رواية أنا لها شمس الفصل الثلاثون 30 بقلم روز أمين
رواية أنا لها شمس الجزء الثلاثون
رواية أنا لها شمس البارت الثلاثون
رواية أنا لها شمس الحلقة الثلاثون
بعد فشليَ الذريعِ بزواجي الأول وخروجي من تلك التجربةُ المريرةُ بمنتهى الإنهزامِ والذلِ والمهانةِ،شعرتُ بإنكسارِ الأُنثى الكامنةِ بداخلي وتَحَطُمَهَا وبأن طعمَ الحياةِ أصبحَ مرًا كالعلقمِ،حينها تيقنتُ أن حياتي قد توقفت عندَ تلكَ النقطةُ وعزمتُ على ألا أعيدُ تجربةَ إحيائها من جديد ،دفنتُ الأنثى بداخلي وواريتُ جميعَ مشاعري داخلَ أعماقى،أغلقتُ حياتي وكرَسْتُها وقمتُ بصبِ جُل إهتمامي وحبي لِصغيري ذو الوجهِ الملائكيِّ،إلى أن ظهرَ فارسي المغوارِ بطلتهِ التي تشبهُ أبطالَ الرواياتِ الخياليةِ بأخلاقهِ النبيلةِ كـ الأمراءِ،ذاك الرائعُ الذي أخذني لأعيشَ في كنفهِ ثم بحالميةٍ حملني بين يديهِ ليسبحَ بي داخلَ بحرِ هواهِ الفريدِ ويمحوَ بعشقهِ الجارفِ أثارَ الدمارِ الذي خلفهُ بروحي شبيهُ الرجالِ زوجي السابقِ،فبقدومهِ بزغَ فجري وانكشفت غمتي وأشرقت شمسي التي سطعت وأنارت دربي لتجعلَهُ منيرًا مشرقًا بعد ليلٍ عاتمٍ،إختطفني وغاصَ بي بأعماقِ بحرِ الهوى لنسبحَ سويًا ونتنعمَ وسطَ أمواجهِ الحانيةِ،فيا سعدي بكَ يا فؤادي يا من أصبحتَ لي خليلاً لروحي وسرًا لسعادتي وهنائي.
إيثار الجوهري
فاقت من نومها تشعر بانتعاشة رائعة بروحها وما أن تطلعت لذاك الغافي بجانبها والمكبل لجسدها بتملُك وسيطرة حتى إبتسمت وشعرت بفراشات العشق تداعب أسفل معدتها وعلى الفور علمت سبب الإنتعاشة،رفعت رأسها واستندت بساعدها على الوسادة وبدأت تتطلع على ملامحهُ الهادئة،كم أنهُ باهرًا حقًا،هادئًا مستكينًا راقيًا حتى بنومهِ،نظرت لشعر رأسه الفحمي الذي يشبه سواد الليل وإبتسمت لتنزل ببصرها وتثبتهُ فوق شفتيه الغليظتين اللتان تعطيه مظهرًا رجوليًا خَلاَّب،شعرت برجفة بقلبها لتخرج تنهيدة حالمة وهي تتذكر ما حدث من زوجها من دلالٍ ليلة أمس، فقد تعدى حدود الخيال معها وجعلها تحيا بين يديه ليلة ستظل محفورة بذاكرتها مهما تكررت لياليهم السعيدة معًا،مررت أناملها الرقيقة لتتخلل خصلات شعره بملمسه الناعم ليفتح جفونه على إثر لمساتها الحنون وعلى الفور إبتسم حين رأي وجهها الصبوح البشوش لتميل هي على شفتيه وتلثمهما برقة لترفع من جديد حالها تنظر بمقلتيه العاشقة وهي تقول بصوتٍ ناعم أشبهُ بأنغام الموسيقى:
-يلا يا فؤادي فتح عيونك علشان شمسي تنور
تمطأ بمتعة لم يشعر بها إلا معها وسعادة بالغة ظهرت على ملامح وجههِ المبتسم ليجذبها عليه ويقبل شفتيها بهدوءٍ ليقوم بإبعادها قليلاً لتتحدث عينيه قبل لسانه:
-هو فيه حد بيقوم من النوم وهو قمر كده
أجابته بمداعبة وهي تحرك أناملها بدلالٍ فوق صدره نال إستحسانه وأشعره بأنه ملكًا في حبها:
-فيه،جوزي حبيبي
أمسك خصلات شعرها الهاربة ليعيدهم بتهذيبٍ خلف أذنها ثم تعمق بمقلتيها وهو ينطق بنبرة تظهر كم أنهُ غارقًا ببحر الغرام ويتنعمُ سابحًا بين أمواجه العاتية:
-جوزك حبيبك متمزج يا إيثو، عايش حالة هيام عمري ما تخيلت إني أوصل لها ولا إنها تكون موجودة أصلاً
ليبتسم ويتابع بصوتٍ عاشق:
-بس معاكِ مفيش حاجة إسمها مستحيل،معاكِ كل يوم بكتشف مشاعر واحاسيس لأول مرة بعيشها،وكأني بكتشف نفسي من جديد على إيدك
إبتسمت ومالت على أنفه تداعبها بخاصتها لتنطق بمشاكسة ودلال:
-المواهب المستخبية بتظهر واحدة واحدة والهيبة بتنهار يا معالي رئيس النيابة
قهقه برجولة زلزلت كيانها ليمسح بأصابعه على وجنتها بنعومة وهو يقول بغمزة من عينية متذكرًا هيأتها بأول معرفته لها:
-المواهب كلها طلعت مستخبية ورا نظارتك الطبية وبدلتك يا حرم معالي المستشار
جذبها ليجعلها تعتليه ثم استرسل وهو يمرر لسانه فوق شفته العُليا:
-تيجي نبيلة عبيد تشوف الرقص على أصوله، رقص مرات فؤاد علام لجوزها حبيبها اللي دلعته أخر دلع
إبتسمت بحالمية لتنطق بنعومة أثارته:
-مش قادرة أوصف لك فرحة قلبي وإنتَ بتنسبني ليك،أنا مرات فؤاد علام وحبيبته:
-قالتها بفخرٍ واعتزاز
تنهيدة حارة شقت صدره وخرجت قبل أن يقول بنبرة رجل عاشق من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه:
-إنتِ مش بس مراتي وحبيبتي يا إيثار، إنتِ بنتي اللي بحسها مسؤلة مني، إنتِ العوض الجميل، عوض ربنا اللي كان متشال لي وأكرمني بيه مرة واحدة
حولتها كلماتهُ الساحرة إلى فراشة تسبح في السماء وتتراقص على أنغام حروفه،تنهدت لتنطق بملاطفة:
-خلي بالك إنتَ كدة هتعودني على الدلع
بعينين تنطقُ ولهًا أجابها:
-وماله، إدلع يا بابا وإتعود براحتك وأنا هغرقك في دلعي اللي مش هتلاقيه غير عند فؤاد علام لحبيبه وبس
أراحت رأسها على صدره وباتت تتمسح به كـ قطة سيامي تتدللُ على مربيها مما ثار جنونهُ ليأخذها في رحلة عشقية مليئة بالجنون والشغف الذي يزدادُ يومًا بعد يوم
**********
بالأسفل داخل مطبخ القصر وبعدما تخطت الساعة العاشرة صباحًا،تجلسن العاملات يرتشفن مشروب الشاي الساخن بعد أن قمن بتنظيف القصر والمطبخ إلا من عزة التي تقوم بتحضير وجبة الفطار لإبنتها الجميلة وزوجها بعد أن جهزت الصغير وسلمته بيدها للسيارة الخاصة بالمدرسة،تحدثت إليها وداد:
-تعالي إشربي الشاي معانا يا عزة ولما الباشا والمدام يصحوا هقوم انا اجهز الفطار معاكِ
أجابتها وهي تتابع ما تفعل من تقطيع بعض أنواع الخضار بالسكين:
-هما صحيوا خلاص،إيثار ما بتنمش أكتر من كده
ضحكت إحدى العاملات قبل أن تقول بذات مغزى:
-ده كان زمان يا ست عزة،أيام ما كانت بتنام لوحدها ومفيش حد يقلق منامها،الوقت بقت مرات فؤاد باشا
ردت وداد بضحكة رقيعة:
-وما أدراك ما فؤاد باشا
ضحكت جميعهن لتهتف عزة بحدة ترجع لخوفها على تأثر سعادة حبيبتها بحديثهن:
-إتلمي وخليكي في حالك منك ليها،وكفاية هتنشوهم عين تجيبهم الأرض
ضحكن الجميع فقطع ضحكاتهن صدوح الهاتف المعلق بحائط المطبخ لتسرع عزة لتجيب بنبرة حماسية وكأنها تعلم المتصل:
-أيوة يا باشا
-صباح الخير يا عزة…قالها ذاك المستند على ظهر السرير محتضنًا خليلة الروح والفؤاد مكبلاً إياها من خصرها لتجيبهُ عزة بصوتٍ يملؤهُ الحماس:
-صباحك فل وورد وياسمين
تمطئ ليكمل حديثه:
-جهزي الفطار وابعتيه مع أي حد على الجناح
كعادتها ثرثرت بالحديث لتقاطعه باعتراضٍ:
-ماتجيب ست البنات وتيجوا تفطروا في الجنينة،واهو تشموا لكم شوية هوى نضيف بدل الكتمة اللي إنتوا فيها دي
وتابعت بثرثرة لولا هدوئه وراحة قلبه بفعل إقتراب حبيبته لانفجر بها وما تحمل لها كلمة:
– ده الهوى النهاردة يرد الروح ويشفي العليل
تنفس مطولاً ليستدعى الصبر على تحمل تلك الـ عزة لينطق بنبرة باردة كالثلج:
-خلصتي؟
ضيقت بين عينيها لتسألهُ بعدم استيعاب:
-خلصت إيه يا باشا؟!
-رغي…قالها بحدة لتبتلع لعابها وتصمت فيتابع هو بنبرة صارمة:
-عشر دقايق والفطار يكون عندي
لوت فاهها لعدم قبولهُ لفكرتها لتنطق باستياءٍ ظهر بصوتها:
-فوق فوق،الحق عليا اللي خايفة عليك من الكتمة
كانا يتحدثان تحت ضحكات إيثار التي فشلت في كظمها من ذاك الثنائي الفظيع ليحدق بها لائمًا إياها بعينيه لتزيد من ضحكاتها وهي تدفن وجهها بصدره لينطق وهو يغلق الهاتف:
-ربنا يصبرني على إبتلائي
وضع الهاتف جانبًا ليميل برأسه يتطلع على التي تكظم ضحكاتها بصدره ليقول بمداعبة:
-أنا بفكر أشوف لـ عزة عريس وأخلص منها قبل ما تشلني
رفعت رأسها تتطلع عليه وهي تقول ومازال الضحك يسيطر عليها:
-وهتقدر تعيش من غيرها، دي بهجة حياتي
تغيرت ملامحهُ لجادة وهو ينطق بغيرة واضحة:
-أنا بهجة حياتك وسر كل حاجة حلوة فيها
وضعت كفها الحنون تتلمس ذقنه النابتة التي تثيرها لتقول بعينين تفيضُ عشقًا وحنانًا:
-إنتَ حياتي كلها يا فؤاد،دخلتها وهي صحرا وبلمسة من روحك الحلوة حولتها لجناين ورد وريحان
-حبيبي بقى شاعر…قالها وهو يقبل أرنبة أنفها بدلالٍ تحت سعادتها،ازاحت جسدها عنه لتقول:
-هلبس الروب قبل عزة ما تيجي
نزل هو الاخر عن الفراش وقام بإرتداء روب رجالي كاروهات مدمج من اللونين الزيتي والبيج بياقة ستان باللون البيج السادة وإسورتان بنفس اللون مما أعطاه مظهرًا رجوليًا شديد الجاذبية،تحرك نحو خزانة الملابس وقام بإخراج رداء الحمام والبيچامة التي سبق وارتدتهما حبيبة الروح لينطق وهو يتطلع عليهما:
-كده مهمتهم إنتهت وممكن يتغسلوا
قطبت جبينها تستوعب حديثه وأقتربت عليه وهي تنظر لما يتطلع عليها لتسألهُ بعدما شهقت لفهمها مقصده:
-يا نهارك أبيض يا فؤاد،دي البيچامة والبورنس اللي إدتهم لي أول يوم جيت فيه معاك القصر؟!
رفع حاجبه ليميل برأسه بسعادة لتتابع هي بعينين متسعتين:
-هما ما اتغسلوش من وقتها؟!
ألقى بهما فوق المقعد الجانبي ليستدير لها ويجذبها ليلتصق بها ويتطلع متعمقًا بعينيها بنظراتٍ يملؤها الشوق والهيام، ليتنفس بعمقٍ قبل أن ينطق بصوتٍ حنون يقطرُ صِدقًا:
-كنتي عوزاني إغسلهم وأضيع أثر حبيبي منهم؟!
تنهد ليكمل متأثرًا بشوقه العارم:
-أنا كل يوم كنت بلبس حاجة منهم وأنام وأنا حاضن نفسي ومحاوط عليها كإني محاوط عليكِ، كنت بشم ريحتك فيهم وألمس وجودك بملمسهم
-يااااه يا فؤاد، قد كده أنا تعبتك معايا وكنت انانية…قالتها متأثرة لائمة لحالها ليقاطعها سريعًا بنبرة هائمة:
-قد كده عشقت روحك الطاهرة وقدرتي بعفويتك وكبريائك تأسري روحي وتوصليني معاكِ لعشق الروح، لدرجة إني أحضن بيچامة علشان بس أشم ريحتك فيها،وأحتفظ بيهم أكتر من شهر في دولابي
واستطرد مبتسمًا متعجبًا حاله وإستطاعتها الجبارة في تغيير إسلوب حياته:
-أنا اللي طول عمري مهووس بالنظافة لدرجة إن ممنوع إيد مخلوق تلمس هدومي بعد الغسيل والمكوى غير إيد أمي،أحتفظ بهدوم حد غيري لبسها ولمدة شهر
كانت تستمع لكلماته التي حملتها إلى أعماق السماء وجعلت من قلبها يتراقص بشدة لترفع جسدها لأعلى وهي تقف على أطراف أصابعها لتصل لإرتفاعه الهائل عنها وتنطق بدلالٍ وغرور مصطنع أرادت به مشاكسة حبيبها الراقي:
-بس أنا مش أي حد، أنا حبيبة حبيبي وقلبه من جوة
-إنتِ كل حاجة وأغلى حاجة يا حبيبة حبيبك…قالها بهيام ليرفع جسدها لأعلى مثبتًا إياها بأحضانه مما جعل ساقيها معلقة بالهواء ثم أقبل على شفتيها ينهلُ من شهدهم المميز لتندمج معه لأبعد الحدود، إنتفضت لتبتعد عنه عندما استمعت لطرقات خفيفة فوق الباب مما جعله يضحك عليها وهو يقول:
-يا روح قلبي قولت لك الف مرة مفيش مخلوق ممكن يفتح الباب قبل ما أذن له، يبقى ليه الخوف ده
أفلتت حالها لتلمس ساقيها الارض وتقول وهي تعدل من وضع روبها:
-الحذر مطلوب يا سيادة المستشار
ابتسم بخفة ليتحمحم ويصدح بصوته الرجولي:
-إدخل
فُتح الباب لتظهر منه عزة بابتسامتها المشرقة وسعادتها الظاهرة بوجهها وهي تمسك بصينية كبيرة عليها أصنافًا متعددة من أنواع الطعام المخصص للفطور، تلتها وداد تحمل صينية بها بعض الفاكهة وكأسين من العصير الطازج، لتنطق عزة بنبرة تملؤها السعادة:
-صباح الفل على أحلا عرسان في الدنيا كلها
ابتسمت بخجل ليسحبها هو ويضمها لحضنه لتتابع عزة وهي تضع الطعام فوق المائدة المستديرة:
-عملت لكم فطار يفتح النفس، فطار عرايس بصحيح
لتسترسل بما جعل فؤاد يقطب جبينه يرمقها بتعجب:
-ولو إني كان نفسي تاكلوه في الجنينة بعيد عن الكتمة دي
لتتابع وهي ترمق فؤاد بازدراء:
– بس أقول إيه بقى في دماغ سيادتك اللي زي الحجر
رمقتها إيثار بنظرة عاتبة لتعديها الحدود الحمراء، أما العاملة فارتبكت وهي ترى تلك الجريئة تتعامل مع سيدها بتلك الطريقة الغير مقبولة، ارتاب داخلها لتوقعها لثورة غضب ستطال بتلك عديمة العقل لكنها تعجبت حين تحدث بهدوءٍ بطريقة ساخرة:
-ولزمتها إيه سيادتك معاليكِ؟!
-شكلي بوظت الدنيا زي عادتي…قالتها وهي تتطلع إلى إيثار التي أومأت لها بشفاه ممطوطة تعبيرًا عن خجلها لتصمت الاخرى لدقائق قبل أن تنطق سريعًا بعد أن فشلت بالصمت وقررت إرضاء ذاك الكريم:
-تحب تتغدى إيه يا سيادة المستشار، شوف نفسك في إيه وأنا اعملهولك هوا
-مش لما نفطر نبقى نفكر في الغدا يا عزة… قالها وهو يجذب كف حبيبته ليسحب لها المقعد لتجلس عليه، تحرك ليقابلها الجلوس ثم وجه حديثهُ إلى وداد:
-خلي سعاد تشرف على تجهيز أوضة الچاكوزي ليا وللمدام يا وداد
نطقت الفتاة وهي تنظر بأرضها باحترام:
-تحت أمرك يا فؤاد باشا
أعاد عليها سؤالاً أخر:
-الدكتورة في الجامعة ولا تحت؟
أجابته باستفاضة:
-مفيش حد في البيت خالص يا باشا،سعادة المستشار راح مكتبه والدكتورة راحت الجامعة مع الدكتور ماجد، حتى مدام فريال أخدت فؤاد وراحت النادي تقابل صحباتها
اجابها مقتضبًا:
-تمام، روحي بلغي سعاد
-حاضر يا باشا…قالتها لتحول بصرها إلى إيثار التي أمسكت قطعة من الخبز وبدأت بوضع الزبدة عليها وفردها بالسكين لتسألها باحترام:
-تؤمريني بأي حاجة يا هانم
رفعت رأسها تتطلع إليها لترد بابتسامة هادئة:
-ميرسي يا وداد،الامر لله وحده
استدارت وتحركت للخارج تلتها عزة فاستوقفتها إيثار تسألها عن الصغير:
-يوسف راح المدرسة يا عزة؟
-آه يا حبيبتي أنا طلعته مع الامن وركبته الباص ووقفت لحد ما اتحرك…قالتها بإبانة لتسألها الاخرى وقد ظهر بصوتها الحزن:
-مسألش عليا؟
-سأل وقولت له إنك نايمة وسكت على طول، ما انتِ عارفة هو بيحبني قد إيه… قالتها لتخرج سريعًا فنظر إلى حبيبته ووجها الذي تحول،أشار لها بكف يده يستدعيها فتحركت إليه ليجلسها فوق ساقيه ثم سألها بعدما تعمق بعينيها:
-زعلان ليه ياحبيبي؟
تنهدت بضيق قبل أن تنطق بصوتٍ أظهر كم الألم الساكن بداخلها:
-حاسة إني بظلم يوسف معايا يا فؤاد،الولد ليه يومين بيروح المدرسة من غير ما اشوفه
مسح بإبهامه على وجنتها قبل أن يجيبها:
-ده وضع مؤقت يا إيثار، كلها كام يوم وهنرجع لحياتنا الطبيعية، أنا هقوم بدري أروح شغلي وإنتِ هتقومي تتابعيه بنفسك
-بالمناسبة يا حبيبي… قالها بتذكر ليتابع:
-أنا بفكر انقل ليوسف جنبنا هنا في المدرسة اللي فيها بيسان
واستطرد بمنطقية:
-المدرسة بتاعته بعيدة قوي وكمان علشان قلبك يطمن أكتر إنه جنبنا
اجابتهُ بحيرة ظهرت فوق ملامحها:
-أنا كمان فكرت في الموضوع بس لما دخلت على موقع المدرسة لقيت الموضوع صعب قوي، أول حاجة المدرسة دولية ويوسف مدرسته تجريبية،فأكيد مش هيقبلوه لأن شروطهم صعبة قوي وصارمة
واسترسلت بخجلٍ ظهر جليًا بصوتها:
-ده غير إني سألت على مصاريفها وطلعت غالية جدًا وفوق قدراتي المادية
أغمض عينيه ليزفر بحدة قبل أن ينطق بهدوءٍ إستدعاه بصعوبة:
-بالنسبة لشروط المدرسة متشيليش همهم، أنا بنفسي اللي هروح أقدم له وإعتبريه خلاص إتقبل
وتعمق بعينيها ليتابع بصرامة كي يغلق عليها باب التعليق على الموضوع:
-أما بقى بالنسبة للمصاريف فبجد عيب، عيب ونتلم شوية
-مش هينفع يا فؤاد…قالتها بصرامة لتتابع بعزة نفس وتفكير اكثر عقلانية:
-أنا كده هأكد لـ أهلك إني فعلاً إتجوزتك علشان فلوسك
قطب جبينه ليسألها بتمعن:
-مين من أهلي إتكلم معاكِ في الموضوع ده؟!
ارتبكت وتلعثمت بالكلام وهي تتهرب من عينيه:
-محدش قال، أنا بخمن
أمسك فكها ليرفعه فتقابلت اعينهم ليأخذ نفسًا عميقًا ويزفره بهدوء قبل أن ينطق بما جعل بؤبؤ عينيها يتسع:
-أنا عارف إن فريال حاولت تضايقك بكلام أكيد سخيف
ابتلعت لعابها ليتابع بما استشفه بفطانته:
-وعارف إن الكلام اللي سألتيني عنه بخصوص إذا كنت قولت لأهلي عن مشاكلك ده فريال اللي بلغتك بيه
-مين اللي قال لك؟!…سألته بصوتٍ خافت ليجيبها بأسى ظهر بصوته وعينيه:
-حسيت
إيثار…نطقها بنبرة حزينة ليتابع مترقبًا ملامحها بألم:
-يوم ما إتفقنا إني أرجع ألاقيكِ هنا علشان نتمم جوازنا،هو ده اليوم اللي فريال إتكلمت معاكِ فيه؟
أنزلت عينيها للأسفل فلم يعد لحديثها داعي،شعر بطعنة شديدة شقت صدره لنصفين،هل حقًا شقيقته هي من دمرت سعادته بذاك اليوم، لقد ذهب إلى عمله بقلبٍ يرفرفُ من شدة سعادته ومنى حالهُ طيلة اليوم بعودته إلى جناحه ليجد عروسه الجميل بإنتظاره ليقضي معها أجمل لياليه،حين اتى من عمله يبحث عنها فلم يجدها فذهب لغرفتها ليعود خالي الوفاض،وضعت كفها تتلمس به وجنته وهي تقول بنبرة حنون تحاول بها التخفيف من وطأة حزنه:
-على فكرة، أنا بعد ما عرفت قصتك مع طليقتك عذرت خوفها عليك،أختك بتحبك وبتخاف عليك وده حقها يا فؤاد
أوما برأسه ليجيبها بصوتٍ محبط:
-وده نفس السبب اللي خلاني ما اخدش ضدها أي تصرف عنيف
اشتدت عينيه بظلمة الغضب ليهتف بقسمٍ من بين أسنانه:
-قسمًا بالله يا إيثار لو حد غير فريال اللي عمل كده وحرمني منك لكونت خليته يندم على اليوم اللي إتخلق فيه
تنهدت لتجيبه بكلماتٍ علها تستطيع من خلالها رفع الحرج عنه:
-خلاص بقى يا حبيبي،المهم إننا بقينا مع بعض
لتتابع بعينين يظهر بهما تصميمًا شديد:
-ومن النهاردة مفيش مخلوق هيقدر يبعدنا عن بعض تاني
دفن أنفه داخل تجويف عنقها ليهمس وهو يتنفسها:
-طب خلي حد يقرب منك كده ويحاول يبعدك عن حُضني وشوفي هعمل لك فيه إيه
ابعدها ليتحدث بجدية:
-المهم، موضوع مدرسة يوسف إعتبريه خلص
-بس يا فؤـ…نطقت بإعتراض ليقاطعها بحدة ناطقًا بحزم:
-الموضوع إنتهى، إنتِ مراتي ومن حقي أرتب لك حياتك بالطريقة اللي تخلينا نعيش مرتاحين، وفلوس المدرسة اللي بتقولي عليها دي بالنسبة لثروتي زي موظف بيشتري من مرتبه واحدة شيكولاتة
رأى بعينيها الحيرة والتردد ليتابع بإخبارها بما ابلغه به والدهُ بالأمس:
-وعلى فكرة،علام باشا هو اللي إقترح عليا الفكرة إمبارح،وقبل ما تفكري إن يوسف ميهمنيش انا والله فكرت في الموضوع من يوم ما جبتك من كفر الشيخ إنتِ ويوسف، لكن مكنش ينفع أفاتحك قبل ما جوازنا يتحول رسمي لأنك أكيد كنتي هترفضي
سألته بمداعبة:
-والوقت مش هرفض؟!
على الفور أجابها:
-تؤ،مش مسموح لك
وتابع مشيرًا بأصبعه نحو الباب:
-من ساعة ما دخلتي برجلك من باب الجناح ده وأمرك إنتِ ويوسف أصبح مسؤليتي،من النهاردة مش عاوزك تشغلي دماغك ولا تشيلي هم لأي حاجة في الدنيا،إنتِ مراتي ومسؤلة مني إنتِ ويوسف،فلوسي هي فلوسكم وأقل حق ليكم عليا هو إني أعيشكم في مستوى مادي محترم يليق بيكم وبيا
استرسل بكلماتٍ أسرت قلبها:
-بالنسبة ليوسف مش عاوزك تشيلي همه تاني، موضوع المدرسة هخلصه له وهشترك له في النادي مع بيسان، إقعدي معاه وإختاروا نوع التدريبات اللي حابب يبدأ بيها علشان أبلغ بيها إدارة النادي
كانت تشعر بالحرج الكبير،لقد عاشت حياتها وهي تتحمل مسؤلية الصغير لحالها حتى إعتادت، لكن فارسها يأتي الأن ويزيل تلك المسؤلية الضخمة من فوق ظهرها المحنى لتفردهُ من جديد وترفع عنقها لترى الدنيا بشكلٍ صحيح،مشاعر متضاربة إقتحمت داخلها لتنطق بصوتٍ خافت:
-بس ده كتير قوي يا فؤاد
تنفس ثم نطق بهيامٍ لرجل عاشق حتى النخاع:
-مفيش حاجة في الدنيا كلها تقدر توفيكي حق حياتي اللي رجعتيها لي من تاني يا حبيبة فؤاد
واسترسل بصدقٍ يعود لمحبتهِ التي زرعها الله داخل قلبه للصغير:
-ويوسف أنا بعتبره زي إبني بالظبط
ليغمز بعينيه متابعًا في محاولة لرفع الحرج عنها:
-متنسيش إنه أخو ولادنا
ابتسمت لتلقي بحالها داخل أحضانه متعلقه بذراعيها حول عنقه بسعادة ليبتسم وهو يقول:
-يلا علشان نفطر، أنا ميت من الجوع
إعتدلت واتخذت وضعًا مريحًا فوق ساقيه لتمسك قطعة من الخبز وتفرد فوقها بعضًا من معجون الجُبن المطبوخ لتقربها من فمه ويتشاركا في قضمها سويًا وهما ينظران بأعين مغرمة،أمسك حبة من ثمرة الفراولة وقربها من فمها لتقضم جزءًا منها ويكمل هو المتبقى منها،لفت ذراعها حول عنقه وتابعت إطعام حبيبها باليد الاخرى لتنطق بنبرة شديدة الهيام:
-بحبك
مضغ ما بفمه وابتلعهُ سريعًا ليقترب من شفتيها واضعًا قُبلة سريعة ليقول بعدما ابتعد:
-وأنا بعشقك يا عمري
غرس شوكته بقطعة جُبن وقربها من شفتيها مسترسلاً:
-كُلي يا بابا علشان ندخل ناخد شاور
واسترسل بإبتسامة ذات مغزى:
-ورانا چاكوزي والبيت فاضي، ولازم نستغل الفرصة اسوء إستغلال
ضحكت بإنوثة اشعلت بها قلبه لينطق بغمزة وقحة:
-فيه مايوة قطعتين في الدولاب، متنسيش تاخديه وإحنا نازلين
ابتسمت بخجل ليتابعا تناولهما الطعام بمنتهى الرومانسية
**********
تقف أمام موقد الغاز بسعادة وانتعاش تحرك المعلقة داخل القدر الكبير وهي تجهز الغداء لنجليها وجدي وزوجته واطفاله وأيهم بعد أن إلتزم عزيز وزوجته بالمكوث بمسكنه الخاص إلتزامًا بالوعد الذي قطعه لـ إيثار، كانت نوارة تجاورها الوقوف على حوض الماء الخاص بجلي الاواني،تحدثت منيرة بنبرة جادة:
-خلصي المواعين بسرعة علشان تعملي السلطة وتحطيها في الثلاجة
-حاضر يا مرات عمي…قالتها نوارة لتسترسل:
-أنا مش مصدقة إن اللي إسمها نسرين حلت عنا وعزلت لوحدها، ده انا شوفت يومين على أديها دوقتني فيهم المرار
هتفت منيرة بحقدٍ حين تذكرت:
-كانت عاملة فيها كبيرة البيت الناقصة قليلة أصل
ردت عليها نوارة:
-الحق مش عليها لوحدها يا مرات عمي،عزيز هو اللي قوى قلبها، ولولا إيثار الله يسترها إتدخلت وكلمته كان زمانه مكمل في اللي بيعمله ومبهدلنا كلنا معاه
إعتراها الخجل وأنزلت بصرها للاسفل لتتذكر حديث أيهم وهو يبلغهم أن إيثار إتصلت به وقصت عليه ما دار بينها وبين عزيز وطلبت منه إبلاغها بأي جديدًا يحدث منه او زوجته وهي ستقف له بالمرصاد، حينها فقط علمت الحكمة من تصرف غانم،فقد أثبت أنه كان حكيمًا بنظرته المستقبلية للامور، تنهدت للحال الذي وصلت به مع ابنتها وعلمت انها خسرتها للأبد بعد ما حدث بالأخير،فقد بدأت بتقبل حياتها والعودة لعقلها إلى حدٍ ما بعدما حدث لها من إهانات على يد عزيز وزوجته،لكنها مازالت غاضبة بعض الشئ لعدم رجوع انجالها للعمل مع نصر البنهاوي وانتهاء الوعد بزواج تلك العنيدة.
**********
عودة جديدة للعاشقان الغارقان في بحر الهوى
كانت تتحرك بالحديقة بجوار ذاك الوسيم الذي يرتدي شوتًا قصيرًا باللون الازرق وبالاعلى قميصًا قطنيًا باللون الابيض بنصف كم،كان قابضًا بكف يده على خاصتها بامتلاكٍ وتفاخر،ولجا لداخل الغرفة وأوصدها جيدًا لتتسع عيني حبيبته وهي ترى جمال وسحر الغرفة وتجهيزاتها الرائعة،كانت الاضواء خافتة بتسلسل لتضفي على المكان لمسة من الرومانسية الحالمة أما عن حوض المياة فكانت الشموع الحمراء ذو الرائحة العطرية تحيط بالمكان لتنعكسُ إضائتها على الماء لتعطي له مظهرًا ساحرًا للعين،شهقت لتنطق بعينين مسحورتين:
-الله يا حبيبي، الأجواء هنا مريحة نفسيًا بشكل لا يوصف، مجرد ما دخلت وشميت ريحة الزيوت فرق جداً معايا
وقف خلفها ولف ذراعيه يحتضنها ثم وضع ذقنه في تجويف عنقها ليقول وهو يتطلع للمياه بانتشاء:
-ولسة لما تنزلي الماية هتحسي بشعور رهيب، دغدغة لذيذة في كل جسمك
حركها للأمام ليتوَارى كلاهما خلف ستارة خشبية صغيرة مصممة خصيصًا لتبديل الثياب وساعدها بتبديل ثوبها المحتشم وحجابها بذاك الرداء الخاص بالسباحة المكون من قطعتين باللون النبيذي الذي أصبح الراعي الرسمي لحياة ذاك العاشق،نظر لها بعينين منبهرتين بجمالها الساحر، فقد اضفى لها سحرًا فوق سحرها ليجعل منها جميلة حد الفتنة، نطق وهو يبتلع لعابه تأثرًا:
-أوف،المايوة هينطق عليكِ، أنا كنت عارف إنه يجنن وهيليق لك جدًا، بس بصراحة متخيلتش إنه يكون بالسحر ده كله
-حلو بجد؟…سألته وهي تتطلع على حالها ليخلع عنه ثيابه ويظل بقطعة ملابس صغيرة حول خصره خاصة بالسباحة،ضمها إليه وتحدث باشتياق:
-فوق ما تتخيلي يا قلبي
سحبها لتقف أمام مرآة طويلة أظهرت طولها بالكامل لتشهق من هيأتها المكشوفة ليضحك هو ثم تحرك بها لينزلا للماء سويًا،سألته وهي تتطلع على تلك الجدران الزجاجية التي تكشف الحديقة بالكامل:
-حبيبي، إنتَ متأكد إن اللي برة مش ممكن يشوفنا وإحنا بالوضع ده؟
أجابها بعدما سأم من سؤالها المكرر:
-سألتيني السؤال ده وإحنا برة يا قلبي،وقولت لك إن القزاز فامية وعلشان أثبت لك وقفنا قدام الأوضة ومشفناش حاجة
ليسترسل بغيرة ظهرت بعينيه:
-وبعدين إنتِ متخيلة إني ممكن أخليكي تلبسي كده لو مش متأكد مليون في المية إن مفيش نملة هتشوفك؟
أجابته وهي تلف ذراعيها حول عنقه بدلال:
-حبيت أتأكد مش أكثر
حاوط خصرها ليلفها داخل الماء بشكل دائري جعلها تشعر بأنها فراشة لتطلق ضحكاتها على مداعبات زوجها الرائع، ظل يسبح معها لوقتٍ طويل وبعدها جلس على الحافة وارجع رأسهُ للخلف ليثبت ظهرها على صدره لتريح هي رأسها للخلف على كتفه ويغمضا أعينهم تاركين حالهما لتلك الحالة الرائعة من الإستجمام،كانت الماء تتحرك من حولهما وتقوم بدغدغة جسديهما بطريقة جعلتهما يستسلمان باستمتاع،ظل على وضعيهما مدة لتنطق هي بصوتٍ حنون:
-حبيبي
-إيه يا بابا…نطقها بجسدٍ مسترخي وهو مغمض العينين باستجمام لتسألهُ هي بنبرة جادة:
-هو انا هرجع شغلي إمتى؟
أجابه باقتضاب:
-بعدين يا حبيبي،نتكلم في الموضوع ده بعدين
إستدارت تتطلع إلى ذاك الهائم بحالمه لتسألهُ مستفسرة بتوجس:
-فؤاد،إنتَ مش هتقعدني من الشغل، صح؟!
فتح عينيه يتطلع إليها باستغراب ليسألها مستنكرًا تصرفها:
-إنتِ بتتكلمي جد يا إيثار!،يعني إنتِ فعلاً شايفة إن الأجواء هنا مناسبة إننا نتكلم في موضوع زي ده؟!
خجلت من حالها لتنطق بأسى ظهر بعينيها:
-أنا آسفة يا حبيبي،أناعارفة إن مش وقته،بس أنا إتأخرت قوي والباشمهندس كلمني إمبارح وسألني هرجع إمتى علشان فيه حاجات كتير جداً محتاجة أعملها بنفسي
ألقى برأسهِ للخلف وأغلق عينيه من جديد قبل أن يسألها بهدوء:
-مش إنتِ يا حبيبي بتابعي معاه أون لاين
-آه بس فيه حاجات لازم أعملها من الشركة بنفسي…قالتها بهدوء ليرد عليها باقتضاب:
-بعد الحفلة يا حبيبي
سألته بجدية لأهمية الامر لديها:
-بجد هتخليني أرجع بعد الحفلة؟
-آه يا حبيبي…قالها ومازال على وضعه لتحتضنهُ بحماسٍ وسعادة وهي تقول بانتشاء:
-ربنا يخليك ليا يا فؤاد، أنا بحبك، بحبك قوي
إبتسم ليشدد من إحتضانها ثم فتح عينيه وأخذها ليتحرك بها ويسبحا وهو يقول بنبرة تمتلؤ بالعشق:
-وأنا بموت فيكِ يا قلبي
عام على ظهره وأخذها فوقه محتضنًا خصرها ثم سألها:
-عجبك الچاكوزي؟
هتفت بنبرة توحى لمدى سعادتها بعد أن إطمئنت على حال عملها التي عملت عليه لأعوام وطورت من حالها لأجله بجانب أنه مصدر رزق لصغيرها الحبيب:
-يجنن يا حبيبي، ياريت لو فينا نكررها كل فترة
لو تحبي كل يوم معنديش مانع…قالها وهو يسحبها للداخل ليظهر لها الجانب المشاكس به،صاحت لتضحك على مداعباته لها ومشاكساته،ظل يضحكان داخل المياة ويستمتعا بوقتيهما بكل الطرق حتى يرفها عن روحيهما ليمر الوقت في سعادة ومرح وكثيرًا من الرومانسية الحالمة.
**********
داخل السكن الخاص بـ عمرو وسُمية ليلاً،كان يقبع فوق الأريكة المتواجدة بحجرة المعيشة متكئًا على ذراعه ممسكًا بجهاز الريموت كنترول وهو يتطلع علي شاشة التلفاز المعلقة ويقوم بالتنقل بين قنواته بلامبالاة،شعر بأقدامٍ تتحرك من خلفه لتقف بعد قليل سمية وهي ترتدي ثوبًا مثيرًا للنوم كاشفًا أكثر مما يستر وباتت تتطلع عليه لعدة ثواني ليست بالقليلة متأملة أن ينظر إليها ويُفتن بمظهرها لكن خاب أملها وشعرت بالإحباط حين وجدت منه التجاهل التام حيث لم يعيرها أي إهتمام وظل معلقًا عينيه بالشاشة وكأن لا وجود لها لتسألهُ بنبرة هادئة:
-إنتَ هتفضل قاعد على الكنبة كده طول الليل؟
رفع بصره يتطلع عليها ثم قطب جبينه بتجهم للحظات قبل أن يخرج سيجارة محشوة بالمخد ر وهو يشعلها بيده الاخرى بصمتٍ تام ليقول بعدها وهو ينفث دخان السيجارة رافعًا وجههُ ليصعد الدخان نحوها في حركة مهينة لشخصها:
-مزاجي كده،وإخفي بقى من قدامي علشان لو اتنططي من هنا لبكرة اللي في دماغك مش هيحصل
صاحت بجنون تذكرة بالواقعة التي قاطعها وحرمها عليه كزوجة من حينها:
-كل ده ليه يا عمرو؟! مش قادر تنسى وبتعاقبني من يوم ما بعت الرسايل اللي كانت بينك وبين بنت الـ….
ونطقت بكلمة نابية لتتابع:
-اللي إسمها شيماء لبنت منيرة؟!
استرسلت باستياءٍ وحزنٍ ممتزجان بالحيرة:
-مسألتش نفسك أنا عملت كل ده ليه؟!
ده أنا خسرت أقرب صاحبة ليا علشان أوصل لك يا عمرو
استرسلت بنبرة حنون مصطنعة:
-من أول يوم شفتك فيه مع إيثار في الميكروباص وأنا هتجنن عليك،حبيتك وأتمنيت تكون راجلي وحبيبي وجوزي،ومصدقتش نفسي لما حنيت عليا وقبلت تكون معايا
واستطردت بتمثيلٍ رائع لإمرأة عاشقة حتى النخاع:
-ولما ربنا رضي عليا وحصل اللي حصل واتجوزتك فرحتي مكنتش سيعاني،حاربت عليك أيوه مش هنكر،وكنت بدعي ربنا كل يوم إن إيثار تتجوز ولا تروح في اي داهية المهم مترجعش هنا تاني
استدعت دموع التماسيح بقوة لتنزل منها قطرتان لتتابع تحت عينين ذاك المتطلع عليها بعينين ضيقتين ويتابع تنفيث سيجارته:
-لإني كنت عارفة إنها يوم ماهترجع لك هتكون نهايتي،كنت هترميني أنا وبنتي وتحطها هي وابنها على الحجر والغالي كله هيجي لهم
أخذ نفسًا مطولاً من السيجارة لينفثه صوبها قبل أن ينطق ببرود:
-هترجع،وهوفي بوعدي ليكِ يا سمية
قطبت جبينها تستوعب كلماته التي لم تفهمها وسؤالاً راود ذهنها،عن أي وعدٍ يتحدث ذاك الأبله ليقطع تفكيرها وهو يرد على سؤالها التي لم تطرحهُ بعد:
-هخليكِ خدامة تحت رجليها زي ما وعدتك،وده السبب الوحيد اللي هخليكِ على ذمتي علشانه
صاحت بجنون:
-إنتَ فاكرها كانت بتحبك وسابتك بسببي، فوق من اوهامك يا عمرو، إيثار إتجوزتك طمع في فلوسك، هي وأهلها مكنوش يهمهم غير فلوسك وبس
وإنتِ… قالها بإبتسامة ساخرة ليسألها:
-إتجوزتيني ليه؟!
-علشان بحبك طبعاً… قالتها بزيف ليطلق قهقهاتٍ متتالية ترجع لكشفه لألاعيب تلك الحية وأشار لها بيده باشمئزاز:
-إشتري نفسك وادخلي نامي
وقفت أمامه لتهتف بوقاحة:
-هدخل، بس متزعلش لما أبلغ الحاج نصر بعمايلك دي
-أعلى ما في خيلك إركبيه وإرمحي بيه،ويلا بقى علشان مش طايق أشوف خلقتك قدامي
قالها مشيرًا بيده بمنتهى الإهانة لترمقه باحتقار قبل ان تنسحب إلى الداخل كالإعصار المدمر.
.********
داخل قصر علام زين الدين وبالتحديد داخل البهو، حضرت عائلة أيمن الأنصاري حسب الميعاد الذي حدده لهم علام للزيارة،رحبت بهم عصمت وعلام وفريال وأمجد وجلسوا ينتظرون نزول إيثار وفؤاد،كانت سالي تتطلع لما حولها بذهولٍ وقد أصابها حزنًا بقلبها على المستوى الراقى التي انتقلت إليه تلك السكرتيرة البسيطة والتي أصبحت أعلى منها بالمستوى، إبتلعت لعابها وهي ترفع عينيها لتتطلع على تلك التي تهبط عبر الدرج وهي تتأبط ذاك الجذاب المثير،أرجعت ببصرها سريعًا لتلك التي تحولت فقد كانت ترتدي ثوبًا فخمًا مصنعًا من قِبل ماركة عالمية، لونهُ أزرق صريح واختارت له حجابًا من اللون البيج وحذاءًا ذو كعبًا عالي مما أعطاها مظهرًا ساحرًا، هي بالاساس جميلة وزادتها حالة العشق التي تحياها فضلاً عن إستقرارها النفسي جمالاً فوق جمالها لتصبح أيقونة أنوثة وجمال تتحركان، كانت تتحرك بجواره بابتسامة سعيدة وهي تتطلع على الجميع باشتياق، وصلت إلى مديرها ذاك الرجل الذي غمرها بعطفه واهتمامه وعوضها غياب الاهل، لتتحدث بسعادة:
-إزي حضرتك يا باشمهندس
إزيك إنتِ يا إيثار، أخبارك إيه يا بنتي طمنيني عليكِ
كان الجميع يتطلع عليه بإحترام لمعاملته الابوية لتلك الراقية التي نطقت بصوتٍ وعينين متأثرتين:
-أنا بخير الحمدلله،طمني على صحة حضرتك
اومأ لها ليقول:
-الحمدلله يا بنتي
إنتقلت إلى نيللي، تلك السيدة الراقية بأخلاقها وأفعالها، جذبتها لتسكنها بأحضانها وهي تقول بنبرة صادقة:
-وحشتيني يا إيثار
وحضرتك كمان وحشتيني فوق ما تتخيلي… قالتها لتلقي التحية على أحمد ولارا حتى وصلت إلى سالي التي وقفت تتطلع على هيئتها بنظراتٍ تحمل بين طياتها ضغينة،إبتسمت تلك الجميلة لتنطق بترحاب:
-إزيك يا مدام سالي
بتعالي أجابتها وهي تتطلع عليها:
-إزيك إنتِ يا إيثار
تحدث فؤاد بعدما رحب بالجميع:
-نورتونا يا أيمن بيه
ده نورك يا سيادة المستشار…قالها أيمن برزانة ليسحب فؤاد زوجته ليجلسها بجواره وهو يقول باحترام:
-إتفضلي يا حبيبي
ميرسي يا فؤاد…قالتها وهي تتطلع عليه بإبتسامة عاشقة بادلها إياها بولهة لاحظها الجميع،إحتضن كفها برعاية ليعلن للجميع إمتلاكه لتلك العاشقة
،أما لارا فقد هتفت بسعادة وحماس:
-بس إيه الجمال ده كله يا إيثو
إبتسمت لتجيبها بهدوء:
-ميرسي يا قلبي على المجاملة الحلوة دي
ابتسمت الفتاة لتهتف سالي بنبرة حادة لفتت بها إنتباه الجميع:
-لارا عندها حق يا إيثار
لتسترسل بنبرة جادة ونظرات حادة لم تستطع التحكم بهم وهي تتطلع على تلك الجواهر الثمينة التي ترتديها إيثار:
-إنتِ إتبدلتي وبقيتي واحدة تانية
رمقها أحمد بنظرة لائمة وقطبت فريال جبينها وهي تتطلع على تلك الجالسة بكبرياء وترمق إيثار بحدة لتنطق نيللي بعدما أصابها الذهول من طريقة زوجة إبنها الجافة والخالية من أصول الأدب:
-إيثار طول عمرها جميلة وراقية بتصرفاتها وإحترامها للجميع
نال حديثها استحسان عصمت التي أكدت على حديثها بنبرة قوية لترفع من شأن زوجة نجلها الغالي أمام تلك المتكبرة:
-عندك حق يا نيللي هانم،إيثار من يوم ما دخلت بيتنا وهي زي القمر وكلنا بنتعامل معاها وكأنها ملكة،دي مرات سيادة المستشار فؤاد علام
واسترسلت وهي تشملها بنظرة إحترام تحت اشتعال سالي:
-ده غير وشها الحلو علينا، تاني يوم دخولها بيتنا سيادة المستشار إترقى لرئيس نيابة أول
إبتسمت بسعادة لتلك الراقية بينما رفع هو كف يدها ليضع قُبلة حنون فوقه بث من خلالها إحترامه وتقديره ولولا إحترامه لـ أيمن وأحمد لكان أجاب تلك المغرورة بما يتناسب مع أمثالها،ليتحدث أيمن بوقار:
-مبروك يا سيادة المستشار، تستحقها بجدارة
ألف مبروك يا سيادة المستشار…قالها أحمد ليرد فؤاد بوجهٍ بشوش:
-الله يبارك فيك يا دكتور
قال علام بنبرة وقورة:
-بمناسبة جواز فؤاد وترقيته إحنا عاملين حفلة بعد إسبوع وسعادتك والاسرة الكريمة أول المدعوين يا أيمن بيه
أجابهُ بتوقيرٍ واحترام:
-شرف كبير لينا يا سيادة المستشار،إن شاءالله هنكون موجودين
واستطرد وهو ينظر إلى إيثار:
-إيثار طول عمرها بالنسبة لي بنتي
اهتز قلبها طربًا لتنطق بصدقٍ:
-وحضرتك نعم الأب ليا
وقفت فريال وتحدثت إلى إيثار بحميمية ارادت بها رفع شأن زوجة اخيها أمام تلك المتعالية:
-بعد إذنكم، أنا وإيثار هناخد مدام سالي ولارا ونقعد في الجنينة قعدت بنات
ونظرت إلى العاملة التي تقوم على تقديم واجب الضيافة:
-طلعي العصير بتاع الضيوف بره وخليهم في المطبخ يجهزوا عصير الجريب فروت بتاع إيثار هانم
اشتعل داخل سالي من شدة الغيرة،أحقًا تلك السكرتيرة أصبحت سيدة مجتمع ويطلق عليها لقب “هانم”وتحيا حياة الأميرات مع ذاك الوسيم.
********
مساء اليوم التالي
كان جالسًا فوق الاريكة داخل مسكن زميله رأفت الذي يجاوره الجلوس ويقابلهم ذاك الرجل الوسيط لشخصٍ من دولة غربية،فذاك المتهور وضع حاله داخل قصة لا يعلم إذا كان سيخرج منها سالمًا أم سينهي أمره الحاج حماد السوالمي، بدأت الحكاية بعدما اختلف حماد مع رجل من دولة غربية كان يبيع له الاثار التي يتم إستخراجها عن طريق رجاله،طلب حماد مبلغًا أكبر فرفض الرجل وذهب لعددًا من رجال سوهاج المعروف عنهم استخراج الاثار ونهبها وبيعها للأجانب ليتم بعد ذلك تهريبها للخارج مما يضر باقتصاد البلد،وطلب منهم الحفر بباطن الجبل داخل مقبرة تم الكشف عليها من قِبل رجاله وسيتقاسم الموجود معاً،رفض الجميع خوفًا من بطش حماد الذي يمتلك من المال والجاه والرجال والسلاح ما يجعل الجميع يهابه ويخشاه، فلجأ الرجل إلى نصر وطلب مساعدته في الحفر بمقبرة داخل أرض سوهاج فرفض نصر لتيقنه من خطورة الأمر،وبعد خروج الرجل الأوروبي من منزل نصر هرول خلفه عمرو الذي كان حاضر الجلسة ليلحق به وعرض عليه أن يسلمهُ المقبرة ليبدأ هو بالحفر وما سيخرجاه سيقسم بينهما بالنصف، وافق الرجل
نطق الرجل الوسيط:
-الخواجة عاوز يتطمن إن عندك رجالة بسلاح كفاية علشان يحموا الرجالة اللي هتحفر في سوهاج
-كل حاجة معمول حسابها يا باشا…نطقها عمرو وهو ينفث دخان سيجارة ليتابع الرجل حديثه بتأكيدٍ يرجع لارتيابه من الامر لشدة خطورته:
-الموضوع مش سهل يا عمرو، المرة دي إحنا مبنلعبش هنا في كفر الشيخ، إحنا رايحين محافظة مش بتاعتنا، والسوهاجية مبيحبوش حد يتعدى عليهم
-قول للخواجة إنتَ بتتعامل مع عمرو البنهاوي،وهو لسه ميعرفنيش، أنا عندي رجالة وسلاح يسدوا عين الشمس، وإنتوا لو مش متأكدين إني هقدر أقف قصاد السوهاجية اللي اختلفتم معاهم مكنتوش لجأتوا لي
-ماشي يا عمرو،جهز نفسك وإدينا الإشارة علشان نبدأ،إنصرف الرجل لينطق رأفت بارتياب وخوف يملؤ قلبه:
-راجع نفسك يا عمرو، الموضوع كبير وأبوك لو عرف مش هيعديهالك
نطق بلامبالاة:
-أبويا كده كده هسيب له البيت قريب، مش فارقة بقى
ليتابع بتمني:
-أنا كل اللي شاغلني إن العملية إياها تتم على خير قبل ما أبدأ حفر.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أنا لها شمس)
رواية رائعة