روايات

رواية أشلاء القلوب الفصل السادس عشر 16 بقلم ندى محمود

رواية أشلاء القلوب الفصل السادس عشر 16 بقلم ندى محمود

رواية أشلاء القلوب الجزء السادس عشر

رواية أشلاء القلوب البارت السادس عشر

أشلاء القلوب
أشلاء القلوب

رواية أشلاء القلوب الحلقة السادسة عشر

حسمت أمرها وقررت الخروج وليحدث مايحدث بعد ذلك ، فتحت الباب وخرجت لهم تقابلهم بإبتسامة جميلة وبالأخص كانت توجهها لريان ، للذي سرعان ما ظهرت على محياه البشاشة ولمعت عيناه بالدفء والحب ، أما أُسيد فكانت نظرته لها لا يمكن وصفها إن كان يخرج شعاع ناري حقيقي من عينه لكان فعل وأحرقها بأرضها ، والتهبت الجمرات بداخله أكثر حين رأى نظرات ريان لها ، نظرة عاشق يتأملها كمن يتأمل القمر في تمامه ! ، تأججت نيران الغيرة بداخله عندما وجدها تهتف برقتها المعتادة :
_ ازيك ياريان !
اجابها بهدوء ونعومة :
_ بخير ياملاك الحمدلله وأنتي ؟
نظرت إلى زوجها وتوترت بشدة من نظرته تدرك الآن جيدًا ما يشعر به ، عصت أوامره وأظهرته كاذبًا أمام أمام ريان ولكنها لا تستطيع حجب نفسها عنه .. ثُم جلست بجوار أُسيد وبدأت بالتحدث معه حول أشياء مختلفة تارة عن زمردة وتارة عن سارة إلى أن طفح كيله أوشك أن يصفعها ليسكتها عن الكلام ولكن تمالك نفسه واكتفى بوقفته الحازمة وهو يقول بصرامة :
_ بقولك أيه ياريان استناني في العربية وأنا هلبس والحقك ونبقى نكمل كلامنا في الشركة علشان في حجات كتير بخصوص الشغل عايز أكلمك فيها
أماء برأسه يؤيده الرأى ثُم ينظر إلى ملاك ويطالعها بحنو ثُم ينصرف ، فتلتفت هي بجسدها لذلك الأسد الثائر ، فاتبتلع ريقها برعب بعد أن تأكدت أنه سيسحقها الآن بعد ما فعلته للتو وبدون أي إشارة أو تنذير غرس أصابعه في ثنايا ذراعها يهرس لحمها بين يده ، جاذبًا إياها إليه هامسًا بنبرة جعلت أوصالها ترتجف لم تراه بهذه الوحشية والقسوة الجارفة من قبل :
_ حسابنا مع بعض لما أرجع ياملاك ، عشان سعتها أكون فضيتلك كويس أوي !
خدجته في إرتيعاد فالقرار صدر بالعقاب القاسي ، ماذا تفعل حتى تنقذ نفسها من هذا الوحش ؟ ، يبدو أنها ستشهد اليوم أُسيد مختلف تمامًا عما تعرفه ولكنها ستتحمل فهي اختارت وهي تعلم نتائجه . تركها وتوجه نحو الغُرفة ارتدى ملابسه وغادر ….
***
جلس مروان بجانب أمه يفكر مليًا قبل أن يعرض عليها الأمر ، فعلاقتهما هي وليلى لم تكن على مايرام ، تنهد الصعداء بقوة ومن ثُم بدأ من جذر الموضوع :
_ أمي أنا عايز اتجوز
تهللت اساريرها ووثبت جالسة في سعادة غامرة وكذلك زمردة التي ابتسمت بحبٌ ، خرج صوت احلام قائلة :
_ أخيرًا يابني ربنا هداك ، خلاص عاد مدام نويت كام يوم وأجيبلك أحسن البنات !
غمغم بأقتضاب لقولها أنها ستعرض عليه مجموعة من الفتيات ليختار بينهم :
_ أنا هتجوز أسمى !
تبادل كل من زمردة واحلام النظرات فى ذهول ، مرت لحظات تستوعب فيها قوله حتى صاحت به منفعلة :
_ تتجوز أسمى إيه ملقيش غيرها ، عايز تتجوز بت ليلى ! ، ولا كمان تاجي تقولى اتجوز بت أشجان مهو ده اللي ناقص ! ، ماشايف هي وبتها عاملين أيه في الغلبانة ملاك دول عاملين زي العقارب
صرخ بها في غضب هادر وانفعال :
_ ملاك دي اللي عمي وابويا ماتوا بسبب عمايل عمتي مش كدا !
هنا تدخلت زمردة بعد أن وثبت واقفة وقد برزت عن مخالبها الأنثوية :
_ عمتي وملاك ملهمش دخل باللي حصل لعمي وبابا ، بخصوص عمي أنا معرفش هو مات ازاي أما بابا فأنت مش هتكون أكتر مني يامروان تعرف بابا مات أزاي ومين السبب في موته ، بلاش تظلم حد من غير ماتعرف حاجة مش أنت كمان هتبقى زي ليلى وأسمى !
فتحت على نفسها بوابات لم تغلق إلا عندما تخبره بكل شئ ، لأبد أنها تعرف شئ يخص موت والدهم المجهول .. وثب واقفًا ولحق بها إلى الغرفة ، دفع الباب على مصراعيه بغضب قائلًا :
_ أنتي تعرفي حاجة بخصوص موت بابا ومخبياها عنينا ؟
أجابته بتوتر بسيط في خوف :
_ أعرف أيه يعني ! ، بابا كان معايا لما مات وكان الموت بسبب جلطة في القلب
اندفع نحوها وقبض على ذراعها صائحًا بقسوة غامرة ، هاجت ثوراته حين ذكرت موت أبيه الذي لا يعرف عنه أحد :
_ زمردة متختبريش صبري واخلصي قولي تعرفي أيه ومين السبب في موت بابا !
ركضت نحوهم أحلام لتنزع يده عن ذراع زمردة صارخة به بزمجرة :
_ مروان ، إنت اتجنيت ولا إيه .. أبعد يدك وأطلع برا يلا قالتلك إنه كان بسبب جلطة وده فعلًا اللي حصل
رمقهم بنظرة لا توصف تتوعد لهم بعقاب عسير حين يعرف مايخفوه عنه هاتفًا بوعيد مخيف :
_ ماشي يا أمي بس أما أعرف اللي مخبيينه عني صدقيني هيكون ليا تصرف تاني معاكم أنتوا الاتنين !
وسرعان ما أستدار ورحل وهو يلقي النيران والحجارة في كل من يلقاه أمامه ….
***
أجاب على الهاتف قائلًا بخشونة رجولية :
_ ألو
خرج صوت أنوثي يعرفه جيدًا وهو يهمس برقة :
_ ازيك يامراد وحشتني أوي ، أكيد عارف أنا مين !
ظل الهاتف على أذنه تحتله الصدمة لثوانٍ لا يعقل أن يكون ما يسمعه صحيح ! ، لا يمكن أن تكون زوجته السابقة تتصل ، تأكد حين عادت لفظت اسمه من جديد أخرج كلمات قوية تترك أثرًا كبيرًا في نفس أي امرأة :
_ أيه ده الخاينة روان بنفسها بتتصل ، لتكوني متصلة تعزميني على فرحك أنتي وعشيقك اللي خنتيني معاه ، ولا صح الصنف اللي زيك ملوش في الجواز ده عايز يستمتع بس وياخد قرشين وهو طالع تمن الليلة !!
أتسعت مقلتيها من كلماته القاسية ما قاله ربما يكون صحيح بالنسبة له ولكن طريقته القاسية جعلتها تشعر بالأنحطاط حقًا حيث هتفت بصوت باكي ! :
_ أنا متصلتش علشان كدا يامراد أنا اتصلت علشان اعتذر منك نفسي تسامحني مش عايزة منك حاجة تاني على الأقل نبقى أصدقاء !!
قهقه بأعلى نبرة لديه ، ضحكة ساخرة أصظرها وهو يقول من بين ضحكاته :
_ لا أنا مبصحبش ، ممكن لو حابة نظبط معاد مع بعض ونقضي ليلة واديكي القرشين اللي بتحبيهم وأنتي طالعه متقلقيش مش هتضحك عليكي واخدعك وأخد اللي عاوزه ومدكيش حاجة زي ماعملتي ، قولتي أيه ؟
ربما هي حقًا تندم على مافعلته وتريد الاعتذار منه وحسب ولكنه لن يفهم من تقوله أن حاولت قرونًا تشرح له نيتها الصادقة وأنها ندمت على خسارته بفعلته الحمقاء كان يجب أن لا توافق على شئ كهذا ، ولكنها اكتفت بقوله المرير :
_ واضح إنك مش هتفهم ولا عمرك هتسامحني يامراد ، على العموم هقولك آخر كلمة أنا عمري ماعملت حاجة تخليك تتعر مني أو تقولي الكلام الجارح ده !
اغلق الهاتف في وجهها وهو يصرخ بغضب عارم وغيظ ، داخله يحترق على كل ذرة حب ذهبت لها :
_ لا وليها عين تتصل وتكمل كدب كمان أيه القرف ده على الصبح هو أنا ناقص
التفت خلفه فيقابل سارة التي تقف تحدق به بصمت نظرته تتساءل حول الأمر حتى هتفت بفضول بسيط :
_ روان مش كدا !
هتف شبه منفعلًا في غيظ ونبرة تعبر عن ثوران عاتي بداخله :
_ هيكون مين غيرها اللي معندهاش اسم الدم ، قال أنا معملتش حاجة تخليك تتعر مني أو تقولي الكلام الجارح ده !
صمتت قليلًا بتفكر والأفكار تتناطح في مخيلتها تفكر بحديثه حتى هتفت بصدق ونبرة حانية :
_ يمكن تكون عندها حق يامراد وأنت ظلمتها فعلًا ، أصل لو جيت للحق أنا كنت شايفة حبها ليك أزاي معتقدش أنها تعمل كدا ، يمكن أنا بس اللي كنت شايفة ده بس أنا بمجرد ما أبص في عين الشخص بعرفه وهي نظرتها ليك كانت كلها حب فعلًا برأى بلاش تظلمها قبل ما تتأكد !
وكأن نفضة اعترته من فرط غضبه وهو يصرخ :
_ أتأكدت ياسارة وللأسف شوفتها بعيني ، ولو سمحتي خلاص متتكلميش في الموضوع ده تاني ؛ لأن أنا مش فايق وورايا شغل !
وقفت تتابعه وهو ينصرف وتشعر بالفعل أنها بريئة ولم تفعل ما يجعله يكرهها إلى هذا الحد ، لأبد أن هناك أمر خفي وراء ماحدث ولن يهدأ فضولها إلا حين تعرفه ! ….
***
سعات طويلة مرت وهي تجلس أمام زجاج النافذة تتابع الطريق تلك الرجال الذى يتركهم حول كل قطعة من المنزل حين رحيله يثيرانها بالتمعض ، تنتظر قدومه كالذى ينتظر ملك الموت حتى يأخذ روحه ، تخشى منه ليس كأي مرة تخشاه فيها تخشي سكوته ونقمه الذي سيصبهم بها . أخيرًا توقفت سيارته أمام المنزل فنهضت وركضت نحو غرفتها تغلق الباب عليها بالمفتاح وكأنها بهذا الفعل ستحمي نفسها منه . انفتح الباب ودلف إلى الداخل فصاح مناديًا عليها بصوته الجهوري ولكن لا جواب ، اندفع يبحث عنها حتى وجد باب غرفته مغلق حاول فتحه فاكتشف غلقه بالمفتاح كانت هي تقف خلفه وترتجف كطفل صغير وازدادت تفضتها حين سمعت صراخه :
_ افتحي الباب ياملاك أحسلك ، خلينا نتكلم وأنا هادي شوية كدا أفضل لأني لو اتعصبت هيكون موقفك أصعب
هتفت ببكاء بسيط في رعب :
_ لا مش هفتح يا أُسيد ، إنت عايز تمنعني من إني أشوف ريان نهائي معرفش ليه وإنت عارف إني مقدرش أبعد عن ريان وأزاي بحبه وهو غالي عليا ثُم إني طلعت وإنت قاعد يعني مقعدتش معاه وحدينا
توهجت نيرانه اكثر بعد قولها ” وإنت عارف إني مقدرش أبعد عن ريان وأزاي بحبه ” وهو كان يحذرها من هذا ، أتقول أمامه أنها لا تستطيع الاستغناء عنه ؟! من الواضح أنها تريد نهاية مؤلمة لها ! ، لم تنتبه وترى نظراته العاشقة لها وكأنه سيوشك علي معانقتها ، كيف كانت تثيره حد الجنون لولا أنه كان ابن عمه وصديق دربه ويحبه كما يحب أخيه لكانت الآن تذهب لزيارته في العنايات المُشددة ، مازالت لم تعرف شئ عن غيرته المميتة والمدمرة أن كان الأمر يستوجب لكان عذلها عن جميع الرجال .. كانت تلك الغيرة القاتلة هي محور شجاره الدائم مع زوجته . هدأ تمامًا بل تصنعه لعلمه الكافي بتلك الطفلة التي لا تأتي سوى بالمساسية وهو يقول :
_ طيب يا ملاك يمكن أنتي عندك حق بس أنا قولت أيه مكنش ينفع تكسري كلمتي
_ أنا مكسرتش كلمتك إنت اللي عايز تمنعني عنه بأي شكل من الأشكال ومن غير سبب
صر على أسنانه يجاهد في البقاء على حالته الهادئة حتى تفتح له الباب متمتمًا برقة :
_ مش من غير سبب طبعًا ، على العموم حقك عليا افتحى يلا علشان نتكلم بهدوء وبراحتنا
قالت بخوف طفولي ونبرة رقيقة ولكنها لم تطفئ نيرانه :
_ طيب أحلف إنك مش هتعملي حاجة وهنتكلم بهدوء بس
_( لا تجعلوا الله عرضة لآيمانكم ) ، مش كدا ولا أيه ياملوكة افتحى يلا علشان نتفاهم بطريقتي ، قصدي يعني بهدوء !
ظلت لحظات على وضعها تفكر هل تصدقه أَم لا وأخيرًا فتحت له بتردد وتوتر لتظهر من خلف الباب بعينان تهيمان بالدموع ووجه ممتلئ بالعبرات وكأنها تستعطفه كطفلة صغيرة تنظر إلى وجه أبيها تترجاه أن لا يعاقبها عن خطأها ، فانهار أمام منظرها ونظرتها وذاب كذوبان الثلج حين تشرق الشمس ، نفخ بصوت مسموع وهو يشيح بوجهه ماسحًا عليه بخنق ، ليلتفت لها فجأة ويصرخ بغضب لعدم قدرته على تلقيها درس فهي تضغط بمهارة على وتره الحساس فتشل حركته :
_ أنا مش فاهم أنتي ليه مصممة تحطي نفسك في الموقف ده دايمًا ، وتخليني اتنرفز عليكي كان كلامي واضح لما قولت مش هتشوفي ريان ولا هتكلميه وكأني مقولتش حاجة عملت عكس اللي قولته وفي الآخر تاجي تعيطي وتزعلي
صاحت به في غيظ :
_ إنت اللي بتعمل حركات ملهاش أي مفهوم ومش فاهمة إيه السبب لده كله ، يعني أيه مشفهوش ولا أكلمه ريان بنسبالي أخويا مش أكتر ولا أقل ، أنا مش فاهمة دي غيرة ولا حب سيطرة ولا أيه بظبط !
أحمرت عيناه وقبض على ذراعها يجذبها إليه بعنف فتصبح في مواجهة وجهه تمامًا لا يفصلها عنه سوي سنتي مترات هاتفًا بخفوت أحدث رعشة في جسدها :
_ أه حب سيطرة ! ، إنتي بنسبالك إنه أخوكي لكن هو لا بس إنتي أزاي هتاخدي بالك ، أنا اللي كنت قاعدة وشايف نظراته ليكي أزاي عرفتي أنا ليه ببعدك عنه علشان عايز ريان ينساكي ويفهم إنك خلاص بقيتي مراتي يعني حتى النظرة دي مش من حقه وحرام ، قولي الحمدلله إنه كان ريان مش حد غيره كان زمانه دلوقتي في العنايات
هتفت باضطراب من قربه وخجل بسيط :
_ طيب ما أنا كنت قدامك يعني مش من وراك يعني لا قدامك ولا من وراك !
همهم وهو يصر على أسنانه في كل حرف ينطقه ولهيب الغيرة ازداد اشتعالًا أكثر :
_ ماهو المشكلة إنه قدامي وكنت شايف كل ده ياريته كان من ورايا مكنتش هتبقى ردة فعلي زي كدا !
التزمت الصمت وهو تتطلع له ، ترى عيناه الملتهبة كلهيب الشمس الحارقة في يوم تكاد تصل فيه درجة الحرار إلى 50 درجة ! ، لماذا ياترى يغضب كل هذا الغضب لن تقتنع بقوله أنه حب سيطرة لأبد أن هناك أمر آخر ، رأته يكمل بقسوة :
_ مش معني إني معملتش حاجة يبقي الموضوع هيعدي من غير حاجة ، من هنا ورايح أي حاجة هتعمليها هتاجي تقوليلي وكلامنا هيبقى في الحدود دي ياملاك لا هيزيد ولا يقل
اندهشت مما قاله هل سيقاطعها ، كخصام الأطفال ولكنه برع في اختيار أفضل طريقة للعقاب فعي لا تطيق عدم محادثته ، بتأكيد لم تسمح بهذا يحدث وستفعل من المستحيل ممكن حتي يسامحها .. !
***
اجابت زمردة على الهاتف قائلة بخفوت :
_ ألو
اتاها صوت ريان الهادئ ليجيبها بأدب جم :
_ ازيك يازمردة أنا ريان ؟!
ارتسمت على ثغرها ابتسامة متغطرسة وهي تجيبه ساخرة :
_ خير بتاصل ليه المرة دي كمان !
_ زمردة أنا عايز اقابلك ضروري الموضوع بخصوص ملاك !
شهقت بهلع في قلق جلي لتهتف بتلهف :
_ مالها ملاك اوعى يكون في حاجة وحشة حصلت معاها
يأخذ من ملاك حجة حتى يجعلها توافق على مقابلته وفي الحقيقة الأمر ليس له علاقة بملاك مطلقًا فقط يريد مقابلتها وأن يعتذر منها عما صدر منه فهتف بخشوع يطمئن :
_ متقلقيش هي كويسة بس الموضوع مهم ياريت تحاولي تقابليني
_ طيب هشوف مروان وأن شاء الله بكرة هرن عليك وأرد عليك علشان كمان تقولي هنتقابل فين
نجحت خطته فى استدراجها له حين قال أن الأمر متعلق بملاك ، ولكنه بالفعل يشعر بالندم عن ماصدر منه وكلماته الجارحة التي تستطيع أن تخترق جدار أي قلب امرأة وتسحقه فيهتف بحماس :
_ تمام هستناكي !
***
مر نهار اليوم المشؤوم هذا ببطء شديد حتى لاحت النجوم الساهرة في السماء تجلس تتابعها بشرود فجالت بخاطرها فكرة تحاول من خلالها خلق حديث معه . نهضت وغادرت الغرفة وسارت نحو المطبخ تقوم بتحضير قهوة له ، ومن ثُم توجهت نحو غرفته فوجدته كوضعها يجلس في الشرفة يحملق في السماء بزهو ، تقدمت نحوه ومدت يدها من الخلف بفنجان القهوة في صمت ، فرفع نظره لها وطالعها بتمعن لثوانٍ ثُم جذبه من يدها قائلًا بمضض :
_ شكرًا !
جذبت أحد المقاعد وأتخذت ملجسًا لها بجوراه تطالع السماء مثله ، بل في الحقيقة تطالعه هو فكانت تختلس نظرات شغوفة له تنتظر منه أن يوجه ولو كلمة لها حتى تأخذ هي مجراها وتبدأ بالحديث ولكنه كصنم لا حياة فيه لا يتلفت ولا يتحدث ولا ينظر فقررت هي البدء مخترقة جدار الصمت :
_ زمان أنا وصغيرة كنت دايمًا أبص في النجوم وأدور على نجمتين جمب بعض كان دايمًا في مخليتي إنهم بيبقوا أصدقاء أخوات ، عشاق وكانت كل يوم أجي أبص عليهم زي اللي بيطمن على حد ولما كنت أجي في يوم ملقهمش أزعل جدًا وأقول ليه اتفرقوا ، يعني من صغري وأنا عندي هوس اسمه تأمل النجوم وعدها وتكوين أشكال ومعرفش أيه
كان يستمع لحديثها وسردها عن مغامراتها مع النجوم ، فمثلما يبدع في حنانه وحبه وغضبه يبدع أيضًا في التجاهل . فهمت هي أن الأمر لم يجدي نفعًا معه فقررت المحادثة بصراحة ومباشرة قائلة :
_ على فكرة مش مستاهل ده كله ، وأنا أسفة بعد كدا هبقى متكلمش مع أي راجل غير لما أجي أقولك زي الأطفال أكلمه ولا لا ياماما !!
رمقها شرزًا من سخريتها المباشرة ، تسخر من طريقته وغيرته ، لم يعرف متى أصبح الأمر بهذا الوضع ليلة أمس كان مازال يشك بمكانتها في قلبها الأن هو تيقن من أنها أتخذت المكان الصحيح ، أدرك أنه كان على خطأ حين قال أنها زوجته موقتًا فا من الواضح أنها لن تكون موقتًا .. خرج صوته الصارم يقول بحدة :
_ قومي روحي اوضتك ياملاك !
ابتسمت مستنكرة وهي تقول بسخرية تقلد طريقته بمهارة عندما قال :
_ على أساس إن امبارح دي اوضتك ياملاك مكان ما أنا قاعد أنتي تقعدي ومعرفش أيه ، ده إنت أسرع واحد شفته يغير قراره بسرعة دي تراجعت !
لم ينظر ولم يرد فتابعت بسخط بعد أن نهضت من المقعد تقول بعناد :
_ وأيه رأيك بقى هكلم ريان وهروح اتصل بيه دلوقتي وأكلمه وأعلى ما في خيلك أركبه ولو أعرف رجالة تاني هكلمهم برضوا يا أُسيد وأعمل مابدالك
كأطفال يصدق كل من الآخر حديث الآخر ، فيثب هو واقفًا غارسًا أصابعه في ذراعها يصرخ بها بازدراء بعد أن هيجت بركانه النائم بكلماتها الجريئة :
_ إنتي عايزاني اتصرف معاكي بأسلوب ميعجبكيش يعني هاا ردي ، في كل مرة بتختبري صبري وفي مرة هتكون النتائج صادمة لم أكون استنفزت كل طاقات مسامحتي لأخطائك
_ لا وإنت أيه نبي معصوم من الخطأ يعني مهو اللي بتعمله ده غلط أيه يعني تمنعني عن ريان بدافع حب السيطرة كنت جارية عندك أنا ، إنت أتجوزتني وإنت عارف علاقتي بريان أزاي وإني بحبه ومبقدرش أزعله وبرغم كدا بتمنعني عنه في وجودك وغيابك
رأت عيناه كجمرتين من نيران متوجهين نحوها يعرفان هدفهم جيدًا تزيد من سخطه أكثر بحديثها المستفز هذا لا يعرف ماذا يفعل معها وقلبه لا يطاوعه على تلقيها درس لن تسناه يخشى عليها فهي تعتبر مريضة قلب ولم تعالج بعد ليقول بتوضيح :
_ باختصار شديد اللي أقوله يتسمع ومن غير جدال أنا مش عايزك تزعلي مني لسا ، ولآخر مرة هقولها إنتي مراتي يعني مفيش حد من حقه يبصلك زي ما ريان عمل كدا غيري أنا وبس ، وإن كنتي شايفة إني بعاملك كجارية فشكرًا على زوقك بابنت فرودس ، لو دي فعلًا معاملة الجواري كان زمانهم كلهم بيتمنوا المعاملة دي !
تلاقت أعينهم في زهو وضيق منها على تشبيهها بمعاملته الحانية والجميلة لها وكأنها أميرة بمعاملة الجارية ، فعو ليس من صنف الرجال الذي لا يعرفون قيمة المرأة ، الذي يتزوجونهم لخدمتهم فقط ، لم تكن المرأة فقط زوجة في الفراش و أُم تربي وتنجب أطفال و تخدمه هو وأطفاله كجارية بالفعل استعبدها لخدمته وخدمة أطفاله ، لم يكن من أغلبية الرجال الذي يطالبون يحقوقهم الزوجية والمنزلية من طعام وشراب وتنظيف ملابس قبل أي شئ ، حتى قبل أن يرى حقوق تلك المرأة التي تربي له أطفاله وتخدمه وتفني عمرها في خدمتهم وتربية الأطفال ، فهو أفضل من يعلم بقيمتها ويعززها كما عززها الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم وأنزل سورة بأسمهم ، فمن أبسط حقوقهم تجاه مايقدمانه لهم هو معاملة حسنة وطيبة ، القليل من الحب والأهتمام والتقدير القليل من الرومانسية ، وهذا هو مايفعله معها بالرغم من أنه كان لا يحبها ولكن كان يعاملها كأي امرأة يجب أن تعامل ، والآن تقول أنها ليست جارية لديه !! . ترك ذراعها وقال بضيق أكثر من زي قبل وكأنها زادت الفجوة التي بينهم بقولها هذا :
_ لو هتنامي هيكون أفضل أما لو لا يبقى تقعدي ساكتة لغاية ماتنامي مفهووم ياملاك لإني ملوش خلق للكلام
تمعنت به بخنق وحزن من جفاءه معها ، يبدو أنها لم تدرك كلمتها التي تركت أثرًا داخله وجعلته يصر على موقفه منها حتى تعود لرشدها جيدًا ، وقفت تحملق به تنتظر منه كلمة تدل على رغبته في ابقائها معه تلك الغرفة في نفس الغرفة ولكن خابت أمالها فاستدرات وغادرت تاركة إياه يتخبط في أفكاره
***
ينام في فراشه براحة مزيفة تتخلل إلى عيناه ضوء الشمس المشرقة فتحدث انزعاجًا له ولنومه ولكن أتى الازعاج الحقيقي عندما فتح عيناه بفزع على صوتها المرتجف وهي لا تقوي على الوقوف :
_ أُسيد أنا مش قادرة أخد نفسي
وثبت واقفًا كالذى لدغته عقرب يقول بهلع :
_ إنتي أخدتي علاجك !
اماءت رأسها بضعف فتتشبت بذراعه حتى لا تسقط تسعف الكلمات من فمها بانتفاضة تلهث أنفاسها بصعوبة كأن الأكسجين انتهى :
_ أخدت معملش حاجة ، أنا .. مش قادرة أتنفس أااا ……..
أبتعلت باقي الكلمات في جوفها حين سقطت بين يديه فاقدة لوعيها ……..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أشلاء القلوب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى