الخواجة في مكتبه يا طلعت،أنا متعود معاه على كده
كذب عليه بالحديث فتلك هي المرة الأولى في التعامل بينهما وأيضًا وعلى حسب الإتفاق أنه لن يستلم نقودًا بل سيسدد له خدمة إختطاف إيثار ونجله مقابل تخريجه للأثار،نطق حسين متوسلاً لشقيقيه:
-بلاش المشوار ده أنا مش مطمن،خلينا نمشي في السليم علشان ربنا يسترها معانا
أشار له طلعت على الصحن المتواجد أمامه وهو يقول:
-خليك في الطعمية السخنة وكلها قبل ما تبرد يا حسين
واسترسل بنبرة حادة:
-وياريت كمان تخليك في حالك
كالعادة هز رأسهُ مستسلمًا واكتفى بالصمت المخزي لينطلق طلعت بسيارته التي ابتاعها له عمرو وتوجه إلى سوهاج بعدما هاتف رأفت واطمئن على وجوده مع الرجال بداخل فندق بسوهاج ينتظرون قدوم الليل كي يذهبوا إلى موقع الحفر ليخرجا القطع الأثرية وتنتهى تلك المهمة الصعبة التي أرهقتهم وأخذت منهم الكثير من الوقت قضوه في هلع وترقب خشيةً هجوم أهل البلدة عليهم.
*********
أما بمحافظة سوهاج،وبالتحديد بإحدى المنازل المملوكة لأحد أكبر الباحثين عن الأثار والحفر عليها وبيعها للمهربين،يترأس الجلسة المتواجد بها رفقائه بذاك العمل الغير أخلاقي والمخالف للقانون حيث أنهم ينهبون ثروات البلد ويساعدون على تهريبها للخارج مقابل مبالغ مالية طائلة لكنها لا تعني شيئًا مقابل القيمة المادية والعلمية لتلك الأثار الفرعونية النادرة الوجود،تحدث الرجل بثقة:
-أنا جمعتكم النهاردة علشان أقول لكم إننا مش هنتدخل في موضوع الخواجة ماريو والواد بتاع كفر الشيخ وأخوه
هب أحدهم لينطق بصرامة واعتراض:
-كلام إيه اللي بتقوله ده يا حاج عمران،يعني عاوزنا نسكت بعد ما الواد ده اتعدى على الأصول ودخل بلدنا واتعدى علينا، ده لازم يتأدب هو والخواجة ويطلعوا الإتنين ملط من البلد
نطق رجلاً أخر بحدة مماثلة:
-أيوا يا حاج عمران، إحنا هنسيبهم لحد ما العملية تكمل ونهجم في اللحظة الأخيرة، ناخد الأثار والفلوس، و ان حد منهم اعترض طلقة بجنية تخرسه
نطق عمران الجالس بشموخ فوق مقعده المرتفع والذي يشبه مقاعد الملوك، ممسكٕا بكفه عصا فرعونية برأسٍ ذهبية على هيأة ثعبان مخيف:
-ده اللي كنا متفقين عليه وهنفذه،بس العيون بتاعتي اللي بتراقبهم في الجبل لاحظوا إن مش عنينا إحنا بس اللي عليهم
تمعن الجميع منتظرين كلماته ليتابع بما أذهلهم:
-الحكومة طلعت مرقباهم ولما عملت إتصالاتي بالناس الكُبار بتوعنا إتأكدوا إن الموضوع كبير ويخص حيتان في البلد إحنا مش قدهم، والراجل بتاعي قالي إخفى من الموضوع خالص، علشان كده جمعتكم النهاردة قبل ما حد فيكم يتهور ويتحرك لوحده
تطلع الجميع لبعضهم وعقلوا الحديث واتفقوا على ألا يقتربوا من الجبل نهائيًا اليوم ليتركوا الجميع كلٍ للنهاية التي يستحقها.
***********
أتى الليل سريعًا،كان يتحرك في الحديقة ذهابًا وإيابًا ينتظر الأخبار بقلبٍ حزين لأجل ذاك الصغير الذي أُبتُلي بهكذا أب تسوقه غرائزه الحيوانية ويتحرك بتهور دون حسابات،خرجت إلى الشُرفة كي تستنشق بعض الهواء، فمنذ ما حدث بينها وبين حبيبها في الصباح وهي تشعر بالإختناق والحُزن يملؤ قلبها،حزنًا عميق وكأن شيئًا ثقيلاً يضغط على صدرها يكاد يزهق بروحها،لا تدري مصدر ذلك الشعور كل ما تشعر به هو الحزن الذي يخيم على حياتها منذ الصباح،باتت تدورُ بعينيها تتطلع على ما حولها لتلاحظ وجوده داخل الحديقة،يبدو عليه هو الأخر الحزن والضيق،تنفست بعمق فمنذ أن عاد من عملهِ عصرًا وهي تتغاضى وجوده وتتلاشاه،حاول مرارًا أن يتحدث معها ويتفاهما لكنها رفضت بتعنُت فابتعد كي لا يضغط عليها ويغضبها أكثر
خرج والده مصطحبًا الصغير بكفه ليتجولا معًا ويتفقدا زهورهما،ليهرول الصغير باتجاه فؤاد وهو يصيح بصوته الطفولي الملئ بالحماس:
-شرشبيل
إلتفت لينظر إليه وبدون وعيٍ منه اتسعت ابتسامته وهو يرى ذاك الصبي يناديه بلقبه التي أطلقته عليه فرسته الجامحة،على الفور تذكر تلك الأيام الجملية مما خفف من ألم قلبه،حمل الصغير وثبتهُ داخل أحضانه وهو يقول:
-أهلاً اهلاً بحبيب قلب شرشبيل
نطق الصغير وهو يملس على وجنته بأنامله الرقيقة:
-أنا مش شفتك من ساعة ما جيت من المدرسة
اجابهُ بملاطفة:
-ده علشان جنابك طافش من البيت وسارح ورا بيسان هانم طول اليوم
ضحك الصغير وتحدث:
-أنا أكلت عندهم بيتزا وذاكرنا مع بعض ولعبنا كتير
ابتسم بلطف واقبل على وجنته ليضع قبلة حنون بث من خلالها حبه وأسفه الشديد للصغير،نطق بنبرة خرجت متألمة:
-أنا أسف يا حبيبي
سألهُ ببراءة:
-أسف على إيه يا عمو؟!
-ولا حاجة يا يوسف،أسف وخلاص…قالها بتأثر شعر به والده ليأخذ الصغير من بين أحضانه ليحثه على الركض وهو يقول:
-يلا يا بطل إسبقني على حوض الورد على ما اتكلم شوية مع عمو فؤاد وأحصلك
ركض الصغير بسعادة لتتنهد تلك التي كانت تشاهد صغيرها وهو بين أحضان حبيبها المستبد،ولجت لداخل غرفتها لتجد تلك العاملة وداد وهي تتحدث برسمية:
-الحمام جاهز يا هانم
أومأت لها لتتحرك إليه بعدما شكرت العاملة،نزعت ثيابها بالكامل لتنزل بقدميها فى المغطس لتغمر جسدها بالكامل تحت المياة الدافئة المختلطة بالزيوت العطرية التي تساعد على الإسترخاء،أغمضت عينيها علها تحصل على بعض الراحة ويزيل ذاك الثقل الذي يطبق على أنفاسها
عودة إلى فؤاد وعلام الذي سألهُ باهتمام:
-مالك يا فؤاد؟!
أخذ نفسًا عميقًا ليزفرهُ براحة قبل أن ينطق بنبرة متأثرة:
-النهاردة ميعاد عملية سوهاج
هز علام رأسهُ وهو يقول:
-أيوا ما أنا عارف،سيادة النائب العام بلغني بالميعاد
صمت فؤاد ليسألهُ والده باستغراب:
-إنتَ إيه اللي مزعلك أنا مش فاهم؟!
تطلع على الصغير الذي يلهو ويحفر بالطين حول الزهور كما تعلم من علام لينطق بعينين متألمتين:
-صعبان عليا يوسف قوي
واسترسل متعجبًا حاله:
-تخيل إني فكرت في إني أحذر اللي إسمه عمرو بأي طريقة،مش قادر أتخيل إني أكون السبب في كسرة الولد طول حياته
نطق علام بجدية:
-بلاش تخلي إحساس الذنب يسيطر عليك ويشوش أفكارك،السبب في كل اللي بيحصل لـ يوسف هو أبوه وعيلته اللي لا راعوا ربنا في تصرفاتهم ولا عملوا حساب لسمعتهم ومستقبل أولادهم، فطبيعي إن دي تكون النتيجة
نطق بتألم:
-أيوا بس ده أخو ولادي يا بابا
ضيق علام بين عينيه ليسألهُ بعدما تشوش فكرهِ:
-إنتَ خايف على ولادك من مستقبل يوسف يا فؤاد؟
بقوة وثبات رد نافيًا:
-طبعاً لا يا باشا،مستقبل يوسف هيكون هايل إن شاءالله،أنا مش هسيبه غير لما يبقى شاب ناجح في دراسته وحياته،وهساعده يأسس شغل لنفسه كمان،عمري ما هفرق في المعاملة بينه وبين أولادي
واسترسل موضحًا:
-أنا بتكلم على يوسف نفسه،شعوره لما يكبر ويعرف حقيقة أهله،جده اللي اتقتل في السجن بعد ما ارتكب جريمة قتل،وأبوه وعمه اللي اتسجنوا في قضية تهريب أثار
ظهرت علامات الأسى والألم فوق ملامحه لينطق بصوتٍ متأثر:
-إزاي الولد هيتحمل كل الفضايح دي يا باشا
تحدث علام بنبرة قوية تعود لحبه الشديد للصغير وتضامنه معه:
-إحنا هنكون معاه وهنساعده يتخطى الموضوع يا فؤاد،وبعدين إحنا فين والكلام اللي بتقوله ده فين
نطق بخزيٍ وألم:
-تفتكر ممكن يسامحني لو عرف إني كنت السبب في تدمير عيلته؟
قاطعه علام باعتراض:
-بس إنتَ مدمرتش عيلته يا سيادة المستشار،إنتَ قمت بواجبك تجاه بلدك كـ رجل قانون بيتقي الله في عمله
تنهد بحزن ليحتوي علام كتفه ويربت عليه قبل أن يقول:
-هون على نفسك يا حبيبي،وإطلع صالح مراتك وراضيها
واسترسل بأسى:
-معجبنيش شكلكم إنتم الاتنين على الغدا،متعودتش أشوفكم كده
هز رأسه عدة مرات متتالية ليتحرك إلى الداخل وكاد أن يصعد الدرج ليجد بوجههِ عزة لينطق بهدوء:
-خلي بالك من يوسف يا عزة ومتخلهوش يتأخر على ميعاد نومه
هتفت بنبرة حماسية:
-يوسف ده في عنيا من جوه
واسترسلت وهي تسألهُ بتعجب لهيأته:
-إنتَ كويس يا باشا؟!
هز رأسهُ دون حديث واكمل طريقه بالصعود تحت استغراب عزة لحالته تلك،ولج لجنحه ليجدها تجلس بمقعدها أمام المرآة ترتدي مئزر الحمام وتكشف عن ساقيها لتضع عليهما بعض كريمات الترطيب وتقوم بتدليكها على الجلد،إقترب عليها ليستند بكفيه على كتفيها ومال ليضع قبلة على وجنتها لكنها باغتتهُ بابتعادها بحركة عصبية ليزفر بقوة وينتصب بظهره من جديد وهو ينطق بنبرة أظهرت كم تأثرهُ من ابتعادها عنه:
-إحنا هنفضل كده كتير؟
لم يجد منها سوى الصمت ومتابعة ما تفعل متجاهلة وجوده تمامًا لينطق بنبرة حادة بعض الشئ:
-مهي دي مش عيشة يا إيثار، مش كل ما هنختلف مع بعض هتتقمصي زي العيال الصغيرة
تطلعت إليه ونطقت بسخرية وتهكم:
-وسيادتك بقى عاوزني اتصرف إزاي لما أزعل منك،أقدم لمعاليك فروض الطاعة والولاء؟!
وانتفضت واقفة لتواجههُ وهي تتابع بسخرية:
-ولا ألبس لك أشيك لانچري عندي وأكتر لون بتحبه وأقدم لك نفسي زي الجواري علشان الباشا يتكيف وينبسط؟
إشمئز من حديثها ليصيح بها بحدة:
-إيه القرف اللي بتقوليه ده،هي دي طبيعة حياتنا يا إيثار؟!
هو ده اللي بينا من وجهة نظرك،لانچري ونوم مع بعض ووقت أتكيف فيه؟!
نطقت بحدة أظهرت كم الاستياء الذي أصابها:
-وإنتَ بقى شايفها إزاي يا سيادة المستشار،قولي على حاجة واحدة بس مشتركة بينا غير الموضوع ده؟
أشار لها بحدة وعينين تطلقان سهامًا نارية لينطق بقوة أرعبتها:
-مش هحاسبك على كلامك الفارغ ده الوقت، لأنك مش في وعيك وباين قوي إن أعصابك تعبانة
واسترسل متوعدًا:
-بس وحياة أمي يا إيثار ماهفوت لك كلامك ده ولا هنساه
همست بصوتٍ خافت:
-أعلى ما في خيلك إركبه
هتف بحدة جعلت جسدها ينتفض:
-علي صوتك وسمعيني بتقولي إيه يا مدام؟
صاحت باستياء:
-بكلم نفسي، ولا ممنوع ده كمان؟!
أجابها بقوة ولهجة حادة أظهرت ديكتاتوريته التي يمارسها بين الحين والأخر:
-أه ممنوع،عاوزة تكلمي نفسك يبقى في سرك يا هانم
وضعت كفيها تتوسط بهما خصرها قبل أن تنطق متهكمة:
-وبالنسبة للكحة والعطس جنابك، مسموح بيهم ولا أعملهم فيبريشن؟
كظم ضحكاته على هيأتها وكلماتها الساخرة ليستدير مواليها ظهره كي لا ترى ابتسامته وهو يقول:
-يكون أفضل
اتجه إلى الحمام ليأخذ حمامًا دافئًا على عجالة وخرج مرتديًا بنطالاً قطني باللون الأسود وصدره عاري كما عادته،وجدها تجلس فوق الأريكة تربع ساقيها وتضع فوقهما وسادة صغيرة موضوع عليها جهاز اللاب توب الخاص بها تتصفح من خلاله أحد تطبيقات التواصل الإجتماعي كي تمرر وقتها العصيب،زفر بقوة وجذب حقيبة عمله ليجلس فوق الفراش ويخرج بعض أوراقه الخاصة ليعمل ولأول مرة من داخل غرفة النوم كي لا يتركها وحيدة فريسة للحزن ينهشها.
**********
بمدينة سوهاج
استطاع العمال إخراج جميع القطع الأثرية وتسلمها رجال المهرب الأجنبي ليسلم الوسيط حقيبة المال إلى طلعت كما اتفق معه سابقًا بعدما استطاع إثبات حاله وجدارته في إدارة العاملون مما نال من استحسان الخواجة والوسيط، واتفق طلعت معهما بأخذ المال واقناع شقيقه، وفي الحقيقة هو كاذب وقام بخداع الطرفين، وسيأخذ المال لنفسه ويبدأ به من جديد ولن يعود لمنزل عمرو مجددًا،تحدث الرجل بنبرة سعيدة:
-إستنى مني تليفون قريب علشان نتفق على العملية الجديدة
-أكيد يا باشا، أنا ورجالتي تحت أمرك…قالها للرجل الذي تحرك إلى سيارته ليفتح طلعت حقيبة السفر الكبيرة المليئة برزم الأوراق المالية التي تحمل عملة الدولار ليقترب عليه رأفت ويسألهُ بنظراتٍ زائغة:
-إنتَ اتفقت معاهم على فلوس إمتى يا طلعت؟!
-ده عمرو متفق معاهم على حاجة تانية خالص… قالها باستغراب وهو يرى الرجال التابعين للمهرب يرحلون بسياراتهم رباعية الدفع بعدما حملوا بضاعتهم،لينطق طلعت بحدة:
-قصدك المصيبة اللي كان عاوز يوقع نفسه فيها تاني ويوقعنا معاه
وهتف بحدة لذاك الذي ابتلع لعابه:
-اللي أنا مستغرب له إنتِ يا رأفت،إزاي توافقه على الجنان ده وإنتَ أكتر واحد إتأذى معاه المرة اللي فاتت، ده انتَ اتحبست شهرين دوقت فيهم الذل على إدين رجالة المستشار
سألهُ رأفت بتلبك:
-إنتَ عرفت منين؟
أجابهُ:
-روحت للوسيط وسألته وعرفت منه كل حاجة،واتفقت معاه ينسى الجنان ده كله وأخدت الفلوس وهديها لعمرو،مش ده أحسن لصاحبك بردوا ولا إيه يا سي رأفت؟!
ارتبك رأفت وتحدث بنبرة صادقة:
-أنا حاولت كتير أمنعه وأعقله بس إنتَ عارف أخوك لما بيحط حاجة في دماغه، مفيش مخلوق يقدر يخليه يغير رأيه
هز رأسه بإيماء ليخرج بعض الرزم المالية ويوزعها على الرجال كما اتفق معهم قبل سابق،نظر للمال بشراهة قبل أن يغلق الحقيبة وهو يقول بعدما ابتعد عنه رأفت:
-أيامك الحلوة هترجع تزهزه تاني يا طلعت، وأول حاجة هعملها من الفلوس دي، أتجوز بت صغيرة تخلف لي الولد اللي هيورثني ويمد في إسمي
بالكاد أنهى جملته ليستمع الجميع لصوت سرينة سيارات الشرطة ورجالها التي هجمت على المكان وحاوطته من جميع النواحي بعدما تأكدوا من ابتعاد رجال المهرب كي يكملوا طريقهم وتتابعهم رجال الشرطة المتخفيين وعبر كاميرات المراقبة المزروعة بالطرق،إنتفض قلب طلعت حين وجد كم الرجال الهائل الذين كانوا يتخفون خلف الجبال ينتظرون إشارة الهجوم،وضع طلعت يدهُ في جيب جلبابه وقبل أن يُخرج سلاحه استمع لصوت الشرطي عبر المكبر الذي امتزج مع صوت طلقات النار:
-مفيش داعي للمقاومة،المكان كله محاصر،أي حركة هنضرب في المليان
رفع كفيه للأعلى هو وجميع الرجال ليصرخ وهو يقول متنصلاً:
-أنا برئ يا باشا ومليش ذنب،ده شغل عمرو أخويا حتى إسأل الرجالة وصاحبه،أنا كنت جاي أمنعهم من الجنان ده بس ملحقتش
نطق الضابط وهو يرى رجال الشرطة يلوون ذراعيه خلف ظهره ويضعون له الأصفاد الحديدية:
-الكلام ده تقوله في تحقيقات النيابة يا روح أمك
واسترسل:
-ولعلمك، كل حاجة حصلت هنا متصورة صوت وصورة
نطق كلماته الأخيرة وهو يُشير عاليًا على أعمدة الإنارة المزروع بها كاميرات مراقبة بأمر من النيابة العامة ليصرخ طلعت كالمجنون:
-الله يخربيتك يا عمرو،منك لله ضيعتني
تابعت الشرطة رجال الخواجة حتى وصلوا جميعهم إلى مقر الرجل وشركائه وتم القبض عليهم جميعًا متلبسين بجرمهم
***********
أما بمنزل عمرو المتواجد بأحد الأماكن الجديدة، كان عائدًا من أحد مراكز التسويق الكبرى بعدما ابتاع بعض الملابس التي سيحتاجها له وإيثار ويوسف في خلال رحلتهم إلى فرنسا كما وعده الرجل،تفاجأ بسيارتي شرطة تقف أمام منزله ليعود للخلف سريعًا في محاولة منه للهرب مما جعل رجال الشرطة يلاحظون وبسرعة البرق انطلقت السيارتين خلف سيارته لملاحقته
ترى هل سيستطيع رجال الشرطة التمكن منه والقبض عليه؟
أم سيستطيع الفرار؟

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أنا لها شمس)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى