رواية أغصان الزيتون الفصل السادس والتسعون 96 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء السادس والتسعون
رواية أغصان الزيتون البارت السادس والتسعون
رواية أغصان الزيتون الحلقة السادسة والتسعون
||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل السادس والتسعون :-
الجُـزء الثـاني.
”أحيانًا تكون الخسارة الفادحة سببًا في مكسب أكثر قيمة.“
___________________________________
لم تتركه طوال الليل، ظل متوسدًا ذراعيها مطوّقًا خصرها بيداه خشية أن تتركه وتنهض، حتى إنها اضطرت لإرسال رسالة نصية للمربية “أم علي” كي تهتم بالصغير بدلًا منها، وأرست إليها القواعد التي ستتبعها لكي تمضي الليلة بسلام ويتخطى الرضيع آلامه. حاولت أن تحافظ على استفاقتها، كي تغادر غرفته في أقرب فرصة تسنح لها، دون أن يشعر هو بمدى القرب الحميمية الذي كان بينهما، لا تعلم كيف حدث ذلك ولكنها غفت، وكأن خطط القدر لا تسير وفقًا لما تريد. أما هو، فلم ينام مسترخيًا مرتاحًا هكذا منذ فترة، لم يتعمق في النوم الهادئ بهذا الشكل منذ أن حطت هي على حياته گالمصيبة، ثماني ساعات ونصف من النوم المتواصل بدون أن يفيقا فيهما، حتى بدأت أعصاب الإستشعار تدق في رأسهِ، بعدما أحس بوخزات رقبتهِ التي لم تتحرك عن صدرها واحد سنتيمتر، فـ تحرك ببطءٍ متحاشيًا شعور الألم، حتى بدأت مداركهِ تعي حقيقة الواقع الذي يعيشه. رفع رأسه يرنو إليها بعيناه الناعسة، فأحس بها مستغرقة في النوم تغوص في أحلامها، علقت أنظاره عليها يتأملها، فلم يرى فيها سوى البراءة المتخفية خلف عباءة إظهار الشجاعة دومًا، حسناء؛ ناعمة؛ وفاتنة أيضًا، لا سيما إنها مرتدية منامتها القطنية الرقيقة، فأضفت عليها رقة بالغة. سحب “حمزة” ثِقله عنها رويدًا رويدًا، وبرفق شديد كان يسحب جسدها الرفيع للأسفل كي تعتدل في نومتها، ثم وضع عليها الغِطاء وانحنى نحوها قليلًا، مال وجهه نحو رقبتها المكشوفة أمامه، فلمست شفاههِ طرف جلدها بحرصٍ شديد، حتى اخترقت رائحتها أنفه، نفس تلك الرائحة التي كان يشتمها حينما يُقبل طفله ويبحث عن مصدرها، ها هو يكشف عن المصدر الحقيقي لها، إنها رائحة أمهِ. ابتعد عنها “حمزة” بغير رغبة، متمنيًا لو إنه قضى وقت أكثر بين نهديها؛ لكنه حبذّ ألا تراه أو تشعر به الآن، فـ سحب نفسه كليًا من جوارها، مراعيًا إنها سهرت على راحته حتى تنعّم هو بقِسط وفير من الراحة، وخرج بصمتٍ وهدوء.
**************************************
حاول تجسيد فكرة عدم الإكتراث، وإنه لم يهتم كثيرًا بالخبر الذي أعلنته له “رضوى” حينما أبلغته أن “حمزة” سيتواجد بينهم اليوم، حتى إنه لم يرفع طرف بصره إليها وهي تُخبره، فـ أرسل إليها شعورًا بإنه يتجاهلها عن عمدٍ ، مما استرعى عصبيتها فجأة لتصيح فيه :
– انت بتعاملني كده ليه يا نـضال؟؟.. بقالك فترة غريب جدًا معايا وتحولت لإنسان أنا معرفوش.
تنهد “نضال” وهو يترك الملف الذي بين يديه، ونظر حيالها نافيًا ذلك :
– مش صحيح، أنا بس اليومين دول عندي شويه مشاكل بحاول أواجهها.
اختنق صوتها وأحس هو ذلك بوضوح :
– وانا ذنبي إيه؟.
نهض “نضال” عن مكتبه وفي قرارة نفسهِ ينوي الهروب منها گكل مرة، قبل أن تواجهه بالأمر الذي يخشاه بقوة :
– أنا آسف ياستي، لازم أنزل عشان آ….
استوقفته وقد بلغ صبرها آخره، وقد قررت إنهاء عذابها معه اليوم :
– لأ مش هتنزل، أنا مش فاهمه ليه اتغيرت معايا أوي كده كأني عملتلك حاجه غلط!.. هو أنا غلطت عشان صارحتك بمشاعري ناحيتك يا نضال؟.
أخفض عيناه أرضًا بإستحياء، وخفت صوته تلقائيًا وهو يردد :
– انتي تستاهلي حد أحسن مني ١٠٠ مرة.. أنا منفعكيش يا رضوى.
تماسكت كي لا تُظهر ضعفًا أمامه، حتى إنها منعت دموعها من أن تترقرق على وجنتيها، وفي صمودٍ كانت ترد :
– بس انا مطلبتش الأحسن، أنا كنت عايزاك انت اللي تحس بيا.. ياريت كان بأيدي أختار بس انا مشيت ورا قلبي ودي كارثتي.
تراجعت للخلف خطوة وهي تعفيه تمامًا من عبئ اعترافها الذي أدلت به منذ أيام، لتحرره من قيد الذنب الذي طوّق عنقه :
– أنسى أي حاجه أنا قولتها وانت مش غلطان على فكرة، انت مجرد زميل شغل والمفروض كنت أفهم ده من أول لحظة.. أنا اللي آسفه.
ابتعدت عنه بخطواتٍ، ثم التفت مغادرة مكتبه بالكامل، تاركة في صدرهِ ندبٍ مؤلم، نتيجة شعوره بالذنب حيالها. بدون قصد أو تعمد تسبب في كسر قلب بريئة، كل ما اقترفته هو إنها اتبعت هوى قلبها الذي جرّها لحُبه. جلس “نضال” على المقعد المقابل لمكتبه بعدما ثقلت عليه أكتافهِ، وغمغم بهمسٍ مضطرب :
– مكنش ناقص غير ذنبك يتعلق في رقبتي يا رضوى!.
****************************************
انتفضت من نومتها لتكتشف إنها الواحدة ظهرًا، نظرت من حولها فـ أدركت إنها قضت الليل كله هنا، فـ امتعضت ملامحها وغادرت الفراش بتشنجٍ، ثم غرزت أصابعها في رأسها تحكها بإنفعالٍ وهي تغمغم ساخطة :
– غــبية!.
اندفعت نحو الباب وخرجت منه دون إغلاقه، ثم خطت نحو غرفتها بعجالةٍ ودخلتها، لتراه جالسًا على الفراش يُطعم الصغير بنفسه، بينما “أم على” تقف في الجوار قليلة الحيلة، لا تقدر سوى على تنفيذ الأوامر. أشارت إليها “سُلاف” لتخرج، وعقدت ذراعيها أمام صدرها وهي تهتف مستهجنة :
– زيارتك بقت شبه يومية لأوضتي، لأ دي بقت في اليوم من ٤ لـ ٥ مرات كمان!.
مسح “حمزة” على فم صغيرهِ بالمنديل وهو يجيب بهدوء :
– عادي، أوضة مراتي وأدخلها وقت ما أحب.. وقريب هنكون في أوضة واحدة.
لم تجادله في عباراته المقصودة حتى لا تفتح باب للنقاش معه، في حين إنها لا تود رؤيته الآن على وجه الخصوص :
– عايزة أغير هدومي.
وفتحت له الباب لكي يذعن لرغبتها، فنهض بالفعل وترك بقية الطعام جانبًا، دنى منها حتى وضع وجهها بين راحتيه ليقول في نعومةٍ آسره :
– شكرًا عشان فضلتي جمبي طول الليل، أنا معرفتش أنام غير وانتي موجودة.
ومسح بأبهاميهِ على خدها قبل أن يتركها نهائيًا، ثم خرج وأغلق الباب من خلفهِ، فـ نزعت “سُلاف” كل ثيابها عن جسمها في حركاتٍ منفعلة حتى باتت عارية تمامًا، وكأنها تتخلص من بقايا ليلة أمس، بعدما ظل في أحضانها طوال الليل. سحبت منشفتها الكبيرة وأسرع نحو دورة المياة وهي تغمغم :
– أهي مرة، لو بتموت قدامي مش هتتكرر.
وصفعت باب دورة المياة من خلفها في نفس اللحظة التي انفتح فيها الباب مرة أخرى وهو يقول :
– نسيت أقولك آ…..
لم تكن موجودة في أرجاء الغرفة، ولكن ثيابها -وحتى الداخلية- كانت ملقاه أرضًا، فـ صعدت ابتسامة عابثة على محياه دون أن يشعر، وانحنى يجمعهم بنفسهِ وسرعان ما خرج بعدما احتفظ بهم، وكأنها ذكرى سيحتفظ بها من هذه الليلة الرائعة، التي لم يحدث فيها شيئًا سوى إنه كان بين ذراعيها، فكان حُضنها اكتفاءهِ، على الأقل حاليـًا.
**************************************
كان الظلام دامسًا، والهدوء المرعب محيط بكل زوايا وأركان المنطقة النائية التي يسكنها “صادق”. وصلت سيارات الموكب الخاص به أمام البوابة وفتح حارسهِ الباب الخلفي كي يترجل منها، ثم دخل مباشرة وهو يسأل :
– Is Mr. Hatem inside? هل السيد حاتم بالداخل؟.
فأجابه أحدهم :
– He went out since noon. خرج منذ الظهيرة.
أومأ “صادق” برأسه ودخل للمنزل، كأن هادئًا ساكنًا، حتى إنه خلى من صوت الخدم. لم يهتم كثيرًا ومضى في طريقه لغرفته بالطابق العلوي، مستشعرًا إرهاق شديد في سائر بدنه. فتح إضاءة الغرفة وأغلق الباب وهو ينتزع سترته، ثم ألقاها على الأريكة والتفت نحو الفراش. كانت مفاجئة مرعبة، حين رأى “صلاح” جالسًا على المقعد في انتظاره دون أن يتفوه كلمة واحدة. ارتعدت فرائصهِ، وانقبض قلبه انقباضةٍ قوية وهو يرمقه بإنفعالٍ وهو يصيح :
– انت إزاي دخلت أوضة نومي؟؟.
وتحرك على الفور بإتجاه الباب ليفتحه في عصبيةٍ :
– انتوا يا بهايـم ياللي شغالين هنا؟؟.
فتح الباب فرأى أمامه رجلًا بدينًا عريضًا يسد عليه الطريق، ثم دفعه للداخل بعدوانية صريحة وهو يردف بـ :
– Get in there, man. أدخل للداخل يارجل.
وأغلق الباب ووقف أمامه وهو يتابع :
– I advise you not to make problems so that you do not die immediately أنصحك ألا تفتعل المشكلات حتى لا تلقى حتفك في الحال.
بدأت أعراض التوتر المرتعب تظهر على وجه “صادق” الذي شحب على الفور، ثم التفت إليه يزجرهُ بغيظٍ :
– انت أكيد اتجننت، اللي بتعمله ده جريمة وأنا هوديك في داهيه يا صلاح، أوعى تكون نسيت نفسك.
نهض “صلاح” عن جلسته بكل هدوء وثقة، ثم وقف أمامه بكامل صلابتهِ وهو يقول :
– انت اللي نسيت يا باشا، نسيت إني عملت كتير أوي عشان خاطر ابنك، لولايا كان زمانه مسجون وانت برا الخدمة.. من أول ما خرجته من قضية التعاطي لحد قضية البت الرقاصة اللي اعتدى عليها وغيره وغيره.. أنا كنت ستر وغطا عليكوا يا باشا.. إنما انتوا عملتوا إيه؟؟ عريتوني وهدرتوا دم بنتي، كان لازم أفهم إن العرق يمدّ لسابع جدّ، وإن انت وابنك طينة واحدة مش هتفرقوا بين ولاد الناس وولاد الكلب.
ضحك “صادق” هازئًا من كلماتهِ وكأنها خُطبة من رجل حكيم، ثم ذكّره بذنب ابنته وجرمها الشنيع :
– أنا اللي عايز أفكرك ان بنتك المصون اللي بتكلمني عشانها دلوقتي بت ×××××.. مرغت شرف ابني في الأرض وحطت راسك في الطين، جاي تكلمني على إيه يا صلاح.. حقك تشكرني إني نضفت عارك وخلصتك من الفضيحة انت وأخوها، وإلا كان زمان السيرة على كل لسان.
أطبق “صلاح” على عنقهِ يخنقه وفي صدره نار گالحريق الملتهب :
– انت مش هتعيش يوم تاني يا صادق، خلاص أجلك جه وأنا هسلمك للموت بأيدي.. حتى الشهادة مش هتنولها.
تلوى “صادق” لكي يتخلص من قبضتيهِ اللاتي أطبقن على عنقهِ وقد بدأت بشرتهِ في الإصفرار كأن الدماء تفرّ منها، بينما “صلاح” تحول بالفعل لوحشٍ سيفترسهُ لا محاله :
– متحاولش، انت خـلاص يا صادق.. انتهيت.
دحرهُ “صلاح” بدفعةٍ قويةٍ، حينها كان القاتل المأجور قد تجهزّ بالفعل لينحر عنقهِ گالشاه المذبوحة، ولم يضيع ثانية واحدة حتى لا يكتسب “صادق” قوته من جديد، فقضى عليه بسحبة سكين واحدة، وتركه أرضًا يرتجف ارتجافًا وهو ينزف گالذبيحة، وعيناه مفتوحة عن آخرها وهو ينظر لـ “صلاح” الذي كان يرمقه بشماتة المنتصر، بعدما حقق اقتصاصهِ منه كما زعم.
—جانب آخر—
أغلق “مصطفى” الجهاز اللوحي (تابلت) بعدما شاهد الجريمة كاملة عبر البث المباشر، وقد بردت روحهِ وبدأ يجد طريقًا للسلام الروحي، بعد شقاء أعوامٍ طويلة استنزفت جميع أبناءه، ها هو يحصل على دليل حكم الإعدام لـ “صلاح القُرشي” ، وقد تمت المـهمـة الحـقيقـية لعائلة “زيـِّان” بنـجـاح…
**************************************
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)