رواية أغصان الزيتون الفصل الحادي والثمانون 81 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء الحادي والثمانون
رواية أغصان الزيتون البارت الحادي والثمانون
رواية أغصان الزيتون الحلقة الحادية والثمانون
||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل الحادي والثمانون :-
الجُـزء الثـاني.
“وسِهام الغدرِ حين أُطلقت، خرجت من قوسٍ ظننتهُ قوسي.”
_____________________________________
لم يرغب أبدًا في عيش الهياج العصبي الذي أصابه أمام أحد، فـ استأثر بغرفتهِ يجيئ ويذهب فيها دونما يراه أحد أو يستشعر ما فيه من غرابة. تلك الصورة أفقدت لُبهِ بقايا التماسك المزيف الذي تقمصهُ، فكل ما يعيشهُ ما هو إلا فيلم سينتهي بموت الأبطال ومنتج الفيلم والمخرج والمصور وكل القائمين عليه، ليس هناك تفسير منطقي واحد يُحول المفهوم الذي وصل إليه عبر ما رآه. بدأت ذاكرته تسترد مشاهد مضت، وكيف كان يكرهها “راغب” ويختلف معها أغلب الوقت، ثم ربط ذلك بمحاولة “سُلاف” الدفاع عن “يسرا” والوقوف جوارها جمبًا إلى جمب بدون أي مبررات منطقية، ثم عاد لأساس الموضوع منذ البداية، وكيف تمت تلك الزيجة من الأساس، وإنه كان الطرف الوحيد الشاهد عليها هو “راغب”، بدون أن يتذكر هو أي شئ عن هذه الليلة، سوى إنه صادف ورأى “سُلاف” من قبل، ولكن لا يعلم بتاتًا أين ومتى!.
كل ذلك أقنعه بالنتيجة النهائية التي وصل إليها بعد مجهود كثيف في التفكير، وهي وجود صلة متوطدة تجمع بين كلاهما، وقد يكون هو الخائن الذي يبحث عنه منذ البداية، وكل ما جرى أمام عينيه ما هو إلا أكذوبة لإقناعه بسوء العلاقة بينهما. ارتفعت حرارة رأسهِ وقد بدأ الدوّار يحطّ عليه، بعد ارتفاع ضغط الدم نتيجة عصبيته المفرطة وغضبه المكتوم، فـ سحب مفاتيح سيارته وترك باقي أشياءه، ليغادر من هنا على الفور، منتويًا زيارة أقرب صيدلية متخصصة لقياس الضغط، بعدما أيقن وصول الأمر لبالغهِ بعد ظهور تلك الأعراض عليه.
**************************************
ضغطت أصابعه على ذراع كرسيهِ المتحرك، كاتمًا غيظهِ القلِق بين طيِاته، وبعض المخاوف قد ترأست قائمة المهام الأخيرة لديه، فـ غطت بسوادها الكاحل على بقايا انتقامه. تنهد “مصطفى” محررًا زفير مختنق، ثم رفع بصره نحو “عِبيد” ليسأله في تخوف مرتعب :
– يعني صلاح بيدور على ابني ومبيتله نية سودا؟.
ذمّ “عِبيد” على شفتيه آسفًا، بعدما اضطر الإفصاح عن تلك المعلومة الهامة، لإتخاذ كافة التدابير الوقائية اللازمة لسلامة “راغب” :
– آه.. و طبعًا انت عارف مين اللي سربله الخبر.
كزّ “مصطفى” على أسنانه وهو يعطي تخمينه الأكيد :
– مفيش غير الحيوان اللي اسمه شافعي، طول عمره عايز يطلع على راس ابني وأديه وصل للي هو عايزه.
– وبعدين هنعمل إيه ؟
لم يفكر “مصطفى” لحظة واحدة، وكان يجيب عليه :
– مفيهاش كلام يا عِبيد، أنا مش هضحي بإبني الوحيد لصلاح، مش هسيبه ياخد مني ولادي زي ما أخد إسماعيل الله يرحمه ومراته وغيرهم، على جثتي.
حرك “مصطفى” مقعده المتحرك ليدور في حركة متوترة، وأردف قائلًا :
– يشهد ربنا إني مكنتش ناوي أدخل نفسي في موضوع يسرا، ولا كنت عايز حاجه من ورا اللي عرفته وشوفته، بس طالما فيها حياة ابني يبقى يا روح ما بعدك روح.
لم يفهم “عِبيد” تحديدًا إلى ما يرمي إليه “صلاح”، فـ غزت تعابير الإستغراب تعابيره وهو يسأله بفضول :
– قصدك إيه؟.
فـ شرح له “مصطفى” بإستفاضة :
– يعني هنضرب الظالمين بالظالمين واحنا ملناش دعوة، هنتفرج من بعيد، مش صلاح وابنه عايزين اللي عمل كده في بنتهم؟!.. وماله، أنا هديهم الحقيقة، وهما بقى يتشغلوا بعيد عن ولادي، ويحطوا نهاية نفسهم بنفسهم.
وافق “عِبيد” على ذلك الإقتراح السديد، والذي من وسعهِ إبعاد “سُلاف” أيضًا عن طريق “حمزة”، بعد تنفيذ العدل الإلهي في آل القُرشي دونما خسارة أي شئ :
– هو ده الكلام المظبوط يا باشا، واحنا يعني عايزين إيه غير إننا نخلص منهم من غير إيدنا تشيل دمهم.
أومأ “مصطفى” رأسه متفقًا معه، ثم أشار إليه كي يقترب منه :
– تعالى أقولك هتعمل إيه يا عِبيد، عشان نلعب اللعبة صح أوي.
**************************************
أوقف “حمزة” سيارته أمام البوابة، وقبل أن يلتفت لـ “زيدان” كان الأخير يواسيه بكلماتهِ الحمقاء :
– لا حول ولا قوة إلا بالله، ده انت لسه في عز شبابك وصغير على السكر والضغط والأمراض دي.
قاطعه “حمزة” بصياحٍ :
– بـــس يابنـي آدم!.. سكر إيه وضغط إيه انت جبتلي المرض وانا قاعد!. هو شويه ارتفاع في ضغط الدم وخلصنا.
تلوت شفتيه حانقًا، وأصرف عيناه لخارج السيارة وهو يردف بتهكمٍ :
– أنا غلطان اني خايف عليك، دي ولية منحوسة مش هييجي من وراها غير المصايب.. أسمع مني انا.
نفخ “حمزة” منزعجًا وهو يحاول إسكاته :
– كفاية تعملي فيها خالتي اللتاتة (الرغاية).. قولي وصلت للصورة دي ازاي وامتى؟.
فـ قصّ عليه “زيدان” بإيجاز :
– امبارح بالليل لما خرجت مع ضلها.. أقصد الراجل الطويل العريض اللي معاها ع طول، مشيت انا و٣ عربيات تبعي وراها.. وبدلنا دوريات في الطريق عشان متاخدش بالها، لحد ما وصلت للمطعم الفِخِم ده ودخلت.
وانحرف عن الموضوع فجأة ليثير في “حمزة” نزعة الغضب :
– تصدق بإيه!.. المكان ده أسعار الأكل فيه أسعار يهود، آه والله، ده انا جيبت ساندوتش كانوا هيدفعوني بالدولار.
لكزهُ “حمزة” في كتفهِ بقوةٍ، كي يدفعه لمتابعة الحوار الأساسي دون الإلتفات للموضوعات الفرعية :
– ما تنجز وتكلم عن اللي يخصني.
– ماشي يا أبو البشوات، مقبولة منك.
—عودة بالوقت للسابق—
وضع “راغب” يداه على كتفها بعطفٍ أخوي وهو يسألها :
– طمنيني عليكي، عاملة إيه؟.
ابتسمت “سُلاف” في وجهه وهي تجيب :
– كويسة، المهم انت.
حرر “راغب” تنهيدة طويلة من صدره، متجاهلًا الرد على سؤالها، فالجواب معروف بالطبع، وأصرّ التحدث بشأن الموضوع الذي أتى للتحدث عنه :
– اللي عمله حمزة الصبح قدام المديرية ملهوش غير معنى واحد يا سُلاف.. حمزة بيستفزنا، عايز اللي وراكي ينتفضوا من الخضة ويطلعوا من جحورهم، عايز يوصل لأبويا.
ذمّت “سُلاف” على شفتيها للحظات من الصمت، ثم وافقتهُ تخمينه :
– عندك حق، طبعًا كل اللي هو بيعمله ملهوش أي لازمة ولا هيفيد بحاجه.
لم يطمئن “راغب” عليها، ولذلك عرض عليها الإنسحاب المبكر بقليل من المكسب، بدلًا من الخسارة الكبيرة :
– أنا شايف إن كفاية كده، أبعدي عن حمزة وسيبي الباقي علينا يا سُلاف.. اللي جاي مش حلو يابنت عمي.
هزت “سُلاف” رأسها بالرفض :
– مينفعش بعد كل ده، هانت ياراغب، متقلقش عليا.
كانت علامات القلق قد انتشرت على تعابيره بالفعل، متنبئًا وصول الأوضاع لحالٍ خطير على كل الأطراف :
– لأ قلقان، حمزة مش لوحده، صلاح مش هيفضل ساكت، ولو فضلتي قدامه هتبقي هدف سهل يضحي بيه.
– ميقدرش ياراغب، صلاح هيفكى بدل المرة ألف قبل ما يأذيني، عشان عارف كويس مين ورايا.
—عودة للوقت الحالي—
وكأن الفضول وحشًا، ينهش في صدرهِ بلا هوادة :
– يعني مسمعتش ولا كلمة من اللي اتقالت؟.
قضم “زيدان” حبّات الكرز متمطقًا بمذاقهِ اللذيذ، ثم أجاب بهدوءٍ مثير للأعصاب :
– لأ، أنا أديت للواد الجارسون ورقتين توت عنخ آمون وهو اللي صورهم، بس الشهادة لله الكاميرا بتاعت التليفون الجديد آخر أبهه، يستاهل الألوفات والله.
أطاح “حمزة” بكيس الكرز البلاستيكي الذي يمسك به، وهدر فيه بإنفعالٍ متأجج :
– هي الطفاسة حبكت دلوقتي، في إيـه يا عم انت عايز تشـلني!!.
اعتدل “زيدان” في جلسته وبدأ يلملم الكرز المتساقط وهو يهتف بـ :
– ياباشا النعمة تزول مش كده، عليا الحرام التوت ده بالغالي، ده الكيلو بـ ٩٠ ج ياباشا.
فصاح فيه “حمزة” بعدما فتح له إضاءة السيارة :
– بـس مـتكلـمنـيش عـلى فـلوس.. خلصني ولمّ اللي وقع كله.
انشغل “زيدان” بجمع المتساقط وهو يقول :
– بس على فكرة بقى، الواد والبت دي في بينهم حاجه.
كتم “حمزة” عنه شعورهِ البراكين التي تتقافز منها النيران بصدرهِ، وعقّب مستنكرًا :
– أختي وبعدها مراتي!! أنا مش عـارف راغـب عـايـز مني إيـه.
ثم ضرب عجلة القيادة بكلتا يديه وهو يكرر :
– عايز مني إيــــه!.
– أهدا ياباشا وانا هجيلك أصل الموضوع كله، أنا سايب شويه عيال ولاد جنيّة هيعرفولنا كل حاجه.
لفت انتباههِ إضاءة أحد السيارات الآتيه من مسافة ليست بعيدة، فدقق نظره نحوها ليكتشف “شافعي” بداخلها، فنفخ بإنزعاج شديد وهو يغمغم :
– أبو اللزاجة كلها!.
ترجل “شافعي” عن سيارته ووقف جوار نافذة “حمزة”، ثم انحنة ليقول له :
– أنا جايلك مخصوص ياأستاذ حمزة، الخبر اللي معايا ميستناش.
ثم نظر بإتجاه “زيدان” وهو يتابع :
– لو تسمحلي بدقيقتين يعني.
ترجل “حمزة” عن سيارتهِ وهو يردف :
– أركن العربية يا أبو زيد.
– من عنيا ياباشا.
سار معه “حمزة” للداخل، فترآى له “سُلاف” واقفة في النافذة وتنظر إليه، أخفض نظراته عنها وكأنه لم يهتم كثيرًا، أما بداخله، تندفع الأسئلة وتتهافت على عقله لتدفعه إلى مواجهتها؛ لكنه يتماسك بصعوبة شديدة لئلا يفعل ذلك.
توقف “حمزة” في الممر الطويل، وشبك ذراعيه معًا وهو ينظر تجاه “شافعي” بفتورٍ شديد :
– خير يا شافعي، خبر إيه اللي جيتلي بنفسك عشان تقوله.
كأن في نبرته لمحة من الشماتة، وحتى عيناه البرّاقة تتحدث عما يجول في نفسهِ من سعادةٍ عارمة، وهو يفضي بكلماتٍ متوارية :
– طول عمري كنت بحسد راغب عليك، كنت راجل وصاحب صاحبك أوي معاه، ليه يعمل معاك كده انا مش عارف؟.
وكأنه ضغط على جرحهِ النازف، فلم يتحمل “حمزة” مزيدًا من تذكيره للخيانة التي تعرض لها من أقرب الأقربين، وهبّ فيه بعصبية غير متحمل مزيد من الصبر :
– ما تخلص يا شافعي انت هترغي معايا؟؟.. إيه اللي جابك هنا الساعة دي!.
أفصح “شافعي” بأخبارهِ الحصرية دون مطّ زائد، مراقبًا عن كثب انتقال تعابير “حمزة” من طور لآخر :
– راغب مطلعش راغب.
قطب “حمزة” جبينه دون أن يفهم مغزى اللغز الذي قاله، فأعاد “شافعي” صياغة عبارته :
– قصدي مطلعش صاحب العمر ولا حاجه.. ولا ده اسمه من الأساس.
ملأت تعابير الشدوه ملامح “حمزة”، وقد خمّن بقية الحديث الذي يخشى سماعه؛ لكنه مجبرًا على ذلك :
– عارف راغب ده يبقى مين؟.
لم ينطق” حمزة” كلمة واحدة، بينما تابع “شافعي” خافيًا ابتسامة كادت تطفو على سطح وجهه :
– راغب مصطفى زيـِّان.
وأشهر في النهاية شهادة ميلاد أصلية موثقة أمام عينيه، مستكملًا عبارته :
– ابن عمّ المـدام….
**********************************
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)