روايات

رواية أكل الذئب زينب الفصل السادس 6 بقلم أمل نصر

موقع كتابك في سطور

رواية أكل الذئب زينب الفصل السادس 6 بقلم أمل نصر

رواية أكل الذئب زينب البارت السادس

رواية أكل الذئب زينب الجزء السادس

أكل الذئب زينب
أكل الذئب زينب

رواية أكل الذئب زينب الحلقة السادسة

– ضاحي مين؟
تمتمت بالإسم بعدم استيعاب، بعدما أخبرها والدها وهو يزف البشرى عليها وعلى والدتها التي صاحت بتهليل وتكبير:
– الله اكبر الله اكبر، انت بتتكلم جد يا مطاوع، ليكون بيهزر معاك ولا انت اللي عامل فينا مجلب؟
دوت ضحكة صاخبة من الاخير ليعقب على قولها:
– يا مرة يا مجنونة، والكلام ده فيه هزار برضو، بس اجولك؛ انتي فعلا معاكي حق، اذا كنت انا بلمت معاه وخليته يعيد عليا الحديت كذا مرة عشان اصدق، دي حاجة ولا في الخيال والله .
رددت خلفه عزيزة توافقه الرأي بتأثر وحماس :
– دا عشان ربنا بيحبنا يا مطاوع، وبتنا برضك زينة وتستاهل، اه امال ايه، ربنا عايز يعوض صبرك خير يا حبيبتي .
توجهت بالأخيرة نحو ابنتها التي تجمدت تنقل بنظرها بينهما وتسمع الحديث وكأنه يخُص واحدة غيرها، لا ليست هي المقصودة، لا يمكن ان تكون هي المقصودة.
– مالك يا بت مبلمة كدة؟ لتكوني انتي كمان مش مصدقه زينا؟
عقبت بها عزيزة بابتسامة ممازحة لها، والحماسة تتراقص بمقلتيها قبل ان تصدمها ابنتها والتي هبت تنفض عنها تأثير الصدمة، لتعبر عن رفضها:
– وحتى لو صدقت ياما الكلام دا لا يمكن يحصل، ضاحي الدهشوري اخر واحد ارضى بيه يتجوزني.
– هو مين اللي اَخر واحد ترضي بيه؟
صدر الرد من والدها الذي برقت عينيه بغضب يسترسل باستفساره نحوها، يسبق عزيزة التي تصنمت بذهول:
– انتي واعية يا بت للي بتجوليه؟ بجى انتي يا بت مطاوع الجفاص، مش عاجبك ضاحي الدهشوري؟ ليه؟ هي الدنيا اتشجلب حالها اياك.
ردت بحدة وثقة:
– ايوة يا بويا واعية للي بجوله، انا افضل الموت على اني اتجوز النايب الباشا بتاعك، هو باشا ومفيش منه يروح يدور على واحدة تليق بيه، ضاجت عليه الدنيا، وملجيش غير زينب عشان يتجوزها؟
خرجت الاخيرة بصيحة غاضبة لتنهض من جوارهم تود الذهاب، ولكن والدها أبى ان ينهي الحديث:
– اجفي مكانك يا بت، عايزة تمشي بعد ما بخيتي في وشنا وقطعتي فرحتنا.
ياله من تعبير موجع، ان تتسبب بقطع فرحتهم، ولكن أين هذه الفرحة من الزواج بشخص مثل هذا الفاسد؟ لانت لهجتها لتخفف من حدتها:
– بعد الشر عليكم يا بوي من جطع الفرحة، بس الجواز اساسه الجبول، وانا عمري ما جبلت الراجل ده، دا غير انه كبير عليا في السن
خرج صوت عزيزة هذه المرة بمقاطعة:
– سن ايه يا جزينة؟ هو كان عجوز؟ دا بنات البلد كلها هتموت على نظرة منه، ضاحي الدهشوري ده يتجالوا لاه ازاي يا بت الفجرية؟
أومأت لها بهز رأسها:
– هو فعلا كدة ياما، انا فعلا واحدة فجرية، يعني مفيش داعي تتعبوا وتحطوا امل على شيء لا يمكن يحصل إلا على جطع رجبتي.
سمع منها مطاوع، لينفجر غاضبًا، بملامح ذكرتها بالذنب القديم وكرهه لها وقتها:
– مش انتي اللي فجرية، دا احنا اللي ولاد ستين كل…… اللي تعسنا الزمن وبلانا بواحدة زيك، كل البنتة فرحة إلا انتي، كل البنتة بتحس وعندها دم إلا انتي؟
ابتلعت بصمت وقد تحجر الدمع بعيناها، لا تتحمل نعته القاسي لها، ليسترسل بحزم يأمرها:
– اسمعي يا بت راجعي نفسك زين جوي، عشان انا يستحيل ارفض واد الناس اللي اتنازل من مجامه عشان يناسب واحد زيي، مين انا عشان اجول لضاحي لا؟ جاكي نصيبة تاخدك طول عمرك مشيلاني الهم.
بصق كلماته وتحرك يستدير مغادرًا المنزل بأكمله، يغمغم بالسباب والشتائم، لتنهار هذه المسكينة وتنطلق نحو غرفتها، تفرغ قهرها بالبكاء دون توقف، تنعي حظها وهذه الكارثة التي حطت فوق راسها بدون سابق إنذار.
❈-❈-❈
في وقت لاحق
وبعد أن اهلكها البكاء، لم تجد إلا صديقتها، تستدعيها كي تشكي لها وربما تفهمها:
– معجول يا زينب، كل المناحة اللي انتي عملاها دي عشان ضاحي الدهشوري اتجدملك؟ ليه يا حبيبتي؟ عينك مدغششة ولا مبتشوفيش اصلا؟
تمتمت بالكلمات نورا بعدم تصديق لتزيد من قهر الأخرى:
– انتي كمان هتبكتيني يا نورا، طب ياريتني ما بعتلك، شالله كنت موت حتى من الزعل.
رددت نورا ببعض اللطف:
– لا حول ولا قوة إلا بالله، يا حبيبتي اعذريني وسامحيني، بس انتي عارفاني صريحة ومدب، ومعلش يعني اي واحدة في مكاني هتجولك كدة، انا مش فاهمة ايه سر كرهك لضاحى بالشكل ده؟
ترددت داخلها بحيرة ما بين اخبارها عن السر الذي تكتمه داخلها منذ سنوات، وضمير يؤنبها اذا افشت وتحدثت عما اندثر مع الزمن وماتت صاحبة الأمر .
– ايييه يا بنتي انتي سرحتي؟
– لا مسرحتش بس انا فعلا كارهة الراجل ده، ثم كمان متنسيش اني جلبي ميال لمختار، واد عمتي اللي اتربيت معاه وخدنا كل سنين الدراسة مع بعض.
عبست نورا بضجر لا تخفيه:
– مختااار، مختار يا زينب؟ بجى دا واحد يتقارن اصلا بضاحي، مختار اللي لسة بيدور على عتبة يجف عليها ويبني نفسه بتفضليه على ضاحي اللي بكلمة منه يجلب حال بلدك بحالها، طب حتى خديها بالشكل ولا المظهر ، دا واد عمتك الهدوم بتسقط فيه ، انما ضاحي عليه جسم ولا اللي بيرحوا الجيم، دا غير الصورة ولا الهيئة، مال وجمال تبارك الله .
توقفت نورا على استرسالها، حينما انتبهت بنظرة العتب التي تطل بعيني صديقتها ، لتخفف من عدتها باعتذار:
– انا أسفة يا حبيبتي للمرة الالف ، بس صدقيني انا بتكلم كدة عشان مصلحتك والله، عايزاكي تشوفي اللي الناس شايفاه وتعيشي الواقع، الحالمية والمثالية اللي انتي عايشة فيها دي متنفعش
توقفت برهة ثم تابعت:
– ثم كمان متزعليش مني يعني، انا لازم اجولهالك في وشك، ابوكي مينفعش يجوله لا، صعبة جوي انه يرفض
ضاحي الدهشوري.
رغم عقلانية المنطق الذي تتحدث به صديقتها، إلا ان روح التمرد داخلها ابت الاستسلام، لتحتد لهجتها بتحدي:
– صعب ليه ان شاء الله؟ كان الباشا، هو السلطان واحنا عبيد ومنجدرش على رفض طلبه، طب ايه رأيك بجى، انا هصمم على رأيي، وان شالله حتى ابلغه بنفسي، اشوف الباشا يجدر يغصبني ازاي؟ ولو حصلت اني ابلغ عنه عشان احمي نفسي واهلي منه هعملها، عشان يعرف بس ان مش كل الناس خاضعين لجنابه، ولا كل الطير يتاكل لحمه.
كان هذا هو الرأي الي صممت عليه بالفعل، بثقة وعند غير طبيعي، فتحملت كل اشكال الضغط والالحاح من والديها، حتى حينما كان ابيها يضج منها ويسبها بالشتائم، تمسكت زينب بموقفها، بل وكانت تصر عليهم بالرد عليه بالرفض، ولكن مطاوع ورغم يأسه من موقفها ظل لعدة ايام يماطله في الرد دون ان يملك الشجاعة لإبلاغه بالامر، على أمل ان يلين رأسها اليابس، او تقتنع، ليظل الوضع هكذا معلقا ، ما بين استعجال الاخر على معرفة الرد وما بين استماتتها هي لإبلاغه برفض الشرف العظيم بالارتباط به، حتى التقت بخضرة نقالة الكلام كما تسميها اثناء ذهابها الى المدينة وتقديم اوراقها في إحدى مسابقات التوظيف، لتوقفها المرأة اللئيمة بأسلوبها الملتوي في معرفة الحقائق من اصحابها:
– يا بسم الله ما شاء الله ع الحلوة اللي لابسة ومتأنتكة ولا بنات البندر، ايه يا بت عزيزة الحلاوة والجمال ده.
جذبتها من مرفقها نحوها لتحتضنها وتقبلها من وجنتيها ، فتبسمت لها زينب بامتعاض تتقبل غزلها:
– من بعض ما عندكم يا خالة خضرة، معلش بس مستعجلة عايزة ألحق مشواري .
قالتها وشرعت بالتحرك إلا ان الأخرى اوقفتها:
– استني بس دقيقة، دا انا مصدجت اشوفك يا زينب، دا انتي حتى ما بتطلعيش خالص من بيتكم زي باجي البنتة في البلد، اكنك عايشة في بلد تاني مش معانا .
اومأت بابتسامة صفراء تريد التخلص منها حتى تذهب:
– معلش يا خالتي، انا فعلا تعتبريني زي اللي عايشة في بلد تاني، اصلي بصراحة بجيت اتخنج من الناس وكهنهم ف الحديث معايا ولا في أذيتهم للبشر.
قالت الأخيرة بمغزى نحو الأخرى، ولكنها وكالعادة تتجاهل لتواصل ضغطها ببرود متناهي؛
– جدعة يا بت دا انا اللي اسمي مرة كبيرة مبخلصش منهم وكل شوية يدخلوني في كلام وحديت، الا صح بمناسبة الحديت والرط.
توقفت تميل عليها وتهمس بصوت منخفض وكأنها ستخبرها بسر حربي:
– انا سمعت جال ان ضاحي الدهشوري بجلالة جدره اتجدملك يا زينب.
تبسمت زينب بفراسة وقد فهمت على مكر المرأة، وعلمت داخلها انها لن تهدأ الا بمعرفة الجديد، لذلك لم تجد غضاضة من اخبارها حقيقة موقفها وربما كانت فرصة ليصل الى الاخر ردها وتتخلص من طلبه:
– ايوة يا خالتي، هو فعلا اتجدملي، بس انا رديت وجولت لابويا لأ، بس لسة مردش.
شهقة بصوت عالي خرجت من فم خضرة، لتضرب بكفها على صدرها تستنكر:
– يا مرك يا خضرة، كيف يا بتي؟ هو معجولة في واحدة في الدنيا كلها ترفض ضاحي بيه؟ لا يا زينب انتي شكلك بتضحكي عليا، كيف يعني انا عمري ما اصدجها دي.
– لا يا خالتي صدجي، ضاحي باشا تتمناه اي واحدة، بس انا جولت لابويا لاه ومش عايزاه، يروح للبنات اللي هتموت عليه ، ولا اخطبيلوا انتي يا خالتي، دا انتى تعرفي بنات البلد كلهم حتى. عن اذنك بجى عشان متأخرة على مشواري.
تحركت زينب تترك المرأة فاغرة فمها بدهشة، بعدما باحت لها برفضها لضاحي الدهشوري، بعلم تام منها انها لن تغلق فمها وتكتم المعلومة داخلها، سوف تنشر الخبر لكل الدنيا ان لم تكن تخبره هو نفسه، فيصله رفضها فتتخلص منه مادام ابيها لم يملك الشجاعة حتى الآن لإخباره.
كان هذا ظنها والفكرة التي طرأت برأسها في هذا الوقت، لتذهب وتتقدم بأوراقها للمسابقة التي تنظمها الحكومة لتوظيف المعلمات، ثم عادت لتسلك نفس الطريق الوحيد المؤدي لمنزلها، بجانب زراعات اشجار الموز التي تمتد بالفدادين وعلى مد البصر، وكانت المفاجأة حينما شعرت بيد احدهم تجذبها وعلى حين غفلة وقبل ان تتمكن من الصراخ او طلب النجده وجدته امامه، لتتوسع عينيها بفزع حينما علمت هويته ، حتى همت ان تصرخ ولكنها لحق على الفور ليكتم بكفه على فمها فيطل عليها من مستوى طوله المهيب، ويخاطبها بتحذير:
– اياك اسمعك تصرخي ولا تطلعي حس، لتخسري نفسك وسمعتك بالمرة، خليكي هادية عشان نتكلم بهدوء واحترام.
طالعته بازدراء تود الهجوم عليه وخدش وجهه بأظافرها، ولكنها تعلم ضعف موقفها في هذه اللحظة ان قاومت او صرخت ، لذلك أبدت من الاستكانة بعض الشيء، لتوميء له بريبة حتى يرفع كفه عنها، وفور ان فعل وهمت بتوبيخه، اجفلها بفعله لتشهق بفزع حينما وجدت نفسها تسحب من خصرها على حين غرة، ليلصقها بالشجرة خلفها، فهتفت بوجهه ناهرة:
– شيل يدك عني ، انت اتجننت ولا مخك طار منك، وديني لو ما سبتني لكون مصرخة ولامة عليك خلق الله.
ضحك بصوت ليقول:
– يبجى انتي كدة فعلا هتفضحي نفسك يا زينب وتعجلي بأمر جوازي منك
شحب وجهها وتوسعت عينيها باستيعاب قاتل، ليتابع لها بتسلية:
– متخافيش يا جلبي ولا تجلجي عشان انا مش هأذيكي ولا امسك دلوك
قالها ونزلت عينيه عليها بوقاحة يتابع:
– حتى والشوج هيموتني دلوك، لكن انا مضطر استنى لحد ما تبجي حلالي وبين يدي، عارفة ليه ، عشان متأكد اني لا يمكن هشبع منك واصل .
– شهقة بجزع خرجت منها، لتدفعه بكفيها حتى يبتعد عنها، ولكنه كان كالصخر لم يتزحزح عن موضعه ولو إنش واحد، لتهتف به بغضب، تخفي خلفه بصعوبة ارتجاف جسدها من الخوف:
– انت جليل حيا ومش متربى، بعد عني يا جدع انت ، بتعمل معايا كدة ليه؟
ردد خلفها بملامح تحولت وقد ذهب منها العبث
– بعمل معاكي كدة عشان تعرفي ترفضيني زين يا زينب، وتروحي تبلغي خضرة عشان تيجي هي توصلي بعدها.
توقف يزأر كالوحش أمامها متسائلًا:
– كيف جاتلك الجرأة تعمليها؟ بجى ضاحي الدهشوري يترفض من عيلة زيك؟
تتماسك بصعوبة عن السقوط أرضًا، فكيف لها اذن الاستمرار في مواجهته؟ وبرغم ذلك أبت ان تظهر له ضعفها:
– ولما انت عارف اني عيلة، بتتجدملي ليه؟ ما تخليك في اللي يناسبك؟
تبسم بشراسة صدر منها التصميم بشكل جلي ووجهه يزداد قربا منها:
– عشان دخلتي دماغي، وانا عمري ما عوزت حاجة ومطولتهاش يا زينب، وبعد اللي عملتيه شعللتيها في راسي اكتر.
إلا هنا وانفرط العقد لتنفجر به وتفرغ ما في جعبتها:
– تشعلل ولا تولع في راسك حتى، انا لا يمكن هرضى بواحد زيك، واحد عمل عملته وسافر يسيب المسكينة تتحمل ظلم العار والنصيبة لوحدها.
تجمد لوهلة يستوعب مغزى حديثها، ثم تسائل بارتياب:
– تجصدي مين بكلامك ده؟ وضحي اكتر.
قابلت صيحته الأخيرة بشجاعة قائلة:
– جصدي انت عارفه كويس جوي يا ضاحي، انا كنت عيلة صغيرة وجتيها لكن سمعت كل كلامك انت وتفاحه الله يرحمها، وان كنت ساعتها مفهمتش، لكن الزمن خلاني عرفت زين بندالتك، ذنبها في رجبتك يا ضاحي.
بدت على ملامحه الصدمة حتى فك كفيه عنها، يطالعها بصفحة مغلفة بصمت مهيب، لتتنفس هي بعض الارتياح، وقد ظنت انها نالت منه، لتردف بأنفاس لاهثة:
– انا خبيت السر عن الناس كلها عشان عارفة ان مفيش منه فايدة، لكن ربنا مطلع وشايف.
حينما ظل على وضعه، متجمدا محله، مضيقًا عينيه بغموض لم تفهم منه أي تفسير، تحركت قدميها تشرع بالذهاب ، ولكنه اوقفها بعد عدة خطوات قليلة، يهتف بلهجة حملت الاستخفاف:
– متشكر جوي يا زينب انك عرفتيني على سر رفضك ليا ، نلتقي جريب يا زوجتي العزيزة.
– دا في المشمش.
هتفت بها بتحدي قبل ان تلتف مغادرة بخطواتها المسرعة ، لتصدح ضحكاته خلفها بصخب، غير أبهًا بكل الحديث السابق منها، مظهرا عدم اكتراثه بثورتها .
❈-❈-❈
تحرك اخيرا بعد عدة ساعات من التفكير، ليمتطي حصانه حاسمًا الأمر بداخله، على التنفيذ في اقرب وقت، وقد تشبث بها أكثر بعدما كشفت له عن معرفتها بالسر القديم، بعقلية طفلة ظنت انها نالت منه ليبتعد عنها، ولا تعرف انها زادته تعلقا ليقترب اكثر وكانت فرصته حينما تذكر حضور معظم افراد العائلة في هذا الوقت عقد قران أحد أبنائها فلم يضيع الوقت، ليغير اتجاه السير نحو دار المناسبات المُقام فيها الحفل.
❈-❈-❈
– السلام عليكم عقبال البكاري يا شباب.
هتف بها فور ان طل بجسده من مدخل الحفل بصوته العالي لينول الرد من جميع الأفراد بنفس الحماس والترحيب بحفاوة ، ثم يتبادل التهنئة والمباركات مع أهل العروسين وباقي الحضور الذي كان يوزع ابصاره عليهم حتى وقعت عيناه على شقيقه ، الذي كان جالسًا في موقع متميز يليق بمقامه وسط اعداد البشر التي تتملق القرب منه كالعادة، لوح له يده ، ليرد الاخر برزانة وهيبة، قبل ان يعود ضاحي نحو الحضور وعيناه تبحث في الأجواء، حتى اذا عثر على وجهته هلل بصوته العالي مخاطبًا له:
– منور يا عم مطاوع، عامل ايه يا غالي؟
توجهت الأبصار نحو الرجل الذي ذهل بالتقدير المميز من شخص كضاحي، فتبسم منشكحًا بزهو يرد التحية:
– تشكر يا سيادة النايب دا من زوقك.
تابع ضاحي استعراضه:
– دا من بعض زوقك انت يا سيد الكل،
توقف متوجهًا نحو النادل:
– انت يا واض راعي عمك مطاوع، نفذلوا كل اللي يطلبه، جوزة، قهوة، شاي، ساقع، متخليهوش محتاج لحاجة واصل، اهم شيء راحته عندنا، يمكن يحن ويرضى علينا.
اثار بكلماته حالة من الصخب والهمهمات المتسائلة بفضول نحو الرجل الذي تسمر بارتياب رغم سعادته بهذا الاهتمام ، ليبتلع ريقه بتوجس امام النظرات المصوبة نحوه قائلًا:
– العفو يا ولدي، وانا اجدر برضو؟
تدخل احد الأشخاص معقبًا؛
– ما تفهمونا يا جماعة، ايه الحكاية امال؟
هم مطاوع ان يرواغ الرجل ولكن ضاحي كان الاسبق بصياحه شاكيًا بدراما:
– الحكاية اني عايز اتجوز يا عم خليفة، راجع من الغربة وعايز استقر، اريح جلبي عشان اشوف اللي جاي وامر الانتخابات، اتجدمت لعمي مطاوع عشان يجوزني بته اللي بجت عروسة تشرح الجلب، هكمل سبوع دلوك وهو لسة مردش عليا، شكلي كدة مش عاجبه وعايز يرفضني.
– وه
– يرفضك كيف هو اتجن؟
– ولما انت متعجبوش امال مين اللي يعجبه؟
– جرا ايه يا مطاوع؟ هتستخسر بتك على واد عمها واللي هيبجى نايب ديرتنا
تلك الجمل وما يشبهها من عبارات الاستنكار التي توجهت نحو الرجل الذي تعرق بحرج شديد حتى تلجلج بعدم مقدرة على رد مناسب على أي أحد منهم ، باضطراب طبيعي بعد هذه المفاجأة الغير متوقعة على الإطلاق، والأخر يدعي المسكنة رغم ابتسامته الثعلبية، حتى انه لم يكترث لتوبيخ شقيقه بالنظرات المعاتبة، والذي لم يعجبه هذا الأمر وظل على صمته، ليواجه باستفسار احد الوجهاء من عائلته:
– ساكت ليه يا حامد يا ولدي؟ ما تشوف شكوى سيادة النايب.
اضطر ان يخرج عن صمته ليرد:
– وانا هجول ايه بس يا جدعان؟ عم مطاوع حر ان كان يقبل بنسبنا او يرفض، دي حاجة مفيهاش الجبر.
بكلماته القليلة استطاع ان ينهى الأمر ليبرر مطاوع بدافعية امام الجمع الغفير الذي يشاهد ما يحدث بذهول:
– وانا اجدر ارفض برضو يا ولدي؟ انا بس كنت مدي البت فرصة تفكر وتاخد وجتها مش اكتر، دا انتوا نسبكم على عينا وراسنا والله.
هلل ضاحي مستغلًا زلة الرجل:
– يعني موافق اها، طب ما تبلغني وتريح جلبي يا راجل بدل ما انت معلجني كدة بجالي اسبوع، حيث كدة بجى، يبجى خير البر عاجله ونتمم على طول .
ازبهل مطاوع بارتباك ملحوظ، لا هو بقادر على مجاراته، ولا يملك الشجاعة لإبلاغه برفض ابنته، امام هذا الحشد الغفير من البشر، لقد اوقعه بالفخ وهو رجل متواضع الفهم، بماذا يرد؟ وكيف يلين رأس ابنته العنيدة؟
– ربنا يقدم اللي فيه الخير ان شاء الله.
تمتم بها كرد محايد واضعًا في ذهنه ان يغادر الجلسة سريعًا ولكن ضاحي أبى إلا أن يستغل الفرصة
– وهو في خير اكتر من كدة يا عم مطاوع، العيلة تقريبا كلها متجمعة، بكبارها وصغارها، وفي مناسبة فرح مفيش احسن منها، يبجى نستنوا ايه؟ يدكم معايا يا رجالة نجروا الفاتحة بالتوفيق.
قالها وارتفعت كفيه على الفور يتمتم بأيات القران الكريم، لينصاع خلفه الرجال، فلم يتبقى سوى حامد، الذي عض على نواجزه من الغيظ لفعل اخيه، ولكنه في الاخير اضطر الا يخذله، اما مطاوع والذي تجمد لحظات لم يجد مفرا هو الاخر من ان ينصاع لهذا الماكر، ويذعن لمطلب الجميع، حتى اذا انتهوا من قراءتها، اطلقت الأعيرة النارية والتهليل بالمناسبة الجديدة بخطبة احد وجهاء العائلة من ابنة الرجل المتواضع الحال مطاوع القفاص، وبدأت التهاني والمباركات.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أكل الذئب زينب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى