رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وواحد وعشرين 121 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء المائة وواحد وعشرين
رواية أغصان الزيتون البارت المائة وواحد وعشرين
رواية أغصان الزيتون الحلقة المائة وواحد وعشرون
||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل المائـة وواحد وعشرون :-
الجُـزء الثـانـي.
-مدّي إليّ أغـصان الـزيتـون؛ ولتكُن من عيناكِ لعينايِ السلام.-
“العودة للديار تشبه ذلك النفس المستريح الذي يتعبأ به صدرك، فما بالك بعودة الحياة لقلبٍ ظن إنه جفّ،
بزيارة الحُب لروحٍ فقدت السلام.. إنه أشبه بإرتواء أرض بور تشققت جذورها بعد جفاف أعوام قاحلة.”
___________________________________
كانت حالتهِ أشبه بمريض السرطان الذي يحارب المرض في ذروة انتشارهِ بالجسم، حالة مستعصية ونسبة نجاح العلاج ضئيلة. هذا هو الوصف الأقرب لما يعيشه “نضال” بعدما سلّم حبيبتهِ الوحيدة لأليفها الذي اختارته من مئات الرجال، والوحيد الذي لم يظن أبدًا أن حكائتهم ستكتمل يومًا.
انفرد بنفسهِ يلومها على كل شئ، على صمته الطويل كل هذه السنوات، وانتظاره الممل لأن تشعر به وتراه بصورة أخرى غير التي اعتادتها، لقد كان ينتظر المستحيل، ورغم ذلك لم ينقطع الأمل عن قلبه يومًا -سوى اليوم-.
استثارت مسامعه بصوت الكرسي المتحرك يقترب منه، فـ التفتّ رأسه ليرى “مصطفى” مقبلًا عليه، في عيناه تلك النظرة التي تعترف بإنها فضحت أمره، فـ أجفل بصرهِ في خيبة وأردف بخفوت :
– كان عندي أمل، بس اتقطع النهاردة.
وضع “مصطفى” كفهِ على كتف “نضال” ضاغطًا عليه، ثم هتف مواسيًا إياه :
– كان نفسي ومنى عيني تكون من نصيبك، أنت ابني التاني ومتربي على إيدي وطول عمري شايف حبك في عنيك، بس النصيب غلاب يا بني.. ولازم كلنا نتأقلم على الوضع ده عشان خاطر سُلاف، بعد كل ده هي أكتر واحدة تستاهل الحياة اللي تختارها مش اللي اتفرضت عليها.
وضع “نضال” يدهِ موضع قلبهِ وهو يشكو آلامه :
– بس انا قلبي وجعني أوي يا عم مصطفى، هو انا هفضل كده على طول؟؟.
التمعت عينا “مصطفى” بتأثرٍ لحظي وقد غلبه شعور برفض ما يحدث؛ لكنه بقى مجبرًا على تقبل الواقع وإن كان على وضع لا يفضله:
– لأ يابني، الوقت هو دوا كل حاجه، الوقت هو العلاج الوحيد اللي بيشفي حتى لو بالبطئ.. المهم تكون متأكد إنك هتشفا.
أطرق “نضال” رأسهِ في حسرةٍ، وابتسامة السخرية تلوح على مبسمهِ وهو يقول :
– انت عارف إن راغب الوحيد اللي توقع اللي حصل ده وانا مكنتش مصدق.. هو الوحيد اللي قال السحر هيتقلب على الساحر وسُلاف هتخضع قدام قلبها، بس انا اللي اتغابيت وافتكرت طاقة الكره اللي جواها مش هتسيب مكان لأي مشاعر تانيه.
غصة ضغطت على صدره ورئتيه مع ذكر ولده الوحيد الذي فقده ضحية الحُب الذي لم يتحمل فقدانه، ولم يقوَ على إخفاء التغيير الذي اعترى ملامحهِ فجأة، فتدارك “نضال” فداحة خطئهِ معتذرًا :
– حقك عليا يا عم مصطفى مقصدتش والله.
أسند “مصطفى” ظهرهِ للخلف متأهبًا لمغادرة الغرفة :
– مفيش حاجه يا بني، خليني اروح آخد علاجي عشان أنام.
ودفع كرسيهِ للخارج مقاومًا شعور الحزن الشديد ببواطنهِ المحمومة، حتى يتفرد بنفسهِ فـ يجلدها گكل يوم لأنه لم يحتاط في حماية ولدهِ؛ فسقط صريع الحُب الغير مخطط له.
**************************************
ثلاثة ساعات متواصلة، مرت دون كلمة واحدة من أيّ منهم، ثلاثة ساعات مرت وهي محاصرة بين ذراعيهِ، تتوسد دفء صدرهِ منعمة بصوت دقاتهِ التي لم تستقر طوال الساعات التي بقيت فيها أسيرة أحضانهِ. حتى هي، أخيرًا حان الوقت لكي تأخذ هدنة، لكي تعترف إنها بحاجه ماسّة إليه ولطفلها المتبنى، وإنها في أشد الأحتياج لترميم شروخها العميقة التي سكنت أغوارها، حان الوقت للأنصياع إلى حقيقة أن قلبها خفق له فتزلزلت كل عقائدها وانحنت مشاعرها بخضوعٍ له بعد رحلة طويلة تعرجت باليأس وفقدان الأمل. كان الصمت گالحليف القوي، الذي كلما زادت مدتهِ تضاعفت معه سخونة العواطف ولهيب الأشواق، وحكى السكوت عن مرارة الفقد والفراق اللذان لم يفارقاهم طيلة الفترة الماضية، إلى أن انتفض السؤال في ذهنها فجأة، وكأنها استيقظت من غفوة طويلة ناعمة لم تود أبدًا الإستيقاظ منها، فتحت عيناها ورفعت رأسها إليه، فكانت عيناه تلاقيها في نقطةٍ أربكت جميع حواسها، ثم مسح بأصابعه على بشرتها ليسأل في صوتٍ هادئ :
– عايزة تقولي إيه؟.
حررت تنهيدة مثقّلة بالهموم من أحشائها، ثم سألته دون مراوغة :
– إيه اللي جابك هنا يا حمزة؟.. عرفت مكاني منين؟.
كان جوابه محيرًا گالألغاز :
– مش هتصدقي.
تغضن جبينها بعدما تضاعف الفضول في نفسها، وحاولت أن تعتدل في جلستها لولا إنه مطبقًا عليها جيدًا :
– ايه اللي مش هصدقه؟!.
أعادها حيث وضعها الأول في الجلوس و :
– خليكي زي ماانتي وانا هشرحلك كل حاجه.. عمك هو اللي بعتلي وجابني هنا، طبعًا الموضوع هيكون غريب بالنسبالك بس هو ده اللي حصل.
بالفعل كان الأمر مثير للدهشة بالنسبة لها، عمها الذي لم يكره بحياته سوى “صلاح القرشي” ونسلهِ بالكامل قد تنازل أخيرًا لأجلها هي وأرسل في طلبه أيضًا، شيئًا لم يكن متوقعًا أبدًا. غابت عيناها عن النظر إليه لوهله، فـ تخللت أصابعه بين خصلات شعرها، وبحركات ساحرة كان يدلك فروتها بتدليلٍ مفرط، حتى تأثرت بفعلهِ وأغمضت عيناها لحظتين قبل أن تقول بخفوت :
– وبعدين، قالك هو جايبك ليه؟.
لم يطل الشرح والسرد، وفي عبارة واحدة شرح فيها نتيجة لقاءهِ بـ “مصطفى” :
– هاخدك وننزل مصر بكرة الصبح.
اعتدلت في نومتها بغتة، أثر المفاجأة التي طرحها عبر مسامعها للتو، فتآوهت بتألمٍ وهي تمسك بذراعها المصاب :
– آآه.
أعادها لتنام على ظهرها فوق الوسادة الوثيرة، ثم تابع بدون توقف :
– خلاص هتعيشي جمبي، في المكان الطبيعي اللي المفروض تكوني فيه.
تذكرت للتو أمر طلاقهِ منها، والذي تمّ غيابيًا بعدما تركته وغادرت البلاد، فـ تجهمت تعابيرها، وعادت تكتسب الجدية الحازمة التي اعتادها منها وهي تقول :
– بإمارة إيه؟.. فاكرني هقبل أكون تحت أمر مزاجك ولا واحدة من اللي كنت عارفهم و………
كتم صوتها بوضع كفهِ على فمها، ثم أردف مفسرًا حقيقة وضعهم القانوني :
– انتي مراتي يا سُلاف، قانونًا انتي مراتي وأم ابني.
طفت تعابير الندم على ملامحه وهو يعترف لها أخيرًا :
– أنا رديتك غيابي تاني.. زي ما أكون عارف وحاسس إنك هترجعي.. والحمد لله عملت حساب اليوم اللي هقابلك فيه.
أزال يده عن فمها ومازالت أسيرة الصمت، فـ اتسعت شفتاه ببسمةٍ مسرورة وهو يسألها :
– ها.. نتعشى هنا ولا نتعشى برا؟، أنا حاسس إني بقالي ٣ شهور ما أكلتش.
نهض عن مكانه وقد انبعثت طاقة الحماسة في نفسه بقدر هائل :
– متهيألي برا أحسن.
ضمت ذراعها المصاب لصدرها وتحسستهِ بعدما بدأ الشعور بالألم يعاود زيارتها مجددًا، ثم أجابت قبل أن يتحرك من مكانه :
– لأ.. أنا عايزة أفضل هنا.
نظر حيث ذراعها فـ تفهم فورًا مقدار ما تشعر به من الألم، ثم أقترب منها وهو يقول :
– زي مانتي عايزة.. انا هجيبلك مسكن عشان يريحك شويه.
أومأت رأسها بالقبول، فـ تحرك على الفور لكي ينقذها من الألم قبيل أن يتفاقم عليها؛ بينما تفردت هي بنفسها لقليل من الوقت، تمّلت فيهم بالتفكير في ردّ فعلها الذي بدا غريبًا – بالنسبة لعقلها – الذي كان يأبى أي ترابط يجمعها به، والآن تخضع لرغبة في نفسها تُلح عليها للبقاء جواره، كان الإقتناع بحُبه عملية غاية الصعوبة على عقلها الذي كان يخطط ويدبر لإنهائهِ، في حين أن قلبها كان يرجو الوقت ألا يمر حال وجوده معها، وها هي أمام حالة تامة من الإستسلام.
*************************************
حتى الآن لا تصدق نفسها، إنها على مُتن طائرة غادرت أرض اليونان متجهة إلى أرض الوطن العزيز الذي تركته رغمًا عنها، الآن تحديدًا تنظر عبر الزجاج المُطل على أحد المناظر من أعلى السحاب، وهو إلى جوارها غافيًا منهكًا، بعدما سهر الليل بطولهِ جانبها وهي نائمة. التفتت رأسها تنظر إليه فوجدته يغوص في نومٍ عميق وليست مجرد غفوة، أصابعه تتشبث بإصابعها ولا يتركها، وعلى وجهه تفشّت تعابير الإرتياح التي لم تراها عليها منذ وقت طويل؛ گالتائه الذي وجد والدتهِ بعد فقدان مميت ومرهق. أطبقت عيناها بينما ابتسامة غير مسببة طفت على مبسمها، هي أيضًا وجدت راحتها أخيرًا، گالتي قطعت شوطًا طويلًا من الركض وتوقفت للتو، وها هي تتنفس الآن.
مرت الساعات بسرعة حتى بلغت الطائرة مطار القاهرة الدولي، لتبدأ رحلة جديدة كُليًا، طريق آخر لم يكن أيًا منهما يتخيل إنهم سيسيرون فيه.
مررها “حمزة” أمامهِ أولًا، ثم سار من خلفها وهو يسحب عجلة الحقائب، إلى أن رأت “زيدان” أمامهم ويفتح باب السيارة بفمٍ منبعج عن آخره، على شكل ابتسامة عريضة ليقول بعدها :
– يا ٣٠٠ مرحب والله، كان قلبي حاسس إن أخرتها زغاريط.
حدجه “حمزة” بنظرة محذرة، فتراجع الأخير عن مزاحه السخيف، وعادت ملامحه تكتسب جدية وهو يفتح بابها :
– اتفضلي ياست الكل.
جلست في مكانها بعدما رمقته بإستهجانٍ متعمد، فهرب هو لحمل الحقائب بدلًا من مواجهة نظراتها، بينما كان “حمزة” يجلس في الأمام وهو يسألها في حماسةٍ :
– زين وحشك؟.
گفراشةٍ حلقّت أعلى زهرةٍ وردية خلابّة، تفتحت تعابيرها وأشرق وجهها وهي تقول :
– وحشني أوي أوي، أنت واثق في الـ nanny اللي سيبتها معاه ؟.
– آه.. متقلقيش، هو مش ناقصه حاجه غيرك، حتى انا مقدرش أعوض الغياب ده.
نظرت عبر النافذة حينما كان “زيدان” يقود السيارة للمغادرة، تدعو الله أن تمر الدقائق في عجالة وهرولة، حتى تضمه بين أحضانها وتشم رائحتهِ وتتحسس نعومتهِ، هذا الصغير هو علاجها الحقيقي الذي سيمحي كل ذكرياتها التي مرت، الشفاء من جروحٍ تركت ندوب لم تزل. الوقت مرّ بصعوبة شديدة حتى بلغت المنزل، فـ أحست وكأن رائحة “زين” قد انتشرت بشكل مثير للغاية، لم تتحمل تباطئ سيرها وقد أحرقها شوقها أكثر وأكثر، فأسرعت نحو الدرج في خطى شبه راكضة، وهي محاطة بنظرات “حمزة” التي لم تفارقها حتى بلغت الردهه العلوية، اهتم بوضع حقائبها في غرفتها حتى تكون جاهزة تمامًا لأستقبالها، ثم توجه لغرفة “زين” ليرى نصب عينيه واحدة من أجمل صور الأمومة التي خلقها الله، ليس فقط لأنها حُرمت من تلك النعمة الثمينة؛ وإنما لأنها تحب “زين” بالفعل، تعلقت به بطريقة لا يمكن تصويرها. أبعدته عن أنفها الذي ظلّ يتنفس رائحتهِ لبعض الوقت، فرأتهُ يبتسم بتلقائية شديدة وكأنه عرف بمجيئها، فـ اتسعت شفتيها وصوت الضحكة الرقيقة تسلل من حنجرتها وهي تقول :
– أيوة أنا جيت عشانك.. وحشتني أوي.
طرق “زيدان” على الباب وهو يهتف بـ :
– الدكتور وصل يا ابو البشوات.. اطلعه؟
– آه.
سألته بفضولٍ :
– دكتور ليه؟.
دنى منها ليحمل عنها الصغير وهو يجيب :
– هيكشف على دراعك ويقولنا هنعمل إيه دلوقتي.
رفضت أن تناوله إياه مبعدة به عنه :
– لأ سيبه معايا.
فـ ابتعد على الفور ليقول :
– طيب.
دخل الطبيب بعدما طرق الباب، مبتسمًا ببشاشةٍ وهو يقول :
– مساء الخير.
– مساء النور.. اتفضل يا دكتور.
وأفسح له المكان ليباشر الطبيب عملهِ بمتابعة إصابتها…
************************************
كانت تتابع بترقبٍ وفضول شديدين، عمال معرض الأثاث الراقي الذين حضروا لفرش إحدى غرف مكتب (القُرشي للمحاماة)، وقد كانت هيئة الأثاث باهظة للغاية، يبدو عليها الأناقة والرقي. تابعت موظفة الأستقبال إنهاء العمال لنصب الغرفة وفرشها حتى انتهوا في ساعة متأخرة من الليل، ثم تركت لهم مبلغ من المال كما أمر “حمزة”، وبعدها قامت بتصوير الغرفة بالكامل لترسلها إلكترونيًا إلى ربّ عملها. دخل “سمير” لمشاهدة الغرفة التي تحاكى عنها أغلب المتدربين الجدد بالمكتب، فـ انبهر بها وهو يعبر عن ذلك :
– واو.. المكتب تحفة بجد.. هو ده هيكون مكتب مين يا هند؟؟
– مش عارفه.. هموت واعرف مين صاحب الأوضة دي.. مستر حمزة تابع معايا الموضوع دقيقة بدقيقة بكل اهتمام، أكيد اللي هييجي هنا حد مهم جدًا عليه.
فرك “سمير” طرف ذقنهِ وهو يجلس على مقعد المكتب الوثير قائلًا :
– متقلقيش بكرة نعرف.. بس المكتب أبهه أوي، شكله كده عشان واحدة ست.
قطبت “هند” ما بين حاجبيها مستنكرة تخمينهِ الضعيف :
– وانت عرفت منين؟.
ضحك “سمير” بثقةٍ بالغة وهو يشير نحو الطاولة المستطيلة :
– بصي على فازة الورد اللي ع الترابيزة وانتي تعرفي.. ده استقبال حريمي فاخر.
أشارت له “هند” كي ينهض عن المقعد و :
– بس بلاش فلسفة والنبي.. قوم من هنا.. الحمد لله ان سيستم الكاميرات لسه متركبش في الأوضة وإلا كان زماني رايحة في داهيه بسببك.. يلا خلينا نقفل المكتب قبل ما حد يحس بينا.
نهض “سمير” عن المقعد بغير رغبة، وكأن بدنه ارتاح وبشدة لتلك الراحة المنبعثة من المقعد :
– اديني قومت يا بومة.. وبكرة تعرفي إن سمير عمره ما يقول حاجه غلط.
*************************************
كانت تتابعه في صمت، تشاهد ما يقوم به من اهتمام مفرط بها وبطفلهِ، غذائها ومواعيد الأدوية، حتى إنه قام بشراء ما نقص من دوائها بنفسهِ دون الإستعانة بأي أحد سواه. والآن.. يجهز لها غطاء نظيف ويدثرها به لحمايتها من مكيف الهواء، ثم أردف قائلًا :
– أنا عارف إنك هتاخدي وقت عشان ناخد على الوضع اللي هنبقى فيه.. عشان كده مش هضغط عليكي أبدًا لحد ما تكوني جاهزة لوجودك.
ثم نظر إليها في حنوٍ بالغ قبل أن يستكمل عبارته وهو يمسح على بشرتها :
– جاهزة لوجودك في حضني.
خرج منها زفيرًا ساخنًا متأثرًا به، بعدما ابتعد قليلًا عنها ليتابع :
– أنا في اوضتي لو عايزة عايزة حاجه كلميني على الموبايل هجيلك على طول.. والـ nanny تحت لو احتاجتي حد ياخد باله من زين وترتاحي انتي شويه.
اومأت برأسها في انصياع، فـ غادر هو بأريحية بعدما اطمئن على وجودها بين جدران بيته، وإن كان بينهما جدران أخرى، هي الآن أقرب إليه من أي وقت آخر، وهذا يجعله ساكنًا حتى الآن.
استقر في غرفتهِ بغير رغبة، أراد أن يمضي وقت أطول معها، أو أن يسهر الليل يحكي إليها عن حياتهِ التي بالكاد تعرفها، ولكن الآن هو الذي سيسرد قصتها الحقيقية. رغمًا عن وجودها بالقرب منه إلا إنه يحتاج لدفء جسدها أكثر من أي شئ آخر، حاول أن يتنازل مؤقتًا عن تلك الرغبة، مُمنيًا نفسهِ بليالٍ طويلة آتيه معها، لعل ذلك يجعل صبرهِ يطول أكثر.
أطبق جفونهِ محاولًا النوم، فـ سمع صوت الباب ينفتح عليه، فتح عيناه ونظر حيث الباب ليراها تقف أمامه، فـ اعتدل في نومته على الفور ظنًا بأن مكروهًا أصابها، ونهض ليسير نحوها في لهفةٍ ليسأل :
– في حاجه حصلت؟.. انتي كويسة؟.
تركته واقفًا وسارت بتؤدةٍ نحو الفراش، ثم نامت على اليسار بحذرً وسحبت الغطاء عليها وهي تقول :
– مش مرتاحة على السرير اللي هناك.. قولت أجرب الأوضة هنا.
هبّت عليه نسمات الربيع المحملة بروائح الورد الذكية، وزقزق قلبهِ گعصفورٍ جائع يشتهي الطعام، لم يتأخر في اللحاق بها، واستلقى إلى جوارها وهو يفتح لها ذراعهِ، فـ نامت على صدرهِ وأغمضت عيناها دون همسةٍ، وبقى الحديث إلى العناق المتبادل الذي روى شوق الأحبة، بعدما تداخلت رائحة عطرهِ برائحة أنفاسها، فـ باتت أجسادهن گجسدٍ واحد
**************************************
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)