رواية أشلاء القلوب الفصل الثامن 8 بقلم ندى محمود
رواية أشلاء القلوب الجزء الثامن
رواية أشلاء القلوب البارت الثامن
رواية أشلاء القلوب الحلقة الثامنة
ركض نحوها محاولًا اللحاق بها ولكن كان ذلك الرجل يضعها بالسيارة وينطلق بها بسرعة البرق ………….
أستقل بسيارته مسرعًا واجرى أتصال بأسيد فاجابه بهدوء تام :
_ ايوة يامروان عامل إيه ؟
خرج صوته اللاهث والذى لا ينم عن خير ابدًا :
_ أسمى اتخطفت يا أسيد !
هب واقفًا ثائرًا وهو يهتف فى شبه صيحة :
_ إييه !! ، اتخطفت إزاى وكانت فين ؟
مروان بأرتيعاد جلى وقلق :
_ معرفش يا أسيد كانت فى المستشفى أنا بحاول الحق العربية اللى خطفاها دى !
أنهى الاتصال فورًا معه ونظر إلى ملاك التى كانت تثبت نظرها عليه بأهتمام لتتأكد عندما يقول أن اسمى اختطفت لتغمغم بخشوع فى حنان :
_ روح يا أسيد شوف اختك متقلقش عليا أنا هروح البيت وراك علطول
فى نبرة محذرة وحزم تشدق :
_ متتحركيش من هنا لوحدك أنا هبعتلك السواق ييجى ياخدك فاهمة ياملاك
اماءت له بموافقة ونظرة مطيعة فهرول هو مسرعًا إلى الخارج بعد أن ادرك ماسيفعله جيدًا ، تاركًا إياها تحدق على آثره بشرود فقط بدأت تشفق عليه بالفعل، شعور ينمو بداخلها كأنها بذرة القت فى تربة خصبة وجعلت الشجر ينمو ويثمر بسرعة، باتت تشعر بالخطر لمجرد قربه منها، اصبحت عيناها تتحدث بالنيابة عنها فى وجوده وكأن الكلمات تخرج وحدها عندما تراه، ذلك الشعور يقتلها فى الثانية الف مرة.
نفضت تلك الافكار عن عقلها بصعوبة ثُم جلست على أحد المقاعد منتظرة قدوم السائق كما امرها ……………………..
***
ترجل أسيد من سيارته وقاد خطواته نحو ذلك المكان كالأسد الذى ينتظر الانقضاض على فريسته بفارغ الصبر حتى ينال منها ويشبع جوعه وتعطشه ، توقفت سيارة مروان وترجل الأخير لاحقًا به بعد أن اخبره أسيد بأن يلحقه ولا يهدر وقته عبثًا بملاحقة تلك السيارة.. فتح الباب على مصراعيه ليتجه تجاه معتز المكبل على أحد المقاعد ويحدقه ضاحكًا بخبث، أغار عليه كالوحش الهائج الذى لا يرى أمامه شئ وهو يبرحه ضربًا، وقف مروان يتابعه بصمت فى بداية الأمر ولكن عندما أزداد الامر خطورة فأقترب منه وحاول ابعاده عنه فدفع يده بوحشية ليقبض على عنقه خانقًا ذلك الوغد وهو يصرخ به بصوت لا يحمل أى شئ يدل على المزاح :
_ ورب العزة يامعتز الكلب لو ما نطقت وقولت أسمى فين لاخد روحك بأيدى دلوقتى وأنت جربتنى قبل كده كتير وعارف أنى مش بهدد على الفارغ
تغير لون وجهه من كتمان أنفاسه حتى كاد يلفظ انفاسه الاخيرة بالفعل لولا مروان الذى أزاح يد أسيد صارخًا به بحدة :
_ أسيد بلاش جنان موته مش هيفدنا بحاجة سييه خليه يعرف يتكلم ، اخلص اتكلم أسمى فين؟
سعل بقوة وهو يحدق بهم بصمت لئيم ، ذلك الحيوان يلعب على أوتار اعصابهم بمهارة فصرخ به أسيد بصوت جهورى تأجج فى المكان :
_ واضح أنك مش هامك تموت أو تعيش أنا حذرتك بس شكلك فاكرنى بهدد بس
أشار له بيده أن يتوقف قبل أن يقترب منه وهو يقول بمكر فى نبرة فظة :
_ هقولك مكان أسمى بس عندى شرط، هتخليهم يسبونى امشى وإلا اختك.. يا أما مش هتشوفها تانى يا أما هترجع مفيش أمل منها أظن فهمتنى !!
تلك اللحظة لم يستطع مروان حجب نفسه عنه بعد أخر جملة نطقها فهجم عليه وهو يكمل ما بدأه أسيد حتى يصرخ به بنبرة تحمل فى طيأتها الوعيد :
_ أقسم بالله لو حد لمس شعرة وحدة منها ما هيكفينى فيك عيلتك كلها
أنحى أسيد بجزعة للأمام متمتمًا بنظرات مخيفة :
_ تمام هسيبك وهتيجى معانا تورينا مكانها بس اوعى عقلك الغبى ده يُهيئ لك أنك هتقدر تضحك علينا ولو أى حركة منك كده أو كده هتكون ميت فى أرضك واختى أنا هعرف اوصلها ازاى
إبتسم له بخبث وهو يومئ اماءة خفيفة بموافقة على الاتفاق ……………….
***
عادت ملاك إلى المنزل ففتحت لها زمردة وهى تستقبلها بحماس قائلة بمكر :
_ إيه ياسندريلا موصلكيش أسيد بيه ليه !
بوجه عابس اجابتها وهى تتجه لتجلس على أحد المقاعد قائلة :
_ جاله تلفون من مروان وقاله أن أسمى اتخطفت فأضطرا يسبنى وبعتنى مع السواق، تعرفى برغم من أن أسمى مبتحبنيش وشكلى هشوف منها بلاوى لسا بس الصراحة ادايقت عليها جدًا والله يازمردة
رتبت على كتفها بنعومة قائلة :
_ أن شاء الله هيلاقيها وترجع سالمة ، ابقى شوية كده اتصلى بيه واسأليه عملوا ايه
هزت رأسها نافية وهى تقول بارتباك :
_ لا أنا هتصلك بيه شوية واخليكى أنتى تكلميه وتقوليوا أنى قلقت وتعرفى منه إذا كانت أسمى كويسة ولا لا
رفعت حاجبها بلؤم هامسة فى نبرة شبه مرحة :
_ شايفة أنك اخدتى على أسيد ده أوى ياملاك، مش مرتحالك والله
رمقتها بتوتر جلى وقد تحول وجهها إلى الوان الطيف فجأة وهى تنهض لتقول بأضطراب :
_ أنا هروح اغير هدومى
أبتسمت لها بحنو فقد أستطاعت فهمها بسهولة ! ………………
***
لم يتمكن احدًا من إقافة نواحها وبكائها على ابنتها حيث كان كُل من ريان ومراد وسارة بجوراها رتبت سارة على ظهرها بحنو هامسة :
_ اهدى يامرات عمى أسيد ومروان راحوا يجبوها
صاحت بها كالمجنونة :
_ لا أنا مش هطمن غير لما اشوفها قدام عينى !
إخرج ريان الكلمات من حلقه صلبة كالصخر قائلًا :
_ متقلقيش أسيد عارف هيعمل إيه كويس وكلها ساعة وهتلاقى أسمى قصادك يامرات عمى
كان مراد يقف كالجماد يحدق بهم جميعًا يتابع حديثهم ، وعيناه مشتعلة كجمرتين من النيران وبالأخص يثبت شعاع عينه على ريان وبعد ماقاله اندفع نحوه وجذبه من ذراعه هامسًا بنبرة رجولية ضجرة :
_ هتفهمنى فى إيه دلوقتى ياريان ومخلتنيش اروح ورا أسيد ليه ، و اللى عمل كده فى عمى هو اللى خطف أسمى صح ولا لا؟
زم شفتيه بضيق وهو يجيبه برزانة :
_ ايوة ياريان معتز عمل كده، واحنا مسكناه وكنا حابسينه فى المحزن لغاية مانشوف هنعمل معاه إيه بعد اللى عمله مع ابويا بس طلع **** خطف أسمى وابتز بيها أسيد أنه يسيبه ويقوله على مكانها وإلا هيقتلها يا …….
كان يصغى له بأهتمام شديد وعندما تقوف هتف بترقب :
_ يا إيه ياريان انطق متختبرش صبرى !
أخفض نظره ارضًا وهو يهمس بخنق واضح :
_ يا خيخلى رجالته يأذوها اعتقد أنت فهمتني، وطبعًا أسيد مكنش قدامه حل غير أنه يسيبه
ضرب بقبضة يده على الحائط وهو يزأر زئيرًا داخليًا ليسحب نفسه وينطلق مغادرًا وهو يكاد ينفجر فى من يراه امامه فصاحت ليلى منادية عليه فلم يعيرها اهتمام ، نظرت إلى ريان وهتفت :
_ قولتله إيه ياريان ؟!
زفر بغضب هادر ولم يجيبها بينما أندفع هو الآخر لاحقًا بذلك البركان الذى على وشك الانفجار وتدمير الأخضر واليابس ………..
***
كانت أشجان تجلس بجوار زوجها ومحمد الصاوى الذين كانوا يتحدثون حول أمر أسمى وهما على أتصال مستمر مع مروان، وجدت هاتفها يصدر رنينه فنظرت إلى المتصل وأضطرب وجهها قليلًا ثُم نهضت من جوراهم واتجهت نحو غرفتها وهى تتلفت حولها خشية من أن يسمعها أحد أو يراها، ثُم دخلت إلى الغرفة واغلقت الباب لتجيب قائلة :
_ ايوة عملتإايه ؟!
_ البنت اللى قولتى عليها قاعدة فى ( …… ) ياهانم وقاعدة معاها بنت خالها
ظهرت قمسات الدهشة على وجهها وهى تهتف بتعجب :
_ بنت خالها مين دى اسمها إيه ؟!
_ اسمها زمردة تقريبًا أمها ماتت من سنتين
أنهت الاتصال معه وهى تحملق فى اللاشئ امامها بذهول، وتتساءل ابنة من زمردة تلك ياترى أيعقل أن تكون ابنة عزت …..!!
***
اصطحبهم معتز إلى المكان الذى يخبأ به أسمى، كان أشبه بأحد الأماكن الذى مر عليه قرون منظره يثير الاشمئزاز حقًا ……!!
فتح الباب فوجدوا أسمى مكبلة على الارض من قدميها ويداها وتطرق رأسها أرضًا فقد فقدت قدرتها على الصريخ والاستغاثة بأحد لينقذها، بدت خائفة بل مرتعبة هيئتها جعلت الزعر يأخذ طريقه إلى قلب اخيها ومروان، حجابها زحف للخلف ليظهر عن جزء من شعرها الاسود الحريرى وملابسها غير مهندمة، أشتعلت نيران مروان ليجذبه من ملابسه وهو يصرخ به بصوت جهورى :
_ ده أنا هشرب من دمك دلوقتى انطق شوية ال**** بتوعك عملوا فيها إيه ؟!
هرول أسيد نحو شقيقته ليمسك بوجهها يهزه بخفة محاولًا افاقتها وهو يقول بهلع بسيط :
_ أسمى ياحبيبتى أنتى سمعانى
فتحت عيناها بضعف لترفع رأسها نحوه ويخرج صوتها المبحوح وهى تبتسم بسعادة :
_ أسيد
حاوط رأسها بيده القوية ليضمها إلى صدره ، لتنفجر هى باكية بشدة حتى تسمع صوته يقول :
_ حد قربلك يا أسمى قولى ياحبيبتى
هزت رأسها نافية وهى تهتف ببكاء حار :
_ أنا كويسة يا أسيد خدنى من هنا ابوس ايدك
ابتعد عنها وبدأ بحل الحبال عن يدها وقدميها ليساعدها على النهوض ويعدل من حجابها ويلف ذراعيه حول كتفها ضامًا إياها إلى احضانه وهو يسير بجوراها ليتوقف أمام معتز، محملقًا به بنظرة متقدة كلها ذكاء ثم اقترب ويهمس بجانب اذنه بصوت يشبه فحيح الأفعى :
_ حسابك تقل أوى معايا يل ابن سيف الدين بداية من اللى عملته مع مريم وحتى النهردا
صمت لثانية ثم عاود يلفظ الكلمات من بين شفتيه ببطء :
_ أسيد الصاوى ميتهددش، النهردا وافقت على شرطك علشان احمى أسمى مش اكتر، لسا متعرفش يعنى إيه أسيد يحط حد فى دماغه وأنا حطيتك خلاص ، بتلعب مع الشخص الغلط صدقنى لأنك فى النهاية هتطلع خسران بس خسران حياتك، هدفعك تمن عمايلك واحدة واحدة ونصيحة منى ابقى لما تنام بليل خلى عينك مفتوحة لأن ممكن تلاقينى فى أى لحظة جيت واخدت روحك هبقى واحد من مخاوفك يامعتز
كان مروان يقف يحدق به مبتسمًا بلؤم ليقترب هو الءخر منه هامسًا بخبث بعد أن اخذ أسيد أسمى وهى مسلطة نظرها على معتز بعتاب وخيبة أمل لم تعهدها من قبل حتى قبل أن يفعله اليوم كانت تدافع عنه:
_ اللعبة مخلصتش لا دى لسا هتبدأ، واضح أن السحر انقلب على الساحر، أبدأ عد عدك التنازلى من اللحظة دى !
ثُم يغادر خلفهم ليجد أسيد يقول له بخشونة :
_ مروان خد أسمى وصلها البيت وأنا معايا مشوار هخلصه وآجى واركم
تنهد بعمق ليقترب ويهمس بجانب أذنه فى جدية :
_ أسيد بلاش جنان هاا متتهورش وتعمل حاجة تندم عليها بعد كده
رتب على كتفه بنظرة دافئة مبتسمًا يطمئنه ثُم ضم أسمى ومرر يده على ظهرها وقبل جبينها ليشير لها بعينه أن تذهب بصحبة مروان ، فتحدقه بأعين متوسلة يعلم تلك النظرة جيدًا فقابلها برزانة وهو يتجه نحو سيارته وينطلق بها لتستدير هى وتتحرك نحو سيارة مروان وتصعد بها بجوراه وهى تبكى بحرقة فهتف مروان بقلق :
_ مالك يا أسمى ، أنتى كويسة؟
اماءت برأسها فى إيجاب بعد أن كفكفت دموعها وهمست بصوت مزقه الخزن وأعين تهيمان بالدموع :
_ كويسة يامروان الحمدلله، من جهة مش مصدقة أن معتز يعمل فيا كده ويستغلنى وأنه ازاى ضحك عليا واقنعنى انه بيحبنى وبعد ما عملنا الخطوبة وكنا خلاص هنعمل الفرح اكتشفنا حقيقته، ومن جهة خايفة على أسيد هو غضبه وحش ومش عايزاه يبقى قريب من معتز بأى شكل من الاشكال لأنه ممكن يأذيه
بصوت يقطر حنانًا ورقة همس :
_ قولى الحمدلله أن ربنا كشفه قبل ما يفوت الأوان ، وأسيد متخافيش عليه يمكن يكون متهور شوية بس مش بيعمل أى حاجة غير لما يحسبلها ألف حساب … يلا امسحى دموعك بقى
جففت عبراتها بعد أن اعطاها منديلًا ورقيًا ومع زجاجة ماء لتشرب وتروي ظمأها ثُم انطلق بالسيارة عائدًا الى المنزل ……!!
***
اجاب أسيد على الهاتف ليقابل ثوران اخيه البركانى وهو يصيح :
_ مبتردش ليه يا أسيد !
قابله ببرود تام قائلًا :
_ أسمى جاية فى الطريق مع مروان وكويسة متقلقوش وأنا ورايا مشوار وهاجى وراهم
لم يمهله الإجابة فأغلق الاتصال والقى بالهاتف على المقعد بجوراه واستكمل طريقه، داخله نيران هامدة تتوهج أكثر فأكثر وكلما يتذكر مافعله ذلك الوغد تأكل جسده من الداخل كالمرض الذى ينتشر فى جميع أجزاء الجسم ليقضى عليه شئ فـ شئ …………
***
كانا يجلسان امام التلفاز يشاهدون احدى الأفلام وبيدهم صحن ممتلئ بـ ( الفشار ) لتهتف زمردة بفضول و حيرة :
_ ألا قوليلى موضوع إيه ده اللى اخدك أسيد فيه على جمب واتكلمتوا فيه
ارتبكت قليلًا وهى تقول لها بتلعثم :
_ هااا، لا عادى بيقولى لو احتجتى حاجة اتصلى بيا وقوليلى وبيقولى أنه هييجى ياخدنى بعد شهور العدة علشان اروح اقعد عندهم
أعتدلت فى جلستها لتصبح مقابلة لها وتقول بمكر :
_ ملاك متكدبيش عليا لأنك أصلًا مبتعرفيش تكدبى ومكشوفة أوى ، قولى اخلصى قالك إيه
بأرتباك أشد وتوتر أجابت وهى تشيح بنظرها عنها :
_ وأنا هكدب ليه يعنى يازمردة قالى كده ولو مش مصدقانى ابقى اسأليه !؟
أطالت النظر إليها فى نظرات شائكة وهى تضيق عينها ثُم تطفق بمرح :
_ ماشى ياملاك، المهم أنتى مشوفتيش ريان كان بيبصلكم إزاى لحظة وكان هيولع فى أسيد والله وأنا لما شفته كده ابتسمت راح بصلى بنظرة ياساتر قمت أنا علطول عملت نفسى مش شيفاه وقعدت ابص واتأمل فى السما بس منظرى كان مسخرة والله كل ما افتكره اضحك
بادلتها الضحك وهى تقول من بين ضحكاتها :
_ تستاهلى وأنتى تضحكى ليه أصلًا ياباردة !
بلهجة صارمة تحمل فى داخلها اللؤم :
_ بضحك لأنى فهمته من نظرة وحدة وأنتى حمارة بيكلمك علطول ويقعد معاكى ومفهمتيش حاجة، وعارفة هتقولى إيه دلوقتى هتقولى قصدك إيه يعنى، هقولك قصدى ياغبية أن ريان بيعشقك مش بيحبك بس
هزت رأسها بحركة نافية وهى تلتقط من الصحن وتضع فى فمها قائلة بعدم اقتناع :
_ بيحبنى إيه أنتى عبيطة يابت، ريان بيعتبرنى زى سارة وأنا بعتبره أخويا يعنى مفيش الكلام ده !
التقطت الأخرى ايضًا من الصحن والقته فى فمها هاتفة بسخرية فى غيظ :
_ مش بقولك حمارة، اسكتى خالص كده ياملاك أنا مش ناقصة فقعة مرارة
***
ترجلت من السيارة بصحبته أمام المنزل وهو يطالعها مُبتسمًا بحنو ، سارت نحو الداخل بخطواط بطيئة، مازالت الصدمة مسيطرة عليها والخوف يتملكها ولكن بمجرد ما رأت مراد اسرعت نحوه لترتمى داخل احضانه، تحتمى به فليس لديها أحد تحتمى به سوى اخوتها.. شدد من عناقها وهو يقبل رأسها بأرتياح هاتفًا :
_ أسمى أنتى كويسة ياقلبى ؟
هزت رأسها بإيجاب لتجد ليلى تهرول فى خطواتها تكاد تركض لتعانق ابنتها وهى تهتف باكية :
_ أسمى حبيبتى كنت هتجن من الخوف عليكى يابنتى ا
أنتى كويسة ؟
كانت لا تجيبهم فقط تكتفى بإيماء رأسها فى تأكيد سؤالهم لتنظر نحو مراد وتهتف باكية :
_ مراد روح ورا أسيد ابوس ايدك شوفه خايفة ليعمل حاجة مجنونة
نقل نظره بين الجميع فى دهشة وهم بالفعل أن يذهب ويتصل بأخيه يعرف موقعه عندما شعر بالقلق فأوقفه مروان بيده هاتفًا بهدوء رزين :
_ أقعد يامراد سيبه ممكن يكون راح مكان يرتاح شوية مظنش أنه هيعمل حاجة، أسيد مش غبى للدرجة دى.. اصبر ساعتين كده وهنتصل بيه ونشوفه هيكون هدى شوية
لوى مراد فمه بعد إن بدأ أنه لا يقتنع بكلامه فأقترب منه ريان قائلًا بنفس نبرة مروان :
_ وانا رأى كده برضوا يامراد اهدى بس أنتوا الاتنين متعصبين ولا أنت هتعرف تهديه ولا هو
ضغط بقوة على قبضة يده وهو يصيح متوعدًا :
_ معتز ال ****** يوقع تحت ايدى وهشرب من دمه، أنا مش أسيد اللى هكتفى بتعذبيه لا أنا معنديش وقت هقتله فى لحظتها
عادت مُجددًا تلك المدعوة بليلى لتقول بأمتعاض وأنفعال:
_ كل ده من ورا عمايلك أنت واخوك ، خليكم بتحموا الزفتة اللى اسمها ملاك دى اللى مشوفناش من وراها خير إذا كان اخوها كدا فهى هتكون إيه !
صاح مراد كالجمرة المتوهجة بالنيران :
_ امى سيبى البنت فى حالها لو سمحتى، ومتتكلميش وأنتى مش عارفة حاجة مش أى حاجة هتحصل هترمى بلاها على ملاك ، إيه دخلها هى باللى بيحصل مش كفاية اللى شافته واللى عاشته بسبب جدى وعمى وكلهم عارفين هى حصلها إيه كويس ومحدش قلبه حن عليها ، من النهردا اللى هيقول كلمة واحدة عن ملاك أنا اللى هتصدرله مش أسيد
كانت عيناه الملتهبة كافية لتسلل الخوف إلى قلب أسمى وليلى قليلًا، حتمًا أنه يحب ملاك ولكن لا شك أنه حب اخوى يريد حمايتها كما يحمى شقيقته، مراقبته لها هو وأسيد طوال السنين الماضية ومعرفة كل شئ عنها كان سبب كافى لجعلهما يحبونها دون أن يعاشروها …….. !!
***
فتح خالد الباب ليتفاجئ بأسيد أمامه انتابه شعور بالخوف قليلًا وشعر ببرودة فى أطراف أصابعه عندما رأه فهتف أسيد باسمًا :
_ إيه ياخالد هتيبسنى واقف على الباب كده ولا إيه !
أفسح له الطريق وهو يشير بيده أن يدخل في نظرات زائغة ، فدخل أسيد وأتخذ مقعدًا له على الأريكة وهو يتفحص المنزل هاتفًا بأستنكار :
_ ماشاء الله المكان ولا الكابريهات، لا وبيدور على أخته كمان إيه هيبجبها تعيش معاه فى المخروبة دى، ولا يمكن هيخليها تخدم عليه هو واشكاله الزبالة زيه
أزدرد خالد ريقه بتوتر ليتشدق بتردد :
_ هو أنت جيت هنا ليه يا أسيد
وثب واقفًا وهو يبتسم بخبث وصوت أجشَّ :
_جيت ليه يا أسيد جيت ليه ! ، اقولك جيت ليه يا خالد تخيل كده لما معتز يعرف أن خالد صديقه الصدوق هو اللى قتل ابوه بالاشتراك مع أشجان هيحصل إيه، والله أنا لو حبيت الحقك منه مش هلحق لأنى عقبال ما آجى هيكون قتلك.. أنا عارف بلاوى كتير للاسف عن كل واحد بس ساكت وأهو عندك مثال أشجان مرات عمى اكتر وحدة عارف عنها بلاوى بس ساكت ليه علشان عمى وريان وسارة وزى ما أنا عارف أن عمتى فرودس مماتش بسبب المرض وزى ما عارف كمان أنك سبق وحاولت تقتل ملاك .. ياااه بتخيل لو معتز عرف أنك عملت ده كله هيعمل فيك إيه، بس طبعًا متفتكرش أنى نسيت ده لا كله مسجل فى الحسابات وكل واحد عمل حاجة هييجى عليه الدور ويدفع تمنها بس الفكرة أنى مستنى الوقت المناسب علشان لما اصوب السهم يرشق فى الهدف
فرت الدماء من وجهه وتسارعت نبضات قلبه برعب وهو يرمقه بأعين مرتعدة ، بدأ العرق يسيل من على جبينه ليهمس بصوت مبحوح :
_ طيب أنت عايز إيه يا أسيد بظبط !؟
ظهرت إبتسامته اللئيمة وهو يقول بنظرة مشتعلة بفعل الانتصار :
_ كده ابتديت تفهمنى، عايزك تراقب معتز عينك متغفلش عنه وتعرف كل حاجة بيعملها يعني لو دخل الحمام تقولى شايف التفاصيل دي، وبما أنك علطول معاه فهتكون سهلة عليك، دلوقتى عايزك تراقبه بس وبعدين هقولك تعمل إيه تانى
صمت لبرهة من الوقت وهو يحدق به بصمت متفكرًا ليجيبه وكأنه قرأ افكاره :
_ عارف بتفكر فى إيه ، بتقول وأنا اساعدك ليه وأنت كده كده برضوا مش هتسيبنى من غير عقاب على اللى عملته.. أنا غير أخرى هبلغ البوليس عليك وهتتحبس تاخد مؤبد بقى تتعدم دى حاجة مليش فيها أنما لما اقول لمعتز فانت هتتقل وبأبشع موتة ، أنت إيه رأيك تموت ولا تدخل السجن.. فكر ورد عليا واوعى لسانك يوقع بكلمة كده ولا كده مع أشجان فاهم، هستنى الرد منك بليل علشان نبدأ من بكرة
أستدار وأنصرف تاركًا إياه يحاول أستيعاب ما يحدث كيف له أن يعرف كل هذا، وراح يجاهد فى السيطرة على انفاسه المتسارعة ………. !!
***
ترامقت النجوم الساهرة محلقة فوق الرءوس ، عيناه تدوران فى ذلك المنزل الصغير المطل على البحر ، دائمًا زوجته تكون محتلة مركز الصدارة فى عقله لا يستطيع حتى نسيانها ليوم واحد ، يتذكر كيف قضى شهور وأيام بصحبتها فى ذلك المنزل، الآن هو موجود به دونها، وكأنه أرض خراب لا تُصلح لاستصلاحها أو زراعتها من جديد، قلبه يسحق تحت الأسى والشجن حتى املأها الدمار، لعلى أنفاس الليل الباردة تخفف من حرارة حزنه.. نهض وتوجه نحو غرفة النوم لينزع حذائه عنه وسترته ويتسطح بجسده على الفراش مستسلمًا للنوم ………!!
ساعات واخذت الظلمة ترق وتلوح بشائر النور الموعود فى الأفق و ترسل الشمس شعاعها رفيقًا فوق المروج الخضراء والسحب تزين الماء بقطع بيضاء، أستفاق بفزع على صوت طرق الباب القوى، ليعتدل فى نومته ويمسح على وجهه وشعره بخنق وينهض ليفتح الباب ليندهش بوجود مراد وأمه امامه التى عانقته بشدة وهى تهتف ببكاء :
_ كده يا أسيد كنا هنموت من القلق عليك اليوم كله امبارح وأنت قافل تلفونك ومش هامك حد
طالعها بإبتسامة ناعمة وهو يمسك بيدها ليقبلها بحنان هامسًا :
_ حقك عليا يالولو بس كنت محتاج أقعد وحدى شوية واريح دماغى وبعدين أنتوا قلقنين ليه مش معقول يعنى هعمل حاجة غبية، كان فى مشوار عايز اعمله وبعد كده جيت على هنا.. ثم أن مين المتخلف اللى بيخبط كده أكيد أنت صح ، راعى أن فى ناس نايمة جوا
هتف مراد شبه ضاحكًا :
_ تسلم يا أبو الواجب، اخويا الكبير بقى هعمل إيه نستحمل تهزيقه!
بغضب مزيف هتف :
_ أنت إيه اللى جايبك يامراد !؟
دخل وجلس على الاريكة ليردف بمرح وبرود مستفز :
_ جاى اغتت عليك عندك مانع
نظرت ليلى لأسيد وبأعين دامعة تمتمت راجية :
_ أسيد اوعى تكون بتكدب عليا وعملت حاجة ؟
بصوت لين ورقيق غمغم :
_ هكون عملت إيه يعنى يا أمى قتلته مثلًا، متخافيش معملتش حاجة ، ويلا علشان اوصلك البيت قبل ما اروح الشغل
صاحت فى أستياء برفض قاطع ولهجة لا تقبل النقاش :
_ شغل إيه ، أنا جايبة أكل معايا مش هتمشى قبل ما تفطر
ليقول مراد مازحًا :
_ ياسلام على حنان الأم، ولما أنتى حنينة كده منشفة ريق ملاك الغلبانة ليه هااا يامفترية
لتصرخ به وهى تلتقط أحد الاحذية من الارض وتلقيها عليه بزمجرة :
_ مفترية فى عينك قليل الأدب هقول إيه ما أنا معرفتش اربى ، قوم يلا مش قولت ورايا شغل على أساس أن الشغل مقطع بعضه معاك قوم ياخويا قوم لتتأخر على الديوان بتاعك
استطاع تفادى الحذاء وهو يضحك بشدة ناظرًا إلى اخيه الذى يشاركه الضحك قائلًا :
_ شايف مش بقول حنينة، بتحبنى أوى والله !!
همت بألتقاط الفردة الثانية من الحذاء لتلقيها عليه فنهض فورًا وامسك بيدها وهو يقبل رأسها قائلًا :
_ طاب ورحمة ياسر الغالى ما أنتى تاعبة نفسك، أسفين يا أبو صلاح !
ضربته على كتفه بقوة وهى تقول بضجر زائف وعيناها تضحك بحنو امومى:
_ امشى ياواد !!
لتسدير وتتجه نحو المطبخ لتحضر لهم وجبة الأفطار ، وبسرعة البرق يتحول مراد من حالة المزاح والمرح إلى الجدية وهو يسحب اخيه ليجلسوا على الأريكة هاتفًا بحدة :
_ هتقولى كل حاجة يا أسيد دلوقتى كنت فين امبارح وحصل إيه من ساعة ما كنت حابس معتز فى المخزن !
***
كانت قد ذهبت زمردة الى عملها وبقت ملاك بالمنزل بمفردها تارة تفكر فى أسيد وتتساءل ترى لماذا كان هاتفه مغلق طوال أمس هل أصابه شئ حتى ريان كان لا يجيب على هاتفه، جوجدت هاتفها يصدر رنينه فوثبت واقفة وهى تركض لعله يكون هو ، لكنه كان رقم مجهول، فأجابت بعد إن ظنت أن المتصل قد يكون سارة وتريد الاطمئنان عليها ولكن وقفت الكلمات فى حلقها والرعب تسلل إلى كل جزء فى جسدها عندما سمعت صوت المتحدث …………. !!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أشلاء القلوب)