رواية أغصان الزيتون الفصل الثاني والستون 62 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء الثاني والستون
رواية أغصان الزيتون البارت الثاني والستون
رواية أغصان الزيتون الحلقة الثانية والستون
||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل الثاني والستون :-
الجُـزء الثـاني.
لكن الثعلب جاهلًا بأن الفريسة هي -أنثى النمر-.
___________________________________
في هذه اللحظة تحديدًا أصابته حالة غريبة، لم يسبق له أن تعرض لمثل هذا الشعور الذي لا وصف يعطيه حقه. مشاعر أودت بعقله على حافة الجنون، بالرغم من حفاظه المستميت على شعيرة الهدوء الذي بدا عليها الآن، وهذا كان الأصعب في الأمر، إنه تظاهر بالسكون متجاهلًا الحريق الذي نشب بين ضلوعهِ، وتكاد رائحته تنتشر في الوسط كله. أصرف “حمزة” بصره عن حقيبتها مُدعيًا عدم الإكتراث، وعاد يهتم بالأمر الذي أتت “يسرا” من أجله :
– متقلقيش يا يسرا، مفيش حاجه اسمها تسافري غصب عنك انتي مش عيلة صغيرة.
نهض عن مقعده وهو يسأل :
-لسه مش عايزاني أكون المحامي بتاعك؟
– سُلاف بدأت في إجراءات القضية خلاص يا حمزة، أيام وهتكون عريضة الدعوة وصلت لحاتم.
أولاها ظهره متهربًا من النظر الصريح لعينيها، خوفًا من أن يقرأ فيهما ما لا يرضيه، بعدما ترد على سؤاله المطروح عليها :
– هتعملي إيه بعد الإنفصال يا يسرا؟ أقصد يعني في حاجه معينة بتخططي ليها؟.
دبت الحماسة في أطرافها، وهي تحلم وتخطط لمستقبلٍ لطالما حلمت بتحقيقه، وصرحت له عن واحد من طموحاتها التي ستسعى إليها :
– هعمل الحاجه اللي نفسي فيها من زمان، هفتتح البازار السياحي بتاعي وأحط رجلي على أول خطوة للحرية.
كأنه نصل حاد، ينشر في أضلعه التي تتحمل كل تلك الحرارة الحارقة المنبعثة من غضبه المكتوم، وهو يسألها ذلك السؤال المرعب :
– يعني مش بتفكري ترتبطي تاني!.. يمكن تلاقي حظ أحلى مع راجل يقدرك؟
كانت مفاجأة غير متوقعة من شقيقها، جعلت التردد يتراقص على حواف عقلها، لا سيما أن قلبها رفرف برغبةٍ شديدة في مصارحته وإخباره، في الإفصاح عن مكنونات فؤادها الذي وقع في حُب محرم، بينما هي زوجة أحدهم وعلى ذمته شرعًا؛ لكنها وبصعوبة شديدة منعت نفسها من اعتراف گهذا، قد يودي بكل خططها نحو السراب، ويبدد طموحها الأهوج في نيل حريتها أولًا. تنفست “يسرا” بصوت مسموع قبل أن تجيب :
– مش وقته يا حمزة، لما أتخلص من البلاء اللي في حياتي أفكر في الموضوع ده.
تلفت “حمزة” إليها، ومازالت تعابير السخرية – التي لم تفهمها – تضئ وجهه الممتعض، مقررًا إنهاء الحديث لدى هذه النقطة حاليًا :
– ماشي يا يسرا، أنا مضطر أخرج عشان كده مفيش وقت نتكلم أكتر، وبخصوص موضوع السفر أنا هخلصه مع ماما، اتفقنا؟.
نهضت وتلك الإبتسامة المتفائلة تُنير عتمة وجهها المكتئب، ودنت منه لتحظى بعناقٍ أخوي عاطفي، حيث طوقت خِصره ووضعت رأسها على صدره وهي تردف بـ :
– ربنا يخليك ليا يا حمزة، أنا فعلًا محتاجة أحس إن في حد في ضهري، مش مصدقة إنك أخيرًا خدت خطوة لصالحي.
ربت على كتفها بغير رغبة، وأكد على تضامنه معها :
– أكيد طبعًا، يلا أنا خارج دلوقتي ونكمل كلام بعدين.
ابتعدت عنه وراحت تسحب حقيبتها وهي تقول :
– ماشي، كلمني لما تخلص مع ماما.
– طيب.
برحت الغرفة كلها، فلم تترك له مجال حتى للتنفس بأريحية، بل ضاق عليه صدره أكثر وأكثر، وعقله يسترد من الذاكرة كيف كان ملمس الحقيبة وشكلها، محاولًا إقناع نفسه بأن ما رآه كذبًا، وما تشكك فيه ليس له من الواقع صحة، وإلا ستقوم قيامة الجميع، وستنفجر القنبلة التي ستمزق كل شئ وتجعل منه أشلاءًا، وربما يكون الواقع أسوأ من النتيجة التي يخشاها أيضًا.
*************************************
وضع سيادة العميد سماعة الهاتف بعد إنهاء مكالمة عاجلة، ثم نظر حيال “صلاح” وهو يطمئنه :
– متقلقش يا صلاح، أكيد ده حصل بالغلط والموقف هيتصلح، مجرد ما يوصلوني بمدير البنك هخلصلك الحوار ده.
كان “صلاح” گمن يجلس على شعلة من لهيبٍ مُسعر، لا يتحمل مكوثًا أو انتظارًا، فالمصيبة كارثية فادحة، ولا يمكن غضّ البصر عنها :
– سيادتك مش فاهمني يا باشا، بقولك الفلوس دي اتسرقت من حسابي، ده مش مجرد تحويل بالغلط.
قطب سيادة العميد جبينه مستنكرًا ذلك الشك المتيقن، وسأله بوضوح لا يتحمل المراوغة :
– لو شاكك في حد قول!.
فـ بدر من “صلاح” شئ من الإنفعال المباغت وهو يذكرها :
– أنا مش شاكك أنا متأكد إنها مرات إبني، هي مفيش غيرها الحيّة دي.
تدارك “صلاح” أمر عصبيته المفرطة معتذرًا عنها :
– آ انا آسف يا باشا بس انا شقى عمري كله راح، دول ١٠٠ مليون جنيه يا باشا!.
نهض سيادة العميد عن مقعده الجلدي الفخم بمبنى مديرية الأمن، والتف حول المكتب حينما نهض “صلاح” واقفًا ليستمع إليه :
– بكرة الصبح هنفرز كاميرات المراقبة في البنك ولو كانت هي أنا ليا طريقي القانوني معاها، من غير ما نثبت على نفسنا حركة كده ولا كده، ياأما نثبت بلاغ رسمي وبناء عليه المباحث تتحرك وبرضو هيكون الصبح.
فرك “صلاح” يديه سويًا وهو ينطق بـ :
– أعمل اللي تشوفه مناسب يا باشا، المهم إني عايز فلوسي.
أشار له كي يجلس وهو يعدو بخطواته نحو الباب :
– طب أقعد، دقيقتين وجايلك.
جلس “صلاح” متحملًا الوقت الذي يمر بصعوبة، وأثناء ذلك قرر أن يخطو خطواته نحو اتخاذ تدابير أكثر قوة ومتانة، تدابير من وسعها إنهاء كل تلك الغوغاء التي يعاني منها منذ ظهور تلك اللعينة. أخرج هاتفه مستعينًا بالإتصال بـ “شافعي”، حتى آتاه الرد أخيرًا :
– أيوة يا شافعي، أسمع.. أنا عايز واد مخلص كده، يخلصنا من حد كده عاملي وجع دماغ.. أيوة زي ما سمعت، لا لا قتل إيه، مش على طول كده، إحنا بس هنحتفظ بيها عندنا شويه، وبعدين نقرر هنخلص ولا لأ.
**************************************
كان الظلام قد زحف مبكرًا ليغطي كل السماء، حينما وصل “حمزة” إلى مكتب والده عن طريق سيارة الأجرة الخاصة (أوبر). كان جليًا للعيان وجود حالة غير طبيعية فيه، كل شئ يُنبئ بذلك، تعابيره، إيماءاته، وحتى تشنجات جسدهِ أوحت بذلك. دخل مباشرة لغرفة “راغب”، حينما كان ينهي مكالمة هاتفية قائلًا :
– ماشي يا عمنا، لما اشوفك نحسم الحوار ده.
فسأله “حمزة” دون انتظار المكالمة تنتهي :
– بتكلم مين؟.
فأجابه “راغب” بصوت واضح صريح :
– ده نضال كان بيسأل عنك.. تاخد تكلمه؟.
– لأ مش وقته، قوله هشوفه بالليل على الكافيه.
لاحظ “راغب” تلك الحالة عليه، فأنهى المكالمة بعجالة كي يلتفت له كليًا :
– زي ما سمعت كده يا نضال، يلا نقفل معاك واكلمك بعدين.
أغلق المكالمة وكاد يسأله، فـ استبقه “حمزة” بالسؤال :
– بابا فين؟.. من ساعة ما سبنا بعض الصبح وانا مش عارف اوصله.
امتلأ وجهه بتعابير الأسف المحتقنة، وهو يهتف بـ :
– من ساعة الخبر الشؤم اللي اديتهوله محجش عارف يوصله.. أكيد عرفت؟.
أولاه “حمزة” ظهره مواريًا خلف غضبه السبب الحقيقي الذي طغى على كافة الأسباب المحيطة به، وهتف بصياحٍ :
– أكيد عرفت طبعًا، ولما روحت البيت ملحقتهاش، هربت زي عادتها.
ضرب “حمزة” الطاولة بقدمه فـ أطاح بها وبالمنفضة الكريستالية التي سقطت فُتات مهشمة :
– وأخــرتــها إيـــــه يـعـني!.. أكيد في حـل، مش هناخد على قفانا على طـول.
نظر “راغب” للمحيط من حوله والذي تحول لفوضى حقيقية :
– طب أهدا، اللي بتعمله ده مفيش منه أي فايدة، خلينا نفكر صح.
– مش عايز أفكر، أنا جيت وانا فاكر إني هلاقي بابا هنا، بس الظاهر خروج أدور عليه في حته تانية.
مدّ له “حمزة” يده وهو يردف بـ :
– هات مفاتيح عربيتك رايح مشوار، عربيتي عطلت وجاي لحد هنا بأوبر.
سحب “راغب” مفاتيحه المتواجدة على وحدة الأدراج ومد بها يده له :
– آه طبعًا، خد أهي.
تناولها “حمزة” وبدا مندفعًا وهو يغادر الغرفة :
– لما أخلص أكلمك.. سلام.
خرج “حمزة”، فـ تعقبته أنظار “راغب” المراقبة، والتي استشعرت وجود أمرٍ مغاير تمامًا لما أفصح عنه، لا يعلم لماذا انتابه هذا الشعور؛ ولكنه أحس وبشدة وجود أمر لا يعلمه.
خرج “حمزة” من بوابة البناية وقد فصل مفاتيح السيارة عن المفاتيح الأخرى، وقبل أن ينتقل للجراچ كان “زيدان” يستقبله بالطريق، فـ ناوله “حمزة” سلسلة المفاتيح كلها وأمره بـ :
– طلعلي على المفاتيح دي كل واحد نسخة، ومتغيبش عليا أكتر من نص ساعة.
وضع “زيدان” المفاتيح في جيبه قائلًا :
– فوريره (حالًا) ياأبو البشوات.
دخل “حمزة” لجراچ السيارات باحثًا عن السيارة المقصودة حتى وجدها، ثم ستر نحوها بتعجل وهو يهمس متوعدًا :
– لو كان اللي في راسي ده صح!.. دي تبقى أسودت على دماغكم انتوا الأتنين.
***************************************
كانت جلستها الخاصة مع رفيقتها، وبدون سابق إنذار اقتحم هو خصوصيتها بطريقة مفاجئة، ليشمل الذهول كافة تعابيرها وهي تنظر إليه بغرابة، قبل أن تنطق اسمه :
– حمزة!
كان جادًا رسميًا، وهو يطلب أذن رفيقتها بالإنصراف :
– ممكن تسيبينا لوحدنا شويه؟
تحرجت صديقتها بينما اعتذرت منها “ميان” قائلة :
– كريمة l’m sorry ، هكلمك أكيد.
– مفيش مشكلة.
وانسحبت من أمامهم، حينما جلس “حمزة” قبالتها لتسأله بحزمٍ :
– إيه اللي عملته ده ياحمزة؟؟
لم يجد منفعة من المطّ الغير مجدي في الحديث والمقدمات الطويلة، فسألها مباشرة :
– أنا جاي أسألك سؤال مصيري يا ميان، بناءًا عليه هتتحدد حاجات كتير.
لم تردف بكلمة واحدة، وظل التجهم كاسيًا وجهها في انتظار أن يُملي عليها سؤاله، حتى نطق به :
– في حاجه بينك وبين حاتم؟.
ارتفع حاجبيها بإستغراب، وقد أصاب سؤاله ذهولها واستنكارها في آنٍ :
– انت بتقول إيه!.. أكيد في رجالة كتير غير جوز أختك عشان يكون في بيني وبينهم حاجه، الدنيا مخلصتش عشان أبص لحاتم ده.
وتناولت حقيبتها كي تغادر؛ لكنه استوقفها بدوره قائلًا :
– اسمعيني يا ميان، انتي اللي بأيدك تنهي مشكلة لو قامت هتولد معاها حرب كلنا في غنى عنها.
قطبت جبينها بعدم فهم، بينما تابع هو دون توقف :
– أنا عرفت إن حاتم بيحوم حواليكي، طاوعيه و…..
لم تتحمل كلمة واحدة تزيد عما قيل، وأحست بإشمئزاز من نفسها كونها أحبت يومًا رجل مثله، أناني، طاوعه غروره أن يأتي حتى قدميها ليطلب شيئًا گهذا منها. لم تُظهر ضعفًا أو تأثرًا مما قاله، بل قاطعته بلا اكتراث :
– الكلام خلص، ومتحاولش تتواصل معايا مرة تانية بأي شكل.
تأفف “حمزة” منزعجًا من تصرفه المتسرع والأهوج، وهو الذي يزن الأمور بمكيال لم يخيب أبدًا، لكنه صبأ هذه المرة، ووقع في فخ تسرعه الغير متوازن، ليصدر عنه فعل گهذا، لقد فقد معاييره حقًا.
خرج “حمزة” مندفعًا وهو يلوم نفسه، وقبل أن يعنّف حاله كان هاتفه يصدر ضجيجًا مهتزًا جعله يجيب وبسرعة :
– أيوة يا ابو زيد.. في حاجه حصلت؟
تحفزت حواسه، واتسعت عيناه غير مصدقًا السرعة التي تم بها الأمر :
– متأكد؟؟ يعني شوفتها بعينك طالعة عند راغب دلوقتي؟.. طيب طيب، خليك عندك وانا جايلك على طول، اوعى تتحرك.
ركض ركضًا سريعًا نحو سيارة “راغب” التي استعارها، واستقلها متوجهًا لمنزله من أجل مداهمتهِ في وضع التلبس الصريح، حتى لا يترك ثغرة واحدة تُدينه، أو أن يصل به تشككه لطريق مسدود نهايته هي خسارة أبدية لشقيقته ولرفيق دربه -الوحيد-.
****************************************
هرع “عِبيد” من خلفها محاولًا منع إصرارها من الذهاب؛ لكنها قد قررت بالفعل أن تذهب. وقف أمامها، وهتف محذرًا :
– بلاش يا سُلاف، إحنا كده بنكشف كل ورقنا.
لم يزل إصرارها العنيد وهي تبرر :
– مستحيل أسيب حمزة يقف قدام راغب يا عِبيد، وطالما هو كشف علاقتهم يبقى اللي هيحصل مش خير.
انفعل “عِبيد” وهو يقول :
– وهتقولي إيه لحمزة، هيلاقي في وشه بصفتك إيه؟.
صمتت لحظة، وقبل أن تفتح فمها بكلمة واحدة كانت ترى إضاءة السيارة الواقفة بالخارج، وصوت الأبواق لم يتوقف، وحينما دققت بصرها كانت ترى “صلاح” بداخل سيارته، حتى لم ينتظر السماح له بالدخول، فـ ترجل عن السيارة ومضى في طريق الدخول على قدميه، ونظرات الحقد تغرق عيناه رغم إنه يواري. لم تراه “سُلاف” گإنسان، وإنما تشكل لها في هيئة ثعلب ماكر، يتربص بفريسته التي تستعد للمواجهة؛ لكن الثعلب جاهلًا بأن الفريسة هي -أنثى النمر-.
**********************************
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)