رواية أغصان الزيتون الفصل السادس 6 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء السادس
رواية أغصان الزيتون البارت السادس
رواية أغصان الزيتون الحلقة السادسة
“أنتِ، في أيدٍ أمينة.”
____________________________________
تحول حفل الزفاف لحدثٍ مشحون، الجميع يترقب ما ستؤول إليه الأمور، بعدما ألقت “سُلاف” تلك القنبلة وسط الجميع. فضيحة بدرجة كارثة إجتماعية على وشك الوقوع، بل الأحرى إنها وقعت بالفعل، وما يدور الآن ما هو انتشار شظايا القُنبلة المنفجرة، ليحترق المكان كُله.
شمل “نضال” ما يحدث بنظراتٍ مذهولة، بفمٍ منبعج گالأبله، وبفضولٍ شديد سأل “راغب” الواقف جواره :
– مين دي ياراغب؟؟ تعرفها!.
لم يكن “راغب” أقل منه في تلقي الصدمة، فـ هو أقرب الأقربين لـ “حمزة” وصندوقهِ الأسود، يعلم بشأنه ما لم يعلمه غيره، إذًا كيف يحدث أمرًا گهذا وهو لا يدري عنه شيئًا. أطال “راغب” النظر إليهم مراقبًا ما يحدث، وأجاب بـ تحيرٍ :
– ولا أعرفها، مش فاهم إيه اللي بيحصل ده!.
حدجه “نضال” بنظراتٍ مستنكرة، مُعتقدًا إنه يخفي الأمر عنه :
– إزاي يعني مش عارف!!.. مش انت اللي شاهد على كل جوازاته ومعاه في كل حاجه!.
تلفّت “راغب” حوله بتشتتٍ، ثم لكزهُ بإنفعال وهو يهمس بـ :
– ششش، أنت غبي يابني!.. الحيطان ليها ودان!.
فلم يخفي “نضال” انفعاله هو الآخر :
– حيطان إيه!!.. الكل مشغول باللي حاصل، دي فضيحة.
– وأسما هانم دخلت في الدور، لو تطول هتموت البت.
أشار له “راغب” بضرورة التحرك لفعل شئ ما، قبل أن تتفشى الأوضاع گالوباء المميت :
– بسرعة لم المصوريين دول ، إحنا هنبقى على كل لسان قبل طلعة الصبح.
بالفعل ذهب كل منهم بإتجاه لمنع المصوريين والصحافة من اقتناص تلك الفرصة الذهبية، للحصول على أخبار ستكون في واجهة أخبار، وستحتل اهتمام الجميع، هذا الأمر الطبيعي بالمجتمعات الشرقية التي تتغذى على الفضائح الإجتماعية والكوارث الأسرية، حينها كانت “أسما” قد انقضّت على “سُلاف” بالفعل، وقد انتوت لها نية متوحشة.
أصابت ذراعها بخدوشٍ غائرة، وهي تغرز أصابعها في رسغها بعنفٍ، صارخة في وجهها :
– إبن مين ومرات مين؟؟.. إنتي مرات إبني أنا؟!.. شكلك مجنونة يابت انتي ولا شاربة حاجه!.
خلصت “سُلاف” ذراعها بصعوبة بالغة، مُدعية بتزييفٍ إنها لم تتأثر بـ أيًا مما يحدث :
– ملكيش حق ياحماتي!!.. ده بدل ما تاخدي حفيدك في حضنك وتعقلي إبنك؟.. حقيقي زعلت!.
أسندت “سُلاف” طفلها على صدرها، وأخرجت الوثيقة الأهم من حقيبتها، صور فوتوغرافية لهما أثناء توقيع عقد الزواج العرفي، صور حقيقية لم يتم التلاعب فيها مُطلقًا. أعطت لـ “أسما” واحدة منهم :
– شوفي بنفسك، إبنك بيمضي على الورقة العرفي وأنا جمبه.. وكمان صاحبه اللي شاهد على العقد.
وابتعدت عنها كي توزع النسخ المطبوعة من الصورة على الحضور، لا سيما “شاكر” وابنته المصون، العروس التي بات حفل زفافها مأتم على قلبها المكسور. حدق “صلاح” في الصورة وقد بهت وجهه، بينما أصاب الشلل كل حواس “حمزة” الذي لم يستوعب بعد ما يحدث من نائبة عظيمة ستقلب حياته رأسًا على عقب. الجميع ينظرون لبعضهم البعض، عدا “حمزة” الذي كان ينظر للصورة بتمعنٍ وتدقيق شديدين، إنه هو، صورته، بمنزله السري الذي لا يعلم أحدًا عنه، وهذا رفيقهِ يظهر بالجوار، وهذه هي تجلس بالقرب أيضًا، صورة كاملة متكاملة؛ لكنه كيف لا يتذكر شيئًا حول تلك الليلة. نهضت “ميان” عن جلستها، رفعت ثوب عرسها المشؤوم وكادت تركض به، فرارًا من الأعين المُسلطة عليها، ما بين شامتٍ ومُشفق، استوقفها “حمزة” ، برر لها برائته الكاذبة، وما زال يدافع عن نفسه كذبًا :
– مفيش حاجه من دي حصلت صدقيني ياميان، ده ملعوب عليا وأنا هكشفه.
انتزعت ذراعها منه، والبُكاء قد أغرق وجهها الحزين :
– لما تكشفه أنت عارف مكاني كويس، ده لو عرفت تكشف يامحامي يامحترم!.
نظرت “ميان” لوالدها گالتي تستجديهِ، فـ اقترب منها ليصحبها إلى الخروج من هنا، وهو يلقي بوعيدهِ الصادق عليهم :
– اللي حصل مش هيعدي على خير ياصلاح، مش بنت شاكر الألفي اللي يحصل معاها كده!.
كان “صلاح” مرتبكًا متوترًا، وقد أُصيب بالعجز عن التفكير، فيما قد يفعله في لحظة عصيبة گهذه :
– أستنى بس ياباشا، في حاجه غلط في الموضوع صدقني.
ولحق به لإنقاذ الموقف السخيف الذي وقع به الجميع، بينما كانت “أسما” تسأل ولدها بحزمٍ منفعل :
– ما تنطق !.. أنت أتجوزت البت دي فعلًا وخلفت كمان!.
مطت “سُلاف” شفتيها بفتورٍ منزعج، ثم أجابت نيابة عنه :
– مش فاهماكي ياطنط حقيقي يعني.. ورقة الجواز معاكي والصورة في إيدك وحفيدك في حضني، أعمل إيه تاني عشان تصدقي!!.
جذبها “حمزة” من ذراعها بعنفٍ حتى كاد يُسقطها :
– تعالي معايا.
وجرّها من خلفهِ جرًا بربريًا أمام الجميع، فـ صرخت به دون أن تسحب ذراعها من قبضته المؤلمة :
– براحة عليا، الولد في إيدي.
نظرت “أسما” حولها بنظراتٍ مرتبكة، وهي تعتذر لجميع الحضور عما حدث :
– بعتذر لحضراتكم أكيد في حاجه غلط.
اقترب منها “راغب” ليقدم مساعدته :
– أرتاحي انتي ياطنط، أنا مشيت كل المصورين وهتصرف في موضوع المعازيم.
التفتت “أسما” لكي تنصرف من أمام الجميع، فرارًا من تلك النظرات القاتلة التي رأتها في أعينهم، كزت على أسنانها بغيظٍ دفنتهُ بصدرها، وغمغمت بـ :
– أتفضحنـا خلاص، أنت وصاحبك فضحتونا.
قطب “راغب” جبينه بإستغراب و :
– أنا!.
توقفت “أسما” عن السير وهي تصيح في وجهه بإندفاعٍ مجنون :
– أنت ظاهر في الصورة معاه!!.. يعني عارف وساكت.
والتفتت من جديد لتهرب من هنا، بينما وقف “راغب” مشدوهًا مما سمع :
– ظاهر معاه!!.. بس أنا مش فاكر البت دي خالص!؟.
لحُسن الحظ إنها نزعت عن قدميها حذائها العالي قبل لحظات من فعلته المتهورة، وكأنها قرأت بوادر الغدر قد تجلّت في عينيهِ، وإلا لـ كانت وقعت على وجهها منذ وقتٍ طويل. تمسكت بـ الرضيع الذي كان يصرخ باكيًا بين أحضانها، وظلت مجرورة بيدهِ حتى وصل بها إلى أحد الغرف بالقصر المأجور، والتي كانت مخصصة لإستضافة العروس وتجهيزها. فتح الباب ودفعها للداخل، وهتف بـ كلمة واحدة :
– راجعلك تاني، بس أمشي الناس اللي برا وهاجي أطيّن عيشة أهلك كلهم.
كانت نظراتهِ عبارة عن نذيرٍ صادق، شريرة، متقدة، ومتوحشة؛ لكنها قابلتها بنظرات جمود وصلابة، وظلت واقفة قبالته هكذا بكل ثباتٍ وشموخ، حتى أوصد الباب عليها مستخدمًا المفتاح الخارجي. هنا فقط، حررت “سُلاف” زفيرًا مكتومًا من صدرها، ضمت “زين” لحُضنها، مسحت على رأسه ووجهه ليهدأ ويكفّ عن الصراخ، وهي تلاطفه بصوتها الذي يحفظه أكثر من أي شئ آخر :
– بس ياحبيبي، خلاص كل حاجه خلصت.. اللي جاي أسهل كتير.. حقك عليا، أنا بس برجعلك حقك.
وجلست به على الأريكة، كي تُريح قدمها قليلًا من أثر الركض حافية، وحتى تستعد للمشقة الحقيقية، لمواجهتهِ وجهًا لوجه، دون أن تستخدم حيل تواري بها شكلها.
خرج “حمزة” گالمجنون، ينظر يمينًا ويسارًا گالذي يبحث عن شخص بعينه، لاحظ الجميع ينصرف، وقد سيطرت حالة غريبة الأطوار بين الحضور بسبب ما حدث، وهناك أقصى اليمين، رأى “راغب” وهو يهتم بتوديع المدعوين بشكلٍ لائق، عوضًا عن الفضيحة التي هزت الجميع، فـ سار صوبهِ بعجالة حتى رآه الأخير، فـ أشار كي يحضر بين يديه، حتى وقف أمامه، وقبل أن يردف بكلمة واحدة، كان “حمزة” يضع وثيقة الزواج والصورة في كفه وهو يصيح بإنفعالٍ :
– أتصرف وشوفلي إيه العك ده، الورقة وقلت أكيد مضروبة، إنما الصورة!!.. الصورة دي من جوا بيتي ياراغب.
كان “راغب” يدقق في الصورة جيدًا، حتى اكتشف ثغرةٍ ما، فـ أفصح عنها :
– الصورة دي متصورة بموبايل واتطبعت، مش من كاميرا.
اختطفها “حمزة” من بين يديه، دقق فيها ليكتشف ذلك على الفور، لكنه في حالٍ لا يقوَ فيه على التركيز. نفخ بإنزعاجٍ شديد، وهتف بـ :
– إزاي ده يحصل!! صورة بموبايل في بيتي وأنا قاعد!.. إزاي ياراغـب.
ثم صرخ وقد أصاب الجنون مداركه فلم يعد قادرًا على التحكم في إنفعالاته لأكثر من ذلك :
– وميـن البـت دي!!.. مــــين؟.. أنا هتجنن.. مش فاكرها ولا عمري شوفتها.
دقق “راغب” في توقيعه، إنه هو ، بدون أي خطأ واحد، بدون أن شائبة تزوير أو ما شابه، فـ ذمّ على شفتيه بتحيرٍ :
– توقيعك صح!… في حاجه أنا مش فاهمها.
ثم نظر من حوله :
– هي فين؟.
غرز “حمزة” أصابعه في رأسه وهو يجيب :
– حبستها فوق.
– وهنعمل إيه دلوقتي؟!.. منظم الحفلة طلب نخلي المكان فورًا وقال مش عايز مشاكل.
أومأ “حمزة” برأسه متفهمًا :
– أنا هتصرف.
– على جانب آخر –
كان “زين” قد بدأ يدخل في سباتٍ عميق، حينما سمعت صوت المفتاح وانفتح الباب بغتةٍ، فـ وقفت “سُلاف” على الفور، متوقعة عودتهِ إليها؛ لكنها تفاجئت بتلك الفتاة التي ترتدي الزيّ الرسمي للمكان، وفي يدها حقيبة كبيرة، تقدمت منها بتعجلٍ وتركت الحقيبة على الأريكة وهي تهمس بـ :
– الباشا باعتلك دي.
وهمّت بالخروج على عُجالة، تركت “سُلاف” الصغير جانبًا، وهمّت تفتح الحقيبة بسرعة، لتجد ثيابًا نظيفة بها وللرضيع، وحذاء رياضي مُريح مرفق بـ جوارب قطنية، ورضاعة “زين” أيضًا ممتلئة بالحليب الدافئ، بجانب بعض الأشياء التي ستحتاجها. شرعت بتبديل ملابس “زين” أولًا، متعمدة الإسراع قبيل أن يأتي مجددًا، ثم نزعت عنها ثوبها الأحمر وبدأت ترتدي كنزة بيضاء قطنية مريحة، وبنطال من (الچينز)، جمعت شعرها، رفعته لأعلى وشبكتهُ بدبوس، ثم بدأت تُزيل عن وجهها تلك الكمية المكثفة من مساحيق التجميل. أعادت كل شئ في الحقيبة، وقبل أن تغلق سحابها كان “حمزة” يقتحم الغرفة من جديد، امتلأ وجهه بعلامات الإستفهام المشدوهه، وهو يرى وضع غير الذي تركها عليه، بجانب تلك الحقيبة التي كانت تغلقها وما كانت موجودة بالبداية. مشى نحوها بإندفاعٍ، خطف الحقيبة من بين يديها، ثم ألقى كل ما بها أرضًا وفتش به شيئًا فـ شيئًا، لم يثير أي شئ تحفظهِ، وإنما دخول الحقيبة هنا هو ما شتت لُبه، فـ ترك كل شئ ووقف أمامها، هزّها هزًا عنيفًا وهو يجأر بصوته متسائلًا :
– إنتي مــين ؟؟.. مين وصلك الشنطة دي وأنا قافل الباب؟.
فأجابت بثباتٍ دون أن تُبدي ذرة اهتزازٍ واحدة :
– الشنطة كانت هنا من الصبح.. ومتسألش دخلت إزاي.
فصرخ في وجهها صرخة أرعبت الصغير وأيقظتهُ :
– لأ هـــــســأل.
لم يكترث لبكائهِ، وظل صوته عاليًا بذلك القدر دون أدنى تغيير :
– ده انتي مرتبة لكل حاجه من بدري بقى!.
واجهت ظلام عينيهِ بغموض نظراتها وقوة تعابيرها وهي تقول :
– آه، كل ده كان مترتب، من ساعة ما ولدت إبنك وأنا مستنية اللحظة اللي أظهر قدامك فيها.. إيه رأيك ؟.
أوغر صدرهِ بالحقد، وملأ الغضب مشاعره المنفعلة، فـ غرز أصابعه في شعرها يكاد يجتث جذورهِ، وقد تفاقمت مشاعره العدوانية بداخله :
– أنا هـــموتك، هدفنــك في مكانـك لو مقولتيش مين رمـاكـي في سـكتي.
خدشت أصابعه بأظافرها لتؤلمه بحق؛ لكنه لم يأبه بذلك ولم يحّلها :
– محدش رماني في سكتك، ده نصيبك اللي انت صنعته بنفسك.
دخل “راغب” أثر صوته الذي انتشر بسرعة الضوء في المحيط كله، وكل ما ركز عليه هو إنقاذ الموقف للخروج بأقل خسائر من تلك الفضيحة :
– بس ياحـمزة بس، اللي بتعمله ده مش هيفيدنا بحاجه.
خلصها من بين يديه بصعوبة بالغة، ثم التفت ليحذرها بصرامةٍ :
– ما تخلصينا وتجيبي الحكاية من الآخر، لو عايزة فلوس هنغرقك.. إنما الحركات الـو××× دي شبعنا منها.
فتدخل “حمزة” رافضًا اقتراح رفيقه :
– ولا جنيه حتى هتطوله مني، وهتنطق بالحقيقة كلها يعني هتنطق.
فـ دفعه “راغب” برفق قبل أن يهجم عليها مجددًا :
– ياعم أصبر مش كده.
ثباتها وهدوءها، يعصفان بما بقى من ثباته، خاصة وإنها لم تهتز قيد أُنملة :
– أنا قولت اللي عندي، عايز نعمل تحاليل نعمل.. إنما تنكر إبنك ده مش هيحصل، واللي مش هاخده منك بمزاجك زين هياخده منك بالقانون.
ضحك من فرط إنفعاله، حقًا فقد كل الحلول العقلانية، وما بقى أمام خياله هو تصوّر واحد فقط، إنه يقتلها بالفعل ويتخلص من الأمر برمتّه :
– مش مصدق البجاحة اللي بتتكلمي بيها، ومين زين ده!!.. حتت العيل اللي جيباه معاكي تتسولي بيه.
فـ تباهت وكأنما الحق كل حق معها وحدها :
– حتت العيل ده هو ولي عهد عيلة القرشي، سواء اعترفت بـ ده أو لأ.
– ده بعينك لو حصل.
تدخل “راغب” مقترحًا :
– خلاص نعمل التحليل ياحـمزة، وبعدها لينا التصرف معاها.
ارتكزت عينا “حمزة” على الطفل وهي تتناوله ليبقى بين أحضانها، فـ غلت الدماء في عروقهِ، وما زال عقله غير قادر على استيعاب ما حدث حتى الآن :
– ده مش إبنـــي، مــستحيـل حاجه زي دي تكون حصلت، حتى لو كنت فعلًا اتجوزتك، مش ممكن يكون ده حصـل انتي سـامعة.
ثم نظر للطفل مرة أخرى، ولم يطيق صبرًا بعد كل هذه المماطلات :
– ماشي، هعمل تحليل عشان بس أكشف لعبتك القذرة، وبعدها….
صمت هنيهه، وبرز الشر في عينيه وهو يتوعدها :
– هكون عـزرائيلك، هموته وهموتك مـعاه.
تجاوز “راغب”، وحصل على ذراعها مرة أخرى ليجتذبها منه، فـ تملصت منه تلك المرة وهي تصيح فيه :
– أوعـى!!.. أنا جايه معاك من غير ما تلمسني.. إنت إيه! حــيوان ؟.. مش شايفني شايلة إبنك.
فصرخ في وجهها وقد طفح كيله :
– بـرضـو هتقـولـي إبنــك!!.. كلامك ده هحاسبك عليه حرف حرف، بس أصبري عليا.
فض “راغب” بينهما من جديد، وسأل “حمزة” :
– أهدا ياحمزة وقولي عايز إيه؟.. خلينا نكملها بالعقل ياصاحبي.
– هتيجي معايا المستشفى حالًا.
انحنت “سُلاف”، تناولت الرضّاعة (بزازة أطفال) خاصتهِ، وضعتها في فمه كي يهدأ قليلًا، ثم حملت حقيبتها الصغيرة على كتفها وتأهبت للذهاب معه :
– أنا جاهزة.
أشار لها “راغب” كي تعبر من أمامه :
– أتفضلي.
مرت من أمام “حمزة”، يكاد يطبق على عنقها فـ يحرمها حتى أنفاسها الأخيرة، جراء ما فعلتهُ، لولا أن “راغب” وقف أمامه وحدق فيه بنظرات ذات مغزى، ثم أردف بخفوت :
– أصبر، هنشعلقها بس نعمل التحليل.. أنا قلبي مش مرتاح.
فـ اتقدت نظرات “حمزة” وهو يتمتم بغضبٍ مكتوم :
– بقولك مش إبني، أنا بكون عامل حسابي في كل مرة.. ما تفهم بقى!.
ثم تركه والتفت كي يلحق بها، لئلا تحاول الفرار أو الهروب منه. كانت تسير بتؤدة، حريصة على وجود “زين” بين ذراعيها، حتى لحق هو بها، وضرب على كتفها ضرباتٍ مهينة :
– أنجزي مش هتمشي على قشر بيض!!..
تجاهلتهُ تمامًا، رأته يسير متعجلًا أمامها وقد سبق خطواتها بمسافة، لكنها لم تغير مسيرة خطواتها، وهمست بـ :
– أيامك الجاية كلها سواد، بس يطلع التحليل، هبقى كابوسك يابن القرشي.
وقف “نضال” بجوار “راغب” أمام القصر، يراقبون انصراف “حمزة” بها، بعدما أجلسها في السيارة وأغلق الأبواب كلها. فرك “نضال” فكهِ بحيرةٍ :
– يعني رايح بيها المستشفى!.
– آه.
زفر “نضال” وهو ينظر في ساعة يده، ثم هتف بـ :
– أسما هانم لسه قافلة معايا وسألتني، تفتكر أتصل أبلغها؟؟.
فـ نصحه “راغب”، وفقًا لمعرفته الطويلة بالعائلة فردًا فردًا :
– لو عايز نصيحتي أخلع نفسك من العيلة دي.. أسما ولية شر.. خلينا بعيد أحسن.. لو حمزة عايزنا إحنا معاه، غير كده لأ.
*************************************
كان يسير بسرعاتٍ متفاوتة، غالبًا عليه عصبيته المفرطة، ومن بين حينٍ وآخر ينظر بطرفهِ، هدوءها وهدوء الصغير كان يثيره أكثر، لكنه – وبصعوبة مفرطة – تحكم في نفسه، لم يردف بكلمة واحدة، لم يتحمل في الأساس أن يتحدث إليها بأي شكل. لاحظ تلك السيارة بالخلف، والتي كانت تُقلبّ في إضاءتها له كي يتوقف، راوغ سائقها، وبدأ يميل يمينًا ويسارًا، والسيارة التي تتعقبهم ترواغه هي الأخرى، حتى أسرعت فجأة وتعدتهُ حتى أصبحت أمامه، فـ تشكك بالأمر ونظر حيالها يقول :
– دي باقي لعبتك بقى ولا إيه!؟.
كانت هادئة بشكلٍ يثير الأعصاب، كأنها في أيدٍ أمينة، بل هي بالفعل في أيدٍ أمينة. توقفت السيارة على بعد أمتار قليلة لتوقفه، وفجأة وجد نفسه محاصرًا بسيارة من الخلف أيضًا، فلم يتمكن من الفرار بأي شكل. التفت يرمقها بإمتعاضٍ وغضب، وهتف بـ :
– ده انتوا عصابة بقى!؟.
ابتسمت “سُلاف” ابتسامة الظافر المنتصر، ورنت إليه بنظرةٍ أخرى شامتة، وقالت :
– عيب لما تقول كده على أم إبنك ياحمزة.
فجأة وجد “حمزة” مجموعة من الرجال ذوى البنية القوية، هيئتهم تنم على إنهم من أفراد الحراسات الخاصة، أشهر أحدهم السلاح، ووجهه على رأس “حمزة” قائلًا :
– أفتحلها الباب.
بقى “حمزة” مقيدًا بأصفادٍ صارمة، لن يقدر على مواجهتهم بمفرده، فهو مؤمنًا أن الكثرة – والقوة – تغلب الشجاعة. فتح لها باب السيارة عبر زر جانبي جواره، فـ قام أحدهم بفتح بابها وهتف بـ :
– اتفضلي ياهانم.
نظرت “سُلاف” إليه، ثم نزعت رضاعة “زين” من فمه قائلة :
– أنت اللي هتعمل التحليل لوحدك.
وضعت الرضاعة بجواره متابعة :
– ودي عينة إبنك.
ابتسمت من جديد، ابتسامة أكثر إشراقة وتحدي :
– أنا هعرف أمتى أوصلك تاني، عشان حق إبني وحقي.. عمره ما هيروح في الأرض.
كل ذلك وهو في موجة من الصدمة، كل ما عايشه الليلة من تدبيرٍ محنك ومدبر كان يستحق التصفيق بحق ، وبقى هو الغبي الوحيد الليلة. هبطت “سُلاف” عن السيارة بكل هيبة، وسارت متقدمة رجالها نحو السيارة، فتح لها أحدهم الباب حتى استقرت، ثم مضت السيارة في طريقها، لم يتحرك ذلك الحارس الذي بقى على رأس “حمزة”، حتى ابتعدت سيارة “سُلاف” للحد الذي لا يمكنه تعقبها، ثم انسحب من أمامه وهو يردف :
– زي ما الهانم قالت، هي هتوصلك في الوقت والمكان المناسب.
ومضى كي يستقل السيارة الواقفة في الخلف، ليبقى “حمزة” في قمة ذهوله وهو يردف بـ :
– آه يا ولاد الكـلـب…!!.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)