رواية أغصان الزيتون الفصل السابع والتسعون 97 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء السابع والتسعون
رواية أغصان الزيتون البارت السابع والتسعون
رواية أغصان الزيتون الحلقة السابعة والتسعون
||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل السابع والتسعون :-
الجُـزء الثـاني.
“إنه خِتام الطريق، حيثُ نهاية كل شئ.”
___________________________________
تكدس مكتبه بالملفات الكثيرة في وقت قصير، ومازال يعبث في خزانة الأوراق والمستندات خاصته ليخرج كل ما هو مستغني عنه، ثم التفت لمكتبه وبدأ يخطف نظرات سريعة من الملفات وأردف بخفوتٍ :
– ده انا محتفظ ببلاوي ولا ليها أي لازمه.
رفع سماعة الهاتف الخلوي وتحدث :
– تعالي عايزك.
لحظات وكانت السكرتارية تدخل إليه لتسأل في رسمية :
– أؤمر يا فندم.
أشار لها نحو الملفات الموضوعة على المكتب ليقول :
– الملفات دي تعدميها كلها، دول عملا مش محتاجين نتعامل معاهم تاني.
ثم أشار للجانب الآخر حيث صندوق خشبي يحوي العديد من الملفات على الأرض متابعًا :
– وخلي حد من الأمن ييجي عشان ينزل الصندوق ده لعربيتي.
– تمام ياأستاذ حمزة.
دلف “نضال” في هذه اللحظة وهو ينظر للمحيط من حوله بنظراتٍ فضولية، ثم سأله مباشرة :
– خير يا حمزة؟.. هنسيب المكتب ده ولا ايه؟.
فأجابه “حمزة” بعفوية :
– لأ، شويه حاجات ملهاش لازمه قررت استغنى عنها.. المهم تعالي أقعد.
أشار له نحو الأريكة حيث مكان جلوسهما، ثم جلس قبالته وسأل :
– مش عارف أشكرك إزاي يا نضال.. أنا عارف إنك شيلت المكتب في غيابي الفترة اللي فاتت انت ورضوى، والفترة الجاية ان شاء الله كل حاجه هترجع أحسن من الأول وانا هرجع لمكتبي تاني.
انتفضت الحماسة في نفس “نضال”، على الرغم من الهواجس الداخلية التي دفعته لعدم الإطمئنان الكامل بهذه السرعة، فسأله بفضولٍ قلق :
– يعني خلاص هترجع تبص لحياتك وتسيب البت دي بكل مشاكلها؟؟.
كأن ثنايات وجهه قد اكفهرت، وظهرت عليه تعابير الإمتعاض الذي يحاول أن يكتمه وهو يقول :
– بت مين؟.. خلي بالك يا نضال انت بتكلم عن أم ابني، متنساش تحافظ على المقامات وانت بتكلم عنها.
گالذي دعس على المكابح دفعة واحدة، لكنه لم يتفادي الإصطدام المفاجئ بأي شكل من الأشكال. انفجر “نضال” بعدما فارق مكانه ناهضًا بإندفاع وصاح فيه :
– مقامات ايه اللي بتكلم عنها يا حمزة!.. انت إزاي نسيت كل حاجه فجأة؟!.
حرر “حمزة” زفيرًا مختنقًا من صدره وهو يبرر نفسه بعفوية غير معهودة منه :
– أيوة عايز أنسى كل حاجه.. خلاص يا نضال أنا ماليش غير ابني دلوقتي، وجود ابني معايا مرهون بأمه.. وانا عايز الأتنين.
لولا محاولات “نضال” المستميتة للحفاظ على ثباته الإنفعالي لكان الجنون تملك من عقله وانفجر في وجهه؛ لكنه للحظة الأخيرة كان مجاهدًا من أجل ألا يخسر الكارت الأخير :
– يعني إيه عايز الأتنين!.. ما تاخد ابنك وتسيبها تروح لحالها.
كأن سيرة افتراقها عنه تؤرقه، تعكر صفو حياته بالكامل، وتبين ذلك على وجهه بوضوح وهو يقف أمامه :
– مقدرش، مبقاش عندي الطاقة إني أخسر حد تاني.
ابتلع “نضال” ريقه متوجسًا من جواب سؤاله التالي :
– يعني إيه؟.. حـبيتها ؟؟؟.
سحب “حمزة” معطفهِ وبدأ يتجهز للمغادرة، وأثناء ذلك أفاده بالجواب القاطع :
– بشكل أنا نفسي مش مصدقه، ومش عارف ليه وإزاي وأشمعنا عدوتي.. بس ده اللي حصل وبواجهه مقدرش أنكره أكتر من كده، سلام.
خرج من مكتبه في اللحظة التي حضر فيها فرد الأمن، فألقى عليه أمره :
– هات الصندوق اللي جوه ده لعربيتي.
– حالًا ياأستاذ حمزة.
واستبقه “حمزة” بينما هو واقفًا بجمود هكذا، مازالت الصدمة تغلفه بالكامل، لقد حدث ما كان يخشاه الجميع، والواضح وضوح الشمس إنه لم يعد هناك حل جذري يقطع تلك الصلة في حال إصرار “سُلاف” على الإحتفاظ بطفل اتخذته ولدًا لها، تعقدت الأمور أكثر مما ينبغي، وبات تمسك “حمزة” بها كارثة حقيقية سيواجهها آل زيّان جميعًا، بعدما ظن الجميع أن الصلات تنقطع والحبال تذوب، إذ إنه يوجد حبل آخر متين وصلب سيعرقل الخطة النهائية للإنسحاب.
*************************************
شاهدت المشهد كاملًا، عدا اللقطة الأخيرة التي تضمنت ذبحهِ، وقفت لدى المشهد ولم تستطع إنهاء مشاهدتهِ. أغمضت عيناها وأبعدت الهاتف عن مرمى بصرها، وعلى وجهها تجلّت ابتسامة شامتة شديدة البهجة، وناولته الهاتف وهي تقول بسعادةٍ طغت على نبرتها :
– خلاص يا راغب، كده كل حاجه خلصت.
لم يكن “راغب” أقل منها بل أكثر حبورًا :
– مش فاضل غير حاجه واحدة بس يا سُلاف.. ترجعي معايا.
أومأت “سُلاف” برأسها مؤيدة ما قاله :
– أكيد هيحصل، بس تيجي الفرصة اللي أقدر آخد بيها زين ونمشي من هنا.
ثم نظرت بإتجاه المنزل الذي حاوطه رجال الأمن من كل مكان وانتشر في كل زواياه كاميرات المراقبة لتستطرد :
– أديك شايف الحِصار اللي انا فيه.
أمسك “راغب” مرفقها دون قوة، واجتذبها قليلًا وهو يقول :
– مبقاش ينفع يا سُلاف، العيل ده لو فضل معاكي هيفضل عاملها حجة.. انتي لازم تستغني عنه.
كأنه يطلب منها أن تغادر روحها، تلونت بشرتها بالصُفرة الباهته وهي ترفض ذلك الحل الذي سيكلفها عذاب ما بقى من عمرها :
– مستحيل، ليه كلكم مش حاسيين بيا وفاكرين إني أقدر أسيبه!.. ده ابني يا راغب، اتولد ع إيدي وعاش في حضني كل ده وهو ابني، دلوقتي عايزني أتخلى عنه؟.. مستحيل.
كان في طريقه للمنزل، حينما رآهم بعينه أمام المنزل، تتحدث إليه “سُلاف” وعلى تعابيرها ما يوحي بحزم الحوار بينهما. أحس بالغيرة تنهش في صدرهِ، گالنار التي تصاعدت حتى بلغت جوفه، فخرجت أنفاسهِ گالدخان الملتهب، مما جعله يدعس أكثر ليصل إليهم أسرع. وقفت سيارته أمامهم فجأة، وترجل عنها وهو يسأل بصياحٍ مرتفع :
– انت بتعمل إيه هـنا ؟؟.
حاولت “سُلاف” أن تقف بينهم وهي تراه مقبلًا بإندفاع نحو “راغب”، فـ تحرك الأخير ليبعدها عن طريقه وهو يجيب :
– انت مشترتش الشارع لمجرد إنك ساكن فيه يا حمزة.
رؤيته له وهو يمسك بها كانت وقودًا لجمرهِ المتقد، جعلته بلا رويّة يدفعه للخلف حتى يحصل عليها ويأخذها لصفّه قائلًا :
– اللي انت بتكلمها دي تخصني، في ذمتي.. يعني من الآخر مش عايز أشوفك ناحيتها تاني.
نجح “حمزة” في ضمّها لجانبهِ، في اللحظة التي تكاثر فيها عدد أفراد الأمن من حول “راغب” جاهزين للهجوم عليه، فـ صدح صوت “سُلاف” كأنها تستغيب برحمتهِ :
– لأ يا حــمـزة.. راغب جايلي أنا انت ملكش دعوة.
لم يهتم كثيرًا لحديثها أو يلتفت إليه، بينما كان “راغب” ينظر إليه بعين الغضب الأهوج وهو يقول :
– عايز إيه يا حمزة؟؟.. سُلاف مش هي التمن اللي هندفعه بدل فقدانك يسرا.. انت عارف كويس إنها ملهاش ذنب.
كتمها في نفسه، تلك الوخزة التي أوجعته حال تذكيره بكل شئ في كلمة واحدة، فلم يكن لديه متسع من رحابة الصدر التي تجعله يفسر نفسه له، وفي الأساس هو خسره إلى ما لأ نهاية، فلم يعد “راغب” يملك حق أن يُفسر له، فـ اختصر “حمزة” كل شئ في جملة قصيرة موجزة :
– انت فاهم غلط، سُلاف مراتي وانا محتفظ بحقي الشرعي والقانوني فيها.. روح قول لأبوك حمزة مش بيفرط، حمزة خد حقه ولو حد هوب ناحية الحق ده أنا هنسفه.. والمرة دي إيدي مش هترتعش لو اتحطط على الزناد.
أمسك “حمزة” برسغها بينما كانت تتلوى صائحة :
– سيب إيدي أنا هدخل لوحدي.
تجاهلها تمامًا وهو يترك أمره قبل الدخول :
– وصلوا الأستاذ لأول الشارع.
وشدد على قبضته الممسكة إياها وهو يدخل بها منزله، لم يتركها رغم محاولات كثيفة منها، حتى أغلق الباب وانفرد بها ليبدأ صياحهِ عليها :
– لو ده آخـر يوم في عمرك مش عايز ألمحك ما الخاين ده.. وو مش عايزاها تبقى دم اشتري حياة ابن عمك يا سُلاف.
حدقت عيناها وانتفشت أعصاب جبهتها النافرة وهي تهدر فيه :
– انت أكيد مش واعـي لنـفسك.. الكلام ده لما نبقى واخدين بعض حب.
اخترق صوته المدوي آذاناها مسببًا لها صريرًا مؤلمًا وهو يقول :
– كلامك ولا يفرق معايا، دخل من ودني دي خرج من التانيه.. ولو لسه عايزة تعرفي غباوتي حدودها فين جربي تقابليه ولا تشوفيه تاني.. خـلـصـت.
تركها واقفة في مكانها وهمّ بالصعود لغرفته، وهي في أوج امتعاضها منه، تفكر فيما آلت إليه الأمور مع “راغب” وما وصل إليه بالخارج، فتحت الباب وأشرأبت برأسها تستطلع بالنظر؛ فكانت الأجواء خالية وهادئة تمامًا، مما سكنّ توترها قليلًا وجعلها تدخل مرة أخرى، صفقت الباب وأوفضت بخطواتها نحو المطبخ، تستيطر عليها حالة من الهياج المكتوم، فتحت المبرد وأخرجت بضع ثمرات من الليمون، بإستخدام السكين قطعت شرائح رفيعة جدًا بداخل الكأس الفارغ، وأثناء ذلك تناولت شريحتين وكأن مذاقهم عاديًا بالنسبة لها، بل وكأنه الحل الوحيد لعلاج تلك غضبها الذي تعجز عن التنفيس عنه، ثم سكبت الماء البارد في الكأس وخرجت من المطبخ شاعرة بتحسن طفيف جدًا، ربما مرور الوقت، ربما التريث في ردة الفعل، وربما شـرائـح اللـيمون الحامضة أيضًا.
—جانب آخر—
كان قد وصل لذروة الإنفعال، وحتى بعد صياحه عليها لم يكن ذلك مسعى لهدوءهِ، بل إن نيرانه قد تسعّرت أكثر مع استعادة كلماتها المهاجمة له في آذانه. فتح الخزانة بشئ من الإندفاع فـ سقط أمامه شيئًا، أحنى رأسه ينظر فرأى حمالة الصدر التي احتفظ بها في الأمس، انحنى يأخذها، وتأمل لونها الأزرق الداكن ونقشتها الناعمة، ثم ألصقه في أنفهِ يشم رائحتها فيه، كأنه ثلج وقع على جمرٍ مشتعل فـ أطفأه وحوله لرمادٍ لا رائحة فيه، برد صدرهِ وهدأت نفسه وكأنها قوة سحرية أثرت عليه، وصلت حالتهِ لمرحلة لم يتخيلها يومًا، أي لعنة تلك التي أصابته! لا يعلم، كأنه مجرورًا من قلبه ولا سيطرة له عليه. صوت طرقات على باب انتزعه من أوج تأثير اللحظة، فـ دس خبيئتهِ على الفور وصفق الخزانة وهو يقول :
– أدخل.
دلفت المربية الأجنبية وعلى وجهها تعابير ممتعضة، تشكو له سوء معاملة “سُلاف” لها :
– The lady kicked me out of the room and refused to deal with the child completely
لقد طردتني السيدة من الغرفة ورفضت تعاملي مع الطفل نهائيا
زفر “حمزة” متحاشيًا الضحك أمامها وهو يبرر :
– Leave her now, she’s a little edgy
اتركيها الآن، هي منفعلة قليلًا.
تابعت المربية شكوتها قائلة :
– This has always been the case, if she is completely disapproving of me, I can leave
هذه هي حالتها دائما، إن كانت رافضة لي تماما يمكنني المغادرة.
– Don’t complain too much, you can rest today and tomorrow we’ll find a solution
لأ تتذمري أكثر من اللازم، يمكنك الاستراحة اليوم وفي الغد سنجد حل.
تنهدت المربية بقلة حيلة وهي تستعد للإنصراف :
– Ok.
أغلقت الباب وغادرت، فـ تمتم “حمزة” معقبًا على تصرفها :
– حتى الـ Nanny عايزة تطفشها!.
نزع قميصه وألقاه غير مكترثًا، ثم سحب منشفتهِ وتوجه صوب دورة المياة، فجالت هي بخواطرهِ، وفي صورة حميمية تمامًا، حيث تخيلها برفقتهِ الآن ويعيش معها أجمل اللحظات الجنسية على الإطلاق، وصل به الأمر حدّ تخيل القرب الشديد من الإنسانة التي كان يكرهها بشدة، والمشكلة الحقيقية إنه أحس نفسه راغبًا فيها بقوة، أكثر من أي امرأة أخرى دخلت لحياتهِ، قد يكمن السبب في إنه اكتشف عدم وجودية علاقة سابقة حقيقية بينهم، فـ دفعت به الفكرة للرغبة فيها أكثر!. وقد تكون شهوته التي لم يرضيها لفترة طويلة من الزمن على غير عادته؛ لكن المؤكد إنه أحب فكرة تواجدها عارية بين ذراعيهِ، تتوسد صدرهِ وتُرضي رغبته الجامحة فيها.
***************************************
دقّت الساعة العاشرة والنصف صباحًا، وغطت شمس الربيع سفح مطار القاهرة الدولي كله، وكأنها إطلالة الربيع المبهجة، لكنها ليست مبهجة دائمًا!. سحب “صلاح” حقيبته عن الجهاز ومرّ ممسكًا بجواز السفر الخاص به، مرتديًا حُلته الأنيقة ونظارتهِ الباهظة، وجهه مشرقًا، ابتسامتهِ تتراقص على محياه بتفاخرٍ، كأنهُ يمشي على الأرض مختالًا. أمسك المسؤول بجواز السفر الخاص به، نظر فيه قليلًا قبل أن يتحقق من ملامح وجهه، ثم استأذنه لحظات :
– ثانية واحدة.
غاب عنه أقل من دقيقة، خلالها حضر أفراد الشرطة من حوله وهتف أحدهم :
– أستاذ صلاح القُرشي.
التفت إليه “صلاح” مُجيبًا :
– أيوة.
– انت مطلوب القبض عليك.
نزع “صلاح” نظارته ورمقهُ بشئ من الإستحقار هاتفًا :
– بتقول إيه ؟؟انت عارف بتكلم مين؟.
تغيرت ملامح ضابط الشرطة كليًا، حال رؤية تلك التعابير المزدرية على وجه “صلاح”، ثم تخلّى عن نظرات الإحترام وحدجه مزدريًا حادًا وهو يهتف :
– آه عارف كويس، مفيش حد فوق القانون.. وأذن النيابة جاهز لو عايز تشوفه.
وناوله أذن النيابة بالقبض عليه حال وصوله لأرض البلاد، لتتغير كافة الموازين، وكأن الأرض كلها تتراقص وتنسحب من أسفله، لا يعلم لماذا خالطه شعور مرعب، كأن حدسهِ أنبأه إنها ليست صدفة طبيعية البتة، وإنه قد يكون وصل.. لــنـهايـة الـطـريـق…
***************************************
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)