روايات

رواية أشلاء القلوب الفصل الرابع عشر 14 بقلم ندى محمود

موقع كتابك في سطور

رواية أشلاء القلوب الفصل الرابع عشر 14 بقلم ندى محمود

رواية أشلاء القلوب الجزء الرابع عشر

رواية أشلاء القلوب البارت الرابع عشر

أشلاء القلوب
أشلاء القلوب

رواية أشلاء القلوب الحلقة الرابعة عشر

تحدثت العقربة الصغيرة بغضب وغطرسة :
_ أه مش فاضي ، أصله عريس بقي وماخد مراته في بيته وقاعد معاها ، وطبعًا مين مراته ست الحسن والجمال ملاك !
تبادلوا النظرات بينهم فى ذهول ورمقت ليلى ابنتها شرزًا على ماقالته ، فسمعا صوت محمد الغير مستوعب لما قيل للتو :
_ ملاك مين دي اللي أتجوزها !؟
يبدو أنها لن تهدأ إلا حين ترى النيران تشتعل بالمنزل وتحرقه رمادًا فأكملت بنفس نبرتها السابقة :
_ هو في كام ملاك ياجدي .. ملاك بنت عمتي فردوس !
هب واقفًا وهتف في صيحة عنيفة مزمجرًا :
_ ملاك إيه دي ! ، وكيف يتجوزها ومحدش يعرف ، هو أتجن ولا إيه .. قاعد في أنهي شقة أنطجي يا أسمى ؟
قالت بإبتسامة ماكرة بعد أن نجحت فيما أرادته :
_ فى الشقة اللي أخد شهر العسل فيها مع مريم !
اندفع إلى خارج المنزل كالمجنون فهرول خلفه ثروت قائلًا :
_ يا أبوي استنى رايح وين بس !
عقدت ذراعيها أمام ذراعيها قائلة بلؤم :
_ كان نفسى أروح واتفرج على المشهد التاريخي بين جدى وملاك ، يمكن تحس على دمها وتغور من وشنا
كانت أشجان وسارة يتبادلون النظرات فى صدمة .. أما أشجان فأصبح وضعها أكثر خطورة من ذي قبل ، أصبحت فى حماية من لا تقوي على مواجهته .
***
دخلت الغرفة على عجالة فتصلبت حين وجدته يرتدي ملابسه ويعقد ربطة عنقه ، تحركت نحوه ووقفت خلفه وهى تقول بضيق :
_ أنت طالع ولا أيه ؟
لم يدير وجهه لها فقط أجاب برزانة :
_ أه رايح الشغل أيه في حاجة ولا أيه ؟!
تمتمت بخنق واضح وهى تطرق أرضًا :
_ لا مفيش ، أصل أنا حضرت الفطار وعاملة حسابي أننا هناكل مع بعض !
استدار لها وهتف شبه ضاحكًا بخبث :
_ هو أنتي مش أول امبارح كنتي بتقولي كل واحد فىطي حاله وهنحط حدود في التعامل مع بعض !
ياله من خبيث ، يلومها على ماقالته ويضغط على أوتار قلبها بكلماته اللئيمة .. ربما لديه الحق فيما قاله فهي تقول شئ وتفعل عكسه …هتفت بغيظ ونظرة نارية :
_ عندك حق أنا غلطانة فعلًا ، أبقي روح بعد كدا أعمل أكل لنفسك بما إنك عايز كل واحد يبقي فى حاله فعلًا !
ضحك بخفة ومن ثُم أجاب بنبرة تقطر حنانًا وحبًا :
_ روحي ياملاك حطي الأكل على السفرة وأنا هخلص لبس وهلحقك وناكل مع بعض يا أبلة
طالعته بشراسة وقالت بقرف :
_ لا مش عايزاك تاكل معايا أنا هاخد أكلي في أوضتي وأكل وحدي
دقق النظر في ملامح وجهها مبتسمًا بصفاء ثُم تمتم وهو يثبت نظره داخل عيناها قائلًا بحدة بسيطة :
_ أنتي سمعت أنا قولت أيه من شوية صح ؟ ، يلا روحي اعملي اللي قولت عليه واستنيني
زمت شفتيها بإحتجاج ثُم انصرفت وفعلت ما أمرها به وجلست على مائدة الطعام الصغيرة تنتظر قدومه ، وتطرق بأظارفرها الصغيرة على سطح الطاولة واليد الاخرى أسفل وجنتها ، انتظرت لخمس دقائق حينها صاحت به مندفعة :
_ يا أُسيد يلا أنا جعت أيه ده كله !
خرج وتقدم نحو المائدة قائلًا بضحك :
_ وأنتي مستنياني ليه ماتاكلي !
_ آكل آيه مش حضرتك قولت استنيني
أكثر من ضحكه بشدة ثم استطرد بسخرية مزيفة :
_ أه ماشاء الله وأنتي مطيعة أوي وبتسمعي الكلام ، أنا قصدي استنيني عادي يعني هاجي وراكي لكن مش قصدي اقعدي من غير أكل لغاية ما أجي !
ابتسمت وأظهرت عن ضحكتها التي بدأ يعشقها بالفعل ! ، ثُم أقبلت على الطعام بنهم وكذلك هو .. عكر صفوهم طرق الباب القوي ؛ أنتفض جسدها على أثره ورمقت زوجها بنظرة متعجبة بها بعض الخوف ، فوقف على قدميه وقال لها بحزم :
_ ادخلى الاوضة ياملاك واقفلى الباب ومتطلعيش غير لما أقولك !
هرولت نحو الغرفة وأغلقت الباب بإحكام ، أما هو فأخذ نفسًا عميقًا يستعد لمواجهة جده وعمه ، أخبره مراد ليلة أمس أنهم قادمون اليوم وبالطبع الطارق هما .. فتح الباب وطالعهم بثبات ونظرة مميتة كعادته لا يخشى أحدًا ، أبعده جده عن الطريق ودخل وهو يصيح بغضب :
_ صحيح اللي سمعته ده ، اتجوزت ملاك يا أُسيد ؟!
لوي شفتيه بأمتعاض قائلًا بصرامة :
_ أه صحيح ياجدي ، ملاك مراتي دلوقتي ، ومش هسمح لحد أنه يهينها أو يتكلم معاها بطريقة مش كويسة فى وجودي !
هتف ثروت فى دهشة ممزوج ببعض السخط :
_ إيه اللي بتقوله ده يا يأُسيد ، أنت واعي للي بتقوله زين !
اندفع محمد يبحث عنها فى الغرف ويصيح بإنفعال :
_ وينها بنت فردوس ال**** دي
أسرع نحوه ليقبض على ذراع جده ويهتف في شبه صيحة :
_ جدي أحسب كلامك كويس قبل ما تقوله اللي بتتكلم عليها دي مراتي
لم تتحمل اللفظ الذى لفظه فى حق أمها فخرجت واندفعت نحوه كالغولة تصيح به :
_ فردوس دي برقبتك وبرقبة أي حد بيقول عنها كده ، كفاية بقى مش مكفيك اللي حصلها بسببك حتى بعد ما ماتت مش عايز تسيب روحها ترتاح ، كنت عارف بمرضها وأنها ممكن تموت فى أي وقت ورفضت تعالجها . عارف أنا حتى كلمة جدي مستعرة ما اقولهالك !
رفع يده في الهواء وهم بصفعها فكانت يد أُسيد أسرع حيث قبض على يده متمتمًا بوحشية :
_ كفاية أوي كده ياجدي !
ثُم حول نظره إلى زوجته وصاح بها بنظرة أستقصدها لعلمه أنها تخشاها حين يرمقها بها :
_ وأنتي ادخلي الاوضة اخلصي يلا ومتورنيش وشك لغاية ما أنده أنا عليكي !
رمقتهم شرزًا وأمتثلت لأمر زوجها ودخلت فصرخ محمد بحفيده بعدما وصل إلى زروة غضبة :
_ والله عال يا وِلد ياسر بتقف في وشي عشانها !
هتف ثروت بصوت رزين يحاول تلطيف الجو :
_ أهدى يا أبوي بس خليه يفهمنا اتجوزها كيف وليه ؟!
_ اتجوزتها عادي زي ما حد بيتجوز أما ليه فدي حاجة أحب أحتفظ بيها بيني وبين مراتي . أنا مقصدش ادايقك ياجدي بس قبل ماكنت تفكر ترفع إيدك عليها أعمل حساب إني واقف
ضحك ساخرًا متمتمًا بغطرسة :
_ لا ده أنت كتر خيرك إنك دخلتنا بيتك أصلًا
وأنصرف من أمامهم وهو يستشيط غضبًا فاقترب ثروت من ابن أخيه قائلًا :
_ أنت رايح الشركة مش إكده ؟
هز رأسها بإيجاب فى أقتضاب فتابع بجدية :
_ طيب أنا هجيلك على هناك ونتكلم زين في الموضوع ده
لم يبدي أي ردة فعل فقط طالعه بوجوم ، فانصرف الأخير خلف أبيه ، فدفع أُسيد الباب بعنف أهتزت أركان المنزل له واندفع نحو غرفتها كالغول وفتح الباب على مصراعيه وهو يصرخ بها ، جعلها ترتجف واقفة :
_ أنا قولت أيه ياملاك لما الجرس رن مش قولت ادخلي واقفلي الباب ومتطلعيش من الأوضة غير لما أقولك
هتفت بنظرات زائعة فى ارتعاد :
_ مقدرتش اتحكم في نفسي يا أُسيد لما قال كدا عن ماما
إزداد صراخه قائلًا بنظرة نارية وصوت مخيف :
_ مقدرتيش أيه بلا زفت ، أنا قولت متطلعيش علشان عارف إن اللي على الباب عمي وجدي لكن زي العادة عملتي عكس اللي قولته
_ وفيها أيه يعني لما طلعت ورديت عليه
_ لا فيها كتير ياهانم فيها إنك معملتيش حساب ليا ورايحة تزعقي وتعلي صوتك على جدك قدامي ، أيه مفيش حساب لوقفتي خالص .. من هنا ورايح الكلمة اللي هقولها تتسمع فاهمة ولا لا !
سايرته وقررت إنهاء الأمر حتى لا تدخل في جدال معه وكما قال لها منذ يومين أنه وقت زروة غضبه يكون بهذا الشكل المرعب وحين يهدأ يعود لطبيعته ، ففضلت الأعتذار منه حين يهدأ والآن يكفي الموافقة على ما أمرها به :
_ فاهمة يا أُسيد ، حاضر !
***
تجلس بحديقة المنزل تحتسي كوب الشاي الساخن ، تفكر في أشياء جمة من أهمهم ، لماذا تهتم به لتلك الدرجة وتسعى جاهدة لجعله يسامحها ؟ ؛ ربما لإنها بدأ يشب بداخلها شعور لما تعهده تجاهه من قبل ! ، تجسدت به جميع أشكال القوة والحنان . كانت تراه كيف يعامل زوجته السابقة لم يكن يختلف كثيرًا عن أخيه في شخصيته ، كلاهما يعاملوا زوجاتهم كأنهم أميرات ، من تحظَ بالزواج من أحدهم تنعم بعيشة هنية وتُعامل كملكة أو أميرة وهو أميرها ، ولكن لم يكن لديهم حظ بالزواج منهم من خسر زوجته وابنه ومنهم من أنفصل عنها .. ولكن السؤال الذي يروادها كيف تزوج أُسيد ملاك ولماذا ؟ … رأت سيارته ترتص بمكانها المخصص ويترجل منها وقع نظرها عليه وقبل أن يقع نظره عليها ، استغلت الفرصة أفضل استغلال ودفنت وجهها بين كفيها وأخذت تبكي بكاء مرًا مزيف وحين رأته يقف يحملق لها من بعيد بحيرة ؛ فأكثرت من البكاء بشدة .. نجحت في ماعزمت عليه واقترب منها أما هي فكلما تشعر بخطواته تخطو نحوها تزداد أكثر إلى أن توقف أمامها وهتف بريبة :
_ مالك ياسارة في أيه ؟!
جففت عبارة كاذبة فرت من مقلتيه ورمقته بضعف متصنع متمتمة :
_ مفيش حاجة يامراد مدايقة شوية بس
ازدادت نبرته قوة وخشونة حين قال :
_ مدايقة من أيه يعني ؟
عاودت بكائها المزيف وهي تتشدق بتأثر ومرارة :
_ من حجات كتير ، أصلًا محدش فاهمني كله بياجى عليا من غير مايفهم حاجة !
نجحت تلك الماكرة في تحريك عاطفته نحوها وظهر ذلك حين أجابها برقة :
_ ايوة مين دايقك قوليلي ؟!
تصنعت التشنج وارتجافة الصوت :
_ قول مين مدايقينيش أنا تقريبًا الكل بياجي عليا أساسًا ، وأنت منهم يامراد ماخد موقف مني من غير ماتفهم وبرغم إني وعدتك إني مش هكلمه تاني وبرضوا مصمم تاخد موقف مني !
_ أنتي عارفة كويس أوي سبب غضبي منك ياسارة ، أنتي بذات مكنتش متوقع منك إنك تعملي كدا
هبت واقفة محتفزة وهى تهتف بغضب :
_ أنت ليه محسسني إني عملت جريمة قتل !
ببرود وصوت أجشَّ :
_ بنسبالي كدا ، إنك تكلمي راجل وتقعدوا تحبوا في بعض وأكيد بيستغلك ومش بعيد يكون عايز يأذيكي
_ يعني هتقعد متعصب مني كدا كتير !؟
تنهد بعمق وتمتم بهدوء تام :
_ لا ياسارة خلاص أنسي الموضوع بس لو شميت خبر إنك رجعتي كلمتيه تاني ، مش هيحصل طيب أوي وأنتي فاهماني أقصد أيه
هزت رأسها عدة مرات متتالية في موافقة ، فقد نجحت خطتها اللئيمة في إهماد نيرانه المتوهجة نحوها .. رأى الابتسامة تكاد تشق طريقها وتصل إلى أذنها فبادلها ابتسامة بسيطة وغمغم برقة :
_ روحي اغسلي وشك يلا
هرولت من أمامه تتجه نحو الداخل ويزداد شعورها بالفخر والانتصار كلما تتذكر ماقاله وأنه لم يعُد غاضب منها ! …
***
مساء ذلك اليوم … عاد إلى المنزل ، كانت الاضواء منطفئة وسكون تام ، وكأنه خالي من البشر ، شعر بالقلق وصاح مناديًا عليها وعندما لم تجيبه ازداد قلقه وتسرب الشك فى ثنايا قلبه خشية من أن يكون أصابها مكروه ؛ فاندفع يبحث عنها كالمجنون في كل غرفة ولكن لا أثر لها ، وقف يمسح على شعره ويزفر بقلق فكر بالاتصال بها ولكنه تراجع حين شعر بنسمات هواء باردة في المنزل ، توجه وبحث عن كل نافذة يتأكد من أغلاقها سوى نافذة واحدة وهي نافذة المطبخ الذى عندما دخله فوجئ بجلوسها على أحد المقاعد أمام النافذة وتستند بمفرقيها على حافة النافذة وسابحة في سبات عميق . جسدها ضئيل وصغير لدرجة كافية يجعلها تجلس على المقعد وترفع قدميها وتضمهم إلى صدرها كما تفعل دومًا . أصدر تنهيدة حارة بارتياح وهز رأسه بحركة نافرة تعبر عن خنقه واعتراضها على هذا الوضع الذى تنام فيه أمام النافذة ويلفحها الهواء البارد ، شعرها الكستنائي المائل إلى الرمادي القصير يتطاير بفعل الرياح على وجهها يجعلها أكثر جاذبية وجمالًا ، بات يشعر بالخطر لمجرد قربه منها وحين يتأملها بتلك الطريقة ! . سار نحوها وانحنى بجزعة للأمام فيضع يد تتوسط نصف ظهرها واليد الأخرى نصف قدميها وحملها على ذراعيه متوجهًا بها نحو غرفته وليس تلك الغرفة التي أوهمت نفسها بأنها غرفتها منذ أن حدث الشجار بينهم وقالت أن كُلٌ منهم سينام في غرفة منفصلة ، وضعها على الفراش بحذر وجلب غطائه الثقيل ورفعه حتى أعلى كتفيها ، رأى تكورها وضمها للغطاء باستمتاع وكأنها تدفأت بعد ذلك البرد . بدأ بتبديل ملابسه وارتدى جاكيت رمادي اللون أسفله بنطال أبيض اللون ، ثُم توجه وتسطح بجوراها يتقاسم معها نفس الغطاء لينعم بنوم مريح بعد يوم شاق …
أشرقت الشمس عن شعاعها الدافئ فيتسلل من خلال الستائر ومنه إلى عيناها العسليتان فتفتحهما وترفع كف يدها في أتجاه شعاع الشمس تحجبه عن عيناها ، نظرت إلي الغطاء التي تُغطء به ونقلت نظرها يمينًا ويسارًا في الغرفة بدهشة وتجمدت الدماء في عروقها عندما انتبهت له نائم بجوراها لا يفصل بينهم مسافة تتعدى خمسة عشر سنتي مترًا ، تذكرت ليلة أمس وأنها غفوت على النافذة فتوقعت ماحدث بعدها عندما أتى ووجدها بهذا الوضع فنهضت من الفراش بهدوء وغادرت لتذهب إلى المرحاض وتأخذ حمامهًا الصباحي الدافئ ، مرت مايقارب النصف ساعة حتى انتهت ولفت نفسها بمنشفة كبيرة ، وخرجت وهمت بالركض نحو غرفتها قبل أن يخرج ويراها فأذا بها تنصدم بخروجه أمامها ،تسمرت بأرضها وقد فقدت حاسة النطق وأحمر وجهها ، همت بالركض نحو غرفتها لتهرب من نظراته المتفحصة وقبل أن تدخل الغرفة سمعت صوته القوي يقول :
_ استني ياملاك !
تصلبت مكانها وتسارعت نبضات قلبها وظلت توليه ظهرهها ، تكاد تسقط واقفة كلما تشعر بخطواته تقترب منها ، لينتهى الأمر عندما أنتفضت كالذي مستها الكهرباء عندما أحسن بأصبعه يمر على ظهرهها بنظرات متفحصة . التفتت له فورًا وأردفت بتلعثم ممتزج ببعض الغضب :
_ أنت بتعمل أيه ؟!
تجاهل سؤالها تمامًا وهتف بنظرات تحمل الفضول والريبة وينقل نظره بين ذراعيها وأعلى صدرها :
_ أيه العلامات اللي على جسمك دي !
نظرت إلى جسدها فرأت علامات تعذيب أكرم لها بـ ( الكرباج ) على جسدها مازالت تترك أثرها حتى الآن ! .. هتفت مسرعة فى توتر وهى تهم بالاستدارة لتدلف الغرفة :
_ لا ده أنا كان عندى حساسية وسابت أثرها
غرس أصابعه فى ذراعها وهو يهتف بنظرة نارية ونبرة مريبة :
_ حساسية أيه ! ، هو أنا عبيط هتضحكي عليا بكلمتين وخلاص دي مش علامات حساسية دي علامات شبيهة بعلامات ضرب بالخرطوم أو الكرباج .. أكرم اللي عامل كدا فيكي صح ؟
هزت رأسها بالموافقة في أسى وشجن ، فترك ذراعها ولوى فمه ويعض على شفاه السفلى في ضجر واضح وعيناه تتوعد لذلك الوغد تابع بسؤال آخر بحدة أكثر :
_ وشعرك أنتي قصيته ولا هو اللي عمل كدا برضوا ؟
_ مراته التانية قصته غصب عني وهو كان واقف وبيتفرج عافرت في البداية أكيد وقعدت أصرخ واحاول أبعدها عني بس مقدرتش عليهم
رأت وجهه كيف تحول من الأبيض إلى الأحمر الداكن من فرط غيظه وغضبه وتمتم بنبرة تحمل فى طيأتها الوعيد :
_ قرب أوي يوقع تحت إيدي وهدفعه تمن كل عمايله دي واحدة واحدة
استطردت بنبرة راجية وهى تقبض على كف يده اليمنى وتتوسله قائلة :
_ أبعد عنه يا أُسيد ابوس إيدك ، خلاص اللي حصل حصل ، المهم دلوقتي وهو مش هيقدر يقربلي طول ما هو عارف إني معاك ، طلعه من دماغك علشان خاطري
سحب يده ببطء مغمغمًا بصلابة :
_ ادخلي البسي هدومك ياملاك يلا
قال جملته الأخيرة واستدار وانصرف من أمامها تاركًا وراءه قلبها الذي يشتعل من خوفها عليه ، ليتها لم تلف نفسها بتلك المنشفة ، حينها كان لن يعرف شيئًا عن ما في جسدها من أثار تعذيب …
***
كان صياحه وهو يقول بزمجرة كافي لجعل المتحدث يرتعد :
_ يعني أيه مش عارف مكانها !
هتف بتلعثم وارتباك :
_ يامعتز بيه قلبت عليها كل مكان ومفيش أثر ليها وعرفت الشقة اللي كانت قاعدة فيها بس سابتها برضوا
_ اقفل غور ومتسمعنيش صوتك تاني غير لما تكون جايب أخبار عدلة
ألقي بالهاتف على الفراش ومسح على وجهه قائلًا بضيق وندم :
_ أنتي فين بس ياملاك ، أكيد أُسيد وريان مخبينك مني ، بس مسيري هلاقيكي
***
قضي ليلته السابقة بالسيارة ، بنفس وضعيته هذه ، يغلق هاتفه منذ يومان . لم يشعر نفسه عاجز هكذا طول حياته ، الآن حبيبة قلبه في أحضان ابن عمه الذي لم يتخيل أنه سينافسه عليها في أحد الايام ، فكر في كلماته ورأى أنه ربما لديه الحق في بعض الأراء وهو أن ينساه ؛ لأنه يتقن كل الإتقان إنها لا تحبه فقد أخبرته أكثر من مرة بعفوية مدى حبها الاخوي له ولكنه كان يقنع قلبه بأنها من المحتمل أن يتغير شعورها تغيير جذرى وأن تصبح له ومن ممتلكاته يومًا ما ، والآن فقد أي ذرة أمل زُرعت وأثمرت بداخله ، سيفعل كل ما بوسعه كي ينتزع حبها من جذوره ؛ لأنه تأكد إنها لن تصبح له مطلقًا حتى وأن انفصلت عن أُسيد …
أخرج هاتفه وقام بفتحه ولحظات قليلة وكان يعلن عن اتصال من أحدهم وكأنه ينتظر أن يعود هاتفه للخدمة فيتصل به أجاب بمضض :
_ خير ؟
_ ريان بيه زمردة هانم أمبارح الصبح طلعت من البيت مع مروان بيه وكان معاها شنطة هدوم ،وقبليها كان عندها مراد بيه ، ولما دخلت البيت بعد مامشيت لقيتها ناسية بطاقتها
قطب حاجبيه باستغراب وتساءل بداخله حول ماذا تفعل تلك الفتاة مع مروان ومراد فأجابه بإهتمام :
_ وأنت متصلتش بأُسيد ليه أمبارح وقولتله الكلام ده !؟
_ أنا برن عليك أنت وأُسيد بيه ياباشا من أمبارح ومحدش بيرد منكم ، لو تقدر تاجي وتاخد بطاقتها وتودهالها
تأفف بخنق جلى وصاح به منفعلًا :
_ بطاقة أيه بس دلوقتي هو أنا ناقص حرقة دم على الصبح مكنش ناقصنى غيرها الأبلة دي ، بص سيبها في البيت وأنا هخلص شغلي وهبقي أروح أخد بطاقة الهانم دي معايا
_ تمام يابيه تحت أمرك !
ألقى بهاتفه على المقعد بجوراه وهو يتمتم بأزدراء و أستنكار :
_ فاضي أنا علشان أسيب اللي ورايا وأروح أشوف بطاقة الهانم اللي نسيتها ، أصل ريان مورهوش غيرها ، بلا قرف
***
بعد مرور ساعات عديدة وقد كانت تقف في المطبخ وتارة تسير يمينًا تجلب أحد المقادير اللازمة وتارة تسير يسارًا وتجلب أشياء مختلفة ، ترتدي بنطال وردي اللون ويعلوه جاكيت سماوي يصل إلى أسفل مؤخرتها وتترك العنان لشعرها القصير وتربط من أسفله نصف رأسها من أعلي قماشة عصرية ذات ألوان ذاهية على شكل ( فيونكة ) وتنسدل بعض خصلات شعرها على وجهها ، كانت أشبه بطفلة لم تتجاوز العاشرة من عمرها . نظرت بجوراها عندما وجدته يقف ينظر لها ببلاهة وابتسامة متصنعة شبه مغتاظة فضحكت بخفة وقالت برقة :
_ أنت عايز أيه ؟
بوجه متهجم وغضب مزيف قال متغطرسًا :
_ يعني أنا اللي أعرفه إن الناس بتعمل التورتة والكيكة دي بليل أو الصبح بدري لكن إني أشوف حد بيعملها في الضهر ومعاد الغدا دي حاجة غريبة
تصنعت البرود وهي تجيبه بمكر أنوثى :
_ طاب وأنت أيه اللي مدايقك فى كدا ؟!
كان شبه منفعلًا وهو يجيبها باغتياظ :
_ ملاك متعمليش نفسك عبيطة واتعدلى ، ولا هو أنا علشان متهاون معاكي ماخدة راحتك سيبي اللي في إيدك ده واعملي الغدا اخلصي
انفجرت ضاحكة في تلك اللحظة لتجيبه من بين ضحكاتها قائلة :
_ أيه يا أُسيد أهدى في أيه كل ده علشان اتأخرت كام ساعة على الغدا !
_ كام ساعة أيه ده العصر أذن والمغرب على أذان !
ازداد ضحكها أكثر فتجيب بوضوح في هدوء وخبث دفين :
_ طاب وفيها أيه ! ، يعني ده جزاتي إنى بعلمك الصبر أنا لاحظت إن في بيت خالي الأكل هناك بمواعيد ثابتة وحاجة مملة كدا الصراحة لكن تبقى حلوة لما نغير الروتين يعني مرة نقدم الأكل مرة نأخره مرة مناكلش خالص !
رأته يحك لحيته النامية وعيناه مشتعلة بنيران الغيظ منها فملست على ذراعه وكأنها تهدأه قائلة بضحك :
_ أيه أنت هتتحول ولا أيه ، طيب متبصليش كدا بالله عليك لأحسن أنا بخاف والله ، هحضر الغدا خلاص
تابعت بتصنع التأثر والحزن :
_ بس تعرف أنا مكنتش متخيلاك كدا أتصدمت فيك الحقيقة يعني مش معقول كام ساعة مش قادر تصبرها يا أُسيد ، أنا كنت عاملة امتحان ليك وأنت ماشاء الله اثبتلي أن الأكل أول حاجة بنسبالك يعني مستعد تاكلني ولا يهمك !
أرسل ضحكة رجولية رنت في أجراء المنزل ويجيب مبتسمًا يبادلها المزاح :
_ مهو علشان كدا الأكل في البيت بمواعيد
_ لا أنا هخاف على نفسي بعد كدا منك
طالعها مبتسمًا بعذوبة ومن ثُم فالتقط قطعة صغيرة من تلك الكعكة التي تُعتبر انتهت .. فثبتت نظرها عليه تتابع قسمات وجهه وحين وجدته ابتسم بتلذذ بادلته الابتسامة هاتفة بتشويق :
_حلوة ؟
هز رأسه بإيجاب وهو يمص طرف أصبعه مردفًا بصدق واضح :
_ أممممم حلوة جدًا تسلم إيدك
ابتسمت بمرارة عندما تذكرت كيف كانت والدتها تطلب منها تلك الكعكة دائمًا لعشقها لها ، كانت ترفض شراء أي كعكات وتقول لها أنها تفعل الكعكة أفضل من أي شيف ومتمكن ! ، أطرقت أرضًا وتمتمت بأعين دامعة :
_ ماما الله يرحمها كانت بتحبها جدًا التورتة دي من إيدي وكانت تخليني دايمًا اعملها ولو جبت فى مرة تورتة من برا متاكلهاش أبدًا وتقولي الي بتعمليها أحلى
هم بأن يضمها في محاولة للتخفيف عن ألمها ولكنها تصر دائمًا على أنهاء كل لحظة جميلة بينهم بشئ يكدر صفوه حيث هتفت بإبتسامة جميلة :
_ وحتى ريان كان بيحبها جدًا كنت اليوم اللي بعملها بتصل بيه وأقوله ياجي ياكل منها واليوم اللي بيكون مش فاضي فيه بشيل منها لغاية ما ياجي علشان ياكلها .. مش هتخليني أكلمه برضوا ؟
قالت جملتها الأخيرة وتحول وجهه وأختفت ابتسامته الرائعة لتحل محلها قمسات تنم عن بركان يوشك على الانفجار ، وتحول فورًا من حالة المزاح والضحك إلى القسوة والجفاء وهو يقول بسخط هادر :
_ لو فتحتي الموضوع ده تاني ياملاك أنتي حرة فاهمة
زمت شفتيها بضيق وهي تراه ينصرف ويشتعل كالنيران التي تزداد توهجًا كلما سُكب الماء عليها ، وقف فجأة وهتف بحدة :
_ واعملي حسابك بليل هنروح للدكتور علشان يشوف حالتك ويحدد معاد العملية
باتت تشعر بشئ غريب في وضعه ، ماسبب غضبه وانفعاله عند ذكر ريان ، لولا أنها تعلم أنه لا يحبها لرجحت أنه يغار منه ، ولكنه لا يحبها إذًا لماذا يشتد غضبه هكذا عند ذكره أمامه ؟! ….
***
أتجهت وأتخذت مجلسًا لها بجوار زوجها تراقب محياه وكأن هناك مايزعجه ويثير فتيل الاشتعال بداخله ، غير مبالي لوجودها قطْ ، أخرجت زفيرًا حارًا وتمتمت بفضول :
_ ألا قولي ياثروت موضوع جواز ملاك وأُسيد ده صح !؟
لم يلتفت بنظرها له فقد كان يحدق أمامه بغضب واضح يعتريه من شئ مجهول ، فسمعته يهتف باستياء بسيط :
_ أيوة يا أشجان صح
زاغت ينظرها في اللأشي تُفكر في تلك الصاعقة التي الحقتها ، لا يعقل أن تكون زوجة أُسيد ، من دون شئ تشعر من صميم قلبها أنه يعرف شئ عنها ويخفيه .. ترى نظرته المميتة لها حين يحدثها ، عيناه تتحدث كشخص يتوعد للأخر على مافعله ، والآن ابنه فردوس في حماية من لا يجرؤ على الاقتراب منها وهي معه ؛ لأن هذا يعني نهايته عاجلًا أم آجلًا ، صنع أُسيد هيبة له منذ وفاة والده جعلت الجميع يرتعد من حضوره ، يخشاه كالغزال الذي يخشى حضور الأسد وانقضاضه عليه . إن حاولت التخلص منها ستتجه شكوكه أولًا تجاه شخص واحد وهذا الشخص سيكون هي ! . حاولت تغير مجرى الحديث وتمتمت مهتمة :
_ مالك إكده إيه اللي مدايقك ومعصبك أمال ؟!
غرس شعاع عينه في عينها هاتفًا بصوت مريب :
_ هتقعدي جمبي يبقى تقعدي ساكتة يا أشجان وألا …..
وقفت فورًا رافعة كفها فى وجهه مجيب بامتعاض وضجر فيقابله بجمود وبرود مستفز :
_ خلاص من غير ألا ولا زفت أنا غلطانة إني بسألك ياثروت ده جزاتي ، آخر مرة هسألك فيها لو لقيتك مدايق
***
أنهي عمله تمامًا وأظهر الليل عن ردائه المظلم ، فقاد سيارته في الطريق المؤدي لمنزل تلك الفتاة المدعوة بـ ( زمردة ) ، يعيد ذكريات لِقَاءاتهم مع بعض تتعمد سكب البنزين وأشعلاه بالنيران ظنًا منها أنها ستتمكن من سد حقها جراء ما قاله لها ، فتاة حمقاء لا تتقن حتى طُرق الشجار . توقفت سيارته أمام ذلك المبنى ووجد الرحل الذى حدثه ينتظره ليسلمه مفتاح المنزل فتناوله من يده وصعد لأعلى على الدرج ، حتى وقف أمام الشقة المقصودة وفتحه باستخدام المفتاح ودلف وأغلق الباب خلفه ببطء ، نقل نظره في المنزل بتفحص ، منزل لا بأس به .. تحرك يسير فى المنزل يتفحصه حتى دلف غرفتها فرأى صورة تجمعها مع ملاك موضوعة أعلى منضدة صغيرة محفوظة داخل ( برواز ) صغير ، التقطتها وتأمل ملاكه الذي فقده ، رسبت آملاه في أن تصبح زوجته يضمها ليلًا ويعانقها ويجعلها تنام بين دفء احضانه ، أن يستيقظ كل يوم يرى وجهها الجميل أمامه ، يحادثها ويمزاحها بحرية أكثر من ذي قبل ، أن يعوضها عن ماعاشته ويكون ملجأها الوحيد وقت حُزنها ، انتزعت روحه منه وذهبت ولم تبالي لذلك الجسد الذى أصبح تحت التراب تتغذى عليه الحشرات والطُفليات ، لفت نظره تلك البطاقة التي أتي من أجلها فيلتقطها وأذا به تلجم الدهشة لسانه وتعقده حين …………

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أشلاء القلوب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى