رواية أغصان الزيتون الفصل السابع عشر 17 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء السابع عشر
رواية أغصان الزيتون البارت السابع عشر
رواية أغصان الزيتون الحلقة السابعة عشر
“حقيقتي ليست ما أُبديهِ لكَ؛ فـ أنا في الشرّ أسوأ مما تظنون.”
______________________________________
نظرت عبر النافذة، تتأمل المحيط المشغول برجالها، عتادها الذي أتت بهِ إلى هُنا ووثقت فيه، وإذ بها تتلقى ضربةٍ غير متوقعة في يومها الأول، ولم يكن عتادها كافيًا لصدّ الضربة عنها، بل إنها مشيئة القدر التي أنجتها. طردت “سُلاف” بقايا التبغ العالق في رئتيها، وغمغمت بتوعدٍ غير مبشر :
– ماشي ياأسما، أنتي مكنتيش في الحساب خالص، بس خلاص بقيتي ضمنهُ.
سحبت نفس عميق من السيجارة لأحشائها، ونفختهُ في الهواء دفعة واحدة، وهي تحس داخلها كأنه نارًا لا تنطفئ. تيقّظت آذانها لصوت بكاء الصغير الذي لم تنتبه له، وقد إشتد أكثر وأكثر، فـ التفتت لتراه يبكي بحُرقةٍ وهي غير شاعرة، دخلت مسرعة غير منتبهة للسيجارة الموجودة بين أصابعها، وحينما انتبهت نظرت حولها گالتائهة التي تبحث عن شئ ما؛ لكنها لم تجده في الأخير، فـ اضطرت أن تلقيها بالركن البعيد ودعستها بحذائها، وعادت نحوه بعُجالةٍ وهي تعتذر عن شتاتها :
– حقك عليا مأخدتش بالي!.. مكنش لازم أتشغل وأدخن وانت في الأوضة، آسـفه.
هزتهُ بخفةٍ وهي تضمهُ لصدرها، فلم يهدأ، ظلت محاولتها قيد الإستمرار، ساعية لأن تتغلب على تعكّر صفوهِ وراحتهِ. ذمّت على شفتيها بضيقٍ لأجلهِ، ورغم ذلك لم تقنُط أبدًا من مداعبتهُ ومحاولات تهدئتهِ، حتى إنها قلدت الأصوات وتعمدت تمثيل مشاهد كوميدية بوجهها لعلّ وجههِ يضحك قليلًا، ولم تخيب محاولتها تلك المرة، بل نجحت بإجتياز، مما رسخ تلك الأفكار في ذهنها لتقوم بتكرارها في الأيام القادمة، وگتطوير من نفسها لأجل صغيرها.
—على جانب آخر—
كان صياحهِ يتجول في البيت كلهِ، وهو في حالة لا يُرثى لها، بعد انتصارها الساحق عليه، وبدرجة إمتيـاز :
– يـوم!.. هو يوم واحد بس سيبت فيه البيت، أرجع متجوز من واحدة ملزقة نفسها فيا!.. وكله بسبب إندفاعك.. إزاي تغلطي غلطة زي دي مش قادر أستوعب!.
وزعت “أسما” نظراتها الحانقة على زوجها وإبنها، واستنكرت موقفهم الضعيف حيال “سُلاف” – من وجهة نظرها – :
– أنت وأبوك اتفقتوا خلاص وأنا اللي غلطانة!.. عشان مش قابلة واحدة من الشارع تبقى هنا!.
لم يقوَ “حمزة” على ردع إنفعالهِ الثائر، بعدما دفع هو ثمنًا غاليًا جِراء فعلتها :
– قولتلك أصـبـري عـليا!!.. كل حاجه كانت هتتحل بطريقتي.. إيه رأيك في النتيجة!. دلوقتي بقيتي حماة رسمي.
ابتعد “حمزة” خطوات للخلف وهو يختم حديثه :
– أتعايشي بقى مع الواقع اللي حطتينا فيه بنفسك، عشان عمري ما كنت هقبل أمي تدخل أقسام وتبقى متهمة بالشروع في القتل.
أوفض نحو الدرج، وفي عقله تتجدد المشاهد مرة وأثنين وثلاثة، كأنها أقسمت أن تُبرح رأسهِ وألا تغادرها…
(عودة بالوقت للسابق)
وقف “راغب” في ظهرهِ مباشرة، ونيابة عنه كان يرفض وضع گهذا رفضًا قاطعًا :
– أنتي شاربه حاجه ولا دماغك راحت منك!.. جواز إيه اللي بتكلمي عنه.. مفيش حاجه من دي هتحصل.
لم تُعيره “سُلاف” اهتمامًا، وارتكزت عيناها الدقيقة على “حمزة” الذي بُهت وجمدت حدقتاه عليها :
– ده العرض اللي عندي، لو وافقت نروح للمأذون دلوقتي.
مازال الصمت يُخيم عليه، حتى تعجب “راغب” حالتهِ وحثّهُ على التكلم :
– ما تقول حاجه ياحمزة.!؟
امتدت أنظار “سُلاف” لأمتارٍ عديدة، حيث كان الشُرطيّ يقترب بإتجاههم، فـ تبسمّت بـ إبتسامةٍ مُغزية، وأشارت عيناها صوبه مرددة :
– مش لازم يقول، حضرت الظابط داخل علينا وأم علي هتحكيله كل حاجه.
فـ هتف “حمزة” بإصرارٍ مستميت :
– محدش هيحكي حاجه، ولسانك لو نطق بكلمة هقطعه خالص.
فـ تحدتهُ بكامل وعيها :
– لو تقدر أعملها.
خطف الشرطي نظرة على الجميع وهو يقول :
– مساء الخير.
حينئذٍ لم يجد “حمزة” مفرًا، فـ بحسب معرفتهِ – القصيرة – بها أيقن إنها تصدق إن توعدت، وتُنفذ إذا هددت، لذا لم يكن أمامه فرصة أخرى، للخروج من هذا المأزق دون أدنى خسائر، فـ قطع حديث الشرطي قائلًا :
– معلش ثانية واحدة، عايز مراتي في كلمتين.
وسحبها برفقٍ من بينهم :
– تعالي معايا.
هُنا أدركت “سُلاف” إنها نجحت، ووصلت للمبتغى الذي لم يكن في بالها أن تحصل عليه الآن، وبهذه السهولة المُطلقة، گمن أتتها الفرصة على طبق من ذهب. الوصول لتلك المرحلة كان سيستغرق منها جهدًا كثيفًا ووقت أطول، لكن “أســما” أهدتها تلك الفرصة، دون أدنى عناءٍ منها أو مشقة، وهي لم تدّخر وسعها لإقتناصها.
(عودة للوقت الحالي)
مرّ أمام الغرفة التي تسكنها، فـ تضاعفت حُمرة وجههِ الممتعض، مع سماعهِ لصوتها وهي تداعب الصغير وتُغير في صوتها، أطبق جفنيهِ يعتصرهما، وعجّل من خطواتهِ كي يبتعد صوتها عن مسامعهِ، دلف غرفتهِ وصفع بابه ليرجّ صوتهِ المنزل كلهُ، ومن بعدها سكن هذا الصخب تمامًا، وعمّ الصمت المريع أرجاء البيت، بعد أن انصرف “صلاح” عن زوجتهِ المجنونة التي دفعت بهم لتلك المرحلة، متيقنًا أن الحديث معها لن تكون له جدوى، وما عليه الآن هو تشكيل سدّ يحول بين تصرفاتها وبين “سُلاف”، تلك الحيّة التي باتت في أحضانهم، وعليه امتصاص سُمّها قبل أن تزرعهُ بأنيابها فيهم.
***************************************
ساعات الليل الطويلة كانت أرقًا لها، وهي تُفكر بالتخطيط لأمرٍ آخر قد يزجّ بـ “سُلاف” لخارج ذلك البيت؛ لكن الأمر بات في غاية الصعوبة، بعدما أصبحت هي زوجة رسمية لـ ابنها، وخطوة گتلك تحمل الكثير من الأغراض الغير شريفة، التي تضمُرها “سُلاف” لهم. نامت بعمقٍ بعد شروق الشمس، حتى لم تشعر بزوجها الذي غادر مخدعهِ في الصباح الباكر. أحست بشئٍ يتحسس فراشها المُفترش بالحرير، كأن يدًا تسير من فوقهِ، فـ صدر عن ذلك صوتًا حسيسًا. فتحت “أسما” عيناها الناعسة، لم تشعر بنفسها في حالة جيدة، بعد يومان عصيبان قضتهما؛ لكنها أرغمت نفسها على الإستفاقة، خاصة أن الصوت المثير لحواسها لم يتوقف بعد. تمايلت على الفراش يمينًا ويسارًا، ونظرت حولها بحثًا عن “صلاح”، لم يكن متواجدًا، فـ اعتدلت في نومتها ونظرت لجوارها، فـ انخلع قلبها من موضعه، وانتفضت انتفاضةٍ مفزوعة، وقد اتسعت عيناها عن آخرها، وهي تصرخ صرخةٍ مُريعة. وقعت من أعلى الفراش وهي تحاول الفرار من أعلاه، بعد رؤية ذلك الثُعبان يسير على فراشها، يزحف متلويًا وكأنه يبحث عن فريسة. هرعت للخروج من الغرفة، قبل أن تكون لُقمةٍ سائغة ينتهي بها الحال للموت بهذه الطريقة، وأثناء فرارها كانت تصرخ مستغيثة :
– عـــطــا!.. يا عـطـا.
ما أن عبرت عتبة الغرفة للخروج كانت تصطدم بها، فزعها ورهبتها جعلتها غير مستوعبة ما يجري حولها، حتى أن الظنون لم يكن لها محلًا في رأسها حول المتسبب في ذلك – أو الفاعل الرئيسي له -. تعلقت عيناها المرتعبة عليها، وقد تغطت بشرتها بحبّات العرق، بينما كانت “سُلاف” في حالةٍ من النشوة العارمة، لوصولها إلى تلك الحالة المثيرة للشفقة، وسألتها ببراءةٍ كاذبة :
– مالك ياحماتي؟ شكلك زي ما تكوني شوفتي حنش!.
فرط الذعر جعلها عاجزة عن التمييز، لم تكن في حالة عقلية تسمح بالتفكير قبل أن تتحدث حتى، وإذ بها تُجيب بعفوية غير مقصودة :
– في تِعبان على سريري، صحيت لـ……
تيقّظ عقلها فجأة، گالتي نفضت عن عقلها الغمامة، وأدركت على الفور إنها دبّرت لكل ذلك من أجل تأديبها؛ لكنها بقيت جامدة لوهله، وتأثير الصدمة مُغلفًا كامل حواسها :
– إنتي ؟؟؟.. إنتي اللي عملتي كده؟!.
في لمح البصر، كانت “سُلاف” تكشف عن وجهٍ آخر، وكأنها قادرة على تغيير جلدها گالحرباء. تبدل سكون ملامحها، وغطّت تعابير الشر الكامن بأغوارها سطح تعابيرها المشحونة بكثير من الكُره، في هذه اللحظة كانت قد أعلنت الحرب الشرعية عليها، بعدما بدأت هي بسنّ سيوف العداء ضدها، وأعلنتها “سُلاف” صراحةً :
– آه أنا، جيبتلك حد شبهك..
وتحول صوتها لفحيحًا يمثل بالضبط ذلك الكائن السامّ وهي تنطق بـ :
– تِـعبـان.. بس خلي بالك، المرة دي سيبته يدخل أوضة نومك بس، المرة الجاية مش هسيبك غير وانتي ميتة.
قبضت “أسما” على ملابسها، متفشيًا الغضب في أوصالها التي مازالت مرتعدة، وبصياحٍ هادر كانت تصرخ في وجهها :
– ده أنا اللي هـموتك، مش هتخرجي من البيت ده سليمة أبدًا.
كانت هشّة ضعيفة، وكل أطرافها ترتجف من بشاعة الموقف، والذي لم تَزُل عنها أعراضه بعد، فـ دفعت “سُلاف” بذراعيها بعيدًا عنها، وهي تقابل وعيدها بتهديدٍ آخر :
– أوعي تفتكري إني لوحدي، وإنك ممكن تتخلصي مني بالسهولة دي!.. ده حتى لو نجحتي ساعتها هتلاقي بدل الإيد ١٠٠، كلهم هيتلفّو حوالين رقبتك.
ربتت “سُلاف” على ذراعها وهي تختتم :
– افتكري كويس إنك بدأتي العداوة معايا بنفسك، وأنا مش بسيب حقي على الأرض مهما حصل.. ياحـماتي.
التفتت لتغادر، بينما “أسما” گالصنم المتحجر في مكانها، تتطلع لأثرها في ذهولٍ ممتعض، لم تحرك ساكنًا، إلا بعدما لمحت الثُعبان يخرج من الغرفة، فـ قفزت عن الأرض وتجدد صراخها من جديد :
– ياعــطـا، أنت يازفــت!.
**************************************
ذمّ “نضال” شفتيهِ وهو ينظر نحو “حمزة” بترقب، ينتظر أن يتحدث بأي شئ، أو أن يخبره بتفاصيل اليومين السابقين؛ لكنه كان صامتًا گمن يعيش في صدمة. خرج “نضال” عن سكوتهِ الطويل، وقطع حاجز الصمت هذا قائلًا :
– حمزة!.. هتفضل ساكت كتير!.
ألتفّ “حمزة” بمقعده المتحرك كي يواجهه، ثم أردف بـ :
– أنا بفكر في حاجه كده، محتاج أدرسها في دماغي كويس أوي.. عشان الفترة الجاية مش هينفع تكون عشوائية أبدًا.
قطب “نضال” جبينهِ بإستغراب، وهو يسأله بفضولٍ :
– حاجة إيه دي؟.
دلفت “رضوى” بعدما طرقت على الباب، وضعت الملف على سطح المكتب وقبل أن تتفوه كلمة واحدة كان يستبقها “حمزة” قائلًا :
– القضية بتاعت الست اللي قتلت جوزها دي مرفوضة يارضوى.
تشكلت تعابير الإنزعاج على وجه “رضوى”، وهي تهتف بنبرةٍ معترضة :
– لكن الست دي مظلومة وكانت بتدافـ……
نهض بتشنجٍ عن مقعدهِ، بعدما تجهم وجهه ورفض رفضًا قاطعًا الدفاع عن سيدة أقدمت على قتل زوجها :
– ماليش فيه!.. واحدة قتلت جوزها يبقى المحكمة تنظر في أمرها أنا مش قاضي، وعمري ما هتولى قضية بالشكل ده ولا أنا ولا حد من فريقي.. خلصانة.
والتفت موليها ظهرهِ وهو يتمتم بـ :
– الدنيا اتقلب حالها، الستات هما اللي بيمدو إيدهم على الرجالة ويقتلوهم دلوقتي !.
وتحسس أنفهِ التي ما زالت تحمل أثر طفيف من إصابتها، وتابع مزمجرًا :
– ياكش تولع قبل حتى ما يحاكموها، هي واللي في بالي كمان معاها.
التفت ينظر إليها ليجدها قد غادرت منذ ثوانٍ، فـ نظر بإتجاه “نضال” و :
– شايف!!.. رضوى كمان بقت بتتقمص وتمشي وتسيبني وأنا بتكلم!.
نهض “نضال” عن جلستهِ، ودافع عنها گعادته :
– عندها حق، إحنا مش محاميين عشان ننصف الرجالة، إحنا بننصف المظلوم أولًا يا حمزة.
لوح “حمزة” بيده غير مهتم بتلك الأفكار الأخلاقية البحتّة، وغمغم بسخطٍ :
– ياأخي بقى أنا مش فايق للمثالية دي !.
تناول هاتفهِ ومفاتيحهِ، ونظر لساعة اليد وهو يهتف بسخرية :
– أنا راجل متجوز دلوقتي ولازم أروح أطمن على مراتي، ياكش ربنا يحرقها قبل ما أولع أنا فيها.
حدق “نضال” فيه وهو يراه يستعد للإنصراف، وبدون وعي منه سأله بشئ من الإضطراب :
– إنت خلاص اعترفت بجوازك منها؟.
تبسّم “حمزة” مستخفًا، فقد بات في حالٍ لا يُصدقه هو نفسه، وأجاب مستهزئًا :
– هو انا مقولتلكش يانضال!.. مش أنا بقيت زوج رسمي إمبارح!.. حتى إبقى أسأل راغب.. ما هو شاهد على العقد زي ما كان بيشهد على الجوازات إياها!.
اتسعت عينا “نضال” عن آخرها، جمدتهُ المفاجأة التي لم يعلم عنها شيئًا سوى الآن :
– معقول!.
ضرب “حمزة” رأسه وهو يصرّ على أسنانهِ مغتاظًا :
– لما انت مش مصدق أمال أنا هعمل إيه!.. هطقّ من امبارح.. البت عاملة زي الحرباية كل ما أقول همسكها تفلت مني.
وخرج من المكتب وهو يتحدث لنفسهِ گالمجنون، غير شاعر بتلك الحالة المريبة التي بقى عليها. تهادى “نضال” في جلوسهِ، غالبة عليه الصدمة الشديدة، كيف حدث ومتى؟.. وما الذي دفع “حمزة” للقبول بذلك الحل؟. أصبح الأمر معقدًا أكثر من اللازم، وهو عاجز عن الوصول لـ “سُلاف”!، مُقيدًا بتحذيراتها الشديدة ألا يتواصل معها حال إنها لم تتصل به، لضمان أعلى مستوى من الأمان لها وله أيضًا، إذًا كيف سيصل لأصل الحكائة؟. غلى صدرهِ بنيرانٍ مُسعّرة، وهو يحس بناقوس الخطر يدق، وأول من سيتأذى هي، هي التي وضعت نفسها في واجهة المدفـع، ومازال إنتقامها يسحبها لطريقٍ وعر، وهي لا ترى سوى النهاية – التي تنـشُـدهـا -.
**************************************
كانت تنظر للمرآة، ليس على إنعكاسها، بل إنها تُراقب وتتفقد ما خلفها بعيونٍ دقيقة. مُصففة الشعر تُصفف شعرها، بينما عينيّ “سُلاف” تتجول في المكان كله، لاسيما بعدما رأت بنفسها “تهاني”، وهي تُشرف على الفتيات اللاتي يعملن بمركز التجميل خاصتها. تفحصت “سُلاف” صفحات (الكتالوج) كي تختار اللون الأنسب من أجل تغيير لون شعرها، حينما كانت المصففة تسألها :
– تحبي أرفع الخصلة دي هنا؟.
– لأ، عايزاه سايب.
غرزت أصابعها بين خُصلاتها تمررهم، مستشعرة نعومة شعرها بعد تصفيفهِ. أغلقت (الكتالوج) وتركته جانبًا قبل أن تنهض، ثم أردفت بـ :
– ميرسي خالص.
– تحت أمرك، هستناكي المرة الجاية عشان نغير لون الشعر زي ما أتفقنا.
ابتسمت المصففة في وجهها بينما كانت تعبر من جوارها، في حين أجابت “سُلاف” بـ :
– أكيد ، قريب أوي.
أمسكت بحقيبتها الصغيرة وتوجهت نحو “تهاني”، كانت تُنهي مكالمة هاتفية وهي جالسة خلف المكتب الصغير، وحينما دنت منها “سُلاف” وقفت وهي تستقبلها :
– نورتينا يافندم، ياريت تكون الخدمة عندنا عجبتك.
أومأت “سُلاف” برأسها دون أن تُحيد نظراتها الدقيقة عنها :
– جدًا، أنا عروسة جديدة وإن شاء الله هجيلكم كتير الفترة الجاية.
تبسمت “تهاني” وهي تتناول البطاقة الخاصة بالمركز، ناولتها إياها وهي تدعوها لتكرار الزيارة :
– تنوري بأي وقت ، ده الكارت وفيه أرقام السنتر ومواعيد العمل.
تناولته “سُلاف” ووضعته بحقيبتها دون أن تنظر إليه، ثم أردفت بـ :
– ميرسي يامدام تهاني، عن أذنك.
سحبت نفسها دون أن تُثير أية شُبهات ضدها؛ لكن “تهاني” تشبّهت بها، وأحست كأنها رأتها في مكانٍ ما، أو تعاملت معها مسبقًا، لكنها لا تدري المكان والزمان بالتحديد. جلست “تهاني” تبحث في ذاكرتها دون جدوى، وفي النهاية تمتمت بـ :
– أنا ياما عدا عليا ستات، أكيد شوفتها في حتة هنا ولا هنا.
وأصرفت عقلها عن التفكير في الأمر دون أن تطيلهُ، منشغلة بما تراكم عليها من أعمالٍ أخرى.
*************************************
عادت وسط عتمة الليل، بعدما قضت أغلب اليوم بالخارج. دخلت المنزل فوجدتهُ غاية في السكون، مطت شفتيها بإستنكار، وانتقلت خُطاها نحو المطبخ، لتجدهُ فارغًا أيضًا، فـ تنهدت بـ أريحية وهي تخطو لداخلهِ، سكبت الماء البارد في الكأس وقطّعت شرائح الليمون بداخلهِ، ثم تناولته وخرجت متوجهه نحو الدرج، صعدتهُ ببطءٍ متزن حتى وصلت أمام غرفتها، وفتحت الباب لتدلف، ثم فتحت الإضاءة وهي تغلق الباب، لتتفاجأ به جالسًا في حُضن غرفتها على الأريكة، ساقًا أعلى أخرى، شابكًا أصابع يديهِ سويًا، وعيناه تتطلع إليها بغموضٍ مرعب، قبل أن يسأل بهدوءٍ يسبق العاصفة :
– كنتي بتعملي إيه عند تهاني؟؟!.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)