روايات

رواية أنا لها شمس الفصل الثالث 3 بقلم روز أمين

رواية أنا لها شمس الفصل الثالث 3 بقلم روز أمين

رواية أنا لها شمس الجزء الثالث

رواية أنا لها شمس البارت الثالث

أنا لها شمس
أنا لها شمس

رواية أنا لها شمس الحلقة الثالثة

«لا أحد يُدرك حجمُ مُعاناتك وصراعك المستوحشُ الساكنُ داخل ثنايا روحك المُحطمة سواكِ،لذا لا تلتفتي لحماقات الأخرين،فيكفيكِ ما أنتِ فيه من معارك شرسة.»
خاطرة إيثار الجوهري
بقلمي روز أمين
ضغطت زر الإتصال برقم “أيمن الأباصيري” لتتحدث بحرج بعدما استمعت لصوته المتحشرج بفضل تعمقه بالنوم:
-أنا أسفة بجد إني بزعج حضرتك في وقت متأخر زي ده، بس مقداميش حد تاني ألجيء له
سألها مستفسراً:
-إتكلمي وقولي فيه إيه يا إيثار، أنا عارف إنك مش هتتصلي في الوقت المتأخر ده إلا إذا كانت فيه مصيبة،وده اللي خلاني رديت.
اجابته بصوتٍ مرتعب:
-هي فعلاً مصيبة يا أفندم، عمرو البنهاوي واقف لي على الباب وعمال يخبط ومُصر إنه أفتح له، وشكله سكران على الاخر
اجابها بنبرة خفيضة من أثر نومه:
-ده يبقى وقع ولا حدش سمى عليه، متفتحيش وأنا هتصل بسعادة اللوا قدري الخواجة واخليه يبعت لك قوة تقبض عليه حالاً، وهخليه يعمل له محضر عدم تعرض ويمضيه عليه
واستطرد متوعدًا:
-ده بعملته الغبية دي خدمك خدمة العمر
أغلق معها لتتملل زوجته “نيلي”الممدة بجواره بالفراش لترفع رأسها للأعلى وهي تسألهُ بعينين متعجبة:
-فيه إيه يا أيمن، وإزاي إيثار تتصل بيك في وقت زي ده وخصوصًا إنها عارفة إنك لسة تعبان؟!
ربت على كتفها وتحدث وهو يضغط على رقم ذاك اللواء:
-هحكي لك بعد ما أعمل مكالمة ضرورية يا حبيبتي
اغلقت إيثار الهاتف وابدلت ثيابها سريعًا بأخرى محتشمة استعدادًا لمقابلة رجال الشرطة،ثم هرولت إلى الباب من جديد حيث زاد صوت الخبطات وتعالت أصوات عمرو الصارخة:
-إفتحي يا إيثار بدل ما أكسر الباب عليكِ، أنا مش همشي غير لما أشوفك إنتِ ويوسف، إفتحي يا حبيبتي، ده انا حبيبك عمرو،إنتِ نسيتي أنا كنت إيه بالنسبة لك.
-حرام عليك، إنتَ بتعمل فيا كدة ليه،إعتقني يا اخي لوجه الله بقى… نطقتها بهتافٍ حاد بعدما استمعت لهمهمات السُكان التي تعالت ليتحدث بصوتٍ ضعيفًا متوسل أشبه بباكي:
-إفتحي يا حبيبتي عاوز أنام في حضنك ، وحشتيني قوي ونفسي تنيميني على رجلك وتلعبي لي في شعري زي زمان، فاكرة يا إيثار، فاكرة
اتسعت عينيها بذهول لتصرخ بعدما شعرت بالحرج من ساكني البناية ومن صورتها التي حتمًا ستهتز أمامهم وهي التي طالما حافظت عليها بكل ما أوتيت من قوة:
-بس بقى كفاية فضايح، إنتَ إيه يا أخي، شيطان، ليه مُصر تدمر سلامي النفسي واستقراري اللي مصدقت أبنيهم من يوم ما بعدت عنك ونضفت، إتقي الله وسيبني في حالي وارجع لمراتك وبنتك
ركل الباب بقدمه بقوة ليهتف غاضًا:
-إفتحي الباب، مش هسيبك إلا لما ترجعي لي، إنتِ بتاعتي، ملكي أنا، محدش هيقدر يبعدك عني ومسيرك هترجعي لحضني تاني، إفتحي يا إيثاااار
قال كلماته الاخيرة بصراخ هيستيري جعلها تهمس إلى عزة بارتياب:
-روحي أقعدي جنب يوسف ليصحى مخضوض من الخبط بتاع المجنون ده
اجابتها:
-حاضر بس هدي نفسك، زمان البوليس جاي وهياخدة يرميه في الحبس، وبدل ما ينام على الفرشة الحرير اللي جايبهاله أبوه، هينام على البورش وسط المجرمين وقتالين القتلة
لتشيح بكفيها بغيظ:
-على الله واحد فيهم يغزه بسكينة يخلصنا من شره وغتاتته
دخلت إلى الصبي وظل ذاك الارعن يدق بابها ويصيح باسمها مطالبًا إياها بفتح الباب حتي استمعت لصوت جلبة بالخارج لتنظر من فتحة العين وتتنفس باطمئنان بعدما رأت بعضًا من الرجال مرتديين زي الشرطة وعلى الفور أمسكوه واجتمع بعضًا من ساكني البناية حول الشرطة ليبدأوا في تقديم إفادتهم وازعاج ذاك المتعدي لهم،استمعت لطرق أحدهم للباب وهو يقول بطمأنة:
-إفتحي يا مدام إيثار ومتخافيش، إحنا جايين بناءًا على تعليمات من سيادة اللوا قدري الخواجة، هو قال لنا إن عندك علم إننا جايين
بالفعل فتحت وما أن رأها ذاك المعتوه حتى أفلت حاله ليهرول عليها وكاد أن يصل لها ليحتضنها لولا أيادي الشرطيان الذان لحقا به ليكبلاَ ساعديه خلف ظهره ويشيلا حركتهُ بالكامل مما اصابهُ بالجنون ليصرخ قائلاً:
-سيبوني، إنتوا إتجننتوا، إنتوا مش عارفين أنا ابن مين؟
هتف الضابط المسؤل عن الحملة موبخًا إياه:
-بس يَلا، مش عاوز أسمع نفسك
هتف صارخًا باعتراض:
-دي مراتي،والله لاخليكم تندموا كلكم، أنا إبن نصر البنهاوي يا بقر
رمقه الضابط بازدراء ثم توجه ببصره إلى رجاله متحدثًا:
-خدوا المحروس ونزلوه تحت في البوكس
تحرك الرجال ساحبين ذاك الذي بات يحرك جسده محاولاً التملص من بين أياديهم وهو يصرخ ويقذفهم بأقذر السُباب محاولاً التملص، نظر الضابط لها وتحدث باحترام:
-ده طليقك يا أستاذة إيثار، مظبوط؟
اومأت بإيجاب ليسترسل بإعلام:
-إحنا هنعمل له محضر سُكر واقتحام المكان والتهجم على أنثى في عُقر بيتها، وهستناكي بكرة تيجي في القسم علشان تمضي على المحضر وتأكديه
اومأت برأسها ليتحدث إلى سُكان البناية:
-وياريت كام حد منكم ييجوا بكرة يقدموا إفادتهم علشان نوثق المحضر ونأكد على الإتهامات الموجهة للمتهم
اومأ الجميع ليتحدث أحدهم:
-إحنا تحت أمرك يا باشا، الأستاذة إيثار ست محترمة وليها سنين معانا هنا في العمارة محدش شاف منها حاجة وحشة،انا عن نفسي هاجي بكرة أشهد باللي حصل
ليستطرد بإبانة:
-وهشهد كمان بإن طليقها إتهجم عليها ومسكها من ذراعها قدامي من حوالي إسبوعين،وانا اتدخلت وقتها أنا والسكيورتي وخلصناها من إيده وهددناه لو ممشيش هنتصل بالشرطة
شكرتهُ بدموع عينيها التي انسابت رُغمًا عنها ثم توالت أصوات باقى السُكان الذين تطوعوا بإدلاء شهاداتهم والوقوف بجوار تلك الخلوقة في الوقت الذي تخلى عنها أقرب الأقربون
انصرف الضابط وتحرك السكان كُلٍ لوجهته
____________________
صدح صوت أبتهالات ما قبل أذان الفجر من صوامع مساجد البِلدة ليمليء القلوب بالراحة والسكينة، عدا تلك الحائرة التي تجوب غرفتها ذهابًا وإيابًا ممسكة هاتفها تضعهُ على أذنها بانزعاج،لم تعد تدري كم عدد المرات التي هاتفته بها ولم يرد،توقفت لتهتف بضيق:
-لا، كدة الوضع مايتسكتش عليه
أسرعت إلى خزانة ملابسها وانتقت ثوبًا محتشمًا وارتدته سريعًا ثم أمسكت بحجابًا وضعته على رأسها بعشوائية لتنطلق إلى الاسفل وبلحظة كانت تطرق باب والداي زوجها لتفتح لها إجلال التي صُدمت من ملامح وجه الاخرى المتوترة لتتحدث الأولى بارتياب:
-إلحقيني يا ماما، عمرو مجاش لحد الوقت وبرن عليه تليفونه بيدي جرس ومابيردش
عقدت بين حاجبيها لتسألها بصوتٍ متحشرج:
-مجاش منين، أنا مش سألتك عليه قبل ما نقفل الباب الحديد قولتي لي إنه نايم فوق من بدري؟
تلبكت ولم تجد أمامها سوى النطق بالحقيقة لتتحدث بنبرة مرتعبة:
-هو اللي أكد عليا أقول لكم كدة علشان يسهر مع أصحابه براحته من غير الحاج ما يعرف ويبهدله زي كل مرة
همست بصوتٍ خفيض وهي تحثها على الإبتعاد بعدما بدأت بغلق الباب:
-تعالي نتكلم بعيد بدل ما الحاج يسمعنا ويطين عيشته لما ييجي
بالفعل تحركت بجانبها إلى أن دخلتا داخل حجرة الطعام وما أن أغلقتها حتى أمسكت ذراعها لتهزها بعنف ثم صاحت بتوبيخ:
-عارفة يا وش البومة إنتِ لو إبني جرا له حاجة هعمل فيكي إيه
إنكمشت على حالها لتتحدث برعبٍ:
-وأنا ذنبي إيه يا ماما
ذنبك إنك مش مالية عين جوزك ومخلياه طافش طول الليل من خلقتك العكرة… نطقتها بازدراء لتستطرد بكراهية:
-ده غير إنك كذبتي عليا وقولتي إنه نايم فوق
هتفت متنصلة لتبرأ حالها:
-هو اللي قال لي أعمل كدة والله العظيم، أنا مكنتش أقدر أخالفه ما أنتِ عارفاه وعارفة عِنده، لو قالي إعملي حاجة وخالفته بينكد عليا بالشهور
بحنقٍ أجابتها:
-ما هو من خيبتك، دي اللي إسمها إيثار كانت مخلياه لازق لها ليل نهار في الشقة، ابوه كان بيخانق معاه علشان يسيبها ويروح يشوف شغله
ابتسامة ساخرة خرجت منها لتتحدث وهي ترفع عنقها بكبرياء:
-وهو لو كان بيحبها بجد كان فضلني عليها؟
وهو لما الشيطان وسوس لسيدنا أدم وخلاه أكل التفاحة الملعونة اللي خرجته من الجنة،كدة يبقى حب الشيطان؟… نطقتها بنبرة متهكمة لتستشيط الأخرى لكنها توارت بخبث خلف حزنها التي رسمته بإتقان لتسألها باستياءٍ مصطنع:
-إنتِ بتشبهيني بالشيطان يا ماما؟
حملقت بدهشة مصطنعة لتقول بامْتِهان:
-شيطان مين ده اللي اشبهك بيه يا بِت،ده الشيطان يتعلم منك ويقف يسقف لك كمان
كم تبغض تلك الحقيرة وتكن بقلبها لها كرهًا لا يضاهيه شيء،وذلك لتيقنها بحقدها الشديد ورفضها لشخصها منذ الوهلة الأولى لدخولها للعائلة
جذبت منها الهاتف لتعيد الإتصال من جديد على هاتف نجلها ليصدح رنينه ويهتز على سطح مكتب الضابط الذي تحدث بتملُل للشاويش:
-وبعدين في أم التليفون اللي مش عاوز يبطل زن ده
-ماترد علي المتصل يا باشا وبلغه إن صاحب التليفون مقبوض عليه…نطقها الشاويش ليقول الضابط وهو ينهض استعدادًا للخروج:
-الواد متوصي عليه يا حسين، الباشا قال لي محدش من أهله ياخد خبر إلا لما المحضر يتحول للنيابة علشان أبوه ميعرفش يطلعه منها
اومأ الرجل ليستكمل الضابط:
-أنا طالع السكن علشان أنام لي كام ساعة قبل النهار ميطلع، مش عاوز حد يصحيني حتى لو الدنيا خربت، مفهوم يا حسين… نطق الأخيرة للتأكيد ليهز الاخر رأسهُ قائلاً:
-مفهوم يا باشا
_______________
بعد قليل داخل حُجرة الحجز التابعة لقسم الشرطة المحتجز به
كان يقف خلف الباب ممسكًا بالسياج الحديدية الخاصة بباب الحجز، يصرخ بكل ما أوتي من قوة:
-إفتحولي الباب يا رِمم،إنتوا متعرفوش اللي رمتوه في الحجز ده يبقى ابن مين، والله لاخرب بيوتكم كلكم
-ما تخرس ياد في ليلتك السودة دي،صدعتنا من ساعة ما جيت من كتر صواتك اللي زي صريخ النسوان…التف ليستكشف من ذاك الذي تجرأ ونعته بذاك الوصف ليجد رجل ذو جسدٍ ضخم يتوسط الأرض بجلوسه العشوائي يرتدي ثيابًا متسخة وشعر رأس وذقن مبعثران،يمتلك وجهًا حاد الملامح وبه الكثير من النُدوبٌ الناتجة عن جروح بطعنات توحي بمدى إجرامه،لم يهتم بما رأه ليهتف بقوة يرجع سببها لعدم استيعابه لما يحدث بفضل كثرة المشروبات الكحولية التي تناولها وهي التي أودت به إلى هنا بعدما تصرف بعدم إدراك:
-إنتَ بتكلمني كدة إزاي يا جدع إنتَ،إنتَ مش عارف أنا ابن مين؟
هتف أحد الرجال قائلاً باستهجان:
-ماتفوق لنفسك يا بقف، إنتَ واقف قدام المعلم “برعي”كبير الحجز، يعني تدي له التمام وتقلب نفسك وتطلع كل اللي في جيوبك عشان تنول الرضا، ده لو مش عاوز كرامتك تتداس تحت جزمة اقل محجوز هنا
رمقهم بازدراء ليقول بكثيرًا من الكبرياء:
-ليك حق، ما انتَ لو تعرف أبويا يبقى مين مكنش زمانك واقف قدامي أصلاً
هو كل عيل سيس ميسواش ربع جنية مخروم ييجي لنا هنا يسمعنا البوقين الحمضانين دول….نطقها”برعي” باستهزاء ليسترسل ساخرًا بصوتٍ غليظ:
-طب إشجيني يا روح أمك وقولي إنتَ ابن انهي حرامي في البلد؟
رمقه بازدراء ليهتف الاخر صارخًا:
-ماتنطق ياد بدل ما أخلي الرجالة تعمل معاك الصح
صاح بكل صوته هاتفًا بغضب:
-رجالة مين يا أبو رجالة،طب خلي نطع فيهم كدة يقرب لي وأنا أمسح لك بيه بلاط الحجز
تناقل الجميع نظراتهم لبعض لينطلقوا بقهقهاتهم الساخرة وذلك لمظهره المنمق وملامحهُ التى لا توحي بحديثه،زادت قهقهاتهم مما زاد من حنق عمرو ليهتف بحنق:
-والله يا كلاب لاخلي لأبويا يربيكم كلكم
توقف كبيرهم عن الضحك بعدما استمع لسبه على يد هذا الإمعة ليُعطي إشارة من رأسه صوب ذاك المغرور ليقترب منه الرجال مشكلين حلقة حوله ليرتاب داخلهُ بعدما رأى نظرات الغدر بأعينهم المصوبة عليه،انقض عليه الجميع دفعة واحدة ليركلهُ أحدهم ويلكمة الأخر وهكذا توالت اللطمات مما جعله يصرخ بأعلى صوته لينثر على مسامعهم بوابلٍ من أقذر الشتائم مع تهديده الواهي لهم، كل هذا تحت أنظار ذاك الـ”برعي”الذي تعالت قهقهاته لتظهر أسنانه بلونها البُني المثير للإشمئزاز
هتف أحد الرجال الواقف بجوار الباب يراقب الوضع:
-الشاويش حسين جاي يا معلم
هرول الجميع بتخبط كُلٍ لوجهته تاركين ذاك المغرور مُلقيًا أرضًا وأثار الضرب ظاهرة على وجهه،استمع الجميع لصوت فتح الأقفال ليدخل بعدها الشاويش حسين هاتفًا بغضب:
-صوتكم عالي ليه يا غجر؟
استقر بصره على ذاك الـ مطرُوحٌ أَرضاً والدماء تسيلُ من أنفه وفمه ليهتف حانقًا قاصدًا بحديثه الجميع:
-الله يخرب بيوتكم، إنتم لحقتوا، الواد لسة داخل لكم مكملش نص ساعة
حول بصره إلى كبيرهم ليقول بنبرة لاذعة:
-وبعدين معاك يا “برعي”،مش ناوي تجيبها لبر إنتَ ورجالتك ليه.
-لا أنا ولا رجالتي لينا يد في اللي حصل له يا شاويش، الواد هو اللي اتشنكل وهو ماشي ووقع على بوزه اتشلفط… قالها ذاك المجرم ليرد عليه الأخر بتكذيب:
-صدقتك أنا كدة
تحرك صوب عمرو وتحدث وهو يسنده ليساعده على الجلوس:
-قوم يا موكوس
ساعده على الجلوس ليسترسل بعدما نظر لوجههِ بوضوح:
-ده أنتَ وشك اتشلفط على الاخر
ثم نظر لبرعي قائلاً:
-ملكش دعوة بالجدع واتلم إنتَ ورجالتك بدل ما تقضيها إنفرادي النهاردة
نهض وتحدث مهددًا الجميع:
-أنا طالع، وإياك أسمع صوت حد فيكم
استند على الأرض ونهض متحاملاً ليُمسك بذراع الشاويش وهو يتوسَّل إليه قائلًا:
-أرجوك يا حضرة الشاويش طلعني من هنا، حطني في أوضة لوحدي وانا هدفع لك فلوسها
تعالت الضحكات الساخرة حتى الشاويش لم يستطع كبح ضحكاته ليقول ساخرًا:
-تكونش فاكر نفسك نازل في لوكاندة السعادة
ليسترسل ناصحًا:
-ماتنشف ياد لـ ياكلوك
طب رجع لي تلفوني خليني اتصل بابويا ييجي يخرجني…نطقها بعينين مترجيتين ليتحدث الأخر متنصلاً:
-الموضوع ده في إيد حضرة الظابط،وهو راح السكن خلاص ومحدش يقدر يهوب ناحيته ويصحيه، وإلا تبقى وقعته سودة
واسترسل مشيرًا على جميع أركان الحُجرة المليئة بأجساد هؤلاء المتهمين الملقون بعشوائية:
-شوف لك حتة فاضية اتلقح فيها انت كمان واتخمد لك ساعتين لحد النهار ميشق والظابط ييجي وأقول له
تركه وغادر مغلقًا خلفه الباب غير مباليًا بنداءات عمرو المتوسلة،حول بصره ونظر للرجل وجده يتوعده باستكمال ما بدأ فانكمش على حاله وخر جالسًا مستندًا بظهر الباب لينظر للجميع بترقب وقد سكن الرعب بمقلتيه ولأول مرة يشعر بالخوف
____________________
كم كانت ليلةً عصيبة تضاف إلى لياليها الموحشة، لكنها لم تتأثر بالقدر المتوقع، لو حدث ما حدث بالماضي لانهارت وفقدت ثباتها، لكنها تغيرت بفضل ما مرت به خلال الأربع سنوات المنصرمة،لقد حولتها الصدمات إلى شخصٍ أقوى حتى فاقت قدرة تحملها كثيرًا من قدرة الرجال، اصطحبت صغيرها وأوصلته إلى مدرسته لتواصل طريقها باتجاه مركز الشرطة التابع لمنطقتها والذي أخبرها به الشُرطي،صدح صوت هاتفها معلنًا عن وصول مكالمة لتُجيب بصوتٍ هادي:
-صباح الخير يا باشمهندس
على الجهة الاخرى كان يجلس حول طاولة الطعام يتناول إفطاره بصحبة أسرته ليسألها مستفسرًا:
-وصلتي لإيه يا إيثار؟
-أنا في الطريق لقسم الشرطة، هخلص هناك وأطلع على مبنى النيابة علشان قضية كريم…لتستطرد بالتماس:
-وبعد إذن حضرتك هتأخر شوية
-شوفي اللي وراكي وإرجعي بيتك إرتاحي،ليلتك كانت صعبة إمبارح واكيد منمتيش… قالها برحمة لتتنهد براحة ويسترسل هو:
-أنا كلمت المتر عبدالسلام وزمانه مستنيكي في القسم، هيتابع معاكي إجراءات المحضر ويعمل اللازم
اغرورقت عينيها بدموع العرفان، لقد غمرها ذاك الحنون برعايته لها وطالما كان لها العون والسند بعد الله،خرج صوتها متأثرًا لتتحدث بعرفان:
– ربنا يخليك ليا، مش عارفة أشكرك إزاي، جمايلك كترت قوي يا باشمهندس
أجابها بما نزل على قلبها بردًا وسلامًا وتعويضًا:
-بطلي هبل، جمايل إيه اللي بتتكلمي عنها، هو فيه جمايل بين الأب وبنته
أغلق معها بعدما شكرته ليسألهُ أحمد مستفسرًا:
-مالها إيثار يا بابا؟
قص ما حدث تحت اهتمام أحمد وزوجته “سالي”وشقيقته”لارا”بجانب”نيلي”التي كانت على دراية مسبقة،لتتحدث”نيلي “بتأثر ظهر بَيِن بصوتها:
-البنت دي حظها قليل قوي في الدنيا، ربنا بلاها بزوج كلمة راجل خسارة فيه، ولا اخواتها، حاجة تقرف…نطقت كلمتها الأخيرة باشمئزاز لتؤكد على حديثها سالي قائلة:
-عندك حق يا طنط، لا ومن بجاحته ما اكتفاش باللي عمله فيها لما كانت مراته، راجع يكمل ندالته وخسته معاها بعد ما طلقها
-موقف أهلها المخزي مقوي قلبه، هما ظلموها أكتر منه… كلمات صادقة قالها أحمد بجدية، كان يستمع لهم وهو يتناول طعامه، أوقف ارتشافه لكأس الشاي الساخن لينزلهُ كي يتحدث لابنته الشاردة باستفهام:
-ساكتة ليه يا”لارا”،إيه اللي شاغل بالك يا حبيبتي؟
أغمضت عينيها فى ألم ثم فتحتهما من جديد وهي تقول:
-هو حضرتك مش شايف كل المشاكل اللي بتحصل بسببي
واستطردت بنبرة متألمة:
-أنا تقريبًا مش بنام يا بابي من يوم اللي حصل ، مش قادرة انسى مشهد موت بسام، منظره وهو غرقان في دمه مش بيغيب عن عنيا
علشان خاطري خلينا نسيب مصر ونروح نعيش في بلد تانية…قالت جملتها بعينين متوسلتين
مزقت نبراتها الحزينة نياط قلب والدها ليقول محاولاً التخفيف عنها:
-نسيب بلدنا ونروح فين بس يا بنتي، مش كفاية سيبت بيتي اللي عيشت فيه عمري كله ونقلنا هنا لما قولتي إنك مش قادرة تقعدي فيه بعد اللي حصل
أطرقت برأسها قائلة بحزن بعدما شعرت بأنها قد ضغطت على والدها وزادتها عليه:
-أنا أسفة يا بابي،أنا عارفة إني تعبتك معايا الفترة الاخيرة،بس إنتَ أكيد حاسس باللي أنا بمر بيه، أنا حاسة بالذنب بسبب اللي حصل لـ بسام واللي حصل لكريم السواق واللي لسة بيحصل لحضرتك
واسترسلت بعينين متوسلتين:
-أرجوك سامحني
تأثر الجميع بحديثها وتشتُت روحها الذي بات يلازمها مؤخرًا بفضل ما حدث،تألم قلبه لأجلها وما شعر بحاله إلا وهو ينهض متجهًا صوبها ليسحبها من كفها لتقف بقبالته ويجذبها لتسكن أحضانه واضعًا كفه ليمررهُ فوق ظهرها بحنان حتى هدأت،ليتحدث بنبرة قوية كي يحثها على الخروج من تلك الحالة التي سيطرت عليها:
-إوعي تحملي نفسك ذنب أي حاجة، إنتِ بريئة من كل اللي حصل، وبسام اللي إنتِ زعلانة عليه ده هو السبب في كل حاجة، الله يسامحه مات وساب الدنيا والعة
____________________
بعد قليل
كانت تجلس داخل مكتب الضابط المختص بالتحقيق بصحبة المحامي الذي بعثه أيمن، تمم الضابط جميع الآجراءات ليتحدث المحامي مستفسرًا:
-هي القضية هتتحول للنيابة إمتى يا باشا
النهاردة إن شاءالله… هكذا أجابه لتتحدث هي بارتباك خشيةً من بطش نصر البنهاوي:
-أنا شايفة إننا نكتفى بالمحضر وعدم التعرض يا أستاذ عبدالسلام
أجابها الضابط بعملية:
-مينفعش يا أستاذة، طالما عملنا المحضر وأثبتنا صحته بشهادة شهود الإثبات يبقى لازم يتحول للنيابة، وبعدين سيادة اللوا قدري الخواجة موصي عليه وقال لنا لازم يتربى
استرسل بإبانة بعدما رأى ترددها بعينيها:
– تحقيقات النيابة هي اللي هتجيب لك حقك وتعلمه الأدب، لما يلبس في جُنحة هيفكر ألف مرة قبل ما يتصرف بغباء مرة تانية
أطرقت رأسها بموائمة لتتحدث:
-تمام، أنا مضطرة استأذن لو حضرتك مش محتاجني في حاجة تانية لأن عندي ميعاد نيابة ولازم ألحقه
-إحنا كدة خلصنا وتقدري تتفضلي…جملة قالها الضابط لتنهض مستأذنه لتتحرك سريعًا باتجاه مبنى النيابة التابعة له،قادت بأقصى سرعة لتستطيع الوصول قبل حلول الوقت المحدد كي لا تدع للمدعو فؤاد فرصة مضايقتها،أخيراً وصلت قبل الميعاد بخمسة دقائق،سألت على مكتبه فارشدها أحدهم،اقتربت من رجل الأمن الواقف أمام باب المكتب وطلبت منه إبلاغ وكيل النائب العام بحضورها وناولته بطاقة تعريفها، طلب منها الرجل الإنتظار لحين اتخاذ الإذن لها،ولج للداخل مغلقًا الباب خلفه ليتحدث بتوقير وهو يقدم البطاقة لذاك المنكب على أوراقه بتمعُن:
-الأستاذة بتقول إن عندها ميعاد مع حضرتك يا باشا
رفع رأسهُ وبسط كفه ليأخد البطاقة مدققًا النظر بها، إبتسامة ساخرة خرجت من جانب ثغره ثم ضيق عينيه وهو يحك ذقنه بأصابع يده ليقول بعد تفكير:
-خليها واقفة برة لحد ما أضرب لك الجرس
خرج العامل ليبتسم بخبث بعدما عقد النية لمعاقبتها على المعاملة التي لم تلقى استحسانه بالأمس، بالخارج،تمللت بوقفتها بعدما مر أكثر من نصف ساعة وهي بالانتظار دون حدوث جديد، شعرت ببعض الألام بساقيها لتنظر لذاك الواقف قائلة بامتعاض:
-هو أنا هفضل مسنية كتير؟!
-الباشا قال لي مدخلكيش غير لما يضرب الجرس… قالها باقتضاب كتمثالٍ لتهتف هي بحِنق:
-أنا مالي ومال جرس الباشا بتاعكم،أنا ميعادي الساعة 11، والساعة الوقت 12إلا ربع
واسترسلت بعينين غاضبتين:
-تدخل تقول للباشا بتاعك إني لو مدخلتش حالاً همشي وابقى أجي له وقت تاني يكون فاضي يشوف شُغله فيه
ارجع ظهره للخلف وابتسم مستمتعًا بعدما توغل داخلهُ شعورًا بالتشفي،تحمحم لينظف حنجرته قبل ان يهتف بقسوة مناديًا على الحارس الذي هرول إليه ليقول الاخر بصرامة مخيفة أجاد رسمها:
-إيه اللي بيحصل برة يا أمين،ومين دي اللي إتجرأت وعلت صوتها في حضرت النيابة؟
-دي الاستاذـ… قطع حديثه اقتحام تلك الغاضبة للمكتب حيث قالت بنبرة صوت لاذعة تنمّ عن استيائها الشديد:
-أنا اللي إتجرأت يا سيادة المستشار
تراجع فى مقعده وضيق عينيه ليرمقها بازدراء قائلاً بلهجة متعجبة:
-إنتِ إزاي تدخلي عليا من غير ما أذن لك؟!
لم تهتم بحديثه اللاذع ولا بنظراته النارية بل تحدثت بثقة وحنق أظهرا كَم إستيائها:
-أنا واقفة برة ليا ساعة إلا ربع منتظرة حضرتك تطلبني علشان أقول شهادتي وأمشي،بس وقفتي طالت ومش عارفة هفضل مستنية لحد إمتى!
-وإيه المشكلة لما تقفي ساعة وإتنين،اللي يشوف حمقتك يقول إن مصالح البلاد والعباد متوقفة على جنابك…نطقها متهكمًا لترمقه بنظرات ثاقبة وهي تقول بحزم بعدما تيقنت أنه قاصدًا ليرد لها ما حدث معه بالأمس:
-المفروض إننا في نيابة يعني المواعيد ليها إحترامها وقُدسيتها،مش واقفة في فرنة بلدي علشان أستنى ساعة واتنين لما صاحب الفرنة يحن عليا ويديني دور في طابور العيش؟
أشار للعامل ليخرج ثم تراجع بمقعده الهزاز وأخذ يدور يمينًا ويسارًا وهو يرمقها بعينين باردتين كالصقيع ليقول بنبرة ذات مغزى:
-أعرف ناس حياة العباد متوقفة على شغلها حرفيًا ومع ذلك انتظرت ساعة بحالها
ابتسمت ساخرة بجانب فمها بعدما تأكدت من حدسها لتتحدث بذات مغزى:
-طب كويس،كدة يبقى صفينا حساباتنا، ممكن بعد إذنك نبدأ التحقيق علشان ألحق ميعاد شغلي؟
رفع سماعة الهاتف الأرضي دون أن يلتفت إليها قائلاً بجمود:
-تعالى لي في مكتبي حالاً يا سامي
اغلق الهاتف ثم أشار بكف يده بغرور كي تجلس دون أن يتفوه بحرفٍ، رمقته ثم جلست بحدة ليحضر كاتب النيابة بعد قليل ويبدأ بأخذ أقوالها بجدية وموضوعية وكأن شخصًا أخر تلبس شخصيته،شخصًا حكيمًا عاقلاً عادل،سألها بجدية:
-الإسم والسن والعنوان والحالة الإجتماعية؟
اجابته بثقة:
-إيثار غانم محمد حسان الجوهري
عندي ثمانية وعشرين سنة، ساكنة في مدينة نصر، عنواني بالكامل موجود في البطاقة اللي مع حضرتك
نظر للبطاقة التي أمامه فوق سطح المكتب ليناولها للكاتب لمليء البيانات لتسترسل هي:
-الحالة الإجتماعية “مطلقة”
ضيق عينيه مستغربًا لينفض سريعًا تلك الافكار التي اقتحمت مخيلته ليُلقي عليها سؤالاً تلو الأخر
إنتهت من تقديم إفادتها ليتحدث بجدية:
-كدة خلصنا
نهضت بحدة ثم تحدثت وهي تستدير للمغادرة:
-بعد إذنك
أوقفها صوته البارد حيث قال قاصدًا استفزازها وكأنه أُعجب بحالة التنافر والتجاذب التي خُلقت بينهما منذ أن إلتقيا بالأمس:
-هتمشي من غير ما تدوقي قهوتنا؟
إلتفت تنظر عليه بجبينٍ مقطب وعقلٍ غير مستوعب،نهض وإلتف حول مكتبه ليقف أمامها، لقد كان مظهرهُ جذابًا للغاية،تطلعت لطوله الفارع وجسده الرياضي الذي ظهر من خلال ثيابه حيث كان مرتديًا بدلة سوداء وقميصًا مماثلاً محكمان على جسده مع وضعه لربطة عنق رمادية اللون ورائحة عطره المميزة التي ملئت أرجاء المكان ليتعمق بمقلتيها بعينيه الحادتين اللتان تتابعاها بدقةليتحدث بنبرة هادئة وكأنهُ تحول لأخر:
-سبق لما زرتك في مكتبك طلبتي لي قهوة وضيفتيني بيها، أنا كمان عاوز أضيفك وأشربك قهوة،بس قهوة بجد
إزداد إنعقاد حاجبيها ليستطرد هو بكلماتٍ متقطعة لتجعل منهُ مُثيرًا:
-قهوة فؤاد، علام، زين الدين
كان ينتظر رضوخها لسطوة وسامته كغيرها من النساء اللواتي قابلهُن بحياته، فجميعهُن يذُوبن بمجرد رؤيته وكعادته لم يبالي بهن وكأنهُن والعدم سواء،فما بالك بتلك التي يقف أمامها ويحدثها بكل ذاك الإهتمام لكنها فاجأته بنظراتها الحادة حيث تحدثت بذات مغزى:
-ضيافتك وصلتني يا سيادة المستشار، متشكرة لأفضالك
ابتسم باستفزاز وتحدث قائلاً:
-إنتِ مش لسة قايلة من شوية إننا صفينا حساباتنا؟
ليسترسل بمداعبة في محاولة منه بتلطيف الاجواء:
-خلينا نشرب قهوة على الأقل مايبقاش ليكِ جمايل عليا.
أنا متأخرة على شُغلي يا افندم، فياريت لو مفيش حاجة خاصّة بالتحقيق تسمح لي أمشي… قالتها بملامح وجه حانقة ليُشير بكف يده باتجاه الباب بملامح تحولت لمقتطبة بفضل إسلوبها المنفر لتقول هي باستياء:
-بعد إذنك
خرجت كالإعصار ليتأكد حينها بأنها وصلت للمنتهى مما فعلهُ به، تنفس بهدوء ليعود لمكتبه من جديد متابعًا عمله ولكن بذهنٍ شارد بتلك الفرسة الجامحة وهذا النوع من النساء الذي يصادفه للمرة الأولى بحياته
___________________
في تمام الساعة الثانية عشر ظهرًا
دخل منزله كالإعصار المدمر حتى استقر بمنتصف البهو ليهتف بنبرة صاخبة زلزلت أركان المنزل بأكملها:
-سُمية، إنتِ ياللي إسمك سُمية
خرجت من المطبخ لتهرول إليه لتتبعها ياسمين ومروة اللتان كانا يتابعان تجهيز الغداء تحت ارتيابها من عدم إجابة زوجها إلى الأن على إتصالاتها المتكررة لكنها كبتت إنزعاجها بناءًا على تعليمات إجلال الصارمة، وقفت أمامه بجسدٍ مرتجف بعدما رأت نارًا مشتعلة بعينيه الغاضبة ليُمسكها من ذراعها يهزها بعنفٍ شديد وهو يقول بسخط:
-جوزك فين؟ خ
إبتلعت لُعابها وظهر الرعب بعينيها لمحت إجلال قد خرجت من غرفتها لتنظر إليها بنظراتٍ مستنجدة، استشاط داخله من صمتها ليصرخ بوجهها:
-ماتردي يا بت، جوزك فين؟
-فيه إيه يا حاج،بتزعق ليه…جملة قالتها إجلال بداخلاً مرتعب ليهتف الاخر صارخًا:
-فيه إن بنت ناصرة ضحت علينا وقالت لك إمبارح إن جوزها نايم فوق وهو بايت برة البلد كلها
اتسعت عيناه عندما رأى عدم تفاجيء زوجته بالموضوع بل أنها أمسكت كفه لتفلته من فوق ذراع تلك التي تكاد تفقد أنفاسها من شدة رعبها:
-سيبها وتعالى نتكلم في أوضتنا يا حاج
قطب جبينه وسألها بتشكيك:
-أسيبها إزاي، بقول لك البِت قرطستني
-هي جت الفجر خبطت علينا وقالت لي وانا محبتش ازعجك،وقولت أكيد سرح في الوقت مع أصحابه ونام عند حد منهم…قالت كلماتها بهدوء كي تحسه على الاسترخاء لكنها فوجئت باحتدام ملامحه ليهمس مذهولاً:
-يعني مرات إبنك كانت جاية تقول لنا علشان نشوف البيه بيتسرمح في انهي داهية تاخده لوش الفجر وإنتِ اللي منعتيها تتكلم؟
زفرت بضيق مع تقليب عينيها بضجَر لتهتف ناهرة إياه بنبرة حادة:
-هو كان حصل إيه للغاغة اللي إنتَ عاملها دي كلها يا نصر؟
رمقها بغضب ليصيح ملقيًا اللوم عليها:
-حصل إن إبنك بايت في القسم يا ست إجلال،إبن نصر البنهاوي عضو مجلس الشعب اللي بتتهز له شنبات بات في القسم إمبارح
لطمت خديها ليزيدها من البيت شعر قائلاً بغضبٍ عارم:
– وياريتها جت على قد كدة ووقفت،ده المحضر إتحول من نص ساعة على النيابة وكمان شوية الصحافة هتاخد خبر وأعدائي ماهيصدقوا
-إيه الكلام اللي إنتَ بتقوله ده يا نصر؟…نطقتها وهي تخبط على صدرها بكفيها ليصيح بحدة:
-اللي سمعتيه يا اختي،ما أنتِ لو كنتي قولتي لي من ساعتها كنت عملت إتصالاتي وعرفت مكانه ولحقت المصيبة قبل ما تكبر، كنت هسكت ظابط القسم بقرشين ونخلص الموضوع، ولو ملوش في السكة دي كنت هجيبها له من اللي فوق منه وأخليه يقطع المحضر ولا من شاف ولا من دري
قالها بغضب ليسترسل بحدة:
-إنما بعد ما المحضر اتحول للنيابة مستحيل يخرج منها إلا لما بنت الجوهري تروح بنفسها للنيابة وتتنازل عن المحضر
برقت سُمية عينيها وهتفت مستفسرة والغيرة تنهش قلبها:
-وإيه دخل بنت الجوهري في الموضوع يا عمي؟
إبقي إسألي البيه لما ييجي لك يا اختي… نطقها وهو يهز رأسهُ باستهزاء ليتكرر السؤال مرةً أخرى ولكن تلك المرة من المتجبرة زوجته حيث سألته بعينين متسعتين:
-بنت الجوهري مالها بحبس عمرو يا نصر؟
العرة إبنك راح لها البيت الساعة إتنين الفجر وهو سكران واتهجم على شقتها وفضل يخبط قدام الجيران، والبوليس جه أخده
واستطرد باستهجان:
-والست إيثار راحت القسم وعملت له محضر تعدي، والجيران عملوا له محضر إزعاج، والشرطة لبسوه في محضر سُكر…كان يتحدث مشوحًا بكفاه من يراه يتيقن أنهُ اوشك على ذبحة صدرية ليستطرد بعينين حاقدتين :
-وطبعًا لازم أروح بنفسي لبنت الجوهري وأترجاها علشان تتنازل عن المحضر
يا لهوي يا لهوي يا لهوي…قالتها وهي تلطم وجنتيها تحت ذهول ياسمين ومروة وسمية التي شعرت بنار الغيرة تسري بأوردتها لتسترسل إجلال صارخة بنظراتٍ لائمة:
-وإنتَ سايب الواد مرمي في النيابة وجاي تحقق معايا أنا ومراته يا نايب الدايرة؟
تنزل حالإ على مصر وماترجعش غير وإبني في إيدك، إتحرك يا نصر… نطقتها صارخة بأمر ليهتف وهو يجز على نواجذه من شدة غيظه:
-إنتِ كمان ليكي عين تعلي صوتك وتتأمري
كادت ان تنهره لولا تدخل سمية التي أمسكت كف يده وتحدثت وهي تنظر له بنظراتٍ ذليلة:
-وحياة حبيبك النبي يا عمي لتروح تطلعه وبعدين إبقى تعالى ولومنا، إن شالله حتى تولع فينا، بس تطلعه الاول من المصيبة دي.
وزع رمقاتهُ الغاضبة بين كلتاهما ليزفر بضيق ثم هاتف نجله البكري طلعت المتواجد بالأراضي الشاسعة التابعة لوالده ليتابع ما يقوم به الفلاحون من أشغال خاصة بالزراعة والري وطلب منه أن يحضر في الحال ويترك أمر المتابعة لشقيقه حسين،ودخل غرفته ليأخذ بعضًا من رزم المال الورقية ويحملها بجيب جلبابه الكبير وينصرف تاركًا خلفه هؤلاء الأربع لينتحبن ويلطمن وجناتهن ليعلوا صوت تلك الغاضبة حيث توجهت باتهام لوالدة زوجها:
-إنتَ السبب في اللي حصل لـ عمرو، لو قولتي لعمي كان إتصرف ومكناش وصلنا للي إحنا فيه ده
حُبست أنفاس كلاً من مروة وياسمين ووضعتا كفاي يديهما فوق فاههما لتجحظ عيني الاخرى وهى ترمقها بنظراتٍ حارقة ولو كانت النظرات تصيب لانتهى أمر سُمية وتحولت لرمادٍا في الحال، همست بفحيح كالحية التي تستعد لبخ سمها بعيناي ضحيتها:
-يا نهار أبوكِ إسود،إنتِ إتجننتي ولا إيه يا بت؟
واستطردت بذهول وهي تقترب منها كالأسد الذي ينقض على فريسته:
-جبتي منين الجرأة اللي جمدت قلبك وخلتك تكلمي ستهم كدة؟!
ارتجف جسدها عندما رأتها تُقبل عليها والشرر يتطاير من مقلتيها لتأخذ خطوات استباقية وتتوارى خلف ياسمين التي هتفت برجاء وهي تضع كفيها بصدر إجلال برفقٍ:
-هدي نفسك يا مرات عمي، دي بت هبلة وبتهلفط بكلمتين من حرقة قلبها على اللي حصل لجوزها
-الهبلة تتأدب علشان تاخد بالها من كلامها مع “ستهم”بعد كدة…قالتها وهي تجذب تلك المختبأة وتنزل بكل قوة فوق وجنتها بصفعة قوية أحدثت صوتًا من شدتها لتسترسل وهي ترفع قامتها بكبرياء:
-وبعدين هو كان إيه اللي حصل لجوزها يا ست ياسمين إنتِ كمان، ده أبن “نصر البنهاوي “بجلالة قدره والكل عارف كدة،وأكيد الظابط النباطشي نيمه في مكتبه واتعامل أحسن معامله، ميقدرش يعمل غير كدة لأن الكل عارف مين هو سيادة النايب نصر البنهاوي وعارفين إن اللي بيقف في سكته بيتإذي
واستطردت بوعيد:
-والقادرة بنت منيرة هتدفع تمن عملتها السودة دي غالي
ارتعبت أوصال زوجات أبناءها الثلاث لتتراجع هي للخلف ثم امسكت خصلة من شعرها ولفتها على أصابع يدها لتتحدث بفحيح بعدما تحولت ملامح وجهها لحاقدة:
-وحياة شعري ده ولا يكون على حُرمة، لأخلي بنت منيرة تتحسر على شبابها واجيبها له لحد عنده تركع تحت رجليه وتترجاه عشان قلبه يحن ويعتبرها مَرة زي زمان
اشتعل قلب سمية وزاد كرهها لتلك المرأة المتجبرة وعلمت حينها أن لا مفر من رجوع تلك الإيثار لزوجها ويرجع هذا لتيقنها بقدرة هذه المرأة على تنفيذ اية فكرة تصمم عليها لتتحسر على حالها وتنتظر القادم بقلبٍ مشتعل، فقد تيقنت أن القادم ليس بهين على الجميع
____________________
وصل نصر ونجله البكري أمام منزل غانم ليصف سيارته الفاخرة ويترجلا متجهين لذاك المنزل البسيط، وجد الجميع بانتظارهما بناءًا على مكالمة تمت بين طلعت وعزيز أبلغ من خلالها الاول بحضور الثاني بصحبة والده مما أسعد قلب عزيز الذي ربط سبب مجيء نصر بطلبه رسمي لرجوع شقيقته لنجله المدلل وهذا ما بات يتمنى تحقيقه بشده، ولج الجميع للداخل ليتحدث غانم بترحاب:
-يا مرحب، يا ألف أهلاً وسهلاً يا سيادة النايب
كان يتحدث بترحاب وهدوء تحولا لتعجب بعدما هتف الأخر بوجهٍ صارم ينم عن مدى غضبه:
-هي بنتك خليت فيها أهلاً ولا سهلاً بعد اللي عملته يا غانم؟
سألهُ بنبرة متوترة:
-إيثار!
-هو أنتَ عندك بلوة غيرها…نطقها بحدة ليهتف عزيز بحدة وخنوع:
-عملت إيه مقصوفة الرقبة؟
رمقه غانم بنظرة نارية غاضبة ليتلبك بوقفته ليقطع نظراتهم حديث نصر الغاضب:
-بنتك المحترمة بنت الاصول المتربية كتبت بلاغ في عمرو إمبارح وخلته قضى ليلته في الحجز
اتسعت عيناي منيرة وذُهل الجميع ليستطرد بتغطرس:
-طب لو مش باقية على العِشرة والهنا والعز اللي اتمرمغت فيهم لما كانت متجوزاه،على الاقل كانت عملت حساب لإبنه اللي أنا سايبهولها بمزاجي علشان يفضل الود موصول لحد ما ربنا يهديها وترجع لجوزها هي وإبنها
ليستطرد بافْتِخار:
-إبنها اللي معيشاه في حتة شقة قد الجُحر وحرماه من ثراية جده اللي يرمح فيها الخيل.
-إيه اللي حصل وخلى بنتي توصل بإنها تشتكي على عمرو يا سيادة النايب؟…سؤال طرحه غانم على نصر الذي صاح بتهرُب:
-إحنا في إيه اللي حصل ولا في إبني اللي مرمي في الحجز بسبب بنتك يا غانم
نكس رأسه ليهتف الأخر أمرًا بوجهٍ صارم:
-يلا معايا ننزل مصر علشان ناخد الهانم على النيابة تتنازل عن المحضر
-أنا اللي هاجي معاك يا حاج نصر…قالها عزيز بجسده المشدود المنتصب نتيجة غضبه العارم الذي اصابه من أفعال شقيقته التي تقف دائمًا عقبة أمام تحقيق رغباته وأطماعه بالحياة،ليسترسل وهو ينظر لوالده المتعجب:
-أبويا تعبان وصحته ماتتحملش بهدلة الطريق والمرمطة في الاقسام
على الفور وافق نصر لعلمه بقوة شخصية عزيز وإستطاعته التأثير والضغط على تلك المتمردة، وقف “أيهم” الإبن الاصغر لـ غانم ليتحدث بعدما شعر بتوتر عضلات عزيز وتيقن بأنهُ من الممكن أن يأذي شقيقته إذا مانعت التنازل:
-أنا كمان جاي معاكم
وقف نصر مقابلاً غانم ليقول بوصاية مشيرًا بسبابته:
-انا ماشي يا غانم، تتصل ببنتك وتعقلها علشان لما نوصل لعندها نروح على النيابة على طول، وإلا قسمًا بالله اخليها تعض على صوابع إيديها من اللي هعمله فيها، أنا مش قليل عشان ابني يترمي في الحبس بسبب واحدة قليلة عقل زي بنتك
نكس رأسه بخنوع لعلمه سطوة ذاك المتجبر وما يمكنه فعله بابنته المسكينة التي تجرعت المرار على يد نجله المدلل لتُكمل عليها والدتها وشقيقاها عزيز ووجدي، تحرك الجميع للخارج لتهتف منيرة وهي تدق على فخديها بنحيب:
-أنا عارفة إن عيالي مش هيشوفوا راحة طول ما هي قاعدة لنا في مصر لوحدها
حولت بصرها إلى ذاك البائس لتسترسل بنبرة لاذعة:
-شوفت أخرة دلعك فيها يا غانم، علشان تبقى تتصدر لها تاني وتقف في وش إخواتها عشانها، دي واحدة مستبيعة ومش هتسكت إلا لما نصر البنهاوي يحط اخواتها في دماغه ويطوحنا من البلد كلها
تنهد بضيق وهو يرمقها بحدة لتُمسك هي بهاتفها مسترسلة وهي تضغط زر الإتصال برقم ابنتها:
-أما أشوف اخرتها معاكِ يا بنت منيرة
-بدل ما تندبي وتولولي علشان عيالك الرجالة إطمني الأول على بنتك وإسأليها إبن نصر عمل لها إيه خلاها تتجنن وتروح تشتكيه…كلمات نطقها بتبكِيت علها تشعر بصغيرتها وتسترد مشاعر الأمومة نحوها لكنها لم تبالي بحديثه حيث هتفت بحنقٍ وكأنها لم تستمع لما قال:
-بردوا مبتردش
بسطت ذراعها باتجاهه لتسترسل:
-هات تليفونك اتصل عليها منه، هي مش هترد عليا لو قعدت أرن عليها للصبح أنا عارفة
ناولها هاتفه لتتصل ولكن دون جدوى مما أشعل داخلها
___________________
داخل مسكن إيثار
كانت تجلس فوق مقعدها الهزاز الموجود بالشرفة المنفتحة على البهو عاقدة حاجبيها بضيق وهي تتطلع إلى الأفق البعيد بشرودٍ تام، تنهدت ومدت يدها صوب الطاولة لالتقاط كأسًا من مشروب البرتقال الطازج قد صنعته لها عزة فور عودتها من النيابة مباشرةً بعدما أخبرتها بأن أيمن قد منحها إجازة من عملها اليوم لتُريح أعصابها مما حدث بالأمس،يقابلها صغيرها يتناول الحلوى المحببة لديه والتي جلبتها لهُ معها من الخارج كي تجلب السرور على قلب ذاك المسكين الذي لم يحظى بحياة أسرية مستقلة كجميع الأطفال،استمعت إلى رنين الهاتف للمرة التي لا تعلم عددها والمتصل واحد، وهي والدتها التي لم تستسلم لعدم ردها لتحاول من هاتف والدها كي تخبرها بأمر عودتها لذاك الـ عمرو، هكذا فسرت ما يحدث، تجاهلت الرنين واكملت إرتشاف مشروبها،ليتحدث الصغير بلطافة:
-إنتِ ليه مش بتردي على تليفونك يا مامي؟
-ده رقم غريب يا حبيبي،وإحنا مش بنرد على أرقام غريبة…ابتسم لها الصغير وتابع تناول الحلوى من جديد لترفع هي الاخرى الكأس وهي تقربه من شفتيها ليقطع اندماجها صوت طرقات قوية فوق الباب بجانب رنين الجرس المتواصل مما ازعجها لتهرول صوب الباب بعدما أوصت الصغير على عدم الخروج من الشرفة ومتابعة الاستمتاع بالحلوى، قابلتها عزة التي خرجت من المطبخ قائلة:
-خير يا رب، مين اللي بيرن الجرس بالشكل ده، هو أحنا مش هنخلص
واسترسلت بذعر بعدما رأت إيثار تقترب من الباب استعدادًا لفتحه:
-ماتفتحيش إلا لما تبصي من العين السحرية
رأت الصواب بحديثها لتقترب من فتحة الباب الصغيرة تستكشف الطارق، قطبت جبينها عندما رأت صورة شقيقها الصغير “أيهم”والذي صدره” عزيز”لعلمه مدى تعلق تلك المتمردة به،تعجبت لتلك الزيارة المفاجأة لكنها سُرعان ما ابتسمت وامسكت مقبض الباب لتفتحه بلهفة ترجع لحبها الزائد لذاك الوسيم،تراجعت للخلف بقوة أثر دفعة قوية تلقتها بكتفها من عزيز كادت أن تبطحها أرضًا لولا عزة التي اسرعت عليها لتُسندها،رفعت عينيها وتعمقت بنظراتها المرتعبة لتلتقي بنظراته الجحيمية ليقول بفحيحٍ:….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أنا لها شمس)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى