رواية أغصان الزيتون الفصل الخامس عشر 15 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء الخامس عشر
رواية أغصان الزيتون البارت الخامس عشر
رواية أغصان الزيتون الحلقة الخامسة عشر
“لن تكفيك القِلاع الحصينة، فـ الهجوم سيأتيك من الداخل.”
______________________________________
سعى للوصول إلى غرفتهِ بأقصى سرعة ممكنة، كي يصطاد الفريسة قبل أن تختفي مجددًا بين الأدغال، فتح الباب على مصرعيه، مسح الغرفة بنظرة خاطفة شملت المكان؛ لكن لا أثر لوجودها، أسرع بخطاه للداخل، حيثُ زاوية إرتداء الملابس ودورة المياة، أيضًا لا أثر لها هناك، دقق أنظارهِ في كل شئ من حوله، لعل عيناه تقع على ثغرةٍ لها تركتها خلفها، لكن لا يوجد أيضًا. لم يكن ذلك كافيًا لإقناعهِ بإنها لم تطئ غرفتهِ، وكأن حدسهِ متيقنًا من حقيقة گتلك. ترك غرفته وراح يزور غرفتها التي لا تبعد كثيرًا عنه، وأيضًا فتح الباب عن آخرهِ، لكن المثير للذهول إنها ليست موجودة هنا أيضًا!. تغضن جبينهِ بعدما بدأت الشكوك تساورهُ، وحينما التفت ليغادر بحثًا عنها كان يصطدم بها خلفهِ مباشرةً، كتمت “سُلاف” شهقة خافتة، ونظرت حيال “زين” النائم في فراشها، بينما سألها هو بصوتهِ المحتدم :
– كنتي فـين؟.
فـ رمقتهُ شزرًا وهي تردف بصوتٍ خفيض :
– وطي صوتك الولد نايم.
ثم أشارت للرضاعة الموجودة بين يديها وهي تجيب :
– كنت بعمل الرضعة بتاعت زين.
ضاقت عيناه گأنه لم يصدقها، ونظر نحو الرضيع وهو يقول :
– رضعة إيه إن شاء الله!.. ده المحروس نايم؟!.
كانت هادئة فاترة، وهي تجيب بثقةٍ غير مهتزة :
– عارفه إنه نايم، بس لازم لما يصحى يكون أكلهُ جاهز.
تبسمت إبتسامةٍ ذات مغزى، وانتقلت نظراتها من الخنق البالغ للنعومة المصطنعة، وهي تسأله بشئ من الدلال :
– إيه اللي رجعك تاني؟.
دفعها من أمامه، ولم يُجيب على سؤالها الذي لم يتحمل مغزاه الصريح. خرج من الغرفة وانحرف يسارًا نحو غرفته، گالذي يفرّ من شئ ما، بينما أوصدت هي الباب وهي تترك زفيرًا حارًا من صدرها، لتترك قلبها حُرًا، بعدما كتمت مخاوفها واضطراباتها طويلًا. الفرار من معقلهِ كان أمر بالغ الصعوبة، لا سيما إنها أخطأت بفتح الإضاءة وتركت ثغرة من خلفها؛ لكنها نجت هذه المرة بأعجوبة، وما هو آتٍ سيكون عليها إتخاذ تدابير أكثر حرصًا.
صفق “حمزة” باب غرفته من خلفهِ، وهو يتلفت بتوترٍ گالمجنون، نزع سُترته وألقاها على المشجب، فـ وقعت على الأرض، تجاوزها ودخل غرفة تبديل الملابس، دنى من خزينتهِ السرية، أدخل الرقم السري وفتحها، سحب باقة من النقود الورقية ومفاتيحهِ الإحتياطية الخاصة، ثم أغلق الخزينة وراح ينتقي ثيايًا يرتديها. لم يكفّ عقلهِ عن التفكير بشأن ما حدث، حتى وإن كانت دخلت غرفته، لماذا؟.. ما الذي تسعى خلفهِ بأول أيامها هُنا ؟؟.
**************************************
استيقظت منذ الصباح الباكر، بعد ساعات من النوم المتقطع المؤرق، لم تغادر الغرفة تحاشيًا لرؤية ما لا تحبذ رؤياه، فـ هي لم تتقبل بعد فكرة مكوث تلك الفتاة بينهم. ظلت “أسما” حبيسة غرفتها لم تفارقها، في حين أن “صلاح” قد غادر منذ الصباح الباكر و “حمزة” لم يتواجد في المنزل منذ الأمس، فـ بقيت هي الوحيدة هُنا، أو إنها لم تكن وحيدة بالمعنى الحرفي، فقد بات الغضب في أحضانها طوال الليل وحتى هذه اللحظة. استمعت لصوت طرقات على باب غرفتها، فـ سمحت بالدخول لترى خادمها المخلص “عطا” يدلف إليها، وعلى وجهه تشكلت تعابير الضيق وهو يهتف بـ :
– صباح الخير ياهانم.
نظرت “أسما” لساعة يدها وهي تردف بـ نبرة معترضة :
– صباح إيه ياعطا؟.. دي الساعة بقت واحدة ونص بعد الضهر.
لاحظت تغير وجهه، وحتى عيناه التي تسلطت على الأرضية بشكلٍ مريب، فسألته :
– في إيه؟.
ونهضت عن جلستها بعدما تشككت بحدوث أمرٍ يخص تلك الضيفة المزعجة :
– في حاجه حصلت من اللي ما تتسمى دي!.
تخلص “عطا” من صمتهِ، وهتف بنبرةٍ متوترة :
– بصراحة كده أنا معرفش أشتغل وفي حد فوق راسي ياأسما هانم!.
تغضن جبينها بذهول، وهي تسأله بإمتعاض :
– هي نزلت المطبخ كمان؟؟.
– لأ، جابت ست كده شكلها غريب، وقالت إنها هتفضل في المطبخ على طول.
حدقت “أسما” وقد بقيت عيناها على الفراغ، وتحمم داخلها وكأنها تلقت شُحنة هيّجت غضبها الناشب بالفعل، لـ تمضي بعجلٍ نحو تلك الغرفة البغيضة، وتتواجه مع هذه – الإمعَّة – من وجهة نظرها. اقتحمت الغرفة دون سابق استئذان، حينما كانت “سُلاف” تضع حِزام الخِصر في بنطالها الأبيض، فـ رمقتها الأخيرة بفتورٍ متعمد وهي تهتف بـ :
– صباح الخير ياطنط، نورتي أوضتي المتواضعة.
اندفعت “أسما” نحوها، وبغيظٍ شديد كانت تغرز أصابعها في ساعدها وهي تهزّها صائحة :
– أسمعي يابت انتي، أنا صاحبة البيت ده ومحدش هنا ليه كلمة فوق كلمتي، ولو كنتي هتقعدي هنا يبقى تقعدي بمزاجي أنا وبطريقتي أنا.
تخلصت “سُلاف” من أصابعها بصعوبة، وهي تردف بهدوءٍ يستثير الأعصاب :
– وهو في حد قال غير كده ياطنط!.. طبعًا انتي ست الكل هنا.
قطبت “أسما” جبينها مدهوشة، منزعجة من هذا البرود المتناهي الذي ينزل عليها وكأنه مادة سريعة الإشتعال، تُوقد نيران غيظها أكثر وأكثر، فما كان منها إلا إنها تابعت بصراخٍ هادر :
– مين اللي انتي جيباها تحت دي!.. ومين قالك في حد هيعتب المطبخ أصلًا!.
تلوت شفتي “سُلاف”، قبل أن توليها ظهرها لكي تتناول كنزتها الحمراء كي تتابع ارتداء ملابسها، وهي تُجيبها قائلة :
– دي أم علي، كل اللي هتعمله هنا أكلي أنا وزين.
ثم نظرت إليها وهي تُشير – بتعمدٍ – لإستمرارية تواجد رجالها بالخارج :
– وكمان أكل للناس اللي برا.
ثم أشارت لنقطة في غاية الأهمية :
– متقلقيش كله على حسابي أنا ياطنط.
زجرتها “أسما” بنفاذ صبر، وهي تتوعدها بوعيدٍ صادق وحقيقي :
– قعدتك هنا مش هتطول، وأنا هعرف إزاي أخرجك من هنا بنفسي.
التفتت “أسما” لتنصرف، فـ سمعت ردّ “سُلاف” عليها :
– اللي تشوفيه ياطنط.
كتمت “سُلاف” ضحكة شامتة، ثم مشت نحو المرآة لتضبط ملابسها قبل أن تخرج. حينئذٍ طرقت “أم علي” الباب عليها قبل أن تدخل، فـ سمحت لها “سُلاف” وهي تقول :
– أدخلي وأقفلي الباب ياأم علي.
أغلقت “أم علي” الباب من خلفها، فـ دنت منها” سُلاف” كي تشدد عليها بخصوص بعض التعليمات :
– فتحي عينك ياأم علي، هنا في ألف أيد عايزة تتحط على رقبتي ورقبة إبني.
– لا عاش ولا كان ياست سُلاف، متقلقيش أنا مخليه بالي كويس، مصطفى بيه موصيني على كل حاجه.
فـ اتسعت عينا “سُلاف” وهي تحذرها بـ :
– ششش، متجيبيش سيرة عمي ولا إسمه هنا خالص، وكلامنا هيكون بعيد عن أي حد.. المهم انتي تكوني حريصة ومركزة.
– من عنيا.
– أنا خارجه ومعايا زين، هاخد معايا عِبيد ، لو احتاجتي حاجه كلميني.
– حاضر.
تحركت “أم علي” لكي تضع “زين” في عربة الأطفال خاصته، أحكمت غلق حزام الأمان عليه، ثم التفتت لـ “سُلاف” :
– هنزل أخلي عِبيد يطلع ياخد زين للعربية.
أومأت “سُلاف” رأسها، فـ تحركت “أم علي” على الفور. اتجهت “سُلاف” نحو طفلها، تبسمت في وجهه قبل أن تنحني عليه لتُقبّله قُبلاتٍ عديدة، ثم ابتعدت وهي تعقد رباط حذائهِ الأزرق الصغير :
– دلوقتي نخرج نشم شوية هوا نضيف، أحسن هوا المكان هنا ممكن يلوث صدرك ياروح قلب مامي.
*************************************
أغلق “نضال” الملف قبل أن يضعهُ في أحد الأرفف بالأرشيف، ثم عاد إلى مكتبه حيث كانت “رضوى” تجلس أمامه، وسألها بفضول :
– إيه اللي يخلي ست تقتل جوزها غير لو كانت واحدة بلطجية من الشارع!.
عقدت “رضوى” حاجبيها بإستنكار، متعجبة من فكرهِ العدواني ضد واحدة ضمن المقهورين اجتماعيًا، وبررت الدوافع التي قد تكون دفعتها للقيام بذلك :
– أنا مش معاك يانضال، اليومين دول تفكيرك متغير خالص ومش عاجبني، أنت كنت أول واحد بتنصف أي ست جايه ترفع قضية طلاق ولا خلع، إيه اللي جرالك؟.
– أنا لسه عند موقفي يارضوى مفيش حاجه اتغيرت، لكن مش مع فكرة القتل عمومًا، ده مش حل.
تنهدت “رضوى” وهي تُحيد بأنظارها عنه :
– الست كائن رقيق بطبعهُ، عمر الست ما هتقتل راجل وخصوصا لو جوزها إلا لو كان الدافع قوي.
جلس “نضال” على مكتبه وهي يرد بـ :
– أراهنك إن حمزة هيرفض القضية دي، مجرد ما يسمع إنها واحدة قتلت جوزها هيقف في صف الراجل حتى لو كان إبن كلب.
تقوست شفتي “رضوى” بإنزعاج شديد، ونظرت حياله بنظراتٍ آمله وهي تقول :
– عارفه.. عشان كده جيت أقولك انت الأول عشان تقنعه، مستر حمزة بيسمعلك يانضال.
طرق “نضال” بالقلم على سطح المكتب، وفكر للحظة قبل أن يرد بـ :
– طيب هشوف، بس هو ييجي المكتب الأول، أنا مش عارف أتلم عليه.
أفترت ثغرها مبتسمة بوداعةٍ وهي تشكرهُ :
– ميرسي يانضال بجد.
وأطالت النظر إليه، گمن تحفظ بدقةٍ خطوط وجهه وتعابيرهِ الرجولية الجذابة :
– أنت حد جدع أوي.
ابتسم “نضال” دون أن يرفع بصره حيالها، وگعادتهِ مازحها قائلًا :
– ماانا عارف، قومي شوفي هنطلب إيه عشان نفطر.. ورايا مشوار بعد شوية ومش عايز أنزل وأنا جعان.
تحمست گعادتها كلما طلب منها شيئًا، ونهضت لتتعجل في طلب الطعام لكلاهما، قبل أن يغادر المكتب :
– حالًا.
نظر “نضال” لهاتفهِ، يرغب بجموحٍ في الإتصال بها والإطمئنان على حالها، خاصةً وأن “حمزة” هاتفه مغلقًا منذ أمس، ولم يتوصل لأي خبر بشأن ما حدث. تآكل داخله من فرط القلق، رغم إنه يكافح بأقصى جهدهِ ليواري ذلك، وبقى عليه – إجباريًا – أن يتحلّى بالصبر، حتى يأتيه خبر عنها، وتخمد ثورتهِ المكتومة ببواطنهِ.
****************************************
ظلت جالسة بالخلف في السيارة وبجوارها طفلها، بينما “عِبيد” بالأمام جوار السائق. أطالت النظر لصورة التوكيل الذي قامت بتصويرها على هاتفها بالأمس، وذلك الأسم متعلقًا بذاكرتها تعلُقًا. (تهاني السيد منصور)، واحدة من أشهر السيدات في مجالها، تمتلك أكثر من مركز للتجميل، ولكافة الخدمات التي تُقدم للسيدات عامةً وللعروس المُقبلة على الزواج خاصةً، من تنظيف بشرة، جلسات بخار للجسم، تدليك، حمام مغربي، وكثير من هذه الأشياء على نفس الشاكلة. هذا هو قناعها الذي تظهر به أمام المجتمع، أما باطنها الأسود، فـ هي قِوّادة بدرجة شيطانة، ويعمل تحت أمرتها كثير من الماجنات الملعونات، اللاتي تُقدمهن على طبقٍ من ذهب لمن يدفع أكثر، ليلة واحدة مُقابل آلاف من الجنيهات، وإن كانت رحلة ترفيهية لعدة أيام فـ المبلغ يتضاعف لعشرة أضعافهِ.
زفرت “سُلاف” وهي تترك هاتفها جانبًا، ثم نظرت عبر النافذة وهي تسأل :
– فاضل كتير ياعِبيد؟.
– لأ ياهانم، وصلنا يعتبر.
توقف السائق أمام أحد البنايات الشاهقة بالحي الشهير الراقي، فـ أشار “عِبيد” على الجانب الآخر وهو يقول :
– المركز بتاعها هناك أهو ياهانم، وفي سبع فروع غيره، لكن ده الفرع اللي هي موجودة فيه على طول.
عضت “سُلاف” على شفتها تفكر، وسألته :
– متأكد إنها هتكون هنا؟.
– ممكن أتأكدلك بنفسي دلوقتي.
أخرج “عِبيد” هاتفه، بدأ بإجراء مكالمة هاتفية، ليتحدث بجدية زائدة :
– ألو، كان في حجز النهاردة بأسم مدام سُلاف محفوظ السُني؟.. آه.. لأ محتاج نأجل الحجز، المدام مش فاضية النهاردة.. شكرًا، عايز أسأل مدام تهاني موجودة ولا لأ؟.. تمام، هتصل بيكي مرة تانية لتأكيد المعاد.
أنهى “عِبيد” المكالمة، ثم نظر للخلف وهو يردف :
– خرجت من نص ساعة.
ذمّت “سُلاف” على شفتيها، بينما عيناها عالقة بالمركز، فكرت سريعًا، كيف يُمكنها الإيقاع بسيدة – لعينة – گتلك، وبنفس الوقت تسديد هدف ضد “حمزة” كونهِ محاميها وأحد الرجال المستفيدين من خدماتها الرذيلة، حتى حطّ برأسها فكرة فتَّاكة، گالتي تُحرز هدفين في مرمى واحد بنفس الدقيقة، فـ انتابها الضحك بنفس اللحظة وهي تقول :
– حظها حلو النهاردة إني مشوفتهاش، خلينا نمشي دلوقتي وهنبقى نجيلها تاني.
– أوامر.
وأشار للسائق :
– يلا.
تحركت السيارة للمغادرة، وما زالت تلك الإبتسامة المغزية تلوح على وجهها.
**************************************
كانت “أم علي” تُعدّ الطعام من أجل سيدتها التي عادت من الخارج، حينما دلفت “أسما” وعلى وجهها تعابيرٍ متجهمة، حدجتها بنظرةٍ عدوانية، قبل أن تأمرها بـ :
– أطلعي برا.
ارتبكت “أم علي” وهي تنظر حولها قبل أن تسأل :
– آ.. أنا؟.
أحتد صوتها المتهكم وهي تقول :
– أمال أنا!.. هو في غيرك هنا؟.
حمحمت “أم علي” بتحرجٍ :
– آ بس أ….
قاطعتها “أسما” بحزمٍ :
– مش عايزة كلام كتير، مجرد ما أنا أدخل هنا تخرجي فورًا، أنا مش عايزة أشوفك قدامي.
أومأت” أم علي” برأسها، أغلقت الموقد على الطعام لحين عودتها، وانصرفت للخارج حينما هدرت “أسما” بصوتها :
– أكل أصحاب البيت يخلص الأول يا عطا، وبعدين تبقى تسيبلها البوتجاز لما أنت تخلص.
– تحت أمرك ياهانم.
نظرت “أسما” خلفها، ثم ناولت “عطا” قنينة صغيرة وهي تقول بخفوتٍ :
– حط في الأكل ١٠ نقط من ده.
تراقصت حدقتي “عطا”، وهو يوزع نظراتهِ بين يدها وبينها بتوترٍ ملحوظ، وقد دبّ الذعر في أوصالهِ وهو يهمس بـ :
– آه بس يعني آ….
– ششششش، من غير كلام كتير.
تجلّت على تعابيرها علامات الشر والحقد الشديدين، وهي تعيد عليه الأمر :
– مش بحب أعيد كلامي مرتين يا عطا، أسمع الكلام وحافظ على أكل عيشك.
كان في حديثها تهديد غير مباشر، فـ أُجبر على تنفيذ أمرها، دون حتى أن يسألها ما هذا وفيما يستخدم. قطّر من القنينة عشر نقاط في طعام “سُلاف”، ثم أغلق القنينة وأعادها إليها وهو يقول :
– أتفضلي ياهانم.
وضعتها “أسما” في جيبها، والتفتت لتغادر المطبخ وهي تقول :
– خلص الغدا عشان صلاح باشا في الطريق.
لم تُظهر “سُلاف” امتعاضها، وحاولت إخفاء رغبتها المتوحشة في تلقين “أسما” درس لن تنساه، ثم هتفت بـ :
– أبعدي عن الحيِّة دي ياأم علي، هي هتحاول تضايقني بيكي، أول ما تشوفيها في مكان انسحبي منه، دخلت المطبخ أخرجي، خرجت منه أدخلي تاني.. لحد ما نعدي الفترة دي ونرجع بيتنا بسلام.
هزت “أم علي” رأسها بتفهم :
– حاضر.. هنزل أحضرلك الغدا.
– ماشي، ومتنسيش زين.
– حاضر.
مسحت “سُلاف” على وجه طفلها، فـ ابتسم الصغير وهو يمسك بيدها، مُحركًا ساقيهِ في الهواء ببراءة متحمسة، دفعتها للضحك هي أيضًا بتلقائية شديدة، وهي تداعبهُ لبعض الوقت.
جهزت “أم علي” (صينية) كبيرة، حملت عدة أطباق امتلأت بالطعام الساخن، والذي انتشرت رائحتهِ الشهيّة في الأرجاء. حملتها وخرجت من المطبخ، بينما “عطا” يتطلع إليها بنظراتٍ مرتبكة، ازدرد ريقهِ وهو يهتف بـ :
– أنا ماليش صالح، ولا كأني أعرف حاجه ولا شوفت حاجه.
صعدت “أم علي” للطابق العلوي حيث غرفة “سُلاف”، كي تتناول سيدتها طعام الغداء، ثم ستُطعم الرجال بالخارج من نفس الطعام كما أمرت “سُلاف”، كي يكون ذلك ضمان لهم، من تناول أي طعام من منزل “صلاح القُرشي”، لم تكن تدري أن الهجوم عليهم سيكون من الداخل، وأن الضربة ستأتي في أول أيامها هُنا، وقد تكون ضـربـة قاسـمة للظـهر، لا قيام منها أبــدًا…
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)