رواية أغصان الزيتون الفصل الثامن والأربعون 48 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء الثامن والأربعون
رواية أغصان الزيتون البارت الثامن والأربعون
رواية أغصان الزيتون الحلقة الثامنة والأربعون
“الأسوأ من الخيانة، أن تأتي من أقرب الأقربين، أن تأتي من ذوى دمائك.”
____________________________________
أجل، هو خبر كارثي مُدمر، لكن الجميع تلهّى في حالة الدوار الشديد التي انتابت “أسما”، وعلى إثرها كادت تفقد وعيها بالكامل، بعد أن تلقت خبر تخلّى “صلاح” عن منزلهم العريق، وبصفة خاصة جدًا تلقيها خبر گذلك منها هي، وبهذا الشكل المهين أثناء طردهم من – ملكها – كما زعمت. باتت “سُلاف” بمفردها مع “عِبيد” الذي لحق بنهاية الكارثة في بهو المنزل، في الوقت الذي صعد فيه “حمزة” و “صلاح” بـ “أسما” قبل أن تنهار أمامها. لم يرى “عِبيد” مما حدث أي صالح سيعود عليهم، بل إنها بوابة لحرب جديدة دون إنهاء ما سبقها، واعتبر ذلك خلل مفاجئ حدث من دون تخطيط مسبق منها، وهذا منافي تمامًا لشخصيتها المحنكة والمُدبرة، والتي تقلدت فيها بذكائها مقاليد الأمور كلها طوال عهودٍ طويلة مرت في انتظارٍ وحسرة. خطف “عِبيد” نظرة للمحيط من حوله، ثم غمغم هامسًا :
– اللي حصل كان غلط، مكنش لازم تحرقي نفسك دلوقتي يا سُلاف!.
كانت هادئة تمامًا، وقد خمدت ثورتها الهائجة عقب رؤية “أسما” في تلك الحالة المتدهورة، بعدما أهانتها إهانة صريحة :
– بالعكس، انا اتحرقت يوم ما خدت البيت من صلاح.. كل اللي حصل إن السر خرج للكل بدل ما كان لصلاح لوحده.
لم يقتنع كثيرًا برأيها، ورغم ذلك هو مرغم على تنفيذ كل ترغب هي فيه :
– وإيه اللي هيحصل دلوقتي؟؟.
تلوت شفتيها غير عابئة بـ أيًا مما يحدث و :
– اللي يحصل يحصل يا عبيد.
صفق “حمزة” باب غرفة المكتب، والتفت نحو والدهِ يزجره بنظراتٍ ممتعضة وهو يصيح بـ :
– مكنش لازم تخبي عني حاجه زي دي يا بابا!.. كنت مستنى إيه عشان تقولي !؟.
كان “صلاح” يُجهز أشيائهِ الخاصة من أجل تصفية غرفة المكتب بالكامل، فلم يتفوه بكلمة واحدة حينما كان “حمزة” يراقبه والغضب يتراقص أمام عينيه. تفاجأ “حمزة” بحقائب عديدة كلها مليئة بأشيائه الخاصة وملفات وأوراق كثيرة، مما أكد أنه قد أعدّ لمغادرة بيتهِ مُسبقًا، فما كان منه إلا الصياح بصوتٍ هادر بعدما تجاهله “حمزة” تمامًا :
– كمان مجهز شنطك وأوراقك!.. يعني أنا آخر من يعلم يا بابا؟؟.
أخيرًا رفع “صلاح” أنظاره نحو “حمزة”، وقد كانت في ذروة الإشتعال :
– آه جهزت كل حاجه، زي ما هجهز نهاية البت دي بشكل محدش يتوقعه!.. مش هستناك ولا هتكل عليك ولا على سياستك الدبلوماسية دي اللي جرتنا للمصايب.
صمت هنيهه قبل أن يردف بـ :
– البت دي بتحفرلنا من بدري يا حمزة.. أجبرتني أتنازل عن البيت بعد ما قدمت بلاغ بخصوص قضية الصفط، وياإما البيت ياإما تقدم دليل ضدي للنيابة.. يعني نهاية أبدية لخط سير مهنتي.. أنا مبقتش عايز أعرف البت دي مين وجاية منين، أنا عايز أخلص منها وبس.
كأنه فحيحًا سامًا قاتلًا يتدحرج على لسانهِ، بينما “حمزة” يسعى لهدف أكبر من ذلك، الصيد الكبير الذي لا يدري عنه “صلاح” شيئًا، ولذلك لم يستطع غضّ بصره عن نوايا والده التي قد تُفسد كل شئ بين ليلةٍ وضحاها :
– أنا بجهز لده، بس انت متدخلش ولا تتصرف من غير ما تعرفني.
رمقه “صلاح” بنظرةٍ شكاكة، قبل أن يسأله مرتابًا :
– انت عرفت حاجه عن البت دي ومخبي عني؟.
لم يتردد “حمزة” في الإجابة عليه، ليزيل عنه عبئ شكوك والده :
– لأ، لكن قربت أوصل.. المهم انتوا هتروحوا فين دلوقتي؟؟.
تغضن جبين “صلاح” مستفهمًا :
– انتوا ؟؟.. انت مش جاي معانا!.
– أكيد مش هسيب الـ ××××× دي هنا لوحدها!.
أومأ “صلاح” مؤيدًا صحة قراره و :
– صح، انت الوحيد اللي مش هتقدر تخرجه من هنا.. عمومًا أنا كنت مجهز بيت عشان ننقل فيه وتقريبًا خلص.. هنروح على هناك وانت تبقى تيجي بعدين.
تأفف “صلاح” قبل أن يتابع مزمجرًا :
– لسه هطلع لأمك عشان تسمعني الموشح تاني!.. اطلعلها انت يا حمزة وهديها شويه.
خرج “حمزة” بعينين زائغتين وعقل مشتت، ليراها أمامه گمن رأى الشيطان بعينهِ. اغتصب لمحة الكراهيه والبغض في وجهه، وأراد لو إنه يفتك بها فتكًا شرسًا. تجاوز مشاعره بصعوبة شديدة، ليبتسم في محاولة لإخفاء حرائق صدره، وهو يردف بـ :
– أهو البيت هيفضى علينا سوا.
فـ بادلته بنفس الإبتسامة اللزجة وهي تعقبّ بـ :
– كده أريح عشان نبقى مع بعض، ولا إيه رأيك يا حبيبي؟.
– أنا برضو رأيي كده.
انسحب بخطوة رزينة، وصعد الدرج أمام عينيها وهي تهمس بـ :
– ياترى بتحضرلي إيه يا ابن القرشي!.. ما هو السكوت ده وراه كارثة؟؟.
****************************************
كان يقود سيارتهِ أسفل ظلام الليل، أثناء مكالمته الهاتفية القصيرة التي أبلغ فيها عن مستجد الأحداث :
– زي ما بقولك كده يا عم مصطفى، طردتهم كلهم وحمزة معاها هناك دلوقتي.. يعني مستحيل تعرف تيجي النهاردة.. أيوة عارف إنه خطر، بس هنعمل إيه؟؟ عبيد قالي إن حمزة بيدبر لحاجه وهو بيحاول يوصلها، لكن محدش عرف يمسك حاجه لحد دلوقتي.
تنهد “نضال” مختنقًا وهو يتابع :
– الموضوع بقى أصعب من ساعة ما بقى حمزة لوحده من غيرنا، مبقاش يشارك حد أي تفاصيل.. طيب مفهوم، أنا جاي وهنتكلم في الموضوع ده.. سلام.
ترك “نضال” هاتفه متابعًا الطريق أمامه و :
– أنا مش مرتاح، مش مرتاح أبدًا.
****************************************
كان “راغب” قد ارتدى ثيابه إستعدادًا لمغادرة المنزل، حينما باغته مكالمة من “صلاح” بذلك الوقت، فأجاب عليها على الفور :
– ألـو.. أيوة يا باشا أؤمر.
كان حازمًا شديدًا وفي نبرتهِ تفشت معالم الغضب :
– عايز واحد من الناس بتوعنا يا راغب، يخلصلنا مهمة مستعجلة.
– مهمة إيه يا باشا؟.. قضية البت بتاعت الإغتصاب؟.
نفى “صلاح” تعلق الأمر بأعمالهم القانونية و :
– لا لا، الموضوع ملهوش علاقة بشغلنا.. دي حاجه برا، شوف هترشحلي مين وبعدين أبقى أفهمك.
– بكرة الصبح هتلاقيني برد عليك ياباشا، سلام.
أغلق المكالمة متعجبًا، شاعرًا بأمور تحدث من حوله وما زال جاهلًا بها!. أراد كثيرًا أن يتصل بها؛ لكنه عجز عن ذلك، وأحس بوجوب الصمت طالما إنها لم تتواصل معه، حتى وإن تآكل من فرط فضوله، عليه التماسك قليلًا من أجل ألا يفضح أمرهم.
**************************************
شاهد “حمزة” مغادرة أهله لمنزلهم من شرفته، وقلبه يُعتصر من فرط الحسرة على ما آلت إليه الأمور. لو لم يدفعه فضوله للبحث والتنقيب من خلفها، لو كان تخلص منها في بداية ظهورها، لو إنه اجتث الأمر من جذوره!.. لكان كل شئ هينًا الآن. حتى حرس البوابة أنهت “سُلاف” عملهم في الحال، واستبدلتهم برجالها اللائي استلمن البوابات فور مغادرة “صلاح” وزوجته وابنته، فـ أصبح الوضع بالنسبة إليه كـارثي بالفعل.
وضع “حمزة” سماعة الأذن اللاسلكية في أذنهِ، وانتظر رد “زيدان” على مكالمته ليهتف بعدها :
– أيوة ، وصلت لحاجه؟؟.. أنجز ياأبو زيد أنا مش قادر أصبر أكتر من كده.. ماشي ماشي، أنا مكلمك عشان حوار تاني خالص.
كان ذلك آخر حلولهِ التي لجأ إليها، بعدما فشل معها فشلًا ذريعًا :
– أنا عايز ألبس مراتي قضية مستوفية الشروط والدلائل.. قضية زنـا.
***************************************
نظر “نضال” لساعة يده، قبل أن يردف بـ :
– مش فاهم إيه التأخير ده كله!.
وضعت “أم علي” أكواب الشاي الساخن أمامهم، حينما كان “نضال” يسألها :
– هو زين فين يا أم علي؟؟.
– نايم يا بيه، غلبني بعد عياط كتير أوي عشان بيدور على أمه، بس الحمد لله نام في الآخر.
رفع “نضال” الكوب خاصته و :
– طب كويس.
خرجت “أم علي”، فـ أردف “مصطفى” :
– أنا كل خوفي على سُلاف!.. من ناحية شايف اللي حصل كويس، وناحية تانية مش خير خالص.
جلس “نضال” على حافة المقعد، وهو يشرح صعوبة الوضع الحالي :
– حمزة مبقاش ييجي المكتب كتير اليومين دول، وكل الشغل شلته أنا ورضوى والناس اللي معانا.. ده إن دلّ فـ يدل إن كل تركيزه وطاقته رايحة على موضوع سُلاف!.. وبعدين يا عمي؟؟.
صوت جرس الباب انتشلهم من أوج الحديث، حيث دفع “مصطفى” مقعده المتحرك للخروج من هنا مستقبلاً الزائر المنتظر، وقد ابتهج وجهه وتلون بإشراقة سعيدة. انبعجت شفتيه بابتسامة عريضة عقب رؤيته، وفتح ذراعيهِ كي تستقبله الأحضان قائلاً :
– أهلًا وسهلًا يابني، بقالي كتير مش عارف أشوفك.
انحنى برأسهِ على كفّ والدهِ ليُقبّله، ثم هتف بـ :
– وحشتني يا بابا، سامحني.. مكنتش عارف أخلع نفسي منهم عشان أجيلك.
ربت “مصطفى” على كفهِ وهو يقول :
– ولا يهمك يا راغب، المهم إنك جيت يا بني.. أدخل.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)