رواية أغصان الزيتون الفصل التسعون 90 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء التسعون
رواية أغصان الزيتون البارت التسعون
رواية أغصان الزيتون الحلقة التسعون
||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل التسعون :-
الجُـزء الثـاني.
“ستعرف ما معنى الخسارة الحقيقية، حينما تخسر الجميع دفعةٍ واحدة.”
____________________________________
شعر وكأن الموازين قد اختلت، وما يراه الآن ويعيشهُ ما هي إلا أضغاث أحلام، بل كوابيس واقعية سينجم عنها كوارث لن يستطيع أحد تلافيها. وزع “عِبيد” نظرات الخيبة بينها وبين “حمزة”، وألقى الكثير من كلمات اللوم بداخلهِ ليكتمها، حتى لا تنفجر في وجهها حين غُرةٍ، وظل متمسكًا بمحاولتهِ ألا يُبدي اعتراضًا أو تدخلًا؛ لكنه فشل في تحمل جوفهِ المشتعل بنيران الغيظ، فـ نفخ زفيرًا محتقنًا قبل أن يصيح قائلًا :
– انتي عايزة توصلي لأيه يا سُلاف؟.. يعني إيه تخدريه وتجيبي لحد هنا وكمان تحبسيه!.. واحنا إيه علاقتنا أصلًا يروح ورا أبوه ولا يغور في داهيه!؟.
حتى هي بحثت في خبايا نفسها عن السبب وراء فعلتها، ولماذا أرادت منعهِ من أن يسير هذا الطريق!؟.. لكنها لم تجد جوابًا يُرضي فضول عقلها الرافض لما تفعله، إنها تسير على حبال تلوثت بالأشواك المدببة؛ لكنها لم تشعر بعد بالنزيف الذي أصاب قدميها، هذا هو حال قلبها، سار دربًا وهو يعلم جيدًا ما هي نهايته. صمتها كان محفزًا لغضبه، مثيرًا لإنفعاله، وكأن عصبيته تغذت من سكوتها المُقلق، حتى انفجر في وجهها بشكلٍ لم تتوقعه أو تراه مسبقًا :
– سُــلاف انتي بدأتي تغلطي.. بس الغلط ده تكلفته هتبقى غاليـة أوي.
كانت بحاجه لتوجيه الحديث إلى مواضع أخرى، على الأقل تتهرب من مواجهة التحدث عن أسباب فعلتها :
– إزاي تكلمني كده يا عِبيد؟؟.. مش عشان طلبت مساعدتك إننا ننقله هتعتبر نفسك واصي على تصرفاتي.. انت هنا عشان تحميني.
فلم يُحيد “عِبيد” عن رأيه الغير راضي عما يحدث :
– لأني بحميكي لازم أقولك إن اللي بتعمليه أكـبر غلط.
رفضت السماع إليه رفضًا قاطعًا، متشبثة بقناعتها :
– لو غلط أنا اللي هشيل نتيجته مش انت يا عِبيد، الكلام خلص.. من فضلك تسيبني دلوقتي.
ارتفعت حرارة جسدهِ من فرط كتمانهِ لعصبيته ومنعها من الطفو على تصرفاتهِ، وأجبر نفسه بصعوبة على تركها معه بعدما عاونها في نقلهِ إلى منزلها الذي يبعد عن منزل آل القُرشي بعدة أمتار معدودة كي تتسنى لها الفرصة للحفاظ على سرية وجودهِ معها. أخرجت “سُلاف” هاتفه من حقيبتها، وبإستخدام بصمة أصابعه تيسرت مهمة فتح الهاتف، ومن ثم بدأت بكتابة رسالة نصية من أجل إرسالها عبر تطبيق المحادثات الشهير (واتساب) إلى والدهِ، كونه يعتذر عن الذهاب إليه مبررًا ذلك بعدة تبريرات فارغة. اطمئنت “سُلاف” على إتمام مهمتها، ثم فصلت الطاقة عن الهاتف كليًا، قبل أن تنهال عليها اتصالات “صلاح” أو إلحاحه في الوصول لولدهِ بعد رسالتهِ الصادمة. تركت الهاتف جانبًا، وانتقلت عيناها تنظر نحوه وهو نائمًا بعمق شديد، أطالت النظر إليه وهي تفكر في النتيجة المنتظرة، والتي فشلت فشلًا ذريعًا في توقعها أو استنباط ردة فعلهِ، ماذا قد يحدث إن تفشّى الخبر حول خطوتها تلك؟، ما هي ردة الفعل التي ستواجهها من آل زيّان جميعًا بعدما انحرفت عن صراطهم!؟.. حتمًا ستكون النتيجة قاسية، قاسية جدًا.
*************************************
خطواتها المتعجلة كانت تصارع بعضها البعض، بعدما خرجت من منزلها تاركة “حمزة” وحده هناك، وعادت للمنزل الذي استولت عليه گحقٍ مشروع لها ولـ “زين”، حينئذٍ رأته أمام المنزل، يتحدث لأحدهم عبر الهاتف باديًا عليه الإنفعال الشديد گالذي خرج عن طوره تمامًا. تقريبًا استنبطت “سُلاف” سبب الحالة الهائجة التي بدا عليها “صلاح”، مؤكد فشل في الوصول لولده أو ريما وصلتهُ الرسالة التي أرسلتها بنفسها من هاتف “حمزة”، في كلا الحالتين الأمر متعلق بعدم ذهاب “حمزة” معه، وهذا ما أرادته بالتحديد. وارت تلك الإبتسامة المتشفية بصعوبة، ونظرات عيناها الشامتة اكتست بزجاج النظارة الشمسية القاتمة، لكي تمضي من أمامه وكأنها لم تراه قطّ وتدلف للداخل؛ وسط تطلّع نظراتهِ الفتّاكة إليها، مُصابًا برغبة جامحة في تهشيم رأسها وتفتيت عظامها بالكامل، لولا إنه قد تورط بالإنشغال في الإقتصاص لابنته أولًا ما كان تركها تمر هكذا بخطواتها الخيلاء. دخلت “سُلاف” محررة زفيرًا باردًا من بين ضلوعها، ومن خلف الستار كانت تنظر إليه، فوجدته يغادر دون أدنى مواجهة معها، مما أثار بعضًا من ريبتها، وما لبثت أن ترتاب حتى شعرت اهتزاز هاتفها في جيب بنطالها الأزرق الجاكن، فأخرجته وأجابت على مكالمة “نضال” الذي سألها مباشرة :
– حمزة فين يا سُلاف؟.. المفروض يكون عندك!.
ابتعدت عن النافذة وهي تجيب بفتور :
– بتسأل ليه؟.
– أبوه قالب عليه الدنيا ولسه قافل معايا بيسأل عنه.. مش المفروض كانوا يسافروا زي ما قولتلك!.
تنهدت “سُلاف” قبل أن تردف بـ :
– معرفش، خلي أبوه يدور عليه بنفسه احنا مالنا يانضال!.
لا يدري لماذا، لكن حدسهِ أنبئه بثمة علاقة لها بهذا الشأن، أو على الأقل تعلم مكانه الحقيقي، ولذلك لم يخفي عنها شكوكه وسألها مباشرة :
– انتي تعرفي حاجه ومخبياها يا سُلاف؟.
– آ…….
كادت تعلن تصريحها بالنفي فورًا، لولا صوت فتح الباب المصحوب بأصواتٍ عالية الذي قطع صوتها منتبهه بمل يدور بالخارج، حتى رأت “عطا” ماثلًا أمام عيناها ويسأل بتلهفٍ مقلق :
– الأستاذ فين عايزه ضروري؟.
أغلقت “سُلاف” المكالمة على الفور وزجرتهُ بنظراتٍ متفاجئة وهي تهتف بحِدة :
– انت جيبت مفتاح الڤيلا منين؟.
كان ينهج بأنفاس متقطعة وكأنه آتيًا من ركض طويل، ومهما جاهد للسيطرة عليها كان يفشل في ذلك، فقط ارتخى صوته قليلًا وهو يخبرها بإيجاز :
– معايا من أيام ما كنت هنا في خدمة الهانم، أنا عايز الأستاذ ضروري حالًا.. الست أسما هتروح مننا وانا مش عارف اعمل حاجه.
استوقفتها تلك المعلومة التي دسّها “عطا” بداخل سردهِ الممل، فسألته بفضول مضطرب :
– مالها أسما؟؟.. إيه اللي حصل؟.
بدا “عطا” وكأنه يتحدث عن فرد من أفراد عائلتهِ، قلقًا متوترًا خائفًا، خاصة وهو يقول :
– لازم تتنقل مستشفى، وانا مش عارف اتصرف من غير الأستاذ ولا حتى صلاح باشا بيرد عليا.. أنا خايف يجرالها حاجه و…..
سحبت “سُلاف” حقيبتها وأشارت له كي يستبقها :
– أمشي قدامي، أمشي وديني عندها بسرعة وانا هتصرف.
بالفعل مضى “عطا” أمامها مهرولًا وكأنه وجد طوق النجاة الوحيد في هذه الأزمة التي حاصرته، لم يتشكك لحظة في إنها ستقدم المساعدة بحق، فقد أغشاه القلق عن التفكير في أي تخمين آخر غير ذلك، وانصب كامل تركيزه على كيفية الوصول لـ “أسما” بأقصى سرعة، عساهم ينقذونها من براثن الموت الذي حلّق فوق رأسها، مُهددًا إياها بقبض روحها في أي لحظة.
**************************************
منذ أن علِم بما أصاب ولدهِ من كارثةٍ كادت تودي بمستقبله كله خلف قضبان السجون، وهو منغلق على نفسه تمامًا، رافضًا التحدث إلى أيٍ منهم أو الدخول في نقاشات لن ترضيه بأي شكل، فكان قرارهِ بتجاهلهم تمامًا، معتبرًا تصرفهم قلة تقدير تجاهه. حاول “راغب” العديد من المرات أن يتحدث إليه ويبرر نفسه أمامه؛ لكن هيهات لم يقبل “مصطفى” بالتنازل عن موقفه. ترك “راغب” وقوفه أمام أعتاب الباب، وذهب عنه بسئمٍ وهو يردف بـ :
– مش راضي أبدًا يكلمني ولا يرد عليا.. مش عارف أعمل إيه!.
كان جليًا على “نضال” شيئًا من التوتر قائلًا :
– هو حاسس إننا تجاهلناه، لكن الحقيقة إني مكنتش عايز أضايقه واستنيت لما نتصرف ونخرجك.. على الأقل نجيله بالخبر الحلو.
جلس “راغب” قبالتهِ متابعًا :
– طب خلينا نكلم سُلاف تيجي تشوفه، بابا بيحبها وهيقبل منها الكلام عننا.
ترك “نضال” التحدث عن نفس الأمر، وبادر بعرض وجهة نظرهِ المتعلقة بـ “سُلاف” مُبديًا قلقهِ الشديد مما هو قادم :
– إحنا لازم نلاقي حل نسحب بيه سُلاف من هناك يا راغب، أنا مش مرتاح.. خلاص إحنا نكاد نكون وصلنا لهدفنا، وكلها أيام معدودة وصلاح يترمي في السجن عمره كله.
تنهد” راغب” مؤيدًا رأيه وبشدة :
– أنا كمان شايف كده، وقولت خلينا نلحق نسحبها في الوقت المناسب لكن عارضتوني كلكم، والنتيجة إن حمزة بدأ يتأمل في وجود ابنه معاه، وسُلاف مش هتسيب الواد لو على رقبتها.
وقف “نضال” عن جلسته متسائلًا بحيرةٍ مؤرقة :
– والعمل يا راغب، هنعملها إزاي ؟.
أمسك “راغب” قداحتهِ لإشعال سيجارة وهو يردف :
– لازم نقعد مع سُلاف ونحسم معاها الموضوع، ونجهز الطريقة اللي بيها تختفي هي والولد من حياة حمزة نهائيًا.
لم يفصح “نضال” عن كل مكنونات صدرهِ، ولم يوضح شيئًا حول شكوكه التي أرقته حتى في مضجعهِ، محتفظًا بذلك الأرق ليكون له وحده. ماذا لو خالفت “سُلاف” كل توقعاتهم، ماذا لو خرجت عن القاعدة؟.. كيف سيتحمل جميعهم نكبة كارثية گهذه؟. تأفف “نضال” وهو يفتح زرّ قميصه كي يتنفس قليلًا، وابتعد نحو النافذة وهو يهمس :
– يارب استرها، يارب خيب ظنوني.
***************************************
أخيرًا وصلت سيارة الأسعاف لبوابة المشفى، وبدأت إجراءات تسجيل دخول “أسما” للعناية المشددة، بعدما تدهورت حالتها تدهورًا مخيفًا، وقد حذّر الأطباء مسبقًا من تلك النتيجة المتوقعة، لكن هيهات لم ينتبه أحد لتدني حالتها الصحية خلال الأيام الماضية.
نظرت “سُلاف” في ساعة يدها الفضية الأنيقة، ثم شبكت أصابعها معًا وهي ترفع أنظارها عن الأرض، فتفاجئت بـ “عطا” يرمقها بنظراتٍ غريبة، دفعتها لسؤاله مباشرة :
– انت بتبصلي كده ليه؟؟؟.
فسألها “عطا” بفضولٍ :
– إيه اللي خلاك تساعديني وكمان تيجي معانا لحد هنا؟.. انتي عمرك ما حبيتي الهانم!.
حررت “سُلاف” زفيرًا منزعجًا من جوفها قبل أن تجيبه :
– الحب حاجه والإنسانية حاجه تانية.. بس طبعًا انتوا متعرفوش أي حاجه عن الكلام ده.
خرج الطبيب من العناية المشددة ومن خلفه الطبيب المساعد، فـ استقامت “سُلاف” في وقفتها كي تتلقى منه المعلومة دون أن تفتح فاهها بكلمة، فـ بادر الطبيب ونبرتهِ يكسوها الأسف :
– زي ما توقعت، حالتها وصلت لمرحلة من أخطر ما يكون.. لو في حد من أهلها عايز ييجي يطمن عليها تحسبًا لأي ظروف يبقى أفضل.
لعقت “سُلاف” شفتيها وهي تهمس :
– للدرجة دي!.
بدأت معالم القهر تغزو تفاصيل ملامح “عطا” بجدية بالغة، غير مصدقًا الحال الذي انقلب بها من أقوى حالاتها لأضعف حالاتها :
– يا ليلة سودا ومطينة بطين.
تجاهلته “سُلاف” والتفتت كي تمضي في طريقها مهرولةً، وقد قررت أن تُسدي لـ “حمزة” المعروف الأخير، لن تتركه يعيش حسرة أمه دون أن يراها للمرة الأخيرة، دون أن يودعها قبل ذهابها لمأواها الأخير، حتى وإن كان عدوّها اللدود، لن تتمناه يعيش ما عاشته هي طوال السنوات العِجاف. هي لم ترى والدتها حتى، فما بالك بالذي قضى مع أمهِ عمرًا كاملًا! ماذا سيفعل إذا رُفع القلم وغُلقّت صحيفتها كاملة؟. ركضت “سُلاف” حتى بلغت سيارتها، وبعجالةٍ كانت تغادر محيط المشفى وقد قررت الذهاب إليه ومساعدته على استرجاع وعيه، كي يطلّ على والدتهِ الراقدة على فراش الموت.
رنّ هاتفها برقم غير مألوف، مما زلزل شيئًا من تماسكها الذي احترفتهُ، فأجابت بتوجسٍ وخيفة :
– ألو…
فكانت كلمة واحدة هي التي سمعتها من الجهة المقابلة :
– البـقاء للـه يا فندم….
*************************************
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)
.
Ttt
Yt
Tm
تم
Ht
جميل
تم
رااائع
فين الفصل
up
تمام