رواية أغصان الزيتون الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء الرابع والثلاثون
رواية أغصان الزيتون البارت الرابع والثلاثون
رواية أغصان الزيتون الحلقة الرابعة والثلاثون
“كالنار إن تسلطت على وسطٍ، لا تتركهُ إلا حريقًا.”
____________________________________
بسرعة البرق كان يركض مسرعًا نحو سيارة الأجرة التي استقلتها؛ لكن حظهِ العثر أن السيارة قد غادرت بالفعل قبيل أن يمسك بها. تجمد “حمزة” بمكانهِ متتبعًا بعيناه إنصرافها حتى اختفت، حتمًا ستقودهُ للجنون، لم يحدث معه أبدًا أن دفعهُ أي إنسان لمرحلة الغضب التي وصل إليها بسببها، وكأنها لعنة أصابته كلما تحرك تحركت معه، كلما خطى كانت گظلهِ، كلما فكر في شئ كانت تسبقهُ إليه!. أليس بشئٍ يدفع للجنون؟!.
أدرك بعد عديد من اللحظات أن نظرات المحيطين تعلقت عليه، كأنه استرعى إنتباه الجميع دون وعي مسبق، فـ تلفت گمن يبحث عن شئ ما، حتى رأى رقم العقار الذي أتى خصيصًا لزيارته. صعد وصدرهِ متأججًا، رغم محاولات كثيفة منه لإستعادة توازنهِ الإنفعالي، طرق الباب فـ فتح له “عبد الباري”، شمله بنظرة خاطفة أولًا، فرأى شابًا يافعًا أنيقًا ووسيمًا، لا يليق أبدًا بتلك المنطقة الشعبية العتيقة، فـ قطب جبينه متسائلًا في جدية :
– أؤمر يا أفندي؟.
مدّ “حمزة” يده للمصافحة وهو يعرّف نفسه :
– أنا حمزة القرشي المحامي.
انفرجت أسارير “عبد الباري” وهو يصافحهُ بترحيبٍ شديد :
– أهلًا وسهلًا ياأستاذنا أهلًا، لسه المحامية اللي تبعك نازلة من هنا.
دخل “حمزة” للداخل خطوة، محاولًا إخفاء تعابير الإستفهام قبل أن تغطي وجهه فـ ينفضح الأمر – الذي لا يعلم بشأنه – :
– آه.. ماانا جاي أكمل كلام معاكم نيابة عنها.
أشار له “عبد الباري” للجلوس على الأريكة، وهو يتحدث بتلقائية :
– الست الأستاذة قالت كل المفيد واتفقنا على كل حاجه، حتى قالت إنها هتحدد لنا معاد معاك قريب.
ابتسم “حمزة” ابتسامة اغتصب فيها كل مشاعر الإمتعاض والغيظ التي ملأت صدرهِ، وأردف بـ :
– آ… الحقيقة إن هي عندها شغل كتير ومش هلحق أكلم معاها في التفاصيل اللي أخدتها منكم، عشان كده أنا جاي نتكلم من الأول وجديد.. هو حضرتك تقرب للقتيل؟.
– أنا أخوه الكبير، والحج جوه هناديلك عليه.
دلف “عبد الباري” من أجل إحضار والدهِ، حينما كان “حمزة” ينظر من حوله تائهًا، لأول مرة يكون عاجزًا عن التدبير والتفكير كما هو حاله الآن. ترى ما الذي دفعها لإبتكار تلك الخدعة ولماذا أدعت إنها تنضم لفريقهِ؟. لماذا توجّب عليها توريطهِ في لعبتها؟.
وقعت عينا “حمزة” على بطاقة هوية شخصية على الطاولة، تشبّه عليها فـ نهض ونظر إليها عن قرب، ليتفاجأ إنها بطاقته، الكارت الشخصي الخاص به والذي لا يعطيه إلا لعملائهِ. برقت عيناه مذهولًا قبل أن يعود إدراجهِ، وحمحم حين رأى “فهيم” يخرج إليه مرحّبًا :
– يا أهلًا وسهلًا.
صافحهُ” فهيم” بحرارة، فـ هو المحامِ الذي سيتولى الدفاع في قضية ولدهِ :
– اتفضل ياأستاذ.
فرك “حمزة” جبهتهِ وهو يسأل مباشرة :
– هي أستاذة سُلاف اتكلمت معاكم في إيه بالظبط، يعني عشان أعرف أكمل معاكم من بعدها.
بدت تعابير الحيرة على كلاهما، وهتف “عبد الباري” مصححًا له الخطأ الذي وقع فيه :
– تقصد أستاذة حنان؟؟ سُلاف مين؟.
ابتسم “حمزة” وقد أدرك فورًا إنها زيفت إسمها الحقيقي كما زيّفت شخصيتها وشكلها أيضًا، تدارك الأمر على الفور وهو يردف بـ :
– آسف.. أصل عندي زميلات كتير في مكتبي ودايمًا بخلط الأسماء.
فرفع “فهيم” الحرج عنه و :
– ولا يهمك يابني، أنا هقولك اللي حصل.
**************************************
كان يتطلع إليها وهي تجلس أمام المسبح الخاص بمنزلهم، وقد تخلصت أخيرًا من حبستها بالغرفة وبدأت تدريجيًا تعود لحياتها الطبيعية؛ ورغم ذلك لم تروق له كثيرًا، فـ بعض الأشياء لا تعود لسابق عهدها مهما كان، وهذا ما حدث معها، بقى فراغًا بداخل روحها لم تتمكن بأي شكل من سدّ فجوتهِ، فـ ما مرت به ليس هينًا، وألمها ما زال طازجًا لم يُشفى بعد. الخذلان نارُ يا ولدي، ينهش اللحم والعظام، فهل سينجو القلب من فتكهِ!.
زفر “شاكر” دخان سيجارته وما زالت عيناه عليها، حتى استمع لصوت حارسها الخاص وهو يقول :
– متقلقش سعادتك، الهانم بتتحسن كل يوم عن اللي قبله.
تنهد “شاكر” غير مصدقًا، فـ حاسة الأبوة لديه لم تكن تؤيد ذلك أبدًا :
– متهيألك، مش عشان ميان ساكتة يبقى عدت محنتها!.. سكوت ميان أسوأ من كلامها.
– وسيادتك هتسكت عن اللي حصل؟؟.
ترك “شاكر” سيجارته تسقط من بين أصابعهِ، بعد أن كادت تحرق جلدهِ بـ اشتعالها، ثم هتف بنبرةٍ غلفها شرّ الوعيد :
– اللي عمل كده بيلعب مع حمزة مش معايا، بس أنا بنتي مش وسيلة لحد!.. ولما أعرفه هنسف بيه الأرض.
– وحمزة ؟.
– هسيبه يفتكر إني سيبته، نسيته.. وبعدين هديله ضربة مش هيقوم بعدها أبدًا.
التفت لكي يعود لداخل منزله وهو يتابع :
– لسه متخلقش اللي يفكر يحطّ عليا.. بس كله بآوانـه…
***************************************
غرق “نضال” في نوبة من الضحك، بعدما قصّت عليه “سُلاف” ماذا فعلت بمنزل السيد “فهيم”، وكيف نسبت نفسها لمكتب “حمزة القرشي” كي تتخلص وتورطهُ هو. هي أرادت الحصول على بعض المعلومات السرية التي لن تعلمها إلا إذا كانت في طرفهم، وأن ترى على الطبيعة ماهية تلك العائلة وتخمن كيف كانت شخصية ولدهم القتيل!. كل ذلك كان نافعًا لها دون أن يدروا، بل إنهم أعطوها طرف الخيط بنفسهم، ومدخلًا تستطيع من خلالهِ إثبات السلوك العدواني على القتيل وهجومه المتكرر على زوجتهِ واستضعافها. نفض “نضال” يدهِ من الطحين المغلف للمعجنات الطازجة التي صنعتها “أم علي”، وانتظر حتى مضغ الطعام وابتلعهُ ليسأل بعدها :
– ودلوقتي المفروض تعملي إيه؟.
غرزت الشوكة في قطعة من المعجنات، ثم غمستها بالعسل الأبيض وهي تجيبه :
– هروح الصيدلية عشان أشوف الدكتور اللي هناك هيقول إيه، ده المكان الوحيد اللي لجأت له إبتسام لما هربت من جوزها.
مضغت الطعام بين أسنانها وهي تنظر حيال “نضال” الذي لم ينتبه لها، ثم ابتلعت الطعام وسألته :
– عملت إيه مع حمزة؟.
– زي ما قولتي بالظبط، أديته العنوان والمفروض إنه راح.
ضحكت “سُلاف” من جديد قبل أن تردف بـ :
– ياترى كان رد فعله إيه؟.. أكيد اتجنن.
نظرت “سُلاف” صوب عمّها الذي كان يشاركهم جلسة الإفطار الصباحية تلك، والذي لم ينبث بكلمة واحدة حتى الآن، ولم يتناول الكثير من الطعام أيضًا، رغم إلحاحهِ على “أم علي” لكي تفرغ من إعداد الطعام!.
توقفت “سُلاف” عن تناول الطعام وسألته وهي تضع كفها على ساقهِ :
– مالك ياعمي؟؟.
– خلصت صبري كله يا سُلاف، حاسس إني مش طايق أصبر تاني يابنتي!.
ذمّت “سُلاف” على شفتيها وهي تُحيد عيناها عنه، حينما تولّى “نضال” مهمة تهدئتهِ :
– هانت ياعم مصطفى، إحنا كنا فين وبقينا فين!.
أومأت “سُلاف” رأسها مؤيدة “نضال” و :
– صح، هانت ياعمي.
لعقت شفتها السفلى بلسانها، قبل أن تفصح عن أمرٍ ما تدّخرهُ حتى تُتممهُ :
– وفي حاجه هتحصل قريب هتفرحك أوي أوي؛ لكن مقدرش أقولك عنها دلوقتي.
زفر “مصطفى” بإختناق ، ودفع مقعدهِ بإندفاعٍ غير متعمد، لكي يبتعد عن هنا نهائيًا. خرج من الغرفة بالكامل وهو يعاني من نفاذ صبرهِ بعد كل تلك العهود الطويلة والسنوات القاحلة، خرج وعينا “سُلاف” المُشفقة عليه، حتى قالت بصوتٍ به لمحة حزن :
– كان نفسي نكون في حياة طبيعية!.
ترك “نضال” الطعام من يده و انخرط معها بالأجواء الكئيبة :
– أكيد كنا هنبقى في وضع تاني.
ضحك هازئًا وهو يتخيل حياة أخرى – ودّ لو يعيشها – :
– يمكن كان زماني متجوزك، وعايشين في هدوء ومعانا ولد وبنت، مثلًا.
ضحكت هي أيضًا لتسخر من خيالهِ، ثم عقبت بـ :
– أكيد الجواز منك أرحم كتير أوي من حمزة!.
تقلصت تعابير وجهه، وتجهمت فجأة وهو يسألها بجدية لم يخالطها المزاح أبدًا :
– حمزة عمل معاكي حاجه؟ أتعرضلك أو حاول ييجي جمبك.
هزت “سُلاف” رأسها بالنفي :
– لأ، حمزة مش فاضي غير إنه يدور أنا مين وعايزة منه إيه، ولحد ما يوصل ويعرف مش هيرتاح لحظة.
نهضت “سُلاف” عن مكانها وهي تنظر إليه بإمتنان شديد :
– هروح أشوف زين عشان أمشي، ميرسي على الفطار العادي ده يا نضال، ده كان أقصى طموحي دلوقتي.
وابتسمت قبل أن تبرح مكانها، تاركة من خلفها قلب ينبض بتسارعٍ ولهفة، قلبٍ كلما أخرسهُ صاحبه يصيح من جديد ليضخ حُبها في عروقهِ، راضيًا بأقل القليل معها، يكفيه فقط إنها هنا معه، تجمعهما بعض اللحظات التي يُخلدها في ذهنهِ إلى أن تعود لقاءاتهم من جديد. ترك “نضال” الطعام ونهض، وقبل أن يتحرك كان يشعر بإهتزازة هاتفهِ في جيبه، فـ أخرجهُ ونظر لأسم “رضوى” المُنبثق على شاشة الهاتف، وأخيرًا رفض المكالمة وعاد يضع الهاتف في مكانه، شاعرًا بإنعدام أية رغبة في التحدث لأي أحد مهما كان.
***************************************
أبعدت “رضوى” الهاتف عن أذنها، وتأففت بضجر وهي تهمس بـ :
– بقى كده يا نضال!!.. بس أما أشوف وشك!.
صوت “حمزة” من خلفها استرعى انتباهها، فـ التفتت على أثره وهو يقول :
– بتعملي إيه هنا يارضوى؟!.
– كان معايا تليفون.
غمر العبوس وجهه وهو يردف بصوتٍ خفيض :
– مش وقته، ركزي عشان ننفذ اللي اتفقنا عليه.
عضت على شفتها بتوترٍ وقلق، وهي تحاول إصراف ذهنهِ عن تلك التمثيلية السخيفة :
– أنا حاسه إني مش هعرف أعمل كده، متعودتش على الكذب والتزييف ده!.
تجهمت تعابيرهِ وهو يزجرها بحنقٍ بالغ، وبدون أن يفقد أدنى معاني الأدب وينصاع لذلّات لسانهِ كان يهتف بـ :
– للأسف مفيش قدامي حد غيرك يعمل كده، ومش عايز منك غلطة قدام الناس.. أوكي؟؟.
أحنت بصرها عنه شاعرة بالغضب من نفسها ومنه، وانتظرت الإشارة – المتفق عليها – حتى تتقن دورها بتلك الكذبة السخيفة. خرج “فهيم” من مقر الشهر العقاري برفقة ولده الكبير “عبد الباري”، ومشى نحو “حمزة” حتى أصبح قبالتهِ، ليبتسم بتفائلٍ بيّن وهو يقول :
– كده أمر التوكيل خلص، نتوكل على الله بقى ياأستاذ.
صافحهُ “حمزة” بحرارة غير معتادة منه في مصافحة الغرباء و :
– من بكرة هنبدأ نتابع خط سير القضية وهنعمل اللي علينا كله.
ثم نظر بإتجاه “رضوى” مشيرًا إليها :
– وأستاذة حنان هتكون متابعة معاكم الأخبار أول بأول لأنها متابعة القضية من الأول.
قطب “عبد الباري” جبينه بذهول، وتلك البسمة البلهاء تلوح على ثغره وهو يقول :
– حنان مين؟؟.. مش تقصد اللي جاتلنا امبارح؟.
عقدت “رضوى” ما بين حاجبيها مُدعية الإستغراب، وتدخلت في الحوار – بإتفاق مسبق – مع “حمزة” :
– إمبارح فين؟؟.. أنا كنت هاجي فعلًا بس حصلي ظرف ومجيتش!.
ارتسمت معالم الدهشة على وجه “حمزة”، متقنًا دورهِ ببراعةٍ شديدة وهو يسألها :
– إزاي الكلام ده!!.. يعني مروحتيش بيت الحج فهيم امبارح!.. أمال مين راح؟؟.
بدأ “فهيم” ينفعل وقد فقد صبره أثناء متابعة ذلك الحوار :
– بقولك إيه ياأستاذ!!.. أنا مفاهمش حاجه!.. مين دي؟.
– دي حنان المحامية، اللي شغاله معايا واللي قولتلي إنها جتلك امبارح.
حملق فيها “عبد الباري” مصدومًا، وهي ينفي رؤيته لها من قبل :
– مش دي ياأستاذ، التانية كانت شعرها قصير وشكلها غير دي خالص!.
ذمّ “حمزة” على شفتيه، ورسم أمامهم صورة خطيرة للأمر كي يأخذوا الموضوع على محمل الجد :
– ياخبر!!.. أمال مين اللي جتلكم دي!..إحنا كده حد ضحك علينا واستغلكم بإسمي عشان يجمع منكم معلومات ضد مصلحتنا في القضية!.
انفجر صوت “عبد الباري” بصياحٍ مدوي، بعدما نجح “حمزة” في إضرام النيران بساحة “سُلاف”، وألقى في ملعبها قنبلة موقوتة ستنفجر بين لحظة وأخرى :
– يـعـني إيــه يا أســـتـاذ؟!.. مين دي اللي اتـجـرأت وعـمـلت معـانـا كـده!!.
لم يكن لـ “حمزة” أن يترك لغزًا بينهم ويغادر قبل اختتام مخططهِ، فـ فرقع البالون الأخير مفجرًا مفاجئتهِ الصغيرة لها :
– أكيد المحامية اللي ماسكة قضية القاتلة!
فتوعدها “عبد الباري” بوعيدٍ صادق، وعيناه تُطلق من شرر الغضب قذائف حارقة :
– دي ليلتها أسود من السـواد!.
أخفى “حمزة” عنهم إبتسامة شامتة منتصرة، كادت تبزغ بوضوحٍ على محياه بعد إحراز هدف ضدها سيضعها في دائرة الخطر، نتيجة مغامراتها الشجاعة التي تجرأت على خوضها، مستخفة بـ خِصمها اللدود، ودون أن تحسب للنتائج حسابًا.
************************************
كانت أجواء المطعم الراقي قادرة على تغيير مزاجها للأفضل، خاصة وإنها لا تعيش أفضل الأوقات بالفترة الراهنة. جففت “أسما” شفتاها بمنديل ورقي، ثم سكبت بعض الماء في الكأس قبل أن تنظر لرفيقتاها قائلة :
– مجرد ما نستلم الشالية الجديد هسافر على طول، محتاجة أبعد عن جو القاهرة شوية.
أنهت إحدى رفيقاتها تناول الحلوى، ثم نظرت إليها تسأل في خبثٍ بيّن :
– هي صحيح مرات إبنك جت عاشت معاكم في البيت ياأسما؟.
تحرجت “أسما” من الإعتراف بما حدث، حينما بادرت الأخرى لترد نيابة عنها :
– أنا سمعت إنها أثبتت بنوة الولد لإبنك وهو أتجوزها رسمي!.
مطت الأخرى شفتيها بإستهجان شديد وهي تعقب على ذلك :
– بقى حد يسيب بنت الحسب والنسب، ويروح لواحدة من الشارع!!.. أنا مش مصدقة إن حمزة عمل كده.
نظرت “أسما” لساعة اليد الذهبية، قبل أن تجبر ثغرها على الإبتسام، محاولة إبعادهم عن مجلسها بأي شكل :
– كان نفسي أقوم معاكم بس صلاح هيعدي عليا.
تفهمت كلاهما إنها تطردهم من طاولتها بذلك الشكل الغير مباشر، فـ بدأنّ بالإستعداد للنهوض و :
– طيب نسيبك إحنا بقى، خلينا نشوفك.
لم تنهض “أسما” من مكانها أو تكلف نفسها عناء توديعهم، بل صافحت كل منهم بأطراف أصابعها وبإبتسامة متكلفة مغترة :
– باي ياروحي.
وصل لكلاهما الشعور بتغييرها المفاجئ، مدركين تمامًا أن ثرثرتهم هي السبب في ذلك التحول؛ لكنهنّ لم يُدركن إنها كانت نهاية علاقتهن بها، وقد قطعت هي الأمر في نفسها وقررت ذلك، عقابًا على محاولتهن لإستفزازها. شاهدت إنصرافهنّ بعيونٍ حانقة، ثم غمغمت بإمتعاضٍ شديد :
– أغبيا.
أشارت للنادل من أجل إعداد الحساب :
– الشيك لو سمحت.
لحظات وكان يضع فاتورة الحساب أمامها، بدون النظر إليها رفعت بصرها إليه و :
– أنا مش معايا غير فيزا.
أومأ النادل رأسه بتفهم و :
– حالًا هجيب المكنة.
فتحت حقيبتها وبحثت عن حافظة البطاقات؛ لكنها لم تجدها بالحقيبة، توترت وهي تعيد البحث بتركيز أكبر، لكن النتيجة لم تتغير. بُهت وجهها وشحبت بشرتها فجأة، خاصة وإنها غير معتادة على حمل النقود معها، وإنما كل تعاملاتها عن طريق بطاقة الدفع. وقف النادل جوارها ملاحظًا تلك الحالة المريبة عليها، والتي تفهم سببها فورًا حينما هتفت هي :
– إزاي!! أنا حطاهم كلهم هنا!.
تسائل النادل بتوجسٍ :
– في مشكلة أقدر أساعدك فيها يافندم!.
تأففت بإنزعاج شديد وهي تخرج هاتفها المحمول، ثم بدأت تتصل بولدها دون التركيز على أي شئ آخر، لتتفاجأ بإشعار ينبثق على الشاشة :
-“لا يوجد بطاقة SIM”
جحظت عيناها مع رؤية ذلك الإشعار المخيف، واستخدمت أظافرها لفتح بيت البطاقة، لتجدها بالفعل فارغة، وقد تم إخراج شريحة الهاتف بشكلٍ يبدو مقصود ومتعمد، لحشرها في ذلك الوضع المخجل. تشكك النادل في أمرها، رغم أن هيئتها الراقية لا تنمّ أبدًا عن شئ يثير للشك؛ لكن الوضع لم يكن طبيعيًا بالمرة، مما دفعه لسؤالها مباشرة :
– تقريبًا في مشكلة بتواجه سيادتك.
توترت “أسما” وهي تعرض عليه ذلك الخيار المستحيل :
– آ… هو ممكن تبعتلي الفاتورة على البيت؟؟.
ارتفع حاجبي النادل متفاجئًا من عرضها، وسرعان ما أجاب :
– أكيد لأ يافندم ، الخيار ده مش متاح عندنا.. الحاجه الوحيدة المتاحة إن حضرتك تدفعي قيمة الشيك، وإلا…..
وسكت، فـ ازدردت ريقها بتخوفٍ حاولت إخفاءه، لتُظهر تبجحًا مغرورًا وهي تقول :
– وإلا إيه؟؟.. إنت عارف بتكلم مين؟.
– والله أنا معرفش غير حساب الشيك.
لاحظ أحد العاملين تلك المحادثة الحامية بين زميلهِ وبين أحد الزبائن، فـ ذهب نحوهم بهدوء لإستكشاف الأمر بهدوء قبل أن ينتشر بين المتواجدين بالمكان :
– في إيه؟.
– ياريت تنادي على المدير بهدوء، قوله في وضع ضروري لازم يتولاه بنفسه.
اهتزت “أسما” گمن صُعقت بماس كهربي، فهي في موقف لا تحسد عليه، فضيحة على وشك الإنتشار، وحدث سيتردد على ألسنة الجميع إن ذاغ صيتهِ في وسطها.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)